عبد الحكيم زرزة: الصلاحيات الموكولة للباشوات والقواد في ميدان التعمير على ضوء مستجدات القانون 12.66

عبد الحكيم زرزة، طالب باحث، حاصل على الماستر قانون العقود والعقار وجدة.

مقدمة:

يعد التعمير من بين الميادين التي لا يمكن للدولة، أو الجماعات الترابية أن تنفرد به، إذا لا يتصور أن تقوم الدولة بممارسة المهام المنوطة بها على مستوى جميع الأصعدة، والقطاعات، نظرا لتعدد المسؤوليات، وكثرة الإنشغالات، وفي نفس الطرح يصعب على المجالس المحلية تدبير المجال بسبب تعدد المهام المنوطة بها هي الآخرى أيضا، في اطار التدبير اللامركزي للتراب بواسطة نقل مجموعة من الاختصاصات من السلطة المركزية، وتفريغها في يدها تعزيزا للديموقراطية، إلى جانب قلة الموارد البشرية، وضعف إمكانياتها الفنية، والتقنية، لذلك كان من الطبيعي ان يفكر المشرع في خلق أجهزة أخرى إلى جانب المجالس الجماعية تُعْنى بتدبير العمران، والمتجلية أساسا في السلطات المحلية إلى جانب باقي الهيآت الاخرى من قبيل الوكالة الحضرية، والمصالح الخارجية لوزارة التعمير.

ولهذا فإن المشرع كان واعيا بالدور الذي تلعبه السلطات المحلية في التصدي لمخالفات التعمير نظرا لخبرتها، وتجربتها في الميدان منذ ان وضع أول قانون يهتم بالعمران[1]إلى وقتنا الراهن، حيث كانت عبر الزمن هي الجهاز الذي يضع الحد، والإنهاء مخالفات التعمير[2].

يقصد بالسلطة المحلية بصفة عامة كل من الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم، أو الباشا، أو القائد، كما كانت تقضي بذلك المادة 143 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، ولهذا فإنه بالرغم من كون جميع الجهات المشار إليها أعلاه تدخل في سياق مفهوم السلطة المحلية إلا ان ذلك لا يعني أن اختصاصانهم في ميدان التعمير موحدة ومماثلة، بل كل جهة أفرد لها المشرع مجال اختصاصها وحدد نطاق تدخلها، ومن ثم فإنه سيتم التقيد بالعنوان والحديث فقط حول نطاق اختصاصات القواد والباشوات في تدبير المجال، انطلاقا من القوانين المهتمة والمنظمة لهذا القطاع، لذا فإن اختصاتهما لا تكاد تخرج عن المعاينة والضبط (الفقرة الأولى) إلى جانب مهمة القيام بزجر المخالفات أيضا (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دور القائد والباشا في مراقبة ومعاينة مخالفات التعمير

نظرا لما تعرفه قوانين التعمير من كثرة المخالفات، كان المشرع يوكل مهمة البحث والمعاينة إلى جملة من الأجهزة “قانون 12,90و 25,90″، لكن مع مجيء القانون رقم 12.66أسقط مجموعة من الجهات، وأبقى على جهازين اثنين فقط وهما:

  • ضباط الشرطة القضائية
  • مراقبو التعمير التابعون للوالي أو العامل او الإدارة الذين يكتسبون الصفة الضبطية.

بالرجوع إلى المادة 66 من القانون رقم 12.66 فإننا لا نجد ما ينص بشكل صريح على اختصاص القواد، والباشوات في ضبط مخالفات التعمير، ولم تحدد بدقة الأشخاص الذين يدخلون ضمن مفهوم ضباط  الشرطة القضائية[3] وهو ما كان مكرس حتى في المادة 64 من القانون رقم 12.90 قبل ان يتم تعديله ونسخ المادة السالف ذكرها[4]، وهو نفس المقتضى كان مكرس في المادة 66 من القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية قبل أن يتم الغاؤها بالقانون رقم 12.66.

ولهذا فتفسير مفهوم الضابطة القضائية المنصوص عليها في قانون التعميريجد سنده في المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية[5]، حيث انه بالرجوع إليها نجد أنها تضفي على القواد، والباشوات صفة ضباط الشرطة القضائية إلى جانب باقي الجهات الأخرى المحدد ضمن هذه المادة[6].

