النص الكامل لقرار المحكمة الدستورية بخصوص مدى دستورية القانون المتعلق بالتنظيم القضائي
الحمد لله وحده،
المملكة المغربية
المحكمة الدستورية
ملف عــدد: 041/19
قـرار رقـم: 89/19 م.د
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
المحكمة الدستورية،
بعد اطلاعها على رسالة الإحالة، المرفقة “بمذكرة بشأن الإحالة”، المسجلة بأمانتها العامة في 16 يناير 2019، التي يطلب بمقتضاها السيد رئيس الحكومة من المحكمة الدستورية، أن تبت، استنادا إلى أحكام الفصل 132 من الدستور، في مطابقة القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للدستور؛
وبعد اطلاعها على مذكرات الملاحظات الصادرة عن رئيس الحكومة ورئيس مجلس المستشارين وأعضاء من مجلس النواب، المسجلة بالأمانة العامة المذكورة في 23 و24 و25 يناير 2019؛
وبعد الاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف، وعلى باقي المستندات المدلى بها؛
وبناء على الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011)؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 من جمادى الآخـرة 1437 (24 مارس 2016)؛
وبناء علـى القـانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 من جمادى الآخرة 1437 (24 مارس 2016)؛
وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر، والمداولة طبق القانون؛
أولا- فيما يخص الشكل:
حيث إن الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، تنص على أنه “يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور”؛
وحيث إن رسالة الإحالة، إلى المحكمة الدستورية، قُدمت من قبل رئيس الحكومة وقبل إصدار الأمر بتنفيذ القانون، مما يجعلها مُتقيدة بالأحكام الدستورية المشار إليها؛
ثانيا- فيما يخص الإجراءات المُتبعة لإقرار القانون المتعلق بالتنظيم القضائي:
حيث إن رسالة الإحالة تتضمن طلب رئيس الحكومة الرامي إلى البت في مطابقة القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، لأحكام الدستور؛
وحيث إن “المذكرة بشأن الإحالة”، المرفقة برسالة الإحالة، لئن أعادت التأكيد في مُستهلها وكذا في خَاتمتها، على البت في مطابقة القانون برمته لأحكام الدستور، فإنها أبدَت ملاحظات وطَرحت استفسارات هَمت، فقط، التعديلات المُدخلة على النص، أساسا خلال مرحلة القراءة الأولى لمجلس المستشارين، والتي تتعلق بالمواد 7 و19 و23 و24 و25 و90 والمواد من 102 إلى 109 منه؛
وحيث إن مراقبة الدستورية تنصرف إلى مراقبة الإحالة شكلا وموضوعا، مع ما يستتبع ذلك من وجوب التحقق، أولا، من مدى احترام القانون، موضوع الإحالة، للأحكام الدستورية المتعلقة بالتداول فيه بمجلس الحكومة، وبإيداعه بالأسبقية لدى مكتب المجلس المعني والتداول فيه بين مجلسي البرلمان ومناقشته وتعديله ومِسطرة التصويت عليه، وكل ذلك قبل البت في جوهره؛
وحيث إن القانون المُحال على المحكمة الدستورية، تَداول فيه مجلس الحكومة، طبقا للفصل 92 من الدستور، في اجتماعه المنعقد بتاريخ 18 فبراير 2016، وأُودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، طبقا للفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، بتاريخ 3 مارس 2016، ووافق عليه هذا الأخير، بعد تعديله، في جلسته العامة المنعقدة في 7 يونيو 2016، وأحيل إلى مجلس المستشارين للتداول فيه، ووافق عليه، بعد إدخال تعديلات على الصيغة المحالة عليه، في جلسته العامة المنعقدة في 24 يوليو 2018، الأمر الذي تَطلب إحالته، للقراءة الثانية، إلى مجلس النواب الذي صوت عليه نهائيا في جلسته المنعقدة في 18 ديسمبر 2018؛
وحيث إن الدستور نص في فصله 60 على أن البرلمان يتألف من مجلسين، وفي فصله 70 على أن البرلمان يُمارس السلطة التشريعية ويُصوت على القوانين، وفي فصله 84 على أن مجلسي البرلمان يَتداولان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون من أجل التوصل إلى المصادقة على نص واحد، وأن كل مجلس يتداول في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر، وأن مجلس النواب يعود إليه التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه؛
وحيث إنه، يُستفاد من هذه الأحكام، أن مشاريع ومقترحات القوانين، وكذا مشاريع ومقترحات التعديلات المُدخلة عليها، التي تُعد من مَشمولاتها، يَتعين عرضها وُجوبا على كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين لتدارسها ومناقشتها والتصويت عليها، وذلك قصد التوصل بشأنها إلى المصادقة على نص واحد؛
وحيث إن حق التعديل المكفول على السواء لأعضاء مجلسي البرلمان وللحكومة، طبقا للفقرة الأولى من الفصل 83 من الدستور، الذي قد يكون إما بالإضافة أو الحذف أو التغيير أو التنقيح أو التصحيح، يجب أن يُمارس في تَقيد بباقي أحكام الدستور، لا سيما ما تتطلبه قاعدة التداول بين المجلسين؛
وحيث إن التصويت النهائي الذي خص به الفصل 84 من الدستور مجلس النواب، من جهة، يعود تقدير إعماله لمجلس النواب، بحكم أن الدستور لم يعدد القراءات المُتطلبة في النصوص قبل إعماله، ومن جهة أخرى، أنه يَتم، بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين المودعة بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، على أساس الصيغة التي سبق أن تداول فيها مجلس المستشارين، وكانت محل قراءة من قبله على الأقل مرة واحدة، مما يجعل صيغة النص التي تَسمح بإعمال مسطرة التصويت النهائي يُحتمل أن تكون إما تلك التي وافق عليها مجلس المستشارين وأحيلت، من أجل القراءة الثانية، على مجلس النواب الذي بدوره يُوافق عليها كما أحيلت عليه، أو الصيغة التي أحيل بها النص على مجلس المستشارين بعد القراءة الأولى لمجلس النواب؛
وحيث إنه، يَبين من الاطلاع على الأعمال التحضيرية للبرلمان، بخصوص القانون موضوع الإحالة، أن مجلس النواب وَافق، في قراءته الثانية، على كل التعديلات التي أدخلها مجلس المستشارين، على النص المعني، باستثناء تلك التي همت المواد 7 و14 و23 و27 و28 و32 و48 و52 و63 و67 و71 و95 و96 و103 و107 منه؛
وحيث إنه، بخصوص المواد 14 و27 و28 و32 و95، فإن مجلس النواب أدخل عليها تعديلات، في إطار القراءة الثانية، أعادتها إلى صيغتها التي أحيلت بها على مجلس المستشارين، الذي اطلع عليها وتداول بشأنها، مما يكون معه تصويت مجلس النواب عليها نهائيا مطابقا لمسطرة التداول المحددة في الفصل 84 من الدستور؛
