مجلة مغرب القانونالقانون الخاصفدوى بوزكري: أثر الحيازة في إثبات ملكية العقار غير المحفظ

فدوى بوزكري: أثر الحيازة في إثبات ملكية العقار غير المحفظ

   فدوى بوزكري دكتورة في القانون الخاص

     يعرف الحوز في اللغة بأنه القبض، يقال حاز الشيء يحوزه حوزا إذا قبضه إليه ووضع يده عليه، وأدخله في حوزه وملكه، وفي لسان العرب، حاز الإبل يحوزها ويحيزها حوزا وحيازا، وحوزها أي ساقها رويدا، ويقال حوزها أي ساقها سوقا شديدا، وخذها إليه بحزم وعجل[1].

     الحيازة والاحتياز والحوز معناها واحد، وهي مصدر من الفعل حاز، جاء في قطر المحيط: ” حاز الشيء يحوزه حوزا أو حيازة: ضمه إلى نفسه واحتاز الشيء احتيازا: جمعه وضمه إلى نفسه … “[2].

     الحوز مرادف ل ” وضع اليد ” ويطلق عليه اختصارا ” اليد “، والمقصود به هو أن الحائز يضع يده بوجه شرعي على العقار المحوز.

     أما في الاصطلاح يقول ابن عرفة: ” الحوز رفع تصرف المعطي في العطية بصرف التمكن منه للمعطي أو نائبه “، وفي شرحه يقول الرصاع التونسي: ” هو رفع يد المعطي عن التصرف في الملك ورد ذلك إلى يد المعطى أو نائبه “، ويضيف القول: ” فلو زاد مع الحد للأعم خاصية الحسي وهو الصرف بالفعل لصح ذلك “[3].

     فالحيازة بالمعنى الأعم إثبات اليد على الشيء والتمكن منه، وبالمعنى الأخص عند المالكية، فالحيازة عندهم وضع اليد، والتصرف في الشيء المحوز واليد: حوز الشيء والمكنة من استعماله والانتفاع به، وهناك من يرى أن اليد عند الفقهاء يراد بها الحيازة، وهي من أركان حجة الملكية الخمسة التي هي: اليد، والنسبة، وطول المدة، والتصرف، وعدم المنازع، وعلى ذلك فإن معنى الحيازة هي وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه، وتصرف الحائز مثل السكنى والزرع والغرس، والهبة، والبيع، والهدم ونحوه[4].

     وبالرجوع إلى القانون الوضعي نجد أن المشرع المغربي لم يعرف الحيازة تاركا الأمر لاجتهاد الفقه والقضاء، حيث أنه اكتفى بإدراجها ضمن أسباب كسب الملكية وذلك في الفصل الثالث من الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية والقسمة، وبالضبط في المواد من 239 إلى 263 من مدونة الحقوق العينية.

     ويقصد بالحيازة عند فقهاء القانون المدني بأنها: ” السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء منقولا كان أو عقارا، أو على حق عيني مترتب على شيء شريطة أن لا تكون الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات أو التي يتحملها الغير على سبيل التسامح “[5].

     كما عرفها البعض بأنها: ” وضع الإنسان يده على شيء ويبقى تحت تصرفه مدة من الزمن، وهي تكون سببا من أسباب الملكية بالنسبة للأشياء التي لا مالك لها”[6].

     أما في التشريع المقارن نجد أن المشرع المدني الأردني عرف الحيازة في المادة 1170 بأنها: ” سيطرة فعلية من شخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء أو حق يجوز التعامل فيه”.

     وعرفها القانون المدني المصري في المادة 1398 بأنها: ” وضع مادي به يسيطر الشخص سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل فيه أو يستعمل بالفعل حقا من الحقوق”[7].

     في حين عرفها القانون المدني السوداني في المادة 631 بأنها: ” سلطة فعلية يباشرها الحائز بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادي بحيث تكون في مظهرها الخارجي وفي قصد الحائز مزاولة للملكية أو لحق عيني آخر “.

     وقد عرفها الفقه الروماني بأنها: ” سلطة فعلية على شيء مادي corpus يمارسها شخص قد يكون مالكا أو غير مالك له “[8].

     وأيضا عرفها القانون المدني الفرنسي في المادة 2228 بأنها: ” هي إحراز شيء أو استعمال حق (شبه الحيازة) نحرزه أو نستعمله بأنفسنا أو بواسطة شخص آخر يحرزه أو يستعمله بالنيابة عنا “.

     وتجدر الإشارة أنه يجب التمييز بين الحيازة المكسبة للملكية والحيازة بوضع اليد دون ادعاء الملكية، فالأولى خصها المشرع بقواعد خاصة مأخوذ جل مقتضياتها من اجتهادات الفقه المالكي، ويبقى نطاقها محصورا في العقارات غير المحفظة، وكذا العقارات التي قدم بشأنها مطلب التحفيظ[9]، ويقصد بها، وضع اليد على الشيء والتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، مع حضور المحوز عنه وعلمه وسكوته، وعدم منازعته طوال مدة الحيازة.

     أما الثانية فنقصد بها الحيازة بوضع اليد دون نية التملك، والتي حماها المشرع المغربي بمقتضى الفصول من 166 إلى 170 من قانون المسطرة المدنية إذا ما توفرت حالاتها.

     على أساس ما سبق، لا يخلو موضوع أثر الحيازة في إثبات ملكية العقار غير المحفظ من أهمية نظرية وأخرى عملية، فعلى المستوى النظري، تعد الحيازة بمثابة وضع اليد على العقار والتصرف فيه، وذلك استنادا لأثرها الخارجي الذي لا يمكن معه تصورها دون وجود حيازة مادية فعلية من طرف حائز قائم الذات، وأنها بهذا الاعتبار تصبح وسيلة من وسائل الإثبات تفيد المتمسك بها في إثبات حقه على الشيء الذي يحوزه، لذلك يقتضي منا الوقوف على التنظيم القانوني للحيازة من خلال تحديد مفهوم الحيازة وعناصرها، وبيان الشروط التي تقوم عليها، ومن جهة أخرى، تبرز الأهمية النظرية كذلك في تدعيم الحيازة لأدلة الإثبات حيث عمل المشرع المغربي في إطار المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية على حسم الخلاف المثار حول الفصل 489 من ق ل ع، بنصها على إجبارية إبرام التصرفات العقارية تحت طائلة البطلان في شكل رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض.

