د.العربي محمد مياد : التقنية التنظيمية لعرقلة العمل التشريعي.
ككل مواطن بسيط ، اطلعت على دستور 2011 ، فوجدت فيه أن مجموعة من الفصول تؤكد بما ليس فيه شك أننا ركبنا قطار الديمقراطية بمفهومها المتداول علنا من طرف الدول التي تصنف نفسها دول ديمقراطية .
ويستشف من هذه الفصول وغيرها أن السلطة التشريعية هي المخولة قانونا كطرف أصيل في انتاج القوانين عامة والتشريع خاصة ، وبالتالي فإن دور السلطة التنفيذية وأعني هنا الحكومة، هي المؤهلة بتنفيذ القوانين دون ان يسمح لها بتوقيف سريانها أو النظر في دستوريتها او ملاءمتها..
لكن مع ذلك ، فإن مستشاري الحكومة قد لا يحتارون في إيجاد بعض الوسائل لتعطيل التشريع سواء عن طريق الدوريات والمناشير أو عن طريق التغاضي عن اصدار النصوص التطبيقية .
وفي هذا الاطار، أسرد بعض الأمثلة التي نجحت فيها الحكومة في تعطيل نصوص قانونية صريحة واستراتيجية .
1ـ قانون المقالع :
واعتبارا لأن هذه العقوبة هزيلة في الوقت الحالي بل وهي مشجعة على اقتراف الجرائم والجنح تجاه الثروة الوطنية ، بادر المشرع في ظل حكومة التناوب على ما أزعم بإخراج قانون جديد وحديث، تحت رقم 08.01 المتعلق باستغلال المقالع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.130 بتاريخ 13 يونيو 2002 حيث انتقلت العقوبة مما ذكر إلى عقوبة حبسية قد تصل إلى سنتين وغرامة 1.000.000 درهم ( المادة 56 مما يليها ) .
غير أن المادة 61 منه نصت على أنه يدخل هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ العمل بالنص التنظيمي المتخذ لتطبيقه ، الذي يجب أن يصدر داخل أجل أقصاه سنة من تاريخ نشر هذا القانون .
وقد نشر هذا القانون بتاريخ 19 غشت 2002 بالجريدة الرسمية عدد 5031 ، أي بعد ما يزيد عن شهرين من صدوره ، وبقي بدون نفاذ لأن الحكومة استنكفت أو اضطرت أو أرغمت على عدم صدور النص التطبيقي . وبالتالي كان مصير عمل ممثلي الامة المهملات .
والحاصل أن يد القضاء بقيت مغلولة، عند الرغبة في معاقبة “سراق الرمال وغيرها ” بحيث يكون ملزما بتطبيق العقوبة الواردة في ظهير 1914 السالفة الذكر ، وأقصى ما يمكنه عمله تحيين هذه العقوبة لتصل في الجانب المالي إلى 120 درهما .
وكان على المغرب انتظار 13 سنة أخرى وبالضبط تاريخ صدور القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.66 بتاريخ 9 يونيو 2015 من أجل التفكير في زجر ناهبي المال العام ، وقد علقت المادة 65 من هذا القانون نفاده كذلك على صدور مرسومه التطبيقي .
هذا المرسوم الذي لم يصدر لحد الآن وقد مر على صدور القانون المذكور ما ينيف عن سنتين، غير أنه للتاريخ وانصافا لوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك نقول بأنها بادرت هذه الأخيرة بإعداد مشروع مرسوم رقم 2.13.134 بتطبيق القانون 27.13 أعلاه ، غير أنه ضاع في الروتين الإداري ولم يعرض بعد على مجلس الحكومة.
ولنا أن نسائل الأمانة العامة للحكومة على مبررات هذا العطل منذ ما يقرب 3 سنوات على اعداد المشروع مرسوم ؟
2 ـ قانون المناجم:
نظام المناجم كان موجودا في المغرب استنادا إلى بعض النصوص القانونية أقربها الظهير الشريف بتاريخ 16 ابريل 1951 الذي نسخ بمقتضى القانون رقم 33.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.76 بتاريخ 1 يوليوز 2015 ، غير أن نفاذ هذا الأخير معلق على صدور النص التنظيمي الذي سيصدر بتطبيقه .
وحسب علمي فإن هذا المرسوم التطبيقي لم يكتب له الولادة لأسباب تعلمها الحكومة .
3 ـ قانون الماء:
أشارت المادة 162 من القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.113 بتاريخ 10غشت 2016 على أنه يستمر العمل بالنصوص التطبيقية للقانون رقم 10.95 المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.95.154 بتاريخ 16 غشت 1995 إلى حين صدور النصوص التطبيقية لهذا القانون.