وحيث إنه، بشأن المادتين 63 و67، فإن مجلس النواب غير أرقام المادتين المحال عليهما، فاستبدل، بالتتابع، المادة 47 بالمادة 57، والمادة 47 بالمادة 58؛
وحيث إن هاتين المادتين صادق عليهما مجلسا البرلمان في قراءة أولى، بالصيغة نفسها، مما يَجعلهما غير مَشمولتين بالقراءة الثانية، التي تقتصر على المواد التي لم يتوصل بشأنها مجلسا البرلمان إلى اتفاق على نص واحد، ما عدا، في حالتي “ضمان الملاءمة بين المقتضيات المصادق عليها أو إصلاح خطإ مادي”، كما تنص على ذلك المادة 235 من النظام الداخلي لمجلس النواب؛
وحيث إنه، يَبين من مضمون المادتين 63 و67 من القانون، أن المادتين التي يَجب أن تُحيلا عليهما، لوحدة الموضوع، هما بالتتابع 57 و58 من القانون، وليس 47 كما جاء خطأ في صيغة مشروع القانون التي وافق عليها مجلس المستشارين وأحالها إلى مجلس النواب؛
وحيث إنه، فيما يتعلق بالمواد 7 و23 و48 و52 و71 و96 و103 و107، فإن مجلس النواب أدخل تعديلات على الصيغة التي وافق عليها مجلس المستشارين، بأن حذف، عبارات “المسؤولين” في الفقرة الأولى من المادة السابعة، و”المحكمة” من الفقرة الثانية للمادة 23، و”التوجيه والإرشاد” من الاختصاصات المخولة لمكتب المساعدة الاجتماعية طبقا للمادة 52، و”العامة” من الفقرة الثانية للمادة 96، و”المسؤولين” من الفقرة الثانية من المادة 103، و”شركات الاتصال” من قائمة المؤسسات، المشار إليها في المادة 107، التي يُمكن للمفتشية الإدارية والمالية أن تحصل منها على معلومات، وأضاف، عبارات “محاكم” إلى عنوان الفصل الثاني من القانون، و”رؤساء الأقسام المتخصصة في القضاء” إلى الفقرة الثانية من المادة 48 وإلى الفقرة الثالثة من المادة 71، واستبدل عبارة “في الصلح” بـ”أو الصلح” الواردة في المادة 52 من القانون؛
وحيث إن التقرير الذي أعدته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بمناسبة القراءة الثانية لنص المشروع، ضُمن فيه أن استبدال “في الصلح” بـ “أو الصلح” في المادة 52 المذكورة، لا يعدو أن يكون سوى تصحيح لخطإ مادي، دون بَيان سبب الخطإ ومصدره؛
وحيث إنه، يتضح من الاطلاع على نص المادة 52 في الصيغة التي وافق عليها مجلس المستشارين وأحالها إلى مجلس النواب، أنها تتضمن عبارة “في الصلح” وليس “أو الصلح”، التي لم يعتبرها مجلس المستشارين، بصفته جِهة التعديل، خطأ ماديا؛
وحيث إنه، فضلا عن ذلك، فإن التعديل المدخل على المادة 52 المذكورة من قبل مجلس النواب، بدعوى أنه مندرج في مسطرة تصحيح الخطإ المادي، ليس التعديل الوحيد الذي طال المادة نفسها، حتى يسوغ عدم إحالتها من جديد إلى مجلس المستشارين؛
وحيث إنه، بمقتضى ذلك، فإن التعديلات التي أُدخلت على المواد 7 و23 و48 و52 و71 و96 و103 و107، من قبل مجلس النواب، في إطار القراءة الثانية، غَيرت من صيغة النص كما وافق عليه مجلس المستشارين، وأن هذه التعديلات لم تُرجع صيغة المواد إلى ما كانت عليه في الصيغة التي وافق عليها مجلس النواب في قراءته الأولى وأحالها إلى مجلس المستشارين؛
وحيث إنه، تَرتب عن ذلك، أن مجلس المستشارين لم تُحل عليه الصيغة الجديدة للنص، بعد إعمال القراءة الثانية لمجلس النواب، قصد مناقشتها ثُم التصويت عليها؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، فإن تعديل مجلس النواب، خلال القراءة الثانية لمشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، المواد 7 و23 و48 و52 و71 و96 و103 و107، دون إحالة النص من جديد على مجلس المستشارين ينافي قواعد التداول بين مجلسي البرلمان ويكون، تبعا لذلك، غير مطابق للفصل 84 من الدستور؛
ثالثا- فيما يخص موضوع الإحالة:
1 – فيما يتعلق بالمواد المثارة في “المذكرة بشأن الإحالة” المرفقة برسالة الإحالة:
– في شأن المواد 7 (الفقرة الأولى) و19 (الفقرتين الأولى والثانية) و23 (الفقرتين الثالثة والرابعة):
حيث إن هذه المواد تنص، في فقراتها المذكورة، بالتتابع، على أنه “تمارس المحاكم مهامها، تحت إشراف المسؤولين القضائيين والإداريين بها، بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات التي تقدمها”، وأنه “تشكل كتابة الضبط هيئة واحدة على صعيد كل محكمة، ويمارس الموظفون المنتمون لها مهام كتابة الضبط بمجموع مصالح المحكمة. يعمل موظفو هيئة كتابة الضبط تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل، ويمارسون مهامهم تحت إشراف المسؤولين القضائيين بالمحكمة”، وأنه “يمكن للكاتب العام للمحكمة أن يباشر مهام كتابة الضبط. يخضع الكاتب العام للمحكمة إداريا لسلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل، ويمارس مهامه تحت إشراف المسؤولين القضائيين بالمحكمة”؛
وحيث إن “المذكرة بشأن الإحالة”، المشار إليها أعلاه، تضمنت دفوعات جِهة الإحالة، بخصوص فقرات المواد المعنية، فيما يلي “أن البرلمان أدخل تعديلا على صيغة النص المودع، بحيث أصبحت المحاكم تمارس مهامها تحت إشراف المسؤولين القضائيين والإداريين بها، عوض صيغة تحت إشراف مسؤوليها، مما يطرح التساؤل حول مدى مطابقة هذه الإضافة لأحكام الدستور”، وأن “موظفو كتابة الضبط يعملون تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل، ويمارسون مهامهم تحت إشراف المسؤولين القضائيين بالمحكمة، عوض السلطة المباشرة لهؤلاء المسؤولين، كما جاء في صيغة النص قبل تعديله”، وأن “الكاتب العام للمحكمة…رئيس تسلسلي لموظفي كتابة الضبط، وهو يباشر مهامه تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل وتحت إشراف المسؤولين القضائيين للمحكمة، علما بأن الصيغة المودعة…كانت تنص على أن الكاتب العام للمحكمة يُباشر مهامه تحت سلطة كل من وزير العدل والسلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين بالمحكمة”؛
وحيث إن ما تُثيره “المذكرة بشأن الإحالة”، بخصوص فقرات المواد المعنية، يَهم في كليته موضوع الإدارة القضائية، وتَحديد الجهة التي تَتبع لها؛
وحيث إنه، لِتحديد المقصود بالإدارة القضائية وتَعيين الجهة التي تُشرف عليها، يجب الرجوع فيه أولا إلى الدستور وإلى القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة؛