ولهذا فإن الباشا والقائد بناء على هذه المادة المخولة لهما الصفة الضبطية، وبناء على المادة 65 من القانون رقم 12.90 والمادة 1-63 من القانون رقم 25.90 المعدلين والمتممين بالقانون رقم 12.66 يمكنهما ممارسة مهام ضبط مخالفات التعمير، وذلك عن طريق المعاينة، واتخاذ قرار ايقاف الاشغال، وممارسة الحجز على المعدات، والأدوات، ووضع الأختام.

غير أن المثير للغرابة هو أن المحكمة الإدارية بالرباط أصدرت مؤخرا حكما يقضي بعدم أحقية القائد في تحرير محاضر المعاينة في مخالفات التعمير، والإسكان وسياسة المدينة، ومنحها لضباط الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة لتكون بذلك قد جردت القياد من الصفة الضبطية، متناسية المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية التي تعطيه هذه الصفة[7].

غير أن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط جعلت من الباشا، والقائد ضباطا للشرطة مرؤوسان للعمال، يمارسان جميع اختصاصاتهما تحت إشرافه[8].

بناء على ما تم ذكره فإن الباشا، والقائد عندما يعاينان المخالفات المحددة ضمن المادة 64 من القانون 12.90 كما عدل وتمم، وكذا المادة 63 من القانون 25.90 كما عدل وتمم، فإنه ملزم بتحرير محضر بذلك طبقا لأحكام المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تقضي بأن يكون المحضر مكتوبا، ومتضمنا لما عاينه ضابط الشرطة القضائية وما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه، ومتضمنا خاصة اسم محرره، ووصفه، ومكان عمله، وتوقيعه، وتاريخ، وساعة انجاز الاجراء، وساعة تحرير المحضر إذا كانت  تخالف ساعة إنجاز المحضر.

ولهذا فإن الباشوات، والقواد يجب عليهم أن يتقيدوا بالاختصاص المكاني، والنوعي أثناء ممارستهم لاختصاصاتهم، وذلك حسب ما نصت عليه المادة 22 من ق.م.ج، التي كرست هذا المقتضى بقولها: “يمارس ضباط الشرطة القضائية اختصاصاتهم في نطاق الحدود الترابية التي يزاولون فيها وظائفهم…”.

وبالتالي يتضح من مقتضيات هذه المادة أن القائدوالباشا باعتبارهما ضباط الشرطة القضائية يجب عليهما التقيد بالدائرة الجغرافية التي يزاولن فيها وظيفتهم الإدارية قد يمثل في هذا الوعاء في جماعة قروية، او جماعية حضرية[9]، اما بخصوص الاختصاص النوعي فإنه لا يثير أي إشكال بدعوى ان ضباط الشرطة القضائية يمتازون بالولاية العامة بمعاينة، وضبط مختلف انواع الجرائم، وإن كانت هذه الإمكانية غير متاحة لفائدة مراقبو التعمير التابعون للوالي، او العامل إذ يختصون فقط بمعاينة الجرائم ذات الصلة بمجال التعمير فقط، وداخل نفوذهم الترابي، وبالتالي لا يمكن لهم ان يعاينوا الجرائم المتعلقة بالمسطرة الجنائية، أو ذات الصلة بقانون الماء، لأن عدم التقيد بالاختصاص النوعي يؤدي حتما إلى إعدام الإجراءات المتمة بسبب عيب الاختصاص النوعي[10].

مقال قد يهمك :   محكمة النقض تحمل الدولة مسؤولية تعرض رئيس كتابة الضبط لطعنات مميتة أثناء مغادرة العمل

ولهذا فإن المحاضر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية بشأن مخالفات التعمير “القائد والباشا” متى استوفت جميع شروطها الشكلية، والموضوعية تصير وسيلة من وسائل الاثبات، وإن كانت حجية المحاضر عامة تختلف من حيث القوة، وبالتالي فإن المحاضر التي ينجزها هاتين الجهتين تخضع لأحكام المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية، والتي جاء فيها على ان المحاضر، والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح، والمخالفات يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات[11].

يوجه أصل المحضر إلى وكيل الملك في اجل أقصاه ثلاثة أيام من تاريخ المعاينة مرفقا بنسختين مشهود بمطابقتهما للأصل، وكذا بجميع الوثائق، والمستندات المتعلقة بالمخالفة[12]، وبعدها يوجه نسخة من المحضر إلى كل من السلطة المحلية، ورئيس المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية وكذا المخالف نفسه.

