حقوق الامتياز العقارية بين مدونة الحقوق العينية و مدونة التجارة.
- الدكتور حسن فتوخ مستشار بمحكمة النقض و رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي.
عرف الفصل 1243 من ق.ل.ع حق الامتياز أنه حق أولوية يمنحه القانون على أموال مدين نظرا لسبب الدين[1]، وأشارت المادة 142 من مدونة الحقوق العينية أن الامتياز العقاري :
“حق عيني تخول بمقتضاه صفة الدين للدائن، الأفضلية على باقي الدائنين ولو كانوا دائنين مرتهنين”.
كما أن الدائن الممتاز يتوفر على حق تتبع المال موضوع الامتياز في أي يد انتقل إليها ليستوفي دينه من منتوج بيعه بالمزاد العلني. وقد تم تحديد الديون التي لها وحدها امتياز على العقارات بمقتضى المادة 144 من نفس الظهير أعلاه، وهي المصاريف القضائية المنفقة لبيع العقار وتوزيع الثمن، وحقوق الخزينة كما تقررها وتعينها القوانين المتعلقة بها[2]، مع الإشارة إلى أنه لا يجوز مباشرة هذا الامتياز على العقارات إلا عند عدم وجود منقولات.
و غني عن البيان أنه بالإضافة إلى هذه الامتيازات، هنالك امتيازات عقارية خاصة أخرى منصوص عليها في نصوص قانونية متفرقة من ضمنها الفصل 12 من ظهير 10 نونبر 1917 المتعلق بالجمعيات النقابية لمالكي العقارات الحضرية الذي نص على تخويل ديون هذه الجمعيات امتيازا على العقارات الحضرية، ومن ذلك أيضا الامتياز الخاص المنصب على عقارات شركات التامين بمقتضى القرار الوزيري المؤرخ في 6 شتنبر 1941 المعدل بقرار 24 نونبر 1954، أو تلك المملوكة لشركات عقارية تملك شركات التأمين[3] حصصا في رأسمالها حسب مقتضيات المرسوم الملكي المؤرخ في 10 نونبر 1966، وأخيرا امتياز الدولة والبلديات لتغطية المصاريف المنفقة بمناسبة خرق التشريع المتعلق بالتعمير والمنصوص عليه في المادة 58 من ظهير 30 يوليوز 1952 الذي الغي بمقتضى ظهير 17 يونيو 1992 والمعتبر بمثابة قانون للتعمير ولم يتضمن التنصيص على مقتضيات مماثلة للمادة أعلاه.
وإذا كانت حقوق الامتياز تعتبر من قبيل الحقوق العينية وفق المادة 9 من مدونة الحقوق العينية، فإن إشهارها بالرسم العقاري شيء لازم وضروري عملا بمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد المنصوص عليه في الفصول 65-66-67 من ظهير التحفيظ العقاري.
ومع ذلك، فإن المشرع استثنى الامتيازات العقارية من إجراء التقييد في الرسم العقاري بصريح مقتضيات المادة 143 من نفس الظهير التي تنص على ما يلي: ” واسثتناء من المبدأ العام المقرر في الفصل 65 من الظهير المتعلق بالنظام العقاري للتحفيظ يعفى هذا الامتياز أن من كل إشهار أو تقييد في الرسوم العقارية “.
و تجدر الملاحظة أن ديون الدولة على الأفراد لا تعتبر كلها ممتازة[4]، وإنما يقتصر ذلك على ما صدر منها بنصوص تشريعية خاصة تقضي باعتبار دين معين من ديون الدولة على أنه يتمتع بصفة الامتياز حسب ما أكدته محكمة النقض في هذا الإطار[5]. في حين أن المصاريف القضائية لا تكتسي صفة الامتياز إلا إذا كانت تحقق المصلحة المشتركة للدائنين، وأن الدافع من استثنائها من التقييد يتجلى في كونها موجودة قانونيا وملزمة للغير ولو كان دائنا مرتهنا رهنا رسميا من جهة، وصعوبة التحديد المسبق لمبلغ هذه الديون الممتازة إلا بعد تحويل قيمة العقار إلى الثمن عن طريق بيعه بالمزاد العلني من جهة أخرى.
غير أنه في حالة صدور حكم بفتح مسطرة التسوية القضائية في حق المدين (صاحب المقاولة)، فإن التساؤل يطرح حول مدى إمكانية مواجهة الدائنين أصحاب الامتيازات الخاصة بسقوط الحق بسبب عدم التصريح بديونهم داخل الآجال القانونية تطبيقا لمقتضيات المادة 690 من مدونة التجارة.
