حسن فتوخ : إشكالات النظام المالي للزوجين في ضوء مدونة الأسرة و الاجتهاد القضائي.
- الدكـتــور حســـن فتـــوخ : مستشار بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء
كرس المشرع المغربي حماية الحقوق عن طريق إفراد مساطر قانونية خاصة تتميز بالسرعة و الفعالية في تحقيق العدالة المفترضة تشريعيا. إلا أن تحديد الطبيعة القانونية للحقوق الذي ترمي التقييدات المؤقتة إلى حفظها وضمانها يطرح إشكالا من حيث المفهوم القانوني للحق العيني من خلال المقتضيات التشريعية والمواقف القضائية والفقهية من جهة، ومن حيث جواز القول بالتحديد الحصري للحقوق العينية في التشريع العقاري من عدمه من جهة أخرى، الشيء الذي ينعكس على الحماية القانونية المقررة للحقوق الواردة على عقار محفظ، ونوعية الحقوق العينية القابلة للتقييد الاحتياطي بالرسم العقاري. ومن ثم فإن الطفرة التشريعية التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة قد طرحت في حد ذاتها إشكالية تتعلق بمدى جواز تقييد بعض الحقوق تقييدا احتياطيا لضمان المحافظة عليها مؤقتا إلى حين انتهاء النزاع بين الطرفين، لاسيما إذا تعلق الأمر بالنظام المالي للزوجين وفق مدونة الأسرة المغربية، أو وفق القوانين الشخصية لطرفي العلاقة الزوجية، وإمكانية القول تبعا لذلك بتفويت العقارات المكتسبة أثناء الزوجية دون الحصول على إذن من الزوج الآخر. لذلك فإن تناول موضوع هذا المطلب يستدعي منا تقسيمه إلى محورين على الشكل التالي :
- المحور الأول : مفهوم دعوى اقتسام الأموال المكتسبة بعد الزواج.
- المحور الثاني : آثار النظام المالي للزوجين على التصرفات العقارية.
المحور الأول : مفهوم دعوى اقتسام الأموال المكتسبة بعد الزواج
يعتبر الحق العيني سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شيء معين. أي أن الصلة في الحق العيني بين صاحب الحق والشيء الذي يرد عليه الحق صلة مباشرة تجعل استفادته من هذا الشيء غير متوقفة على تدخل شخص آخر.
غير أن الحقوق العينية تتنوع تبعا لمضمونها ومصدر نشأتها، إذ هناك ما يسمى بالحقوق العينية الأصلية وهي التي توجد مستقلة قائمة بذاتها لا تستند على حق آخر. في حين أن هناك حقوقا عينية تبعية لا توجد إلا تابعة لحق شخصي، الغاية منها تأمين الدائن وضمان استيفاء دينه.
وإذا كانت الحقوق العينية القابلة لأن تكون محلا للتقييدات المؤقتة هي الحقوق القابلة للتقييد بالرسم العقاري – بما في ذلك الدعاوى العقارية الرامية إلى استحقاق عقار أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني وفق المادة 13 من مدونة الحقوق العينية-، فإن هناك جدلا فقهيا وقضائيا حول طبيعة الحق الذي يمكن أن يكون موضوع تقييد احتياطي، لأن صياغة الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري وردت عامة بنصها على إمكانية طلب تقييد احتياطي لكل من يدعي أي حق في عقار محفظ دونما تحديد لطبيعته القانونية، لا سيما وأن الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري أوجب إشهار بعض الحقوق الشخصية بالرسم العقاري تحت طائلة عدم الاحتجاج بها في مواجهة الأغيار، الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن الطبيعة القانونية للدعاوى الناتجة عن النظام المالي للزوجين المتعلقة باقتسام الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، فهل تعتبر دعاوى شخصية أم عينية؟
يرى بعض الفقه أن الدعاوى الرامية إلى استحقاق نصيب الزوجة في الأموال المكتسبة أثناء الزوجية بناء على حق الكد والسعاية تكتسي طبيعة شخصية، لأن منشأها عقد الزواج باعتبارها دائنة لزوجها بحق شخصي في الأموال المكتسبة بعد الزواج مقابل كدها وسعايتها طيلة مدة زواجهما.
