دعـــوى تعويـــــض المتضرر من قاعدة التطهير
عبدالعالي عزيزي طالب باحث في سلك الماستر القانون المدني الاقتصادي كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية –السويسي-بجامعة محمد الخامس بالرباط
قد افتتح المشرع المغربي تنظيمه لظهير التحفيظ العقاري الصادر في12 غشت 1913 المعدل و المتمم بقانون 07.14[1] بقاعدة في غاية الأهمية مفادها أن هدف هذا القانون هو جعل العقار خاضعا للنظام التحفيظ بعد اجراء مسطرة معينة.
تتميز مسطرة التحفيظ كما هو معلوم بأثرها التطهيري الذي يقضي بأن متى تم تأسيس رسم عقاري فإنه يخلص العقارمن جميع الحقوق التي لم يتم الإدلاء بها عن طريق التعرض خلال جريان مسطرة التحفيظ و بموجبه تتم قطع كل صلة للعقار المحفظ بماضيه كما أنه لا يقتصر على حق الملكية فقط ، بل ينصب أيضا على مختلف الحقوق العينية و التكاليف العقارية المثبتة بالتحفيظ [2] .
وهذا الأثر التطهيري يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى العلمي أو العملي إذ تتجلى أهميته العملية ، في كونه لقي اهتمام واسع و كبير من طرف المؤسسة الملكية و ذلك ملاحظ من خلال مجموعة من الخطابات ، إذ جاء في خطاب للملك الراحل الحسن الثاني سنة 1995 ما يلي :
“لا يمكن للمغرب أن يفتح أبوابه للمال الأجنبي إلا إذا كان هذا المال في مأمن من الشطط و سوء الفهم ”
هذا ما ندد به الملك محمد السادس ، و ذلك من خلال حرصه على تأطير الملكية العقارية بنصوص قانونية و متينة ، أما بالنسبة إلى أهميته العلمية ، فهو يعتبر صلة وصل مع الاجتهاد القضائي و كذلك يمنح العقار الثبات و الاستقرار ، من أهم خصائصه أيضا كونه رضائي و ذلك يمكن استنتاجه من خلال قراءة المادتين 1 و 6 من ظهير الحفيظ العقاري ، بأن التحفيظ بصفة عامة هو أمر اختياري و ليس إجباري ، و منه فإن من يسلك هذه المسطرة فهو ضمنيا يعبر عن رضاه بتبنيه قاعدة التطهير.
و ان كانت قاعدة التطهير تقوم بحماية المتمتع بالحقوق المحفظة فإنها في نفس الوقت قد تؤدي الى الاضرارببعض الأشخاص .و تتجلى أهمية موضوعنا في بيان أهم المسالك التي يستطيع بواسطتها المتضرر من هذه القاعدة-التطهير-اللجوء الى حقه في التعويض على اعتبار أن امكانية رجوع العقار اليه غير متاحة و عليه تبرز لدينا اشكالية في تحديد الطريق الصحيح من أجل الحصول عن التعويض في اطار هذه الاجراءات المتشعبة و به نعرض اشكالنا الى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع اجراءات واضحة للولوج الى الحق في التعويض ؟
و نفترض قبل الدخول الى تحليل موضوعنا على أن المشرع خصص قواعد عامة – ظهير الالتزامات و العقود- و أخرى خاصة – ظهير التحفيظ العقاري- يستطيع بواسطتها المتضرر الاستناد الى احداها أو الى كلا المسطرتين في اطار تكامل النصوص فيما بينها من أجل الوصول الى التعويض.
و عليه سوف نتطرق الى أهم الدعاوى التي يمكن أن يسلكها المتضرر من قاعدة التطهير العقار و كما تم بيانهفإن هذه القاعدة من أهم القواعد التي تحقق الاستقرار و الثبات و تسعى الى الحفاظ على المعاملات العقارية ولكن من جهة أخرى لها سلبيات عديدة و من أهمها التهديد الذي قد توقعه على الأمن العقاري في بعض الحالات التي يتم فيها تأسيس الرسم العقاري بناء على تدليس و في حالات أخرى قد يرتكب المحافظ العقاري بعض الهفوات في مهامه مما يؤدي الى تحريك مسؤوليته الشخصية في تعويض (الفقرة الأولى) ، و قد يلجأ المتضرر من قاعدة التطهير الى رفع طلبه الى القضاء من أجل رد ثمن العقار كوجه من أوجه التعويض أو رفع دعوى الإثراء بلا سبب(الفقرة الثانية).
و بناء على ما سبق سوف نعتمد في موضوعنا هذا التصميم التالي :
- الفقرة الأولى :دعوى التدليس
- الفقرة الثانية: دعوى الاثراء و دعوى الرد
الفقرة الاولى: دعوى المطالبة بالتعويض بناء على التدليس
و كما هو معلوم؛ فإن التدليس يعد عيبا من عيوب التي تمس الإرادة في مرحلة التعاقد و ذلك بفعل احد المتعاقدين أو من يعمل لحسابه مما يولد غلطا في نفس المتعاقد و به يختلف عن الغش الذي يكون أثناء عملية التعاقدية[3] .