تجب الإشارة إلى أن أول ملاحظة في هذا السياق، تتعلق بكون المشرع في المادة التجارية قد كرس مبدأ الأثر الإنشائي للتقييد من جديد بالنسبة للامتيازات العقارية الخاصة، وذلك خلافا للاستثناء المنصوص عليه ضمن مقتضيات الفصل 143 المشار إليه أعلاه، على اعتبار أن قيام الامتياز الخاص- بعد الحكم بفتح المسطرة – يستلزم تقييده بالرسم العقاري شأنه في ذلك شأن باقي الحقوق العينية الأخرى حسبما هو منصوص عليه في الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري المتعلق بنظام التحفيظ العقاري، طبقا لمقتضيات المادة 646 من مدونة التجارة التي خولت السنديك صلاحية القيام بتقييد جميع الرهون الرسمية أو الرهون الحيازية أو الامتيازات التي يكون رئيس المقاولة قد أهمل اتخاذها أو تجديدها[6].
ويلاحظ من خلال مقتضيات المادة 686 من مدونة التجارة أنها ميزت بين ثلاثة فئات من الدائنين: الأولى، ألزمتها بالتصريح بديونها داخل أجل الشهرين الذي يبتدئ مـن تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية الذي يمدد لنفس المدة بالنسبة لمن هو قاطن خارج المملكة المغربية حسبما هو مبين بالمادة 687. والثانية، أعفتها من التصريح نهائيا وهي فئة المأجورين. والثالثة، ألزمتها بالتصريح شريطة إشعارها بذلك[7].
ومعلوم أن أصحاب الامتيازات الناشئة قبل الحكم بفتح المسطرة ملزمون بالتصريح داخل الأجل القانوني من دون حاجة إلى إشعارهم بذلك من طرف السنديك تحت طائلة سقوط حقهم في مواجهة المدين، ولا يمكن اعتبارهم من الدائنين الحاملين لضمانات حتى ينبغي إشعارهم بالتصريح وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 686 أعلاه.
غير أن محكمة الاستئناف التجارية بفاس[8] قد ذهبت خلاف ذلك حينما اعتبرت أنه يجب إشعار صندوق الموازنة من طرف السنديك بالتصريح بالدين باعتباره متمتعا بحق الامتياز العام، وأن عدم قيام هذا الأخير بذلك يترتب عنه قبول تصريحات الصندوق المذكور ولو بعد انصرام الآجال القانونية باعتباره من الدائنين الحاملين لضمانات ولا يمكن مواجهته بالسقوط.
ويلاحظ من خلال القرار أعلاه، أن هناك تناقضا في حيثياته، إذ اعتبر أن صندوق الموازنة يتمتع بحق الامتياز العام، وقرر في نفس الوقت عدم مواجهته بحالة السقوط استنادا إلى كونه حاملا لضمانات، مع العلم أن حقوق الامتياز المنقولة العامة لا علاقة لها بالضمانات المنصوص عليها في المادة 686 من مدونة التجارة، الشيء الذي نخلص مع بعض الفقه إلى القول إن صندوق الموازنة في النازلة موضوع القرار أعلاه لا يدخل في إطار الدائنين أصحاب الضمانات الذين يتعين إشعارهم بالتصريح بالدين من طرف السنديك.
بيد أن نفس المحكمة تراجعت عن اتجاهها المشار إليه أعلاه حينما اعتبرت أنه لا يجب الخلط بين الدائن المتمتع بحق الامتياز والآخر صاحب الضمانات، فالأول له حق الأفضلية على الغير لاستخلاص الدين ولو كانت الديون الأخرى مضمونة برهن رسمي[9].
ومع ذلك، فإن الاختصاص النوعي للبت في هذا النوع من النزاعات لا ينعقد للمحاكم التجارية نظر للصفة العمومية لدين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يعتبر مؤسسة عمومية وتستفيد من أجراءات تحصيل الديون العمومية حسبما أكدته محكمة النقض[10] التي اعتبرت في أحد قراراتها أن :
” الديون المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعد ديونا عمومية لأنه مؤسسة عمومية تستفيد من إجراءات تحصيل الديون العمومية حسبما يخوله لها القانون المنظم لها، وبالتالي فان الجهة المختصة للبت في الدعاوى المتعلقة بتحصيل تلك الديون هي المحاكم الإدارية عملا بأحكام المادتين 8 و 30 من القانون المحدث لها والمادة 141 من مدونة تحصيل الديون العمومية، فكان على القاضي المنتدب ومحكمة الاستئناف التجارية المرفوع إليها النزاع التصريح بأن المنازعة لا تدخل في اختصاصها سيرا مع ما تمليه المادة 695 من مدونة التجارة، وما دامت لم تفعل واعتبرت نفسها مختصة للبت في دفع سلب عنها الاختصاص لجهة قضائية أخرى فان قرارها جاء خارقا للقانون “.
