قانون 31.13 ما بين آمال نيل ثقة الحكومة المنفتحة ومآل التنزيل
عبد الحكيم الشباني طالب باحث في القانون ووسائل الإعلام.
بادئ ذي بدء ومن نافلة القول تجدر الإشارة أن قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة صدر بالجريدة الرسمية يوم 12 مارس 2018 ودخل حيز التنفيذ منتصف هذا الشهر يوم 12 مارس 2019، وقد جاء هذا القانون نتاج إنضمام المغرب لشراكة الحكومة المنفتحة، وهي مبادرة متعددة الأطراف تم الإعلان عنها في 20 سبتمبر 2011 خلال الجلسة الافتتاحية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من قبل ثماني دول، وهي مبادرة تهدف بالأساس إلى دفع الدول المنخرطة في المبادرة إلى دعم الديمقراطية التشاركية بوضع المواطن في صلب اهتماماتها عبر تعزيز الشفافية و الحصول على المعلومة و النزاهة ومحاربة الفساد واستغلال التكنولوجيات الحديثة، وقد تمكن المغرب أخيرا من الحصول على العضوية في هذه المبادرة في القمة العالمية لمشروع شراكة حكومة منفتحة بجورجيا المنعقدة ما بين 17 و 19 يوليوز 2018 .
وعليه يعتبر الحق في المعلومة من بين أهم الركائز التي تخول للبلدان جواز السفر لدخول مبادرة الحكومة المنفتحة، وقد سعى المغرب جاهدا من أجل تفعيل مقتضيات الفصل 27 من الدستور من أجل نيل ثقة الحكومة المنفتحة، ومبدئيا نجح في ذلك من خلال إخراجه قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة حيز الوجود ليصبح المغرب بذلك عضوا من بين 76 عضوا في مبادرة الحكومة المنفتحة.
لكن هل كان ذلك كافيا من أجل نيل ثقة الحكومة المنفتحة ؟ أم أن على المغرب الوفاء بالتزاماته الدولية وتفعيل هذا القانون حتى يستطيع تأكيد عضويته بمبادرة الحكومة المنفتحة التي تعتمد معايير صارمة لقبول العضوية الدائمة فيها.
ذلك ما سنحاول الوقوف عليه من خلال استعراض أبرز ما جاء في هذا القانون، وسنحاول الوقوف على أبرز الملاحظات والإشكالات العملية المترتبة عن تنزيله، والتحدث عن دور المجتمع المدني في تفعيل مضامينه.
المحور الأول : قراءة في قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة
على مستوى الشكل جاء هذا القانون متكونا من 30 مادة موزعة إلى 7 أبواب : أحكام عامة -الاستثناءات الواردة على الحق في الحصول على المعلومة – تدابير النشر الاستباقي – اجراءات الحصول على المعلومات – لجنة الحق في الحصول على المعلومات – العقوبات – أحكام ختامية .
ويتضمن القانون إحالات في بعض مواده ( 28 – 29 ) لمجموعة القانون الجنائي ( 360 – 466 ) وإشارات إلى قانون 09.08 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ( المادة 25 ) في المادة 7 منه، وإلى مقتضيات المادة 27 من الدستور فضلا إلى قانون 69.99 المتعلق بالأرشيف.
على مستوى المضمون استهل المشرع بنوده بتعريف لماهية المعلومة وذلك في المادة 2 منه، ثم توجه لتحديد الهيئات والمؤسسات المخاطبة بهذا القانون في نفس المادة وهي مجلس النواب و مجلس المستشارين و الإدارات العمومية و المحاكم و الجماعات الترابية و المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام و كل مؤسسة أو هيئة أخرى مكلفة بمهام المرفق العام و المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الباب 12 من الدستور . ولأن المتعارف عليه أنه لكل قاعدة استثناء سارع المشرع إلا تحديد الإستثناءات أو بالأحرى القيود الواردة على حق الحصول على المعلومة وذلك في المادة 07 منه وحصرها في : الدفاع الوطني، و أمن الدولة الداخلي والخارجي، و المعطيات الشخصية و الحريات والحقوق الأساسية، و العلاقات مع دولة أخرى أو منظمة دولية حكومية، و السياسات النقدية أو الاقتصادية أو المالية للدولة، و حقوق ومصالح الضحايا والشهود والمبلغين، و سرية مداولات المجلس الوزاري ومجلس الحكومة، و سرية الأبحاث والتحريات الإدارية و سرية المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها، و مبادئ المنافسة الحرة والمشروعة والنزيهة والمبادرة الخاصة .
