الوكالة في الطلاق والتطليق: من ضعف الرؤى التشريعية إلى الحاجة لتنزيل الصلح عن بعد

ايوب عويش باحث في القانون الخاص -جامعة محمد الخامس للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي -الرباط وحاصل على شهادة الاهلية لمزاولة مهنة المحاماة سنة  2019


الملخص:

    جاءت مدونة الاسرة سنة 2004 بموجب القانون رقم 70.03 وحملت معها العديد من الاشكالات التي افرزتها الممارسة العملية, بالرغم من انها كانت موقفة في حل العديد من الإشكالات المحيطة بالزواج فإن موقفها بقي غامض بخصوص الوكالة في الطلاق والتطليق, والبحث والتدقيق في ثنايا مقتضيات مدونة الاسرة لم نجد اية اشارة لا من بعيد ولا من قريب تعزز من فرضية اعتماد او الاعتراف بالوكالة في الطلاق والتطليق بشكل صريح, على خلاف ما كانت تنص عليه في الفصل 44 من مدونة الاحوال الشخصية بإجازتها للوكالة في الطلاق, الا انه يمكن القول انه هناك  عدة مؤشرات قانونية وفقهية وايضا قضائية ولو انها تتميز بالتضارب فيما بينها بخصوص جواز الوكالة في الطلاق والتطليق, وفي نفس السياق نؤكد ان الحل الوحيد لتجاوز الاشكالات التي يثيرها هذا الموضوع يتجسد في ضرورة ان يكون تدخل تشريعي على الاقل بفتح امكانية اجراء الصلح عن بعد, كحل من الحلول المرتقبة والمطروحة لحل الإشكال المتعلق بهذه المواقف  لاسيما بالنسبة للمغاربة القاطنين في ديار المهجر  وهو ما تناولناه في هذا المقال.

Abstract:

The Family Code came in 2004 according to Law No. 70.03, and it carried with it many problems that were presented by practice, although it was stopped in solving many of the problems surrounding marriage.

Her position remained ambiguous regarding the agency in divorce and divorce, and research and scrutiny within the requirements of the Family Code did not find any indication, neither from afar nor from close, that reinforces the premise of adopting or recognizing the agency in divorce and divorce explicitly, Contrary to what was stipulated in Article 44 of the Personal Status Code by permitting the agency in divorce, it can be said that there are several legal and jurisprudential indicators as well as judicial, even if it is characterized by a conflict between them regarding the permissibility of power of attorney in divorce and divorce, In the same context, we affirm that the only solution to overcome the problems raised by this issue is the necessity for legislative intervention to be at least opening the possibility of conducting reconciliation remotely as one of the solutions expected and proposed to solve the problem related to these situations, especially for Moroccans living in Outside Morocco which is what we covered in this article..


مقدمة:

تعتبر القضايا الاسرية احدى اهم القضايا داخل المجتمع المغربي والأكثرها حساسية على اعتبار انها فاعل مؤثر في التنشئة الإجتماعية وأساسها ولها دور في ضمان استقرار للنظام العام, وليس بغريب ان يتدخل المشرع المغربي مرة تلوى الأخرى بواسطة قوانين تنظم العلاقات الأسرية دون المساس بخصوصيتها المتمثلة في ارتباطها بالشريعة الإسلامية.

ولئن كان الزواج احد ابرز مواضيع قانون الاسرة[1] فإن الواقع من الناحية القانونية يقتضي ضبطه من جميع المراحلة السابقة واللاحقة له, باعتباره من العقود ذات طبيعة خاصة كما وصفه المولى عز وجل في ذكره الحكيم بالميثاق الغليظ مصداقا لقوله ”وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا”,[2] الزواج حسب المادة الرابعة من مدونة الأسرة هو ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة,  وبالتالي فهو يرتب على اطرافه اي الزوج والزوجة التزامات متبادلة مصداقًا لوصف الله عز وجل ذلك بقوله:” هُنَّ لِبَاسٌلَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ”,[3] والاخلال بها قد يؤدي الى انحلال هذه الرابطة الزوجية كحق يمارس من قبل الزوج والزوجة، كل حسب شروطه الشرعية وبمراقبة القضاء.

