مجلة مغرب القانونالقانون العامامحمد عزيز: أسس وحدود التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011

امحمد عزيز: أسس وحدود التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011

امحمد عزيز باحث بسلك الدكتوراه قانون عام، مختبر الحكامة والتنمية المستدامة جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والسياسية سطات.


الملخص:

يعتبردستور 2011 محطة حاسمة في إبراز أهمية الجماعات الترابية من خلال القوانين التنظيمية 111.14/112.14/   113.14، ولقد  جاء  هذا الدستور  في اطار وسياق خاصين سبقته مطالب شعبية كبيرة همت بالأساس الاستبداد و الفساد … على مستوى التدبير المركزي و المحلي بالخصوص ،  وتفاعلا مع هذه المطالب الشعبية دشن الملك في خطاب 09 مارس 2011 مسلسل الاصلاح الدستوري، مما مكن المغاربة من وثيقة دستورية متقدمة تضع ضمن مرتكزاتها الوحدات الترابية المحلية، تعزيزا للديمقراطية و الحكامة على الصعيد المحلي في اطار ما يعرف بالحكامة المحلية، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتعميق سياسة اللامركزية لاسيما الإصلاحات المرتبطة بالإدارة المحلية التي جاء بها الدستور الجديد.

لقد أفرد دستور2011   الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية، إذ استبدل من خلاله مصطلح الجماعات المحلية بالجماعات الترابية. وينص الفصل 135 في هذا الصدد على أن: ” الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، والجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطي”. وتتمثل البنية الجديدة للتنظيم الجهوي والترابي في تأسيسها على بعد ترابي، كرس التنظيم اللامركزي متعدد المستويات، وبوأ الجهة مكانة الصدارة وخلق آليات جديدة للتعاون والتضامن الترابي، في سبيل توحيد الجهود في المجال التنموي وهو ما كرسه الدستور الجديد.

الا ان التأطير الدستوري للامركزية الترابية بالمغرب، لا يزال يواجه بعدد من الحدود والاكراهات، التي تجعل من الصعب القول بتكريس الدستور لتوجه عميق ومهيكل للامركزية الإدارية. إن تجاوز هذه السلبيات لا يمكن أن تتم إلا من خلال اعتماد آليتين رئيسيتين:  فمــن جهــة أولــى ينبغــي أن تواصــل الدولــة فــي اعتمــاد المبــادرات الراميــة إلــى دعــم قــدرات الجماعات الترابية  فـي مجـال الحكامـة والتدبيـر المالـي، والعمـل علـى تنويـع مصـادر تمويـلها ا عبـر حلــول مبتكــرة مــن أجــل تمويــل برامجهــا الاستثمارية؛ ومــن جهــة ثانيــة، فــإن هذه الجماعات نفســها مدعــوة إلــى الانخراط فــي التنزيــل الفعلــي للمبــادئ والأهداف التـي حملتهـا المنظومـة الجديـدة للتدبيـر الميزانياتـي والمالـي باعتمـاد البرمجـة المتعـددة الســنوات التــي تســتحضر شــروط الفعاليــة والنجاعــة والجــودة.

إن الرهان اذن على البعد الترابي الجهوي في تحقيق التنمية، لا يمكن أن يتحقق بالشكل المطلوب، إلا بإعادة النظر في العمليات المرتبطة بتنظيم وتخصيص المجالات الترابية، وملاءمتها مع متطلبات التنمية.[1]

لهذا يدعو النموذج التنموي الجديد إلى إعادة تنظيم ترابي متجدد يضع المواطن في صلب السياسات العمومية، ويمكن من توزيع أنجع للخدمات العمومية لتصل إلى أصغر وحدة ترابية “الدوار”.

الكلمات المفتاحية: دستور-لامركزية ترابية -تأطير دستوري-جماعات ترابية-الجهة-العمالات والأقاليم- الجهوية المتقدمة – النموذج التنموي الجديد.


Résumé : Fondements et limites de l’encadrement constitutionnel des collectivités territoriales dans la Constitution de 2011.

La Constitution de 2011 est une étape décisive pour souligner l’importance des collectivités territoriales à travers les lois réglementaires 111.14 /112.14/113.14. Cette Constitution s’inscrivait dans un cadre et un contexte particuliers précédés de grandes revendications populaires qui concernaient principalement la tyrannie et la corruption … Au niveau de l’administration centrale et locale en particulier, et en  réponse à ces revendications populaires, le Roi a inauguré dans son discours du 9 mars 2011, le processus de réforme constitutionnelle, qui a permis aux Marocains de disposer d’un document constitutionnel avancé qui place parmi ses piliers les unités territoriales locales, afin de renforcer la démocratie et la gouvernance au niveau local dans le cadre de ce que l’on appelle la gouvernance locale, qui est étroitement liée à l’approfondissement de la politique de décentralisation, en particulier les réformes liées à l’administration locale introduites par la nouvelle constitution.

La Constitution de 2011 a consacré le titre IX pour les régions et les ccollectivités territoriales, remplaçant le terme collectivités locales par des collectivités territoriales.  L’article 135 dispose à cet égard que : « Les collectivités territoriales du Royaume sont les régions, les préfectures, les provinces et les communes. Elles constituent des personnes morales de droit public et gèrent démocratiquement leurs affaires. Les Conseils des régions et des communes sont élus au suffrage universel direct.  Toute autre collectivité territoriale est créée par la loi, le cas échéant, en substitution d’une ou plusieurs collectivités mentionnées à l’alinéa premier. »   La nouvelle structure de l’organisation régionale et territoriale est représentée dans sa mise en place sur une dimension territoriale, qui a consacré l’organisation décentralisée à plusieurs niveaux, et la région a assumé une position de leader et créé de nouveaux mécanismes de coopération et de solidarité territoriale, afin d’unir les efforts dans le domaine du développement, qui est inscrit dans la nouvelle constitution.

Toutefois, il est à signaler que l’encadrement constitutionnel de la décentralisation territoriale au Maroc continue d’être confronté à un certain nombre de limites et de contraintes, ce qui rend difficile de dire que la constitution est inscrite dans une orientation profonde et structurée vers la décentralisation administrative. Surmonter ces points négatifs ne peut être réalisé que par l’adoption de deux mécanismes principaux : D’une part, l’État devrait continuer à adopter des initiatives visant à renforcer les capacités des collectivités territoriales dans le domaine de la gouvernance et de la gestion financière, et devrait diversifier leurs sources de financement par des solutions novatrices afin de financer leurs programmes d’investissement; Efficacité, efficience et qualité.

Parier donc sur la dimension territoriale du développement ne peut être réalisé qu’en examinant les processus associés à l’organisation et à l’attribution des zones territoriales et leur compatibilité avec les exigences du développement.

C’est pourquoi le nouveau modèle de développement appelle à une réorganisation territoriale renouvelée qui place le citoyen au cœur des politiques publiques et permette une répartition plus efficace des services publics pour atteindre la plus petite unité territoriale « le Douar  ».

Mots clés : constitution-décentralisation territoriale – l’encadrement constitutionnel -collectivités territoriales-région- les préfectures et les provinces – Régionalisation avancée – le nouveau modèle de développement.


مقدمـــــة:

أمام التحولات الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ميزت السنوات الأخيرة وأمام حجم التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها المغرب، وجدت الدولة نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة جهودها في مجال التنمية وتطوير التجهيزات الأساسية 1 بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة وهي تشجيع وتقوية الإدارة المحلية بشقيها المعينة في إطار اللاتمركز والمنتخبة في إطار اللامركزية، فلتحقيق التنمية الشمولية المستدامة والمنشودة أصبحت المراهنة أكثر من أي وقت مضى على المستوى الترابي، أو ما يسمى بالمقاربة الترابية في التنمية، بعد أن أثبتت المقاربة المركزية فشلها وعدم قدرتها على تحقيق متطلبات التنمية الحقيقية. وفي هذا السياق فإن الدولة المغربية  وجدت نفسها مدعوة للقيام بمجموعة من الإصلاحات المحلية وسن العديد من الاستراتيجيات على جميع الأصعدة والمستويات الإدارية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية.ذلك باتباع سياسة عمومية محلية متماسكة وشاملة قوامها اللامركزية الحقيقية واللاتمركز الفعال، وفي هذا الصدد برز دستور 2011 كمحطة حاسمة في إبراز أهمية الجماعات الترابية من خلال القوانين التنظيمية 111.14/112.14/   113.14، ولقد  جاء  هذا الدستور  في اطار وسياق خاصين سبقته مطالب شعبية كبيرة همت بالأساس ….الاستبداد و الفساد” على المستوى التدبير المركزي و المحلي بالخصوص ،  وتفاعلا مع هذه المطالب الشعبية دشن الملك في خطاب 09 مارس 2011 مسلسل الاصلاح الدستوري، مما مكن المغاربة من وثيقة دستورية متقدمة تضع ضمن مرتكزاتها الوحدات الترابية المحلية، تعزيزا للديمقراطية و الحكامة على الصعيد المحلي ذلك أن التحديات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية، المطروحة محليا تجعل الهيئات المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي تولي أهمية بالغة لتجويد تدبيرها لصلاحياتها المحلية في اطار ما يعرف بالحكامة المحلية، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتعميق سياسة اللامركزية لاسيما الإصلاحات المرتبطة بالإدارة المحلية التي جاء بها الدستور الجديد.

عرف المغرب خلال مراحله التاريخية محطات هامة، في مجال السعي نحو ترسيخ قيم الديمقراطية ومحاولة تدعيم أسس دولة الحق والقانون من أجل تجسيد ذلك عملت السلطات العمومية على اصدار ترسانة قانونية واسعة، دساتير -مواثيق -قوانين … واحداث هياكل ومؤسسات حديثة واتخاذ اجراءات مواكبة تحاول تقوية دور المؤسسات التمثيلية وتصنيعها وحوكمتها. ويعتبر التنظيم اللامركزي الترابي وما شهده من تحولات وتطورات متلاحقة من أبرز حلقات المسلسل الديمقراطي المغربي، الذي يسعى الى تعزيز الديمقراطية المحلية وتقريب سلطة القرار من المواطنين وتمكينهم من المشاركة في التدبير العمومي المحلي.[2]

ولتحقيق ذلك جاء دستور   2011 ولأول مرة بمجموعة من المبادئ الضامنة لهذا المسعى، والانتقال بتجربة اللامركزية أو بالأحرى الجهوية المتقدمة التي هي مدخل أي إصلاح وجعلها تتبوأ مركز الصدارة ضمن الجماعات الترابية الأخرى كقاطرة للتنمية الشاملة، ويأتي على رأس هذه المبادئ مبدأ التفريع الذي نص َّ عليه في الفصل142  من دستور2011 فهو مبدأ يعمل على تأطير وضبط اختصاصات الجماعات الترابية سواء في علاقتها فيما بينها أو حتى في علاقاتها مع الدولة ،فهو مبدأ حديث ومتبع في كل الأنظمة اللامركزية سواء بالنسبة للامركزية الإدارية أو اللامركزية السياسية لذلك يعتبر وعي المشرع بإشكالية الاختصاصات وتفريده مبدأ التفريع كأساس للتوزيع الاختصاصات أهم المستجدات التي اعترفت للجماعات الترابية بالأدوار التنموية التي يمكن أن تقوم بها..

وتشكل الجماعات الترابية أهم تجسيد لأسلوب أو نظام اللامركزية الإدارية الترابية، وإذا كان الأمر كذلك فماهي اذن أسس التأطير الدستوري للجماعات الترابية من خلال دستور 2011؟ وما هي حدود هذا التأطير؟.

ولتفكيك عناصر هذه الإشكالية، فان الأمر يتطلب طرح مجموعة من التساؤلات الفرعية والتي تشكل الإجابة عنها مدخلا ضروريا للإحاطة بالجوانب المختلفة للموضوع من قبيل:

  • ترى ما هو مفهوم الجماعات الترابية؟
  • ما هو التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011؟
  • ما هي اسس التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011؟
  • ما هي حدود وافاق التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011؟

 للإجابة عن هذه الأسئلة، وحتى يتسنى لنا دراسة أسس وحدود التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011    بالمغرب، فقد ارتأينا أن نقسم الموضوع إلى مبحثين، نتطرق في المبحث الأول إلى السياق المرجعي واسس التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011، على أن نعالج في المبحث الثاني حدود وافاق التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011.

المبحث الأول: السياق المرجعي واسس التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011.

 المطلب الأول: السياق المرجعي لصدور القانون التنظيمي للجماعات الترابية. 

 الفقرة الأولى: الفقرة الأولى: على المستوى الخطاب السياسي.

لقد أخد نظام اللامركزية الإدارية الترابية حيزا هاما من اهتمام المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية خاصة بالنسبة للمؤسسة الملكية [3] بحكم مكانتها ومركزها في النظام السياسي المغربي، فإنها  ما فتئت تدعو إلى تغيير قوانين الإدارة المحلية باستمرار، من أجل تصور مجالي توافقي لمواجهة الرهانات والتحديات، حيث قال الملك في إحدى خطاباته ” كل ذلك في اطاراستحضار واع لما دعونا إليه من تغيير في قوانين اللامركزية واللاتمركز وفق مفهوم جديد يجعل من السياسة التعاقدية أداة أساسية لبلورة تصور مجالي توافقي لمواجهة رهانات غالبا ما تكون متناقضة ملحين في هذا الصدد على وجوب التفعيل التام لدور الجهة مؤسسة وإطارا في تحديد استراتيجية ناجعة لإعداد التراب الوطني لان نجاح أي مشروع للتنمية الترابية والاقتصادية والاجتماعية رهين بتبني البعد الجهوي. ذلكم البعد الذي يتوقف بدوره – لامركزيا – على تدعيم الامكانيات الذاتية للجهة – ولا تمركزيا – على توفرها على مسؤولين جهويين أكفاء. ” [4] كما يؤكد على ضرورة الإسراع بترسيخ اللامركزية واللا تمركز في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقلانية التقطيع، ونجاعة وشفافية وسلامة التدبير.

وإذا كان الملك محمد السادس من خلال الأفكار الواردة في خطاباته الأولى، بعد تولي قيادة البلاد في 31 يوليوز 1999 يبدو مقتنعا ومتشبثا أن التنمية المستدامة والشاملة هدف أسمى في البلاد، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال النهوض بمستوى الحكامة الترابية، فإن هذا الاقتناع سيزداد بالتدريج والتراكم مع كل مرحلة إلا أن يتم الإعلان عن الجهوية المتقدمة، كورش جديد بنفس مستجد ومفتوح للحكامة الترابية. ولقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء، في هذا الإطار منعطفا تاريخيا ومهما في المغرب، ونقطة حاسمة لانطلاق العمل في إطار مشروع الجهوية الموسعة. حيث أكد الملك محمد السادس عزمه على توطيد الجهوية المتقدمة بمنظور جديد للتنمية المتوازنة، يختزلها في مجرد. ولقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء، في هذا الإطار منعطفا تاريخيا ومهما في المغرب، ونقطة حاسمة لانطلاق العمل في إطار مشروع الجهوية الموسعة. حيث أكد الملك محمد السادس عزمه على توطيد الجهوية المتقدمة بمنظور جديد للتنمية المتوازنة، يختزلها في مجرد أهداف وأبعاد إدارية ومؤسساتية وثقافية فقط بل يعتبر إصلاحا هيكليا عميقا يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه وفضاء خصبا للتنمية الشاملة والمتواصلة بالجهة ومن أجلها[5]. وفي هذا الإطار، فقد جاء في الخطاب الملكي ليوم 3 يناير 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية ” نتولى اليوم، تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية. وهي لحظة قوية، نعتبرها انطلاقة لورش هيكلي كبير نريده تحولا نوعيا في أنماط الحكامة، كما نتوخى أن يكون انبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسسي العميق[6].

الفقرة الثانية: على مستوى المقتضيات القانونية.

لقد عرف دور الجماعات في منظومة التدبير العمومي المغربي نموا قانونيا ملموسا، وتطورا تدريجيا فمع كل نص قانوني جديد يصدر لتنظيم الجماعات، يتطور دورها التنموي ويتعاظم وإذا كانت هناك في كل مرحلة من المراحل ومع كل نص قانوني لتنظيم تلك الجماعات، ملاحظات وعيوب وانتقادات موجهة إلى المقتضيات القانونية التي تتضمنها، مقارنة مع ما هو رائج على المستوى الخطابي. فإنه على الرغم من ذلك نجد أن تلك النصوص القانونية حاولت إرساء أدوار تنموية مهمة للجماعات الترابية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. إنها بمجرد الحصول على الاستقلال، عمل المغرب على تشييد دولة جديدة تقوم على أساس بناء مؤسسات عصرية تساهم في خدمة المواطن.

