الوضعية القانونية لأعضاء الدواوين الوزارية (خدام الوزراء)
- من إعداد : العربي بن محمد مياد رئيس مرصد الأنظمة العقارية و التعمير و البيئة.
بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2019 لا يتوان بعض أعضاء البرلمان بمجلسيه عن التباكي عن الكلفة المالية للوظيفة العمومية ، لدرجة أن هناك من يوجه اتهاما مبطنا للموظفين العموميين باعتبارهم يقضمون جزءا كبيرا من الميزانية العامة ، في الوقت الذي يمكن توجيه تلك الأموال إلى مرافق اجتماعية وصحية .
وحسب إفادة الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بقطاع الوظيفة العمومية، فقد بلغت كثلة الأجور خلال سنة 2016 ما يناهز 107 مليار درهم بمعدل 52، 10 في المئة من الناتج الداخلي الخام ، بحيث وصل عدد الموظفين العموميين 451 ألفا دون إدخال موظفي المجلس الأعلى للحسابات، والمديرية العامة للأمن الوطني، وأفراد القوات المساعدة ، في حين تحتوي الوظيفة الجماعية على 151 ألف موظف وعامل، بينما تشتمل المؤسسات العمومية 190.442 مستخدما.
والمتمعن في قوانين المالية مجتمعة يستنبط أنها عندما تناقش منظومة الأجور في المغرب تركز على تلك المخصصة للموظفين العموميين ،وتسوي بين الأجور والحال فإن أجر وتعويضات الخازن العام للمملكة أو المدير العام للضرائب أو المدير العام لإدارات الجمارك مثلا تفوق بكثير الحد الأدنى للأجور بمآت المرات ، ثم إنها لا تشير إلى أجور أعضاء دواوين الوزراء ، أو كما نفضل “خدام الوزراء” .
ولذاك سنحاول تسليط الضوء عن هذه الفئة من “الموظفين السياسيين” الذين يعملون إلى جانب أعضاء الحكومة ويتلقون تعويضا شهريا دسما عن مهامهم المحددة في الزمان والمكان يقتطع من المال العام.وذلك حسب المراحل الزمنية .
المرحلة الأولى : صدور ظهير 4 يناير 1956
يعتبر ظهير 4 يناير 1956 بشأن كيفية تنظيم الدواوين الوزارية وتركيبتها أول نص قانوني بعد الاستقلال عني بتنظيم وضعية خدام الوزراء ، حيث نص على التركيبة التالية :
- مدير الديوان : يعتبر مدير الديوان الناطق الرسمي بالوزارة والممثل الشخصي للوزير في كل المحافل الرسمية و يعمل على اطلاعه على أسرار الوزارة وسيرها اليومي وخباياها، كما يمكنه تلقي التفويض من الوزير المعني ؛
- رئيس الديوان : يعتبر رئيس الديوان الرجل الثاني من خدام الوزير ، يأتي مباشرة بعد مدير الديوان ، ومن أهم اختصاصاته السهر على السير الإداري للوزارة سواء فيما يخص تتبع المراسلات أو تقديم بعض الوثائق والمراسلات للوزير قصد التأشير عليها أو توقيعها .
- كاتب السر : وهو الشخص المؤهل للقيام بشؤون الوزير الشخصية التي لا يمكن للوزير القيام بها بحكم جدول أعماله اليومية أو بساطتها ، ومن ضمنها تسلم الوثائق الإدارية والحصول على عقود الازدياد مثلا أو رخص السياقة ….
- الملحقون : وهم مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بدراسة جميع الملفات المعروضة على الوزير من أجل إبداء الرأي أو اتخاذ القرار .
وإلحاقا بهذا الظهير صدر الظهير الشريف رقم 1.56.085 بتاريخ 14 نونبر 1956 في السماح للوزراء وكتاب الدولة والكاتب العام ( الأمين العام ) للحكومة ووكلاء الوزارة في تفويض للإمضاء، بحيث خول هذا الظهير لأعضاء الحكومة ووكلاء الوزارة إمكانية تفويض الإمضاء أو التأشيرلمديري ديوانهم ورئيسه على جميع القرارات المتعلقة بالتأدية والتحويل والإحالة وكذلك جميع العقود المتعلقة بالمصالح الراجعة لنفوذهم ما عدا المراسيم والقرارات التنظيمية ، وذلك لمدة نفوذ السلطة .