وحيث إن الدستور جَعل، كقاعدة، الإدارة موضوعة رهن تصرف الحكومة، طبقا للفقرة الثانية من فصله 89؛
وحيث إن القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تَعرض للإدارة القضائية في أربعة مَواضع منه، الأول، في تنصيصه على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والوزارة المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، وإمكانية حضور الوزير المكلف بالعدل أشغال المجلس المذكور من أجل تَقديم بيانات ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية (المادة 54)،والثاني، في أن المجلس المعني يجري مقابلة مع المرشحين، لشغل مناصب المسؤولية، يُقدمون خلالها تصوراتهم حول كيفية النهوض بأعباء الإدارة القضائية (المادة 71)، والثالث، في أن المجلس يُراعي المؤهلات في مجال الإدارة القضائية عند تَعيين المسؤولين القضائيين أو تَجديد تعيينهم، وأن المجلس، يراعي في ذلك أيضا، التقارير التي يُعدها الوزير المكلف بالعدل على مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن الإشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم (المادة 72)، والأخير، في أن المجلس يتلقى، إلى جانب تقارير أخرى، تقريرا من الوزير المكلف بالعدل حول سير وأداء الإدارة القضائية (المادة 110)؛
وحيث إن القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة نص في مادته 28، على أنه “يستفيد القضاة المكلفون بمهام الإشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم من تعويض عن المهام يحدد بنص تنظيمي”، وفي المادة 51 منه، على أنه “يتلقى المسؤولون القضائيون تكوينا خاصا حول الإدارة القضائية”؛
وحيث إنه، ُيستفاد من هذه الأحكام، من جهة أولى، أن الإدارة القضائية، في جوانب عَملها الإدارية والمالية، مجال مشترك للتعاون والتنسيق بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ومن جهة ثانية، أن “الإشراف” المُخول للمسؤولين القضائيين يَهم “التدبير والتسيير الإداري للمحاكم”، وبمفهوم المخالفة، فإن ما يَنفلت من المجال المذكور لا يندرج في “الإشراف”، وإنما في السلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين، ومن جهة ثالثة، أن التقارير التي يرفعها الوزير المكلف بالعدل إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتقييمه لعمل المسؤولين القضائيين، تنحصر موضوعاتها في الميدانين الإداري والمالي، ولا تتعداهما، ومن جهة رابعة، أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يُراعي المؤهلات في الإدارة القضائية أثناء تعيين المسؤولين القضائيين أو تجديد تعيينهم؛
وحيث إن تَبعية الإدارة القضائية، فيما تمارسه من اختصاصات إدارية ومالية، للوزارة المكلفة بالعدل، هي تبعية مشروطة بضمان استقلال السلطة القضائية الممارسة من قبل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة، عبر حَصر مداها في التدبير والتسيير الإداري والمالي للمحاكم؛
وحيث إن التدبير الإداري والمالي للإدارة القضائية يرتبط بتسيير الممتلكات والموارد المالية للمحاكم وتدبير الوضعية المهنية للموظفين؛
وحيث إن المحكمة الدستورية، بمناسبة بتها في دستورية القوانين المحالة عليها، لا تُراقب اختيارات المشرع من زاوية ملاءمتها، ولا تُفاضل بينها وبين اختيارات أخرى مُمكنة، ولكن عملها يكمن في فحص مدى تقيد المشرع بالدستور احتراما لسمو أحكامه؛
وحيث إن القانون، موضوع الإحالة، يجعل الكاتب العام للمحكمة رئيسا تسلسليا لموظفي كتابة الضبط (الفقرة الأولى من المادة 23)، وأن هذه الهيئة تمارس مهامها تحت إشراف المسؤولين القضائيين (الفقرة الثانية من المادة 19)، وأن الكاتب العام يباشر مهامه تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل وتحت إشراف المسؤولين القضائيين بالمحكمة (الفقرة الرابعة من المادة 23)، وأنه تبعا لذلك، فإن المهام الإدارية والمالية تُمارَس بمحاكم التنظيم القضائي، تحت إشراف المسؤولين القضائيين والإداريين بها؛
وحيث إن المسؤولين القضائيين المُطالبين، أثناء ترشيحهم، بتقديم تصوراتهم حول الإدارة القضائية، وأن مؤهلاتهم في الإدارة القضائية تُراعى، إلى جانب، معايير أخرى، لتعيينهم في مناصب المسؤولية أو تجديد تعيينهم، لا يمكنهم إعمال تصوراتهم المقدمة ولا مؤهلاتهم في الإدارة القضائية، إلا بتخويلهم أدوات قانونية تسمح لهم بالإشراف على المهام الإدارية والمالية للإدارة القضائية؛
وحيث إن الإشراف القضائي على التدبير الإداري والمالي للإدارة القضائية، مُقيد بما يَتطلبه الدستور في فصله الأول من أن النظام الدستوري للمملكة يقوم، إلى جانب محددات أخرى، على مبادئ الحكامة الجيدة، وما يتطلبه من خضوع المرافق العمومية “لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية” (الفصل 154)، ولقواعد الحكامة الجيدة (الفصل 157)؛
وحيث إن قواعد النجاعة والحكامة تقتضي إشراف المسؤولين القضائيين، على المجالين الإداري والمالي للإدارة القضائية، مما سيمكنهم من إيلاء عناية أكبر لمهامهم القضائية؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، فإن إسناد مُباشرة المهام الإدارية والمالية للإدارة القضائية للكاتب العام للمحكمة، الموضوع تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل وتحت إشراف المسؤولين القضائيين، ليس فيه ما يمس باستقلالية السلطة القضائية؛
وحيث إنه، إلى جانب الأعمال الإدارية والمالية للإدارة القضائية، فإن هذه الأخيرة، تتميز عن باقي الإدارات العمومية، في أدائها لعمل موسوم بالطبيعة القضائية، ما يُضفي خصوصية على نشاط مرفق العدالة قياسا بباقي المرافق الإدارية الأخرى، فتلقي الشكايات، على سبيل المثال، والمحاضر والمقالات وتحرير الاستدعاءات وحضور الاستنطاق وتحصيل الرسوم القضائية وأداء مهام التبليغ والمشاركة في هيئة الحكم وتحرير محاضر الجلسات وعمل التنفيذ، أعمال تندرج في خانة الولوج إلى العدالة وإجراءات التقاضي، مما يُسبغ صفة مساعدي القضاء على هيئة كتابة الضبط المشكلة للمورد البشري للإدارة القضائية؛
وحيث إن الشأن القضائي ليس بالموضوع المشترك أو القابل للتنسيق بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بل هو اختصاص تنفرد به السلطة القضائية، ويمارسه قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بكل استقلالية، دون أي تدخل من سلطة دستورية أخرى، احتراما لمبدإ استقلال السلطة القضائية المكرس دستوريا؛