ولتحقيق ذلك، بادر إلى إصدار أول نص قانوني ينظم الجماعات الحضرية والقروية، ويتعلق الأمر بظهير 23 يونيو 1960 الذي أعطى للجماعات الشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وقد شكل هذا القانون اللبنة الأولى للتنظيم الإداري اللا مركزي بعد الاستقلال. وبعده صدر دستور 14 دجنبر 1962 الذي نص على أن ” الجماعات المحلية هي العمالات والأقاليم والجماعات، ويكون إحداثها بقانون”. ولعل أهم ما كان يميز التنظيم الجماعي في تلك المرحلة هو طابعها التسييري فقط. أما الطابع التنموي فقد كان ضعيفا. وجاء ظهير 30 شتنبر 1976ليتجاوز بعضا الاختلافات والإشكالات المسجلة في السابق حيث عمل على توسيع المهام التنموية والصلاحيات التي أنيطت بالمجلس الجماعي ومنحه اختصاصات وصلاحيات واسعة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تم تخويل رئيسا لمجلس الجزء الأكبر من الاختصاصات التي كانت بيد السلطة المحلية (5) وبعد سنوات من التطبيق، تم توجيه عدة انتقادات لهذه التجربة لاسيما وأن الأمر يتعلق بنص قانوني عمر أزيد من ربع قرن من الزمن فكانت المشاكل متعددة الاختلالات كثيرة أبرزها غموض المقتضيات القانونية. فتم إصدار قانون جديد لعله يتجاوز ويصلح ما أفسد السابق وهو قانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي حيث جاء بعدة مستجدات على المستوى الاختصاصات والرقابة وعلاقات الشراكة والتعاقد مع الدولة ومؤسستها وقواعد التسيير والتدبير والحكامة عموما.

لقد أفرد دستور2011   الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية، إذ استبدل من خلاله مصطلح الجماعات المحلية بالجماعات الترابية. وينص الفصل 135 في هذا الصدد على أن: “الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، والجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطي”. وتتمثل البنية الجديدة للتنظيم الجهوي والترابي في تأسيسها على بعد ترابي، كرس التنظيم اللامركزي متعدد المستويات، وبوأ الجهة مكانة الصدارة وخلق آليات جديدة للتعاون والتضامن الترابي، في سبيل توحيد الجهود في المجال التنموي وهو ما كرسه الدستور الجديد عندما اختار تبني توجه إصلاحي يرتكز على المحاور التالية:

تسمية وتعريف جديد للجهات والجماعات المحلية ببعد ترابي، حيث تم استبدال التسمية القديمة للجماعات المحلية بتسمية جديدة هي الجهات والجماعات الترابية[7] ، فإدخال البعد الترابي أصبحت تستدعيه التطورات الموضوعية لزمن العولمة][8]؛أي أنه سيجعل من التراب ليس فقط مجالا للإعداد والتنظيم، بل سيحوله إلى أحد المداخل الجديدة للسياسات العمومية الناجعة، ومحددا مرجعيا وفاعلا في شروط التنمية المجتمعية المأمولة. كما عمل الدستور الجديد على تكريس تعدد المستويات الترابية، حين نص في فصله 135 على أن الجماعات الترابية للملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، ذات الشخصية الاعتبارية والخاضعة للقانون العام، والتي تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية، غير أنه لم يشر إلى مسألة الاستقلال المالي لهذه الوحدات الترابية، كما لم يميز بين الجماعات الحضرية والقروية.

إن إنشاء هذه الوحدات، إذن، يمثل أحسن توزيع للعمل، وأحسن وسيلة لتنمية إدارة مسؤولة تعمل جاهدة على تحويل الجماعة الترابية من مجرد أداة إدارية متعطلة إلى آلية لتحريك المجال ومسايرة تطوره، وتعي ثقل التحديات التي تواجهها وستواجهها في تلبية حاجيات الساكنة.

مع إقرار دستور 2011 في بابه التاسع والذي سيؤسس المرجعية الدستورية للجماعات الترابية 111.14 و112.14 و113.14 والمتعلقة بكل من الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات[9].

وتعتبر الجماعات الترابية حسب دستور 2011 هي: الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات وكل جماعة أخرى تحث بقانون” وهي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.

المطلب الثاني: تأطير قانوني متقدم للجماعات الترابية والجهات.

لقــد حظــى المشــرع الجماعــات الترابيــة والجهــات بتأطيــر قانونــي متقــدم، ســواء مــن الناحيــة الدســتورية أو مــن الناحيــة التشــريعية، حيــث خصهــا المشــرع الدســتوري بوضعيــة جــد متميــزة ومتقدمـة، وكذلـك عمـل المشـرع العـادي جاهـدا علـى تحديـث المنظومـة القانونيـة والتنظيميـة وجعلها تتلاءم مــع المقتضيــات الدســتورية مــن أجــل النهــوض بــورش اللامركزية.

ولقد أعطى الدستور المغربي أهمية خاصة لمسألة اللامركزية كأساس للتنظيم الجديد للدولة، وباعتباره عنصر ضروري لإصلاحها. فحسب الفصل الأول فإن ” التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة “. ثم بعد ذلك فالوثيقة الدستورية تضع الأسس الدستورية المتعلقة بتصور جديد لمسألة اللامركزية، وعليه   فقد ارتأينا أن نقسم هذا المطلب إلى فقرتين اساسيتين، نتطرق في (الفقرة الأولى )إلى التأطير الدستوري المتطور للجماعات الترابية على أن نعالج في (الفقرة الثانية)   التأطير التشريعي المتقدم للجهات منــذ صــدور دســتور 2011.

الفقرة الاولى: التأطير الدستوري المتطور للجماعات الترابية.

خصــص الدســتور البــاب التاســع بأكملــه للجهــات والجماعــات الترابيــة الأخرى يتضمــن هذا الباب  12 ُ فصــلا،  ُ أقــرت مجموعــة مــن القواعــد التي تعــد الأساس الــذي بنيــت عليــه مختلــف النصــوص التشـريعية والتنظيميـة اللازمة لإقامة صـرح التنظيـم الإداري اللامركزي بالبلاد،  وحدد ت هذه الفصول ( من الفصل 135 إلى الفصل 146) ، علاوة على فصول أخرى لا تندرج في هذا الباب تناولت هي الأخرى بعض الجوانب المتعلقة بموضوع اللامركزية الإدارية، مثل التأكيد على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي (الفصل 1)  ، يقوم على الجهوية المتقدمة. ويرتكز على عدد من المبادئ تتعلق بالتدبير الحر والتعاون والتضامن، وتأمين مشاركة المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، بكل ما لهذه المبادئ من دلالات فقهية ودستورية تتعلق بإعطاء الجماعات الترابية مزيدا من الحصانة والاستقلالية التي تسمح لها بالقيام بأدوارها في مجال التنمية المجالية وتعزيز اللامركزية الترابية،  و كذا تمكين المواطنين من حق الحصول على المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام (الفصل 27)، وتعبئة الجماعات الترابية ، إلى جانب الدولة والمؤسسات العمومية  لكل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من بعض الحقوق، مثل الحق في الصحة والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والحصول على تعليم عصري…( الفصل 31 ) وتمثيل الجماعات الترابية في إطار مجلس المستشارين (الفصل 63 ) وإدراج نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية، ونظامها الانتخابي ومبادئ تقطيع دوائرها الانتخابية (الفصل 71) وإيداع مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية بالأسبقية لدى مجلس المستشارين ( الفصل 78 ) ، وتصويت مجلس النواب النهائي بالأغلبية المطلقة أعضائه الحاضرين  على مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية والتنمية الجهوية (الفصل 84) ومصادقة مجلس النواب النهائية على مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية بأغلبية أعضائه (الفصل 85) ، فضلا عن تخويل المجالس الجهوية للحسابات مهمة مراقبة حساب الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها، وكيفية قياسها بتدبير شؤونها ((الفصل 149) ،

  • تحديـد ثلاث مسـتويات للجماعـات الترابية، وهـي الجهات، العمالات والأقاليم، والجماعات  )الفصل 135)؛   مع   إعادة تدقيق مجال اختصاص الأنواع الثلاثة للجماعات الترابية، عبر تحديد وتمييز مجالات اختصاص كل واحدة منها، والنص الدستوري على عدم جواز ممارسة أية جماعة ترابية للوصاية على جماعة ترابية أخرى، مع التأكيد في نفس الوقت على إعطاء دور أكبر للجهة، يسمح لها بأن تتبوأ، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية إعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية .
  • مسـاهمة الجهـات والجماعـات الترابيـة الأخرى فـي تفعيـل السياسـة العامـة للدولـة، وفـي إعـداد السياسـات الترابيـة، مـن خـال ممثليهـا فـي مجلـس المستشـارين (الفصـل 137)؛
  • قيــام رؤســاء مجالــس الجهــات، ورؤســاء مجالــس الجماعــات الترابيــة الأخرى، بتنفيــذ مداولات هــذه المجالــس ومقرراتهــا (الفصــل 138)؛
  • وضــع آليــات تشــاركية للحــوار والتشــاور، لتيســير مســاهمة المواطنــات والمواطنيــن والجمعيــات فــي إعــداد برامــج التنميــة وتتبعهــا، وإمكانيــة تقديــم المواطنيــن والجمعيــات للعرائــض، الهــدف منهــا مطالبــة المجلــس بــإدراج نقطــة تدخــل فــي اختصاصــه ضمــن جــدول أعمالــه) الفصــل 139)؛
  • اعتمــاد مبــدأ التفريــع فــي تحديــد اختصاصــات الجماعــات الترابيــة فــي ثلاثــة أنــواع: اختصاصـات ذاتيـة، اختصاصـات مشـتركة مـع الدولـة، واختصاصـات منقولـة إليهـا مـن هــذه الأخيرة (الفصــل 140)؛
  • التوفر على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة (الفصل 141)؛
  • التأكيد على أهمية دعم الدولة الجماعات الترابية، سواء من خلال رصد موارد مالية لها، أو من خلال ضرورة اقتران كل اختصاص تنقله الدولة إليها بتحويل الموارد المالية المطابقة،[10] وكذلك من خلال إحداث لفائدة الجهات صندوق التأهيل الاجتماعي يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، فضلا عن صندوق التضامن بين الجهات، يهدف إلى التوزيع المتكافئ للموارد قصد التقليص من التفاوتات بينها.
  • إحـداث صناديـق مؤقتـة لفائـدة الجهـات مـن أجـل سـد العجـز فـي مجالات التنميـة البشـرية والبنيـات التحتيـة الأساسية والتجهيـزات (صنـدوق التأهيـل الاجتماعي)، وبهـدف التوزيـع المتكافـئ للمـوارد قصـد التقليـص مـن التفاوتـات بينهـا (صنـدوق التضامـن بيـن الجهـات) (الفصـل 142)؛
  • تبـوأ الجهـة، تحـت إشـراف رئيـس مجلسـها، مكانـة الصـدارة بالنسـبة للجماعـات الترابيـة الأخرى، فـي عمليـات إعـداد وتتبـع برامـج التنميـة الجهويـة، والتصاميـم الجهويـة لإعداد التـراب، فـي نطـاق احتـرام الاختصاصات الذاتيـة لهـذه الجماعـات الترابيـة (الفصـل 143)؛
  • إعطاء دور أكبر للقضاء في الرقابة على سير أعمال مجالس الجماعات الترابية، على حساب السلطات الإدارية، بحيث كرست القوانين التنظيمية المنبثقة عن الدستور سلطة القضاء الإداري في حل المجالس المذكورة، وعزل أعضاءها والتصريح ببطان مداولاتها ووقف تنفيذ مقرراتها المشوية بعيوب قانونية، وكذا البث في بعض النزاعات التي قد تثور بين ممثلي الوالة والعمال والمجالس المنتخبة.

لكـن الدسـتور لا يمكـن أن يتحمـل مسـألة وضـع كل التفاصيـل، فقـد أحـال إلـى مجـال القوانيـن التنظيميـة صلاحيـة تدقيـق وتوسـيع العديـد من المجالات، من قبيل شـروط تدبير الجهـات والجماعات الترابيـة الأخرى لشـؤونها بكيفيـة ديمقراطيـة، وعـدد أعضـاء مجالسـها، والقواعـد المتعلقـة بأهليـة الترشـيح، وحالات التنافـي، وحالات منـع الجمـع بيـن الانتدابات، وكـذا النظـام الانتخابي، وأحـكام تحسـين تمثيليـة النسـاء داخـل المجالـس المذكـورة؛ وشـروط تنفيـذ رؤسـاء مجالـس الجهـات ورؤسـاء مجالـس الجماعـات الترابيـة الأخرى لمداولات هـذه المجالـس؛ النظـام المالـي، إلـى غيـر ذلـك ممـا هـو محـدد فـي الفصـل 146 مـن الدسـتور. وإضافــة لذلــك، فــإن الدســتور نــص علــى ضــرورة وضــع ميثــاق للمرافــق العموميــة بتحديــد قواعـد الحكامـة الجيـدة المتعلقـة بتسـيير الإدارات العموميـة والجهـات والجماعـات الترابيـة الأخرى والأجهزة العموميــة (الفصــل 157).

الفقرة الثانية: التأطير التشريعي المتقدم للجهات:

منــذ صــدور دســتور 2011، انكبــت الســلطة التشــريعية علــى تحديــث المنظومــة القانونيــة والتنظيميــة اللازمة للنهــوض بــورش اللامركزية الترابيــة. وقــد أســفر ذلــك العمــل عــن تجديــد النصـوص المتعلقـة بمختلـف مسـتويات اللامركزية وفـق أسـلوب قائـم علـى احتـرام المبـادئ الـواردة بالدســتور. وقــد كان مــن بيــن المســتجدات جعــل النصــوص المؤطــرة لللامركزية تصــدر بقانــون تنظيمـي وليـس بقانـون عـادي، وهـي مسـألة ذات أهميـة خاصـة لأنـه يلـزم عرضهـا وجوبـا علـى المحكمـة الدسـتورية للبـت فـي مـدى مطابقتهـا مـع النـص الدسـتوري بعـد التصويـت عليهـا وقبـل إصـدار الأمر بتنفيذهـا. وإذا كان مـن غيـر الممكـن معالجـة كل النصـوص التشـريعية مجتمعـة هنـا، فإننــا ســنأخذ النــص المتعلــق بالجهويــة المتقدمــة كنمــوذج.

إن صــدور ظهيــر 7 يوليــو 2015 بتنفيــذ القانــون التنظيمــي رقــم:  14-111 :  المتعلــق بالجهــات، كان فرصــة لترســيخ الجهــة كجماعــة ترابيــة خاضعــة للقانــون العــام، تتمتــع بالشــخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالـي، وتشـكل أحـد مسـتويات التنظيـم الترابـي للمملكـة، باعتبـاره تنظيمـا ال مركزيـا يقـوم علـى الجهويـة المتقدمـة، ويرتكـز فـي تدبيـر الجهة لشـؤونها على مبـدأ التدبير الحـر الذي يخـول بمقتضـاه لـكل جهـة سـلطة التـداول بكيفيـة ديمقراطيـة، وسـلطة تنفيـذ مداولاتها ومقرراتهـا، كما يرتكـز أيضـا علـى مبـدأي التعـاون والتضامـن بيـن الجهـات، وبينهـا وبين الجماعـات الترابيـة الأخرى. ومـن أجـل ترسـيخ المكانـة المتميـزة التـي منحهـا الدسـتور للجهـة، فـإن القانـون التنظيمـي خولهـا مكانـة الصـدارة بالنسـبة للجماعـات الترابيـة الأخرى فـي عمليـات إعـداد برامـج التنميـة الجهويـة والتصاميــم الجهويــة لإعداد التــراب وتنفيذهــا وتتبعهــا، كمــا أن اعتمــاد مبــدأ التفريــع فــي تحديــد صالحيــات الجهــة، تــم التمييــز بيــن الاختصاصات الذاتيــة مــن جهــة، والاختصاصات المشــتركة بينهـا وبيـن الدولـة مـن جهـة ثانيـة، والاختصاصات المنقولـة إليهـا مـن قبـل الدولـة مـن جهـة ثالثـة.

مقال قد يهمك :   غالي خليل: الإكراهات السياسية والاقتصادية للاندماج المغاربي

واســتنادا الــى ذلــك، فــإن اختصاصــات الجهــة قــد توســعت بشــكل كبيــر إذ أصبحــت تناط بهـا مهـام النهـوض بالتنميـة المندمجـة والمسـتدامة وذلـك بتنظيمهـا وتنسـيقها وتتبعهـا، وقـد ترتـب عـن ذلـك اختصاصـات يمكـن إجمالهـا فـي اختصاصـات ذاتيـة تتمثـل أساسـا فـي التنميـة الجهويـة وإعـداد التـراب بمـا يجعـل مـن الجهـة المحـرك الأساسي للنشـاط الاقتصادي بالبـلاد، إلـى جانـب اختصاصـات مشـتركة بينهـا وبيـن الدولـة فـي مجالات تهـم التنميـة الاقتصادية، التنميـة القرويـة، التنميــة الاجتماعية، البيئــة، ُ الثقافــة والســياحة، واختصاصــات يمكــن أن تنقلهــا إليهــا الدولــة فــي مجالات هامــة مــن قبيــل التجهيــزات والبنيــات التحتيــة ذات البعــد الجهــوي، الصناعــة، الصحــة، [11] ،إلــى غيــر ذلــك مــن المجالات الحيويــة: التجــارة، التعليــم وأخيـرا، فإنـه ينبغـي الإشارة إلـى أن المشـرع قـد فتـح آفاقـا جديـدة للعمـل مـن خـال اعتمـاد آليـات كثيـرة للحـوار والتشـاور بيـن الجهـة ومحيطهـا وذلـك لتيسـير مسـاهمة المواطنـات والمواطنين ،بواسـطة ثلاث هيئـات استشـارية تعمـل بشـراكة والجمعيـات فـي إعـداد برامـج التنميـة وتتبعهـا مـع فعاليـات المجتمـع المدنـي بخصـوص القضايـا الجهويـة المتعلقـة بتفعيـل مبـادئ المسـاواة وتكافـؤ الفـرص ومقاربـة النـوع، وأخـرى تهـم القضايـا المتعلقـة باهتمامـات الشـباب، وثالثـة بشـراكة مـع الفاعليــن الاقتصاديين بالجهــة تهتــم بدراســة القضايــا الجهويــة ذات الطابــع الاقتصادي، مــع منــح المواطنـات والمواطنيـن والجمعيـات صالحيـة تقديـم عرائـض يكـون الهـدف منهـا مطالبـة المجلـس بـإدراج نقطـة تدخـل فـي صلاحياته ضمـن جـدول أعمالـه.

