قراءة نقدية لمشروع قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية و التعليم والتكوين و البحث العلمي
- من إعداد : مارية جوهري باحثة في سلك الدكتوراه، تخصص التدبير والإداري والمالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال –جامعة محمد الخامس- الرباط.
تقديم :
انطلاقا من الدور المحوري الذي تلعبه المدرسة داخل المشروع المجتمعي لبلادنا، واعتبارا لدورها في في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتكوين الكفاءات والخبرات ، وتفاعلا مع النقاش العمومي الدائر حول واقع المنظومة التعليمية ببلادنا، وواقع المدرسة العمومية المغربية، تم الإعلان عن مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، والمندرج في إطار” الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030″ ، وذلك من أجل إعادة صياغة قضية التعليم ضمن أولى الإنشغالات والأولويات الوطنية .
وقد جاء مشروع القانون الإطار في سياق موسوم بالعديد من مؤشرات الفشل والأزمة، التي تعرفها المنظومة التعليمية، وهو ما تم إقراره في أعلى مستويات الخطاب الرسمي، غير أن إيقاع تفاعل المنظومة مع التحولات التي يعرفها المغرب خاصة منذ بداية الألفية الثالثة، وديناميتها البطيئة، وغير المتوازنة، وتراكم مؤشرات الضعف والهشاشة الذي يهدد مردوديتها ، يدفع إلى مساءلة المدرسة المغربية وتحديد مواطن الاختلال، باعتبارها قطاعا يستهدف بناء المستقبل وإعداد أجيال الغد، ومساءلة البيئة الحاضنة للفعل الإصلاحي بدءا من مقاربة الوضعية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للمجتمع باعتباره الفاعل الأساسي والمستهدف الأول من السياسات العمومية واستراتيجيات التنمية، مرورا بمناقشة السبل الكفيلة لإرساء تلك السياسات لتكون أكثر فاعلة واستدامة، وما يقتضيه كل ذلك من حاجة الى مجهود تشريعي يمكن من إنتاج الترسانة القانونية المؤطرة لمشاريع الإصلاح .
ومن هذا المنطلق، و لإغناء وإثراء النقاش العمومي الدائر حاليا حول إصلاح المنظومة التربوية ، سنحاول في هذه الورقة المختصرة، تقديم بعض الملاحظات النقدية المرتبطة بهذا المشروع الذي يحمل في طياته العديد من النواقص التي تسائل أهليته لربح رهانات الجودة والارتقاء والانصاف، وسنوجز هذه الملاحظات في ثلاث محاور :
- المحور الأول: القانون الإطار ورهان النجاعة التشريعية
- المحور الثاني : قانون الإطار : تعدد المتدخلين والمسؤولية المشتركة
- المحور الثالث: قانون الإطار و ضبابية الرؤية
المحور الأول: القانون الإطار ورهان النجاعة التشريعية
لقد أحال مشروع قانون الإطار في تنزيل مضامين الإصلاح إلى مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية، والتي تعتبر رهانا تشريعيا لوضع مخطط التشريعي يواكب الاصلاح في جميع محطاته وانتهاءا بارساء الدعامات الضرورية لنظام رقابي مواكب لتنزيل سيرورة قانون الإطار. فالنصوص القانونية المنصوص عليها في هذا المشروع تعددت فيما بين التشريعية والتنظيمية فهناك:
1)- مرسوم يصادق على الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات (المادة 34)،
2)- 17 نصا تنظيميا في المواد التالية ( 11- 13- 15-26 -28-32-45- 54)، و تتعلق بتأليف اللجنة الوطنية المحدثة لدى رئيس الحكومة لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وتنظيمها وكيفيات سيرها، وأيضا نصوص تتعلق بتحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين، نصوص أخرى خاصة بإحداث مجلس وطني للبحث العلمي، وإحداث وتنظيم شبكات التربية والتكوين والتعليم و إحداث مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل و إحداث الآليات الخاصة بالتنسيق المشار إليها في المادة 15، ونصوص تنظيمية تحدد تطبيقات الهندسة اللغوية على صعيد كل مستوى من مستويات المنظومة (ستة نصوص بمعدل نص تنظيمي لكل مستوى)، والمصادقة على الإطار الوطني المرجعي للإشهاد والتصديق .
