مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيعلاقة النفقات الجبائية بالاستثمار

علاقة النفقات الجبائية بالاستثمار

ايناو عبد الكريم  طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق وجدة

لا شك في أن قرارات السياسة الاقتصادية متباينة في أهدافها، أو بين وسائلها وأهدافها أو في إجراءات تنفيذها، وذلك شيء طبيعي نظرا لتداخل النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وسرعة تطورها ولعل هذا العنصر الأخير يعد وحده سببا كافيا للإقرار بضرورة تقييم ومراجعة السياسة الاقتصادية والاجتماعية بين الحين والآخر.

وقد تضمنت سياسة الانفتاح التي عرفها المغرب منذ بدايات الاستقلال، وكذا التعديلات والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني جملة من التدابير والتي تهدف إلى تحفيز الانتاج وتقليص عجز الموازنة، وفي هذا المسعى حظيت السياسة الجبائية بعناية خاصة، حيث أريد لها أن تكون المحفز الرئيسي للاستثمارات وتشجيع الانتاج، رغم أن محاولات تجارب الإصلاح الضريبي بقيت في المجمل جد محدودة في الزمن باستثناء محاور الاصلاح بواسطة القانون إطار للإصلاح الضريبي لسنة 1984، والذي جاء في بنائه وأهدافه العامة مترافقا مع خضوع الاقتصاد المغربي لبرامج التقويم الهيكلي، مما غلب على مكوناته الهدف المالي في مواجهة الهدفين الاقتصادي والاجتماعي([1]).

غير أن الارتكاز على الأداة الجبائية لوحدها في هذا المجال سيكون من الأمور المبالغ فيها([2]) تبعا للأهمية النسبية التي يمكن أن تشكلها هذه الأداة في قرار الاستثمار، ذلك أن وضع نظام ضريبي مثالي يتمتع بقدرة كبيرة من الكفاءة ليس أمرا سهلا يتم بمجرد الصياغة المتقنة العبارات أو مجرد وضع تشريعات وقوانين من قبل خبراء المالية العامة والتشريع الضريبي.

فالاعتماد على الأداة الجبائية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يشير إلى انتشار القناعة بضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، وانتقال مفهومها من الدولة الحارسة إلى الدولة الموجهة، ثم إلى الدولة المتدخلة، حيث تزايدت الحاجة إلى الموارد المالية نتيجة تزايد عبء النفقات المترتبة عن توسع جهاز الحكومة وتعدد مجالات تدخلها وتنوع نشاطاتها([3]) وصارت الضريبية سلاحا ناجحا للتأثير في المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتوجيه النشاطات العامة والخاصة نحو تحقيق الأهداف العامة للمجتمع.

ويمكن حصر أهداف السياسة الضريبية عموما في مجالات ثلاثة، فمن وجهة مالية تهدف السياسة الضريبية إلى تأمين الموارد المالية للدولة، ومن وجهة اقتصادية فهي أداة لتوجيه النشاطات الاقتصادية المختلفة عن طريق تشجيع نشاطات معينة والحد من نشاطات أخرى، وذلك بما يتماشى والسياسة العامة للدولة، أما من الناحية الاجتماعية فترمي السياسة الضريبية إلى تحقيق العدالة في توزيع الثورة والتخفيف من التفاوت في مستويات الدخول.

كما أن للضريبية أهدافا مالية، اقتصادية واجتماعية، فكذلك الحال بالنسبة للإعفاءات الضريبية والجمركية باعتبارها الإجراءات العكسية للضريبة، حيث يمكن استخدام هذه الاخيرة في نشاطات اقتصادية أو تشجيع استثمارات محلية أو أجنبية في مجالات معينة وهي لا تخلو من توليد آثار مالية واجتماعية([4]) ونظرا للأهمية المتعددة الجوانب للسياسة الضريبية، قد نصت مختلف دساتير الدول بأن لا تفرض أو تلغى أو تعدل إلا بقانون، ولا يعفى منها أحد إلا بقانون، وكما أن الضريبة يجب أن تكون مبررة إما اقتصاديا أو اجتماعيا أو بما يخدم أهداف المجتمع، فكذلك الحال بالنسبة للإعفاءات.