     إضافة إلى ذلك حدد المشرع في إطار المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية الشروط الضرورية للاعتداد بعقود التفويت الواردة على العقارات غير المحفظة حيث يجب أن تكون مستندة على أصل التملك وحيازة المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية.

     أما على المستوى العملي، فتتجلى أهمية الحيازة في كون الشارع اعتنى بها وقدر قيمتها في حياة الإنسان، إذ تعد من القرائن الواقعية لإثبات التملك، ووسيلة من وسائل إثبات الشيء لحائزه، ومرجحة للحقوق عند التنازع في ساحة القضاء، وقد قنن المشرع المغربي بعض أحكامها في قوانين مختلفة دون جمعها كاملة في مدونة واحدة يسهل الرجوع إليها والعمل بأحكامها.

     وتتداخل الحيازة للأرض مع استحقاق العقار، فقد يدعي المدعي حقا على عقار ويتمسك الخصم بالحيازة، مما يطرح إشكالية بحث الحلول الفاصلة بين الحيازة والاستحقاق علما أن المشرع المغربي أفرز لكل من دعاوى الحيازة والاستحقاق أحكاما قانونية مفصلة في كل من قانون المسطرة المدنية ومدونة الحقوق العينية، فضلا على ثرات فقهي وقضائي راكمه العمل القضائي من خلال القضايا التي عرضت على المحاكم.

     فما هي إذن الأحكام والضوابط المقيدة لأثر الحيازة في إثبات ملكية العقار غير المحفظ؟ وما هو موقع الحيازة في توجيه عملية الإثبات سواء في توزيع عبء الإثبات وإعداد الدليل أو الترجيح بين الحجج عند تعارضها؟.

     تقتضي معالجة هذا الموضوع تقسيمه إلى مبحثين: سيخصص (الأول) للنظام القانوني للحيازة المثبتة لملكية العقار، بينما سيتناول (الثاني) دور الحيازة في تدعيم أدلة الإثبات.

     المبحث الأول: النظام القانوني للحيازة المثبتة لملكية العقار

     سنتولى بداية تعريف الحيازة مع بيان عناصرها ونتحدث عن شروطها (المطلب الأول)، بالإضافة لصفاتها (المطلب الثاني)، كل ذلك بناء على المقتضيات القانونية ولا سيما رقم 39.08، علاوة على الاجتهادات القضائية والآراء الفقهية المرتبطة بالموضوع.

     المطلب الأول: تعريف الحيازة وبيان عناصرها وشروطها

     لم يعرف المشرع المغربي الحيازة وإنما عمل على تبيان ذلك بصفة غير مباشرة عندما تعرض لعناصرها في الفقرة الأولى من المادة 239 من مدونة الحقوق العينية التي نصت على ما يلي: ” تقوم الحيازة الاستحقاقية على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه…”.

     وإذا كان المشرع لم يعرف الحيازة فإن الفقه[10] اعتبرها سيطرة مادية لشخص ما على شيء يستعمله بصفته مالكا أو بصفته صاحب حق عيني على الشيء وقد تستند إلى حق أو لا تستند إليه.

     ونظرا لأهمية الحيازة باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية، فإن التشريعات ما فتئت تنظمها بمقتضى قواعد قانونية، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي الذي عمل على تنظيمها في العديد من القوانين: منها قاةن الالتزامات والقانون[11]، وقانون المسطرة المدنية[12]، والقانون الجنائي[13]، وغيرها من القوانين إلى أن جاءت مدونة الحقوق العينية التي نظمتها بنصوص خاصة وأكثر دقة من المادة 239 إلى المادة 263.

     وللحيازة عنصران: عنصر مادي وعنصر معنوي:

  •      العنصر المادي: وهو عبارة عن جملة من الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز، أي ما يسمى بوضع اليد، كزراعة العقار محل الحيازة أو حرثه أو غرسه أو بالسكن في منزل أو كرائه.
  •      العنصر المعنوي: ويراد به نية الحائز في اكتساب حق عيني وبالتالي صيرورته حائزا بصفته مالكا له.

     ويشترط لصحة حيازة الحائز مجموعة من الشروط  أوردتها المادة 240 من مدونة الحقوق العينية والمتمثلة فيما يلي:

1- أن يكون الحائز واضعا يده على الملك:

     ويقصد بوضع اليد على الشيء المحوز تلك السيطرة الفعلية والواقعية عليه، فوضع اليد هو مجرد الحوز بنية التملك، وبذلك تخرج الحيازة العرضية من هذا الإطار لأنها لا تثبت الملك كالكراء والعارية وغيرها من الأعمال التي تبيح الحوز مؤقتا[14].

     فكما يباشر الإنسان الحيازة لنفسه، يمكن له ذلك أيضا عن طريق الغير بالوساطة متى كان وكيلا أو ممثلا له في ذلك، إذ القاعدة أن الحائز يفترض فيه أنه حائز لنفسه إلى أن  يقوم الدليل على أنه حائز لغيره أو لشخص يأتمر بأمره .[15]

     ويجب أن يكون الحائز واضع اليد على الملك مغربي الجنسية، لأن حيازة الأجنبي عن طريق وضع اليد على الملك لا تكون لها أية قيمة مهما طال أمد وضع اليد وذلك تماشيا مع الفقرة الثانية من المادة 239 من مدونة الحقوق العينية التي تنص صراحة على ما يلي: “… ولا تقوم هذه الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها”.