إذن مشروع قانون الإطار تضمن إصدار مرسوم واحد، وسبعة عشر نصا تنظيميا، ناهيك عن النصوص التشريعية و التنظيمية التي ستنسخ أو تعوض أو تعدل النصوص الجاري بها العمل قبل دخول القانون حيز التنفيذ، وكل هذه الإجراءات تشكل ورشا قانونيا كبيرا يتطلب لإنجازه إصدار ترسانة قانونية و جدولة زمنية مرتبطة بتحقيق بعض الأهداف والتي تبدو شبه مستحيلة، مثلا (تأهيل مؤسسات التعليم خلال ثلاث سنوات – القضاء على الأمية في أجل ست سنوات- مراكز الدعم النفسي في ثلاث سنوات – سد الخصاص في مؤسسات التعليم في أجل ست سنوات..). وبالنظر لإيقاع إنتاج النصوص التشريعية ببلادنا سيبقى هذا الإصلاح مؤجلا باعتبار القضايا الجوهرية التي لم يحسم فيها القانون، وأرجأها إلى حين الحسم في الإطارات المرجعية، أوفي النصوص التنظيمية، وبالتالي سيكون المدى القصير للرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم التي تمتد من سنة 2015 إلى 2030، قد انتهى قبل الشروع حتى على المصادقة على القانون الإطار.
المحور الثاني : قانون الإطار : تعدد المتدخلين و المسؤولية المشتركة
عند قرائتنا لمضامين المشروع قانون الإطار، أثار انتباهنا مجموعة من الملاحظات التي تهم صياغة القاعدة القانونية، ومدى وضوحها حتى يسهل على المعنيين بتنفيذ هذه القاعدة تنزيل رؤية المشرع وتوجيهاته، فقد خص مشروع قانون الإطار الدولة/ الحكومة ومجموعة من المتدخلين بمهام ومسؤوليات مشتركة تتناول الولوج إلى منظومة التربية والتكوين وآليات الإستفادة من خدماتها (الباب الرابع)، وكذا مهام تتضمن المناهج والبرامج والتكوينات (الباب الخامس)، إلى جانب تدبير الموارد البشرية (الباب السادس) وقواعد حكامة المنظومة (الباب السابع)، وتمويل وتقييم المنظومة (البابان الثامن والتاسع). لكن ما أثار الإنتباه هنا أن المشرع تارة نجده يتحدث عن الحكومة، وتارة عن الدولة، وأخرى عن السلطات الحكومية، ومرة عن السلطات، ومرة أخرى عن السلطات العمومية، وعن المتدخلين ، وعن الفاعلين … وهو ما يبقى التساؤل مشروعا حول كثرة هذه المفاهيم والهدف من تعدد المفردات. (إشكالية ضبط المفاهيم).
وعلاقة بموضوع ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبتحديد المسؤوليات في المنظومة التربوية، يمكن القول أن مشروع قانون الإطار لم يضع مسؤوليات محددة على الفاعلين والمتدخلين في المنظومة التعليمية، ولم يحدد هؤلاء الفاعلين( المادة 33)، ولم ينص على آليات التعاون والتنسيق بين كل الأطراف المعنية بالتدخل في المنظومة التربوية. فقد وضع مسؤوليات لكنها مشتركة بين العديد من المتدخلين : الدولة والأسر والمؤسسات العمومية و الجماعات الترابية والفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين والقطاع الخاص، وهيئات المجتمع المدني( المادة 6 والمادة 20)، وبالتالي لم يضع حدودا للعلاقة بين كل هؤلاء الفاعلين ، لدرجة لا يمكن معرفة أين تبدأ مسؤولية ومهام كل متدخل وأين تنتهي. كما أن طابع المسؤولية المشتركة للمتدخلين في المنظومة التربوية، سيؤثر لا محالة على ضمان واستمرارية تمويل مشاريع الإصلاح، واستدامتها، لأن تعدد المتدخلين يعني تشتيت للمسؤولية وانفلاتها من المحاسبة.