وتكون الاعفاءات الضريبية مبررة اقتصاديا عندما تقوم بخدمة أهداف اقتصادية محددة ذلت النفع العام ضمن شروط محددة تضعها الدولة، وتكون الإعفاءات الضريبية مبررة اجتماعيا أيضا، عندما تقوم بخدمة غايات اجتماعية كإعفاء حد أدنى من الدخول يتناسب والنفقات الضرورية للمعيشة والاعباء العائلية، وقد تمنح إعفاءات ضريبية لا تملك مبررات اقتصادية واجتماعية محددة ولا تخدم أهدافا عامة لكنها تمنح بقوة النفوذ السياسية لبعض فئات المجتمع([5])، حيث أن الضريبة تعتبر وليدة الواقع بكل مكوناته، من خلال حركيتها  التاريخية، فهي تؤثر بدورها في هذا الواقع سواء على مستوى الشكل الاقتصادي أو التراكم المادي، أو علاقة بالعناصر الاقتصادية، وبالتالي أصبحت المتغيرات الضريبية تلعب دورا اساساي في السياسة الاقتصادية من أجل دفع الاستثمار والحفاظ على مستوى الاستخدام وضبط التوازنات، والنهوض بتعبئة الادخار ومحاربة التضخم، وإعادة توزيع المداخيل والثروات، والتأثير على مبادلات التجارية الخارجية([6]).

إن أهمية السياسية الضريبية في التنمية تكمن في فعاليتها وفي إرادة السلطة السياسية في أن تصوغها أو تعدلها تبعا لأهداف التنمية الاقتصادية وتبعا للمحيط الاقتصادي والاجتماعي([7]) كما يجب أن ترتكز على نظام ضريبي عادل من شأنه تحقيق المرامي والأهداف الواضحة والمحددة والمتناسقة([8]). وقصد اكتشاف الدور الذي يمكن أن تلعبه سياسة التحفيزات الجبائية في الاقتصاد، فأهمية الضريبة في التنمية الاقتصادية تكمن في نسبة مساهمتها في الاقتصاد الوطني ككل مما يعكس درجة تدخل الدولة بواسطة الأداء الجبائية لتحقيق التنمية الاقتصادية.

وتتجلى أهمية الموضوع من الناحية العلمية في تقييم فعالية النفقات الجبائية لعدم وجود دراسات معمقة حول هذا الموضوع من جهة، ومن جهة أخرى للدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعلبه النفقات الجبائية.

إذا كان النظام الضريبي الجيد هو الذي يتفاعل إيجابيا مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بكل أبعادها الشاملة، فإن هذا التفاعل يتطلب انتقال الضريبة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي عن طريق حماية الاقتصاد من التضخم والانكماش كما توظف من أجل التحكم في الاستهلاك وحماية الانتاج الوطني من المنافسة الأجنبية وتحسين وثيرة النمو، فضلا عن كونها حافزا جيدا على الادخار وجلب الاستثمارات.

مقال قد يهمك :   عصرنة القانون المدني الفرنسي La Modernisation du Code Civil Français

المطلب الأول: دور النفقات الجبائية في التنمية الاقتصادية

من بين أهداف  سياسة منح إعفاءات ضريبية هو توجيه الاستثمارات الوطنية أو الأجنبية نحو القطاعات المحفزة، مما يساعد جلب الاستثمارات الخارجية وتحقيق التنمية الاقتصادية، فما هي الاليات التي يمكن اعتمادها لتشجيع الاستثمار (الفقرة الأولى )  وما هي اثار النفقات الجبائية( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: النفقات الجبائية كآلية لتشجيع الاستثمار

لقد اختار المغرب  كما ذكرنا سابقا نهج سياسة تشجيعية تعتمد قوانين الإستثمار[9]، إذ يعتبر المغرب اول بلد افريقي لجأ الى سياسة إقرار مدونات لتشجيع الاستثمار وذلك منذ عهد الحماية[10]، وقد تميزت هذه التجربة باتجاه دائم نحو المزيد من الامتيازات والحرية للرأسمال الخاص بهدف جلب الاستثمارات سواء منها الوطنية أو الأجنبية.

ولقد تميز ميثاق الاستثمار عن غيره من المواثيق السابقة بشموليته، حيث يغطي كل قطاعات النشاط الاقتصادي باستثناء القطاع الفلاحي[11] والبنكي، كما يحدد الأهداف الأساسية لعمل الدولة خلال السنوات العشر الموالية قصد تنمية وإنعاش الاستثمارات، وذلك بتحسين مناخ وظروف الاستثمار، ومراجعة مجال التشجيعات الجبائيةوإتخاذ تدابير تحفيزية للاستثمار[12]. وهكذا عمل ميثاق الاستثمار على خلق أسلوب جديد لتشجيع الاستثمار يتماشى والتطورات الدولية، التي عرفتها المنطقة، حيث اعتمد على مبادئ التعميم[13]والانسجام والتلقائية.