ونعتقد أنه إذا كان حق الكد والسعاية يعتبر حقا شخصيا، لأنه يستهدف تقدير مبلغ دائنية الزوجة لزوجها من طرف القضاء في العرف السوسي، فإن المحكمة الإدارية بالرباط ذهبت خلاف ذلك حينما قضت بإلغاء قرار المحافظ العقاري المتعلق برفض طلب تقييد احتياطي لمقال الدعوى الرامية إلى المطالبة بحق الكد والسعاية بعلة أنه حق شخصي، معتبرة إياه حقا عينيا عرفيا إسلاميا شأنه في ذلك شأن حقوق الجلسة والزينة والجزاء.
كما أن محكمة النقض اعتبرت في هذا السياق أن ” عبء الاثبات يقع على عاتق المطلقة في مطالبتها بحقها في الكد والسعاية وحصولها على نصيبها في بيع العقار المكتسب خلال الزواج ومادام المطلق أثبت ملكيته للعقار لوحده واستدل بحكم أجنبي يثبت انتهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين بناء على طلب الزوجة بت كذلك في تصفية الأموال المشاعة بينهما ولم يكن ضمنها المنزل موضوع الدعوى ، فإن المحكمة لما وجهت يمين الإنكار للمطلق و أداها واستمعت المحكمة لشهود اللفيف بعدم علمهم بالعلاقة المالية بين الطرفين وكذلك بعدم علمهم بمساهمتها في البناء، وقضت تبعا لذلك برفض الطلب، تكون فد اعتمدت الأصل في الشريعة الإسلامية وهو استقلال الذمة المالية للزوجين وأن على من يدعي العكس “.
و بالرغم من الانتقادات الفقهية المتعلقة بحق الكد والسعاية، فإن الإشكال لازال مطروحا في ضوء مقتضيات المادة 49 أعلاه التي خولت لكلا الزوجين – في حالة عدم وجود اتفاق بينهما – الحق في المطالبة باقتسام الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية شريطة اعتماد المحكمة للقواعد العامة للإثبات، مع ضرورة مراعاتها لعمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة. فهل يمكن للمحافظ العقاري رفض طلب إجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى الرامية إلى اقتسام الأموال المكتسبة أثناء الزوجية استنادا إلى كون الحق المطلوب يكتسي طابعا شخصيا كما هو الشأن في النازلة أعلاه؟
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 49 أعلاه نجد أن الأصل في العلاقة الزوجية هو فصل الذمة المالية للزوجين، أي أن كل واحد منهما مستقل عن الآخر في التصرف في أمواله كيف يشاء، وهو ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها كما يلي:
” المقرر قانونا أن الاشتراك نوعان : الشياع أو شبه الشركة، والشركة العقدية، والشياع ينشأ اختيارا أو اضطرارا حسب الفصل 959 من قانون الالتزامات والعقود وما يليه، والاشتراك المدعى من الزوجة لم ينشأ عن أي من ذاك وإنما نشأ حسب الإدعاء في إطار الزواج وبمناسبته باعتبار أن الأصل هو أن لكل واحد من الزوجين ذمة مستقلة عن الآخر، وبالتالي فإن أي مطالبة بمال مشترك بمناسبة الزواج تقع تحت طائلة المادة 49 من مدونة الأسرة بخلاف ما ذهب إليه القرار المطعون فيه “.
غير أن المفهوم الجديد للأسرة في بعدها الحقوقي والاجتماعي والثقافي والتربوي، جعل المشرع يرقى بحق الرعاية المشتركة بين الزوجين إلى التفكير في مستقبل الأسرة عن طريق إمكانية الاتفاق اختياريا، في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء الزوجية على كيفية استثمارها وتوزيعها، باعتبار الرجل والمرأة شريكين وفاعلين في مجال يقتسمان مسؤولية تدبيره والحفاظ عليه.
