خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018-2021) : مقاربة قانونية و حقوقية
- حكيمة ماهير باحثة في علم السياسة والقانون الدستوري.
سهرت وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان على انجاز خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان (2018-2021)، وهي خطة تشاركية تهدف إلى ترسيخ مسلسل الإصلاح للمنظومة الحقوقية، وتكريس انخراط المغرب في تقوية الديمقراطية التشاركية، وقد اسْتُلْهِمَت هذه الخطة من التجربة الاسبانية كما تمت الاستعانة بتجربة كل من جنوب إفريقيا والتجربة الاسترالية، ويعد المغرب من بين الدول 39 التي وضعت خطة عمل وطنية في هذا المجال، منها (8 دول افريقية، 7 دول إسلامية، ودولتان متوسطية).
وتضم خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018-2021) أربعة محاور كبرى وتشمل هذه المحاور على 26 محورا من المحاور الفرعية ويضم كل محور فرعي أطراف الشراكة والتعاون والأهداف منها العامة والخاصة في حين تشمل التدابير الجانب التشريعي والمؤسساتي، والتحسيس والتواصل وأيضا تقوية القدرات، وقد انتقل عدد التدابير من 215 تدبيرا في صيغته الأولى إلى 435 في الخطة المحينة الأصلية، وقد اختتمت هذه الخطة بتوصيات تخص تتبع تنفيذها.
وعلى هذا الأساس، كان من الضروري البحث حول خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018-2021)، خصوصا وأن هذه الخطة شهدت مجموعة من عمليات التحيين منذ 20 يونيو 2017 الأمر الذي استوقفنا أكثر من مرة وجعلنا، نستشف عدة ملاحظات سنحاول رصدها في متن هذه الدراسة.
أولا : ملاحظات على مستوى الشكل
غياب الاحترافية والخبرة في صياغة الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحيث تم اقتراح العديد من التدابير بشكل متكرر، في اغلب المحاور الفرعية، فعلى سبيل المثال لا الحصر (التدبيرين 15 و 379) فهما يفيدان نفس المعنى، ويتعلق الأمر بتفعيل الهيئة المكلفة بالمناصفة ومكافحة جميع اشكال التمييز، فهذا التكرار جعل عدد التدابير يرتفع إلى حدود 435 تدبيرا، مما يؤكد لنا على أن الأمر لا يتعلق بتدابير جديدة وإنما تدابير مكررة كان من الأجدر التخلي عنها وعدم تكرار صياغتها لتفادي الحشو، إضافة إلى ذلك وجود أخطاء مطبعية كما هو الشأن في التدبير رقم 77، فعلى الرغم من خضوع هذه الخطة لعملية التحيين ست مرات إلا أنه لم يتم تصحيح هذا الخطأ، مع العلم أن هذه الخطة سيتم العمل على نشرها في الجريدة الرسمية كما جاء في التوصيات، لذلك كان من المفترض أن يتم صياغتها بشكل يحترم المعايير اللغوية والنحوية.
إن ترتيب محاور الخطة لم يخضع لأي تسلسل منطقي معين، حيث من المفروض الانطلاق من الإطار القانوني والمؤسساتي كأول محور على اعتبار أن حماية حقوق الإنسان رهين بالاعتماد على الترسانة القانونية والهياكل المؤسساتية الداعمة لها، كما انه تم إدماج بعض المحاور الفرعية ضمن محاور رئيسية ليس بينها أي انسجام أو قواسم مشتركة، كما هو الشأن بالنسبة للمحاور الفرعية المتعلقة بالمحور الرابع الخاص بالإطار القانوني والمؤسساتي الذي يدمج الحماية القانونية والقضائية لحقوق الإنسان مع حقوق المرأة والحريات، في حين كان من الأجدر تخصيص محور خاص بالحريات العامة وتجميع المحاور الفرعية المتعلقة به عوض تشتيته في محاور لا تربطه بها أية صلة، ونفس الأمر نجده في المحور الفرعي السادس المتعلق بحريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات، المدمج في المحور الأول المرتبط بالديمقراطية والحكامة، كما انه تم التطرق إلى النساء المعنفات في المحور الثالث المتعلق بحماية الحقوق الفئوية والنهوض بها وعدم تخصيص له محورا فرعيا ضمن هذه الفئة، في حين تم تخصيص محور فرعي خاص بحقوق الشباب وإعطائه مكانة ضمن المحور الخاص بحماية الحقوق الفئوية والنهوض بها، على الرغم من عدم اعتباره حقا من الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية وإنما هي مرحلة عمرية من المفترض حمايتها والعناية بها سلفا، إضافة إلى وجود تناقض في تحديد الفئة حيث تم تصنيف الشباب في المحور المتعلق بحماية الحقوق الفئوية والنهوض بها في حين تم تصنيف حقوق المرأة في المحور المتعلق بالإطار القانوني والمؤسساتي.