الهوامش :
[1] – فاطمة الزهراء الصحراوي: “حقوق الامتياز في التشريع المغربي” – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة – كلية الحقوق بمراكش – 2000 – 2001.
[2] – يجب التمييز بين المصاريف القضائية التي تتمتع بصفة الدين الممتاز، وبين الالتزامات التي تقع على المشتري الراسي عليه المزاد والتي تؤدى بصندوق المحكمة وتشمل المصاريف القضائية عن البيع بالمزاد العلني وقدرها 3% من ثمن البيع، وكذا رسوم التقييد وقدرها 5% من ثمن البيع مع إمكانية تخفيضها للنصف إذا كان المشتري سيخصص العقار المبيع لسكناه الشخصية.
– راجع: – محمد خيري – م . س – ط 2001- ص 414.
[3] – أثير تساؤل بشأن المبالغ الواجب استخلاصها عن تقييد الامتياز الخاص المنصوص عليه في المادة 276 من القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، بالرسوم العقارية العائدة ملكيتها لشركات التامين ؟ يجبنا في هذا الشأن المحافظ العام من خلال رسالته عدد 2225 بتاريخ 18 أكتوبر 2004، موضحا أن مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة المذكور والتي تنص على أن مصاريف تقييد هذا الامتياز الخاص أو التشطيب عليه تقع على كاهل المقاولات المعنية سواء قدم الطلب من طرف المقاولة نفسها أو من طرف الإدارة، وباعتبار أن هاته الواقعة غير قابلة للتقييم فإنه يستخلص عن تقييدها أو التشطيب عليها من السجلات العقارية رسم ثابت يتمثل في 150 درهم عن كل عقار، وذلك استنادا إلى الفقرة ب من الباب الثاني من المرسوم المتعلق بتعريفة رسوم المحافظة العقارية المؤرخ في30يونيو 1997.
[4] – وقد اعتبر الأستاذ عبدالرحمان المصباحي: “أنه لم يعد هناك أي نص خاص يعطي الامتياز للخزينة العامة على ثمن بيع العقار”. (مقاله بعنوان: ” مسطرة تحقيق الرهن ” – منشور بمجلة الحدث القانوني عدد 15 – أبريل 1999 ص 110) .
[5] – قرار لمحكمة النقض أكد في معرض حيثياته ما يلي :
” لئن كان الامتياز المقرر للخزينة العامة يسري مفعوله على جميع منقولات وأمتعة المدين، فإن الدائن المرتهن رهنا رسميا له حق الأولوية في استيفاء دينه من منتوج البيع الجبري لعقار المدين الراهن في مواجهة باقي الدائنين “.
– قرار عدد 1374 صادر بتاريخ 29 مارس 2011 في الملف المدني عدد 3182/1/6/2009 غير منشور.
– كما جاء في قرار آخر لمحكمة النقض ما يلي:
“.. لكن حيث إن موضوع الفرع الأول من الوسيلة أثير لأول مرة أمام محكمة النقض وتضمن فرعها الثاني مجرد واقع دون توضيح مكمن النعي على القرار وبخصوص ما أثير حول كون الضرائب لها الأولوية وفقا للمادتين 100 و 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عللت قرارها وعن صواب ” أن الفصل 56 من ظهير 1962.3.15 الملغي للفصول 56و60 و61 و69 من ظهير 1935.8.21 المتعلق بنظام المتابعات في ميدان الضرائب قد حصر امتياز الخزينة على الأموال الراجعة للملزم بالضريبة على المنقولات والمعدات والبضائع ثم الغلل وما ينتج العقار فقط ولا يشمل هذا الامتياز منتوج بيع العقار” واستنتجت من كون البنك المطلوب الذي يستفيد من رهن رسمي على العقار المبيع له حق الأسبقية على كافة الدائنين يكون قرارها غير خارق لأي مقتضى.. “.
– قرار عدد 896 بتاريخ 21 يوليوز 2004 – ملف تجاري عدد 516/3/1/02 – مجلة قضاء محكمة النقض عدد 64- 65 – سنة 2006 – ص 199.