مقال قد يهمك :   الحسين الزباخ: الإجهاض بين الإباحة والتجريم - على ضوء التحكيم الملكي والتعديل الجنائي -

2- يجب أن يتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه:

     ويعني ذلك تصرف الحائز في ملكه بكافة أنواع التصرف، من استعمال واستغلال كالزراعة والغراسة والكراء، وبالتالي فممارسة الحائز لهذه التصرفات تجعل من ظهوره حتما مظهر المالك في ملكه لقول الشيخ خليل : “وصحة الملك بالتصرف “.

     وقد أكد على هذا المقتضى المشرع المغربي  في البند الثاني من المادة 240 من القانون رقم 39.08.

3- يجب أن ينسب الملك إلى نفسه والناس ينسبونه اليه كذلك:

     بالاضافة للشروط السابقة، يتعين لصحة حيازة الحائز ادعاؤه لملكية الشيء المحوز ونسبته لنفسه، والناس أيضا ينسبونه إليه كذلك، كأن يقول الناس بأن هذا ملك فلان أي “الحائز” بينما يقول هو “ملكي وحوزي”.

4- يجب أن لا ينازع الحائز في ذلك منازع:

     أي أن لا ينازعه  ولا يعارضه أحد طيلة مدة الحيازة، وبعبارة خاصة أن تكون حيازته  هادئة وفي منأى عن كل التباس ومنازعة .

     وبناء على ما تقدم فقد رفض القضاء المغربي الاعتداد بحيازة من انتزع أرض الغير بالعنف والتعدي وأجاز سماع دعوى الاسترداد ضده .[16]

     إن منازعة الغير للحائز تجعل حيازته للمدعى فيه حيازة غير كاملة والدعوى بشأنها غير مسموعة  .

5- أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون:

     يعني طول مدة الحيازة المشترط ضمن هذه الحالة مرور مدة واستمرار وضع اليد على الشيء والتصرف فيه .

    ولقد ميزت مدونة الحقوق العينية بين حيازة الأجانب وحيازة الأقارب .

أ- حيازة الأجانب: حيث تختلف مدة الحيازة بين ما إذا كان الأجانب شركاء أم غير شركاء.

  • حيازة الأجنبي الشريك:

     إذ لا يكفي بالنسبة لحيازة الأجنبي الشريك ثبوت حيازته إلا إذا كانت متسمة ببعض التصرفات التي من شأنها ان تعمل على تغيير العين المدعى فيها تغييرا واضحا، أي أن تكون حيازته بأقوى أوجه التصرف كالهدم والبناء وغيرهما، وبالتالي فحيازة الاجنبي الشريك بهذه الصفة وبتوافرها الشروط الأخرى تكسبه ملكية العقار المحوز اذا حازه عشر سنين، لقول الشيخ خليل: ” كشريك أجنبي حاز فيها إن هدم وبنى .”

  • حيازة الأجنبي غير الشريك:

     إن حيازة الأجنبي غير الشريك لملك حيازة مستوفية لشروطها دون انقطاع ومرور مدة 10 سنوات كاملة وقام بالتصرف فيه مطلق التصرف، فإن هذا الأجنبي يكسب بحيازته هذه ملكية العقار، حيث تنص المادة 250 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي: ” إذا حاز شخص أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها واستمرت دون انقطاع عشر سنوات كاملة والقائم حاضر عالم ساكت بلا مانع ولا عذر فإنه يكتسب بحيازته ملكية العقار”.

ب- حيازة الأقارب :

    بداية تجدر الإشارة إلى أنه لا يعتد بالحيازة الواقعة ضد الأصول والفروع مهما طالت مدتها.

     أما بخصوص الحيازة بين غيرهم من الأقارب من أعمام وإخوة وأصهار فإنها تحدد في أربعين سنة إذا انتفت بينهم عداوة او خصومة، في حين تحدد مدة الحيازة دائما حسب هذه الحالة في 10 سنوات عند ثبوت هذه العداوة[17].

     مجمل القول إن مدد الحيازة بالشكل الذي بيناه هي مدد كاملة[18] تبتدئ في السريان من تاريخ وضع الحائز يده على الملك بنية التملك، وفي حالة توالي التفويتات من تاريخ بداية حيازة أول مفوت، كما أنه لا يجوز مطلقا الاتفاق على تعديل مدة الحيازة سواء بالزيادة أو النقصان وكل اتفاق على ذلك يقع باطلا[19].

6- شرط عدم عدم العلم بالتفويت في حالة وفاة الحائز:

     ومضمون هذا الشرط يتخلص في عدم علم الشهود بتفويت العقار المشهود فيه لغيره ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك من أسباب نقل الملك للغير.

     خلاصة القول، وانطلاقا من كل الشروط التي تعرضنا لها فإنه يتعين لترتيب الحيازة لأثرها في اكتساب العقار[20]، أن تكون متداخلة ومستجمعة لبعضها البعض.

     المطلب الثاني: صفات الحيازة

     من المعلوم أن الحيازة منظمة بمقتضى القواعد الإجرائية ويتعلق الأمر بقانون المسطرة المدنية، فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 166 من هذا القانون على أنه: “لا يمكن رفع دعاوى الحيازة إلا ممن كانت له شخصيا أو بواسطة الغير منذ سنة على الأقل حيازة عقار أو حق عيني عقاري حيازة هادئة علنية متصلة وغير منقطعة وغير مجردة من الموجب القانوني وخالية من الالتباس”.

     من خلال هذا الفصل يتضح أن الحيازة تتصف بصفات معينة، سنقوم بدراستها من خلال النقط التالية:

1- أن تكون الحيازة علنية:

     والمقصود من العلنية هو الظهور بمظهر صاحب الحق ومباشرة التصرفات القانونية على العقار بصفة علنية ظاهرة حتى تكون الحيازة معروفة ومعلومة.

     أما إذا حصلت في الخفاء فتعتبر معيبة ولا تكون صالحة للتملك بالتقادم، وتكون الحيازة مشوبة بعيب الخفاء إذا كانت الأعمال التي يباشرها الحائز على الشيء ليس من شأنها أن تظهر الحيازة للناس وعلى الأخص من لهم مصلحة في العلم بها.