أضف إلى ذلك أن المادة 10 من المشروع أحالت إلى عملية التفاعل والتكامل بين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين التابعة للقطاع الخاص و باقي مكونات منظومة التربية والتعليم والتكوين في تنزيل مضامين مشروع قانون – الإطار، وهنا نشير إلى عدم وضوح كلمة التفاعل والتكامل وحدودها ، وكيفية أجرأتها، وهو ما يستدعي من المشرع تحديد أهداف وآليات المأسسة لمبادئ التفاعل والتكامل هذه لتتضح الرؤية لدى الفاعلين الإقتصادين، وتشجعهم على المبادرة والإستثمار في مجال التربية والتعليم والتكوين، باعتبار قانون الإطار هو قانون توجيهي يضع المبادئ والأسس الكبرى ويحدد المهام .
وبما أن الدولة تتحمل المسؤولية الأولى في إيجاد حلول للمشاكل التعليمية وهي الفاعل الرئيسي في صناعة سياسات التعليم، والمسؤولة عن الإخفاقات والإنتكاسات التي عرفتها المنظومة التربوية منذ الإستقلال إلى يومنا، وانطلاقا من أن تحديد المسؤولية يعني أن يكون المتدخل مكلفا بتأدية واجبات يكون محاسبا عنها وعن نجاحه أو إخفاقه فيها، فإن مقتضيات المشروع الإصلاحي الجديد لم تضع مسؤوليات محددة وبشكل مباشر على عاتق الدولة، بل حتى في مسألة تمويل المنظومة التربوية تم التنصيص في المشروع على الإعتماد في ذلك على مبادئ التضامن الوطني في تحمل التكاليف العمومية ( المادة 4 الفقرة 7)، وعلى مساهمة الأسر الميسورة وباقي الشركاء في تمويل المنظومة ( المادة 42) ، وحتى إن تدخلت الدولة فذلك سيتم في «في حدود الإمكانات المتاحة » ( المادة 19 من مشروع القانون- الإطار). وهو ما يضع الدولة أمام محك تفعيل حق التعليم و التكوين الذي يعد من أهم الحقوق المدنية والسياسية الذي لا يخضع لمنطق التدرج.
و ارتباطا بما سبق، نستنتج الملاحظات التالية:
أولا : غموض ، وغياب مسؤولية الدولة بشكل مباشر في توفير التعليم الأولي ( الأساسي )، و التعليم الإلزامي،
ثانيا : إقرار مجانية التعليم فقط في التعليم الإلزامي ( المادة 43) الذي أصبح يقتصر فقط على الفئة العمرية من السن 5 إلى 15 سنة ، مع التنصيص على إحداث صندوق خاص لدعم وتعميم التعليم الإلزامي إلى غاية السنة الأخيرة من الإعدادي( المادة 44) ، وكأن التعليم الثانوي والجامعي ليس إلزاميا وغير معني بالسياسات العمومية للدولة ، و لن يبقيا واجبا على عاتق الدولة. فما هو المبرر من استثناء السلكين الثانوي، والعالي من الإلزامية ومن الدعم؟.
ثالثا : إقرار مبدأ المساهمة في تمويل التعليم العالي والتعليم الثانوي التأهيلي بصفة تدريجية من خلال إقرار رسوم للتسجيل ( المادة 45). بهذا الإجراء ، ستصبح الدولة متناقضة مع نفسها، إذ لا مبرر لوجودها إن هي تنصلت من واجباتها في توفير الخدمات العمومية للمواطنين( التعليم – الصحة – القضاء – الأمن- البنية التحتية …)، فهي تفرض ضرائبا متنوعة مباشرة وغير مباشرة على المواطنين سواء أفراد أو فاعلين اقتصاديين، من أجل ضمان الخدمات العمومية وعلى رأسها التعليم العمومي، و في نفس الوقت، بهذه المقتضيات الجديدة ستقطع مع مبدأ العمومية والمجانية في خدمات مجتمعية ذات أولوية وطنية (مثل التعليم العمومي).
