سليمة فراجي: مسودة المسطرة المدنية تتضمن مقتضيات غير دستورية ولا بد من دراسة الأثر
سليمة فرجي محامية يهيئة وجدة
برلمانية سابقة
تفاديا لخرق مبادئ ومقتضيات دستورية ،من الضرورة ارفاق مشروع قانون المسطرة المدنية بدراسة للأثر طبقا للمادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13-065
مـــــن الثابت ان مشروع قانون المسطرة المدنية هو آلية اساسية من آليات اشتغال المحامين الذي منح وزير العدل بشأنه اجلا اقصاه 20 يوما من اجل إبداء الرأي من طرف هيئات المحامين بواسطة جمعيتهم.
علما ان المشروع المذكور يعتبر آلية اشتغال المحامين الأساسية بصفتهم متعاملين ومُنَزِّلين للنص القانوني على ارض الواقع وما يستتبع ذلك من ضرورة جودة الصياغة ومسؤولية المشرع في سن نصوص مجودة وغير مشوبة بالغموض ، وبالتالي فان اي ارتباك او ركاكة في الصياغة او التقليص من صلاحيات المحامين ، هذا التقليص المعتبر مساسا بمبادئ الامم المتحدة بشأن دور المحامين ، او تقزيم لهذا الدور او عدم احترام التراتبية القانونية ,سيعتبر ضربا لجودة الصياغة ومنفذا للتعقيد واحيانا التأويل الخاطئ و عرقلة الاجراءات و الابتعاد عن النجاعة القضائية والمهنية.
إن المشروع المذكور وبغض النظر عن مناقشة وقراءة جميع النصوص قراءة متأنية ينتابه بعض الغموض الذي سيخلق وضعا مربكا اثناء التفسير والتأويل، كما انه اخل بمبدأ دستوري يتمثل في حق جميع المواطنين في التقاضي ، ناهيك عن خرق مبدأ التقاضي على درجتين.
فبالرجوع الى الفصل 118 من دستور المملكة نجده يضمن للمواطنين حق التقاضي للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم التي يحميها القانون ، بل يضمن حق الطعن امام الهيئات القضائية المختصة ، كما ان ازدواجية درجات التقاضي طبقا لمبدأ التقاضي على درجتين يكفل استتباب الامن القانوني ، لان الاستئناف الذي ينشر الدعوى من جديد يجعل الحقوق محصنة مما قد يشوب حكم المحكمة الادنى درجة من عيوب اما بسبب فهم خاطئ و فساد التعليل وسوء التقدير او بسبب عدم الادلاء بأدلة ووسائل اثبات لا يتم الادلاء بها الا على درجة الاستئناف.
لذلك يعتبر مبدأ التقاضي عل درجتين أحد أهم مبادئ القضاء، بحكم انه يكفل للجميع حق عرض النزاع أمام أكثر من محكمة للبت فيها، ويتيح لاطراف النزاع الذين لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم ،عرض نفس النزاع أمام محكمة أعلى درجة وهيئة قضائية مختلفة لتتأكد ان كان حكم المحكمة الادنى درجة قد طبق القانون تطبيقا سليما فتفصل فيه من جديد، إما بإقرار الحكم الأول وتأييده، او التصدي بالغائه ، لذلك يعتبر الاستئناف اجراء وآلية تحول دون الوقوع في الخطأ، طبعا مع ملاحظة مراقبة محكمة النقض التي تقدم طلبات النقض امامها و المعتبرة محكمة قانون وليس درجة من درجات التقاضي.
ما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية من عدم امكانية الطعن بالاستئناف في القضايا التي لا يتجاوز المبلغ بشأنها خمسين الف درهم 50000 درهم إذ تختص المحاكم الابتدائية بالنظر ابتدائيا وانتهائيا الى غاية خمسين الف درهم مع حفظ حق الاستئناف فقط في الطلبات التي تتجاوز هذا المبلغ ليعتبر في قمة الاجحاف بروح العدالة ويتناقض مع المقتضيات الدستورية التي ضمنت لجميع المتقاضين حق التقاضي بعيدا عن حرمان من لم يتجاوز طلبه هذا المبلغ من حقه في الانصاف وعرض قضيته على محكمة الدرجة الثانية ، الاكثر من ذلك فان الحرمان من حق الطعن بالاستئناف قد يكرس اجتهاذا تقضي به المحكمة الادنى درجة, بل احيانا ينشد المتقاضي الانصاف وعرض القضية على محكمتين مختلفتين بغض النظر عن قيمة الطلب ليسود الاطمئنان وقدسية العدالة والامن القانوني.
كما ان ما ورد في المشروع من عدم امكانية الطعن بالنقض اذا لم لم يتجاوز المبلغ موضوع الطلب مائة الف درهم اقل ما يمكن ان يقال عنه هو خرق مبدأ دستوري متمثل في ضمان حق المواطنين في التقاضي دون تمييز بين من يتعامل بمبالغ تفوق عشرات الملايين او اي مبلغ قد ينتج عن معاملات انصرفت نية الاطراف الى التقاضي بشأنها ،تماشيا مع روح الانصاف ورفع الحيف ، ولن يتأتى ذلك الا بسلوك جميع طرق الطعن المنصوص عليها قانونا ، بما في ذلك الطعن بالنقض.