     والخفاء عيب يرد به في الغالب على حيازة المنقولات، لأن المنقولات يمكن إخفاؤها بسهولة ويسر، إلا أنه من المتصور نظريا على الأقل أن يعتري هذا العيب حيازة العقارات أيضا، وإن كان هذا الأمر بالغ النذرة في العمل إن قدر له أن يكون لأن طبيعة العقارات تحول دون إخفاء وضع اليد عليها، والمثال التقليدي للحيازة الخفية في العقارات هو أن يحفر الجار كهفا تحت منزل جاره ويستعمله دون أن تدل عليه علامة خارجية، أو أن يتعمد الجار المرور في الأرض المجاورة في أوقات لا يراه فيها مالكها.

2- أن تكون الحيازة هادئة:

     أي أن تكون الحيازة قد تمت بدون عنف ولا إكراه، أي دون منازعة ولا معارضة بشيء يخل بصحة الهدوء، فإذا حاز شخص عقارا أو منقولا بطريق الإكراه لا يكون لحيازته أثر، ولا يمكنه مثلا الاستناد لهذه الحيازة في سبيل التملك بالتقادم على أن العنف أو الإكراه لا يعيب الحيازة إلى ما لا نهاية، فإذا ما زال هذا العيب واستمر الحائز بعد ذلك في حيازته بصورة هادئة أصبحت حيازته صحيحة وأنتجت آثارها القانونية من حيث إمكانية حمايتها بدعوى منع التعرض، أو من الاعتداء بها في حقل التقادم المكسب، ثم إن عيب عدم الهدوء عيب نسبي لا يحتج به إلا المعتدى عليه الذي كان عرضة لأعمال العنف، وعليه تقبل دعوى منع التعرض ما دامت الحيازة هادئة بالنسبة للمدعى عليه حتى ولو لم تكن كذلك بالنسبة للغير.

3- أن تكون الحيازة متصلة:

     أي أن يقوم الحائز بأعمال متكررة على الشيء بما يطابق نوع الحق الذي يمارسه عليه، وبصورة منتظمة دون أن تتوسط أعماله مدد مختلفة تنقطع خلالها الحيازة انقطاعا غير عادي، على أنه يجب أن لا يؤاخذ استمرار الحيازة على معنى أن يكون الحائز دائم الاتصال بالشيء فيكفي لاعتبار الحيازة مستمرة أن يباشر الشخص سلطته على الشيء على الوجه الذي يتفق مع طبيعة الغرض المعد له.

4- أن تكون الحيازة غير مجردة من الموجب القانوني:

     إذ لا عبرة بحيازة دون سبب، فإذا كانت لا تستند لموجب شرعي فلا تستحق أن تكون محمية بدعاوي الحيازة.

5- أن تكون الحيازة خالية من الالتباس:

     أي مجردة عن كل التباس يشوبها أو يؤثر على وجودها أوعلنيتها أو على هدوئها، وتكون الحيازة مشوبة بعيب اللبس أو الغموض إذا حاطت بها ظروف تثير الشك في أن الحائز يباشر على الشيء لحساب نفسه، بحيث أن الأعمال التي يقوم بها يمكن أن تحتمل معنيين، فيصح أن تحمل على أنه يريد الاستئثار بالحق لنفسه، كما يصح أن تحمل على أنه يجوز لحساب غيره.

6- أن تكون الحيازة حالة:

     وذلك بالنسبة لقبول دعوى استرداد العقار، أي أن يكون العقار أو الحق موجودا في يد الحائز وقت وقوع أعمال العنف التي أدت إلى فقدان الحيازة حسب ما نص عليه الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية.

     فإذا لم تتحقق هذه الشروط لا يمكن رفع هذه الدعوى إلا أنه لا يمكن الظن بأن المتضرر يحرم من الالتجاء إلى القضاء للدفاع عن حقه، أو استرجاعه في سائر الأحوال بل إنه من حقه أن يقدم دعواه في إطار آخر إذا كان لها وجه شرعي يمكنه من الاستفادة أمام القضاء.

     ولقد أتى قانون المسطرة المدنية باستثناء في الفقرة الثانية من الفصل 166 يعطي إمكانية رفع دعوى استرداد الحيازة التي وقع انتزاعها بواسطة العنف والإكراه، لكنه قيدها بقيود وهي: أن يكون المدعي وقت تعرضه لاستعمال العنف من الغير حائزا للعقار حيازة مادية فعلية في الوقت الذي استعمل غيره معه العنف أو الإكراه، وأن يتم توفرها على الهدوء وعدم النازع أو العارض مع العلنية القانونية في مثل تلك الحيازة.

     وقد يحدث أحيانا أن يدعي كل من المدعي والمدعى عليه بأنه الحائز فعلا، ويؤيد كل منهما ادعاءه بأدلة لا يستطيع القاضي بسببها في تلك الظروف الترجيح بينها ليعرف بالتالي لمن هي الحيازة، فحكم هذه الحالة هو المنصوص عليه في الفصل 170 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه: “إذا ادعى كل من المدعي والمدعى عليه أنه حائز، وتقدم كل منهما بأدلة على تلك الحيازة فللمحكمة أن تبقي الحيازة لهما معا في نفس الوقت أو تأمر بحراسة قضائية على المتنازع فيه أو أن تسند حراسته لأحد الطرفين مع التزامه بتقديم حساب عن ثماره إذا اقتضى الحال ذلك”.