    وبالرغم من ان مدونة الأسرة كانت موقفة في حل العديد من الإشكالات المحيطة بالزواج فإن موقفها بقي غامض بخصوص الوكالة في الطلاق والتطليق كما سنرى لاحقا في صلب الموضوع, ويمكننا اعطاء تعريف لهذه الاخيرة انه عقد يربط بين الموكل والوكيل يلتزم بمقتضاه هذا الاخير تجاه الموكل بالقيام بجميع الاجراءات القضائية والقانونية المتطلبة في انحلال ميثاق الزوجية اما القضاء, اما بالنسبة للمشرع المغربي فإنه في قانون الالتزامات والعقود نص الفصل 879 ق ل ع على ان:  ” الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخصا شخصا أخر بإجراء عمل مشروع لحسابه”, ونص الفصل 890  ق ل ع على ” يجوز ان تكون الوكالة خاصة او عامة و نص الفصل 891  ق ل ع على ان ” الوكالة الخاصة هي التي تعطى من اجل اجراء قضية او عدة قضايا والتي لا تمنح الوكيل الا صلاحيات خاصة و تحدد صلاحيات الوكيل والقضايا موضوع الوكالة في نص الوكالة اما  الفصل 892 ق ل ع ان وكالة التقاضي وكالة خاصة .

 وفي نفس السياق يمكن القول انه هناك  عدة مؤشرات قانونية وفقهية (اولا) وقضائية متضاربة فيما بينها بخصوص جواز الوكالة في الطلاق والتطليق (ثانيا), إلا انه يبدو ان الصلح عن بعد احدى اهم الحلول المرتقبة والمطروحة لحل الإشكال المتعلق بهذه المواقف  لاسيما بالنسبة للمغاربة القاطنين في ديار المهجر (ثالثا) .

أولا: غموض تشريعي يقابله اجتهاد فقهي

    ان  موقف المشرع المغربي بموجب مدونة الاسرة صحيح هو غامض إلا أن هذه الأخيرة تتضمن ما قد يحيلنا (أ) على اجتهاد الفقه الاسلامي (ب) .

أ.موقف مدونة الأسرة المغربية

   عند البحث والتدقيق في ثنايا مقتضيات مدونة الاسرة لم نجد اية اشارة لا من بعيد ولا من قريب تعزز من فرضية اعتماد او الاعتراف بالوكالة في الطلاق والتطليق بشكل صريح, وقد يفسر بأن المشرع المغربي لم يتح هذه الامكانية إلا انه بالرجوع الى المادة 17 من م.أ يبقى المهتم في حيرة من أمره عندما يجد انه في نفس المدونة هناك اعتراف واضح بوجود امكانية الوكالة في الزواج حينما نص في الفقرة الأولى على أنه ” يتم عقد الزواج بحضور أطرافه، غير أنه يمكن التوكيل على إبرامه، بإذن من قاضي الأسرة، المكلف بالزواج وفق شروط محددة,[4] على خلاف ما كانت تنص عليه في الفصل 44 من مدونة الاحوال الشخصية بإجازتها للوكالة في الطلاق,  وما عسنا إلا  تبرير هذا الموقف بواسطة فرضيات قد تكون وراء هذا الغموض وهي كالآتي :

  • الفرضية الاولى: تتمظهر في أن مدونة الأسرة قد ساهم في صياغتها اكثر من مشرع الأول سمح بالوكالة في الزواج والثاني الذي صاغ الجزء المتعلق بإنحلال ميثاق الزوجية لم يفعل ذلك وقد تعمد ذلك.
  • الفرضية الثانية: تتمثل في كون اعتبار المشرع لنظام الصلح من النظام العام حيث انه تناوله بواسطة المواد 81 و 82 و 83 من مدونة الأسرة بصدد تنظيم احكام الطلاق, ونص في الأولى على ضرورة حضور الزوج بشكل شخصي عندما تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح فإذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه, اما المادة 82 من نفس المدونة فقد نظمت اجراءات الصلح من حيث المكان والإجراءات مع تحديد الاجالات, اما بالنسبة للتطليق بالشقاق بطلب من الزوجين فإن المادة 94 احالة على مقتضيات المادة 82 من نفس المدونة, ناهيك عن اسباب التطليق الاخرى بطلب من الزوجة  الواردة في المادة 98 والتي نص فيها المشرع على ضرورة الصلح لكنه لم يحل على مقتضيات المادة 82.
مقال قد يهمك :   عمر علوي هشماني: الصحراء المغربية بين منظور النظام الجهوي وإطار الحكم الذاتي