وحيث إنه، يَترتب عن ذلك، أن ازدواجية المسؤولية بالمحاكم، المنصوص عليها في المادة السابعة (الفقرة الأولى) من القانون، تَنحصر في المهام الإدارية والمالية للإدارة القضائية، ولا تمتد لعملها القضائي الخاضع للسلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين دُون سِواهم؛
وحيث إن الكاتب العام للمحكمة، طبقا للمادة 23 (الفقرتين الثالثة والأخيرة) من القانون المُحال، يُعين من بَين أطر كتابة الضبط، ويمكنه أن يُباشر مهام كتابة الضبط، وهو بهذه الصفة أيضا موضوع تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل؛
وحيث إن المقتضيات المذكورة ستجعل من أحد أعضاء كتابة الضبط، في أدائه لعمل ذي طبيعة قضائية، موضوع تحت سلطة ومراقبة السلطة التنفيذية وليس السلطة القضائية، وهو ما يشكل مسا باستقلال السلطة القضائية وانتهاكا لمبدإ فصل السلط؛
وحيث إنه، بناء على ذلك، يكون تخويل الكاتب العام، الموضوع تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل، أداء مهام كتابة الضبط المندرجة في الشأن القضائي، دون إخضاعه لسلطة ومراقبة المسؤول القضائي خلال مزاولة تلك المهام، مخالف للدستور؛
وحيث إن القانون، موضوع الإحالة، جعل، بمقتضى الفقرة الأولى من مادته 19، كتابة الضبط هيئة واحدة خاضعة للسلطة التسلسلية للكاتب العام؛
وحيث إن الدستور مَيز، وفقا لمعيار مادي، بين عمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة، بنصه في الفقرة الثانية من فصله 110، على أنه “يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها”، وفي فصله 128، على أنه “تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة”؛
وحيث إن قضاة النيابة العامة، إلى جانب قضاة الأحكام، يمارسون السلطة القضائية، طبقا للمادة الثانية من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من خلال مهامهم القضائية بالمحاكم التي يشملها التنظيم القضائي؛
وحيث إن العمل القضائي للنيابة العامة، يتوقف على عمل كتابة الضبط لتدبير الشكايات الواردة عليها ولتحرير محاضرها، ولتنفيذ الأوامر الصادرة عنها، وهو عمل يقتضي، من جهة، مراعاة طبيعة عمل كتابة الضبط لدى النيابة العامة المستمدة من خصوصية عمل هذه الأخيرة، ومن جهة أخرى، تبعية موظفي النيابة العامة للمسؤولين القضائيين، بحكم أن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة موكول، طبقا للمادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لجهة قضائية تتمثل في الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة؛
وحيث إنه، بناء على ما سبق بيانه، يكون عدم مراعاة طبيعة عمل كتابة النيابة العامة، في تنظيم كتابة الضبط في هيئة واحدة، مخالفا للدستور؛
– في شأن المواد 27 (الفقرة الأولى) و28 (الفقرة الأولى) و93:
حيث إن هذه المواد، تتعلق بمكتب المحكمة المُحدث لدى محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة ومحكمة النقض، والذي يضم في عضويته، إلى جانب المسؤولين القضائيين، نواب عنهم ومستشارين وقضاة ورؤساء الغرف أو رؤساء الأقسام، إضافة إلى الكاتب العام للمحكمة المعنية؛
وحيث إن “المذكرة بشأن الإحالة”، المشار إليها، تضمنت دفوعات جِهة الإحالة، بخصوص المواد المذكورة، كما يلي “لقد أدُخلت تعديلات على هذه المواد أصبح بموجبها الكاتب العام للمحكمة عضوا بصفة تقريرية في مكتب المحكمة، سواء تعلق الأمر بمحاكم أول درجة أو ثاني درجة أو بمحكمة النقض، خلافا لما كان عليه الأمر في الصيغة الأصلية للمشروع، حيث كانت هذه المواد تنص فقط على حضوره اجتماعات المكتب بصفة استشارية، علما بأن الدور المناط به بموجب المادة 21 من الصيغة الأصلية للقانون، كان هو القيام بمهام التسيير الإداري والتدبير المالي للمحكمة، في حين أن مهام مكتب المحكمة يكمن بصفة أساسية في تنظيم العمل القضائي داخل المحكمة”؛
وحيث إن الكاتب العام للمحكمة، باعتباره مسؤولا إداريا وماليا، يحضر اجتماعات المكتب المخول له إعداد مشروع برنامج تنظيم العمل بالمحكمة المعنية خلال السنة القضائية، وأن هذا الحضور يُبرر بطبيعة المهام الموكولة إليه، والتي يتوقف عليها سير مرفق العدالة؛
وحيث إن مشروع برنامج تنظيم العمل بالمحكمة، يتضمن، حسب المادتين 26 و92 (الفقرة الأولى) من القانون، بالتتابع “تحديد الأقسام والغرف والهيئات وتأليفها، وتوزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة، وضبط عدد جلسات وأيام وساعات انعقادها” و “تحديد الهيئات وتأليفها وتعيين رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات المقسمة إليها وتأليفها، وتوزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة، وتحديد عدد الجلسات وأيام وساعات انعقادها”، وأن هذا المشروع يتم التصويت عليه، طبقا للمادة 30، بأغلبية أعضاء المكتب، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس؛
وحيث إنه، لئن كان المكتب يُعد “مشروع” برنامج تنظيم العمل بالمحكمة ويُصوت عليه، طبقا للمادتين 29 و30، فإن الجمعية العامة، باعتبارها جهازا قضائيا بالمحكمة، تُصادق فقط على المشروع كما تقضي بذلك المواد 34 و35 و96، ولا تمتلك الحق في تعديله أو تغييره؛
وحيث إن المكتب، المحدث بمقتضى قانون التنظيم القضائي، مُخول له، من ضمن اختصاصات أخرى، توزيع المهام على قضاة المحكمة، إذ يعين رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات ونوابهم، وقضاة التنفيذ، والقضاة المنتدبين في قضايا صعوبات المقاولات بالأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والمفوضين الملكيين للدفاع عن القانون والحق بالأقسام المتخصصة في القضاء الإداري (الفقرة الأولى من المادة 49)، ورئيس كل قسم أو غرفة بالمحكمة الابتدائية التجارية، وقضاة التنفيذ وقضاة السجل التجاري وقضاة منتدبين في قضايا معالجة صعوبات المقاولة، وأي قاض ينتدب لمهمة أخرى بالمحكمة (المادة 61)، ورئيس كل قسم أو غرفة أو هيئة بالمحكمة الابتدائية الإدارية وقضاة التنفيذ وأي قاض ينتدب لمهمة أخرى بالمحكمة (المادة 65)، ورؤساء الأقسام والغرف والهيئات بمحاكم الاستئناف (الفقرة الثانية من المادة 71)، ومستشار ينتدب لمهمة بمحكمة الاستئناف الإدارية ومفوض ملكي أو أكثر للدفاع عن القانون والحق بالقسم المتخصص في القضاء الإداري (الفقرة الأولى من المادة 72)، ورئيس كل قسم أو غرفة أو هيئة بمحاكم الاستئناف التجارية ومحاكم الاستئناف الإدارية (الفقرة الثانية من المادة 79، والفقرة الثانية من المادة 83)؛