وعلى هذا الأساسفإن النيابة العامة تعتمد على المحاضر المحررة من لدن القواد، والباشوات في تحريك الدعوى العمومية في حق المخالف، وذلك بعد اعمالها لسلطة الملاءمة المخولة لها طبقا لقواعد قانون المسطرة الجنائية، خاصة وأمام عدم صدور نصوص تنظيمية محددة لكيفية تعيين المراقبين التابعين للوالي، أو العامل، أو الإدارة فإن القواد هم الذين يتحملون مراقبة المجال، ورصد المخالفات وتحرير المحاضر بشأنها وغيره من الإجراءات، بل حتى الجهات الأخرى المتدخلة في التعمير، عندما يصل إلى علمها أن تمة مخالفة معينة في منطقة ما بواسطة أعوانها، كالوكالة الحضرية مثلا، أو المجالس الجماعية، فإنها تقوم بإخبار القائد لينتقل لعين المكان قصد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة[13].

وجدير بالذكر أن القائد، والباشا، إذا أرادا أن يعاينا مخالفة ذات صلة بالتعمير داخل محلات معتمرة فإنهما ملزمان بالحصول على إذن سابق صادر من النيابة العامة المختصة خلال أجل لا يتعدى ثلاثة أيام[14]، وذلك تطبيقا لما جاء في الدستور الجديد تماشيا مع ضمانات حرمة الحياة الخاصة للإنسان بشكل عام، وحرمة المنازل بشكل خاص[15]، حيث جاء في الفصل 24 منه على أنه: “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة.

لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون…”.

إلى جانب ذلك فإنه يجب التقيد بالوقت حيث لا مجال للحديث عن تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا، وبعد الساعة التاسعة ليلا، ما لم يطلب ذلك من رب المنزل، أو وجهت استغاثة من داخله، وإن كانت هاتين الحالتين لا يمكن تصورهما في مجال التعمير، وبالتالي وجب التقيد بالمدة السالف ذكرها، وكل تفتيش خارج الزمن المحدد، أو دون طلب الإذن من النيابة العامة يجعل المحضر باطلا، وباقي الإجراءات اللاحقة له، ومن ثم استبعاده كوسيلة اثبات.

وبناء على ما سبق ودون الخوض في التكرار فإن القواد، والباشوات خول إليهم المشرع ممارسة نفس الصلاحيات التي خولها للمراقبين التابعون للوالي، أو العامل، والتي تم التطرق لها سلفا ضمن المبحث الأول من الفصل الثاني.

ثبت على المستوى العملي أن ضباط الشرطة القضائية لا يمارسون مهمة ضبط مخالفات التعمير، ولا يتدخلون في الميدان باستثناء القواد، والباشوات، وإن كانا هما أيضا يسود لديهما اعتقاد أن المراقبة، والمعاينة من اختصاص السلطة المنتخبة، او الهيآت الأخرى المتدخلة في المجال من قبيل الوكالة الحضرية[16].

إلى جانب ذلك، وإن كان الاعتقاد السالف ذكره مكرس لدى الجهات المعنية بها، فإنه على المستوى العملي نجد أيضا بان دورها (الباشوات والواد) جد هام في المجال إذ هما الجهتان اللتين تتحركان بكثرة قصد رصد المخالفات، ومحاولة الحد منها، خاصة انه في المجال القروي فكل أعمال الإيقاف للأعمال المخالفة لقانون التعمير، وحجز المعدات، والأدوات للحيلولة دون اتمام تلك الأعمال، وإبلاغ السلطات، والقطاعات المتدخلة في هذا الميدان  يقوم بها الباشوات، والقواد على وجه التحديد، خاصة وان المراقبون التابعون للوالي او العامل، ليس باستطاعتهم الوصول إلى تلك الأماكن البعيدة، والنائية جدا عن مقار العمالات، والولاية، والتي يقع فيها الإخلال بقواعد العمران، مما يجعل القائد هو المستأثر للتصدي لمخالفات التعمير بشتى أنواعها، والقيام بالإجراءات المسطرية اللازمة لإنهائها.

