سليمة فراجي: الاحتكام إلى التاريخ معيار لتحديد المسؤوليات
سليمة فراجي محامية وبرلمانية سابقة
التنكر الحالي لمغربية الصحراء والاقاليم المغتصبة مرده الى التقسيم الظالم المعتمد من طرف الاستعمار ابان الحماية المفروضة على المغرب.
انتفاضة المغرب حتمية لمواجهة استمرار الظلم والغطرسة
لا يخفى على المهتمين بالشأن السياسي الجغرافي الاقتصادي الاستراتيجي ان افريقيا كانت خزانا عبر التاريخ للموارد الطبيعية التي استفادت منها دول اوروبية ابان انتقالها من نظام الاعتماد على الزراعة الى الثورة الصناعية la révolution industrielle خلال القرن التاسع عشر .
بناء على تلك المعطيات التاريخية الثابتة ،عمدت تلك الدول الاوروربية الى استعمار عدد من الدول الافريقية للاستفادة من خيراتها ومناجمها وطاقتها الاحفورية ، واستعباد ساكنتها واختزال كرامتهم الانسانية بمنطق العبيد والاسياد ، بل ان التاريخ شاهد ان الجيل الماضي كانت تسند اليه اشغال و خدمات لا يرضى الاوربيون القيام بها . الشيء الذي يفيد منطق الانتصار للمصالح الخاصة بمنطق الاستعلاء والاستعمار وخنق الشعوب وطمس الهويات.
بل حتى بعد تحرر الشعوب الافريقية من قبضة المعمرين ،استمر استعمار مقنع عن طريق الاستغلال غير المباشر يخدم مصالح تلك الدول بتقنيات حديثة واستراتيجيات محكمة ،ومنظمات غير حكومية يقال انها تدافع عن الحقوق والحريات في الوقت الذي تكيل فيه بمكيالين ،وتسلط سيف رقابة على الدول التي لا تلبي ولا تخضع ولا تتأقلم مع مصالح تلك الدول الاوروربية ، فتصدر قرارات ظالمة ومجحفة في حقها بمنطق منظمات بعصا في يد الاسياد لتربية وإخضاع الضعفاء .
من هذا المنطلق نستنتج كيف ان البعض يستكثر على المغرب تحوله الجذري اقتصاديا واستراتيجيا واجتماعيا ،وقياديا افريقيا ، واسترجاع اقاليمه المغتصبة المعتبرة جزء مهما من اجزاء ترابه وحقه المطلق في بسط سيادته عليه كباقي الجهات والاقاليم المكونة للمملكة المغربية الضاربة في عمق التاريخ .
نستنتج من الحملات المغرضة وتسلسل الوقائع و تلفيق التهم بغض النظر عن ستة واربعين عاما بعد انطلاق المسيرة الخضراء من المعاناة وتعذيب المغرب الذي ولئن كان تحرر من الاستعمار بعد نفي المغفور له محمد الخامس سنة 1956 , فإنه لم يعتبر استقلاله كاملا الا بعد استرجاع كل شبر اقتطعه الاستعمار من اراضيه المرتبطة به تاريخيا وجغرافيا وسياسيا وتضاريسيا ، محاباة لدول اخرى كان المستعمر يعتقد انها ستصبح جزء من الدولة المعمرة الى ما لا نهاية.
أو لم يصرح الجنرال دوغول الرئيس الفرنسي السابق ان دولة الجزائر لم تكن موجودة وانما توالت عليها وتواجدت بها عدة تنظيمات من قراصنة ودولة عثمانية ظلت هناك الى غاية 1830 حيث وقعت حادثة المروحة اذ يقال ان باي Alger ضرب قنصل فرنسا بالمروحة وكان الحدث الملفق كافيا لاستعمار الجزائر خصوصا ، في الوقت الذي كان فيه المغرب بجميع اقاليمه دولة عتيدة قائمة بذاتها وتصدت للمد العثماني بكل قوة .
من ثم ندرك ان غاية فرنسا انذاك هي جعل الجزائر ملحقة فرنسية تابعة لها فراحت تقتطع من تراب المغرب المعتبر مجرد حماية لالحاقه بالتراب الجزائري المعتبر فرنسيا ، وبعد استقلال الجزائر سنة 1962 نقض الراحل الرئيس بن بلة المفاوضات الثنائية لفرحات عباس رئيس الحكومة المؤقت لسنة 1961 مع المغرب بخصوص تندوف وبشار
علما انه ما بين 1912 الى 1956 عمدت الدولة المحتلة الى التجني على المغرب وهي العالمة حاليا بحدوده الحقيقية وشريطه الحدودي وتلتزم صمت ابي الهول تجاه النزاع المغربي الجزائري بعد استقلال البلدين ، كما ان خلق البوليساريو يخدم مصالح المستعمر المشترك اذ يتمكن من الابقاء على التوازن الاستراتيجي للقوة بين المغرب والجزائر وهو ما يمكن المعمر التاريخي من السيطرة والحفاظ على مصالحه في كلتا الدولتين بكل هدوء وبصيرة وتبصر في تجاهل لقطع صلة الرحم والشقاق المستمر بين شعبين تجمعهما روبط الدين واللغة والجوار والاخوة والمصاهرة وطبعا: التكامل الاقتصادي.