ثانيا : ملاحظات على مستوى المضمون
لقد تم إدماج حقوق المهاجرين وحقوق اللاجئين في محور واحد بالرغم من اختلافهما من حيث المفاهيم، فالقراءة النصية للفصل الأول من اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين والمؤرخة في 28 يوليوز 1951، والفقرة الثانية من المادة الأولى للقانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.03.196 بتاريخ 16 من رمضان 1424 (11 نوفمبر 2003)، يوضحان جليا على أن هناك اختلافا في التعريف بين المهاجر واللاجئ، هذا الاختلاف سوف يصاحبه لا محال اختلاف في التدابير الموجهة لكل واحد على حدا، غير أننا نجد على انه تم وضع تدابير خاصة بالمهاجرين أكثر من التدابير المتعلقة باللاجئين، وهو الأمر الذي يوحي إلى غياب إستراتيجية محددة لحماية اللاجئين، نفس الأمر بالنسبة لحماية ومساعدة ضحايا الاتجار بالبشر، مما يحتم على المعنيين خلق ائتلاف وطني لمكافحة الاتجار بالبشر كمخاطب رسمي في المحافل الدولية، وتشكيل لجنة وطنية تتكفل بمهمة التنسيق والتعاون بين مختلف المتدخلين تكون نواة وقناة للتواصل وهي المتحدث الرسمي لدى المكتب الأممي بقضية الاتجار بالبشر، مع التأكيد على أهمية التشبيك على المستوى الوطني وربط العلاقات، وذلك من خلال البحث عن شركاء جدد من اجل المشاركة في إعداد مخطط وطني حول ضحايا الاتجار بالبشر، على المستوى الدولي، بالإضافة إلى إنشاء أقسام خاصة بضحايا الاتجار بالبشر ضمن مراكز الإيواء المتواجدة بالمملكة المغربية، ووضع خط هاتف وطني للتوجيه ومساعدة ضحايا الاتجار بالبشر، مع توفير الموارد البشرية (الكفاءة والخبرة) والموارد المالية.
يلاحظ أيضا في هذا الصدد على انه تم تعليق بعض القضايا الجوهرية والتي تمس حقوق الإنسان كعقوبة الإعدام، والمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 وبعض القضايا المرتبطة بمدونة الأسرة ( كالمادة 20 و 175 و236 …)، فبالنسبة لهذه القضايا الشائكة والمهمة ينبغي الحسم فيها وتحديد التدابير والإجراءات اللازمة لحمايتها وليس الاكتفاء بمواصلة الحوار المجتمعي لأنه لا يحل المشكل بل يعقدها خصوصا وأنها قضايا مطروح منذ سنوات خلت.
لقد تم استعمال تعابير فضفاضة ومبهمة حيث تم التنصيص على تدابير مهمة دون التطرق إلى الكيفية والوسيلة لتحقيق ذلك وتنفيذها، إذ نجد على سبيل المثال التدبير رقم 258 المتعلق بتشجيع ودعم الأسر التي يوجد أطفالها في وضعية صعبة لتفادي الرعاية المؤسساتية، فالتساؤل المطروح هنا كيف يتم هذا الدعم؟ هل هو دعم مالي؟ أم دعم معنوي؟ نفس الشيء فيما يخص التدبير رقم 337 المتعلق بدعم الأسر التي تحتضن أفراد مسنين، وعموما فان هذه الخطة عي عبارة عن مجموعة من المبادئ والمحاور الإستراتيجية والتوجهات العامة لم ترقى بعد إلى مستوى التخطيط الإجرائي.