المبحث الثاني: حدود وافاق التأطير الدستوري للجماعات الترابية في دستور 2011.

اذا  كان يصعب تجاهل أهمية المستجدات التي حملها دستور 2011 والتي توقفنا عندها سابقا، وما تجسده من تحول من جانب المشرع الدستوري في تصوره للمكانة  المعيارية للتنظيم اللامركزي وللجماعات الترابية، وإدراكه لحاجة هذا التنظيم إلى ضمانات دستورية، وليست فقط تشريعية، تؤمن للمؤسسات التي تجسده الثبات والاستقرار، مع ذلك فإن التأطير الدستوري للامركزية الترابية، لا يزال يواجه بعدد من الحدود و الاكراهات ، التي تجعل من الصعب القول بتكريس الدستور لتوجه عميق و مهيكل للامركزية الإدارية، نرصد ذلك اذن من خلال مطلبين نتطرق في (المطلب الأول )  إلى   اهم حدود واكراهات التأطير الدستوري للجماعات الترابية على أن نعالج  في ( المطلب الثاني ): آفاق التأطير الدستوري للجماعات الترابية في الدستور المغربي.

المطلب الاول: اهم حدود واكراهات التأطير الدستوري للجماعات الترابية.

لا يزال التأطير الدستوري للامركزية الترابية بالمغرب، يواجه بعدد من الحدود و الاكراهات، التي تجعل من الصعب القول بتكريس الدستور لتوجه عميق و مهيكل للامركزية الإدارية، و لرصد ذلك اذن فقد ارتأينا أن نقسم هذا المطلب إلى فقرتين اساسيتين، سنتطرق في) الفقرة الأولى (إلى حدود التنزيل القانوني لمبدأ التدبير الحر على أن نعالج في(الفقرة الثانية)   مسالة تعثر ورش اللامركزية نتيجة تعثر سياسة اللاتمركز الإداري و صعوبة ممارسة صلاحيات الهيئات اللامركزية.

الفقرة الاولى: حدود التنزيل القانوني لمبدأ التدبير الحر.

يعتبر الاعتراف الدستوري بمبدأ التدبير الحر قفزة نوعية في مسار تعزيز الاستقلال العضوي والوظيفي للجماعات الترابية والارتقاء بأدوارها من مجرد التسيير الإداري إلى تدبير التنمية غير أن التنزيل القانوني للمبدأ لم يكن في المستوى المطلوب بحصره في بعض الأخلاقيات المرتبطة بمنظومة الحكامة دون إقرار تدابير إلزامية تحميه من تدخل الإدارة في ظل استمرار بعض مظاهر الرقابة القبلية تحت مسميات المساعدة والمواكبة.

ومن أجل تفادي هذا الانزلاق يُعوَّ ل على القضاء في صيانة هذا المبدأ وتوسيع تطبيقاته، من خلال تأطير منازعات الدولة مع الهيئات اللامركزية على غرار التجربة الفرنسية، من خلال الدور الرائد للمجلس الدستوري الذي ساهم في حماية حرية المجالس المنتخبة باستحضار روح الدستور.

وعلى الرغم من التأصيل الدستوري للتدبير الحر واعتباره كمبدأ مهم في الإدارة الترابية واللامركزية[12]، وإحاطته ببعض الشروط المرتبطة بتعزيز الديموقراطية التمثيلية على المستوى المحلي، فإن هذا الاعتراف لم يُصاحَب بالضمانات اللازمة في ظل وجود تقييدات تحد من إسهامه في تقوية الاستقلال الإداري والمالي للجماعات الترابية.

ونشير بهذا الخصوص إلى الحدود الموضوعية التي يمكن تقبلها انسجاما مع طبيعة التنظيم الإداري المغربي ومع مضمون اللامركزية الإدارية، التي تعني منح بعض الاختصاصات تحت مراقبة السلطة المركزية وليس تقرير الحُكم المستقل، وهذا المعنى يشمل في حد ذاته قيدا على مبدأ التدبير الحر ،لأن الأمر لا يتعلق بتقرير سلطة الحكم المحلي لفائدة الوحدات الترابية، بل يعني ببساطة تمتيعها بهامش من الحرية في تدبير شؤونها المحلية في احترام تام للقوانين والمساطر الجارية، أي أن التدبير الحر يسري فقط على الصلاحيات الإدارية ولا يشمل باقي الاختصاصات التشريعية والسيادية التي تظل مجال محفوظا للدولة[13] .وحتى بالنسبة للنموذج الفرنسي فقد أقر القضاء الدستوري والإداري هذا التصور، بالتأكيد على أن مبدأ التدبير الحر يضمن للجماعات الترابية استقلالا إداريا كبيرا لكنه لا يخول لها الحكم من موقع نِّدّ يٍ أو منافس للدولة أو مُواز لها، كما اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي أنه إذا كانت الجماعات الترابية تتمتع بحق إدارة شؤونها بحرية، فيجب أن يتم ذلك في ضوء الشروط المحددة من طرف القانون.

إن دور التدبير الحر في تكريس الاستقلال المؤسساتي للهيئات اللامركزية لا يعني أبدا تمتيعها بحرية التنظيم التي هي من اختصاص المشرع[14]، وبتعبير بعض الفقهاء الفرنسيين فهو يعني حرية التدبير وليس التدبير المتحرر من الدولة، ولذلك فعلى الجماعات الترابية ألا تحتمي بمبدأ التدبير الحر لتبرير تصرفاتها غير المشروعة أو لإقرار نوع من التنظيم الذاتي، فالمشرع وحده صاحب الاختصاص في وضع الأطر القانونية والتنظيمية التي تحدد مجال وآليات عمل البنيات المحلية انسجاما مع مبدأ الشرعية. وإضافة إلى مبدأ الشرعية يشكل مبدأ الوحدة قيدا أساسيا على التدبير الحر، حيث ربط الدستور بشكل جدلي بين مبدأ السيادة ووحدة الدولة وبين اللامركزية الترابية[15]، ففي إطار الدولة الموحدة لا تتمتع الجماعات الترابية بحرية مطلقة، فهي تخضع لرقابة الدولة، والتي هي مقابل منطقي للامركزية، وضابط من الضوابط المؤطرة لمبدأ التدبير الحر، فهي تهدف إلى تحقيق التوازن بين امتيازات الدولة والحريات المحلية والتوفيق بين المصالح الوطنية والمصالح المحلية[16]. ويعني هذا التأطير الموضوعي غياب أية إمكانية لوضع قواعد معيارية، فلا مبدأ التدبير الحر ولا التفريع يسمح بوجود سلطة تشريعية محلية، تتدخل في مجال الإدارة المحلية عن طريق تحديد معايير أو تدقيق شروط تطبيق قانون[17]، فهي سلطة تابعة ومشتقة ولا تعني أبدا سلطة تنظيمية أصلية تُؤهل الجماعات الترابية  لأن تسن قواعد تأسيسية قد تهم مجالا لم يحدده المشرع، أو سلطة من شأنها تأسيس مجال لتنظيم محلي مواز لمجال القانون. [18]إن الجماعات الترابية تُسيّر شؤونها بكيفية ديموقراطية على أساس مبدأ التدبير الحر، في إطار القوانين التي تصدر عن البرلمان والقرارات التنظيمية لتنفيذها من قبل رئيس الحكومة، وعليه فلا يمكن إذن للسلطة التنظيمية المحلية أن تحل محل السلطة التنظيمية المركزية في ميدان تنفيذ القوانين، مما يعني أن الجماعات الترابية ستمارس سلطة تنظيمية فرعية، داخل حدودها الترابية وفي النطاق الذي تحدده السلطة التشريعية، وهو الأمر الذي يعني أنها تتسع وتضيق حسب تحديد المشرع لها[19].

وإذا كانت هذه القيود العامة ذات طابع موضوعي لكونها تنسجم مع طبيعة النظام اللامركزي ضمن دولة موحدة، فثمة تقييدات خاصة تتنافى مع مضمون التدبير الحر والرهانات المتوخاة منه، كاستمرار بعض أشكال الوصاية الإدارية التي تتفاوت بين استمرار بعض مظاهر رقابة الملاءمة وتكريس التأشير المسبق على القرارات المالية وبين تعزيز أدوار المواكبة والمساعدة، إلى جانب ضعف تأطير السلطة التنظيمية المحلية.

إن التنزيل القانوني للتدبير الحر لم يكن في مستوى الإقرار الدستوري، فماورد بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية يُظهر أن المشرع لم يستطع أن يترجم عمليا اختصاص الجماعات الترابية في ممارسة السلطة التنظيمية المنصوص عليها في الدستور حيث إن هذه السلطة مرتهنة بترسانة ثقيلة من النصوص التنظيمية، وهو ما سيسهم في إضعاف الموقع التنفيذي للمجالس المنتخبة. ونشير على سبيل المثال، إلى أن إسناد تنفيذ مقررات ومداولات المجلس الجهوي لرئيس مجلس الجهة واتخاذ جميع التدابير اللازمة لذلك إضافة إلى اعتباره آمرا بالصرف، يبقى مجرد إعلان مبدئي ليس من شأنه أن يصمد أمام الاستثناءات الكثيرة التي تحد من مداه وتكاد تفرغه من أي محتوى، وذلك عبر إخضاع نفاذ جانب من قرارات الرئاسة ومقررات المجلس الجهوي وصلاحياته التداولية لتأشيرة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، حيث يُلاحظ مبالغة المشرع في التأسيس لسلطة تقديرية واسعة وغير مبررة لفائدة ممثلي سلطة الرقابة، الشيء الذي لا ينسجم قطعا مع مقتضيات التدبير الحر[20].

إن الرقابة المشددة القائمة على النمطية والتعقيد الإجرائي والشكليات على مستوى المراقبة المسبقة أو المواكبة للمقررات الصادرة عن المجالس لن تساهم عمليا في الحد من التجاوزات القانونية والانحرافات المالية في وقت أكد الدستور على مبدأ التدبير الحر وهو ما يفرض إلغاء كل أشكال الوصاية على عمل الجماعات الترابية بحيث إن أدوار الإدارة يجب أن تقتصر على الدعم والمساعدة كما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 145 من دستور2011.[21]

إن القراءة المتأنية للقوانين التنظيمية المتصلة بمختلف الجماعات الترابية يُستخلص منها أنها جاءت بمحتويات ومضامين ذات صيغ فضفاضة وعامة تجعل من الصعوبة تحديد الغاية والأهداف المسطرة بالنسبة لكل وحدة ترابية، فالاعتقاد قد ينصرف إلى تأويلات أن لكل جماعة ترابية وسائل وآليات تدخل بلا حدود في كل المجالات، وهوما سيؤدي إلى تنازع الاختصاصات، والى تعدد المتدخلين في تنفيذ المشاريع والأوراش، وسينعكس سلبا على التنزيل الفعلي لمبدأ التدبير الحر[22]. ونشير بهذا الخصوص إلى غياب أي تعريف للتفريع في المتن الدستوري والقوانين التنظيمية، فالفصل 140 المذكور لا يمكن تأويله بإعطاء الاختصاص للجماعة العمومية التي يكون تدخلها أفضل، ففي هذه الحالة وبالنظر للوسائل المتاحة للجماعات الترابية فإن الدولة هي المؤهلة للتدخل في كل المجالات، وإذا كانت القوانين التنظيمية قد حددت لائحة للاختصاصات الخاصة بالجماعات الترابية،  فإنها نصت على أن هذه الاختصاصات لا يمكن أن تمارس إلا في حدود وسائلها، وبالتالي يمكن للدولة أن توقف تدخل أية جماعة ترابية إذا اعتبرت أنه يتجاوز إمكانياتها[23].

وهكذا سيشكل توسيع الرقابة الإدارية قيدا حقيقيا أمام امتداد حجم ونطاق التدبير الحر للجماعات الترابية[24]، وخاصة في المجال المالي، فمن خلال التأمل اذن  في مجالات التأشير المسبق يتضح أنها تشمل أهم المقررات الجماعية وخصوصا منها ذات الطابع المالي أو التدبيري، فقد حرصت سلطة الوصاية أن تكون لها الكلمة الفصل في كل ما يرتبط بالتدبير المالي للجماعة، كما أن السياسة التدبيرية لهذه الأخيرة تظل في حاجة لمباركة الإدارة، وهوما يفهم من ضرورة التأشير على المقررات المتعلقة بإحداث المرافق العمومية الجماعية وتحديد طرق تدبيرها[25] ، ووثيقة الميزانية التي لا يمكن تنفيذها إلا بعد أن تتم المصادقة عليها، مرورا بالقرار الجبائي الخاضع للمصادقة القبلية قبل تنفيذه[26] . ورغم تغييب الوصاية من النصوص القانونية كمفهوم، لكنها مستمرة بشدة من خلال مراقبة الملاءمة مما يعني أن الدولة تستمر في اعتبار الجماعات الترابية قاصرة عن التكفل بشؤونها الخاصة، وهو ما يعني إفراغ مبدأ التدبير الحر من محتواه الحقيقي[27] ، وحتى مقتض ى المساعدة على تنفيذ البرامج التنموية الوارد في الفصل 145 من الدستور يمنح وضعية جديدة لرجال السلطة قد تهدد التدبير الحر، فمساعدتهم لرؤساء الجهات وباقي الجماعات الترابية في تنفيذ المشاريع التنموية ينطوي على ممارسة رقابة إدارية مباشرة تحت اسم المساعدة[28]، مما يقتض ي تحديد مدلول هذه المساعدة ومحدداتها، ومستويات تمفصلها مع الأدوار التدخلية والرقابية للدولة ولممثليها، بل ولضمانات عدم تحولها إلى وصاية مقنعة وتكريسها لرقابة تقنية.

ويُعتَبر التنصيص الدستوري من خلال الفصل146على تحديد مقتضيات التدبير الحر بموجب القوانين التنظيمية المتعلقة بمبادئ وقواعد نظام الجماعات الترابية حماية دستورية مهمة، لكون القوانين التنظيمية تخضع إجباريا وبشكل مسبق لنظر القضاء الدستوري بموجب الفصل132 من الدستور، الذي ينص على أنه تحال على المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، مما سيغني لا محالة المبدأ ويضمن عدم حصره في مقتضيات تقنية صِّرفة.

وفي تحليل الموقف من الإحالة الدستورية على دور التشريع في تفصيل وتقنين التدبير الحر بدل تعريفه وضبطه من داخل المتن الدستور نميز بين موقفين، أولهما يعتبر ذلك ضمانة قانونية مهمة من عدة زوايا، أولا لتوسيع مجال التشريع في القضايا الترابية وجعلها من اختصاص المنتخبين بشكل ينسجم مع المنهجية الديموقراطية، وثانيا لما يعرفه النص الدستوري من جمود عكس مرونة القانون وقابليته الدائمة للتعديل. إن هذه ا لقاعدة تعتبر ضمانة أساسية للجماعات الترابية، باعتبار أن القانون هو الوحيد الذي يمكن له أن يقرر في أسس وتطبيقات مبدأ التدبير الحر، وهو ما يعني استبعاد أي تدخل للحكومة في هذا المجال عن طريق النصوص التنظيمية المستقلة، وبالتالي استبعاد أي تجاوز أو شطط محتمل من طرف الحكومة للمساس بهذا المبدأ[29].

أما الموقف الثاني فيعتبر عدم تفصيل الدستور في مقتضيات التدبير الحر إضعافا له وتقليلا من قيمته الدستورية التي ارتبطت بلحظة إصلاحية سرعان ما خَفتت، ليحُل محلها دور غير محايد لبيروقراطي التشريع في ظل مناخ سياس ي تغلب عليه نوازع هيمنة الإدارة المركزية، الأمر الذي قد يقلل من قيمته القانونية بالنظر إلى أن السلطة التشريعية هي من ستتكفل بتعريفه وتأطير حدوده ومجالاته[30]. غير أنه يمكن التقليل من هذا التوجس، من منطلق وجود رقابة قضائية على تجسيد المبدأ من خلال دور الرقابة الدستورية إذ إن سلطة المشرع في هذا الإطار خاضعة لرقابة القاض ي الدستوري، من خلال خضوع القوانين التنظيمية للرقابة الوجوبية للمحكمة الدستورية، حيث ستكون هذه الرقابة مناسبة هامة لتقدير مضمون ونطاق هذا المبدأ ومدى التزام المشرع به[31]، رغم أن غياب تعريف. دستوري للمبدأ صعب من الحماية القضائية ومن مهمة القاضي الدستوري[32].