 اما بالنسبة للطلاق بالاتفاق فقد نصت المادة 114 في الفقرة الثالثة انه عند وقوع هذا الاتفاق يقدم الطرفان أو أحدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقا به للإذن بتوثيقه بعد القيام بمحاولة صلح لكنها لم تحل على مقتضيات الصلح الواردة في المادة 82, اما فيما يخص بالطلاق الخلعي فالمادة 118 نصت على انه كل ما صح الالتزام به شرعا، صلح أن يكون بدلا في الخلع، دون تعسف ولا مغالاة ….

  • الفرضية الثالثة: مفادها صعوبة تناول جميع المسائل المتعلقة بإنحلال ميثاق الزوجية وبالتالي فانه قد سمح ضمنيا باللجوء الى مقتضيات المادة 400 من مدونة الاسرة حينما اكدت على انه كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف, وبالتالي الرجوع الى اجتهادات الفقه الاسلامي كما سنرى لاحقا لا سيما الذهب المالكي .

ب.موقف الفقه الاسلامي

    ان الوكالة قررت وشرعت لرفع المشقة و جلب التيسير, ومن تم فانه بناء على ان الطلاق والتطليق حق للزوج كما هو حق للزوجة كما سبق ان بينا سلفا, و حيث ان القاعدة الفقهية تقول ” من ملك حقا ملك التوكيل فيه “ وبما أن الوكالة هي تكليف شخص من الغير ليقوم مقام الموكل في تصرف جائز, وعبر اعمال مقتضيات المادة 400 من مدونة الاسرة نجد انها قد تحيلنا على المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف عند كل نقطة او اشكال لم يثر في شأنها نص,وفيما يخص مواقف الفقه الاسلامي فهناك المذهب المالكي وباقي المذاهب لا سيما الامام الشافعي والحنبلي.

  • بالنسبة للفقه المالكي, يلاحظ هناك منع من فقهاء المالكية الوكالة في بعض الأمور التي لا تتحقق فيها مصلحـــة الشخص دون حضوره الشخصي و من أمثلة ذلك المسائل المتعلقة ب الايمـــان والشهادتيــن والصـــلاة الاعتقاد في الله, كما أن الذين يتبنون موقف المنع خصوصا فيما يتعلق بالصلح في الطلاق, ينطلقون من كون الصلح مسألة شخصية لا ينبغي لأحد من الغير أن يقوم بها نظرا لما قد يقتضيه حضور الطرفين أمام القاضي الذي يستشيرهما عن أشياء خاصة,[5]لكن هذا الاتجاه مخالف للقواعد الفقهية و القانونية بالإضافة إلى أن المحكمة قد تتجاوز مرحلة الصلح عند عـدم حضور الحكمين وتعلن عن فشل محاولة الصلح اعتمادا على ذلك, و بالتالي فان اجراء الصلح بين الزوجين و لو عن طريق الوكالة خير من عدم إجرائه بالمرة لان القاعدة الشرعية تقول ” ما لا يدرك كله لا يترك بعضه “

اذ يقول ابن عاصم في باب الوكالة: البالغ الرشيد له ان يوكل غيره ليقوم مقامه في كل ما يقبل النيابة

و أضاف ابن عاصم ان المطلوب يجوز له أن يوكل من يخاصم الطالب كما ان الطالب يجوز له ان يوكل من يخاصم المطلوب

و يرى ابن عاصم ان وكالة الخصام يستحسن ان تتعلق أيضا بالإقرار و الإنكار[6] و في نظمه يقول:

                     ” و حيثما التوكيل بالإطلاق   ** فذلك التفويض باتفاق ”

و في باب الصلح: قال ابن عاصم: [7] ” الصلــح جــائــز بــالاتفـــاق” و معنى ذلك ان الصلح بين المتنازعين جائز باتفاق أهل المذهب المالكي, إلا ان الشيخ تسولي رحمة الله عليه اكد على استثناء الحرام والمكروه.[8]

 وأكد الشيخ خليل في مختصره في باب صحة الوكالة في قابل النيابة من فسخ,[9]  انها جائزة في المطلق اذا فوض الموكل فأمضى النظر للوكيل ما عدا ثلاثة أمور وهي انكاح بكر، وبيع دار سكناه والطلاق: فلا تجوز إلا إذا خصصت او يعين بنص او قرينة بمعنى انه يجب تعيين المطلق.