لذلك اذا كان استقلال القضاء كخيار دستوري واقعي يجعل منه اكثر قربا وإنصاتا واكثر نجاعة وفعالية ، واكثر عدلا وانصافا فلماذا الانتقاص من الضمانات بشأنه وتقييد المتقاضين بمبالغ مالية موضوع طلباتهم من اجل سلوك مساطر الطعن ؟ علما ان حرمان مواطن بسيط في مدينة نائية من حقه في النقض اذا لم يتجاوز مبلغ طلبه مائة الف درهم لا يمكن مقارنته بكبريات الشركات المتواجدة في المركز والتي قد يبدو لها مبلغ مائة الف درهم مبلغا زهيدا، الشيء الذي يكرس التمييز بالنسبة للمتقاضين وضرب حقهم في طلب الانصاف بعرض قضاياهم على محكمتين مختلفتين في خرق بين لمقتضيات الدستور الذي يضمن للجميع حق التقاضي.
اليس الهدف اذن هو ارساء الممارسات الفضلى وتقليص هوامش الخطأ والتقصير ؟ ومن يضمن ذلك اذا تم التقليص او الحرمان من حق سلوك طرق الطعن؟
ولعل ما يجعل التشبت بدراسة الاثر والمزيد من التجويد وضبط المصطلحات ،ما اورده المشروع من عبارات مبهمة بخصوص المادة 85 التي جاءت بصيغة الجواز والامكانية ، اذ نصت على انه يمكن للمدعي او محاميه بمجرد تعيين الجلسة ان يتسلم الطلبات المتعلقة بالاستدعاء، وجميع اجراءات الملف القضائية الاخرى ، متى ارفق مقال الدعوى بكل الوثائق والمستندات المثبتة له ، وذلك تحت طائلة عدم القبول بعد توجيه الانذار له قصد السهر على تبليغها الى المدعى عليه بواسطة مفوض قضائي ، لتختم بعدم القبول بعدما استهلت النص بصيغة الجواز ، اذ ان عبارة : يمكن التي تفيد الجواز لا الوجوب تعتبر متناقضة مع عدم القبول الذي جاء جزاء على مخالفة قاعدة اجرائية تفيد الالزام والوجوب لا الجواز الذي نصت عليه في مستهل النص .
الشيء الذي يثبت الصياغة الملتوية الغامضة التي ستزيد من معاناة المحامين والمتقاضين بتزايد عدد الاحكام القاضية بعدم القبول ، والسؤال المطروح ما الذي سيقع تحت طائلة عدم القبول ؟ هل هو عدم الادلاء بالوثائق بعد الانذار، ام عدم السهر على تبليغ المدعى عليه؟ اذ يبدو الارتباك باديا بين الجواز والوجوب الشيء الذي سيفتح الابواب على مصراعيها للغموض البناء بالنسبة للبعض والمعاناة وتعقيد الاجراءات بالنسبة للبعض الاخر.
من جهة اخرى فان المدعي الذي يؤدي المصاريف القضائية لصندوق المحكمة ، المفروض انه يعفى من باقي الاداءات لكونه اداها قبل تسجيل الدعوى.
لذلك وتحصينا لضمانات التقاضي وتماشيا مع تراتبية القوانين و دستوريتها فانه من الضروري ارفاق مشاريع القوانين المهمة بدراسة الاثر، إذ تضع المادة 19 من القانون التنظيمي رقم13-065 المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها على عاتق رئيس الحكومة، بموجب قرار، إرفاق مشاريع القوانين الرامية إلى سن أي تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها، وهي أداة تساعد على اتخاذ القرارات بهدف توجيه اختيارات الحكومة والبرلمان وتحسين جودة القواعد التشريعية. وانه من المفروض بل من الواجب اعداد دراسة الأثر لتقييم جدوى الإصلاحات المقترحة، ومدى احترام المشروع لتراتبية القوانين.
وإن كانت هذه الدراسة لا تعوض قرار التشريع من عدمه والذي يعود إلى السلطة السياسية؛ لكن لها دور محوري وأساسي في تقييم الآثار القانونية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية والإدارية ، ومدى احترام تراتبية القواعد القانونية وتناسق وتداخل مجموع القوانين المطبقة وسهولة فهم النص القانوني ووضوحه وجودته، دون أن ننسى متطلبات الأمن القانوني. هذا المبدأ الذي يتزايد الاهتمام به؛ بالنظر إلى ما أصبح يعيشه العالم المعاصر من تطورات متسارعة ومتلاحقة على جميع الأصعدة، سواء تعلق الأمر بما هو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، بشكل أصبحت معه التحولات توحي بعدم الاستقرار بالنسبة إلى البشرية وأصبح النظام القانوني مواجها بتحديات تفرض عليه تجنب الآثار السلبية مع الحفاظ على دور المؤسسات كعامل استقرار.
لأن النتيجة المحتملة بالنسبة إلى القانون والقضاء أثناء مواكبته للمستجدات المعاصرة قد تؤدي إلى تزايد نسبة عدم الاستقرار بدل التقليص منه.