كما أنه في حالة عدم وجود اتفاق بين الزوجين فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة ولو تعلق الأمر بعمل المرأة المنزلي حسب البعض.
وقد اعتبرت محكمة النقض أنه يتعين على المحكمة إبراز العناصر التي استقت منها استحقاق الزوجة ثلث العقار المملوك للزوج، أو تجري التحقيق اللازم انطلاقا من الوثائق المستدل بها من الطرفين لتحديد ما تستحقه الزوجة مقابل ما بذلته من مجهود لتنمية ثروة الزوج وترتب على ذلك أثره.
فالتساؤل الذي يثار بشأن مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة أعلاه يتعلق بزمان رفع دعوى اقتسام الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج، أي هل خلال سريان العلاقة الزوجية بين الطرفين أم بعد إنهاءها بالطلاق أو التطليق؟
من المسلم به قانونا أن الأصل في الأشياء الإباحة. ومادامت مقتضيات المادة 49 أعلاه، لم تحدد النطاق الزمني لرفع دعوى اقتسام الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج، فإن ذلك يعني إمكانية رفعها خلال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها.
أما فيما يتعلق بالإثبات المقصود في الفقرة الأخيرة من المادة 49، فهل ينصرف للاتفاق غير المكتوب، أم للجهد والمساهمة في تنمية الأموال؟
جاء في الدليل العملي لمدونة الأسرة أن الإثبات ينصرف إلى المساهمة في تنمية الأموال طبقا للقواعد العامة في ضوء ما قام به المدعي من أعمال ومجهودات وأعباء ساهمت في تنمية المال واستثماره، وأن التقدير من طرف المحكمة المعروض عليها النزاع لا يعني حتما التوزيع بالمناصفة، بل سوف يحدد بقدر المجهود الذي بذل من طرف كل واحد وأثره في تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزوجية.
ونعتقد أنه إذا كانت الأموال المطلوب قسمتها من قبل الطرف المدعي عقارات محفظة، فإنه ليس هناك أي مسوغ قانوني لرفض التقييد الاحتياطي لمقال الدعوى من طرف المحافظ طالما أن المشرع قد اعتبر الدعوى الرامية إلى استحقاق حق عيني عقاري دعوى عينية تطبيقا لمقتضيات المادة 12 من مدونة الحقوق العينية، على أساس أن التقييد المذكور مجرد وسيلة للحفاظ مؤقتا على نصيب الطرف المدعي في العقار المدعى فيه وتقييد الدعوى بالرسم العقاري حتى يتأتى للمتعاملين بشأنه الإطلاع عليها وتحملهم التبعات القانونية التي يمكن أن تترتب عن ذلك.
لكن قد يطرح التساؤل حول مدى أحقية إحدى الزوجات – في حالة التعدد من طرف الزوج – في رفع الدعوى المشار إليها أعلاه ضد الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة الجاري العقار موضوع النزاع بملكها؟
وجوابا عن ذلك، فإننا نشير إلى أنه ليس هناك أي مقتضى يبيح أو يمنع هذه الصلاحية، لكون الحق في الاستفادة من الأموال المكتسبة أثناء الزوجية مقصور على الزوجين عند عدم إبرامهما لأي اتفاق بشأن ذلك، الشيء الذي يجعلنا نعتقد أنه ليس من العدل في شيء، أن نحرم إحدى الزوجات من المطالبة بنصيبها في الأموال المكتسبة أثناء الزوجية بعلة أنها جارية بملك الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، على اعتبار أن المعيار المعتمد أمام المحكمة هو إثبات المساهمة في اكتساب المال محل النزاع من قبل الطرف المدعي، بصرف النظر عما إذا كان جاريا بملك الزوج أم بملك إحدى الزوجات المتعدد بهن، وذلك درءا لما يمكن أن يقع من تحايل لبعض الأزواج عن طريق تقييد كافة الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية في اسم إحدى الزوجات، وحرمان الأخريات من نصيبهن فيها تبعا لقرينة الشراكة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 49 أعلاه.