أما فيما يتعلق بخصوصية التدليس في التحفيظ العقاري “هو كل عمل ترتب عنه ضياع الحق من جراء التحفيظ مما يعطي الحق للمتضرر في طلب التعويضات عما لحقه من أضرار مادية على الخصوص ،أو معنوية إذا ثبت أن لها وجها مقبولا قانونا”[4] ، و عليه فإن مسألة إثبات التدليس مسألة أكثر بساطة مما هو عليه اثبات الغلط إذا وقع في اطار التحفيظ لأنه أمر نفسي ، و على اعتبار أن التدليس واقعة مادية تخضع لقاعدة حرية الاثبات فإن المشرع مكن المدلس عليه بأن يثبت عناصر التدليس – أعمال احتيالية أو تواطئ الغير أو علم المستفيد- بكافة وسائل الاثبات المتاحة-الفصل 404 من ق ل ع – و تستأثر محكمة الموضوع بتقديرها ، و لا رقابة لمحكمة النقض عليها الا فيما يتعلق بالتعليل و حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي “لكن ، ردا على السبب أعلاه فإن دعوى النازلة انما تتعلق بطلب التعويض المترتب عن آثار التحفيظ و التي تطبق بشأنها و بالأساس القواعد المنصوص عليها في قانون التحفيظ العقاري (الفصل 64) . و لذلك و لما للمحكمة من سلطة في تقييم الأدلة و استخلاص قضائها منها فإنها حين عللت قضاءها بأن الفصل 64 أعطى للمتضرر من التحفيظ الحق في مطالبة المدلس بالتعويض و أن عبء إثبات التدليس يقع على المدعي و أن المدعي في النازلة لم يبين التدليس الممارس من طرف المدعى عليه خلال عملية التحفيظ التي انتهت بإقامة الرسم العقاري و أن اعمال هذا الأخير لممارسة التعرض على عملية التحفيظ يجعله مفرطا”[5].
و قد مكن ظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 المعدل و المتمم بقانون رقم 14.07 من ممارسة دعوى شخصية ضد المدلس حيث جاء في الفصل 64 من ذات الظهير ” لا يمكن اقامة أي دعوى في العقار بسبب الحق الواقع الاضرار به من جراء التحفيظ.
يمكن للمتضررين في حالة التدليس فقط أن يقيم على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء التعويضات…”
و يلاحظ من خلال الفصل المذكور أنه يمنع المشرع منعا كليا على المتضرر اعادة عقاره الى ما كان عليه أو اقامة أي دعوى من خلالها يطالب المحكمة بالإرجاع العقار لأنه أصبح مطهرا ، بل و يظهر بشكل جلي على أنه في الفقرة الأولى من ذات المادة لم تمنح المتضرر من اقامة أي دعوى الا إذا كانت تدليسا و هي دعوى كما وصفها المشرع -بالدعوى الشخصية- و ما يأكد قولنا هذا قرار المجلس الأعلى رقم 141 بتاريخ 17 يونيو 1978 حيث جاء فيه “لا يمكن أن تقام دعوى عينية عقارية بالمخارجة إذا كانت قائمة وقت عملية التحفيظ و لم يقع بها التعرض ، و انما يمكن أن تقام بها دعوى التعويض إذا أثبت التدليس في عملية التحفيظ”[6].
أما ما يخص الفقرة الثانية من ذات المادة جاءت مبهمة من حيث مفهوم مرتكب التدليس و هنا يمكن طرح التساؤل التالي وهو هل مرتكب التدليس هنا من قام بعملية التحفيظ بمعنى آخر هل هو الجهاز الاداري للمحافظة العقارية(المحافظ) أم شخص آخر-كالمستفيد من التحفيظ- مثلا ؟
و من أجل الجواب عن هذا السؤال ننظر الى شروط التدليس و الى خصوصياته في مادة العقارية :
أولا: أن يكون التدليس بنية تضليل المدلس عليه؛ و هذا ما يمكن اتيانه من خلال النظر الى أعمال التغرير المادية او الكذب مما ينبأ على نية تضليل مبيته و ذلك من خلال اثبات أمرين :
أن من التزم التكتم كان مطلعا على المعلومات التي تستر عليها ؛
أن يكون هذا الأخير على بينة من أهمية هذه المعلومات بالنسبة للطرف الآخر؛
و في هذه الحالة يمكننا القول أن لفظ “مرتكب التدليس” يقصد به هنا المحافظ العقاري مادام أن هذا الأخير هو الذي يكون مطلعا على جميع المعلومات التي تهم العقار المراد تحفيظه و به ذهب المجلس الأعلى في قرار له رقم 40 بتاريخ 05 يناير 2005 في دعوى موجه ضد المحافظ العقاري على أنه المسؤول عن الضرر الحاصل للطرف الطاعن في إطار الفصل 64 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ [7] و في هذه الحالة قد يتم تحريك دعوى شخصية ضد المحافظ العقاري و اتخاد ضده الاجراءات القانونية اللازمة على اعتبار انه مصدر الثقة في هذه المعاملات العقارية .
