فؤاد بنصغير: لمن تقرع أجراس القانون الإلكتروني ؟
الدكتور فؤاد بنصغير
أستاذ جامعي
خبير / مكون / مستشار في القانون الإلكتروني
من المؤكد أنه عندما سيتم إصدار القانون الجنائي تحت التعديل وقانون المسطرة الجنائية تحت التعديل وقانون المسطرة المدنية تحت التعديل بالإظافة إلى العديد من النصوص القانونية الأخرى و العديد من النصوص القانونية الموجودة اليوم، ستصبح الترسانة القانونية في المغرب تقريبا ذات بعد تكنولوجي لا يمكن لأحد أن ينكره.
ودليلنا في ذلك الكم الهائل من المواضيع التي لها علاقة بتكنولوجيا الإعلام والإتصالات والتي تتضمنها هذه النصوص القانونية نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر : التقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد / اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور / الضبط والتفتيش الإلكترونيين / الوضع تحت المراقبة الإلكترونية / التسجيل السمعي البصري لاستجوابات الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية / التسجيل السمعي البصري لجلسات المحاكمات / المحاكمات عن طريق الفيديو كونفرونس / المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات / المس بالحياة الخاصة الإلكترونية / التزوير المعلومياتي / سرقة البيانات المعلومياتية / الإرهاب الإلكتروني / الصحافة الإلكترونية / السب والقذف عن طريق إلكتروني / التوقيع الإلكتروني / المصادقة الإلكترونية / العقود الإلكترونية / حماية المستهلك الإلكتروني / المصنفات الرقمية / نزع صفة المادية عن الصفقات العمومية / نزع صفة المادية عن الأداءات الضريبية وغيرها صدقوني كثير.
غير أننا لاحظنا أن تقريبا جميع الندوات والمناظرات والأيام الدراسية والموائد المستديرة والمستطيلة والمربعة وحتى المناقشات والجدالات التي اهتمت بالمستجدات التي تتضمنها النصوص تحت التعديل المذكورة لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد للجوانب المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والإتصالات.
أكثر من ذلك، فحتى الإصدارات التي صدرت في شرح النصوص المذكورة منها ما لم يتطرق إلا بشكل محتشم للغاية للمواد التي لها علاقة بتكنولوجيا الإعلام والإتصالات ومنها من لم يتطرق لها أبدا.
أما الحقيقة في نظرنا فهي أنه يتوجب على رجال القانون والخبراء القضائئين وغيرهم من المتدخلين في مجال تطبيق القانون وحتى اساتذة الجامعات الذين يؤلفون في مجال القانون أن يعملوا على فهم الجوانب التقنية والقانونية التي تتعلق بميدان تكنولوجيا الإعلام والإتصالات والتي أصبحت القوانين المذكورة تزخر بها.
هذا يعني أنه أصبح من المفروض اليوم على الوزارات الوصية سواء وزارة العدل أو وزارة التعليم العالي وعلى هيئات المحامين وجمعيات القضاة وجمعيات المفوضين القضائيين وجمعيات الخبراء القضائيين وغيرهم إيلاء أهمية خاصة للتكوين الأكاديمي والمستمر في هذا الميدان .
أولا : تكوين رجال القانون
لا بد من الإقرار أن تكوين رجال القانون في ميدان تكنولوجيا الإعلام والإتصالات سواء أثناء دراساتهم الجامعية الأكاديمية أو طيلة مدة التكوين بالنسبة للقضاة وخلال مرحلة التمرين بالنسبة للمحامين غير كافية للغاية.
ذلك أنهم يفتقرون للمعارف التقنية الملائمة التي تتيح لهم تقدير القيمة العلمية / القانونية للأدلة التكنولوجية وتفسيرها حسب النازلة المعروضة أمامهم.
إن الغاية في هذا الشأن ليس هي أن نطلب من رجال القانون أن يصبحوا خبراء في ميدان تكنولوجيا الإعلام والإتصالات، ولكن فقط تلقينهم المبادئ الأساسية التي تتعلق بهذا الميدان.
فيجب على الخصوص تزويدهم بالعناصر الضرورية للنظر بعين ناقدة للتقارير ذات الطبيعة الخاصة التي يقدمها لهم الخبراء القضائيون في النوازل التي لها علاقة بميدان تكنولوجيا الإعلام والإتصالات وإعطائهم الوسائل اللازمة لفهم عناصر الإثبات التقنية التي تحويها هذه التقارير.
بعبارات أخرى، يتعين تمكينهم من فهم التقنيات المعلومياتية والمخاطر المرتبطة باستخدامها كوسائل إثبات.
ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن هذا التكوين يمكن أن يتم خلال الدراسات القانونية في الجامعات والمعاهد العليا حيث نلاحظ غيابا شبه تام لمواد لها علاقة بهذا الميدان أو في إطار التكوين المستمر لرجال القانون بكل فئاتهم.
ثانيا : تكوين الخبراء القضائيين
من المؤكد أن المفاهيم المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والإتصالات تبقى مجردة و حتى غير مفهومة بالنسبة لرجال القانون.
لذلك، ألا يتوجب علينا التساؤل عن مدى مسؤولية الخبراء القضائيين في غياب التفسير الصحيح من قبل رجال القانون لعناصر الإثبات التي يقدمونها لهؤلاء على شكل تقارير غير مفهومة وغاية في التعقيد.
لذلك، فإن تكوين هؤلاء في مجال الخبرة القضائية في ميدان تكنولوجيا الإعلام والإتصالات تجعلهم يفهمون الدور المنوط بهم خلال المحاكمة الجنائية.
فالخبير القضائي حتى عندما يكون خبيرا في المعلوميات، فلا بد أن تكون له دراية بالجانب القانوني للنازلة التي يساعد فيها القضاء.
علاوة على ذلك، فإن التكوين الملائم في ميدان القانون الإلكتروني لهؤلاء يسمح لهم بالتركيز على عناصر الإثبات الأساسية وعرضها بشكل ملائم يسهل بقدر كبير عمل القضاة وباقي المتدخلين في العملية.
ويسمح التكوين الأكاديمي والتكوين المستمر في مجال القانون الإلكتروني للقاضي بالتوفر على الأسس الكافية لاستخدام تقارير الخبرة القضائية المتخصصة وشديدة التعقيد استخداما نقديا وتحديد مدى موثوقية الأدلة التكنولوجية التي يحويها.
كذلك يسمح التكوين الأكاديمي والتكوين المستمر في نفس المجال للخبراء القضايين تضمين تقاريرهم فقط ما يحتاجه القانون والقاضي من أدلة وتجنب الإطناب الذي لا يفيد.
إن تكوين رجال القانون في ميدان تكنولوجيا الإعلام والإتصالات وتكوين الخبراء القضائيين في مجال الخبرة القضائية الإلكترونية سيساعد لا محالة في تدعيم أواصر التواصل بين هذين المتدخلين الأساسيين في الإجراءات الجنائية.
كما أن تنظيم ندوات ولقاءات مشتركة بين القضاة والمحامين وكتاب الضبط والخبراء القضائيين تتطرق للجوانب التقنية وليس فقط القانونية للقوانين التي تتعلق بتكنولوجيا الإعلام والإتصالات من شأنه أن يساهم في تجويد الأحكام والقرارات القضائية في عصر تكنلوجيا الإعلام والإتصالات.
أختم بالقول أن أجراس قانون تكنولوجيا الإعلام والإتصالات أو ما أسميته شخصيا بالقانون الإلكتروني تقرع منذ عدة سنوات لكنني لا أرى من مجيب !!!!!.