المنتجات التمويلية المستجدة بالمغرب: عقد المضاربة نموذجا

وليد معلمي طالب باحث في سلك الماستر “الاستشارة القانونية ذات الصبغة المالية للإدارات والمقاولات”

 مقدمة:

تقوم البنوك التشاركية بالتمويل والاستثمار في المشاريع على أساس المضاربة([1]) ويسمى  البنك رب المال، ويسمى المتعهد أو الملتزم مضاربا، وهو الذي يقوم بالعمل في المشروع، وفي نهاية العمل يقسم الربح بين البنك والمتعهد بموجب الاتفاق السابق على حصة كل منهما، أما في حالة الخاسرة فإن رب العمل يتحملها وحده.

وبذلك يقوم البنك التشاركي بكل أساسيات العمل المصرفي المتطور، وفقا لأحداث الطرق والأساليب الفنية لتسهيل التبادل، وتنشيط الاستثمار ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإذا كان البنك التجاري يعمل كوسيط يجمع الأموال والمدخرات ليعيد توظفيها مقابل الحصول على فوائد أعلى من تلك التي يدفعها على الودائع، فإن البنك التشاركي يعمل كوسيط وشريك يجمع الأموال والمدخرات ويعيد توظيفها، ويحصل بذلك على نصيب من الربح ويتحمل حصة من الخسائر حال وقوعها.

فالمضاربة من الناحية التاريخية نظام اقتصادي تعارف عليه العرب قبل مجيء الإسلام وأقرها الإسلام، بعد أن هذبها الفقه وقعد لها القواعد، التي تحفظ حقوق أطرافها وتبين إلتزاماتهم.

ولكن بالرغم من الأهمية التي تحظى بها المضاربة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية بحكم الترابط الوثيق بينهما، إلا أن الفقه اختلف في تحديد طبيعتها؟ وتمييزها عن العقود المشابهة؟

كما أن البنوك التشاركية في تنزيلها العملي لعقد المضاربة تعترضها مجموعة من المعيقات منها ما يعود إلى الطبيعة الخاصة لعقد المضاربة ومنها ما يرتبط بالمبادئ والأحكام المستقلة بهذا العقد؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات سوف نقسم هذ الموضوع إلى مطلبين:

  • المطلب الأول: طبيعة عقد المضاربة وتمييزه عن العقود المشابهة
  • المطلب الثاني: محدودية استخدام عقد المضاربة في البنوك التشاركية

المطلب الأول: طبيعة المضاربة وتمييزه عن العقود المشابهة

انقسم العمل الفقهي([2])، عند البحث في طبيعة عقد المضاربة وما يميزه عن العقود المشابهة، إلى فريقين، الأول يعتبره من عقود المعاوضات في حين يصنفه الثاني ضمن عقود المشاركات.

وبالرغم من تشابه عقد المضاربة مع غيره من المعاملات والصيغ الشرعية والوضعية في بعض العناصر والخاصيات، إلا أن هذا العقد يتخذ طبيعة خاصة تميزه عن هذه الصيغ والأساليب. وسنعمل في هذا المطلب إلى توضيح طبيعة عقد المضاربة (الفقرة الأولى)، والفروق التي تميزه عن غيره من المعاملات المشابهة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: طبيعة عقد المضاربة

اختلف الفقه في طبيعة عقد المضاربة من حيث التكييف الذي يمكن أن يرد عليه ضمن دائرة العقود، إذ منهم من أدخله في جنس المعاوضات المحضة كالإجارة ومنهم من أدخله في حكم الوديعة وهنا يطرح تساؤل هل عقد المضاربة من المعاوضات أم أنه يدخل في جنس المشاركات؟

أولا: عقد المضاربة من جنس المعاوضات

اتجه كثير من فقهاء الشريعة الإسلامية([3]) إلى اعتبار عقد المضاربة من زمرة المعاوضات كالإجارة([4])، لأنها عمل بعوض، معتبرين الأجر الذي يناله العامل من رب المال هو ذلك العوض. إلا أنهم اعتبروها واردة على غير القياس في الإجارة عندما تبين لهم أن العامل لا يعمل المقدار الذي سيحصل عليه من تلك المضاربة، في الوقت الذي يشترط في الإجارة أن يكون الأجر والعمل معلوميين، كما هو الشأن بالنسبة لجميع الإجارات. وتأسيسا على هذا، اعتبرت المضاربة عندهم مشروعة على خلاف القياس.