  • اما بالنسبة لموقف باقي المذاهب, ذهب الشافعية إلى أن تفويض الطلاق تمليك له، فيشترط لوقوعه تطليقها نفسها على الفور، وإذا ملكت المرأة نفسها، فلا رجعة عليها, ويرى الحنابلة أن من صح طلاقه صح توكيله، فإن وكل الزوج زوجته في الطلاق، صح توكيلها، وطلاقها لنفسها، وللوكيل أن يطلق متى شاء، ما عدا إذا حدد له تاريخا، فلا يملك الطلاق في غيره. [10]

ثانيا: تباين المواقف القضائية

    كما هو مستشف من موقف مدونة الاسرة الذي تتميز بالغموض الذي يقابله إجتهاد الفقه الإسلامي يطرح التساؤل حول الطريقة التي تعامل بها القضاء المغربي, على اعتبار ان ووزارة العدل بلسانها تعترف انه هناك صعوبات عندما اكدت في احدى المجلات الصادرة عنها[11]  “…بيد ان الضرورات العملية و الواقع المعاش قد  ابان عن وجود بعض الحالات التي يتعذر فيها على الزوجين او احدهما الحضور الشخصي لمسطرة الطلاق مما يلحق الضرر بهما او احدهما و يحيد بالتالي عن هدف المشرع و ايلائه للعناية و الرعابــة و الحماية للاسرة علما بان أغلبية المذاهب الفقهية الاربعة و في طليعتها المذهب المالكي تجيز الوكالة في الطلاق هذا جعل المواقف تتباين بين الاتجاهات القضائية فمنها التي اجاز الوكالة في الطلاق (أ) واخر رافضا لها (ب) .

أ-الإتجاه الرافض للوكالة

    الملاحظ من المحاكم التي تتبنى هذا التوجه بشكل مطلق ابتدائية تطوان حيث لا تعترف الاخيرة بما يعرف بالوكالة في الطلاق ولنا في هذا المقام حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة بهذه المحكمة عدد 190 الصادر بتاريخ 11/07/2018 تحت رقم 480/1626/2019 ” وحيث ان سكوت المشرع عن الوكالة في الطلاق دليل على عدم الاخذ بها عملا بالقاعدة الفقهية السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان…. ويتعين عدم قبول الطلب”. [12] 

    فالواضح ان قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الإبتدائية بتطوان تتمسك بحرفية النص وهو عدم وجود في مدونة الاسرة أي مقتضى يشجع المحاكم على قبول الوكالة, وتحججت بقاعدة فقهية للإمام الشافعي انه ” السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان” حتى تبين على عدم اخد المشرع المغربي بالوكالة في الطلاق, ويبدو انه سياق هذه القاعدة الفقهية قد لا تنطبق على هذا الموضوع بفعل وجود مقتضى مجسد في المادة 400 الذي يفتح الباب بمصراعيه امام القضاء لتبني توجهات مخالفة لذلك .

     حقيقة هذا الإتجاه هو نفسه الذي يتمسك بدفع ان الصلح كمسطرة من النظام العام وتتطلب الحضور الشخصي للزوج على اعتبار ان الوكيل مجرد طرف ثالث ناقل لإرادة الأصيل الذي هو الزوج الموكل ليس إلا, وقد ظهر ممن يعارضون الوكالة في الطلاق او التطليق لما لها من اثر في تشتيت الأبناء وهذا الرأي نادى به ابن حزم عندما قال : ”لاتجوز الوكالة على الطلاق ولا عتق ولا تدبير ولا على رجعة…ولا على صلح لأن كل ذلك إلزام حكم لم يلزم قط وحل عقد ثابت ونقل ملك بلفظ.فلا يجوز أن يتكلم أحد على أحد إلا حيث أوجب ذلك نص ولا نص على جواز الوكالة في شيئ من هذه الوجوه”.[13]

ويستشف مما سبق ان هذه الاحكام تناولت فقط الوكالة في الطلاق مما يصعب علينا ان نجزم ان القضاء يرفض الوكالة في التطليق ايضا وذلك هو ما سنبين في النقطة الموالية.