     المبحث الثاني: دور الحيازة في تدعيم أدلة الإثبات

         إن إشكالية الإثبات في العقار غير المحفظ لا ترتبط بالضرورة بفكرة النزاع وإنما هناك حالات لا يكون فيها النزاع قائما لكنها تستوجب الإثبات، مثالها اللامع يكمن أساسا في إشكالية إثبات واقعة الحيازة أثناء مبادرة الحائز بتقديم مطلب لتحفيظ العقار المحوز حيازة قانونية استنادا إلى هذه الأخيرة، ففي هذه الحالة مثلا نجد أن الحائز يحوز عقاره حيازة قانونية تتوفر فيها كافة الشروط المقررة فقها وقانونا لكن يعوزه الدليل ويفتقر إلى الوثيقة المثبتة لحيازته، الشيء الذي تتضح معه بجلاء أهمية الحجة أو الدليل الذي يستند عليه الحائز لدعم حيازته وإثباتها بشروطها كاملة غير منقوصة.

مقال قد يهمك :   العَلَمانية ..هل هي حلٌّ لمشكلات اجتماعنا السياسي؟

     فإشكالية الإثبات تطرح نفسها بقوة في مجال ملكية العقارات غير المحفظة التي يمكن إثباتها بطرق مختلفة ومتعددة ولاسيما عند تصادم الحجج وتعارضها الشيء الذي يلجأ معه القضاء إلى استعمال قواعد الترجيح التي نص عليها المشرع في المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية، وتبقى الوثائق العدلية هي الوسائل الأكثر استعمالا في هذا المجال ويراد بها تلك الرسوم المحررة من طرف العدول وفقا لأحكام القانون رقم 16.03 المنظم لمهنة التوثيق العدلي والمرسوم التطبيقي له، وكذا مختلف المناشير والدوريات والقوانين ذات الصلة بالمهنة.

     وعليه، لمعالجة هذا المبحث ارتأيت تقسيمه إلى مطلبين سأتطرق في (الأول) إلى وسائل وكيفية إثبات الملكية بالاستناد إلى الحيازة، على أن أخصص (الثاني) لدراسة النموذج لوثيقة الملكية والعمل على تحليلها وبيان أحكامها الفقهية والقانونية.

     المطلب الأول: وسائل وكيفية إثبات الملكية بالاستناد إلى الحيازة

     يمكن للحائز أن يثبت حيازته بمختلف الوسائل، غير أن الوسيلة الأكثر استعمالا هي الوثائق العدلية، وهي الرسوم التي يحررها العدول وتتضمن الشهادة بأن المشهود له هو المالك للعقار المطلوب إقامة الملكية بشأنه بالشروط المقررة فقها وقانونا.

     فالوثيقة العدلية من الناحية القانونية، هي وثيقة رسمية يمكن الاحتجاج بكل ما تتضمنه حتى في مواجهة الغير، وبذلك فهي تشكل حجة كتابية دامغة في حسم النزاعات، بل إنها تكون في غالب الأحيان سببا في عدم نشوب النزاع من أصله بخصوص كثير من الحقوق المحفوظة بها، وهذا راجع إلى إجراءات إنجازها تزيد الثقة في الوثيقة العدلية، خصوصا مع تطبيق القانون الجديد المتعلق بخطة العدالة[21].

     كما يعتبر التوثيق العدلي الركيزة الأساسية في المنظومة التوثيقية المغربية، والذي يعتبر إلى حد ما هو الملاذ الوحيد الذي يطمئن إليه المواطن المغربي، في توثيق معاملاته المدنية والشخصية، فهو يحتل مكانة مرموقة بين محررات الموثقين والمحررات العرفية إلا أنه يمتاز عنهما معا بكون محرراته تعتبر شهادة تخضع للمعايير والمقاييس التي تنظم الشهادة كوسيلة إثبات رسمية رئيسية وهذا هو توجه المشرع المغربي حاليا حول مبدأ رسمية العقود[22].

     وتجدر الإشارة أن الوثيقة العدلية تمر إجباريا قبل صيرورتها وثيقة رسمية من أربع مراحل: المرحلتين الأوليين من اختصاص عدلان وهما: التلقي ثم التحرير، والمرحلة الثالثة يختص بها ناسخ وهي مرحلة التضمين، ثم المرحلة الرابعة والأخيرة تدخل في اختصاص القاضي المكلف بالتوثيق وهي ما يعرف بالخطاب.

     وعليه، سأحاول إلقاء نظرة موجزة حول أصناف الوثائق العدلية الخاصة بالملكية (أولا)، ثم التطرق لمسطرة وكيفية تأسيس الملكية (ثانيا).

     أولا: أنواع الوثائق العدلية الخاصة بالملكية

     يمكن تصنيف الوثائق العدلية الخاصة بالملكية إلى ثلاثة أنواع هي:

  •      النوع الأول: شهادة علمية يشهد فيها عدلان بناء على معرفتهما الخاصة، وتسمى بالشهادة الأصلية، بحيث يشهدان فيها لطالب الشهادة بملكيته للأرض موضوع الشهادة.
  •      النوع الثاني: شهادة مختلطة يشهد فيها عدل واحد مع ستة من اللفيف وتسمى بالشهادة المثلية مع الأخذ بعين الاعتبار التنصيص في وثيقتها على أن عدلها شهد بمثل ما شهد به الشهود الستة فيها. ولكن يلاحظ على هذه الطريقة من الناحية العملية أنها نادرة الاستعمال، وإن كانت موجودة، فمن الوجهة النظرية ليس هناك ما يمنع من إقامة الملكية المثلية بعدل واحد مع ستة من اللفيف لكن على مستوى الممارسة والعمل فهي نادرة.
  •      النوع الثالث: شهادة لفيفية يضمنها عدلان شهادة اثني عشر نفرا بأن الأرض المشهود بها ملك لطالب الشهادة بالشروط المقررة فقها وقانونا.

     ويجب التنبيه إلى أن الشهادة بالملكية العلمية ترجح على الشهادة بالملكية اللفيفية عند التساوي، فالأولى هي الأقوى في الحجية من الثانية، والملكية بهذا المقصود هي الشهادة المستعجلة الآن في إثبات ملكية العقار غير المحفظ مهما بلغت قيمته[23].