مما يثير إشكالا جوهريا بخصوص المحاضر التي تنجزها هل هي محاضر إدارية وبالتالي يتم الطعن فيها امام المحكمة الإدارية، ام هي محاضر ذات صبغة قضائية يجب الطعن فيها امام الغرفة الجنحية لدى محكمة الإستئناف؟

يتفرع عن هذا الإشكال إشكال آخر مفاده، هل يخضع القائد والباشا خلال ممارسته لاختصاصه الضبطي، وفي إطار السلطة التأديبية لاشراف الوالي، او العامل تطبيقا لنظرية التسلسل الإداري، أم يخضع لسلطة النيابة العامة باعتبارها هي المراقبة لأعمال ضباط الشرطة القضائية؟

مقال قد يهمك :   تقريب القضاء من المواطن بالاستعداد لإحداث 13 مركزا قضائيا

بخصوص السؤال الأول فإنه يمكن القول بان المحاضر التي تنجزها القائد، والباشا أثناء ممارستهما للعمل الضبطي للأعمال المخالفة لضوابط التعمير هي محاضر ذات صبغة قضائية، بدليل ان المسطرة الجنائية سابقة الاعتبار في كون محاضر القواد، والباشوات مضفاة عليها الصبغة القضائية، وجعلت من الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف هي المرجع الذي إليه يقدم الطعن في محاضرها بصفة خاصة، وضباط الشرطة القضائية عامة، إلى جانب ذلك فإن المحاضر الهدف منها هو استعمالها كوسيلة اثبات في مواجهة المخالف أثناء المتابعة الجنائية، وبناء عليها تتم تحريك الدعوى العمومية منذ البداية، لذلك ليس من المنطق القول بأنها ذات صبغة ادارية وجب الطعن فيها امام المحاكم الادارية.

وبخصوص السؤال الثاني فإنه على غرار السؤال الأول حيث يمكن القول بأنه ما دام يباشران المهام المتعلقة بالجرائم الماسة بالنظام العام، والتي يعود الاختصاص بشأنها للنيابة العامة كممثلة الدفاع عن الحق العام فإنه من الطبيعي أن يخضعا لرقابتها واشرافها وليس للوالي أو العامل.

الفقرة الثانية: مدى صلاحية القواد والباشوات في التصدي لمخالفات التعمير عن طريق الهدم

حسب الفقرة الثانية من المادة 70 من القانون 12.90 والفقرة الثانية من المادة 3-63 من القانون 25.90 المعدلين، والمتممين بالقانون رقم 12.66، فإنه متى تم البناء، والتجزيء على ملك من الأملاك العامة للدولة، أو الخاصة، او الجماعات الترابية من غير الحصول على رخصة سابقة يجب الحصول عليها قبل مباشرة الأعمال، أو منطقة محظور فيها البناء بموجب وثائق التعمير فإنه يجب على السلطة الإدارية المحلية ان تقوم بإصدار الامر بالهدم التلقائي، وعلى نفقة المخالف.

ولهذا فإن المشرع المغربي قد وسع مجال التدخل التلقائي للسلطة المحلية للقيام بعمليات الهدم، حيث كانت المادة 80 من القانون 12.90 قبل تعديله تحصر هذه الإمكانية في حالة البناء فوق الأملاك العامة للدولة فقط.

ولهذا فإن القواد والباشوات منح لهم هذا الاختصاص كما سبق القول استنادا إلى المفهوم المستعمل في المادتين السالف ذكرهما بدليل ان السلطة المحلية تتجسد حتى في الباشا، والقائد، إلى جانب الوالي، او العامل، كما ان المشرع في المخالفات البسيطة، والخطيرة لم يعط إمكانية الهدم للسلطة المحلية إذ نص صراحة على ذلك[17].

ولهذا فإن الباشوات، والقواد، مدعوان إلى اتباع الاجراءات المتعلقة بمعاينة المخالفة كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا من تحرير المحضر، وتبليغه للمخالف وتوجيهه إلى الأطراف المعنية، وكذا ايقاف الأشغال وحجز المعدات، واغلاق الورش، ووضع الاختام عليه في حالة إذا كانت الأشغال لا زالت جارية، وإعداد محضر تفصيلي بالمحجوزات مع تعيين حارس أو نقلها للمستودع عند الاقتضاء، وبعد ذلك تدعو هذه السلطة إلى عقد لجنة الإشراف على الهدم من أجل هدم البناء، والأشغال المقامة فوق تلك الأراضي، وإعادة الحال لأصله[18].