ب-الإتجاه القائل بجواز الوكالة

     ذهب هذا الاتجاه القضائي الى قبول الوكالة مستندا على اسس قانونية وشرعية ومشروعية من حيث دورها في تيسير القيام بالتصرفات القانونية حينما يتعذر عليهم القيام بذلك بأنفسهم على اعتبار ان الطلاق مثله مثل باقي المعاملات والتصرفات .

مقال قد يهمك :   هيئة كتابة الضبط والعِقْدُ الأخير

والواضح هناك حاجة ماسة الى اجتهادات توسع من نطاق اعمال الوكالة بصدد القيام بإجراءات الطلاق والتطليق ايضا بما فيها القيام بالصلح, اذ انه هناك حالات وظروف قاهرة تكون وراء عدم امكانية حضور الزوج الموكل الى جلسة الصلح المنصوص عليها في مدونة الاسرة المنصوص عليها في المادة 81 و 82 و 83 خاصة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج, الذين يجدون العديد من المشاكل خاصة عند القيام بتلك الاجراءات, اذ ان الرجوع الى ارض الوطن يستلزم مصاريف وتكاليف باهظة للحضور مما قد يستتبع ذلك من فرضية تعرض الزوج للفصل عن العمل عندما يكون اجيرا وغيرها من المشاكل, وانسجاما مع هذه المعطيات صدرت قرارات عن القضاء المغربي تجيز الوكالة استنادا الى المادة 400 وما احالت عليه على موقف الفقه المالكي كالاتي :

  • على مستوى محاكم الموضوع, في حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة المحكمة الابتدائية بالناظور بتاريخ 2007.02.7 نصت فيه على مايلي ” … حيث قررت المحكمة الإذن للزوج … بواسطة وكيل توثيق عقد الطلاق على زوجته”[14] وفي حكم اخر لدى نفس المحكمة ورد فيه ” وحيث أدرجت القضية بجلسة الصلح 2007.03.13 حضرتها المدعية, حضر وكيل المدعى عليه وأدلى بوكالة ومواقفة على التطليق مصححتي الإمضاء في قنصلية المملكة المغربية ببروكسيل ”[15]

وفي حكم اخر صادر عن قسم قضاء الاسرة بالمحكمة الابتدائية ببرشيد,[16] بتاريخ 08-10-2019 حيت جاء في ” وبناء على قرار المحكمة باحالة الملف على غرفة المشورة للنظر في موجبات الشقاق واجراء محاولة صلح بين الطرفين

وبجلسة الصلح الأولى حضرتها وكيلة الزوجة وتخلف المدعي عليه رغم التوصل وعن اسباب الشقاق افادت الوكيلة ان هناك مشاكل عديدة بينهما تتمثل في انعدام التفاهم وامساك الزوج عن الانفاق وعن عمل الزوج صرح انه اجير بإيطاليا واصرت على طلبهاوقائعه وهذا يستشف ضمنيا قبول الوكالة في الطلاق في جلسة الصلح واعتبرتها اجراء .

  • على مستوى محكمة النقض كمحكمة قانون, هناك قرار صدر عنها بتاريخ 2013.12.24 اجازت الوكالة وجاء في القرار مايلي ” لئن كانت مدونة الأسرة لم تنص على امكانية الطلاق بوكالة الا انه يمكن ان يعمل بها تطبيقا للمادة 400 من نفس المدونة التي تحيل على الفقه المالكي الذي يعتبر الوكالة في الطلاق وهو بمثابة قانون داخلي ”.[17]

      والواقع العملي افرز ان السادة المحامين عندما يدلون بالوكالة في الطلاق الى القضاء فإنهم يحرصون على توفر بعض البيانات قياسا على مقتضيات المادة 17 من مدونة الاسرة مع مراعات خصوصيتها للطلاق والتطليق من قبيل :

  • أن يعين الموكل في الوكالة اسم الزوج الآخر ومواصفاته وجنسيته، والمعلومات المتعلقة بهويته، وكل المعلومات التي يرى فائدة في ذكرها؛ ومكان ابرام عقد الزواج
  • تاريخ الوكالة وموضوعها
  • الظروف خاصة الاستثنائية، التي لا يتأتى معها للموكل أن يقوم بالحضور  بنفسه لاجراءات الطلاق ؛

– تحرير عقد الوكالة في في الطلاق او التطليق في ورقة رسمية أو عرفية، مصادق على توقيع الموكل فيها؛

– أن تتضمن الوكالة قدر الصداق، وعند الاقتضاء المعجل منه والمؤجل. وللموكل أن يحدد مطالبه والاسباب التي يستند عليها في الطلاق او التطليق.