– للتوسع في هذا الشأن انظر:
– محمد بن زهرة: ” تأثير مساطر صعوبات المقاولة على أولوية الدائن المرتهن ” – الندوة الرابعة للعمل القضائي والبنكي – سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية – يناير 2004 – مطبعة النجاح الجديدة – الدارالبيضاء – 2004.
[6] – راجع في هذا الشأن:
– محمد صابر: ” أثر فتح المسطرة على الديون الامتيازية ” – منشور بمجلة المحامي- عدد 47 – ص 12 و 17.
– عبدالرزاق الزيتوني: ” تنازع الدائنين بين امتياز المادة 575 من مدونة التجارة وباقي الضمانات الأخرى” – مجلة المنتدى – عدد 3 ـ سنة يونيو 2002 ـ ص 158.
[7] – وقد جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” … عبارة الإشعار الواردة بالمادة 686 من مدونة التجارة تفترض توصل الدائنين الحاملين ضمانات أو عقد إئتمان إيجاري تم شهرهما بأية وسيلة تؤدي لحصوله. أجل تصريح الدائنين الحاملين لضمانات الدين الذين أشعروا من طرف السنديك، هو نفسه المحدد للدائنين المذكورين بالمادة 687 من مدونة التجارة..”.
– قرار عدد 483 بتاريخ 10/5/2006 – ملف تجاري عدد 245/3/1/2006 – منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 67 – سنة 2007 – ص 185.
[8] – قرار محكمة الاستئناف بفاس عدد 04/2001 ت س بتاريخ 26 شتنبر 2001 في الملف رقم 10/99/6 غير منشور ( ذكره ذ محمد صابر – م س – ص 15).
– للمزيد من التوسع في الموضوع راجع:
– المهدي شبو: ” دور القاضي المنتدب في إطار مساطر معالجة صعوبات المقاولة ” – المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش – ط 1 – 2006.
[9] – قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس جاء فيه ما يلي:
“.. وحيث إن المستأنف هو مجرد دائن يتمتع بحق الامتياز لاستخلاص ديونه، وأن الامتياز يعرف قانونا بحق الأولوية على أموال المدين نظرا لسبب الدين، وأنه تبعا لذلك لا يجب الخلط بين الدائن المتمتع بحق الامتياز والدائن صاحب الضمانات، فالأول له حق الأفضلية على الغير لاستخلاص الدين ولو كانت الديون الأخرى مضمونة برهن رسمي. وحيث إن المشرع لم ينص على ضرورة إشعار السنديك لصاحب الدين الذي له حق الامتياز التصريح بديونه، وإنما اكتفى بالقيام بذلك للحاملين ضمانات أو عقد إيجاري تم شهرهما، وأن محكمة الدرجة الأولى كانت على صواب لما اعتبرت أن حق الامتياز ليس من الحقوق القابلة للشهر حتى يمكن اعتبارها ولو على سبيل القياس من الضمانات التي قصدها المشرع بالفصل 686 من ق م ت “.
_ قرار عدد 14 ت س بتاريخ 2 أكتوبر 2002 في الملف عدد 06/2002 ت س منشور بمجلة المعيار التي تصدرها هيئة المحامين بفاس- عدد 29- أبريل 2003 ص 192 ( ذكره ذ محمد صابر- م س- ص 192).
[10] – قرار صادر بغرفتين عدد 182بتاريخ 16/02/2012 ملف عدد 135/3/1/2011 منشور بالتقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة 2012.
إن القول بأن الديون المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعد ديونا عمومية لأنه مؤسسة عمومية هو قول يقف عند ويل للمصلين ولا يكمل الآية. لقد سبق لي أن تطرقت لهذا الموضوع بالتفصيل في مقال نشر في هذا الموقع.
تحياتي
عرض السيد المستشار المحترم في نهاية مقاله لقرار صادر عن محكمة النقض قضى بانعقاد الاخنصاص النوعي للمحاكم الإدارية للنظر في الديون المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتباره مؤسسة عمومية تستفيد من إجراءات تحصيل الديون العمومية. غير أن القول بكون الديون المستحقة للصندوق المذكور تعد ديونا عمومية بعلة أنه مؤسسة عمومية هو قول يقف عند ويل للمصلين ولا يكمل الآية. لقد سبق لي أن تطرقت لهذا الموضوع بالتفصيل في مقال نشر في هذا الموقع الإلكتروني