وما لبث المشرع أن نص على ضرورة النشر الإستباقي للمعلومة عبر آليات متعددة مستغلا جميع القنوات المتاحة بما فيها وسائل النشر الإلكترونية منها والبوابات الوطنية للبيانات العمومية وذلك في المادة 10 منه مخاطبا في الآن ذاته في المادة 12 المؤسسات والهيئات بضرورة تعيين موظفين مكلفين بمهمة تلقي طلبات الحصول على المعلومة .
أما فيما يخص إجراءات الحصول على المعلومة فبحسب مضمون المادة 14 تتم عبر تقديم المعني بالأمر نموذج تعده اللجنة يتضمن الإسم الشخصي والعائلي لصاحب الطلب وعنوانه الشخصي، ورقم بطاقة التعريف الوطنية، وبطاقة الإقامة بالنسبة للأجانب، وعنوان البريد الإلكتروني عند الإقتضاء، ويوجه بعد ذلك الطلب إلى رئيس المؤسسة أو الهيئة المعنية عن طريق الإيداع المباشر مقابل وصل أو عن طريق البريد العادي أو الإلكتروني مقابل إشعار بالتوصل، ويتوجب الرد على الطلبات داخل أجل 20 يوما ويمكن تمديد الأجل لمدة مماثلة، واستثناء يمكن الرد داخل 3 أيام فيما يخص الحالات المستعجلة حسب المادة 16، وفي حالة رفض الطلب خول القانون لطالب المعلومة حق الطعن بتقديم شكاية أمام رئيس الهيئة أو المؤسسة المعنية في أجل حدد في 20 يوما من تاريخ انقضاء الأجل القانوني المخصص للرد على طلبه، ويتوجب على الرئيس الرد داخل أجل 15 يوم، وفي حالة ما إذا كان رد الرئيس سلبيا يحق للمعني من جديد التظلم أمام لجنة الحق في المعلومة بتقديم شكاية داخل أجل لا يتعدى 30 يوما ويتعين على اللجنة الرد داخل نفس الأجل. وفي حالة كان ردها سلبيا أنذاك يمكن للمعني بالأمر العودة للمسطرة الكلاسيكية بالطعن أمام المحكمة الإدارية داخل أجل 60 يوما تبتدئ من تاريخ تلقيه الرد من اللجنة.
وقد رتب المشرع المغربي في المادة 27 منه جزاءات متنوعة تخص الأشخاص المكلفين بمهمة تلقي طلبات الحصول على المعلومة وكذا طالبي الحصول على المعلومة وتتحقق هذه الجزاءات في الأحوال التالية : فبالنسبة للموظف تتحقق في حالة امتناعه عن تقديم المعلومة إذ في هذه الحالة يتعرض الموظف لعقوبات تأديبية من إنذار وتوبيخ قد تصل إلى حدود الإستغناء عنه، وهنالك حالة افشاءه السر المهني بحيث يعرض الموظف نفسه في هذه الحالة لمسؤولية جنائية طبقا لمقتضيات المادة 466 من ق.ج ما لم يثبت حسن نيته. أما بالنسبة لطالب المعلومة فتتحقق في حالة تحريفه لمضمون المعلومة المحصل عليها والتي نتج عنها ضرر للمؤسسة أو الهيئة المعنية أو أدى استعمالها أو إعادة استعمالها إلى الإساءة أو الإضرار بالمصلحة العامة أو المساس بأي حق من حقوق الأغيار وذلك طبقا لمقتضيات المادة 360 من ق.ج.
وبموجب المادة 22 من هذا القانون يتم إحداث لجنة الحق في الحصول على المعلومة يترأسها رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
المحور الثاني : الملاحظات والإشكالات العملية المترتبة عن قانون 31.13
بحيث أن المشرع قام بتعريف مصطلح المعلومة في المادة 2 والحال أن القاعدة التي تعارف عليها فقهاء القانون أن المشرع لا يعرف وأن اختصاص التعريف موكول للفقه، وعليه كان حري عليه أن يترك أمر تعريف المعلومة للفقه حتى لا يسقط في تعريفات بعيدة عن الغاية والمقصد. وبالنسبة للمؤسسات والهيئات المخاطبة بهذا القانون فقد أغفل المشرع في المادة 02 منه الإشارة إلى الجمعيات الحاصلة على دعم الدولة ، كونها معنية أيضا بمبادئ الحكامة الجيدة وعلى رأسها مبدأ الشفافية نظرا لما سيترتب عن ذلك من تعزيز الثقة بينها وبين المواطن ويخول لهذا الأخير آلية من آليات الرقابة ويطمئن على أمواله التي تستخلصها الدولة من الضرائب وتعيد إنفاقها من خلال دعم هيئات المجتمع المدني.
أما على مستوى القيود الواردة على حق الحصول على المعلومة فالواضح أن المشرع أحكم قبضته على هذا الحق بتفريط مجحف، بحيث أن كثرة القيود من شأنها أن تغل وتشل حق المواطن في المعلومة.