و لكن ما فتأ أن ذهب قضاء الموضوع الى منهج آخر يفسر من خلاله عباره مرتكب التدليس بالشخص الذي استفاد من هذه العملية و على اعتبار أن المحافظ العقاري لا يسأل بذلك الا إذا أخل بمقتضيات منصبه و باعتبار كذلك أن من الشروط الأساسية للتدليس هي أن يكن المدلس قد استفاد من هذا الوهم الذي يتصور الآخر و هذا ما هو مبين بصفة ضمنية من خلال الفصل 52 من ق ل ع في فقرته الأخيرة حيث جاء فيه “و يكون التدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم اذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به” و جاء في حكم الابتدائي الصادر عن محكمة طنجة على “أن المدعى عليهم استحوذوا على قطعة أرضية و أقاموا لها رسما عقاريا و أن واقعة التدليس ناتجة عن عملية التحفيظ حيث بادر طلاب التحفيظ الى التصريح بالبيع و إيداعه بالمحافظة العقارية و هم على علم بذلك فإن تكتمهم يوجب التعويض“[8]
ثانيا: أن يكون التدليس صادرا من الغير أو بعلمه[9]؛ و الأصل به هو عدم النيل من صحة التصرف ، حيث ينحصر أثره في تخويل الحق في مطالبة الغير الذي اقترف التدليس بتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة لهذا التدليس عملا بأحكام المسؤولية التقصيرية، و هذا ما كان معمولا به قبل تعديل الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري بحيث يمكن للمتضرر أن يسائل المحافظ العقاري عن أخطائه المصلحية أو المرفقية و ذلك برفع دعوى ضد الدولة بناء على كل من الفصلين 79 و 80 من ق ل ع في حين اليوم بعد التعديل الواقع بمقتضى الفصل 14.07 قد تم حذف الفقرة الأخيرة من الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري القاضية بإدخال الدولة في دعوى التعويض جراء قرار التحفيظ الذي أضر بمصالح الغير . و تم الاحتفاظ بمسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها بناء على الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري الذي جاء بأن المحافظ على الأملاك العقارية مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن :
1-اغفال التضمين بسجلاته لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب طلب منه بصفة قانونية؛
2- اغفال التضمين بالشهادات أو النظائر الرسوم العقارية المسلمة و الموقعة من طرفه لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب مضمن بالرسم العقاري؛
3-فساد أو بطلان ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان تقييد احتياطي أو تشطيب ما عدا الاستثناءات المذكورة في الفصل 73.
و الكل مع مراعاة مقتضيات الفصليين 79 و 80 من ق ل ع .
و قبل الانتهاء من هذه النقطة وجب التنبيه الى أن المحافظ قد يرتكب أثناء ممارسته لمهامه الادارية في مسطرة التحفيظ خطأ شخصيا أو مصلحيا[10] و به قد يثور تنازع بين اختصاص المحكمة الناظرة في الموضوع و لهذا نشير الى أنه:
-في الخطأ المصلحي: وهو الخطأ ناجم عن اضطراب سير المرفق الاداري و بتالي له ارتباط
وتيق بالنظام العام الاداري و يعرف بأنه ذلك الخطأ الذي يصعب نسبته الى انسان و انما ينسب للمرفق و يخضع للقانون العام[11] و بتالي يعود الاختصاص فيه للمحاكم الادارية .
–في الخطأ الشخصي : و ذلك سواء كان مبني على أساس (تدليس – خطأ جسيم –اغفال المحافظ – فساد – بطلان التقييد) فإن المحكمة المختصة نوعيا في هذه الحالة للمحكمة الابتدائية العادية لأن الأمر هنا يتعلق بمسؤولية تقصيرية و ليس مسؤولية ادارية .
على العموم ؛ قد اختلق الفقه كذلك على غرار القضاء حول مسألة اثارة مسؤولية المحافظ العقاري الى اتجاهين : حيث ذهب الرأي الأول الى القول بأنه التدليس المنصوص عليه في الفصل 64 من قانون التحفيظ العقاري سواء تعلق بالمحافظ أو المستفيد فللمتضرر الحق في المطالبة ضد مرتكب التدليس بصفة عامة .
أما الرأي الثاني اقتصر في تفسيره للفصل 64 من قانون التحفيظ العقاري على أنه المعني بلفظ –مرتكب التدليس- المستفيد من قرار التحفيظ و ليس المحافظ ، أما التدليس الذي يثير مسؤولية المحافظ الشخصية يجب اثباته في اطار الفصل 80 من ظهير الالتزامات و العقود حيث جاء به” مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها” و ليس الفصل 64 من قانون 14.07[12]
و به فيمكن القول على أن لفظة “مرتكب التدليس” جاءت بصيغتها العامة؛ تمكن بواسطتها القاضي من اعطائه سلطة تقديرية حول تقييم من المدلس فقد يكون المحافظ العقاري و به و جبت عليه المسؤولية الشخصية بناء على اعمال التدليس أثناء أدائه لمهامه و ان كان من الناحية العملية يصعب اثبات ذلك . أو قد يكون كذلك المستفيد من تأسيس الرسم العقاري و ذلك بحسب الأحوال الا أنه يجب على المتضرر أن يقوم بإثبات هذه الطرق الاحتيالية وفقا للقواعد العامة[13] .