وعلى العموم فقد تمثلت التحفيزات الجبائية بموجب هذا الميثاق في مجموعة من التدابير يمكن إجمالها في النقط التالية:

أولا: الرسوم الجمركية:

فرد رسم الاستيراد بسعر يقدر ب %25 من القيمة بالنسبة للآليات ومعدات التجهيز و %10 من القيمة على قطع الغيار المرتبطة بها وتوابعها المعتبرة لازمة لإنعاش الاستثمار من إعفائها من الاقتطاع الضريبي عند الاستيراد.

ثانيا: الضريبة على القيمة المضافة (TVA):

 إعفاء السلع التجهيزية والمعدات والآلات المقرر إدراجها في حساب الأصول الثابتة من (ض.ق.م) سواء في الداخل أو حين الاستيراد، وتخول الحق في الخصم طبقا للتشريع المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة.

ثالثا: رسوم التسجيل:

إعفاء عقود شراء الأراضي المعدة للقيام بعمليات التجهيز والبناء من الرسوم التسجيل شريطة إنجاز المشروع داخل أجل لا يتجاوز 24 شهرا ابتدءا من تاريخ العقد.

رابعا: ضريبة التضامن الوطني (PSN):

 تحذف من الضريبة على الشريكات على أن الأرباح والدخول المعفاة في مجموعها على الضريبة على الشركات عملا بالنصوص التشريعية الصادرة حالا أو استقبالا والمتعلقة بتدابير التشجيع على استثمارات تفرض عليها بدلا من واجب التضامن الوطني مساهمة تساوي %25 من مبلغ الضريبة على الشريكات التي قد تكون مستحقة بصورة عادية في حالة عدم الإعفاء منها[14].

خامسا: الضريبة على الشركات:

 تخفض نسبة الضريبة على الشركات الى %35 وتستفيد المنشآت التي تقام بالعمالات أو الأقاليم التي يستوجب مستوى نشاطها الاقتصادي نظاما تفضيليا من تخفيض بنسبة %50 من الضريبة على الشركات طوال خمس سنوات المالية الأولى التالية لتاريخ استغلالها باستثناء المؤسسات القارة التابعة للشركات غير الموجود مقرها بالمغرب لإنجاز صفقات أعمال أو توريدات أو خدمات وكذا مؤسسات التأمين والوكالات العقارية.

سادسا: الضريبة العامة على الدخل:

تعديل نسبة الضريبة العامة على الدخل حيث لا تتعدى نسب الضريبة القصوى %45.

سابعا: الضريبة المهنية:

يحذف الرسم القابل للتغيير المفروض على أصل الضربة المهنية (الباتنتا)، ويعفى من هذه الضريبة كل شخص طبيعي أو معنوي يزاول بالمغرب مهنة أو صناعة أو تجارة، وذلك طوال مدة خمس سنوات تحسب من تاريخ الشروع في مزاولة نشاطه باستثناء المؤسسات التي لا تستفيد من تخفيض الضرائب عليها سابقا.

ثامنا: الاستهلاكات التناقصية:

يستمر العمل فيما يخص السلع التجهيزية وطوال الفترة المشار إليها في المادة الأولى أعلاه بالتدابير المقررة في التشريع المتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل في مجال الاستهلاكات التناقصية.

تاسعا: الاحتياطي المرصد للاستثمار فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل:

فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل، تعتبر تكاليف قابلة لخصم الاحتياطات التي يتم رصدها من طرف المقاولات في حدود %20 من الربح الضريبي قبل فرض الضريبة لأجل انجاز استثمار بشكل سلع تجهيزية ومعدات والات، وذلك في حدود %30 من الاستثمار المذكور.

عاشرا: الضريبة الحضرية:

تعفى منها المباني المضافة إلى مبان قديمة، وكذا الالات التي تعد جزءا لا يتجزأ من مؤسسات إنتاج سلع أو تقديم خدمات وذلك طوال السنوات الخمس التالية التي تم خلالها بناؤها أو إقامتها.

وبالإضافة إلى الامتيازات الضريبية التي شملها ميثاق الاستثمار، فلقد نص هذا الأخير على عدة امتيازات تخرج عن الإطار الجبائي[15].

مقال قد يهمك :   اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو التوافق الهش بين البيئة و الاقتصاد.