بل وأن تترك هذا القانون حبرا على ورق من دون أي تفعيل كون أن الموظف المكلف سيمتنع عن إعطائها بدعوى أنها تدخل ضمن خانة الاستثناءات، والحال أن المشرع كان عليه أن يقتصر في هذا الباب على المعلومات المرتبطة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، والآداب العامة، والأخلاق الحميدة، والمعطيات ذات الطابع الشخصي، كما هو متعارف عليه دون تفريط ولا إفراط.
بالرغم من الأجل المنصوص عليه في المادة 16 والمحدد في 20 يوما في الحالات العادية و 3 أيام في الحالات المستعجلة يعتبرا عرفا دوليا في مثل هكذا قوانين، إلا أنه في بعض الحالات يطرح إشكالا سيما في مهنة الصحافة التي تعتمد على مبدأ السبق الصحفي وعليه تعتبر المعلومة بعد هذه المدة بالنسبة لمزاولي مهنة الصحافة منتهية الصلاحية ولا قيمة لها اللهم إذا استثنينا الصحافة الاستقصائية. أما فيما يخص مسطرة الطعن فتتميز بالتعقيد وطول المسطرة ويتضح ذلك في كون أن مسلسل مسطرة الطعن من بدايته إلى نهايته يفوق 150 يوما وهذا من شأنه أن يهدر الحقوق، كما من شأنه أن يجعل المطالب بالحق المدني يتخلى عن حقه دون تفعيله في كثير من الحالات.
أما على مستوى العقوبات فالملاحظ أن الموظف المكلف بمهمة تلقي الطلبات قد يفضل العقوبة التأديبية على الجنائية في كثير من الأحيان وذلك من خلال امتناعه عن تقديم المعلومة مخافة السقوط في إفشاء السر المهني الذي رتب عليه المشرع أثرا جنائيا.
يطرح إشكال أخر هنا بالنسبة للموظفين المكلفين بمهمة تلقي طلبات المعلومة تتمثل في سداد أجرتهم بحيث يعتبر كل منصب شغل مقرون بأجر وميزانية مخصصة لهذا الغرض، وهو ما يطرح إشكالا ماليا متمثلا في الموارد المالية المستقاة لهذه الوظيفة والجهة الآمرة بالصرف، كما أنه في انتظار تخصيص هذه الميزانية سيبقى هذا القانون موقوف التنفيذ. وقد ألزم القانون طالب المعلومة أن يتحمل على نفقته أداء رسوم في حالة كانت المعلومة تتطلب نسخا أو معالجة أو تكاليف الإرسال؛ والتساؤل المشروع هنا، أين ستوضع هذه الأموال، وأين ستذهب؟ ومن المكلف بتسلمها ؟ خصوصا إذا علمنا أن الصندوق المخصص لهذه الغاية لم يتم إحداثه بعد .
وأخيرا عند تعارض قانون الحق في المعلومة مع القوانين الداخلية للمؤسسات والهيئات المعنية بهذا القانون يطرح التساؤل في هذا الباب عن القانون الواجب التطبيق؛ هل القانون الداخلي للمؤسسات أم قانون 31.13 خصوصا وأن كلاهما يعتبر قانونا خاصا.
المحور الثالث : دور هيئات المجتمع المدني في تنزيل مضامين قانون 31.13
بحيث يتوجب على هيئات المجتمع المدني أن تلعب دورها في تنزيل هذا القانون وتفعيله حتى لا يظل حبرا على ورق كما حصل مع العديد من القوانين كما هو الحال بالنسبة لقانون منع التدخين في الأماكن العمومية ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الشروع في تقديم طلبات الحصول على المعلومة بمجرد دخول هذا القانون حيز التنفيذ وذلك في 12 مارس 2019 بقصد تتبع تنزيل هذا القانون بالشكل الذي جاء به القانون، وإمكانية اللجوء للقضاء من أجل المطالبة بهذا الحق وتقريره وتثبيته في حالة الإمتناع عن تقديم المعلومة وذلك بقوة القانون فضلا عن تنظيم ندوات وأيام دراسية تحسيسية بهذا القانون.
ختاما فإنه يلزم الإشارة إلى ضرورة خضوع هذا القانون لبعض التعديلات المهمة والتي أشرنا إليها أعلاه حتى لا يبقى حبرا على ورق إذا ما أراد المغرب الحفاظ على عضويته الدائمة في مبادرة الحكومة المنفتحة ونيل ثقتها المطلقة، وهذا لن يتأتى إلا بالإستجابة لإلتزاماته الدولية شكلا ومضمونا بحيث أصبحت المعلومة الآن _ونحن في عصر السرعة_ الخط الفاصل بين تقدم الأمم والمجتمعات أو تخلفها ومعيارا أساسا لتحقيق التنمية.
تعليقات 0