     ثانيا: مسطرة وكيفية تأسيس الملكية

     إن الضوابط الإدارية الجاري بها العمل تفرض على كل من يرغب في إقامة ملكية لعقار غير محفظ أن يحصل على شهادة إدارية من السلطة المحلية تفيد بأن العقار موضوع تأسيس الملكية ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها.

     وتنص المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في28 أكتوبر2008 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة في فقرتها الثانية على أنه: ” إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها “.

     إلا أن التطبيق العملي لمقتضيات هذه المادة نتج عنه اختلاف الرؤى وتباين المواقف بين الإدارات المعنية مما أدى ببعضها إلى حرمان العديد من المواطنين من الحصول على هذه الشهادة الإدارية وبالتالي حرمانهم من تأسيس الوثائق والحجج لعقاراتهم وفي نهاية المطاف أدى إلى تجميد وضعيات هذه العقارات وإبعادها من مسلسل التنمية بشكل عام.

     المطلب الثاني: نموذج لوثيقة إثبات الملكية وبيان أحكامها الفقهية والقانونية

     يعتبر رسم ثبوت الملكية من أهم الرسوم العدلية المحررة في إطار إثبات ملكية العقار غير المحفظ وأكثرها شيوعا بحيث يقدم أكبر حجية وأقواها لتملك العقار في شعبة العقار غير المحفظ وفي النزاعات العقارية المرتبطة به، ونظرا لأهمية هذا الرسم العدلي ومكانته داخل منظومة الإثبات في مجال العقارات غير المحفظة ارتأيت أولا أن أقدمه نموذجا للدرس والتحليل للوقوف على الشروط الدقيقة التي وضعها الفقهاء الأقدمون لإثبات ملكية عقار معين لشخص معين، على أن أعمل بعدها على تحليله وتبسيط مضمونه.

     أولا: نموذج لوثيقة إثبات الملكية

     بعد إحضار طالب الشهادة للشهادة الإدارية والشهود ( 12 شاهدا أمام العدلين )، وبعد استفسار العدلان للشهود عن موضوع الشهادة، وتأكيد هؤلاء لشهادتهم المشهود عليه والمشهود فيه وكذا قيام العدلين بالتحريات اللازمة والتأكد من هويات الشهود وأهليتهم المتطلبة للإدلاء بشهادتهم وكذا أتميتهم يشرع العدلان في تلقي الشهادة بمذكرة الحفظ بحيث يتم تثبيت توقيعات الشهود بهذه المذكرة.

     وبعد الانتهاء مما سبق يكتب العدل المتلقي رسم إثبات الملكية الذي سيسلم للمعني بالأمر- طالب الشهادة – بعد استكمال الإجراءات اللاحقة على نحو من الآتي:

المملكة المغربية
وزارة العدل
محكمة الاستئناف ب …
المحكمة الابتدائية ب …
قسم قضاء الأسرة …
بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

رسم إثبات الملكية

ضمن بكناش الأملاك:
رقم: ….
عدد: ….
صفحة: ….
بتاريخ: ../../….
موافق: ../../….

     الحمد لله وحده نحن العدلين فلان الفلاني وفلان الفلاني المنتصبين للإشهاد بدائرة محكمة الاستئناف ب … قسم قضاء الأسرة شعبة التوثيق بالمحكمة الابتدائية ب … تلقينا بمكتبنا الشهادة المدرجة بمذكرة الحفظ للعدل الأول رقم … عدد … صفحة … في الساعة … مساء يوم الثلاثاء … شهر… عام …(…ﻫ) الموافق لـ … شهر… سنة … ميلادية (../../….هـ، فق../../….) وبطلب من السيد فلان الفلاني ولد ب … في ../../…. جنسيته … حالته …. مهنته …. سكناه …. بطاقته الوطنية للتعريف رقم …. صالحة إلى غاية ../../… وبعد إدلائه لنا بالشهادة الإدارية رقم …/.. بتاريخ ../../…. من السيد …. قائد المقاطعة الحضرية الثانية بمدينة … تثبت أن العقار موضوع الملكية ليس جماعيا ولا حبسيا وليس من أملاك الدولة ولا يكتسي هذه الصبغة شهوده المسطرة أسماؤهم أسفله يصرحون بمعرفة طالب الشهادة المذكور أعلاه المعرفة التامة الكافية شرعا بها ومعها يشهدون بأن (كان) له وبيده وعلى ملكه وفي حوزه وتصرفه ملا من ماله وملكا صحيحا خالصا له من جملة أملاكه جميع القطعة الأرضية المسماة ب … الكائنة ب … حرشاء التربة مساحتها … تقريبا، حدودها شمالا ب … وجنوبا ب … وغربا ب … وشرقا ب … المعروفة لديهم كذلك مثل المعرفة الأولى يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه وذي المال الصحيح في ماله ينسبها لنفسه والناس ينسبونها إليه هذه مدة تزيد عن عشرة أعوام سلفت عن تاريخه من غير علم منازع ولا معارض طول المدة المذكورة ولا يعلمونه باعها ولا وهبها ولا فوتها ولا فوتت عليه ولا خرجت عن ملكه بناقل شرعي إلى الآن وحتى الآن … (أو إلى أن استولى عليها فلان الفلاني المعروف عندهم مثل المعرفة المذكورة هذه مدة من ثلاثة أشهر تقريبا) كل ذلك في علمهم وصحة يقينهم سندهم في ذلك المعاينة للتصرف والمخالطة والمجاورة والاطلاع التام على الأحوال وبمضمنه قيدت شهادتهم مسؤولة منهم لسائلها المذكور أعلاه قيمتها للتسجيل … وحرر بتاريخه، شهد بذلك السادة فلان (هويته الكاملة) فلان (…) فلان (…) و……….(12 شاهدا) عارفون قدره وهم بأتمه وعرفا بهم بما ذكر أعلاه

خطاب القاضي                                وشكل العدلين

     ثانيا: تحليل الوثيقة وبيان أحكامها الفقهية والقانونية

     قبل استخراج الأحكام الفقهية والقانونية لهذه الوثيقة العدلية لا بد من تسجيل الملاحظات الآتية:

1- أن هذه الوثيقة رسمية بعد تسجيلها وخطاب المكلف بالتوثيق عليها.