الفقرة الثانية: أثار النفقات الجبائية

لا شك أن اتجاه السلطات العمومية نحو اتخاذ سياسة التحفيزات الجبائية، كعامل وأداة من أجل حفز وتشجيع الاستثمار والمبادرة الخاصة، لم يكن غاية في حد ذاته، ذلك أن هذه السلطات سطرت مجموعة من الأهداف –الاقتصادية والاجتماعية- وحاولت أن تجعل منها وسيلة أساسية لتحقيق النمو المنشود. ويتجلى هذا الامر في حجم الإعفاءات والامتيازات الجبائية الممنوحة لمختلف القطاعات الاقتصادية المستهدفة وكذا التشجيعات الضريبية الموجهة لفئات ومناطق معينة.

إن الغاية الأكبر لهذه الإجراءات تندرج في إطار مواصلة اندماج المغرب في الاقتصاد العالمي من جهة، وتفعيل سياسة القرب للقضاء على التهميش والفقر وتأهيل الاقتصاد الوطني، وكذا دعم البنيات التحتية وتنمية القطاعات المنتجة.[16]

وللحديث عن التأثيرات التدابير والتحفيزات الجبائية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، سنحاول دراسة الانعكاسات الاقتصادية لهذه السياسة في خطوة أولى، على أن نرصد الآثار الاجتماعية لنظام الإعفاءات في خطوة ثانية.

* الانعكاسات الاقتصادية:

لقد حاولت الدولة خلق إطار تستطيع من خلاله تحفيز المبادرة الخاصة من أجل توجيهها نحو الاستثمارات المنتجة. وهكذا فقد حاولت من خلال سياسة الإعفاءات والتشجيعات الضريبية أن تعمل على إنعاش القطاع الاقتصادي بما يتماشى مع التوجه العام الذي تسلكه السياسة الاقتصادية والمالية، وحتى السياسة الاجتماعية للدولة.[17]

وتختلف أهمية الإعفاءات الضريبية في تأثيرها من قطاع لأخر، ومن دولة لأخرى، وحتى داخل الدولة نفسها من إقليم لأخر، وذلك تبعا للأهداف التي تسعى السلطات العمومية المغربية لتحقيقها.

وبصفة عامة، فكثيرا ما نجد بأن وجود الإعفاءات الضريبية مرتبط بالرغبة في جلب الاستثمارات الأجنبية، وتوجيه الادخار الداخلي نحو الاستثمارات المنتجة وخصوصا ما تعلق منها بالاستثمارات الصناعية.

إن تصفح النتائج المستخلصة من رصد سياسة التحفيزات الجبائية للاستثمارات الوطنية ولحجمها قد لا يعبر عن مستوى الطموحات التي كانت وراء تطبيق هذه السياسة، انطلاقا مما يفرضه واقع ومستوى تشجيع الاستثمار الوطني، ولو أن الظاهر يعطي تطورا ملموسا لهذه النتائج.

وتصبح هذه النتائج أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بالادخار، إذ بالإمكان أن يلعب هذا الأخير دورا أساسيا في المساهمة في تعبئة وتوجيه الاستثمارات المنتجة، وكذلك تعبئة وتوجيه الادخار من خلال خطة الإنقاذ[18] والهادفة الى تحسين مستوى الادخار الوطني الذي يتسم بالضعف، إذ لا يتجاوز نسبة %22 من الناتج الداخلي الإجمالي، والموجه نحو الاستثمارات المنتجة داخل النسيج الاقتصادي المغربي.

إذا كان الاستثمار الأجنبي يشكل أحد الآمال الرئيسية في بلوغ تنمية معجلة، فإن للوسيلة المستعملة أثر في تحقيق هذه الآمال، حيث تضعف أهميتها عند منح ليبرالية ضريبية. فأغلب الدول النامية تؤمن بأن منح إعفاءات ضريبية يعتبر ضروريا وكافيا[19]. غير أنها تبقى وسيلة تسهيلية تلجأ إليها هذه الدول بغض النظر عن اختلاف إيديولوجياتها السياسية والاقتصادية.

إن قلة الاستثمارات المحلية الموجهة نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، تعتبر أحد المشاكل الحقيقية التي تؤثر على تنمية الدول النامية[20]. فتدفعها إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار فيها، من أجل ذلك تستعمل وسائل تشجيعية ضريبية، في الحقيقة، فإن قرار الاستثمار الأجنبي غالبا ما يكون خارجا عن الاعتبارات الضريبية، لأن عوامل أخرى تجعل حتمية رحيله مؤكدة أكثر من الضريبة.