وحيث إن الكاتب العام، الذي يشارك بصفة تقريرية في أشغال مكتب المحكمة، يُساهم في اتخاذ كل القرارات التي تهم مشروع برنامج عمل المحكمة، بما في ذلك، تلك التي لا تكتسي طابعا إداريا أو ماليا، كتأليف هيئات الحكم وتوزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة والتعيينات المشار إليها أعلاه، والتي تُعد من الشؤون القضائية التي يجب أن يقتصر التداول بشأنها، واتخاذ القرار بخصوصها على المسؤولين القضائيين؛
وحيث إنه، بناء على ما سبق، فإن تخويل صلاحيات تقريرية للكاتب العام، الموضوع تحت سلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل، في أشغال مكتب المحكمة ذات الطبيعة القضائية، يعد مخالفا لمبدإ فصل السلط ولاستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية المقررين في الفصلين الأول و107 من الدستور، ويتعين بالتالي، التصريح بعدم مطابقة المواد 27 (الفقرة الأولى) و28 (الفقرة الأولى) و93 للدستور؛
– في شأن المواد من 102 إلى 109:
حيث إن هذه المواد تتعلق بتحديد اختصاصات المفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل، وصلاحيات البحث والتحري المخولة للمفتشين، وضوابط اشتغال المفتشية والمساطر المتبعة في إعداد تقاريرها وآليات أداء عملها؛
وحيث إن جِهة الإحالة، دفعت بأن “المفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل هي بنية إدارية تابعة لسلطة حكومية تحدد اختصاصاتها بموجب نصوص تنظيمية”؛
وحيث إنه، من جهة، فإن مضامين المواد المذكورة، كما يَبين من الاطلاع على الأعمال التحضيرية للبرلمان، هي تعديلات بالإضافة، على الصيغة التي قدمتها الحكومة وكانت موضوع قراءة أولى من قبل مجلس النواب، أدخلها مجلس المستشارين وصادق عليها مجلس النواب في القراءة الثانية، بعد تعديل بعضها؛
وحيث إن الدستور، لئن كان قد خول للحكومة، طبقا للفصل 79 منه، صَونا لمجالها التنظيمي، خلال المسطرة التشريعية، أن “تَدفع بعدم قَبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون”، فإنه لم يَرهن ممارسة رئيس الحكومة لحقه في الإحالة المنصوص عليها في الفصل 132 من الدستور، باستنفاذ الدفع المشار إليه في الفصل 79 المذكور؛
وحيث إنه، من جهة أخرى، فإن الدستور، نص في فصله 71 على أنه “يختص القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، بالتشريع في الميادين التالية…التنظيم القضائي…”، وفي فصله 72، على أنه “يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون”؛
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 53 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نصت على أنه “يتوفر المجلس على مفتشية عامة للشؤون القضائية يُحدد القانون تأليفها واختصاصاتها وقواعد تنظيمها وحقوق وواجبات أعضائها”؛
وحيث إن الميدان المُطابق، من ميادين القانون كما هي محددة في الفصل 71 من الدستور، لتنظيم المفتشية العامة للشؤون القضائية هي تلك المتعلقة بالتنظيم القضائي؛
وحيث إن التنظيم القضائي يشمل مواضيع المحاكم، أصنافها واختصاصاتها، تأليفها وتنظيمها، وهيئات الحكم وتركيبتها، والتفتيش القضائي، سواء التفتيش الذي يشرف عليه المسؤولون القضائيين أو الذي يعود إلى المفتشية العامة للشؤون القضائية، وما يتعلق بتجريح القضاة ومخاصمتهم، والقواعد التي تُعمل أحكاما دستورية، لاسيما منها، ما يتعلق بحقوق المتقاضين وضمانات المحاكمة العادلة؛
وحيث إن مُبرر جمع التفتيش القضائي والتفتيش الإداري والمالي في قانون واحد، المُضمن في الأعمال التحضيرية للبرلمان، بحكم أن الأمر يتعلق بمحاكم التنظيم القضائي، سيجعل، فضلا عما تقدم، التفتيش الإداري والمالي التابع للوزارة المكلفة بالعدل الوحيد المنظم بقانون، في حين أن باقي المفتشيات المماثلة، الممارسة للاختصاص ذاته، التابعة لوزارات أخرى منظمة بنصوص تنظيمية، وهو تَمييز لا يجد أي أساس أو سند دستوري له؛
وحيث إنه، بناء على ما سبق، فإن التفتيش الذي يجب أن يأتي على شكل قانون، هو التفتيش القضائي وليس التفتيش الإداري والمالي المندرج في عمل السلطة التنظيمية، مما يَستدعي تنظيمه وفق نص تنظيمي عملا بأحكام الفصل 72 من الدستور؛
وحيث إنه، فضلا عن أن قاضي المشروعية، لا يراقب دستورية المراسيم، فإن المراقبة الدستورية، الممارسة طبقا للفصل 132 من الدستور، وعلى عكس مسطرة تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم (الفصل 73) أو مسطرة الدفع بعدم القبول التشريعي (الفصل 79)، لا تحُد عمل المحكمة الدستورية في التصريح في مدى اندراج المقتضى المعروض عليها في مجال القانون أو مجال التنظيم، بل يتعداه إلى فحص مدى مطابقة مضمون المقتضى المعني، ذي الطبيعة التنظيمية، للدستور؛
وحيث إن اختصاص التفتيش المخول للمفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل، يجب أن يَبقى، مراعاة لاستقلال السلطة القضائية، محصورا في الجوانب الإدارية والمالية للإدارة القضائية، ولا يمتد إلى عملها القضائي الموكول للمفتشية العامة للشؤون القضائية؛
وحيث إن التفتيش الإداري والمالي للمفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل، يتم إلى جانب التفتيش المناط بالمسؤولين القضائيين، وأن التقارير التي تُعدها المفتشية المذكورة تحال عليهم، بالنظر لإشرافهم على التدبير الإداري والمالي للإدارة القضائية، للاطلاع عليها وتقديم أجوبة عنها، عند الاقتضاء، وأن هذا التفتيش لا يهم القضاة ولا يعني عملهم القضائي ولا النشاط القضائي للإدارة القضائية، مما يجعل عمل المفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل، من هذه الوِجهة، ليس فيه ما يخالف الدستور؛