رابعا : حتى إذا سلمنا بمبدأ توزيع مسؤولية الدولة بين شركاء أخرين في وضع وتنفيذ سياسات الإصلاح التعليمي ، فإن الواقع يحيلنا إلى إكراهات لا مناص للخروج منها، فبالنسبة لمساهمة المجتمع المدني( المواد 6- 17- 20) كشريك في إصلاح منظومة التعليم يسائل أهليته لتنفيذ مشاريع كبرى عجزت الدولة طيلة سنوات عن تحققها ( محاربة الأمية ، الهدر المدرسي …)، فكان يتعين على مشروع القانون الإطار ألا ينقل واجبات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية إلى هيئات المجتمع المدني، فهذه الأخيرة تضطلع بدورالمشاركة وتقديم الدعم في تكامل مع المؤسسات الأخرى، وعلى السلطات العمومية أن تشجعها وتدعمها.
كما أن حديث الدولة عن دور الجماعات الترابية سيجعل هذا المشروع معلقا و مرتبطا بإمكانيات وإرادة وديمقراطية كل جماعة ترابية، التي تختلف لا محالة من جماعة إلى أخرى ومن جماعة قروية إلى جماعة حضرية، ناهيك عن الإشكالات العميقة التي تتخبط فيها الجماعات الترابية والتي ترتبط بإشكالية تمويل السياسات العمومية الترابية، وبالتالي فإن هدف الإنصاف سيصبح مهددا ، ومضامين الإصلاح ستؤجل.
ومن كل هذه المعطيات ندعو إلى توضيح المسؤوليات بشكل محدد خاصة بالنسبة للبرامج الإستعجالية وللأولويات الإصلاحية في المشروع، لأن تحديد المسؤوليات من المداخل الأساسية لربط المسؤولية بالمحاسبة،( الفصل الأول من الدستور)،والارتقاء بالمنظومة التربوية وحكامتها وجودتها. ثم ضرورة إعادة النظر في مبدأ إقرار المساهمة في تمويل المنظومة التربوية واقتصار إلزامية التعليم ومجانيته فقط على التعليمين الإبتدائي والإعدادي .
المحور الثالث: قانون الإطار و ضبابية الرؤية
بالإضافة إلى الملاحظات السابقة، تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من القضايا الهامة والإشكالات المتعلقة بالمسألة التعليمية لم يتم الحسم فيها من قبل هذا المشروع قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بالمنظومة التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي، فمثلا السياسة اللغوية ( بما فيها إشكالية الهندسة اللغوية، والتعددية اللغوية والتناوب اللغوي ) لم يتم تحديد لغة العلم الأساسية من المدرسة الإبتدائية إلى المستويات الجامعية قبل الإنفتاح على اللغات الأخرى، كما لم يتم تحديد وضع اللغة الأجنبية ( محورية الفرنسية أم الإنجليزية )، ولغة العلوم لم تحسم بعد باعتبار أن التدريس يكون باللغة العربية وبعد ذلك يتغير إلى لغة فرنسية في المستويات الجامعية، مع العلم أن واقع الأمر أصبح يفرض نفسه لصالح اللغة الإنجليزية.
قضية هامة وأساسية أخرى تم إغفالها من قبل مشروع قانون الإطاروتتعلق بالموارد البشرية التي ستحمل هم تنزيل المشاريع الإصلاحية لهذا القانون وللرؤية الإستراتيجية، فالباب السادس من المشروع لا يضم سوى أربع (4 ) مواد، وهو ما يعد إخلال بمبدأ تلازم الحقوق والواجبات، فمشروع قانون الإطار أغفل واجبات وحقوق جميع الفاعلين كضمان حقيقي لبناء الثقة والالتزام بالواجب المهني. فكيف لمجموع المواد القانونية المكونة لنص المشروع تنص على مببادئ وأهداف المنظومة، أن تتغاضى على تفصيل أهم حق في تنزيل هذا الورش الاصلاحي وهو جودة ونجاعة وحكامة الموارد البشرية القائم على عاتقها تنزيل وتنفيذ أهداف وغايات هذا المشروع. فكان من الأجدى أن ينص مشروع قانون الإطار على إرساء آليات لتحفيز المدرسين وتشجعهم على المبادرة والتجديد و تحسين ظروف عمل المدرسين و تطوير آليات المتابعة والمرافقة وتقييم عمل المدرسين و الإرتقاء بظروف عمل الإطار الإداري والتربوي،وذلك في إطار تعاقد ثقة حول الحقوق والواجبات المهنية.