وهذا يعني أن الحكومة المنتهية ولايتها غير معنية بالمراسيم التطبيقية للقانون الجديد.
4ـ القانون المتعلق بتدبير النفايات :
من أجل تدبير استيراد وعبور النفايات بين المغرب والدول الأجنبية ، صدر القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.153 بتاريخ 22 نونبر 2006 كما وقع تعديله وتتميمه بمقتضى القانون رقم 28.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.12.25 بتاريخ 2 غشت 2012 ، غير أن تنفيذه المواد من 42 إلى 47 علقت على صدور مرسوم تطبيقي .
وبالفعل أعدت الوزارة المكلفة بالبيئة مشروع مرسوم تطبيقي رقم 2.14.505 ، يهدف من بين ما يهدف إليه إلى تحديد شروط وكيفيات تسليم تراخيص استيراد النفايات الخطرة الناتجة عن أنشطة مناطق التصدير الحرة والنفايات غير الخطرة وتراخيص عبور النفايات الخطرة عبر التراب الوطني ، وكذا تراخيص تصدير النفايات . غير أنه جمد على مستوى المجلس الحكومي لأسباب يعلمها أعضاء الحكومة وحدهم في غياب الحق في المعلومة.
5 ـ القانون المتعلق بمنع التدخين في الأماكن العمومية:
سنة 1995 وبالضبط بتاريخ 26 يونيو، صدر القانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين والاشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 191.112 بتاريخ 26 يونيو 1995.
غير أن المادة 14 نصت على أنه ” تحدد بمرسوم التدابير اللازمة لتطبيق مقتضيات هذا القانون الذي يدخل حيز التنفيذ بعدة مدة 6 أشهر من تاريخ النشر .
ودون تعليق، نرى بأن الكل يدخن في الأماكن العامة نظرا لعدم وجود نص تطبيقي يقر بمنعه، الشيء الذي يؤدي لا محالة إلى الاضرار بالصحة البيئة والمحفظة المالية للمدخن والدولة .
6 ـ المهن القضائية :
في ظل حكومة التناوب وحكومة ما بعد التناوب بل وفي ظل دستور 2011 ياحسرة ، صدرت مجموعة من القوانين التي تنظم بعض المهن القضائية البارزة نذكر على الخصوص التوثيق والمحاماة .
وهكذا صدر القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل قانون المحاماة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.101 بتاريخ 10 اكتوبر 2008 حيث نصت المادة 6 منه على أنه ” تمنح شهادة لمزاولة مهنة المحاماة من طرف مؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي .
وقد مر على صدور القانون المذكور 9 سنوات ولم تتحرك الحكومة في شخص وزارة العدل والحريات من أجل اصدار النص المذكور بل وولم تسائل الجهات الحكومية المعنية بسبل ومسطرة إنشاء وكلفة مؤسسة التكوين المذكورة لأسباب تعرفها كذلك الحكومة ولا سيما وزارة العدل والحريات .
أما بالنسبة لمهنة التوثيق ، فقد صدر القانون المنظم للمهنة رقم 32.09 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.179 بتاريخ 22 نونبر 2011 حيث أشارت المادة 6 منه على أنه يقضي الناجح في المباراة فترة تمرين مدتها 4 سنوات ، يتم قضاء السنة الأولى بمعهد التكوين المهني للتوثيق الذي يحدث ويسير بمقتضى نص تنظيمي …..
وقد مر على صدور النص المذكور ما يناهز 6 سنوات، والنص التنظيمي في عداد المفقودين.
يستنبط مما ذكر، أن هناك معوقات لتطوير الترسانة القانونية، وفي كثير من الأحيان عدم مسايرة الحكومة لوثيرة العمل التشريعي، إما نظرا لمثالية النصوص أو لأن التنفيذ يتطلب قبل الإرادة السياسية التغطية المالية واللوجيستيكية أو لغياب مستشارين قانونيين بمعنى الكلمة. وهذا ما يذكرنا دائما بضرورة تجريم نهب الوقت العام. لأن كل تماطل أو تباطؤ في إخراج النصوص التطبيقية للقوانين والتشريعات إنما يصب في مصلحة أعداء التغيير الإيجابي والانتهازيين.
ولتجاوز هذا الوضع الذي يسيء لعمل المؤسسة التشريعية والتنفيذية لا محالة، نرى من اللازم ألا يعرض أي مشروع قانون على النقاش أمام قبة البرلمان إلا إذا أتى مصحوبا بمشاريع مراسيم تطبيقية له.
وهذا ما يدخل في اختصاص المجال الدستوري والتشريعي.
تعليقات 0