وحيث إن توفر المفتشين التابعين للمفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل، على صلاحية “الاستماع إلى المسؤولين القضائيين”، يشكل إجراء لَتفعيل ما تتطلبه الفقرة الأخيرة من المادة 72 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي تنص، على أنه “يُراعي المجلس كذلك التقارير التي يعدها الوزير المكلف بالعدل حول مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن الإشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية”؛
وحيث إن الاستماع إلى المسؤولين القضائيين يقتصر على الجوانب الإدارية والمالية التي يشرفون عليها، ولا يطال ما يَتصل بالعمل القضائي للإدارة القضائية، مراعاة لاستقلالية السلطة القضائية؛
وحيث إنه، بناء على ما تقدم، فليس في مضمون المواد من 102 إلى 109، التي تكتسي طابعا تنظيميا، مراعاة للتفسير المتعلق بتطبيقها، ما يخالف الدستور؛
2 – فيما يتعلق بالمواد المثارة تلقائيا من قبل المحكمة الدستورية:
– في شأن المواد 27 (الفقرة الثانية) و28 (الفقرة الثانية) و60 و78:
حيث إن المواد المذكورة، تنص بالتتابع، على أنه “تُمثل النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية التجارية بنائب لوكيل الملك يعينه وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي يوجد مقر المحكمة الابتدائية التجارية بدائرة نفوذها”، وأنه “تُمثل النيابة العامة لدى محاكم الاستئناف التجارية بنائب للوكيل العام للملك يعينه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي يوجد مقر محكمة الاستئناف التجارية بدائرة نفوذها”، وأنه “تَتألف المحكمة الابتدائية التجارية من…نائب لوكيل الملك أو أكثر يعينهم وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها مقر المحكمة الابتدائية التجارية، للقيام بمهام النيابة العامة أمام هذه المحكمة”، وأنه “تَتألف محكمة الاستئناف التجارية من…نائب للوكيل العام للملك أو أكثر يعينهم الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي يوجد بدائرتها مقر محكمة الاستئناف التجارية، للقيام بمهام النيابة العامة أمام هذه المحكمة”؛
وحيث إنه، لئن كان يعود للمشرع، حسب تقديره، اختيار مستوى حُضور وتَمثيل النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية، فإن ذلك يظل مقيدا باحترام أحكام الدستور والقانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية، لا سيما منها الأحكام المحددة لجهة تعيين القضاة، وقضاة النيابة العامة على وجه التحديد، كما تقتضي ذلك الفقرة الأخيرة من المادة 66 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
وحيث إن الدستور نص، طبقا للفقرة الأولى من فصله 113، على أنه “يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص…تعيينهم”؛
وحيث إن الدستور أوكَل، طبقا للفقرة الرابعة من فصله 116، لقانون تنظيمي تحديد “المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة”؛
وحيث إن تعيين القضاة، قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة، يندرج في الوضعية المهنية للقضاة؛
وحيث إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يظل، طبقا للقانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية، الجهة الوحيدة المخول لها تعيين القضاة، في كل حالات تعيينهم، والتي تشمل التعيين في السلك القضائي (المادة 13 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة)، والتعيين بمقر عمل جديد (المادة 77 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية)، والتعيين المرتبط بالترقية في الدرجة (المادة 35 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة)، والتعيين في منصب المسؤولية (المادتين 70 و72 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية)، والنقل الناتج عن عقوبة تأديبية (المادة 99 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة)؛
وحيث إنه، فضلا عن حالات التعيين المشار إليها، فإن تعيين نواب المسؤولين القضائيين، المقترحين من قبلهم (نائب رئيس محكمة أول درجة والنائب الأول لوكيل الملك لديها، نائب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف والنائب الأول للوكيل العام للملك لديها، نائب للرئيس الأول لمحكمة النقض ومحامي عام لديها)، موكول كذلك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للمادتين 21 و23 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛
وحيث إن المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف التجارية، محاكم مستقلة ومتخصصة وهي جزء من التنظيم القضائي (المادة الأولى)، وأن التنظيم القضائي يعتمد، إلى جانب مبدإ الوحدة، مبدأ القضاء المتخصص بالنسبة للمحاكم المتخصصة (المادة الثانية)؛
وحيث إن تخصص القضاء التجاري يقتضي أيضا تخصص مسؤوليه القضائيين، وهو ما لا يتأتى عبر جعل ممثل النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية التجارية مُعينا من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، الذي يغدو رئيسه التسلسلي عوض ممثل النيابة العامة لدى محاكم الاستئناف التجارية؛
وحيث إنه، بناء على ما سبق، يكون تخويل وكيل الملك لدى محكمة أول درجة والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، تعيين، بالتتابع، نائب لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التجارية ونائب للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف التجارية، مخالفا لأحكام الدستور والقانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة؛
– في شأن المواد 32 (الفقرة الأخيرة) و35 و96 (الفقرة الرابعة):
حيث إن المواد المذكورة تنص، بالتتابع، على أنه “تنعقد الجمعية العامة بحضور أكثر من نصف أعضائها، وفي حالة عدم اكتمال النصاب القانوني يؤجل الاجتماع الذي ينعقد في أول أيام العمل، وفي هذه الحالة، يُعتبر الاجتماع صحيحا بحضور ثلث الأعضاء على الأقل”، وأنه “تصادق الجمعية العامة على مشروع برنامج تنظيم العمل بالمحكمة بأغلبية أعضائها، وفي حالة تعادل الأصوات يعتبر صوت الرئيس مرجحا، وفي حالة عدم توفر هذه الأغلبية، يُراجع مكتب المحكمة برنامج العمل المذكور داخل أجل ستة أيام، وفي هذه الحالة، تصادق الجمعية العامة على المشروع المعروض بأغلبية الحاضرين”، وأنه “تصادق الجمعية العامة لمحكمة النقض على مشروع برنامج تنظيم العمل بهذه المحكمة وفق الكيفية المنصوص عليها في المادة 35…”؛