وعلاقة بمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص خاصة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة ، يلاحظ فراغ من حيث المبادئ المؤطرة لعملية إدماج الاشخاص ذوي الإعاقة أو المحتاجين في العملية التربوية (المادة 22 )، فالمادة 3 من المشروع، لم تشر إلى تأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة، و المادة 17 لم تشر إلى التدابير الرامية إلى تهيئة المؤسسات التربوية الحاضنة لذوي الإعاقة حسب الحاجة، بالإضافة إلى غياب برامج التكوين الأساسي و المستمر في التربية الدامجة و التعلم الدامج، وانعدام تطويع المناهج بما يراعي الاختلاف بين التلاميذ.
إن الأشخاص في وضعية صعبة أو وضعية إعاقة، هم المواطنون الذين يدفعون ثمن تردي الخدمات التعليمية بشكل مضاعف عدة مرات، باعتبارهم بحاجة إلى بنيات استقبال خاصة وأطر تعليمية ذات تكوين خاص.
وهو ما يدعو إلى بذل الجهود ومضاعفتها أكثر لتنزيل النوايا والأفكار على أرض الواقع . فكان ينبغي الأخذ بعين الإعتبار توفير التجهيزات المناسبة لولوج هذه الفئة للمؤسسات التربوية واستفاذتها بشكل منصف من مرافق المؤسسات التربوية والتعليمية والتكوينية، تماشيا مع الأهداف الواردة في مشروع قانون الإطار ولضمان المساواة والحق في الولوجية وتكافؤ الفرص، لأن رهان المدرسة اليوم أن تكون مدرسة دامجة ومنصفة للجميع .
وأما فيما يخص مبادئ وقواعد حكامة منظومة التربية والتكون والتعليم العالي والبحث العلمي، فقد خصها مشروع قانون الإطار بعنوان الباب السابع، حيث وضعت المادة 37، مجموعة من المبادئ التي وجب التقيد بها عند وضع الإستراتجيات وتوجهات إصلاح المنظومة كمبدأ التفريع و نص على مواصلة سياسة اللامركزية واللاتمركز، وتناسى المشروع أهم مبدأ الذي يعد الخيط النابض في تفعيل هذه المبادئ ، وهو الجهوية المتقدمة، باعتبارها أساس يقوم عليه التنظيم الترابي للمملكة، إذ ينص الفصل الأول من الدستور على أنه تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. وبالتالي نرى من الضروري ملائمة المادة 37، مع مضامين الدستور، لأن رهان الجهوية المتقدمة سيمكن من وإمكانية ربط البعد الجهوي والمجالي ، بشكل فعال ومنتج، بمشاريع الإصلاح التربوي الجديد، وهومدخل للمساهمة والمشاركة في تنزيل مضامين القانون الإطار باعتبار الجهة شريك في تنفيذ السياسات العمومية الترابية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نقترح إقرار مبدأ أخر يتعلق بتطوير وظيفة التخطيط الجهوي من خلال إقرار إلزامية آلية مشروع الجهة التربوي، لأن المشروع أنزل مخططات قصيرة الأمد 3 سنوات ومتوسطة الأمد 6 سنوات، سترتبط زمنيا مجاليا مع برنامج عمل الجهة وأيضا مع البرمجة المتعددة السنوات لتدبير ميزانيتها. كما أن إقرار آلية مشروع الجهة سيضمن مشاركة ناجعة للجهات للنهوض بالمدرسة، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والإجتماعية لكل جهة، اعتبارا للجهة كشريكا للدولة في تنزيل مضامين هذا المشروع.