إنطلاقا مما سبق يمكن القول بان القائد، والباشا، ينفردان بصفتين اثنتين في ميدان التعمير فيما يتعلق بالمخالفات، حيث يكتسبان الصفة الضبطية إلى جانب تمثيلهما للسلطة المحلية، وتبعا لذلك فإنهما يحق لهما ضبط مخالفات التعمير عن طريق المعاينة، والايقاف والحجز، ووضع الاختام في إطار الاختصاص المخول لهم كضباط الشرطة القضائية، ويحق لهما أيضا القيام بأعمال الهدم للأبنية، والأشغال المخالفة لقوانين التعمير المنصوص عليها ضمن المادة 70 والمادة 3-63 من القانون 12.66 المعدل والمتمم للقانونين 12.90 و25.90، وباعتبارهما سلطة محلية، مما يفيد أن هاتين الجهتين هما الإثنتين اللتين تجمعان بين الصفتين السالف ذكرهما.

إن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الدور الذي يلعبه القواد خاصة في التصدي لمخالفات التعمير، وانهائها عن طريق الهدم، ما كان ليأتي لولا الدور الذي يلعبه أعوانهم والمتمثلين في الشيوخ، والمقدمين إذ يعتبران هما المساعدان الأساسيان لهاتين الجهتين لأداء الأعمال المنوطة بها على أكمل وجه نظرا لما لهما من احتكاك مباشر بالمواطن.

حيث يعدان اول من يرصد أي مخالفة ذات علاقة بميدان التعمير آملين في تحسين وضعيتهم المادية، وظروفهم المعيشية حتى يكون لذلك أثرها الايجابي المتمثل في التبليغ على مخالفات ضوابط التعمير نظرا لما يلعبه التحفيز المادي من تقوية العزيمة، وتفاديا للوقوع في تلقي الرشاوى من لدن المخالفين، خاصة وأنه في المجال القروي يستحيل معه رصد المخالفات المقامة هناك من لدن المراقبون التابعون للوالي أو العامل او الإدارة.

خاتمة:

في الختام، يتضح جليا أن قوانين التعمير عرفت عدة تغييرات، وإصلاحات عبر مجموعة من المحطات، والتي كان الهدف منها هو مواكبة التطور العمراني، وضبط حركة البناء ضبطا محكما، عن طريف تفعيل التوجهات والاستراتيجيات المرصودة لإنتاج عمران متناسق يتماشى، ومتطلبات العصر، ويعكس مفهوم الدولة الحديثة.

ولتحقيق ذلك نجد أن المشرع أتى بمجموعة من المستجدات المهمة، من بينها أنه وضع صلاحية الترخيص من اختصاص رئيس المجلس الجماعي، في حين ألقى بعبء المراقبة على السلطة الإدارية المحلية، وبذلك يكون موفقا من وجهة نظري بفصله بين السلطتين، محددا مهمة كل واحدة على حدة، على عكس السابق عندما كان رئيس المجلس الجماعي يعطي الترخيص ويمارس الرقابة، ويحرك الدعوى العمومية، ويسحبها من يد النيابة العامة، وينفرد بخاصية التكييف، وهو ما تم التراجع عنه مع مجيئ القانون رقم 12.66، ويبقى مستجد محمود ذو غاية في الأهمية.

مقال قد يهمك :   رسالة ملكية للمشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة

إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه، فرغم جدة القانون 12.66، إلا أنه أبرز عدة نواقص على مستويات عدة، سواء من خلال قصور المقتضيات الزجرية، وضعفها، أو كونه ما هو إلا حل ترقيعي جاء لسد ما أمكن من الثغرات التي كانت تشوب قوانين التعمير، ناهيك عن تكريسه للإشكال الذي عابه الفقه، والباحثون والمتمثل في تعدد الأطراف المتدخلة في مجال المراقبة، إلى جانب تعليق سريان مجموعة من النصوص القانونية على أمل صدور النصوص التنظيمية… إلخ.

وأخيرا يمكن القول أنه مهما تطورت القوانين، ومهما تطور المجتمع، وتطورت معه الإمكانيات، فإنه لا يتصور القضاء على مشكلة معينة بصفة نهائية، ولكن يبقى على الأقل الهدف هو محاربتها، والقضاء عليها قدر المستطاع.