وقد كرست محكمة النقض هذا التوجه في أحد قراراتها معتبرة “أن المقصود من الفقرة الأخيرة في المادة 49 هو كون الرجوع إلى وسائل الإثبات العامة يقترن بمراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات أو تحمله من أعباء رغم وجود الرسوم العقارية في اسم أحد الزوجين. ومحكمة الاستئناف لما عللت قرارها بأن ما تمسك به الطاعن من أداء ديون في شكل أقساط لاقتناء قطعة أرضية وشقة بواسطة حساب بنكي في اسمه لا ينهض حجة كافية للقول بأن هناك اتفاق لتدبير الأموال بينهما أو أنه قدم مجهودا أو تحمل عبئا لتنمية أموال دون أن تقوم بإجراء بحث أو خبرة للتحقق مما إذا كانت المبالغ التي كان تقتطع من حساب الطاعن قد ساهمت فعلا في تنمية أموال الأسرة أم لا وفيما إذا كانت قد استرجعها من المطلوبة وهي إذا لم تفعل تكون قد خرقت مقتضيات المادة 49 وعرضت قرارها للنقض”.
المحور الثاني: أثر النظام المالي للزوجين على التصرفات العقارية
إذا كان النظام المالي للزوجين يعتبر من صميم الأحوال الشخصية لطرفي العلاقة الزوجية، وليس من الأحوال العينية. فإن اختيار الزوجين لنظام مالي معين قد ينعكس أثره على التقييدات بالرسم العقاري، بحيث تطرح إشكالية وجوب توافر أحد الزوجين على الإذن بتفويت أحد الأموال العقارية المكتسبة أثناء الزوجية في حالة اختيارهما لنظام الأموال المشتركة. أو بعبارة أخرى هل يعتبر البيع المنجز من قبل أحد الزوجين فقط الخاضعين لنظام الأموال المشتركة صحيحا من الناحية القانونية؟
ونعتقد أنه إذا حصل اتفاق بين الزوجين على نظام الأموال المشتركة، فإن حرية التصرف في العقار المحفظ عن طريق التفويت من قبل أحد الزوجين الجاري بملكه العقار المبيع، تصبح مقيدة بضرورة الحصول على إذن من الزوج الآخر وموافقته على التفويت تحت طائلة رفض تقييد عقد البيع بالرسم العقاري من قبل المحافظ، وذلك بصرف النظر عما إذا كان الطرفان يخضعان لمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة، أو لقانونهما الشخصي، على اعتبار أن المشرع الأسري سمح لأول مرة بإمكانية الاتفاق على الاشتراك في تدبير الأموال المكتسبة أثناء الزوجية، وأن من شأن ذلك التأثير على حق تفويت الأموال المكتسبة أثناء الزوجية من جانب واحد فقط، إذ يجب طبعا الحصول على موافقة الزوج الآخر لإبرام البيع كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي.
وقد أكدت محكمة النقض هذا الاتجاه من خلال أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي :
“حيث إن الحكم المطعون فيه لم يكن على صواب فيما قضى به وذلك عندما طبق على العلاقة بين الزوجين الفرنسي الجنسية قانون الأحوال الشخصية المغربي واعتبر أن الزوج ذو أهلية تامة لبيع العقار المتنازع فيه، مع أنه من جهة فإن العلاقة الزوجية بين الطالبة وزوجها تحكمها قواعد القانون المدني الفرنسي الواجب التطبيق في هذه الحالة طبقا للفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري المتعلق بوضعية الأجانب في المغرب لأنهما متزوجين في إطار نظام الأموال المشتركة ودون أي عقد ينظم أموالهما ومع أنه، من جهة أخرى، فإن أهلية الزوج المتزوج طبقا لنظام الموال المشتركة المعمول به في القانون المدني الفرنسي لبيع العقار في حالة اعتباره من الموال المشتركة لا تكون تامة إلا إذا أذنت الزوجة بالبيع وذلك طبقا للفصل 1424 من القانون المدني الفرنسي وللفصل الثالث من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر أن كل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك… “.