إن مبدأ التدبير الحر مضمون من قبل القانون الذي هو من اختصاص السلطة التشريعية، التي عليها ضرورة احترامه وأخذه بعين الاعتبار عند أي تشريع تعتزم القيام به بخصوص الجماعات الترابية، فالمشرع مُوجّه بمبدأ التدبير الحر، وبالتالي فسلطته مقيدة وليست مطلقة، بحيث لا يمكنه أن يضع قوانين تقلص من هامش حرية الجماعات الترابية في اتخاذ قراراتها[33] . ويتحمل القاضي الدستوري مسؤولية كبرى في حماية الجماعات الترابية، فالقوانين التنظيمية تخضع لرأيه وتقديره، ولذلك يجب أن يرسم حدودا أساسية لمبدأ التدبير الحر وباقي المبادئ الدستورية، عبر حفظ الحريات المحلية ورفض تقديرات المشرع فيما يخص تأطير حريات الجماعات الترابية حسب معايير المصلحة العامة، كلما كان تغير متناسبة ومخالفة للمبادئ الدستورية بشكل يهدد مبدأ التدبير الحر المحلي[34]. ونشير في هذا السياق إلى دور الاجتهاد القضائي في بلورة قواعد معيارية مُوجّهة على غرار ما راكمته التجربة الفرنسية في هذا المجال، فرغم أن المشرع بموجب الفصل81من الدستور هو من له صلاحية تحديد مبادئ وشروط تطبيق مبدأ التدبير الحر، فإن الفضل في تحصينه وإحاطته بالضمانات اللازمة يعود للمجلس الدستوري[35]،الذي ساهم بفعالية في حماية هذا المبدأ وفي تحصين مقومات الاستقلال الإداري والمالي للجماعات الترابية في مواجهة تدخل الدولة، عبر عدة اجتهادات ساهمت في تأكيد وتطوير مبدأ التدبير الحر المحلي،[36] وفي المصالحة بينه وبين باقي المبادئ الدستورية كالمساواة والتضامن أو المبادئ ذات القيمة الدستورية مثل الموازنة والتناسب.[37]

لقد تعامل القاضي الدستوري الفرنسي مع مبدأ التدبير الحر كحق أساسي في علاقته بباقي الحقوق الأساسية، وبالتالي فقد حمى الجماعات الترابية آلاف المرات ضد تدخلات الدولة،[38] باعتباره معيارا محددا لقبول أو رفض أي إ جراء أو تدبير أو نص قد يمس من قريب أو من بعيد حرية تدخل الجماعات الترابية أو يحول دون قيامها بالاختصاصات المسندة إليها، ومن بين مجالات التدخل التي خصها المجلس الدستوري بعناية خاصة نذكر تدبير الموارد البشرية والحرية التعاقدية والتنظيم الداخلي وطبيعة الاختصاصات ومدى تناسبها مع الموارد المالية[39]. ونشير في البداية إلى الارتباط الفعلي لمبدأ التدبير الحر بممارسة أدوار حقيقية ذات طابع تنفيذي، ويقود هذا الربط إلى التأكيد على أنه لا يمكن الاعتداد بوجود نظام لامركزي فعلي بمجرد ممارسة المهام الإدارية الروتينية وكأنها هيئات لتصريف الأعمال، فيما تبقى القرارات الكبرى التي تحسم في الحياة المحلية من اختصاص إدارات الدولة وممثليها الترابيين سواء بموجب القانون أو التفويض أو الرقابة أو الممارسة العملية، وهو ما ذهب إليه المجلس الدستوري بفرنسا في قراره الصادر في 3غشت 1985 بمناسبة نظره في مدى دستورية قانون تطوير منطقة كاليدونيا الجديدة ( Nouvelle calédonie ) مؤكدا على ضرورة ربط مبدأ التدبير الحر بممارسة مهام فعلية، وأن المجالس المنتخبة يجب أن تتمتع باختصاصات تقريرية واضحة، أما إذا كانت المجالس لا تتوفر سوى على اختصاصات استشارية فلا يمكن في هذه الحالة الحديث عن أي مظهر من مظاهر التدبير الحر[40]، وهو ما أكدته قرارات وأحكام قضائية أخرى صادرة عن نفس المجلس. وفيما يتعلق بحرية المجالس المنتخبة في تدبير الموارد البشرية المحلية، فقد رفض المجلس الدستوري مشروع قانون الوظيفة العمومية الترابية، لتعارضه مع مبدأ التدبير الحر في قراره الصادر بتاريخ 20 يناير 1984، معتبرا أن تجسيد هذا المبدأ يعني أن تدبير المسار المهني لموظفي الجماعات يتم من طرف مجالسها التي تملك حرية واسعة في التعيين والفصل والترقية. كما كفل المجلس الدستوري الفرنس ي تأمين الحرية التعاقدية للجماعات الترابية، مؤكدا أن الشروط المتعلقة بإبرام العقود مع بعض أشخاص القانون العام والقانون الخاص، كما هو الشأن في التدبير المفوض يجب أن يفيد الجماعات الترابية في تقوية حريتها التعاقدية، وحتى موقع الصدارة الممنوح لبعض الهيئات لا يجب أن يكرس المنطق الوِّصائي في العلاقة بين الهيئات اللامركزية، حيث إن أشكال التعاون بين الجماعات الترابية لا يجب أن تقود في كل الأحوال إلى وصاية جماعات على أخرى، ونشير هنا إلى قرار المجلس الدستوري باعتبار أن الموقع القيادي لمؤسسات التعاون بين الجماعات أو نقابة مختلطة في إعداد مخططات التناسق الترابي لا يُخوّ ِّل لها الوصاية على الجماعات التي تنضوي تحت لوائها تحت مبرر التنسيق[41]. وفيما يتعلق بضبط العلاقة المالية بين الدولة والجماعات الترابية، فإن تنصيص الدستور الفرنسي على ضرورة توفير الموارد الضرورية لممارسة الاختصاصات المحولة، لم يمنع من تعرض ضمانات الاستقلال المالي المحلي للتهديد المستمر من طرف المشرع والسلطة التنظيمية، بمنح العمداء مهام جديدة بدون توفير الموارد اللازمة لتمويلها، ووفقا لمبدأ التدبير الحر يمكن للجماعات الترابية تقديم طعن في شأن عدم دستورية أية قوانين أو قرارات إدارية لا تحترم هذا المقتضى[42] .

إن القيمة الدستورية لمبدأ التدبير الحر تحصنه من أي تحجيم قانوني، فهو يندرج ضمن الحقوق والحريات الأساسية المضمونة من طرف الدستور[43] ، ولذلك يمكن الدفع بعدم دستورية أي قانون قد يهدد أو يمس بالتدبير الحر للجماعات الترابية، وفقا للفصل 133  من الدستور المغربي الذي ينص على أنه تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور، على أساس إصدار قانون تنظيمي يُحدد شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل، في انتظار تفعيل هذا القانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين لتوضيح وإغناء هذه الإشكالية [44] . إن نطاق ومدى التدبير الحر بقدر ما يرتبط بإرادة المشرع بقدر ما يتوقف على موقف القاضي الدستوري، توسيعا أو تضييقا[45]، لكن المجلس الدستوري المغربي في صيغته السابقة صادق على عدة مقتضيات مناقضة لمبدأ التدبير الحر المضمنة في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية[46] ،الأمر الذي يفترض دورا أكبر للمحكمة الدستورية في تحصين هذا المبدأ الذي يشكل النواة الصلبة للتنظيم اللامركزي، ولذلك يعول على التأويل الديموقراطي لمبدأ التدبير الحر من طرف القاضي الدستوري.

الفقرة الثانية: تعثر ورش اللامركزية نتيجة تعثر سياسة اللاتمركز الإداري وصعوبة ممارسة  صلاحيات الهيئات اللامركزية.

يواجه التأطير الدستوري للامركزية الترابية بالمغرب، بعدد من الحدود والاكراهات، التي تجعل من الصعب القول بتكريس الدستور لتوجه عميق ومهيكل للامركزية الإدارية، ويعزى ذلك كما سبقت الإشارة اليه في الفقرة السابقة الى حدود التنزيل القانوني لمبدأ التدبير الحر اما من خلال هذه الفقرة فسنتطرق الى اكراهات   تعثر ورش اللامركزية نتيجة تعثر سياسة اللاتمركز الإداري وصعوبة ممارسة صلاحيات الهيئات اللامركزية نتيجة العلاقة الغير متوازنة بين السلطة المركزية والجماعات الترابية، وتتضح  هذه العلاقة غير المتوازنة من خلال النقط الثلاثة التالية:

  1. صلاحيات واسعة لممثلي السلطة المركزية:

رغـم الإيجابيات الكثيـرة للمقتضيـات الدسـتورية المشـار إليهـا أعـلاه، فإننـا نلاحظ أن الفصـل 145 مـن الدسـتور، قـد احتفـظ لممثلـي السـلطة المركزيـة بصلاحيـة واسـعة علـى صعيـد مختلـف مسـتويات الجماعـات الترابيـة. وهكـذا فـإن الـولاة والعمـال هـم الذيـن يعملـون علـى تأميـن تطبيـق القانــون وتنفيــذ النصــوص التنظيميــة للحكومــة ومقرراتهــا، كمــا يمارســون المراقبــة الإدارية. وللإشارة فـإن كل مـن الوالـي والعامـل يعتبـر مـن ناحيـة أولـى ممثلا لـوزارة الداخليـة ومـن ناحيـة ثانيـة مندوبـا عـن الحكومـة. وإذا كان العامـل يقـوم بمهامـه علـى مسـتوى العمالات والأقاليم، فـإن عامـل العمالـة المركزية داخـل الجهـة يأخـذ أيضـا صفـة والي الجهة في نفس الوقت.  وممـا يزيـد مـن قـوة الـولاة والعمـال، قيامهـم، تحـت سـلطة الـوزراء المعنييـن، بتنسـيق أنشـطة، المصالح اللاممركزة لإدارة المركزية والسهر على حسن سيرها وقد كان مـن الأفضل تفويـت المصالـح اللامركزية بعـض صلاحيات كل مـن الوالـي إلـى رئيـس الجهـة وبعض مـن صلاحيات العامل إلـى رئيس مجلس العمالـة أو الإقليم حتـى تترسـخ مكانـة اللامركزية بشـكل أنجـع علـى حسـاب التنظيـم المركـزي. لكـن عوضـا عـن ذلـك فـإن الدسـتور ذهـب فـي اتجـاه جعـل العامـل والوالـي مسـاعدين لرؤسـاء الجماعـات الترابيـة، وخاصـة رؤسـاء المجالـس الجهويـة، علـى تنفيـذ المخططـات والبرامـج التنمويـة.

2- تعثر ورش اللامركزية نتيجة تعثر سياسة اللاتمركز الإداري:

      إن تطويـر التنظيـم اللامركزي يتطلـب أساسـا تجـاوز العراقيـل ذات الطابـع الإداري والتنظيمـي، والتـي تفـرض علـى المجالـس المنتخبـة وتيـرة عمـل بطيئـة نتيجـة التدبيـر المركـزي المفـرط لمختلـف القطاعـات الوزاريـة، وقـد عـرف المغـرب تعثـرا واضحـا في مجـال تفويت بعـض صلاحيات الإدارات المركزيــة الموجــودة فــي العاصمــة إلــى المصالــح الخارجيــة لهــذه الإدارات علــى مســتوى الجهــات والعمالات والأقاليم والجماعـات، وبالتالـي لـم يتـم الانتقال مـن التدبير الممركـز إلى التدبيـر اللاممركز. لقــد فرضــت مســتجدات دســتور 2011 والصعوبــات الواضحــة التــي أصبحــت تعــوق ترســيخ َ اللامركزية صــدور مرســوم 26 دجنبــر 2018 بمثابــة ميثــاق وطنــي لللا تمركــز الإداري، والــذي سيشـكل إحـدى الدعامـات الأساسية لتنظيـم لامركـزي متقـدم[47].

 ويهـدف هـذا الميثـاق إلـى وضـع مبـادئ وقواعـد جديـدة لتأطيـر علاقـة المصالـح اللاممركـزة للدولـة مـع المجالـس المنتخبـة. وتتمثـل المصالـح اللاممركـزة للدولـة فـي كل التمثيليـات أو البنيات الإدارية الترابية الممثلة للإدارة المركزية كيفمـا كانـت مسـمياتها والتـي يتعيـن عليهـا الخضـوع للمبـادئ والأهداف الـواردة فـي البـاب الثانـي مـن المرسـوم التـي سنشـير مـن بينهـا أساسـا إلـى” مواكبـة التنظيـم الترابـي اللامركزي للمملكـة، القائـم علـى الجهويـة المتقدمـة والعمـل علـى ضمـان نجاعتـه وفعاليتـه”، مـع تقديـم كل أشـكال الدعـم والمسـاعدة للتنظيمـات اللامركزية. أمـا فيمـا يخـص الفلسـفة التـي يقـوم عليهـا ميثـاق اللا تمركـز بخصـوص توزيـع الاختصاصات بيــن الإدارات المركزيــة ومصالحهــا اللاممركــزة فتتمثــل فــي أنــه يعهــد إلــى الادارات المركزيــة بالمهــام التــي تكتســي طابعــا وطنيــا أو تلــك التــي يتعــذر إنجازهــا مــن قبــل المصالــح اللاممركــزة)المـادة 14)، وبالتالـي فـإن هذه المصالـح علـى المسـتوى الجهـوي هـي التـي سـتتولى مهمـة تدبيـر المرافـق العموميـة الجهويـة التابعـة للدولـة، وتنفيـذ السياسـات العموميـة وهـو مـا سـيمكنها مـن صلاحيـة اتخـاذ القـرار محليـا دون مراجعـة السـلطة المركزيـة. إن هـذا الميثـاق والقواعـد الجديـدة لتدبيـر مرافـق الدولـة سـيكون لهـا تأثيـر مباشـر علـى ترسـيخ التدبيـر المركـزي مـن زاويـة تسـريع اتخـاذ القـرار وتنفيذهـا فـي انسـجام تـام علـى مسـتوى الجهـة والعمالات والأقاليم والجماعـات رغـم الأهمية الخاصـة التـي منحـت للـوالة والعمـال بهـذا الخصـوص.

3-صعوبة ممارسة صلاحيات الهيئات اللامركزية: العلاقة الغير متوازنة بين السلطة المركزية والجماعات الترابية.

رغـم التطـورات الإيجابية التـي عرفهـا التنظيـم المركـزي بالمغـرب، فإنـه ال زالـت هنـاك العديـد مـن العراقيـل والصعوبـات التـي تجعـل مـن ممارسـة الجماعـات الترابيـة لصلاحياتها عمليـة تتميـز ُ فــي العديــد مـن الحالات بالبـطء نتيجـة العالقــة غيــر المتوازنــة مــع الســلطات المركزيــة. ويمكــن إجمـال هـذه الصعوبـات فـي ثالثـة مظاهـر رئيسـية:

  • أولا، هنـاك ضعـف فـي الإمكانيات الماديـة والتقنيـة الموضوعـة رهـن إشـارة الجماعـات الترابية لتنفيـذ مشـاريعها علـى أرض الواقـع. فالجماعـات الترابيـة بالمغـرب، لا زالـت لحـد السـاعة تعتمـد فـي جـزء كبيـر مـن مداخيلهـا علـى الاعتمادات الماليـة التـي تخصـص لهـا الدولـة فـي الميزانيـة العامـة، بينمـا لـم يتـم اعتمـاد أيـة آليـات متطـورة تسـمح لمختلـف الجماعـات بالتوفـر علـى مداخيـل ماليـة ذاتيـة كافيـة.
  • ثانيـا، لا زالـت النخـب المنتَخبـة غيـر قـادرة علـى تحمـل مسـؤولية الديمقراطيـة المحليـة، ويكفـي ا ن نُشـير إلـى أن نتائـج آخـر انتخابـات جماعيـة تـم إجراؤهـا بتاريـخ 8 شـتنبر 2021 بخصوص عدد من المقاعد بلغ 32513 مقعـدا قـد أفـرز نتائـج غيـر مشـجعة علـى خـوض غمـار الانتخابات مــن قبــل الفئــات المتعلمــة والمثقفــة. وهكــذا فقد سجلت وزارة الداخلية، وجود 10.3% من المستشارين الجماعيين الذين لم يلجوا قط إلى مقاعد الدراسة، وهو ما يعادل 3345 مستشارا، في حين لا يتوفر 27.12%، أي 8817 على شهادة البكالوريا. وفيما يخص الحاصلين على تعليم ثانوي، فيتراوح عددهم 10826 منتخبا، أي بنسبة 33.3%، و9516 مستشار جماعي يتوفرون على تعليم عالي بنسبة 29.27%، وفقا لإحصائيات وزارة الداخلية. بالنسبة لأعمار المنتخبين في مجالس الجماعات، تشير البيانات المنشورة على الموقع الرسمي للانتخابات، إلى أن 22.84%، أي 7426 منتخب، سنهم أكبر من 55 سنة، و28.43%، بما يعادل 9243 مستشارا جماعيا، أعمارهم ما بين 45 و55 سنة، و9071 منتخبا أعمارهم ما بين 35 و45 سنة، و6772 منتخبا أعمارهم تقل عن 35 سنة. [48]
مقال قد يهمك :   قراءة في اجتهادات القضاء الدستوري: القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية نموذجا

لكن ما يلاحظ في أغلب الجماعات رغم التطور البطيء الذي حصل بالمقارنة مع التجارب السابقة أن معظم المنتخبين لا يتوفرون على مستوى تعليمي ومعرفي يسمح لهم بالاضطلاع بمسؤوليتهم وصلاحياتهم بشكل مستقل. ورغم أن المستوى الثقافي والمعرفي، لا يرتبط دائما بالمستوى الدراسي فإن ما يثير الجدل في التجربة الجماعية هو ولوج مستشارين للعمل الجماعي بدون معرفة أبسط قواعد القراءة والكتابة كما أن المشكل يزيد استفحالا عندما يتعلق الأمر بالرئيس ونوابه ورؤساء اللجن الدائمة الحساسة.