الهوامش :

[1]– الظهير الشريف المؤرخ في 20 جمادى الأولى 1332 هـ الموافق ل 16 أبريل 1914م بشأن تصنيف الأبنية والطرق والتصاميم الموضوعة لتهيئة المدن وتوسيع نطاقها والجبايات المفروضة على الطرق

[2]– إن موضوع التعمير هو موضوع سياسي بامتياز أكثر مما هو موضوع اجتماعي واقتصادي، حيث ان مسالة وضع المشرع المغربي صلاحية الزجر وانهاء المخالفات عن طريق الهدم وباقي الطرق الاخرى بيد السلطة المحلية أمر محمود يستحق التنويه، لان المجالس الجماعية لا تتعامل مع المواطن بمنطق القانون في مجال التعمير، لخدمة الصالح العام، عن طريق تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية…إلخ، بل تتعامل بمنطق الولاء السياسي حيث ان مسيرو المجالس الجماعية لا يطبقون القانون التعميري على المخالفين لضوابطه، والذين صوتوا عليهم لنيل مقعد الرئاسة، أو العمدة، وذلك ضمانا، وحفاظا على الأصوات، والأوراق الانتخابية في الاستحقاقات المقبلة، لكن في مقابل ذلك يتعسفون في تطبيق القانون في مواجهة غير الانصار، اما بخصوص السلطات المحلية فهي على عكس ذلك لان هدفها غير مرتبط بما هو سياسي ولا علاقة لها بالانتخابات بل كل ما يهمها هو تطبيق القانون لان التعيين أصلا يتم من طرف الملك وليس المواطن بواسطة الانتخابات، لذلك فإنه من الأجدر أن يسند الجانب الزجري من المشرع لصالح السلطة المحلية كما فعل.

[3]– يوسف المداني، التدخل الإداري والقضائي في ضبط مخالفات التعمير ، مرجع سابق، ص:24.

[4]– كانت تنص المادة 64 قبل نسخها على ما يلي: “يقوم بمعاينة المخالفات لأحكام هذا القانون وضوابط البناء والتعمير العامة والجماعية:

– ضباط الشرطة القضائية

– موظفو الجماعات المكلفون بمراقبة المباني أو المفوض لهم بذلك من طرف رؤساء الجماعات المحلية وفقا لضوابط ظهير 30 شبتمبر1976 المنظم للميثاق الجماعي

– الموظفون التابعون لادارة التعمير والمكلفون بهذه المهمة

– موظفو الدولة الذي يعتمدهم الوزير المكلف بالتعمير للقيام بهذه المأمورية أو كل خبير او مهندس معماي، كلف بهذه المهمة بصفة استثنائية من طرف رئيس مجلس الجماعة المعنية أو غدارة التعمير.

[5]– ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 رجب 1423 -3أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.

[6]– جاء في المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية على انه: “يحمل صفة ضابط الشرطة القضائية:

-………………………

– الباشوات والقواد

[7]– حكم عدد 1261 بتاريخ 31/07/2018، ملف عدد 0047/7110/2018.

[8]– قرار عدد 6247 الصادر في 27 ربيع الأول 1438 الموافق ل 27 دجنبر 2016 ملف رقم 353/7205/2016.

[9]–  محمد الدكي، علاء عمر عواد خلايلة، شرح قانون المسطرة الجنائية وفق القانون رقم 22.01، طبعة 2017، ص:48.

[10]– سعيد الوردي، مراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير، م س، ص:44.

[11]– سعيد الوردي، م س، ص:52.

[12]– الفقرة الثالثة من المادة 66 من قانون رقم 12.66 المعدل للقانون رقم 12.90، والفقرة الثانية من المادة 2-36 من القانون 12.66 المعدل والمتمم للقانون رقم 25.90.

[13]– حوار أجري مع محمد بنطاهر رئيس قسم دراسة الملفات بالوكالة الحضرية لمدينة وجدة يومه 28/11/2018.

[14]– ـنظر في ذلك الفقرة الثانية من المادة 66 من القانون رقم 12.66 المعدل والمتمم للقانون رقم 12.90.

[15]– محمد الدكي، علاء عمر خلايلة، م س، ص:69.

[16]– سمية بصري، زجر مخالفات البناء بين الواقع ومدى الحاجة للإصلاح، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة العقار والتعمير والإسكان، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2003-2004، ص:65.

[17]– أنظر المواد: 4-63 من القانون رقم 25.90، المادة 68 والمادة 70 ضمن فقرتها الأولى من القانون رقم 12.90 كما عدلا وتمما بالقانون رقم 12.66.

[18]– بخصوص إجراءات الهدم المنفذ من طرف السلطة المحلية فإنه أمام وجود فراغ قانوني ينظم الإجراءات المتبعة في شانهن جاءت الدورية رقم 17/07 وحددت لنا ذلك إلى حين صدور نص تنظيمي  من خلال الصفحة 9 من هاته الدورية.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)