غير أن الاتفاق على نظام الأموال المشتركة من قبل الزوجين لا يعني بالضرورة الحصول على الإذن من الزوج الآخر بالتفويت، بل يجب أن يكون العقار المبيع قد اكتسب أثناء العلاقة الزوجية. ومعنى ذلك أن هناك أموالا حرة (Les biens propres) تبقى في ذمة كل واحد منهما حين إبرام عقد الزواج أو قد يكتسبانها بعد ذلك، ولا تدخل في الذمة المالية المشتركة كالأموال العقارية المكتسبة عن طريق الإرث أو الهبة مثلا. لذلك فإن البيع الذي ينصب على هذه الأموال لا يستلزم إطلاقا الحصول على إذن من الزوج الآخر حتى يتأتى تقييده من قبل المحافظ طالما أنه يتصرف في مال مملوك له وحده.
بيد أن مسؤولية الموثق يمكن أن تطرح في هذا الشأن، إذا قام بتحرير عقد البيع دون إدلاء الزوج البائع بإذن الطرف الآخر، أو دون تأكده من مصدر اكتساب العقار المبيع، وتحديد ما إذا كان التملك قد تم في إطار تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزوجية وفق نظام الأموال المشتركة المنصوص عليه في المادة 49 من مدونة الأسرة، أو بناء على سبب آخر كالإرث أو التبرع. بل يمكن تصور مسؤولية المحافظ العقاري بالتبعية في حالة تقييده لعقد البيع بالرسم العقاري دون إدلاء البائع بالإذن المشار إليه أعلاه. وهذا ما يجعل القضاء يبسط رقابته على التفويتات التي تبرم في هذا الصدد، والقول تبعا لذلك بعدم صحتها استنادا للنظام المالي للزوجين.
ونعتقد أن قراءة مقتضيات المادة 49 أعلاه تفيد أن قرينة الشراكة الاتفاقية والقانونية تفرض حصول الزوج البائع على موافقة الطرف الآخر على تفويت مال اكتسب أثناء الزوجية، وأن تخلف الإذن المذكور يجعل البيع منصبا على ملك الغير، لأنه يتعلق بمال مشترك بين الزوجين ولم يتم فرز نصيب منهما حتى يمكن له التصرف فيه حسب مشيئته وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود.
وقد سبق للعمل القضائي أن أكد على إلزامية إدلاء الزوجة المدعية بالاتفاق مع الزوج وإثباتها لتمويل هذا الأخير في شراء العقارات الجارية في ملكه معللة توجهها بما يلي:
” حيث اتضح من خلال مناقشة أسباب الطعن في الحكم الابتدائي ودراسة وثائق الملف أنه أمام عدم تقديم المستأنفة أي دليل لاتفاقها مع المستأنف عليه في إطار تدبير الأموال التي اكتسبها أثناء قيام الزوجية على استثمار وتوزيع تلك الأموال بينهما حسب ما تنص عليه المادة 49 من مدونة الأسرة فإن مجرد ما أشارت إليه من أنها كانت تتصرف في ممتلكاتها من أجل توفير مورد للمستأنف عليه كان في حاجة إليه أثناء شرائه العقار موضوع الدعوى وأثناء بنائه غير كاف لتبرير طلبها لعدم تقديم أي دليل على أنها فعلا مولت المستأنف عليه… والتماسها إجراء البحث من طرف هذه المحكمة غير ملزم لهذه الأخيرة لوضوح موقف الطرفين من مذكراتهما وتكون المستأنفة هي الملزمة بإثبات دعواها”.
وقد حددت محكمة النقض في أحد قراراتها مفهوم الفقرة الأخيرة في المادة 49 معتبرة أن الرجوع إلى وسائل الإثبات العامة يقترن بمراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات أو تحمله من أعباء رغم وجود الرسوم العقارية وأنه في حالة عدم وجود الاتفاق بين الزوجين لتدبير الأموال فيتعين على المحكمة إجراء بحث أو خبرة للتحقق مما إذا كانت المبالغ التي كان تقتطع من حساب الزوج قد ساهمت فعلا في تنمية أموال الأسرة أم لا وفيما إذا كانت قد استرجعها من الزوجة. وهذا التوجه القضائي يؤكد لامحالة بأن وجود اسم أحد الزوجين في الرسوم العقارية لا يكفي ليكون حجة نهائية على تملكه لها وحده بل إن الباب مفتوح يحكم خصوصية العلاقة بين الزوجين للبحث والتحقيق في مصدر ومقدار مساهمة كل طرف.