لقد شهدت هذه الخطة تأخرا في الانجاز، حيث كان من المنتظر الشروع في انجازها بعد الانطلاقة الرسمية للمناظرة الوطنية المنعقدة يومي 25-26 أبريل سنة 2008، الشيء الذي أدى إلى إهدار الكثير من الوقت والذي كان من الممكن استغلاله من اجل الانتقال إلى مرحلة التفعيل والتنفيذ، إضافة إلى عدم وجود رؤية وتصور واضح فيما يخص الميزانية المتوقعة لتنفيذ الخطة حسب كل محور، مع غياب الأجندة الزمنية المتوقع تنفيذها حسب كل محور على المدى القريب والمدى المتوسط والمدى البعيد، الشيء الذي يحتم على المعنيين ضرورة وضع جدولة زمنية واضحة ومحددة.
إن تفعيل وإعمال هذه الخطة على ارض الواقع تواجهها عدة تحديات مستقبيلة، نظرا لتأزم الأوضاع المجتمعية، حيث يشهد الواقع الحقوقي بالمغرب عدة اختلالات وتراجعا خطيرا للمكتسبات في عدة مجالات منها التعليم والصحة والسكن والشغل حيث وصل عدد العاطلين إلى حدود 9.9% سنة 2014، بلغت في الوسط الحضري 14.8% وفي المجال القروي 4.2%، ناهيك على الإقصاء الاجتماعي وانتشار الفقر حيث بلغ الفقر المتعدد الأبعاد في المغرب 8.2% في حين بلغ الفقر النقدي 4.9%، هذه الوضعية الاجتماعية المزرية لا تقل سوءا عن الوضعية الحقوقية، فلازالت عدة قضايا حقوقية لم يتم الحسم فيها بعد، ولازالت تثير عدة نقاشات في المحافل الدولية والوطنية وخلافات بين عدة فاعلين ومتدخلين في مجال حقوق الإنسان، وبالتالي فإن صياغة هذه الخطة يظل دون جدوى إذا لم يكن هناك اهتمام بالأوضاع المجتمعية والعناية بالتنشئة الحقوقية، من خلال إدماج مبادئ حقوق الإنسان في المقررات المدرسية بمختلف المستويات التعليمية ابتداء من السنة الابتدائية مرورا بالمستوى الإعدادي وصولا إلى المستوى الثانوي وانتهاء بالمستويات الجامعية بجميع أسلاكها وتخصصاتها، وإطلاق حملات إعلامية دورية ومستمرة مكثفة في مختلف وسائل الاتصال السمعي والبصري والمكتوبة من اجل تحسيس المواطنين والمواطنات بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، والحرص على تبني مقاربة تشاركية في مسار الإعداد والتتبع والتقييم من خلال إشراك مختلف فعاليات المجتمع المدني المهتمة بمجال حقوق الإنسان.
على الرغم من هذه الملاحظات على مستوى الشكل و الموضوع، إلا انه لا يفوتنا القول أن هذه الخطة قد نصت على قضايا جديدة مثل الحكامة الأمنية وعدم الإفلات من العقاب التي حظيت بموافقة وزارة الداخلية، وتضمين سياسة البيئة المندمجة، وأيضا فإن هذه الخطة قد فتحت المجال للحوار والنقاش من خلال إشراك مختلف الفاعلين الحقوقيين والأجهزة المتدخلة سواء الرسمية منها والغير الرسمية.
غير أن الأهم من ذلك هو الإسراع في إحداث لجنة تنفيذية يعهد إليها تحديد المعايير وشروط تنفيذ الخطة وأجرأتها وتحقيق تلك التدابير على أرض الواقع عند حلول الآجال.
تعليقات 0