و نشير في الختام الى أن دعوى التعويض المقررة في الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري تتقادم بمضي خمس سنوات من تاريخ علم المتضرر به ومعرفة المسؤول عنه و هذا ما قرره الفصل 106 من ق ل ع حيث جاء فيه “إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات، باستثناء دعوى التعويض من جراء الأضرار الناجمة عن انفجار الألغام فإنها تتقادم بمضي خمس عشرة سنة، وتبتدئ الآجال المذكورة من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه. وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر” و هذا ما سار عليه أغلب الفقه و قرره القضاء و كما تجذر الاشارة كذلك أنه وجب التمييز بين دعوى الفصل 64 من قانون 14.07 المقامة ضد المحافظ العقاري بناء على مسؤولية شخصية و الحالة التي يتم فيها ادخال صندوق التأمينات الذي جاء بمقتضى المادة 24 من قانون المالية رقم 26.04 لسنة 2005 القاضي بإحداث صندوق لـتأمين مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية و المحافظ العام في حالة إعسارهم ، لأداء المبالغ المحكوم بها لفائدة الطرف المتضرر وعند الاقتضاء لتعويض كل طرف حرم من حق الملكية أو من حق عيني نتيجة خطأ في التحفيظ أو التقييد لاحق (الفصل 100 من قانون 14.07 وفق تعديله) و به تتقادم هذه النوعية من الدعاوى بمرور سنة من يوم تقييد العقار أو تضمين حق من الحقوق الناشئ عنه الضرر[14]
الفقرة الثانية: دعوى الاثراء بدون سبب و دعوى الرد
و سوف نتطرق بشكل من الفصيل الى دعوى الاثراء بدون سبب(أولا) على أن نشير الى دعوى الرد بشكل من الايجاز(ثانيا)
أولا :دعوى الاثراء بدون سبب
و كما هو معلوم فإن الاثراء بدون سبب يعد من مصادر الالتزام الناشئ عن واقعة قانونية مفادها أنه من أثرى على حساب الغير دون سند قانوني ، يلتزم المثري برد ما أثرى به في حدود ما لحق الغير من خسارة و نضرب في ذلك مثالا فإذا استولى شخص على ملك غيره دون أن يكون لهذا الاستلاء سبب قانوني بحيث أضافه الى ملكه الخاص و لو كان ذلك على حسن نية يكون بذلك قد أثرى بلا سبب على حساب الغير فيلتزم برد القيمتين[15]. أما في اطار القواعد العامة لهذا المصدر فإنه وجب رد العين الذي أثري بها لفائدة الغير و هذا ما نص عليه الفصل 66 من ق ل ع حيث جاء فيه” من تسلم أو حاز شيئا أو أي قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لمن أثرى على حسابه.” و أما من خلال مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري فذلك لا يجوز بناء على الفصول 1 و 62 من ذات الظهير نظرا لأن قاعدة التطهير لا تمكن بمطالبة باسترداد العين ذاتها و لكن مكنت فقط التعويض و ذلك في حالتين[16] :
1-في حالة البائع سيء النية : و يمكن تقرير سوء نيته إذا كان عالما بما يقوم به المحافظ من إجراءات التحفيظ الملك في اسمه أ و كان متواطئ معه فعليه تعويض المتضرر عن طريق رد القيمة الكاملة للعقار مند تأسيس الرسم العقاري له و كما وجب عليه أن يقوم برد كل الزيادات و الثمار و المنافع التي قد جناها و هذا ما جاء قياسا على الفصل 75 من ق ل ع “والمحرز بسوء نية يلتزم أيضا برد الثمار والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه أن يجنيها لو أحسن الإدارة، وذلك من يوم حصول الوفاء له أو من يوم تسلمه الشيء بغير حق”.
2– في حالة إذا كان البائع حسن النية : و يستشف ذلك من خلال جهله بالإجراءات الواجبة قيام بها لانتقال الملكية العقار الذي في طور التحفيظ فعند إذن لا يلزم برد قيمة العقار و قت تأسيس الرسم و هذا قياسا على مقتضيات الفصل 75 من ظ ل ع “من أثرى بغير حق إضرارا بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه، إذا كان مازال موجودا، أو أن يرد له قيمته في يوم تسلمه إياه، إذا كان قد هلك أو تعيب بفعله أو بخطإه، وهو ضامن في حالة التعيب أو الهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول الشيء إليه إذا كان قد تسلمه بسوء نية. والمحرز بسوء نية يلتزم أيضا برد الثمار والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه أن يجنيها لو أحسن الإدارة، وذلك من يوم حصول الوفاء له أو من يوم تسلمه الشيء بغير حق. وإذا كان المحرز حسن النية، فإنه لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع، ومن تاريخ المطالبة”
ومن أجل الاحاطة بدعوى الاثراء بدون سبب في هذا الصدد وجب علينا الحديث (أولا) عن خصوصيات دعوى الاثراء ثم كيفية تقدير التعويض(ثانيا).
- أولا: خصوصيات دعوى الاثراء بدون سبب
و عليه سوف نتطرق للعناصر دعوى الاثراء من خلا أطرافها و إثباتها و في الأخير الى الحكم الذي يصدر بناء على اثراء شخص على حساب الغير .
1-أطراف الدعوى :
و كما هو معلوم أنه من العناصر الأساسية للدعوى وجود أطرافها اضافة الى موضوع و سبب مشروع يقوم بواسطته المدعي بعرض دعواه أمام محكمة المختصة في النزاع من أجل البث له فيما طلبه – في موضوعنا هذا تعويض ما افتقر به المتضرر بناء على اثراء غير مشروع- و هذا ما بينه المشرع في اطار الفصل 3 من ق م م حيث جاء ” يتعيين على القاضي أن يبث في حدود طلبات الأطراف و لا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات…”
و من خلال هذه التوطئة يجي علينا معرفة طرف المدعي و المدعى عليه في دعوى الاثراء؛
أ-المدعي في دعوى الاثراء : و هو المفتقر فهو وحده الذي يحق له أن يطالب بالتعويض و يقوم مقامه النائب الذي يعينه أو خلفه ، و نائب المفتقر يكون إما وليه أو وصيه إذا كان قاصرا أو قيما إذا كان محجورا عليه و قد يكون السنديك إذا كان المدعي متوقفا عن الدفع – و هذا في حالة الشركات -و قد يكون ناظرا إذا كان وقفا أما إذا كان المفتقر رشيدا فإن نائبه يجب تعيينه بناء على وكالة خاصة .اما فيما يخص بأهلية المدعي فإن أغلب التشريعات قد ذهبت بعدم اشتراط أهلية المفتقر و “هذا الحكم نابع من المنطق القانوني الذي يقضي بجعل الأهلية شرطا لصحة التصرفات القانونية التي تتجه معها الارادة نحو التزام صاحبها ،أما مصدر التزام المثري بالرد فهو واقعة قانونية مادية للإثراء ، لذلك لا مجال لتطلب أهلية ما فيه”[17]
أما فيما يخص خلفه فإذا مات المفتقر حل محله في المطالبة بالتعويض خلفه العام و كما يجوز للدائن كذلك أن يطالب المثري بالتعويض مستعملا حق المفتقر عن طريق دعوى غير مباشرة و يستشف ذلك من خلال الفصل 115 من ق م م حيث جاء به” يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة أحد الأطراف أو بتغيير وضعيته بالنسبة الى الأهلية سواء شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 39،38،37 من لهم الصفة في مواصلة الدعوى للقيام بذلك اذا لم تكن الدعوى جاهزة للحكم”.