 وفي اعتقادنا فشرط المستوى التعليمي والمعرفي الذي لا يعادل على الأقل شهادة البكالوريا يعد أمر غير مقبول، لقيادة المجالس المنتخبة، كما أن المنتخب الجماعي المرشح لرئاسة الجماعة الذي يقل مستواه التعليمي عن شهادة الاجازة يعتبر في نظرنا غير مؤهل لإدارة الشؤون المحلية لجماعته خصوصا في الجماعات الكبرى التي تتحكم في مصير الألف من الساكنة. فالأمر يتطلب توفرهم على مؤهلات معرفية وثقافية عالية أو مقبولة على الأقل تمكنهم من التميز بين النصوص القانونية وفهم الاختصاصات الكبيرة التي اسندت للمجالس المنتخبة وأعضاءها بموجب الدستور الجديد، والقوانين التنظيمية للجماعات التربية، وكذا بالنظر إلى الدينامية الكبيرة والمسار المهم التي انخرط فيه المغرب لبناء لامركزية ترابية قوية.

ولهذا الغرض ومن أجل تدبير معقلن للشأن العام المحلي، والارتقاء بالمجالس المنتخبة إلى مستوى يتماشى مع رهان الجهوية المتقدمة وخيار اللامركزية الترابية، فالمشرع مدعو إلى أن يعيد النظر في شرط المستوى التعليمي والمعرفي للمنتخبين الجماعين، وذلك عبر اقرار مستوى تعليمي ودراسي يفوق على الاقل شهادة البكالوريا و المستوى الجامعي بالنسبة لرؤساء المجالس المنتخبة حتى تنسجم في مستواها مع التوجهات الكبرى التي انخرط فيها المغرب على مستوى التنمية البشرية والانتقال الديمقراطي وتحديات الفترة المعاصرة، كما أن الاحزاب السياسية في إطار تقاسم المسؤوليات يتعين عليها أن لا تعطي التزكية لمن لا يستحقها، بل يجب تقديم مرشحين مؤهلين ذوي كفاءات ومؤهلات محترمة تكون في مستوى المسؤولية والمهمة الانتدابية. كما أن الناخبين بدورهم مدعوون الى إعادة النظر في اختياراتهم وأن يعطوا أصواتهم لمن يرون فيهم الكفاءة والأهلية لتولي قضياهم وشؤونهم المحلية.

وبالرجوع الى الارقام التي أسفرت عليها بعض الاستحقاقات السابقة والتجارب الانتخابية المحلية والمتعلقة بالمستوى الدراسي والثقافي للمنتخب الجماعي يلاحظ أن معظم المنتخبين الجماعيين لا يتوفرون على مؤهلات معرفية وثقافية تسمح لهم بالاضطلاع بمسؤوليتهم المتعددة بشكل مستقل.

من خلال هذه الأرقام وهذه الاحصائيات نلاحظ أنه بالرغم من المستجدات المهمة التي جاءت بها القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية بما في ذلك القانون 113.14 المتعلق بالجماعات، وبالنظر أيضا إلى الارتفاع الملحوظ في نسب التصويت والترشح، إلا أن المستوى التعليمي للمستشارين الجماعيين رغم بعد التحسن الطفيف، لم يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يستجيب الى التطلعات الانتظارات، خاصة ما يتعلق بإنزال ورش الجهوية المتقدمة ورهان اللامركزية، كما أنه لا يتماشى مع حجم الاختصاصات والصلاحيات المخولة للمجالس المنتخبة بموجب القوانين الجديدة.

وأمام هذه الارقام المخجلة التي أفرزتها مختلف الاستحقاقات الانتخابية، فالمشرع مطالب أكثر من أي وقت مضى بضرورة وضع ترسانة قانونية تحدد شروط ومواصفات انتخاب أعضاء المجالس المنتخبة والبروفيلات المطلوبة للترشح لمختف المهام الانتدابية، خصوصا منصب الرئيس وبعض اللجن الحساسة التي تتطلب مستوى متقدم في المستوى المعرفي، كما أن المشرع الترابي مطالب بمواكبة مختلف الأوراش التي أنخرط فيها المغرب لبناء دول ترابية موازية للدولة المركزية، وذلك بالرهان والاعتماد على نخب ذات مستوى عالي خاصة المرشحين لمنصب الرئيس ونوابه الأساسين، وذلك باعتبار أن وظيفة المستشار الجماعي لا ترتبط فقط بتمثيل السكان، بل ترتبط بالدور القيادي الذي ينبغي أن يلعبه للرفع من مستوى الجماعة.

      فقد أبانت التجارب المحلية والدولية بأن ضعف المستوى التعليمي والمعرفي للمنتخبين يعد حاجرا معيقا للممارسة الفعلية للاختصاصات والصلاحيات، وايجاد الحلول المناسبة للمشاكل اليومية للمواطنين، وكذا الفهم الدقيق للقوانين والمساطر. وبالتالي فمهما تطورت النصوص القانونية في مجال اللامركزية ومهما تعززت صلاحيات المنتخب واختصاصات، إلا أنه في ظل مستوى معرفي وثقافي ضعيف سيصبح الامر مجرد نظام لعدم التركيز الاداري.

عموما يمكن القول بأن جل التجارب الجماعية التي عرفتها البلاد مند إقرار نظام التمثيل اللامركزي تميزت بضعف المستوى الثقافي للمنتخبين الجماعيين، ويعزى السبب الرئيسي في ذلك في ذلك راجع الى نقط الضعف المسجلة على الاصلاحات الجماعية، خاصة القوانين التنظيمية المنظمة للعمليات الانتخابية وللنظام الأساسي للمنتخب الجماعي. كما يعد المستوى التعليمي أيضا من المواضيع الحساسة والتي تشكل محل خلاف بين الفرقاء السياسيين، حيث منهم من يرى هذا الشرط صعب التطبيق خصوصا في الجماعات التي تعرف نسبة الامية بها ارقام قياسية، بالإضافة إلى أن المستوى التعليمي غير مهم لممارسة المهام الانتدابية لأن هذا الأمر في اعتقادهم مرتبطة بعنصر التجربة والممارسة الدائمة للشأن العام المحلي أكثر من ارتباطه بمستوى تعليمي معين. فيما برى البعض الأخر أنه من الضروري اشتراط مستوى تعليمي معين، مبررا ذلك ب حجم الاختصاصات والصلاحيات الهامة التي أصبحت تعطى للجماعات الترابية ولمنتخبيها.

وفي مجالس الجهات، أظهرت الإحصائيات النوعية التي كشفت عنها الوزارة الداخلية، أن المنتخبين الأميين باتوا خارج مجالس الجهات، بعدما كانوا يشكلون في انتخابات 2015، نسبة 1.03 بالمائة، في حين سُجل صعود كبير للمنتخبين الحاصلين على شهادات جامعية. ووفقا للمعطيات الإحصائية المتعلقة بالمستوى الدراسي للمنتخبين، المرفقة بالنتائج التفصيلية لانتخابات 8 شتنبر، فإن أكثر من ثلثي المنتخبين بالجهات، 67.99%، أي ما يعادل 460 منتخبا، مستواهم التعليمي جامعي عالي. وكشفت البيانات ذاتها، أن 24.48% من المنتخبين بمجالس الجهات، أي ما يعادل قرابة 166 منتخبا، حاصلين على مستوى تعليمي ثانوي، في حين أن 7.52%، أي 50 منتخبا، لا يتوفرون على شهادة البكالوريا. وفي السياق ذاته، كشفت المعطيات الاحصائية، المنشورة على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية، أن 204 منتخبين (30.09%) أعمارهم أكبر من 55 سنة، و233 منتخبا (34.37%) أعمارهم بين 45 و55 سنة. فيما يخص الفئة العمرية بين 35 و45 سنة، فبحسب الأرقام التي كشفت عنها وزارة الداخلية، فإنهم يمثلون 23.16%، أي ما يعادل 157 منتخبا، في حين أن الفئة أقل من 35 سنة، تمثل 12.39% أي ما يعادل 84 منتخبا.

  • ثالثـا، إنـه رغـم التحولات فـي المفاهيـم المسـتعملة فـي علاقـة السـلطة المركزيـة، والتـي انتقلـت مــن اســتعمال مصطلــح»   الوصايــة الإدارية   «  الــذي كان يوحــي بــأن الجماعــات الترابيــة بمثابــة قاصـر يكـون دائمـا فـي حاجـة إلـى وصايـة مـن طرف »  شـخص بالـغ   « ، إلـى مصطلـح ” ا لمراقبـة  الادارية ” التـي تحولـت بصفـة إجماليـة إلـى رقابـة تمـارس عـن طريـق القضـاء، فـإن تدخـل السـلطة الإدارية  المركزيـة وممثليهـا فـي أعمـال الهيئـات اللامركزية لا يـزال مسـتمرا نتيجـة التراكمـات التاريخيـة والصلاحيـات التـي احتفـظ بهـا الدسـتور لممثلـي السـلطة المركزيـة.

و لا يزال الغموض يلف طبيعة علاقة مجالس الجماعات الترابية وممثلي السلطة المركزية في الجهات والعمالات والأقاليم،  بحيث أن المشرع الدستوري، ومعه المشرع العادي، تجنبا الحديث عن الوصاية الإدارية في علاقة المجالس بالسلطات المذكورة في استحضار واضح للاعتراضات التي ظلت تواجه بها هذه المسألة على امتداد التجارب الجماعية السابقة، وتحدثا بدلا عن ذلك عن تخويل للولاة في الجهات والعمال في العمالات والأقاليم صلاحية ممارسة المراقبة الإدارية”، كما أناطا بهم مهمة مساعدة رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية  [49]، بيد أن التأكيد على عدم وجود أي تناقض بين المراقبة الإدارية وطبيعة الجماعات الترابية باعتبارها ذات شخصية قانونية وتتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، خصوصا في دولة موحدة  لا يمنع من التأكيد على أن الرقابة الإدارية لا تكون كذلك الا إذا اقتصرت على مراقبة الشرعية التي لا يمكن أن تكون الا رقابة لاحقة، أما عندما تتحول إلى رقابة  قبلية، وفقا الاتجاه الذي سلكه المشرع العادي عندما ربط قابلية مقررات محددة  لمجالس الجماعات الترابية للتنفيذ بضرورة التأشير القبلي عليها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بالنسبة لمجالس الجهات، ومجالس الجماعات عندما يتعلق الأمر بالمقررات الخاصة بالتدبير المفوض للمرافق والمنشآت العمومية الجماعية، أو العامل بالنسبة لمجالس العمالات والأقاليم، ومجالس الجماعات فيما يتعلق بعدد من الاختصاصات غير تلك المتعلقة بالتدبير المفوض، فإن ذلك يجعل من هذه الرقابة أشبه بوصاية مقنعة. علما أن تدخل ممثلي السلطة المركزية في شؤون مجال من الجماعات الترابية لا ينحصر عند هذا الحد، بل يمكن أن يمتد ليشمل إمكانية الحلول محل رؤساءها في اختصاصاتهم في بعض الحالات.

بالإضافة الى هذه الاكراهات والحدود التأطير الدستوري للجماعات الترابية، يمكن تقديم الملاحظات التالية:

  • عدم استيعاب الدستور لسقف النقاش الذي كان مطروحا قبل 2011، وأدى سنة 2010 إلى إحداث لجنة استشارية كلفت بوضع مشروع تصور جديد حول الجهوية المتقدمة”، حيث شكل تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي حول قضية الصحراء سنة 2007 منعطفا في اتجاه تعزيز التفكير من الانتقال من الجهوية الإدارية إلى الجهوية السياسية. لذلك، فقد ظل الدستور محكوما بسقف اللامركزية الإدارية على الطريقة الفرنسية، ومبتعدا بخطوات واضحة عن اعتماد اللامركزية السياسية، رغم أن الوضع الخاص الذي تعرفه بعض مناطق المغرب (تحديدا الجنوب المغربي)، كان يقتضي الرفع من مستوى اللامركزية فيه، واستحضار التجارب المعتمدة في عدد من الدول الموحدة.
  • أن التفعيل التشريعي لمقتضيات الدستور المتعلقة باللامركزية، وعلى وجه التحديد مقتضيات الفصل 146 من الدستور الذي يعرض القضايا التي تحدد بقانون تنظيمي، واتجاهه. أي التفعيل التشريعي، نحو تأطير الجماعات المذكورة بقوانين تنظيمية وليس قانونا تنظيميا واحدا (القانون التنظيمي المتعلقة بكيفية انتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، القانون التنظيمي للجهات، القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، القانون التنظيمي المتعلق بمجالس العمالات والأقاليم)، أدى إلى وضعية أضحت معها الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة مؤطرة بنصوص يطبعها التشتت، وفي بعض الأحيان عدم الانسجام، وما يطرحه هذا الأمر من تساؤل حول مدى دستورية ذلك في ظل حديث الدستور عن قانون تنظيمي بصيغة المفرد، ومدى تأثيره على المردودية الوظيفية للوحدات الترابية المذكورة، على اعتبار أنه يحول دون التوفر على مدونة للجماعات الترابية تعكس رؤية موحدة لأدوار، وتصورا منسجما للوظائف التي تقوم بها في مجال التنمية الترابية، سيما وأن تجربة اللامركزية في المغرب ظلت مؤطرة بنصوص مختلفة من حيث المرجعيات السياسية ومتفاوتة من حيث المضامين والأهداف.[50]
  • ان التأكيد على عدم وجود علاقة هرمية أو تراتبية بين الأشكال الثلاثة للجماعات الترابية التي يحددها الدستور من خلال التنصيص على عدم جواز وصاية أية جماعة ترابية على أخرى، والحرص على تمييز الجهة عن باقي الجماعات الترابية، ليس فقط من خلال استعمال اسم الجهة منفصلا عن الجماعات الترابية الأخرى، وإنما أيضا عبر النص الصريح على إعطاء الجهة مكان الصدارة مقارنة بباقي الجماعات الترابية الأخرى في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى[51] يمكن أن يثير التساؤل حول ما المقصود بهذه الصدارة بالضبط، حيث قد يؤدي ذلك إلى إثارة بعض الالتباس في طبيعة العلاقة الناظمة بين المستويات الثالثة للجماعات الترابية، ويجعل مسالة ترسيم الحدود بينها موضوع تنازع .
  • عدم تعميم مسطرة الاقتراع العام المباشر على جميع مجالس الجماعات الترابية من خلال استمرار استثناء مجالس العمالات والأقاليم من دائرة الجماعات الترابية التي لا يجري انتخاب مجالسها بهذه الكيفية، الشيء الذي من شأنه أن يبقي هذا النوع من المجالس في دائرة الشك حول مدى مصداقية ونزاهة انتخابها، حيث أثبتت التجارب السابقة كيف سمح ترك مصير تشكيل مجالس الجماعات الترابية ومكاتبها بيد الناخبين الكبار وتحويل الانتخابات إلى مناسبة للتلاعب بإرادة الناخبين.
  • استمرار التقسيم الانتخابي والتقسيم الترابي للجماعات الترابية منفلتين من دائرة اختصاص البرلمان، وهما اللذين ظلا موضوع جدل حول مدى توظيفهما من طرف الإدارة، وتحديدا وزارة الداخلية، في التحكم في مجريات العمليات الانتخابية وفي رسم خريطة نتائجها. بحيث إذا كان إدراج الدستور لمبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع دوائرها الانتخابية في إطار اختصاص القانون [52]، قد شكل خطوة في اتجاه عدم إبقاء موضوع التقسيم الترابي والانتخابي محتكرا من طرف السلطة التنفيذية، فإنها تظل خطوة غير مكتملة في ظل عدم جعل هندسة التقسيم الترابي والانتخابي – نفسها وليس مجرد مبادئها – من اختصاص الجهاز التشريعي.

المطلب الثاني: آفاق التأطير الدستوري للجماعات الترابية في الدستور المغربي.

يواجه التأطير الدستوري للامركزية الترابية بالمغرب، بعدد من الحدود والاكراهات، التي تجعل من الصعب القول بتكريس الدستور لتوجه عميق ومهيكل للامركزية الإدارية، ولتجاوز هذه السلبيات اذن فقد ارتأينا أن نقسم هذا المطلب إلى فقرتين اساسيتين، سنتطرق في (الفقرة الأولى) إلى التوصيات والآفاق على أن نعالج في (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: التوصيات والآفاق.