إن أهداف التنمية الاقتصادية تعتمد على بالأساس على تحريك الاستثمار من أجل خلق تنمية اقتصادية، يمكنها أن تنعكس بدورها على القطاع الاجتماعي، فيكيف ستؤثر هذه التدابير على المحددات الاجتماعيةّ؟.

* الآثار الاجتماعية:

لا شك أن الإجراءات الجبائية الاستثنائية تضع من بين أهم أهدافها تخفيف العبء الجبائي على الفئات التي تعاني من الهشاشة، وذلك من أجل تحسين ظروف عيشها عن طريق تدعيم قدرتها الشرائية، والحفاظ بالتالي على حد أدنى معيشي مقبول ومعقول اجتماعيا. فهل استطاعت هذه الإجراءات أن تلعب ذلك الدور؟ وهل عملت السلطات العمومية في إتجاه الحفاظ على أولويات تحسين ظروف عيش المواطن المغربي؟

إن ميزة الدول النامية، هو اعتمادها الكبير على الضرائب المباشرة، والمغرب لا يشكل الاستثناء من هذه القاعدة، فإذا كانت سياسة التحفيزات والامتيازات تهدف إلى تخفيف العبء على المستثمرين فإن هذا الأخير من المحتمل أن يقع على الفئات غير المستثمرة، وهي الفئات الضعيفة اقتصاديا، ليؤثر ذلك بالنتيجة النهائية على مبدأ تساوي المواطنين أمام الأعباء العامة[21].

من هنا تغدو هذه الإعفاءات وبشكل غير مباشر أداة للزيادة في اختلال الدخول نظرا لاستفادة القلة المستثمرة، وبالتالي تصبح أداة لعرقلة أي إمكانية لتحسين ظروف العيش، على أساس أن كل تخفيض يمنح للمستثمرين يقاس ويعوض بالضرورة عبر تثقيل العبء الجبائي  للذين لا يستثمرون.

ويزداد هذا الأمر تفاقما بتكريس الطابع التوسعي للإعفاءات الجبائية من حين لأخر، إضافة إلى أن طابع التعميم الذي ميز هذه الإعفاءات مكن الفئات المحظوظة من أرباح جبائية، إضافة إلى التضريب الخفيف الذي تستفيد منه هذه الفئات أصلا.

عرفت حصيلة ونتائج السياسة الجبائية في المغرب بصفة عامة خلال العقود الأخيرة تبقى نوعا من المحدودية وعدم مسايرة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي كما أكدت على ذلك العديد من التقارير التي أنجزها البنك العالمي، وكذلك العديد من الدراسات الأكاديمية.

مقال قد يهمك :   قراءة في اجتهادات القضاء الدستوري: القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية نموذجا

دون إغفال أن هذه السلطات حاولت خلال العقد الأخير إدخال عدة إصلاحات على هذه السياسة لجعلها أكثر فعالية لكن هذه التعديلات تظل جزئية ومعزولة لن تحقق في الغالب الأهداف المنشودة وبالتالي أصبح من الضروري اليوم تحديد إستراتيجيةجبائية تساير التحولات التي يعرفها المغرب وتساهم في ضمان التنمية المنشودة.

وفي هذا السياق يتعين اعتماد بعض الأساليب المعتمدة في عدد من البلدان ليست بالضرورة المتقدمة منها، بل هناك بلدان في أمريكا اللاتينية وآسيا (البرازيل، ماليزيا، الفيتنام) تعمل على نشر لائحة المؤسسات والأشخاص المعنيين بالغش والتهرب الضريبي وذلك بهدف حثهم وإرغامهم على أداء مستحقاتهم الجبائية لتعزيز موارد الدولة بهدف تحقيق التنمية.

فكل الخيارات الصائبة يمكن اعتمادها لتحقيق هذا الغرض شريطة توافق سياسة حقيقية تؤمن بثقافة التغيير الإيجابي وفصل السلط والتقييم والمحاسبة.

وفي جميع الحالات ينبغي النظر إلى الضريبة باعتبارها أداة مالية اقتصادية ذات مفهوم اجتماعي: فإذا كان التهرب الضريبي والغش الضريبي من أخطر الأمراض التي تصيب إنتاجية الضرائب، فإن استيراد مفاهيم ضريبة جاهزة من الخارج اخطر مرض يجعل الضريبة غير ملائمة للظروف الاقتصادية والاجتماعية لبلد ما، تبحث الدول النامية عن “الكمال الضريبي” الذي يعتقد بوجوده في الخارج، في حين أن هذه الدول لم تستطع هي بنفسها الوصول إليه.