وحيث إن الجمعية العامة، باعتبارها جهازا قضائيا بالمحكمة، تصادق على مشروع برنامج العمل المعد من قبل مكتب المحكمة، والذي تشتمل موضوعاته على تحديد الأقسام والغرف والهيئات وتأليفها، وتوزيع القضايا والمهام على قضاة المحاكم، وضبط عدد الجلسات وأيام وساعات انعقادها؛
وحيث إن الجمعية العامة التي تلتئم سنويا للمصادقة على البرنامج المذكور، يُمكن أن تعقد اجتماعها في أول دعوة بحضور أكثر من نصف أعضائها، وفي حال عدم توفر هذا النصاب، ينعقد اجتماعها الموالي، في أول أيام العمل، ويعتبر صحيحا بحضور ثُلث الأعضاء على الأقل؛
وحيث إن مشروع برنامج العمل تصادق عليه الجمعية العامة، بأغلبية أعضائها، وفي حال عدم توفر هذه الأغلبية، فإن الجمعية المذكورة، تصادق عليه، بعد مراجعته من قبل المكتب داخل أجل ستة أيام، بأغلبية الحاضرين؛
وحيث إن برنامج عمل المحكمة وحسن سير أشغال الجمعية العامة، يرومان ضمان تفعيل غايات دستورية، لا سيما منها تلك المرتبطة بحق التقاضي (الفصل 118)، واستمرار خدمات مرفق العدالة (الفصل 154)؛
وحيث إنه، لئن كانت المقتضيات المنظمة لعمل الجمعية العامة وللمصادقة على برنامج عمل المحكمة، تستجيب لمتطلب إشراك القضاة في تسيير الشأن القضائي للمحكمة، فإن هذا المتطلب، لتحقيق الغاية التي يستهدفها، يجب كفالته بمقتضيات قانونية تُمكن من إعماله في كل الحالات المُتصور حُدوثها؛
وحيث إن المُشرع، في تنظيمه لموضوعي اجتماعات الجمعية العامة والمصادقة على برنامج تنظيم عمل المحكمة، لم يستشرف حالات تتعلق بعدم تمكن الجمعية من عقد اجتماعها بسبب عدم حضور ثلث الأعضاء، وكذا عدم مصادقتها على مشروع برنامج العمل المعروض عليها بأغلبية الحاضرين؛
وحيث إن غياب مقتضيات مؤطرة لهذه الحالات، التي يتوقف عليها حسن سير العدالة وضمان حق المتقاضين في الولوج إليها، يشكل إغفالا تشريعيا، يجعل المقتضيات القانونية المرتبطة بهذا الموضوع غير مكتملة، من الوجهة التشريعية، وتؤدي، بالنتيجة، إلى عدم معرفة المخاطبين بها، بالحلول الممكنة في حال حدوثها؛
وحيث إن القواعد التي أغفلها المشرع تكتسي أهمية كبيرة في حسن سير العدالة، مما تكون معه المواد 32 (الفقرة الأخيرة) 35 و96 (الفقرة الرابعة)، من الِوجهة التي تم بيانها، غير مطابقة للدستور؛
– في شأن المادتين 49 (الفقرة الأخيرة) و72 (الفقرة الأخيرة):
حيث إن هاتين المادتين، تنصان، في الفقرتين المذكورتين، بالتتابع، على أنه “يُعين قضاة الأسرة المكلفون بالزواج، والقضاة المكلفون بالتوثيق، والقضاة المكلفون بشؤون القاصرين، والقضاة المكلفون بالتحقيق، وقضاة الأحداث، وقضاة تطبيق العقوبات لمدة ثلاث سنوات بقرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية باقتراح من رئيس المحكمة”، وأنه، بالنسبة لمحاكم الاستئناف، “يعين المستشارون المكلفون بالأحداث والقضاة المكلفون بالتحقيق لمدة ثلاث سنوات بقرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية باقتراح من الرئيس الأول للمحكمة”؛
وحيث إن الفقرة الأولى من الفصل 113 من الدستور، تنص على أنه “يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم”؛
وحيث إنه، يَبين من الاطلاع على مواد القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، أن الصلاحيات التي يمارسها الرئيس المنتدب للمجلس المذكور، تتعلق إما بتمثيل المجلس لدى مؤسسات دستورية أخرى وأمام القضاء، والتدبير الداخلي للمجلس وتسيير جلساته وتنفيذ مقرراته، ورفع تقارير موضوعاتية أو بشأن عمل المجلس، وإعداد لائحة الأهلية للترقي وتلقي الشكايات، وكذا تخويل القضاة رخص المرض الطويلة والمتوسطة؛
وحيث إن صلاحية إلحاق القضاة أو وضعهم في حالة استيداع أو رهن الإشارة، يمارسها الرئيس المنتدب بعد استشارة لجنة خاصة تتشكل لهذا الغرض، طبقا للمادة 79 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس المذكور، وتَضم، إلى جانب الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أربعة أعضاء يعينهم المجلس؛
وحيث إنه، يتضح مما تقدم، أن الضمانات الممنوحة للقضاة، وحماية استقلالهم، وتدبير وضعياتهم الفردية من تعيين وترقية وتقاعد وتأديب، لا تندرج في الصلاحيات المخولة للرئيس المنتدب، لا بحكم الدستور ولا بمقتضى القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية، وإنما في الاختصاصات الموكولة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
وحيث إن كفالة استقلالية القضاة، لاسيما المُعينين منهم لأداء مَهام لمُدد مُحددة، يقتضي تعيينهم من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالنظر للضمانات التي تقدمها المساطر المتبعة لاتخاذ قراراته، وكذا ما يتيحه إدراج هذه التعيينات ضمن أشغال المجلس، من تَمكين الملك من الاطلاع عليها بصفته، الضامن لاستقلال السلطة القضائية، طبقا للفقرة الثانية من الفصل 107 من الدستور؛
وحيث إنه، بناء على ما سبق، يكون إسناد تعيين قضاة الأسرة المكلفين بالزواج، والقضاة المكلفين بالتوثيق، والقضاة المكلفين بشؤون القاصرين، والقضاة المكلفين بالتحقيق، وقضاة الأحداث، وقضاة تطبيق العقوبات (بالنسبة للمحاكم الابتدائية)، والمستشارين المكلفين بالأحداث والقضاة المكلفين بالتحقيق (بالنسبة لمحاكم الاستئناف)، إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية غير مطابق للدستور ولأحكام القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة؛
– في شأن المادة 52:
حيث إن المادة المذكورة، تنص على أنه “يُحدث بكل من المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف مكتب للمساعدة الاجتماعية، يُعهد إليه، علاوة على المهام المسندة إليه بموجب النصوص التنظيمية والتشريعية الجاري بها العمل، ممارسة الاختصاصات التالية:
– القيام بالاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة مواكبة الفئات الخاصة؛
– إجراء الأبحاث الاجتماعية بطلب من السلطات القضائية؛
– ممارسة الوساطة أو الصلح في النزاعات المعروضة على القضاء؛
– القيام بزيارات تفقدية لأماكن الإيداع؛
– القيام بزيارات تفقدية لأماكن الإيواء؛
– تتبع تنفيذ العقوبات والتدابير؛
– القيام بدراسات وبحوث ميدانية؛
– تتبع وضعية ضحايا الجرائم؛