1-التوصيــــــــات:

 شــكل انعقــاد المناظــرة الوطنيــة الأولى للجهويــة المتقدمــة المنعقــدة بأكاديــر خــال يومــي 20 و21 دجنبـر 2019 بمبـادرة مـن وزارة الداخليـة ومجلـس جهـات المغـرب، محطـة أساسـية للقيـام بعمليــة تشــخيص جماعــي لمــا تــم إنجــازه مــن جهــة والعراقيــل والصعوبــات التــي تعتــرض هــذا الـورش الوطنـي مـن جهـة ثانيـة. ورغـم أن مجالـس الجهـات لا زالـت فـي منتصـف واليتهـا، فـإن المرحلـة تطلبـت وقفـة تأمـل مبنيـة علـى تعـدد وجهـات النظـر واختلاف زوايـا التحليـل، وهـو مـا أسـفر عـن تشـخيص مركز على الجوانـب السـلبية أكثـر منـه علـى الجوانـب الإيجابية، ويرجـع ذلـك أساسـا إلى كـون نوعيـة الحضور الـذي عرفتـه المناظـرة، حيـث يتعلـق الأمر أساسـا بمستشـارات ومستشـارين جهوييـن يعملـون علـى أرض الميـدان، وبالتالـي فمـن الطبيعـي جـدا أن يتـم التركيـز علـى الصعوبـات والعراقيـل. كمـا أن الوقـوف علـى النواقـص كان بهـدف البحـث عـن الحلـول الملائمة التـي قـد ال تكـون عامـة وصالحـة لـكل الجهـات، ولكـن تشـمل علـى الأقل مؤشـرات قـادرة علـى توجيههـا إلـى الأفضل.

 إن أيـة قـراءة متأنيـة فـي التوصيـات الصـادرة عـن المناظـرة الوطنيـة، تبيـن أن الهاجـس الأكبر كان يتمثـل فـي الدعـوة إلـى سـد الثغـرات التـي يعرفهـا نظـام الجهويـة المتقدمـة. وهـي ثغـرات لا ُيمكــن أن تظهــر مــن خــلال النصــوص القانونيــة والتنظيميــة ولكــن مــن خــلال الممارســة والعمــل الميدانـي. لـذا، فإنـه مـن المفيـد هنـا تحليـل هـذه التوصيـات لاستخراج عناصـر الضعـف التـي قـد ُتشـكل عائقـا أمـام تعميـق وترسـيخ نظـام الجهويـة المتقدمـة .

لقــد أبــان النقــاش خــلال هذه المناظــرة الوطنيــة أنــه ليــس هنــاك سياســة التقائيــة ت تمكــن مــن تنســيق برامـج التنميـة الجهويـة فيمـا بينهـا مـن جهـة، ثـم فيمـا بينهـا وبيـن المخططـات القطاعيـة الوطنيـة لمختلـف الـوزارات. وطبعـا، فـإن عمليـة التنسـيق المحكـم هـي وحدهـا الكفيلـة بوضـع أسـس التنميـة المتناســقة والمنســجمة حتــى ال تترســخ التفاوتــات الموجــودة أصـلا بيــن مختلــف الجهــات والتــي تجعــل جهــات تتقــدم وتتطــور علــى حســاب جهــات أخــرى. وهــو مــا انتبــه إليــه المتناظــرون مــن خـلال الدعـوة إلـى تعزيـز آليـات التخطيـط الترابـي فـي تناسـق مـع السياسـات العامـة للدولـة فـي مجـال إعـداد التـراب. إن سياسـة إعـداد التـراب المسـتندة علـى التخطيـط هـي الكفيلـة بخلـق الانسجام والتناسـق فـي العمـل التنمـوي سـواء مـن ذلـك الجهـوي أو الوطنـي.

ويمكـن القـول إن الصعوبـات التـي يثيرهـا انعـدام التخطيـط سـوف تكـرس ظاهـرة انعـدام العدالـة المجاليــة، فــي الوقــت الــذي ينبغــي فيــه أن تكــون هــذه “العدالــة” أهــم مرتكــز لتقليــص الفــوارق المجاليـة ُ والتـي ستؤدي حتمـا إلـى التقليـص بيـن الفـوارق الاجتماعية. فالعمليـة التنمويـة ليسـت ا مجــرد نمــو كمــي وإنمــا هــي عمليــة تســتهدف التأثيــر علــى المجــال لصالــح الإنسان، وبالتالــي استغلال التنميــة الاقتصادية لتحقيــق التنميــة الاجتماعية والثقافيــة والبشــرية.

إن تجاوز هذه السلبيات لا يمكن أن تتم إلا من خلال اعتماد آليتين رئيسيتين:

فمــن جهــة أولــى ينبغــي أن تواصــل الدولــة فــي اعتمــاد المبــادرات الراميــة إلــى دعــم قــدرات الجهـات فـي مجـال الحكامـة والتدبيـر المالـي، والعمـل علـى تنويـع مصـادر تمويـل الجهـات عبـر حلــول مبتكــرة مــن أجــل تمويــل برامجهــا الاستثمارية؛ ومــن جهــة ثانيــة، فــإن الجهــات نفســها مدعــوة إلــى الانخراط فــي التنزيــل الفعلــي للمبــادئ والأهداف التـي حملتهـا المنظومـة الجديـدة للتدبيـر الميزانياتـي والمالـي باعتمـاد البرمجـة المتعـددة الســنوات التــي تســتحضر شــروط الفعاليــة والنجاعــة والجــودة

 إن هــذه الآليات تلقــي المســؤولية علــى الطرفيــن معــا: فالدولــة ينبغــي أن تواصــل فــي ابتــكار الحلـول الكفيلـة بإيجـاد المداخيـل الماليـة الكافيـة والقـادرة علـى تمويـل البرامـج التنمويـة للجهـات، والجهـات مدعـوة بدورهـا إلـى تغييـر طـرق العمـل الموروثـة عـن النظـام الجهـوي السـابق والتـي لـم ُتعد تسـاير المسـتجدات الدسـتورية منهـا والتشـريعية والتنظيميـة.  وممـا يلاحظ بهذا الخصـوص، فإن المسـألة الماليـة تحتـل مكانـة أساسـية فـي التدبيـر اللامركزي لأنه بدونهـا تبقـى الهيئـات اللامركزية مجـرد إطـارات إداريـة فارغـة مـن أي محتـوى.

وإذا كان الدسـتور والقانـون التنظيمـي قـد منحـا للجهـة اختصاصـات وصلاحيات ذاتيـة مهمـة، فـإن بعضـا منهـا مرتبـط بصلاحيـات لا زالـت بيـد السـلطة المركزيـة، وهـو مـا يتطلـب العمـل علـى نقلهـا إلـى الجهـات. ولذلـك، فـإن المناظـرة وقفـت عنـد مسـألة نقـل الصلاحيـات ولـو فـي شـكل حـد أدنـى يشـرع فـي نقلـه خاصـة بالنسـبة للمجالات التـي تقـدم خدمـات مباشـرة للمواطنـات والمواطنيـن وتــؤدي إلــى تحســين مســتوى عيشــهم، إذ أن المستشــارين الجهوييــن يجــدون أنفســهم فــي وضعيــة ُ صعبـة نتيجـة ارتبـاط عملهـم وتدخلاتهم بصفتـهم الانتخابية والتـي قـد يحرمـون منهـا نتيجـة تقاعسـهم فـي خدمـة المواطنيـن. وفـي نفـس الاتجاه فـإن نقـل الاختصاصات سـيكون فرصـة إبرام عقـود برامــج بيــن الدولــة والجماعــات الترابيــة لضمــان مشــاركة الجميــع فــي برامــج التنميــة الجهويــة وتعبئـة المـوارد الكافيـة لتنفيذهـا.

    ان الجهــات ليســت مجــرد جماعــات ترابيــة واســعة مــن الناحيــة الجغرافيــة، وليســت مســتوى وسـطي بيـن الدولـة والجماعـات الترابيـة الصغـرى، ولكنهـا مسـتوى ُتراهـن عليـه الدولـة لتحقيـق التنميــة الشــاملة، وبالتالــي ينبغــي أن تتحــول مــن مجــرد منفــذ لسياســة الدولــة إلــى شــريك فــي العمليــة التنمويــة. وهــو مــا يتطلــب أيضــا حــث مختلــف المصالــح المركزيــة للقطاعــات الوزاريــة والمؤسسـات العموميـة للانخراط فـي ترسـيخ الجهويـة المتقدمـة، وذلـك بالعمـل علـى تسـريع عمليـة تمكن مـن إعطـاء المزيـد مـن تنزيـل ميثـاق عـدم التركيـز الـذي أشـرنا إليـه اعلاه. إن هـذه العمليـة سـتمكن من اعطاء المزيد من الصلاحيات وتحويـل المـوارد الكافيـة للمصالـح الخارجيـة قصـد تمكينهـا مـن القيـام بالمهـام الموكولة َ إليهـا بشـكل فعـال وناجـع، وحتـى تتوفـر الجهـات علـى مخاطـب قريـب منهـا. فإن الأمر يتطلـب كمـا أشـارت إلـى ذلـك إحـدى توصيـات المناظـرة الوطنيـة «فتـح الـورش المتعلـق بالملاءمة التشـريعية والتنظيميـة للاختصاصات المخولـة لمختلـف القطاعـات الوزاريـة ذات الصلـة باختصاصـات الجهـة المتعلقـة بنفـس المياديـن “، وهـو ورش يتطلـب إعـادة النظـر جذريـا فـي النصـوص السـارية المفعـول والموروثـة عـن مرحلـة مـا قبـل دسـتور 2011.

وأخيـرا، فإنـه ينبغـي الإشارة إلـى أنـه مـن بيـن شـروط نجـاح ورش الجهويـة المتقدمـة، توفيـر شـروط الانفتاح مـن خـلال تفعيـل كل الآليات التي تُشـجع علـى ذلـك، ويتعلـق الأمر أولا وأساسـا بآليـات الديمقراطيـة التشـاركية التـي تسـمح بالانفتاح علـى المجتمـع المدنـي مـن جمعيـات ومنظمـات غيـر حكوميـة، بـل والانفتاح مباشـرة على المواطنـات والمواطنيـن.

إن هـذه الآلية الديمقراطيـة تمكن الهيئـات اللامركزية الجهويـة مـن التواصـل الـذي يسـمح بالتعـرف عـن كثـب علـى المشـاكل وجعلهـا فـي صلـب الاهتمام. إ لا أن الديمقراطيـة التشـاركية ومواكبـة نبـض المجتمـع تتطلـب تنميـة قـدرات الجماعــات الترابيــة حتــى تتمكــن مــن التفاعــل الإيجابي وليــس مجــرد عقــد لقــاءات شــكلية. وفــي نفس السياق ُنشـير إلـى ضـرورة الانفتاح علـى العالم مـن خـلال كل وسـائل التواصـل المتاحـة سـواء منهـا التقليديـة أو الحديثـة.

ان عمليـة انفتـاح الهيئـات اللامركزية سـتكون ولا شـك مـن أهـم العوامـل المحفـزة علـى مشـاركة سـاكنة الجهـة فـي العمـل التنمـوي الشـامل واندماجهـا فـي المشـاريع المبرمجـة قصـد إنجاحهـا لمـا فيـه مصلحـة الجهـة والوطـن.

وأخيـرا، فـإن الانفتاح يتطلـب أيضـا مـا تضمنتـه إحدى توصيـات المناظـرة الوطنية مـن ضرورة» إرسـاء آليـات الحكامـة وتفعيـل آليـات التنسـيق والتواصـل بيـن إدارة الجهـة وكافـة المتدخليـن «، باعتبـار أن الإدارة الجهويـة وسـيلة لتنفيـذ برامـج ومشـاريع الجهـة. وقـد تكـون هـذه الوسـيلة ناجعـة إذا تـم تمكيـن الجهـات مـن اسـتقطاب الكفـاءات العاليـة القـادرة علـى التعامـل مـع اختصاصـات الجهـة بـكل مـا يتطلبـه ذلـك مـن الخبـرات اللازمة. إن مسـألة اسـتقطاب الكفـاءات لا زالـت غيـر مشـجعة لأن الجهــات لــم تتمكــن لحــد الآن مــن اعتمــاد نظــام أساســي خــاص بموظفــي الجماعــات الترابيــة ُيشـجع علـى ولـوج الوظيفـة غيـر المرتبطـة بالإدارات المركزيـة.

الفقرة الثانية: آفاق واعدة مرتبطة بنموذج تنموي جديد.

فــي خضــم ترســيخ الديمقراطيــة المحليــة مــن خــلال توســيع صلاحيات الهيئــات اللامركزية الترابيـة، بـات مـن الضـروري الإسراع فـي اعتمـاد نمـوذج تنمـوي جديـد، وذلـك لان التنميـة فـي البـلاد لا تحقـق النتائـج المرجـوة منهـا نتيجـة اختـلالات كبيـرة ينبغـي معالجتهـا. فمـن ناحيـة أولـى ينبغـي التقليـص مـن الفـوارق الاجتماعية، ومـن ناحيـة ثانيـة ينبغـي التقليـص بيـن الفـوارق المجاليـة. وللنجــاح فــي هاتيــن المهمتيــن ينبغــي التعامــل مــع ورش الجهويــة المتقدمــة كرافعــة للامركزية الترابيـة وفـق مقاربـة جديـدة.

ومـن أجـل إنجـاح ورش الجهويـة المتقدمـة يجـب الانخراط الفعلـي فـي تحديـث بنيـات الدولـة وتجديدهــا، لكونهــا ليســت مجــرد تدبيــر ترابــي أو إداري فقــط، وإنمــا تســتلزم توطيــد كل دعائــم التنميـة المندمجـة للمجالات الترابيـة، وهـذا توجـه يـدل علـى أن مصيـر التنميـة الشـمولية بالمغـرب َ أصبــح رهينــا بإعــادة النظــر فــي النمــوذج التنمــوي المعتمــد فــي علاقته مــع اللامركزية الترابيــة بصفـة عامـة، والجهويـة المتقدمـة بصفـة خاصـة.

وفي هذا الصدد، نجد أن لجنة النموذج التنموي قدمت مجموعة من الوسائل لإصلاح تعثر تنزيل الجهوية المتقدمة ويمكن طرحها على الشكل التالي:

  • التسريع في تنزيل الجهوية المتقدمة موازاة مع لا تمركز فعلي،
  • تعزيز الموارد المالية للجهة والجماعات الترابية الأخرى،
  • النهوض بالتنمية الاقتصادية على مستوى الجهات،
  • إعادة هيكلة المجالات الترابية للاستجابة لمتطلبات التنمية.

 أولا: التسريع في تنزيل الجهوية المتقدمة موازاة مع لا تمركز فعلي.

في السابق كان ينظر إلى اللاتمركز كبديل للامركزية بمعنى أن اللاتمركز كان يشكل المحرك الأساسي للعمل الإداري، غير أنه بعد صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات والإقليم والجهة في 7 يوليو 2015 أصبح ينظر للاتمركز كنتيجة منطقية وتحصيل حاصل للامركزية، بمعنى تعايش اللامركزية واللاتمركز كل منهم يعمل في نطاق اختصاصه. فالمادة الثانية من الميثاق تنص على أن «اللاتمركز الإداري يعتبر مواكبا للتنظيم التراب اللامركزي للمملكة» مم يشكل اعترافا للجماعات الترابية بدورها الحيوي في إجارة وتسيير الشأن التراب.[53]

هذه المواكبة من شأنها خلق ثنائية عضوية إدارية على المستوى المحلي الترابي، حيث وضعت الجماعات الترابية والمصالح اللاممركزة على قدم المساواة. فالمادة الثالثة من المرسوم رقم 618 -17 -2 بمثابة ميثاق وطني تنص على أن اللاتمركز الإداري قوامه نقل السلط والوسائل وتم إدخال مبدأ التفريع في توزيع المهام.[54]

كما أن المادة الخامسة تؤكد أن الجهة تعتبر «الفضاء التراب الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري» وتمت تقوية دور والي الجهة الذي أصبح يلعب «الدور المحوري، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي” إذن، إعادة صياغة التنظيم الإداري المبني على اللامركزية واللاتمركز، هو نظام تنظيم الإدارة والمصالح الحكومية والترابية من قبل الدولة «المركزية «والمبني على توزيع وتفويض الاختصاصات بين مختلف أجهزة الإدارة اللاممركزة وأجهزة إدارة اللامركزية.[55]

ووعيا بالأهمية القصوى التي يحتلها اللاتمركز الإداري وعلاقته بالجهوية المتقدمة في النقاش العمومي، تدعو لجنة النموذج التنموي إلى تسريع عملية الجهوية المتقدمة، موازاة مع لا تمركز فعلي وإنهاء التلكؤ الذي أخر تطبيقها.ويجب أن يكون هذا اللاتمركز مرادفا للتفريع، وأن يتماشى مع الخصوصيات الترابية لكل جهة، وأن ينبني على العمل المشترك ما بين الوزارات والقرب، وتنشيط وتعبئة الطاقات التي تزخر بها المجالات الترابية، لهذا الغرض يجب أجرأة التصاميم المديرية للاتمركز بصفة أكثر عزما عن طريق نقل حقيقي للسلطات والوسائل، وليس فحسب عن طريق تفويض التوقيعات…[56]

كما توصي اللجنة بإحداث إدارة خاصة مكلفة بالشؤون الجهوية، لتعزيز دور الوالي فيما يتعلق بالتنسيق بين مصالح الدولة الخارجية لتغذو شريكا حقيقيا لممثلي الجهات.