ونظرا للانعكاسات السلبية ، ومخافة تسييس الجهاز الإداري الذي أسس له بعض الوزراء المحسوبين على الصف المعارض ، كان لا بد من أن يتدخل عاهل البلاد ، وألح من خلال توجيهاته المتعلقة بتنمية المغرب في 20أبريل 1965 على ألا يعين في دواوين الوزراء إلا من يتوفر على شرطي الكفاءة والمروءة ، وألا يتدخل في السير العادي للإدارة والتي يجب أن تناط أساسا بالموظفين العموميين وعلى رأسهم الكاتب العام للوزارة .
المرحلة الثانية : صدور ظهير 1957
تكفل الظهير الشريف رقم 1.57.068 الصادر في 10أبريل 1957 بشأن إمضاء الوزراء وكتاب الدولة ووكلاء الوزارات بتحديد التفويض في السلطة أو التوقيع المنوحة من أعضاء الحكومة ، والذي أدخل عليه تعديل جوهري بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.58.269 بتاريخ 25 غشت 1958 بحيث تضمن الفصل الثاني المكرر ما يلي : “إذا ما أدخل تعديل على تأسيس الحكومة فإن التفويضات التي تكون إحدى السلطات المشار إليها في الفصل الأول أعلاه قد منحتها من قبل لأعضاء ديوانها أو لموظفين من إدارتها تبقى نافذة المفعول إذا كانت هذه السلطة وكذا المفوض لهم يشغلون نفس الوظائف التي كانوا فيها فيما سبق”
وبهذا يكون هذا النص القانوني سمح بتمديد التفويضات السابقة على التعديل الحكومي، مادام أن المفوض لهم لم يغيروا مواقعهم،وفي ذلك حفاظ على استقرار السير العادي للمرفق العمومي .
المرحلة الثالثة : سنة 1966
يعتبر المنشور الملكي المؤرخ في 23 فبراير 1966 يتعلق بتعيين واختصاصات أعضاء الدواوين الوزارية الفيصل في مجال أشغال واختصاصات خدام الوزراء أو أعضاء دواوينهم، بحيث تدخل جلالة الملك لتنظيم هذا السوق الإداري بما يلزم من الدقة والصرامة اتقاء لتسييس الإدارة بما لا يخدم الصالح العام ، وقد قسم هذا المنشور إلى قسمين : القسم الأول خصص لتعيين أعضاء الدواوين الوزارية و القسم الثاني لاختصاصهم.
وهكذا فإنه لا يمكن التعيين في الدواوين الوزارية إلا من توفرت فيه شرطين أساسيين ، الشرط الأول الكفاءة، و الشرط الثاني المروءة.
وتثبت الكفاءة بالتكوين الجامعي العالي والدراية بالشؤون العامة ، أما المروءة فيجب أن تكون ثابتة بما لا يدعو إلى الشك ، وفي هذا الإطار يمكن اعتماد الوثائق الإدارية الصادرة من السلطات المختصة والمتمثلة في سجل السوابق العدلية وبطاقة مراقبة السجل المركزي للعقوبات التأديبية ، فضلا عن البحث السابق لدى المصالح الأمنية .
أما بخصوص القسم الثاني فقد منع بصفة قطعية إسناد التسيير الإداري لأعضاء الدواوين وينحصر اختصاصاتهم في دراسة وتسوية المسائل التي تصطبغ بصبغة سياسية .
المرحلة الثالثة : صدور ظهير 23 أبريل 1975
بتاريخ 23 أبريل 1975 صدر الظهير الشريف رقم 1.74.331 المتعلق بوضعية الحكومة وتأليف دواوينهم . وقد نظم هذا الظهير من بين ما نظم في فصله الثالث كيفية تكوين وتسيير الدواوين الوزارية ، وهكذا يحدد تأليف ديوان الوزير الأول كما يلي:
- رئيس للديوان؛
- ستة(6) مستشارين تقنيين؛
- ملحق للصحافة .