– تعزيز التنسيق والتواصل داخل مكونات خلية التكفل بالنساء ضحايا العنف مع باقي الفاعلين في مجال حماية الفئات الخاصة؛
– إعداد تقارير دورية ترفع إلى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل؛
– إعداد وتتبع تنفيذ برامج ومشاريع نوعية للحماية والتكفل بالفئات الخاصة داخل اللجان الجهوية والمحلية”؛
وحيث إن المادة المذكورة، لا تتضمن أي مقتضيات تتعلق بتركيبة مكتب المساعدة الاجتماعية وكيفيات تأليفه، وأن صياغتها تَحتمل مَعنيين، الأول، أن هذا المكتب يُحدث، لأول مرة، بمقتضى القانون موضوع الإحالة، والثاني، أن المكتب المعني مُشكل وله مَهام “مسندة إليه بموجب النصوص التنظيمية والتشريعية الجاري بها العمل”؛
وحيث إن عدم وضوح النص أو عدم تناسق مقتضياته أو عدم انسجامها مع مقتضيات قانونية أخرى وثيقة الصلة به، أو صُعوبة تَصوره، أو عدم اكتمال التشريع الذي يتوقف عليه إعماله، يحول دون بت المحكمة الدستورية في مواد القانون المعروض عليها، على حالها؛
وحيث إن المحكمة الدستورية، بالنظر لما سبق، لا يمكنها البت، على الحال، في طبيعة المكتب وتركيبته ومدى اندراجه في العمل الإداري التابع للكاتب العام للمحكمة، تحت إشراف المسؤول القضائي، أو الشأن القضائي الممارس تحت السلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين؛
وحيث إنه، بالإضافة إلى ما تقدم، فإنه باستثناء “إجراء الأبحاث الاجتماعية”، فإن باقي الاختصاصات المخولة لمكتب المساعدة الاجتماعية، تُمارس من قِبله دون طلب من الجهات القضائية المعنية ولا بإشراف منها؛
وحيث إن ممارسة الوساطة أو الصلح في النزاعات المعروضة على القضاء، والقيام بزيارات تفقدية لأماكن الإيداع أو لأماكن الإيواء، وتتبع تنفيذ العقوبات والتدابير أو تتبع وضعية ضحايا الجرائم، هي اختصاصات تُمارس، طبقا للقوانين المنظمة، بتكليف من جهات قضائية أو بإشراف وتوجيه منها؛
وحيث إن من بين الاختصاصات المخولة لمكتب المساعدة الاجتماعية “تعزيز التنسيق والتواصل داخل مكونات خلية التكفل بالنساء ضحايا العنف مع باقي الفاعلين في مجال حماية الفئات الخاصة”؛
وحيث إنه، يبين من الاطلاع على المادتين 13 و14 من القانون رقم 103.13 المتعلق بممارسة العنف ضد النساء، أن اللجان الجهوية المحدثة للتكفل بالنساء ضحايا العنف، على مستوى الدائرة القضائية، يرأسها الوكيل العام للملك أو نائبه، وأن من مهامها، المرتبطة بما هو مضمن في المادة 52 المذكورة “- ضمان التواصل والتنسيق بين السلطة القضائية وباقي القطاعات والإدارات المعنية بقضايا التكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الجهوي، – التواصل والتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني في هذا المجال”؛
وحيث إن المقتضيات ذاتَها، أعيد التأكيد عليها في المادتين 15 و16 من القانون المشار إليه، بالنسبة للجان المحلية المحدثة، التي يرأسها وكيل الملك أو نائبه، على مستوى الدائرة القضائية لكل محكمة ابتدائية؛
وحيث إن الأمر يتعلق، كما تم بَيانه، باختصاص مُخول لهيئات ترأسها جِهات قضائية؛
وحيث إنه، بناء على ما سبق، فإن تخويل مكتب المساعدة الاجتماعية، الاختصاصات الواردة في المادة 52 المذكورة، دون تكليف أو إشراف قضائي، يُعد تدخلا في ممارسة الشؤون القضائية الموكولة حصرا للسلطة القضائية؛
لهذه الأسباب :
أولاـ من حيث الإجراءات المتبعة لإقرار القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي:
تصرح بأن مسطرة إقرار التعديلات المُدخلة من قبل مجلس النواب، في القراءة الثانية، على المواد 7 و23 و48 و52 و71 و96 و103 و107 من القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، غير مطابقة للدستور؛
ثانيا- من حيث موضوع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي:
تقضي بأن:
1- المادة 19 (الفقرة الأولى) في عدم مراعاتها لطبيعة عمل النيابة العامة في تنظيم كتابة الضبط في هيئة واحدة، والمادة 23 (الفقرة الثالثة) فيما نصت عليه من تخويل الكاتب العام أداء مهام كتابة الضبط، والمواد 27 (الفقرة الأولى) و28 (الفقرة الأولى) و93، فيما خولته من صلاحيات تقريرية للكاتب العام في أشغال مكتب المحكمة المتعلقة بالشأن القضائي، والمواد 27 (الفقرة الثانية) و28 (الفقرة الثانية) و60 و78، فيما نصت عليه من تعيين وكيل الملك والوكيل العام للملك ممثلين لهم للقيام بمهام النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية، والمواد 32 (الفقرة الأخيرة) و35 و96 (الفقرة الثالثة) فيما أغفلته على التوالي من تحديد المسطرة المتبعة في حالة عدم تمكن الجمعية العامة من عقد اجتماعها بسبب عدم حضور ثلث الأعضاء، وحالة عدم مصادقة الجمعية العامة خلال اجتماعها الثاني على مشروع برنامج عمل المحكمة، والمادتين 49 (الفقرة الأخيرة) و72 (الفقرة الأخيرة) فيما أسندتاه من صلاحية للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لتعيين قضاة الأسرة المكلفين بالزواج، والقضاة المكلفين بالتوثيق، والقضاة المكلفين بشؤون القاصرين، والقضاة المكلفين بالتحقيق، وقضاة الأحداث، وقضاة تطبيق العقوبات، بالنسبة للمحاكم الابتدائية، والمستشارون المكلفين بالأحداث والقضاة المكلفين بالتحقيق لدى محاكم الاستئناف، والمادة 52 فيما أوكلته من مهام قضائية لمكتب المساعدة الاجتماعية، غير مطابقة للدستور؛
2- المواد من 102 إلى 109 تكتسي طابعا تنظيميا، وأن مضمونها ليس فيه ما يخالف الدستور مع مراعاة التفسيرات المقدمة بشأنها؛
3- باقي مواد القانون ليس فيها ما يخالف الدستور، مع مراعاة التفسيرات المقدمة بشأن المواد 7 (الفقرة الأولى) و19 (الفقرة الثانية) و23 (الفقرة الرابعة)، وكذا المواد المرتبطة بها، منه؛
ثالثاـ تأمر برفع قرارها هذا إلى علم جلالة الملك، وبتبليغ نسخة منه إلى كل من السيد رئيس الحكومة، والسيد رئيس مجلس النواب، والسيد رئيس مجلس المستشارين، وبنشره في الجريدة الرسمية.
وصدر بمقر المحكمة الدستورية بالرباط في يوم الجمعة 2 من جمادى الآخرة 1440
(8 فبراير 2019)
الإمضاءات :
- اسعيد إهراي
- عبد الأحد الدقاق
- الحسن بوقنطار
- أحمد السالمي الإدريسي
- السعدية بلمير
- محمد أتركين
- محمد بن عبد الصادق
- مولاي عبد العزيز العلوي الحافظي
- محمد المريني
- محمد الأنصاري
- ندير المومني
- محمد بن عبد الرحمان جوهري
تعليقات 0