وبالمناسبة سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن انتقد الإدارة المركزية المغربية في مقاربتها لتدبير مصالحها اللاممركزة، حيث لم تستطع التخلص من الممارسات ذات النزوع المركزي، وظلت تنتهج المقاربة العمودية، وأبدت تمنعا “دوغمائيا ” تجاه مسلسل اللاتمركز متذرعة بشتى الأسباب.[57]

لهذا فتبني سياسة لا تمركز حقيقية وتمتيع المصالح اللاممركزة بسلطات واختصاصات واسعة خاصة في علاقتها بالجهات، تعتبر ضرورة ملحة قصد إنجاح ورش الجهوية المتقدمة، على اعتبار أن الورش المفتوح يستدعي اليوم وجود مخاطبين أكفاء في مصالح الدولة قادرين على اتخاذ القرار على المستوى المطلوب.[58]

 ثانيا: تعزيز الموارد المالية للجهة والجماعات الترابية الأخرى.

كما هو معلوم، أن مالية الجماعات الترابية تحتل مكانة محورية في السياسات العمومية الترابية، باعتبارها الأداة الأنسب لتنفيذ السياسات التنموية على المستوى الترابي، فالعمليات المالية تستجيب لحاجات الساكنة المحلية، وتحقق الأهداف المرجوة. بيد أن الجماعات الترابية لا يمكنها القيام بمهامها دون توفرها على وسائل مادية ومالية، قادرة على تحقيق البرامج التنموية المتوخاة منها.

ولضمان تمويل تنزيل الجهوية المتقدمة، كرست المادة 141 من دستور 2011 مبدأين هامين:

  • – تخصيص موارد مالية من الدولة لفائدة الجماعات الترابية حيث نصت على أنه»: تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة»؛
  • – اقتران نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى بتحويل الموارد المالية اللازمة لتنفيذها، من خلال التنصيص على أن «كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له. «[59]

والملاحظ أن اللجنة في التقرير أوصت بتعزيـز المـوارد المالية للجماعات الترابية، وتنويعها ومشـاركتها فيمـا بينهـا، فضلا عـن تنمية مواردهـا البشـرية.[60]

ويترجم ذلك من خلال الرفع من التحويلات المالية المنجزة من طرف الدولة، موازاة مع نقل الاختصاصات المرتبطة جزئيا بالموارد الضريبية المستخلصة على مستوى كل جهة، وكذا الرفع من الموارد الذاتية للجماعات الترابية من خلال تبسيط وتحسين الجبايات المحلية.

كما يمكن للجهات والجماعات الترابية الأخرى اللجوء إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من أجل دعم تنفيذ المشاريع التنموية الجهوية التي تتلاءم مع هذا النوع من التمويل، واعتماد الجهة على صندوق التجهيز الجماعي الذي يجب تعزيز قدراته حتى لا ينحصر دوره في تمويل المشاريع الكبرى، وإنما أيضا في مرحلة تصميم هذه المشاريع وإعدادها تقنيا.

مقال قد يهمك :   وزير العدل: المسطرة الجنائية توفر الحماية القانونية للمبلغين عن الرشوة والفساد

كما تدعو لجنة النموذج التنموي إلى اعتماد ما أطلقت عليه “جهوية الخدمات بالبنيات التحتية” من خلال إسناد بعض الخدمات للجهة كأشغال بناء وصيانة الطرق الإقليمية والجماعية، تصميم التنقل والنقل الجهوي … [61]كما تقترح تعبئة الموارد البشـرية من خلال اعتماد آليات سلسة لإعادة تخصيـص المـوارد البشـرية، انطلاقا مـن الإدارة المركزيـة أو عـن طريـق التعاقـد والتوظيـف المباشـر، من طرف الجماعـات الترابيـة، للخبـرات والكفــاءات التي تحتـاج إليهــا.[62]

وتجدر الإشارة أن هذه المقترحات المتضمنة في التقرير، تنسجم بشكل كبير مع توصيات المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة المنظمة بتاريخ 20 و21 دجنبر2019 بأكادير، حيث أوصى المشاركون فيها على ضرورة مواصلة الدولة مبادراتها لدعم قدرات الجهات في مجال الحكامة والتدبير المالي، والعمل على تنويع مصادر تمويل الجهات عبر حلول مبتكرة من أجل تمويل برامجها الاستثمارية وتحديد حد أدنى مشترك من الاختصاصات التي يتعين البدء بنقلها إلى الجهات، مع إعطاء الأولوية للصلاحيات المرتبطة بمجالات وخدمات تهم مباشرة المواطنين، وتؤدي إلى تحسين مستوى عيشهم.

إجمالا، بات من الضروري تحفيز الجماعات الترابية على تطوير مداخيلها الذاتية عبر نهج حكامة جيدة للجبايات المحلية، وعبر التدبير النشيط لممتلكاتها، وكذلك تشجيع ثقافة التعاون وخلق مجموعات بين الجماعات والشراكات والتعاقدات.[63]

ثالثا: النهوض بالتنمية الاقتصادية على مستوى الجهات.

للرفع من وتيرة التنمية الاقتصادية، يدعو النموذج التنموي الجديد إلى دعم المقاولات، وخلق فرص الشغل على المستوى الجهوي من أجل إرساء بنية جهوية دامجة للشباب في سوق الشغل، كما ينبغي إحداث صناديق لدعم وتشجيع الأنشطة الاقتصادية الجهوية للنهوض بالاستثمار، وتشجيع العمل المقاولاتي وإرساء مشاريع تنموية واسعة النطاق.

كما تقترح اللجنة إحداث هيئات جهوية تحت مسمى” السلطات الجهوية للتنمية” تسند إليها إدارة مختلف المشاريع التنموية، وتطوير الجهات لمناطق اقتصادية مرتبطة بالنسيج الاقتصادي، تستجيب لحاجيات وطلبات المقاولات بتنسيق مع مختلف الفاعلين الجهويين، مع تحديد وعاء عقاري ملائم يستجيب لحاجيات الساكنة.

كما يمكن للجهات أن تستفيد من الاقتصاد الاجتماعي كأداة لتعزيز العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال إشراك” القطاع الثالث للاقتصاد” المتمثل في المجتمع المدني، والتعاونيات والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات العمومية والمقاولات المكلفة بالمصالح الجماعية، مع تمكين هؤلاء من مختلف الوسائل والإمكانات الضرورية، وبتآزر مــع النسيج المحلي للمقاولات الصغيـرة جدا والجامعات ومراكز التكوين والبحث-التطوير بالجهـة.

لهذا نجد المادة 82 من القانون التنظيمي للجهة تنص على إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية، من أجل الوصول إلى غاية واحدة: خلق وظائف وتطوير قدر أكبر من التماسك الاجتماعي.[64]

فكل المتدخلين في نطاق الاقتصاد الاجتماعي التضامني تبنون المبادئ التي تنبني على الفائدة والنفع الجمعي، وغياب الجانب الذي يهدف إلى الربح أو على الربح المحدود، وذلك في إطار الأرباح التي تجنى والتي يعاد ضخها واستثمرها في مشروع جمعي آخر. ولعل هذا ما يشكل نوعا من الحكامة الديمقراطية، التي تغلب الفرد على رأس المال وتستلزم انخراط كل الأطراف.[65]

وكل ذلك من أجل تحقيق الرفاهية الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات بين أفراد المجتمع، إلى جانب النهوض بالتشغيل وترسيخ التنمية المستدامة والعدالة القائمة على التوازن بين الجهات.

رابعا: إعادة هيكلة المجالات الترابية للاستجابة لمتطلبات التنمية

إن الرهان على البعد الترابي الجهوي في تحقيق التنمية، لا يمكن أن يتحقق بالشكل المطلوب، إلا بإعادة النظر في العمليات المرتبطة بتنظيم وتخصيص المجالات الترابية، وملاءمتها مع متطلبات التنمية.[66]

لهذا يدعو النموذج التنموي الجديد إلى إعادة تنظيم ترابي متجدد يضع المواطن في صلب السياسات العمومية، ويمكن من توزيع أنجع للخدمات العمومية لتصل إلى أصغر وحدة ترابية “الدوار”.

ويتطلب ذلك الاعتراف بمكانة “الدوار” كوحدة ترابية أساسية، ومكانا تم تحديده وتهيئته، مع الأخذ بعين الاعتبار ديناميات التنمية الخاصة بالمناطق.

ولإضفاء البعد التشاركي على هذا المشروع، تقترح اللجنة إحداث لجن على مستوى الجماعة تضم ممثلين عن مختلف الدواوير، لضمان تمفصل منطقي وحيوي بين أماكن العيش ومستويات اللامركزية الإدارية.

ومن شأن هذه الوسيلة أن تتيح خلق إطار ملائم، لتشجيع وتحديد مبادرات ومشاريع صاعدة من طرف فعاليات المجتمع المدني المحلي، تستجيب لمختلف التحديات والمتطلبات الاجتماعية الترابية.

كما تقترح اللجنة أيضا، ضرورة إعادة التفكير في توزيع الخدمات العمومية بالعالم القروي عبر استثمار “الدائرة” باعتبارها حلقة وسيطة بين الجماعة والإقليم، والارتقاء بمكانتها من مجرد وحدة إدارية كما هو عليه الحال الآن إلى بنية للتنسيق قائمة بذاتها، لتصبح الدائرة وحدة إدارية للقرب ونقطة التقاء في جدلية الاعتماد المتبادل في معادلة المجال الحضري والمجال القروي.

وفي هذا السياق انتقد الأستاذ” أحمد حضراني” مسألة اعتبار “الدوار” كوحدة ترابية أساسية، وتساءل هل ستدرج في إطار اللاتمركز الإداري أم اللامركزية الترابية؟ لاسيما وأن التقرير استعمل عبارة” وحدة ترابية”. وإذا كان التقرير يقترح جماعة ترابية أخرى فهذا الأمر خطير –حسب تعبيره- حيث سيؤدي هذا إلى تضخم على مستوى الهياكل الترابية، في الوقت الذي ينادي فيه البعض إلى حذف المجالس الإقليمية نظرا لدورها الباهت، والاكتفاء فقط بمجالس الجماعات –القاعدية- ومجالس الجهات.[67]

صفوة القول، إن مقترح لجنة النموذج التنموي الجديد المتمثل في تسريع التنزيل الفعلي لورش الجهوية المتقدمة، يبقى مجرد رؤية إصلاحية-حالمة ذات طابع استشاري، ولا يمكن تنزيلها بشكل فعلي دون توفر إرادة سياسية من طرف مختلف صناع القرار العمومي على المستويين الوطني والترابي.

هذه الإرادة التي ينبغي أن تترجم من خلال تبني استراتيجية تأخذ مصالح المواطنين كأولوية، وخلق شبكة أو مناخ أنسب للتواصل يشارك فيه مختلف الفاعلين –من بينهم المجتمع المدني – بغية بلورة خارطة طريق لبحث سبل تنزيل أنجع لهذا الورش الملكي الاستراتيجي، وصناعة قرار عمومي منسجم، يتفاعل بشكل حقيقي مع متطلبات النموذج التنموي الجديد.

خاتمة .

نخلص في الأخير إلى أن دستور 2011 جاء بمتغيرات كبرى همت تدبير المجال المحلي خصوصا فيما يخص عدد المقتضيات الدستورية التي تؤطر التنظيم الترابي للملكة.

ولقد أفضت الإصلاحات الدستورية والقانونية إلى التأكيد على ضرورة دمقرطة التدبير الترابي، بالتنصيص على عدة مبادئ تضمنت توسيع مجالات تدخل الجماعات الترابية، حيث يبدو جليا من المتن الدستوري الربط الجدلي بين التنظيم الترابي والتدبير الحر، واعتبار هذا الأخير مبدأ توجيهيا في تأطير العلاقة بين الوحدات المحلية والسلطة المركزية وممثليها الترابيين، بناء على التفريع والمساعدة والتضامن والمراقبة، وفيما بين مستويات التدبير المحلي وفق مقتضيات التعاون والتعاضد والصدارة وعدم وصاية جماعة على أخرى، الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند التنزيل القانوني والاجتهاد القضائي الدستوري. ومن النتائج القانونية المترتبة عن إقرار التدبير الحر وجود اختصاصات فعلية محمية بموجب الدستور والقوانين، لأن مفهوم الشؤون الخاصة يقتضي وجود مهام أصيلة لا يمكن للدولة أو ممثليها المحليين ممارستها أو المساهمة في ممارستها بشكل مباشر، بما يكفل ضمان حد أدنى من الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية، تمارسها بشكل أصلي ومستقل عن الدولة، مع ممارسة الاختصاصات المنقولة أو الاستشارية وفق معايير موضوعية كالتمايز والتدرج.

ويترتب عن تأصيل مبدا التدبير الحر العديد من الآثار القانونية التي تخص إقدار الجماعات الترابية على الممارسة الفعلية لاختصاصاتها القانونية، ولمخرجات هياكلها، من خلال تقوية الموقع التنفيذي لرؤساء المجالس المنتخبة، بمنحهم السلطة التنظيمية المحلية التي ترتبط بتجسيد ا لاختصاصات التي أقرتها النصوص الدستورية والقانونية والسلطة التنفيذية المحلية بتولي مسؤولية تنفيذ المقررات التي تتخذها المجالس التداولية.

غير أن التنزيل القانوني، وإن كان قد أقر بعض الآليات الداعمة لعمل الجماعات الترابية، فإنه لم يعكس الرهانات الدستورية المتوخاة من إقرار مبدأ التدبير الحر، حيث تم ربطه بإجراءات شكلية، في ظل تكريس الرقابة الإدارية المسبقة للإدارة على أهم المقررات التي تتخذها المجالس المحلية، وخاصة فيما يتعلق بالميزانية والتنمية والاستثمار التي تشكل العصب الأساس ي لعمل المستويات اللامركزية. وبحكم التأطير التشريعي لمقتضيات التدبير الحر بموجب قانون تنظيمي، وبالنظر للدور المتعاظم للقضاء الدستوري بالمغرب في صيانة الحقوق والحريات الأساسية، يُراهَن على المحكمة الدستورية في صيغتها الجديدة أن تعمل على حماية هذا المبدأ بالوقوف في وجه كل التشريعات والتدابير التي من شأنها الحد من حرية تدخل الجماعات الترابية، على غرار ما راكمه المجلس الدستوري الفرنسي من اجتهادات قضائية حفظت أهم مقومات الاستقلال الإداري والمالي المحلي في المجالات الحيوية للتدبير الترابي، كالميزانية والمالية المحلية وتدبير الموارد البشرية وحرية التعاقد وتأطير حدود الرقابة الإدارية وأنماط وصيغ التعاضد والتعاون بين المجالس المحلية المنتخبة، بما يُمكّن من تجاوز مختلف أشكال الوصاية على المستوى العمودي في علاقة الدولة بالجماعات الترابية وعلى المستوى الأفقي ببناء علاقة متوازنة ومتكافئة بين الوحدات اللامركزية وبنيات اللاتمركز الإداري.