بينما يضم ديوان كل وزير من الوزراء :
- رئيسا للديوان؛
- خمسة (5) مستشارين تقنيين منهم مستشار قانوني؛ مستشار في الشؤون البرلمانية؛ مستشار في الاتصال و رئيسا للكتابة الخاصة.
في حين يتألف ديوان كاتب الدولة ونائب كاتب الدولة من رئيسا للديوان ومستشارين تقنيين اثنين. ويعين هؤلاء جميعا السلطات الحكومية التي ينتمون إليها .
“ويجب أن تتوافر في أعضاء الدواوين الوزارية الكفاءة والمروءة لتصان للدواوين حرمتها بالنسبة للإدارة وللناس. وتناط بهم مهمة القيام، لحساب السلطة الحكومية التي ينتمون إليها، بالدراسات وبتسوية المسائل التي تكتسي طابعا سياسيا أوالتي ليست لها أية علاقة بالاختصاصات المسندة إلى مختلف مصالح الوزارة. ولا يجوز بأي حال من الأحوال تأهيلهم للمساهمة في التسيير الإداري أو التقني أو لإصدار تعليمات أو أوامر إلى الموظفين المسندة إليهم بعض اختصاصات الوزارة بوجه قانوني، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر. وبالإضافة إلى ما ذكر، يجب على أعضاء الدواوين التقيد، كيفما كانت الظروف، بواجبات التحفظ وكتمان السر المهني.”
وتقتطع رواتب موظفي الديوان من الاعتمادات المخصصة بالمناصب المقررة في ميزانية كل وزارة. و هكذا يتقاضى رؤساء الدواوين والمستشارون التقنيون ورؤساء الكتابات الخاصة أجرة إجمالية شهرية تحدد على النحو التالي:
- رئيس الديوان : 16.000 درهم
- المستشار التقني: 12.000 درهم
- رئيس الكتابة الخاصة: 8.000 درهم
ويستفيد رؤساء الدواوين زيادة على ذلك من استرجاع مصاريف الماء والكهرباء والتدفئة والهاتف على غرار مديري الإدارة المركزية وكذا من استخدام سيارة المصلحة.
وفي الحالة التي يجمع أعضاء الدواوين بين هذه الصفة وصفة موظف، فإنهم يحصلون على الراتب أكثر فائدة.و تنتهي مهام أعضاء الدواوين بانتهاء مهامهم لدى السلطة الوزارية التي قامت بتعيينهم.
غير أنه بتاريخ 19 شتنبر 1977 تم إدخال تعديل على ظهير 23 أبريل 1957 أعلاه ، بخصوص التعويضات التي تصرف إلى أعضاء الدواوين الوزارية ، بحيث يتقاضى مديرو الدواوين تعويضا عن التمثيل والتسلسل الإداري أسوة بما يتقاضاه المتصرفون الممتازون بالإدارات المركزية وكذا التعويض عن المهام حسب المقدار المخصص لرئيس القسم ، في حين يتقاضى رؤساء الدواوين وباقي أعضاء الدواوين نفس التعويضات المخصصة للمتصرفين بالإدارات المركزية.
وفضلا عن كل ما سبق يتقاضى هؤلاء التعويض عن التمثيل يحدد في المقدارين السنويين التاليين :
- رؤساء الدواوين :600 درهم؛
- باقي أعضاء الدواوين : 400 درهم ،
ويتقاضى رؤساء الدواوين علاوة على ذلك التعويض المخصص لرئيس المصلحة كتعويض عن المهام .
و نظرا لما يعرفه هذا النوع من التوظيف غير المباشر الذي قد يتحول إلى ريع سياسي، تدخل الوزير الأول السيد إدريس جطو بموجب المنشور رقم 16/2002 بتاريخ 25 نونبر 2002 حول تأليف الدواوين الوزارية حيث لفت انتباه الوزراء إلى ضرورة ترشيد نفقات الدولة والتقليص من وتيرة الإنفاق في نطاق الحفاظ على التوازنات المالية للدولة ، وألح على الاقتصار على تعيين أعضاء الدواوين وموظفي المكاتب والمستخدمين في حدود 12 منصبا على الأكثر بالنسبة للوزراء ، و7 مناصب بالنسبة لكتاب الدولة .