خاتمة :
من خلال الملاحظات التي أدرجناها سالفا، أمكننا طرح التساؤلات التالية: هل مشروع قانون – إطار المتعلق بإصلاح منظومة التعليم، تمكن من وضع اللبنات الأساسية للاستثمار في التعليم، تماشيا مع الرؤى الاستراتيجية والتوجهات الاقتصادية للخطط التنموية للمملكة؟ وهل تمكن من وضع أحكام وقواعد قابلة للتنفيذ ؟ و هل تمكن بالفعل من حل إشكالية التمويل واستدامتها باعتبارها قضية أساسية لمصداقية أي إصلاح ؟
لقد واجهت ومازالت تواجه المدرسة المغربية اختلالات عميقة داخلية وخارجية لم تستطع تجاوزها رغم المجهودات المبذولة لإيجاد حلول ملائمة لها، بدءا من مخططات المغربة والتوحيد والتعميم مرورا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة 2000 ثم البرنامج الاستعجالي 2009/ 2012 الذي استهدف تدارك نقائص وتعثرات الترجمة العملية لبنود الميثاق على أرض الواقع ، وصولا إلى الرِؤية الإسترتيجية للإصلاح 2015-2030 التي وضعت لبنات ودعامات، أخذ بها مشروع قانون الإطار لإصلاح التعليم، لكن أخفق في جعل مضامينه تأخذ طابع الإلزامية، مع إغفال مجموعة من القضايا الأولوية والإستعجالية ، كالهدر المدرسي ومحاربة الأمية والسياسة اللغوية، فاتسمت جل مقتضياته بالعمومية وإعلان المبادئ والأهداف.
ولتجاوز حالة النكوص والأزمة التي شلت قطاع التربية والتعليم والتكوين، وجب تغيير نظرة الدولة لقطاع التربية والتكوين والتعليم العالي، و التعامل مع هذا القطاع كاستثمار في العنصر البشري وليس ككلفة مالية، مع ضرورة العمل على تكامل الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للمنظومة التربوية.
كما ينبغي على الدولة والحكومة أن تعمل وفق مقاربة تشاركية وتشاورية مع جميع المعنيين بالشأن التعليمي من خبراء وأساتذة ومفكرين وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن التربوي، وفاعلين اقتصادين وإعلاميين، من أجل التعجيل بوضع أسس واستراتيجية واضحة المعالم لتحديد دور ومهام كل متدخل وتحديد مسؤوليته وباقي الفاعلين والشركاء في تنزيل هذه البرامج ذات الأولوية في السياسات العمومية التعليمية، والتي فشلت جميع المخططات العمومية في تنزيلها منذ الإستقلال. ليبقى الرهان منصب على البرلمان والنخب السياسية والنقابية لإدخال مقترحات لتعديل هذا المشروع، وتجويد صياغته حتى يواكب النقاش الوطني المفتوح ويساير ويستجيب لمتطلبات المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
على أن يبقى الأمل معقودا على تهييء البيئة الحاضنة للفعل الإصلاحي، وتوفير الأليات التشريعية والتنظيمية لتنزيل مضامين القانون الإطار، وتفعيل الأوراش القانونية التي نص عليها، و التأكيد على ضرورة احترام الفاعلين وكل المتدخلين لمبدأ ” الحياد” وأن تنص كل التشريعات المتعلقة بقطاع التعليم على واجب احترام حياد التعليم، من طرف كل الفاعلين، وضرورة تبني اختيارات بيداغوجية ملائمة وناجعة لا تعتمد على المؤشرات الكمية ومعدلات الولوجية، ليتمكن زبناء المدرسة المغربية من اكتساب الكفايات التي تتيح لهم الإسهام في تدبير المعرفة وإنتاجها وكسب رهان التنافسية العالمية في المجالين الاقتصادي والمعرفي.
تعليقات 0