لائحـــة المراجـــــع

 مراجع باللغة العربية:

  • أحمد أجعون: “الجهوية المتقدمة في الدستور المغربي لسنة 2011، “المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد442، ماي ـ يونيو2014.
  • أحمد بوسيدي “:التدبير الحر للجماعات الترابية”، مجلة المنبر القانوني، عدد مزدوج2و3، أبريل / أكتوبر 2012 .
  • إدريس جردان: تأملات حول الحكامة والتنمية الترابية بالمغرب (في أفق تفعيل دستور 2011)، الطبعة لأولى، مطبعة سبارطيل ، طنجة ،2014.
  • أمال المشرفي (إشراف):” القانون الدستوري للجماعات الترابية-دراسات مقارنة “، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2015 .
  • بن يونس المرزوقي، ورش الجهوية المتقدمة ورش استراتيجي، جريدة الأخبار، العدد 2188، الاثنين 6 يناير
  • عبد العزيز أشرقي:” العامل والمفهوم الجديد للسلطة”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى،2003.
  • السعدية بودريبلة:” في مستجدات التنظيم الإداري بالمغرب الإدارة المركزية واللامركزية في إطار دستور 2011 والقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية”، مرزاق للطباعة، مكناس ،2016.
  • نور الدين السعدوني:” الجماعات الترابية بالمغرب بين توزيع الاختصاصات التدبيرية وإكراهات الاستقلالية المالية دراسة تحليلية”، الطبعة الأولى، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط ،2015.
  • شنفارعبدالله: «الفاعلون المحليون والسياسات العمومية المحلية-دراسة في القرار المحلي «  ، مطبوعات المعرفة، الطبعــة الأولى،مراكش،2015.
  • سـعيد حموتـي، الجهويـة فـي المغـرب نمـوذج إصلاح إدارة الالتمركـز، مجلـة العلـوم السياسـية والقانـون، العـدد 18، المجلـد 03، نوفمبـر 2019، المركـز الديمقراطـي العربـي، برليـن -ألمانيـا.
  • رشـيد لبكـر، التطـور الدسـتوري للجهـة بالمغـرب، مجلـة مسـالك فـي الفكـر والسياسـة والاقتصاد، عـدد مـزدوج 20-19، مطبعــة النجــاح الجديــد، الدر البيضاء، 2012.
  • يونس وحالو (إشراف):” التدبير المحلي والحكامة الترابية على ضوء القوانين التنظيمية الجديدة”، منشورات مجلة العلوم القانونية، سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية ،2016.
  • يمنية هيكو ويوسف اليحياوي(تنسيق):” الدستور المغربي 2011 مستجدات وآفاق”، الطبعة الأولى،” منشورات كلية الحقوق بوجدة 2012.
  • محمد يحيا: “مبدأالتدبيرالحرللجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع في ا لقانونين الدستوري والإداري المغربيين”، ا لمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد133، مارس-أبريل،2017.
  • منير الحجاجي:” التخطيط الاستراتيجي بين الدولة والجماعات الترابية «، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية 2013-2014.
  • عبد الرحمان حداد: الوصاية في مشاريع القوانين التنظيمية للجماعات، المجلة المغربية للسياسات العمومية، العدد42، صيف 2015.
  • المكي السراجي: دراسة نقدية للسلطة التنظيمية الممنوحة للجماعات الترابية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 481 /487، ماي-غشت ،2017.
  • محمد الاعرج القانون الاداري المغربي الجزء الاول م م ا م ت سلسلة مواضيع الساعة دار النشر المغربية الرباط، العدد 66 مكرر 2010.
  • محمد عنتري: “الجديد في السلطة التنفيذية المحلية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، مواضيع الساعة، عدد 32، سنة 2001.
  • محمد يحيا: “مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع في القانونين الدستوري والإداري المغربيين”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 113، مارس-أبريل ،2017.
  • محمد اليعگوبي: “السلطة التنظيمية المحلية، بالمغرب: الفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستورر”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 82، 2013.
  • محمد نبيه، الجهوية المتقدمة بين اللامركزية واللاتمركز (الجانب القانوني والمحاسبي)، الطبعة الأولى 2019.
  • علـي قاسـمي التمسـماني، سياسـة الجهويـة الموسـعة: رهانـات وآفـاق، مجلـة العلـوم القانونيـة، العـدد الأول، مـاي 2013، محـور العـدد: السياسـات العموميـة ورهـان تنزيـل الدسـتور، مطبعـة المعـارف الجديـدة.
  • عبد العلي عدنان: «مقاربة دستورية لحدود ومضمون مبدأ التدبير الحر: الجهة نموذجا «،المجلة المغربية للقانون الإداري والعلوم الإدارية عدد مزدوج2و3، السنة الثانية 2017.
  • عبد الخالق علاوي “مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية وإعداد التراب في ضوء دستور 2011،” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 115، مارس-أبريل 2014.
  • دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان1432 الموافق ل30  يوليوز 2011، الباب التاسع.
  • الظهيــر الشــريف رقــم 83.15.1 صــادر فــي 20 رمضــان 1436 الموافــق ل 7 يوليــو 2015 بتنفيــذ القانــون التنظيمـي رقـم 14.111 المتعلـق بالجهـات، الجريـدة الرسـمية 6380 بتاريـخ الصـادر بتاريـخ 6 شـوال 1436(23 يوليــو 2015).
  • تقرير النموذج التنموي الجديد 2021.

ثانيا: مراجع باللغة الفرنسية:

  • Abibi, Jawad :« les collectivités territoriales au Maroc a la lumière de la constitution de 2011 », Edition L’Harmattan, Paris , 2015.», in Amal Mecherfi: « Le droit constitutionnel des collectivités territoriales »,
  • Barbé, Vanessa : « La péréquation, principe constitutionnel », Revue française de droit constitutionnel 2010/1 (n° 81).
  • Benjamin Meunier « Les règles relatives aux transferts de compétences entre collectivités publiques », Thèse Pour obtenir le grade de docteur en droit public, Université D’auvergne – Clermont Ferrand I, 2006.
  • Bouachik, Ahmed : « la régionalisation avancée dans la constitution marocaine de 2011 », Remald, série « thèmes actuels », n° 82 ,2013.
  • Carolina, Cerda-Guzman :« droit constitutionnel et institutions de la vie république Gualino Editeur & Lextenso Éditions , 2013.
  • Dalil ,Mustapha: « Démocratie participative et Développement locale au Maroc », Revue Marocaine d’administration locale et de développement, série Thèmes Actuels, n°73, 2011
  • Dominique Rousseau : « Droit du contentieux constitutionnel », 7ème édition, Edition .Delta, Paris ,2006.
  • El Yaâgoubi, Mohamed : « la régionalisation avancée à la lumière du rapport de la commission consultative de la régionalisation”, REMALD, série « Thèmes Actuels », n° 93.,2015
  • Hauriou (M.), Précis de droit constitutionnel, Paris, Sirey, 1923.
  • Jamal Khalouk: Territorial Management in Morocco: The Reality of the Situation and the Demand for Development, Brick Press Press, Rabat, Première édition, 2009.
  • Joye, Jean-François : « L’action économique territoriale : outils juridiques et logiques d’acteurs » Éditions L’Harmattan, 2002.
  • Lazaar, Mahfoud : « réflexions sur le principe de libre administration des collectivités territoriales », Remald, série « thèmes actuels », n° 93 ,2015.
  • Manon, Ghevontian : « À la recherche de l’autonomie locale française. La libre administration des collectivités territoriales, un miroir aux alouettes ? Revue Générale des Collectivités Territoriales no 57-2015.
  • Mecherfi, Amal : “Les collectivités territoriales dans la constitution marocaine », Imprimerie El Maarif Al Jadida-Rabat ,2015.
  • Mecherfi, Amal (Dir) : « Le droit constitutionnel des collectivités territoriales », Imprimerie El Maarif Al Jadida-Rabat ,2015
  • Melloni, David : « Les trois promesses de la nouvelle Constitution marocaine », Revue Maghreb -Machrek , N° 223, 2015.
  • Mostafa JARI, La « démocratie participative » : comment assurer l’efficacité de la participation ? Études, Remald, Série thèmes actuels, N° 52 – 2006.
  • Rouquan, Olivier : « Culture territoriale », Éditeur Gualino, 2011.
  • Rouveyran Thomas Et Foucault Ghislain : « transferts de compétences et de missions : le droit à compensation financière », la gazette, 12, octobre, 2009.
  • Sylvie Caudal Et François Rob (Dir) :« les relations entre collectivités territoriales. », Éditions .L’harmattan 2005.
  • Verpeaux, Michel : « La notion de libre administration des collectivités territoriales dans la ,institut “jurisprudence constitutionnelle”, in “la gestion locale face à l’insécurité juridique de la décentralisation :diagnostic-analyse-propositions » , L’Harmattan , Paris ,1997.
  • Zaïr, Tarik : « Le principe de libre administration des collectivités territoriales », Remald, collection “Études”, n°107 ou, novembre- décembre 2012.
  • Zaïr ,Tarik: «le nouveau statut constitutionnel des collectivités territoriales» , Remald, série « Thèmes Actuels », n° 82 ,2013.

الهوامش:

(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.

[1]  مصطفى بلكوزي ، الجهوية المتقدمة رافعة لإنجاح النموذج التنموي الجديد، قراءات متقاطعة حول مكانة ودور الإدارة في التقرير حول النموذج التنموي الجديد، إصدارات المرصد المغربي للإدارة العمومية -يناير 2022، ص 29.

[2] محمد الاعرج القانون الاداري المغربي الجزء الاول م م ا م ت سلسلة مواضيع الساعة دار النشر المغربية الرباط، العدد 66 مكرر 2010 ص 73.

[3]عبد الرحمان جمجامة، الإدارة اللامركزية مع اللاتمركز وسياسة القرب في الخطاب والنشاط الملكي من محمد الخامس إلى محمد السادس دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى ،2004 الصفحة 10.

[4] الرسالة  الملكية  السامية الموجهة  الى اللقاء الوطني حول اعداد التراب الوطنى:   الرباط يوم 26/01/2000

[5]الشرقي نصرو وشحشي عبد الرحمان، الجهوية الموسعة في الخطب الملكية بين التحليل السيميائي والتحليل السياسي منشور بسلسلة اللامركزية المحلية العدد 6 الطبعة الأولى ،2010 الصفحة 41.

[6]نص الخطاب الملكي الموجه إلى الأمة المغربية في 3 يناير 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية www.maroc.ma

[7]  دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان1432 الموافق ل 30 يوليوز2011، الباب التاسع.

[8] جمال خلوق: التدبير الترابي بالمغرب: واقع الحال ومطلب التنمية، مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى، 2009، ص:9.

[9] ميشل روسي المؤسس الإداري بالمغرب، الشركة المغربية للطباعة والنشر، الرباط الطبعة الأولى ،1998، ص 117.

[10]    الفصل 142 من دستور 2011.

[11]الظهيــر الشــريف رقــم 83.15.1 صــادر فــي 20 رمضــان 1436 الموافــق ل 7 يوليــو 2015 بتنفيــذ القانــون التنظيمـي رقـم 14.111 المتعلـق بالجهـات، الجريـدة الرسـمية 6380 بتاريـخ الصـادر بتاريـخ 6 شـوال 1436(23 يوليــو 2015،) ص 6.

[12] ادريس جردان تأملات حول الحكامة والتنمية الترابية بالمغرب في افق تفعيل دستور 2011 الطبعة الأولى مطبعة ، سبارطيل طنجة ،ص 71

[13] Jawad Abibi :« les collectivités territoriales au Maroc a la lumière de la constitution de 2011 » ,op. cit. p : .70.

[14] Ghevontian Manon : « A la recherche de l’autonomie locale française. La libre administration des collectivités territoriales, 92un miroir aux alouettes ? Revue Générale des Collectivités Territoriales no 57-2015 –  p : 2

[15] Najib Ba Mohammed: «Les enjeux constitutionnels et politiques de la décentralisation territoriale à la lumière du nouveau constitutionalisme marocain »,in Amal Mecherfi (Dir):«Le droit constitutionnel des collectivités territoriales»,op.cit,p :114

[16]  أحمد بوسيدي:”التدبيرالحرللجماعات الترابية”، مرجع سابق، ص : 203-204.

[17] Jawad Abibi : « les collectivités territoriales au Maroc a la lumière de la constitution de 2011 » ,op. cit. p: 81.

[18]  بوجمعة بوعزاوي:” السلطة التنظيمية المحلية “، مرجع سابق، ص: 112.

[19]  محمد اليعگوبي: «السلطة التنظيمية المحلية، بالمغرب: الفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستور « ،مرجع سابق ، ص: 39 و 45.

[20] عبدالعلي عدنان: «مقاربة دستورية لحدود ومضمون مبدأ التدبير الحر: الجهة نموذجا « ، المجلة المغربية للقانون الإداري و العلوم الإدارية عدد مزدوج 2 و3، السنة الثانية 2017، ص :153/154.

[21] محمد يحيا: “مبدأالتدبيرالحرللجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع فيا لقانونين الدستوري والإداري المغربيين “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد133، مارس-أبريل،2017، ص:43.

[22] محمد يحيا: “مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع «، المرجع السابق، ص:43.

[23] Abderrahmane Zanane : « Le contrôle administratif des collectivités territoriale », in Amal Mecherfi: « Le droit constitutionnel  des collectivités territoriales », op.cit,p :199

[24] أحمد أجعون: “مضمون ونطاق التدبيرالحرللجماعات الترابية”، ضمن “القانون الدستوري للجماعات الترابية -دراسات مقارنة -»، مرجع سابق، ص: 49

[25]  عبد الرحمان حداد:” الوصاية في مشاريع القوانين التنظيمية للجماعات”، المجلة المغربية للسياسات العمومية، العدد 16، صيف 2015: ص ،107

[26]  محمد يحيا: “مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع في القانونين الدستوري والإداري المغربيين «،مرجع سابق ،ص:32

[27] Abderrahmane Zanane : « Le contrôle administratif des collectivités territoriale », in Amal Mecherfi: « Le droit constitutionnel  des collectivités territoriales », op.cit,p :204

[28]Tarik Zair, « le principe  de libre administration des collectivités territoriales », op. cit. p : 15.

[29] عبد الخالق علاوي: «مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية وإعداد التراب في ضوء دستور2011»، مرجع سابق، ص158

[30] Tarik Zair, « le principe  de libre administration des collectivités territoriales », op. cit. p : 9.

[31]  أحمد أجعون: “مضمون ونطاق التدبير الحر للجماعات الترابية”، مرجع سابق ، ص :48

[32] Michel verpeaux « la notion de libre administration des collectivités territoriales dans la jurisprudence    constitutionnelle, in institut de la décentralisation :diagnostic-analyse-propositions » , L’Harmattan , “”la gestion locale face à l’insécurité juridique, Paris ,1997,p: 10.

[33] أحمد بوسيدي: “التدبيرالحرللجماعات الترابية “، مرجع سابق، ص :208.

[34] Mohammed Boujida: « Quelques séments d’analyse du principe constitutionnel de la libre administration des collectivités territoriales marocaines », in Amal Mecherfi (Dir) : « Le droit constitutionnel des collectivités territoriales “, op.cit.: 18.

[35] Dominique Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel » ,7 éme édition .Edition Delta, Paris op. cit. p : 24.

[36] Dominique Rousseau : « Droit du contentieux constitutionnel », op. cit. p : 241.

[37] Vanessa Barbé, « La péréquation, principe constitutionnel », Revue française de droit constitutionnel 2010/1 (n° 81), p. 19. 97

[38] Mohammed Boujida: « Quelques éléments d’analyse du principe constitutionnel de la libre administration des collectivités territoriales marocaines», op.cit.: 18.

[39] JOYE, Jean-François : « L’action économique territoriale : outils juridiques et logiques d’acteurs », op.cit.. p : 149.

[40] Michel Verpeaux : « La notion de libre administration des collectivités territoriales dans la jurisprudence constitutionnelle », 100 op.cit.p :43.

[41]Michel Verpeaux : « les principes constitutionnels », in Sylvie caudal et François rob (Dir) : « les relations entre collectivités  territoriales », Editions l’harmattan 2005,p :67

[42] Thomas Rouveyran Et Ghislain Foucault : « transferts de compétences et de missions : le droit a compensation financière », la gazette, 12, octobre, 2009, p : 58.

[43] Mohammed Boujida: « Quelques éléments d’analyse du principe constitutionnel de la libre administration des collectivités territoriales marocaines »,. Op.cit.p. 1

[44]Jawad Abibi :« les collectivités territoriales au Maroc a la lumière de la constitution de 2011 » ,op. cit. p: 57.

[45]  أحمد أجعون: “مضمون ونطاق التدبير الحر للجماعات الترابية”، مرجع سابق، ص :48

[46] Mohammed Boujida: « Quelques éléments d’analyse du principe constitutionnel de la libre administration des collectivités territoriales marocaines »,. Op.cit.p: 186.

[47] بن يونس المرزوقي، ورش الجهوية المتقدمة ورش استراتيجي، جريدة الأخبار، العدد 2188، الاثنين 6 يناير2020، ص 7.

[48] الموقع الرسمي لنتائج انتخابات الجماعات الترابية والبرلمانية

[49]  الفصل 145 من دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان1432 الموافق ل30 يوليوز2011

[50] مذكرة جمعية الجهات المغربية حول مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهة، بتاريخ يوليو 2014

[51] الفصل 143 من دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان1432 الموافق ل30 يوليوز2011

[52] الفصل 71 من دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم:1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان1432 الموافق ل 30 يوليوز 2011.

 [53] محمد نبيه الجهوية المتقدمة بين اللامركزية واللاتمركز (الجانب القانوني والمحاسبي)، الطبعة الأولى 2019، ص 252.

[54] محمد نبيه، الجهوية المتقدمة بين اللامركزية واللاتمركز…، مرجع سابق، ص 252

[55] محمد نبيه، مرجع سابق، ص 252

[56] تقرير النموذج التنموي الجديد، ص 118.

[57] أنظر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسة القطاعية، إحالة ذاتية رقم 22-2016.

[58] لحسن ملال وزهير لعميم، متطلبات اللاتمركز الإداري في ظل الجهوية المتقدمة، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية/ألمانيا-برلين-العدد الرابع عشر شباط -فرابير 2022، ص166.

[59] ملف المالية المحلية: تكريس فعالية التدبير العمومي، مساهمة الدولة في موارد الجماعات الترابية، مجلة المالية العدد 29-يناير 2016، ص 10.

[60]  تقرير النموذج التنموي الجديد، ص 118

[61]  تقرير النموذج التنموي الجديد، ص 119.

[62]  تقرير النموذج التنموي الجديد، ص 118.

[63]  ملف المالية المحلية: تكريس فعالية التدبير العمومي، مساهمة الدولة في موارد الجماعات الترابية، مرجع سابق، ص 10.

[64] محمد نبيه، مرجع سابق، ص 200.

[65] محمد نبيه مرجع سابق، ص 200.

[66]  مصطفى بلكوزي، الجهوية المتقدمة رافعة لإنجاح النموذج التنموي الجديد، قراءات متقاطعة حول مكانة ودور الإدارة في التقرير حول النموذج التنموي الجديد، إصدارات المرصد المغربي للإدارة العمومية -يناير 2022، ص 29.

[67]  بمناسبة دورة تكوينية نظمت بمقاطعة المعارف بالدار البيضاء بتاريخ 11 نونبر 2021 بعنوان ” الحكامة الترابية في تنزيل النموذج التنموي الجديد”، من تأطير الأستاذين أحمد حضراني والمختار المنتظم (الدورة متوفرة بموقع اليوتيوب)

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]