الى متى تستمر فرنسا في السكوت وطمس الحقائق وعدم استخراج الارشيفات العسكرية ؟ لانه لم يعد من الممكن استمرار اي كان في التنكر لحق المغرب في استرجاع اراضيه والتشويش على استرجاعه لصحرائه
من جهة اخرى إنه لمن الغباء واستبلاد الاخرين ان نتحدث عن مرتزقة البوليساريو ، لان الاحتكام الى التاريخ كما جاء في عنوان المقال يجعل اقوال العقلاء تصان عن العبث ، استنادا على كون الجماعة الارهابية المرتزقة كانت في حكم العدم ولم يكن لها وجود ابان الاحتلال الإسباني لاقاليم المغرب الجنوبية حتى يمكن اعتبارها حركة تحرر وطني. وقد تم تأسيسها بعد أن عبرت إسبانيا صراحة عن نيتها في الانسحاب من الصحراء.
الاكثر من ذلك فإن البوليساريو لم تولد من رحم الصحراء وإنما نشأت على أرض الجزائر وبدعم من الحكومة الجزائرية والحكومة الليبية اللتان كانتا تمتلكان موارد مالية هائلة بفضل اموال البترول والغاز. و بمجرد حصول المغرب على الاستقلال طالب إسبانيا باسترجاع الصحراء فعمدت الى ارجاع سيدي افني وطرفاية وتمكن المغرب من ارجاع صحرائه واقاليمه الجنوبية سنة 1975 عن طريق المسيرة الخضراء ،الملحمة التي شارك فيها المغاربة من جميع اقاليم المملكة والتي لا من الناحية الجغرافية والتاريخية والديموغرافية والسيادة التاريخية ان يتم فصلها عن إفني وطرفاية وكامل تراب المملكة
وفي الختام لا بد ان نشير ان تلك المنظمات المتخصصة في الدفاع عن الحقوق والحريات والمسخرة من طرف الدول المستعمرة استعمارا كلاسيكيا في القرن التاسع عشر ،واستعمارا تكنولوجيا بلغة حروب الجيل الرابع الذي يدفع بالعدو الى تدمير نفسه بنفسه حاليا ، تغض الطرف و تستكثر تحرير التقارير بخصوص اللاجئين بمخيمات الذل والهوان بتندوف من قمع ومنع حريةالتجول وإمكانية العيش الكريم، لان الوضعية الكارثية التي أذاقت بني الانسان شتى أنواع العذاب والتنكيل في مخيمات تندوف، لتجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول نشأة الجبهة الوهمية فوق التراب الجزائري من طرف مستقطبين من المغرب بأجندة جزائرية وبمرتزقة متنوعي الجنسيات، وفي عملية لتزوير حقائق تاريخية ثابتة .
واذا كان الشيء بالشيء يذكر فان مسلسل الاحداث بداية من استقبال بن بطوش المرتكب لجرائم ضد الانسانية من طرف مستعمر الصحراء المغربية ، والتستر عليه من طرف دولة تدعي الديموقراطية وسيادة القانون ، تلاها دعوة المانيا لمجلس الامن بخصوص موقف الولايات المتحدة الامريكية من الصحراء المغربية ، الى قضية تلفيق تهم التجسس للمغرب دون ادنى حجة او دليل او ما يعرف ب بيكاسوس مع قلب قاعدة الاثبات في خرق سافر لابسط القواعد القانونية المتعارف عليها، والتشهير العلني بالمغرب دون وجه حق ، كلها وقائع و ملابسات تدفعنا نطرح اكثر من سؤال حول تخوف البعض من مسارات المغرب ورفضه مظلة الاستعباد وقضاء المصالح من طرف قطب معين متعود على استنزاف الاخر في غياب مبدأ رابح رابح !
صحيح ان ذاكرتنا مجروحة التأمت سابقا بلسع النار ولكن قوة وعزيمة ملك وشعب والتفاف الجبهة الداخلية الوطنية والخارجية حول مصالح المغرب ومقدساته وثوابته الدستورية تجعلنا نتحدى الصعاب ونتحدى الاساليب الملتوية التي تسلكها بعض الجهات لابقاء المغرب في وضع التابع تابع …
وكما قال احد الفلاسفة :”الذاكرة كي تعمل جيدا في حاجة الى تمرين متصل ومستمر ، وإذا لم تستدع الذكريات مرارا فإنها تتلاشى “