و تجب الاشارة كذلك الى أنه قد يتعدد المدعى في ذات الحق و هنا بناء على افتقارهم من واقعة استلاء الغير على ملكهم و في هذه الحالة تجد سندها في الشركاء على الشياع فيصبح هؤلاء الشركاء دائنين للمثري كل منهم بحسب نصيبه في الشيء المشاع بينهم و ذلك بعد الحكم بالتعويض لفائدتهم .
و يطلب المدعي من المحكمة المختصة تعويضا عما لحقه من افتقار في حدود ما نال المدعى عليه من اثراء و في دعوى المتعلقة بالعقار فإن المشرع المغربي لم يمكن المتضرر من قاعدة التطهير بناء على اثراء الغير مطالبة المحكمة بإرجاء ما تم النيل منه في حين مكنه فقط كما سبقت الاشارة لذلك المطالبة برد قيمة العقار بحسب أحوال . و كما يمكن للمدعى عليه أن يدفع طلب المدعي بدفع واقعة الاثراء بأحد الأمرين :
- انكار قيام الدعوى ذاتها : فيدعي بأن ركنا من أركان الاثراء قد افتقد(الاثراء-الافتقار-انعدام العلاقة بينهما).
- اقراره بالأركان الا أن التزامه انقضى بسبب من أسباب الانقضاء أوفى بالتعويض المتضرر ، أو أن هنالك مقاصة جمعت بين العقار المثرى به و دين سابق و هذا ما سبق أن أشار اليه ضمنيا المشرع في اطار عرضه للأشخاص الذي يحق لهم طلب التحفيظ في الفصل 11 من قانون رقم 14.07 حيث جاء فيه” يجوز للدائن ، الذي لم يقبض دينه عند حلول أجله طلب التحفيظ بناء على قرار قضائي صادر لفائدته بالحجز العقاري ضد مدينه” أو أن المفتقر قد أبرأ ذمته .
ب-المدعى عليه في دعوى الاثراء : و هو المثري ، فهو وحده المسؤول عن الضرر الذي أحدثه للمفتقر و الذي يجب تعويضه و يخضع المدعى عليه لنفس أحكام المدعي في الدعوى بحيث يمكن أن يقوم مقامه نائبه أو خلفه وفق ما ذكرناه أثناء تناولنا للمدعى ، أما فيما يخص الأهلية فهي غير مشترطة في دعواه بناء على ذات السند المقدم أعلاه و يمكن استحضار في هذا المقام كذلك التشريع المقارن في المادة 179 من القانون المدني المصري حيث نصت “كل شخص و لو غير مميز يثرى دون سبب مشروع على حساب آخر يلتزم في حدود ما أثرى به بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة و يبقى هذا الالتزام قائما و لو زال الاثراء فيما بعد” و هذا ما ذهبت به محكمة النقض المصرية في العديد من قراراتها .[18]
2- عبء الاثبات الواقعة الاثراء في دعوى
كما هو معلوم فإن الأصل في الذمة براءتها و على من يدعي عكس الأصل إثبات ذلك ، و بناء على القاعدة المشهورة “البينة على من ادعى و اليمين على من أنكر” فإن اليمين في دعوى الاثراء ملقا على المدعي و هنا فهو الدائن المفتقر الذي وجب عليه أن يثبت قيام الالتزام في ذمة المدين المثري فعلى ” المفتقر إذن أن يثبت أن هناك إثراء في جانب المثري و مقدار هذا الاثراء ، و يستوي بعد ذلك أن يكون هذا الاثراء بقي قائما الى يوم رفع الدعوى أو أن يكون قد زال ـ و كما عليه أيضا أن يثبت أن هناك افتقارا في جانبه ترتب عليه إثراء المثري و مقدار هذا الافتقار”[19] و ذلك كأن يثبت أن واقعة الحيازة كانت في يده قبل أن يستولي الغير على عقاره و بدون سبب مشروع كأن يكون هنالك واقعة بيع فيتملك بواسطتها الغير العين، أو أن يقوم بتحفيظ العقار و هو لم يعلم شركاءه لكي يشفعوا ،أو قد يكون يتمتع بحق آخر غير الحقوق الواردة في الفصل 10 البند 3من ظهير التحفيظ العقاري و غيره من الأمثلة التي يظهر من خلالها ظاهرة الاستلاء على حقوق الغير بدون سند مشروع .
وتجب الاشارة أن واقعة الاثراء تدخل ضمن الوقائع المادية التي مكن المشرع إثباتها بشتى و سائل الاثبات المتاحة من بينة و قرائن و غيرها ، و كما يجوز للمفتقر أن يثبت استلاء غيره على حق من حقوقه عن طريق المعاينة أو اجراء خبرة و به فإن المشرع ترك المجال مفتوحا سواء الوسائل الاثبات الموضوعية التي جاءت في اطار الفصل 404 من ق ل ع أو نظيرتها المسطرية التي ذكرها المشرع في اطار عرضه لوسائل التحقيق في الدعوى من الفصول 55 الى 102 من ق م م .