وفي إطار الحكامة والشفافية فرض الظهير الشريف رقم 1.08.72 بتاريخ 20 أكتوبر 2008 بشأن حالة أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم على رؤساء الدواوين التصريح بممتلكاتهم وممتلكات أولاد القاصرين، العقارية والمنقولة داخل 90 يوما التالية لتعيينهم ، أسوة بأعضاء الحكومة .
وقد ذكر القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 19 مارس 2015 بالمقتضيات أعلاه، بحيث نص في المادة 29 على أنه ” يتوفر كل عضو من أعضاء الحكومة على ديوان خاص ، يختار أعضاءه من الأشخاص الذين تتوافر فيهم الكفاءة والخبرة والنزاهة ، وتناط بهم مهمة القيام بالدراسات وتسوية المسائل التي تكتسي طابعا سياسيا أو خاصا ، ويحدد بنص تنظيمي تأليف دواوين أعضاء الحكومة والمهام المنوطة بهم ، والالتزامات الملقاة على عاتقهم والمعايير المعتمدة لاختيارهم ، والأجرة الشهرية والمنافع الممنوحة لهم خلال مزاولة مهامهم ، وتنتهي مهمة كل عضو من أعضاء الدواوين باستقالته أو إعفائه أو انتهاء مهام عضو الحكومة المعني.
وحسب علمنا ، فإنه لم يصدر لحد الآن النص التنظيمي الذي سيحدد كل ما سبق ، مما يفيد بأن الحكومة مشغولة في الوقت الراهن بتبديل أعضاء فريقها واستبدال وزير بآخر حسب أحوال الطقس السياسي .
يستخلص من كل سبق أن الأمانة السياسية تفرض على رئيس الحكومة وكذا وزير الاقتصاد والمالية ومعهم الوزير المكلف بقطاع الوظيفة عندما يعرضوا مشروع القانون المالي كل سنة من أجل المصادقة ، أن يميزوا بين الموظفين العموميين وأعضاء الدواوين الوزارية ،وأن يصرحوا بعدد والتكلفة المالية المقررة لكل صنف على حدة عوض ادعاء أن الكتلة الأجرية تلتهم نسبة كبيرة من الميزانية العامة ، والحال أن ملايين الدراهم تخصص لجانب مهم من الغرباء عن الوظيفة العمومية، والذين قد لا تسند إليهم أية مهمة ، وكل ما يربطهم بالدواوين الوزارية هو الريع والسفريات وخدمة المصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة . والأنكى من ذلك أن بعض أعضاء الدواوين الوزارية قد يدمجون بالوزارة التي كانوا يعملون بها كمدراء قبل مغادرة الوزير لمنصبه ، بحيث ينوبهم من كعكة السفريات والتعويضات المالية والعلاوات نصيبا مهما ، بل إنه في بعض الأحيان تخلق بعض المناصب غير المنصوص عليها في الظهير المتعلق بالدواوين مثل منصب المدير المستشار لدى الوزير الأول ، فيما عرفت بعض الدواوين تجاوز العدد المسموح به قانونا إرضاء للأحزاب السياسية سواء الممثلة في الحكومة أو التي تمارس “المعارضة البناءة.”
وتبقى الطامة الكبرى ، هي تسهيل بعض الوزراء في فرض هيمنة السياسي على الإداري مما قد يفقد الإدارة حيادها، ويجعلها في أيدي بعض المحسوبين على الوزراء سواء من الجانب الحزبي أو العائلي.
وفي هذا الإطار أكد جلالة الملك بمنسابة حلول الذكرى 18 لعيد العرش :
” بأن من المشاكل التي تعيق تقدم المغرب ، هو ضعف الإدارة العمومية ، سواء من حيث الحكامة أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين…”
تعليقات 0