2- أنها حجة قاطعة لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.

3- أنها مستوفية لكل شروط تمليك العقار غير المحفظ إلى صاحبه وضمان حقه من الضياع.

4- ما دام العقار غير المحفظ في الوقت الراهن يشكل غالبية عقارات المملكة وأن التحفيظ العقاري لم يعمم بعد، فإن رسم إثبات الملكية العدلية يشكل الوثيقة الرسمية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها إطلاقا، وستظل تؤدي دورها في هذا المجال، ولا سيما أن المحافظة العقارية تعتبر هذه الوثيقة العدلية من المرتكزات الأساسية والوثائق اللازمة لمطلب التحفيظ.

     هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن هذه الوثيقة تشتمل على مجموعة من البيانات والأركان نجملها في الآتي:

 1- بيان الحمدلة ” الحمد لله وحده “: وهو بيان اعتاد العدول على استهلال وثائقهم بهذه العبارة، بحيث من النادر جدا العثور على وثيقة عدلية خالية من هذا البيان.

مقال قد يهمك :   معايير تقدير مستحقات الزوجة المطلقة وفقا لقضاء الأسرة المغربي

 2- اسمي العدلين والدائرة القضائية المنتصبين لتلقي الإشهاد بها مع تاريخ ومكان التلقي بالساعة واليوم والشهر والعام الهجري مع بيان ما يوافقه بالميلادي بالحروف والأرقام ومراجع الشهادة في مذكرة الحفظ والعدل الماسك لها طبقا للقانون رقم 16.03  القاضي بتنظيم خطة العدالة وتلقي الشهادات وتحريرها وكذا المرسوم التطبيقي له.

  3- الشهادة الإدارية المسلمة من السلطة المحلية (قائد المقاطعة الحضرية الثانية بمدينة) والتي تثبت أن العقار موضوع الملكية ليس ملكا جماعيا ولا حبسيا وليس من أملاك الدولة ولا يكتسي هذه الصبغة.

  4- ذكر اسم طالب الشهادة في طليعة الوثيقة، تطبيقا للمنشور الوزاري عدد 14.714 (الفصل السابع) والمؤرخ في 03/11/1959، الصادر عن وزارة العدل في بيان كيفية تأسيس الوثيقة وتحريرها.

5- معرفة المشهود له والمشهود باستيلائه، معرفة عين ونسب، معرفة المشهود فيه وموقعه وحدوده ومساحته وقيمته من أجل التسجيل.

 6- ذكر شروط صحة إثبات الملك، وهي اليد والنسبة وطول مدة الحيازة والتصرف وعدم العلم بالمنازع، وعدم العلم بأن الملك خرج من يد المشهود له بأي ةجه من وجوه التفويت إلى تاريخ الشهادة، وهذه الشروط هي التي أشار الزقاق في لاميته:

               يد نـسبة طول كعشرة أشهر *** وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا

            وهل عدم التفويت في علمهم كما *** ل أم لصحة للحي للميت ذا اجعلا

فهذين البيتين الشعريين يجسدان ما يعرف في الفقه الإسلامي بشروط الملك الخمسة وهي:

  •      أ- اليد: ويراد بها وضع اليد على العقار المراد إثباته، بمعنى أن يكون طالب الشهادة حائزا للعقار موضوع الرسم ويتصرف فيه بنية التملك بصفة شرعية.
  •     ب- النسبة: والمقصود بها أن المالك يتواجد في العقار على سبيل التملك وليس بمدخل آخر، كما يقصد بها أن تواجده فيه وتملكه له هو على مرآى ومسمع الجميع.
  •     ت- الطول: ويقصد بها مدة الحيازة والتصرف، وهي المدة التي يعتبرها الشرع والقانون كافية لاكتساب الملكية، وهذه المدة تختلف باختلاف قرابة الأشخاص مع بعضهم أو عدم قرابتهم بحيث تبدأ بأقل مدة وهي عشر سنوات وقد تصل إلى أربعين سنة.
  •     ج- عدم المنازع: أي أن المالك لا يعارضه ولا ينازعه أو يخاصمه أي شخص في الملكية طيلة مدة الحوز، فهي إذن حيازة هادئة ومستقرة.
  •     ه- عدم العلم بالناقل: وذلك بأن يشهد شهود الوثيقة بعدم علمهم بنقل ملكية المشهود له، ويجب ألا تكون الشهادة في هذا الصدد بالقطع كأن يقول الشهود (لم يفوتهما ببيع أو غيره قطعا) وإلا كانت باطلة، ومثله في البطلان إذا شهد الشهود بعدم التفويت وسكتوا دون أن يسندوا ذلك إلى علمهم.

  7- ذكر مستند علم الشهود، وهو هنا المعاينة للتصرف والمخالطة والمجاورة والاطلاع على الأحوال.

  8- ذكر الأتمية ومعرفة قدر ما وقعت به الشهادة، مع أسماء الشهود وهوياتهم وتوقيعاتهم.

  9- شهادة العدلين على الشهود بما شهدوا به في الوثيقة بعبارة: ” وبمضمنه قيدت شهادتهم … “.

  10- شهادة العدلين على القاضي بثبوت ذلك الرسم عنده الثبوت التام.

  11- توقيع العدلين بشكليهما الكامل وخطاب القاضي على هذه الوثيقة.

     وفي الختام يمكن القول أن الحماية التي أقرها المشرع للحيازة والأحكام التي فرضها لاستحقاق عقار أو حقوق عقارية، لا تؤتي ثمارها، ما لم يتحلى القاضي العقاري بما يلزم من إلمام بالقواعد الشرعية والفقهية التي أنتج الفقه المالكي على مر العصور وفتاويه بالنوازل.