3- الحكم في دعوى الاثراء
و ما يمكننا الاشارة اليه في هذا الصدد هو أن الحكم في دعوى الاثراء بدون سبب كالحكم الذي يصدر في اطار المسؤولية التقصيرية[20] فهو يقرر الحق و يقويه و لا ينشأ حق التعويض للمفتقر ، فإن حق المفتقر قد نشأ بمجرد واقعة مادية و هي واقعة الاثراء المترتب على واقعة الافتقار و به فإنه واقعة الاثراء المترتبة على عقار معين بدون سبب قانوني و بمجرد أن يتحقق سبب الالتزام يترتب الالتزام في ذمة المدين.
- ثانيا: كيفية تقدير التعويض في دعوى الاثراء
فعند تحقق الشروط الأساسية لتوافر واقعة الاثراء بدون سبب المتمثلة في:
أولا: اثراء الشخص
ثانيا : افتقار شخص بسبب اثراء الاول
ثالثا انعدام السبب القانوني لهذا الاثراء[21]
و بناء كذلك على الفصل 67 من ق ل ع حيث جاء فيه” من استخلص بحسن نية نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع، التزم بتعويض من أثرى على حسابه، في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه.” و بتالي فعند تحقق هذه العناصر وجب على القاضي أن يقوم بتعويض المفتقر بناء على نوعية الاثراء و في حالتنا هذه اثراء الغير على عين معينة –عقار- و لكن قبل الدخول في طبيعة هذا التعويض يجب الاشارة الى كيفية تقدير الاثراء من جهة و كيفية تقدير الافتقار من جهة أخرى .
1-كيفية تقدير الاثراء :
و يجب مراعاة تقدير الاثراء عند وقوعه فلا يعتد بوقت رفع الدعوى أو عند صدور الحكم فيها [22]، و يختلف التقدير بحسب الحالات التي يكون عليها الاثراء فهنا ما يمكننا الاشارة اليه و هي حالة الاثراء في ملكية عقار انتقلت الى ذمة المثري فلا تحقق لهذا الاثراء إذا ما كانت العين لم تدخل في ملك المثري و لم تخرج من ملك المفتقر فليس هنالك اثراء و لا افتقار ، و كما جاء عند صاحب الوسيط فإن ذلك فقط ليست الا “عين مملوكة لشخص انتقلت الى حيازة شخص آخير و للمالك أن يستردها من الحائز بدعوى الاستحقاق لا بدعوى الاثراء بلا سبب”[23]
2-كيفية تقدير الافتقار :
و يقدر الافتقار بنفس المنهجية تقدير الاثراء فإذا كان الافتقار على عين معينة تم وقع تحسينات عليها “استحدثها المفتقر قدر مداه بما أنفقه المفتقر في استحداثها و يعطى أقل القيمتين : ما أنفقه في استحداث التحسينات و هذا هو مدى الافتقار و ما زاد على مال المثري لسبب هذه التحسينات و هذا هو مدى الإثراء”[24] أما في ما يخص وقت تقدير الافتقار فإنه وقت صدور الحكم فيأخذ حكم الضرر في المسؤولية التقصيرية .
و قبل انهاء هذه النقطة يجب التنبيه الى طبيعة التعويض في اطار دعوى الاثراء الوارد على العقار الذي أسسها الفصل 75 من ظ ل ع حيث جاء فيه ” من أثرى بغير حق إضرارا بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه، إذا كان مازال موجودا، أو أن يرد له قيمته في يوم تسلمه إياه، إذا كان قد هلك أو تعيب بفعله أو بخطئه، وهو ضامن في حالة التعيب أو الهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول الشيء إليه إذا كان قد تسلمه بسوء نية. والمحرز بسوء نية يلتزم أيضا برد الثمار والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه أن يجنيها لو أحسن الإدارة، وذلك من يوم حصول الوفاء له أو من يوم تسلمه الشيء بغير حق. وإذا كان المحرز حسن النية، فإنه لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع، ومن تاريخ المطالبة.” و به نشير الى النقط التالية :
-اذا كان الشيء لا زال موجودا في حوزة المثرى فانه يلتزم برده بعينه : و في هذه الحالة توجد خصوصية على المستوى دعاوى الناشئة عن الاثراء بناء على تحفيظ العقار بحيث أن المشرع العقاري قد اشار في اطار الفصل 1 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه “… تحفيظ العقار بعد اجراء مسطرة التطهير يترتب عنها تأسيس الرسم العقاري و بطلان ما عداه من الرسوم و تطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير مضمنة به” أي بالرسم العقاري و عليه فلا يمكن للمطالب بالتعويض أن يسأل المحكمة برد العين اليه لأنها قد طهرت بمقتضى تأسيس الرسم العقاري الذي يكون نهائيا و لا يقبل لأي طعن و كما اعتبره المشرع نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية و التحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق الغير المقيدة [25].
-اذا هلك الشيء أو تعيب بفعل المثرى أو بخطأه فإنه يلتزم برد قيمته يوم تسلمه اياه بالاضافة الى رد الشيء أو قيمته فإن المثري شيء النية يلتزم برد الثمار و الزيادات و المنافع التي جناها أما اذا كان المثري حسن النية فإنه لا يسأل الا في حدوج ما عاد عليه من نفع و من تاريخ المطالبة به فقط .