– الاسباب الخاصة التي حالت دون حضوره .

– التوقيع ” اذا كان الموكل خارج المغرب فإن تصحيح الإمضاء يكون في السفارة او القنصلية المغربية المتواجدة في ذلك البلد”

ثالثا: الحلول المرتقبة ”الصلح عن بعد كنمودج” 

     تعتبر رقمنة المساطر القضائية من أهم الأهداف التي يسعى المغرب الى تنزيلها علة ارض الواقع وأحد اهم الأطروحات المعول عليها لتدبير تلك الاختلالات التي تركها كوفيد-19 حتى اصبح شعار الرقمنة ونمودج التنمية الجديد. [18]

 امام هذا التباين في الإتجاهات القضائية بخصوص الوكالة يبدو انه من اهم الحلول الممكنة لتحفيز القضاء وتوحيد موقفه لجواز قبولها من جهة, ومن جهة اخرى تكريس البعد الوقائي للصلح ضمن مقتضيات انحلال ميثاق الزوجية (ا), وهذه الالية عمدت بعض التشريعية العربية الى تكريسها على ارض الواقع لا سيما خلال هذه الأزمة الصحية العالمية (ب).

أ-الصلح عن بعد علاقة الصلح بالوكالة في الطلاق والتطليق

      الصلح عن بعد يدخل في اطار ما يسمى بالعدالة الإلكترونية وهذه الاخيرة حسب المهتمين,[19] يقصد بها بشكل خاص استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تحقيق الولوج المستير لمرفق العدالة وتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين ميدان القانون والقضائي (المحامون، القضاة، كتاب الضبط)، وتتمثل الفوائد الرئيسية لنظام العدالة الرقمية في زيادة كفاءة النظام القضائي والحد من التكاليف وتقليص أمد الخصومات القضائية، وكذا تبسيط الإجراءات والمساطر القانونية، عل اعتبار ان العدالة لم تكن يوما بمعزل عن التطورات التكنولوجية, وامام تزايد الاكراهات الداخلية منها والخارجية لاسيما الازمة الصحية التي ضربت المغرب ودول العالم بفعل فيروس كوفيد19 وما نتج عنها عن كشف عطب كبير في العدالة.

    ومن المعلوم ان المغاربة المقيمين في ديار المهجر من خلال ما اطلعت عليه من خلال الممارسة انه هناك اشكال كبير فيما يخص النزاعات الأسرية الناشئة بين الأزواج, هذا الامر يستلزم فتح جسور التواصل القضائي وبالتالي تفعيل مقتضيات المواد 81 و 82 و 83 من مدونة الأسرة م من جهة, ومن جهة اخرى جعل للوكالة في الطلاق الية تأسس وجودها في الإجراءات القضائية .

ب-اهتمام الأنظمة العربية بالصلح عن بعد

        تعتبر السعودية العربية من بين الانظمة العربية  التي اعتمد نظام الصلح عن بعد حيث  أطلقت وزارة العدل مؤخراً منصة “تراضي”, والغاية منها  لحل النزاعات إلكترونياً وانجاز الصلح والحد من المشاكل الزوجية بما في ذلك توثيق تلك الإجراءات بالطرق النظامية وتصدق رسمياً دون الحاجة لزيارة المحاكم أو المكاتب وبخطوات سهلة وميسرة, وامر تسيير هذه المنصة معود الى وزارة العدل دون اللجوء إلى المحاكم وبسندات تنفيذية بعد اعتمادها من وحدة اعتماد وثائق الصلح بمركز المصالحة بوزارة العدل، ويمكن لصاحب النزاع تقديم طلب صلح مباشرة من خلال المنصة إلكترونية[20] وبعدها يتم إحالة الطلب إلى أحد المصلحين المتخصصين ليتواصل مع أطراف النزاع لتحفيزهم بتقريب وجهات النظر وبعد الوصول إلى حل مرض لهما يتم تدوين وثيقة الصلح ويتم اعتمادها من قبل الأطراف من خلال النفاذ الوطني الموحد (أبشر) ثم بعد ذلك تنتقل إلكترونياً إلى مركز وحدة اعتماد وثائق الصلح بمركز المصالحة بوزارة العدل لتتم مراجعة الوثيقة من قبل فريق متخصص ثم اعتمادها إلكترونياً في حال عدم وجود ملاحظات[21].