الهوامش:

[1] سعيد جفري، تدبير المالية العمومية بالمغرب، مطبعة أوماكراف، الدار البيضاء، الطبعة الاولى، سنة 2009، ص: 120.

[2] محمد بالعوشي، الإعفاءات الضريبية لتشجيع الاستثمار الصناعي، رسالة دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 1989-1990، ص:2.

[3] للمزيد حول تداخلية الدولة في الحياة الاقتصادية، يمكن الرجوع غلى كتابات مفكرين كبار مثل مونتيسكيو، وجون ستيوارت ميل.

[4] محمد فرحي، “سياسية الاعفاءات الضريبية في الاقتصاد الجزائري وأثارها الاقتصادية والاجتماعية”، مقال منشور بالمجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية، عدد 60 (2005)، ص: 63.

[5]محمد فرحي، نفس المرجع، ص: 65.

[6] مصطفى الكثيري، النظام الجبائي والتنمية الاقتصادية بالمغرب، دار النشر المغربية، البيضاء 1985، ص: 5-6.

[7]Zemrani Anas Bensaleh : Fiscalité face au développement économique et social ed L.G.D.J.1982. Paris : P 8.

[8]Zemrani Anas Bensalehop .cit . P :6 .

[9]لقد تعددت التعاريف واختلفت بخصوص قوانين الاستثمار، فهي بحسب بعض الدارسين تعتبر متوالية من النصوص القانونية التي تسمح بمعاملة ضريبية ومالية، فهي قد تسمح ببعض الامتيازات ذات الطابع المالي كسائر الإعانات والمساعدات المالية كالمكافآت التي تمنحها الدولة عن إحداث مناصب شغل، قارة أو مساهمتها في جزء من تكلفة الأرض التي  سيقام عليها المشروع الذي حظي بالموافقة.

[10] محمد بلعوشي، “الاعفاءات الضريبية لتشجيع الاستثمار الصناعي”، مرجع سابق،ص35.

[11] محمد المعروفي، “مناخ الاستثمار في المملكة المغربية”، مجلة التنمية الصناعية العربية، عدد 1997.32، ص 32.

[12] تنص المادة 24 من قانون الإطار 18.95 بمثابة ميثاق الاستثمار على أنه لا تطبق أحكام هذا القانون الإطار على القطاع الفلاحي الذي سيكون نظامه الضريبي وخاصة النظام التعلق بالاستثمارات محل تشريع خاص.

[13] المادة 1 من ميثاق الاستثمار رقم 18.95 .

[14] لقد جاء حذف ضريبة التضامن الوطني استجابة لمطالب المقاولات الصناعية تلافيا للازدواج الضريبي.

[15] انظر بهذا الخصوص المواد: 15و16و17و18و21و22و من قانون الإطار 95.18.

[16] التقرير الاقتصادي والمالي لمشروع قانون المالية لسنة 2004، مديرية السياسة الاقتصادية العامة، وزارة المالية والخوصصة، ص: 55.

[17] خديجة حبيبي، “سياسة الإعفاءات الجبائية في النظام الضريبي المغربي”، د د ج، كلية الحقوق، الحسن الثاني البيضاء 2001، ص 57.

[18] خطة قدمها وزير الاقتصاد والمالية المغربي السابق “فتح الله ولعلو” للصحافة الوطنية 2001.01.30 حول دور الخزينة في جباية الادخار وكيفية جعل هذا الادخار محفزا للتوجيه نحو الاستثمار المنتج داخل الاقتصاد المغربي.

[19]Valdor G : Le rôle de la fiscalité dans développement économique. Ed : CUJAS-Paris 1988 ;p :164.

[20] بعيدا عن الوسائل التشجيعية التي تعمل الدول النامية والمغرب أحد هذه الدول طبعا  على إسدائها للرأسمال الأجنبي، فالظروف الاقتصادية، التجارية والاجتماعية الملائمة والخاصة بالبلد هي التي تكتسب الثقة لهذا الأخير للاستثمار.

[21] محمد سليم الورياكلي: حدود وإمكانات إعادة توزيع الدخول عبر الأداة الجبائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام كلية الحقوق البيضاء،1984، ص 216.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]