و قد تنبه المشرع المغربي لبعض الحالات التي قد تخرج الحيازة من يد المثري كأن يقوم ببيعها فإنه اذا باعه عن حسن نية لا يلتزم برد ثمنه الذي باعه به و لا يلتزم بأكثر من ذلك و تجب الاشارة كذلك على أنه اذا باع العين و لم يقبض ثمنها فإنه يحول ما له من حقوق على المشتري اذا استمر على حسن نيته الى وقت البيع[26] و هذا ما نص عليه في اطار الفصل 76 من ق ل ع حيث جاء فيه ” إذا كان من تسلم الشيء بحسن نية قد باعه، فإنه لا يلتزم إلا برد ثمنه، أو بتحويل ما له من حقوق على المشتري إذا استمر على حسن النية إلى وقت البيع.”و أما إذا كان قد باعه بسوء نية فإنه يلتزم برد القيمة الحقيقية للشيء وقت تسلمه حتى و لو كانت قيمته أكثر مما كان عليه الثمن الذي بيع به و هذا ما يمكن استدلاله من خلال قراءة العكسية للنص .
و ختاما لهذه الفقرة نشير الى أن المشرع المغربي لم يشر الى تقادم دعوى الاثراء بلا سبب عكس التشريع المصري الذي قضى في مادته 180 من القانون المدني المصري حيث جاء فيها” تسقط دعوى التعويض عن الاثراء بدون سبب بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من لحقته الخسارة بحقه في التعويض . و تسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق ” و ما يمكننا قوله بالنسبة الى التشريع المغربي في هذا الصدد هو العودة الى القاعدة العامة للتقادم و هي خمسة عشر سنة تحتسب من تاريخ حصول واقعة التي ترتب عنها الاثراء و الافتقار بناء على الفصل 387 من ق ل ع .
ثانيا :دعــــــــــــــوى الاســـــــــــترداد
و ليس ببعيد عن دعوى الاثراء فإن دعوى استرداد تتحقق حينما يكون مشتري العقار أو حق عيني وارد عليه قد أ ضاع عليه حق التدخل في المسطرة لتسجيل اسمه في الرسم العقاري أن يطلب من البائع استرداد ما دفع و سبب ذلك هو أن المشتري يهدف الى اكتساب حق ملكية أو حق عيني مما يكون الحصول معه على هذا الحق مستحيلا بعد تحفيظه ، و بذلك يكون سبب قد زال و بتالي يسوغ له طلب الاسترداد[27] و نجد سند هذه الدعوى في اطار الفصل 70 من ق ل ع المغربي حيث جاء به” يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق، أو لسبب كان موجودا ولكنه زال” و هذا ما ذهب اليه القضاء كذلك حينما الزم طالب التحفيظ برد الثمن الشيء المبيع للمشتري و الذي لم يقم بالإشهار هذا العقد-البيع- في الوقت المناسب و الذي حرم بواسطته المشتري من حقه من اجراء التحفيظ[28]. و لكن قد يحرم المشتري من دعوى الاسترداد إذا كان عالما بما يجب القيام به حتى لا يفقد ملكه و تباطأ على ما يجب اتخاده في هذا الصدد فإنه يتحمل تبعة ذلك و هذا ما يستشف ضمنيا من خلال الفصل 71 من ق ل ع حيث جاء فيه ” لا محل لاسترداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق، إذا كان الدافع يعلم، عند الدفع استحالة تحقق هذا السبب، أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه “.
الهوامش:
[1]الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق لأغسطس 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري ، كما وقع تعديله و تتميمه بالقانون 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 ذي الحجة 1432 الموافق ل 22 نوفمبر 2011 ، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 الموافق ل24 نوفمبر 2011 ، ص 5575.
[2] عبد الرزاق اصبيحي ، في محاضرات القانون العقاري و الحقوق العينية ، المحاضرة الأولى الملقاة على طلبة السداسي الخامس ص 8؛2017/2018 .
-بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية –السويسي- جامعة محمد الخامس بالرباط
[3] و به يكون:
*الغش خلال مرحلة التنفيذ
*أو غش يكون داخل دائرة التعاقد كالغش في البضائع
راجع في ذلك :
– عبد الحق الصافي ؛الجزء الأول المصدر الارادية للالتزامات ؛الكتاب الأول تكوين العقد؛ الطبعة الأولى 2006؛ المطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 331 و 332
[4]عبدالعالي محمد العبودي نظام التحفيظ العقاري و إشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية – الطبعة الأولى – المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 2003.ذكره الأستاذ ادريس الفاخوري في الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب دراسة لنظام التحفيظ العقاري و الفقه الاداري و العمل القضائي طبعة 2018 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص188.
[5]قرار محكمة النقض عدد 3353 المؤرخ في 2006-11-08 ملف المدني عدد 2006-1-1-1182 غير منشور
[6]منشور في مجلة قضاء مجلس الأعلى عدد 41 نونبر 1981 ذكره ادريس الفاخوري ، مرجع سابق.
[7]أورده محمد لفروجي في المنازعات العقارية من خلال قضاء المجلس الأعلى لسنوات 2000-2005 سلسلة دلائل عملية عدد 3 ، ص 93
[8]أشار اليه ادريس الفاخوري في مرجع سابق ص 191
[9]و قد جاء في الفصل 52 من ق ل ع ” و يكون التدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم”
[10] و من بين أهم المعايير التي انتهجها الفقه من أجل التمييز بين الخطا المصلحي و الخطأ الشخصي نجد :
معيار لافريير ، وهو معيار النزوات أو الأهواء الشخصية و يطلق عليه أيضا معيار الخطأ العمدي والدي بمقتضاه يكون الخطأ شخصيا متى ارتكبه الموظف بسوء نية و كان القصد من وراء تصرفه الخاطئ البحث عن فائدته الشخصية، أو كان مرد دلك الانتقام أو التفشي أو المحاباة.