مقال قد يهمك :    تأملات حول مبدأ الاجتهاد في ضوء مدونة الأخلاقيات القضائية الصادرة في 08 مارس 2021

وتتم كل هذه الإجراءات بشكل إلكتروني كامل دون الحاجة إلى حضور أحد الأطراف أو مراجعة أحد الجهات العدلية، وتأتي هذه المنصة ضمن أحد مخرجات وزارة العدل تحقيقاً لرؤية المملكة 2030.[22]

   ويبدو انه هذه التجربة بإمكانها ان تنجح في المغرب على اعتبار ان الوسائل الرقمية اصبحت القاعدة العامة في كل اسرة وبيت مغربي بفعل مؤثرات العولمة, ناهيك عن وجود محاولات من طرف وزارة العدل قد بدأت م قبل هدفها رقمنة العدالة المغربية في افق 2021.

خاتمة:

         ختاما, يبدو لي انه هناك مسوغات قوية ستكون دافعة للقضاء المغربي لقبول الوكالة في الطلاق والتي تمت الاشارة الها, وبالرجوع الى المادة 29  من قانون المحاماة[23] يتضح انها أعطت للمحامي تمثيل الاطراف امام المحاكم و جميع المؤسسات العمومية والهيئات المهنية كما اعطته حق تمثيل الاطراف في ابرام العقود بتوكيل خاص.

 كما ان الفصل  42  من قانون المسطرة المدنية[24] اكد على حضور الأطراف شخصيا او بواسطة وكيل, على اعتبار ان السادة  المحامين لا يمثلون موكليهم فحسب وإنما سيؤازرونهم ويدافعون عنهم لما لهم من إحاطة بأنظمة التقاضي وإجراءاتها وبالتالي ففي القضايا الأسرية فإنه يحاول الى جانب القاضي  إقامة العدل, لذلك اصبح المطلب اليوم أن يخرج القضاء الأسري من التشدد في رفض الوكالة في الطلاق والتطليق حتى ينسجم مع العديد من الإعتبارات سيما وان بعض المحاكم المغربية للمسك بتوجهاتها هذا من جهة’ ومن جهة اخرى على وزارة العدل ان تتدخل وتخرج بمشروع قانون الصلح عن بعد حتى نتجاوز الإكراهات والاثار السلبية التي قد تخلفها الوكالة في الطلاق.

تم الانتهاء بتاريخ فاتح غشت 2020

الى من دفعني إلى إنجاز هذا العمل المتواضع –كوثر الجويدي-


الهوامش

[1]– ظهير شريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة, الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذو الحجة 1424 (5 فبراير 2004)، ص 418.

[2] – سورة النساء الأية 21 .

[3] – سورة البقرة الاية 188.

[4] – في ذات المادة 17 من مدونة الاسرة نصت على بعض  الشروط وهي .
1 – وجود ظروف خاصة، لا يتأتى معها للموكل أن يقوم بإبرام عقد الزواج بنفسه؛

2 – تحرير وكالة عقد الزواج في ورقة رسمية أو عرفية، مصادق على توقيع الموكل فيها؛

3 – أن يكون الوكيل راشدا متمتعا بكامل أهليته المدنية، وفي حالة توكيله من الولي يجب أن تتوفر فيه شروط الولاية؛

4 – أن يعين الموكل في الوكالة اسم الزوج الآخر ومواصفاته، والمعلومات المتعلقة بهويته، وكل المعلومات التي يرى فائدة في ذكرها؛

5 – أن تتضمن الوكالة قدر الصداق، وعند الاقتضاء المعجل منه والمؤجل. وللموكل أن يحدد الشروط التي يريد إدراجها في العقد والشروط التي يقبلها من الطرف الآخر

[5] –  محمد رياض عبد الفتاح, الوكالة في الطلاق والتطليق واثناء الصلح بين الجائز والممنوع, منشور على الموقع الالكتروني بتاريخ 23.6.2007, الرابط على الساعة الخامسة مساءا في 26.6.2020.