  والنصوص المدونة في مدونة الحقوق العينية قلة القليل وهي تقنين الراجح والمشهور وما جرى به العمل في مجالس القضاء والفتيا،  فهي فرع عن أصل لا غنى عنه، كما يتعين على القاضي الانخراط في التوجهات التشريعية والاجتهادات القضائية التي راكمت محكمة النقض، والتي تسعى إلى منح القاضي حركية في توجيه الخصوم والتحقيق في الدعاوى وفهم حقيقة النزاع بروية وتوخي التطبيق.


لائحة المراجع

  • إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2013.
  • الطيب الفكى موسى، حيازة العقار في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة)، دار الجيل، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى: 1411ه/1991م.
  • عبد الرحمن بلعكيد، الهبة في المذهب والقانون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 1997.
  • عبد العزيز توفيق، التشريع العقاري والضمانات، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى: 2012.
  • عدلي أمير خالد، إكتساب الملكية العقارية بالحيازة في ضوء المستحدث من أحكام محكمة النقض والفقه القانوني، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية – مصر، (دون ذكر تاريخ النشر).
  • قدري عبد الفتاح الشهاوى، الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية في التشريع المصري والمقارن، منشأة المعارف، الإسكندرية – مصر، طبعة: 2003.
  • مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، العربية للطباعة والنشر، الرباط، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 1987.
  • محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، الطبعة الأولى: 1410ه/1990م، (دون ذكر باقي البيانات).
  • محمد المنجى، الحيازة، منشأة المعارف، الإسكندرية – مصر، طبعة: 2002.
  • محمد محبوبي، أساسيات في الحقوق العينية العقارية وفق القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى: 2012.

الهوامش:

(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.

[1] – عبد الرحمن بلعكيد، الهبة في المذهب والقانون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 1997، ص: 256.

[2] – الطيب الفكى موسى، حيازة العقار في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة)، دار الجيل، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى: 1411ه/1991م، ص: 60.

[3] – الطاهر كركري، أحكام الحوز في التبرعات : دراسة في ضوء القانون المتعلق بمدونة الحقوق العينية، منشورات مجلة الحقوق، مدونة الحقوق العينية وآفاق التطبيق، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، العدد السابع، أكتوبر 2013، ص: 316.

 [4]- محمود الزريقي، أحكام وضع اليد على العقار الموقوف، مجلة القضاء المدني، دار الآفاق المغربية، الدار البيضاء، الجزء الثاني، طبعة 2014، ص: 16.

[5] – مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، العربية للطباعة والنشر، الرباط، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 1987، ص: 194.

[6] – محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، الطبعة الأولى: 1410ه/1990م، (دون ذكر باقي البيانات)، ص: 312.

[7] – لقد لقى هذا التعريف اعتراضا من لجنة مجلس الشيوخ لأنه تعريف ينقصه ركن نية التملك، ومفاد ذلك أن حيازة العقار وضع مادي، وذلك بأن يسيطر شخص سيطرة فعلية على العقار باستعماله عن طريق أعمال مادية يقوم بها صاحب الحق عادة في استعماله لحقه باستعمال العقار واستغلاله والتصرف فيه تصرف صاحب الحق.

– عدلي أمير خالد، إكتساب الملكية العقارية بالحيازة في ضوء المستحدث من أحكام محكمة النقض والفقه القانوني، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية – مصر، (دون ذكر تاريخ النشر)، ص: 45.

– محمد المنجى، الحيازة، منشأة المعارف، الإسكندرية – مصر، طبعة: 2002، ص: 91.

– قدري عبد الفتاح الشهاوى، الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية في التشريع المصري والمقارن، منشأة المعارف، الإسكندرية – مصر، طبعة: 2003، ص: 12 وما بعدها.

 [8]- محمد محبوبي، أساسيات في الحقوق العينية العقارية وفق القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى: 2012، ص: 93.

[9] – تنص المادة 263 من مدونة الحقوق العينية على أنه: ” من أثبت أنه يحوز ملكا حيازة مستوفية لشروطها وأدرج مطلبا لتحفيظه يعتبر حائزا حيازة قانونية إلى أن يثبت العكس “.

 أما العقارات غير المحفظة تبقى في منأى من الاكتساب عن طريق التقادم طبقا للفصل 63 من القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري الذي جاء فيه: ” إن التقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ، في مواجهة المالك المقيد، ولا يسقط أي حق من الحقوق العينية المقيدة بالرسم العقاري “.

[10] – إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2013، ص: 104.

[11] – الفصول من 101 إلى 105 المتعلقة بالمسؤولية عن حيازة الشيء.

[12] – الفصول من 166 إلى 170.

[13] – الفصل 570 الذي يجرم انتزاع عقار من حيازة الغير.

[14] – إدريس الفاخوري، مرجع سابق، ص: 105.

[15] – الفقرتين الأولى والثانية من المادة 243 من مدونة الحقوق العينية.

[16] – قرار المجلس الأعلى، عدد 2019، ملف مدني بتاريخ 29/04/1970، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 19، ص : 27.

[17] – تنص المادة 251 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي : “تكون مدة الحيازة بين الأقارب غير الشركاء الذين ليس بينهم عداوة أربعين سنة، وعشر سنوات إذا كان فيما بينهم عداوة”.

[18] – المادة 252 من مدونة الحقوق العينية.

[19] – المادة 259 من نفس المدونة.

[20] – تنص المادة 260 من مدونة الحقوق العينية على أنه: “يترتب على الحيازة المستوفية لشروطها اكتساب الحائز ملكية العقار”.

[21] – القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.56 بتاريخ 15 محرم 1427 (14 فبراير 2006)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5400 المؤرخة في فاتح صفر 1427 (2 مارس 2006)، ص: 556.

 [22]- عبد السلام البوريني، ضمانات الوثيقة العدلية في توثيق التصرفات العقارية، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية، مراكش، سلسلة الندوات والأيام الدراسية عدد 23، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الثانية، ص:281 .

 [23]- عبد العزيز توفيق، التشريع العقاري والضمانات، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى: 2012، ص: 16.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]