و من جهة أخرى، تثار إشكالية تقييد دعوى بطلان عقد البيع أعلاه تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري؟ وما هو الحق العيني المراد المحافظة عليه بمقتضى هذا التقييد المؤقت؟
لاشك أن دعوى بطلان بيع المال المشترك دون إذن الزوج الآخر يفترض قيام قرينة الاشتراك العقدية أو القانونية تبعا للنظام المالي للزوجين، وأن تصريح المحكمة ببطلانه من شأنه إرجاع المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، ولا يمكن أن يترتب عنه أي أثر قانوني ما عدا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له. ومن ثم فإن دعوى البطلان في حد ذاتها تهدف إلى الحفاظ على نصيب الزوج الآخر غير البائع في العقار المبيع استنادا إلى الاتفاق بشأن الشراكة في الأموال المكتسبة أثناء الزوجية، وأن إجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى المذكورة يترتب عنه ضمان الحق المشاع في أموال الزوجية إلى حين انتهاء النزاع القضائي من جهة، ومنع الغير الذي يكتسب حقا عينيا على العقار المحفظ من التمسك في مواجهته بقرينة حسن النية من جهة أخرى.
كما أن النظام المالي للزوجين يطرح إشكالا آخر يتعلق بخضوع الزوج المدين لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية، بحيث إن زوج المدين الخاضع لمسطرة التسوية أو التصفية ملزم بالقيام بجرد بأمواله الشخصية وفق نظام الأموال الذي اتفقا عليه بعد الزواج وفقا للمادة 677 من مدونة التجارة، بل يمكن للسنديك ضم ممتلكات زوج المدين أو ممتلكات أبناءه إلى الأصول عند إدلائه بما يثبت شراءها بأموال المدين الخاضع للتسوية او التصفية. فإذا كان النظام المالي للزوجين هو نظام الأموال المشتركة فإن خضوع المدين التاجر لمسطرة التسوية أو التصفية من شأنه التأثير على الأموال المكتسبة أثناء الزوجية، إذ تطرح صعوبة القيام بالجرد أعلاه من قبل زوج المدين بأمواله الشخصية، لا سيما إذا كانت هذه الأخيرة مقيدة في اسم المدين بالرسوم العقارية، الشيء الذي يتعذر معه التوفيق بين مقتضيات المادة 49 أعلاه، والمادة 677 من مدونة التجارة.
ومن جهة أخرى، فإن إمكانية ضم أموال زوج المدين إلى باب الأصول من طرف السنديك، يتعارض مع مقتضيات المادة 49 التي تسمح بالاتفاق على نظام الشراكة في الأموال، بدليل أن اختيار هذا النظام من قبل الزوجين لا يمكن أن يتضرر منه أحد طرفي عقد الزواج بأي حال من الأحوال، لأن إثبات السنديك كون أملاك زوج المدين تم شراؤها بقيم هذا الأخير يتنافى إطلاقا مع نظام الأموال المشتركة، ولا يمكن بالتالي تجريد الزوج الآخر منها استنادا للعلة أعلاه.
غير أنه إذا كانت أملاك زوج المدين عقارات محفظة ومثقلة برهون رسمية أو حيازية، فإن ممارسة السنديك لهذه الصلاحية سيفرغ مؤسسة الضمانات العينية من جدواها، على اعتبار أن الدائن المرتهن الذي يطمئن إلى العقار المرهون كضمان لممارسة مسطرة تحقيق الرهن في حالة عدم الوفاء بالدين داخل الأجل، سيفاجأ بكون هذا العقار قد ضم إلى باب الأصول من طرف السنديك، ويضيع معه بالتالي حقه الذي كان يعول عليه، والمتمثل في استيفاء دينه بالأولوية على باقي الدائنين.