[6] –  ابو الحسن علي بن عبد السلام التسولي, البهجة في شرح التحفة ” تحفة ابن عاصم” ص 225

[7] –  ابو الحسن علي بن عبد السلام التسولي, مرجع سابق ص 242

[8] – –  ابو الحسن علي بن عبد السلام التسولي, مرجع سابق ص ص 243

[9] – الشيخ خليل بن اسحاق المالكي, في فقه الامام مالك صححه وعلق عليه ووضع ترجمة العلامة خليل الشيخ احمد نصر مختصر العلامة الشيخ خليل, الطبعة الاخيرة 1981 الموافق ل 1401 هجرية ص 216.

[10] – هبه الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته ، الجزء السابع الأحوال الشخصية ، الطبعة الثانية 1985 ، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر ص 414 و 415.

[11]– مجلة قضاء الأسرة العدد الأول يوليوز 2005, مجلة صادر عن وزارة العدل  الصفحة 58 و 59 .

[12] –  حكم عدد 190 صادر الصادر بتاريخ 11/07/2018 تحت رقم 480/1626/2019  عن قسم قضاء الاسرة بالمحكمة الابتدائية بتطوان تحت عدد 480/1626/2019 غير منشور محفوظ بكتابة ضبط ابتدائية تطوان قسم قضاء الاسرة.

[13] – إدريس الفاخوري, الوكالة في الطلاق مرجع سابق, صفحة 4.

[14] –  حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة” المحكمة الابتدائية بالناظور” عدد 20 في الملف عدد 07.69 بتاريخ 2007.02.7 حكم غير منشور, وارد في مقال للأستاذ إدريس الفاخوري تحت عنوان الوكالة في الطلاق, منشور في مجلة مغرب القانون على الرابط الالكتروني التالي https://www.maroclaw.com/  الصفحة 2 .

[15] – حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة بالناظور, , وارد في مقال للأستاذ إدريس الفاخوري تحت عنوان الوكالة في الطلاق, مرجع سابق, ص3.

[16] – – حكم صادر عن قسم قضاء الاسرة” المحكمة الابتدائية ببرشيد” عدد 1040 في الملف عدد 19.1626.810 بتاريخ 08-10-2019 ”حكم غير منشور”

[17] –  قرار صادر عن محكمة النقض ملف شرعي  قرار عدد 941 المؤرخ في 24-12-2013, منشور في الصفحة الرسمية على الفايسبوك الرابط الالكتروني الرابط الاطلاع مع الساعة الخامسة صباحا في 6.6.2020 .

[18] -Le président de la CNDP (Commission Nationale de contrôle de la Protection des Données à caractère Personnel ), Omar SEGHROUCHNI, prend part à la Matinale sous le thème: “La digitalisation et le nouveau modèle de développement : La disruption Covid 19”, organisée par le cycle de conférence du Groupe Le Matin.  Disponible sur le site  vu  le 15 avril 2020 a 13.30

[19] –  الخامس فاضيلي, العدالة الرقمية من النظرية الى التطبيق, مقال نشر في الموقع الالكتروني الرابط ساعة الاطلاع السادسة صباحا 22.6.2020.

[20] – عبر الرابط (https://taradhi.moj.gov.sa/)

[21] –  احمد البراهيم, ” تراضي”.. منصة رقمية أطلقتها “العدل” لإنهاء النزاعات وتوثيق الإجراءات نظامياً, تاريخ نشره 04 مايو 2020 , على الموقع الالكتروني https://sabq.org/jwnLsM تاريخ الزيارة الخامسة صباخا 20.6.2020

[22] – احمد البراهيم, ” تراضي”.. منصة رقمية أطلقتها “العدل” لإنهاء النزاعات وتوثيق الإجراءات نظامياًمقال سابق,  تاريخ الزيارة الخمسة صباخا 20.6.2020

[23]– ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة, الجريدة الرسمية رقم 5680 الصادرة في 6 نوفمبر 2008

[24]ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974)  بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية – الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741. 

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)