–معيار هوريو ، وهو معيار الخطأ المنفصل حيث يكون الخطأ شخصيا ادا أمكن فصله عن أعمال الوظيفة ماديا أو معنويا ، أما ادا كان من غير الممكن فصله عن الوظيفة فان الخطأ يعتبر حينئذ مرفقيا مهما بلغت درجة جسامته.
-معيار دوجي و هو معيار الغاية و طبقا له يكون الخطأ مرفقيا ولو بلغت درجة جسامته مبلغا كبيرا ادا قصد الموظف بتصرفه تحقيق غرض من الأغراض المنوطة بالإدارة، في حين يكون الخطأ شخصيا عندما يتعلق الأمر بتحقيق غرض شخصي حتى ولو كان هذا الخطأ بسيطا.
–معيار جيز ومفاده أن الخطأ يكون شخصيا ادا كان الخطأ جسيما بحيث لا يمكن اعتباره من المخاطر العادية التي يتعرض لها الموظف في قيامه بواجباته الوظيفية كأن يأمر العمدة بهدم مبنى دون سند من القانون.
– معيار دوك راسي و تقوم التفرقة فيه بين الخطأ الشخصي و الخطأ المصلحي على أساس موضوعي يرتبط بطبيعة الالتزام الذي أخل به ، فإذا كان هذا الالتزام من الالتزامات العامة التي يقع عبئها على الجميع فان الإخلال به يعتبر خطأ شخصيا ، أما ادا كان الالتزام من الالتزامات التي ترتبط بالعمل الوظيفي فان الإخلال به يعد خطأ مرفقيا. كأن أن يأمر أحد الضباط جنوده بأن يتبعوه لارتكاب جريمة “قضية طوردجمان” في حكم مجلس الدولة بتاريخ 13-02-1948، حيث ثمة خطأ شخصيا من جانب الضابط و خطأ مصلحيا من الجنود.
-أشار اليه :
خالد شهيم في مقاله العنون الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي في أفق إحداث مؤسسة النيابة الإدارية العامة https://www.hespress.com/
أطلع عليه في 27-12-2020 على الساعة 16:09
[11]قرار محكمة النقض عدد 973 المؤرخ في 2004 -9-22 أشار اليه عمر ازكار في كتابه عمر ازوكار مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14.07 و مدونة الحقوق العينية دراسة عملية و رصد للمواقف القضائية لمحكمة النقض ،منشورات دار القضاء بالمغرب ص 345 .
[12]مذكور عند ادريس الفاخوري نفس المرجع ، ص 194
[13]و يمكن القول في هذا المقام أنه يكفي تحقق سوء نية طالب التحفيظ للحكم عليه بالتعويض دون تحقق واقعة التدليس و إثباتها .
[14]قرار محكمة النقض عدد 1921 المؤرخ في 2006-6-7 ملف المدني عدد 2005-1-1-2013 غير منشور أشار اليه عمر ازوكار مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14.07 و مدونة الحقوق العينية دراسة عملية و رصد للمواقف القضائية لمحكمة النقض ،منشورات دار القضاء بالمغرب ص 348 و 349 .
[15] و تتجلى هذه القيمتين في :
- ما أثرى به على حساب الغير
- ما افتقر به الغير
- راجع في ذلك ادريس الفاخوري مرجع سابق ص 195.
[16]ألطاف لوكيلي ، الأثر التطهيري للتحفيظ العقاري بين مقتضيات النصوص القانونية و اكراهات الواقع ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، وحدة قانون العقود و العقاري ، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية وجدة ، السنة الجامعية 2006-2007 ، ص 102.
[17]عبدالحق صافي ، الوجيز في القانون المدني ، الجزء الثاني ، مصادر غير الارادية للالتزام ، طبعة 2015 ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، ص 325
[18]راجع في ذلك المنشور حول أحكام محكمة النقض بشأن الاثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الالتزام
-أطلع عليه في 28-12-2020 على الساعة 16:40
[19]عبدالرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، المجلد الثاني ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الثالثة ، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت – لبنان ،ص 1326
[20]راجع في ذلك المراجع المتخصصة في مجال المسؤولية التقصيرية
[21]مأمون الكزبري ، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، الطبعة 1987 ، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء ،ص 333
[22]عبدالرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، المجلد الثاني ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الثالثة ، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت – لبنان ،، ص 1332
[23]عبدالرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، المجلد الثاني ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الثالثة ، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت – لبنان ،،ص 1333
[24]عبدالرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، المجلد الثاني ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الثالثة ، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت – لبنان ،، ص 1334
[25]الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري
[26]عبدالحق صافي ، الوجيز في القانون المدني ، الجزء الثاني ، مصادر غير الارادية للالتزام ، طبعة 2015 ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، ص328
[27]ألطاف لوكيلي ، الأثر التطهيري للتحفيظ العقاري بين مقتضيات النصوص القانونية و اكراهات الواقع ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، وحدة قانون العقود و العقاري ، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية وجدة ، السنة الجامعية 2006-2007 ، ص 102 و 103 .
[28]قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 25 يونيو 1957 ، ذكره ادريس الفاخوري في مرجع سابق ، ص 196