ثانيا: عقد المضاربة من جنس المشاركات

يرى الاتجاه الثاني من الفقه([5]) أن عقد المضاربة من جنس المشاركات، كالمزارعة والمساقاة([6])، فالمضاربة حسب حد قول هذا الاتجاه غير واردة على خلاف القياس، حيث في هذا العقد يشترك رب المال والمضارب في الربح إن حصل، وإن لم يحصل اشتركا في الخسارة، المضارب ذهب عمله، ورب المال خسر ماله، وعلى هذا الأساس تكون المضاربة واردة وفق قياس الشركات([7]) التي يكون فيها العمل غير معلوم، والربح غير موجود وقت العقد ولا محقق الوجود ولا معلوم المقدار.

انطلاقا مما سبق يمكن أن نستخلص نتيجة وهي: المضاربة تدخل ضمن دائرة المشاركات ويسري عليها حكم الشركة لاتفاق ذلك مع الغاية المرجوة من هذا العقد، وهي الحصول على الربح واقتسامه بين الطرفين بحسب الاتفاق، لكون هذا الأخير حصل بناء على ما تم تقديمه من مال وما تم القيام به من عمل بين هذين الطرفين.

كما أن تطور المعاملات الحديثة وتعقدها، وما تقتضيه من مرونة ويسر في مواكبتها، أملى ضرورة الأخذ بعقد المضاربة واعتباره من جنس المشاركات وهذا فعلا ما قامت به هيئات الرقابة الشرعية في البنوك التشاركية، وذهب إليه كذلك مجموعة من الكتاب المعاصرين([8]).

الفقرة الثانية: تمييز عقد المضاربة عن غيره من العقود المشابهة

بالرغم من التشابه الحاصل، بشكل كبير، بين المضاربة وغيرها من صيغ وأساليب التعامل الشرعية والوضعية، في بعض العناصر والخاصيات، إلا أن لهذه المضاربة طبيعة خاصة تميزها عن هذه الصيغ والأساليب، لهذا سوف نعمل في هذا المطلب على أن توضيح أهم الفروق التي تميز هذا الأسلوب التمويلي عن غيره من الأساليب التمويلية المشابهة.

أولا: تمييز عقد المضاربة عن عقد القرض

لا تخفى المكانة الكبيرة التي يحتلها جمع الودائع ومنح الائتمان في أعمال البنك حيث تنصب أهم نشاطات البنك التقليدي بشكل خاص على الاقتراض([9])، بفائدة([10]) أو بدونها، ودون الخوض في التفاصيل سوف نميز أوجه التشابه والاختلاف بين القرض والمضاربة.

وعلى الرغم من التشابه المبدئي الحاصل بين القرض بفائدة وعقد المضاربة، المتمثل في أن كل منهما عبارة عن تقديم المال من مالك لشخص آخر قصد العمل به أو استثماره أو توظيفه إلا أن هناك أوجه اختلاف كثيرة بين هذين النوعين من العقود نوردها فيما يلي:

مقال قد يهمك :   خصوصية تحفيظ الأملاك الوقفية على ضوء قانون التحفيظ العقاري و مدونة الأوقاف

1– يتأسس جوهر العمل بالمضاربة على مبدأ المشاركة بين طرفين في ربح العملية الاستثمارية، في حين أن جوهر عملية الإقراض هو القرض بفائدة ثابتة محددة.

2- للمقترض مطلق الحق في التصرف في قيمة القرض بكامل حريته مادام دينا ملتزما برده كاملا في ميعاد استحقاقه، ولا يحق بالتالي للمقرض أن يتدخل في عمل المقترض، أما في عقد المضاربة فرب المال طالما أن الضمان يكون عليه، فإنه ومن أجل الحفاظ على ماله من الضياع أو الخسارة، يكون له الحق في وضع بعض الشروط أو القيود للعامل، يلتزم بها أثناء قيامه بعملية المضاربة.

3- المقرض لا يشارك المقترض فيما يقع من خسارة ولا فيما تحققه أصوله من أرباح رأسمالية، في حين أن رب المال في عقد المضاربة يتحمل خسارة العملية ويشارك في الأرباح التي تحققها هذه العملية، لأن توزيع الربح في المضاربة ينبني على تحويل رأس المال إلى نقود ثابتة يسدد منها رأس المال لصاحبه أولا ويقسم الباقي بين رب المال والمضارب بحسب النسبة المتفق عليه([11]).

4- العلاقة التي تجمع صاحب القرض وآخذه لا تعتبر من باب الشركة، فصاحب القرض له مبلغ محدد ولا شأن له بعمل من أخذ القرض، وهذا الأخير يستثمر تلك الأموال التي أخذها قرضا لنفسه فقط، بحيث يملك ذلك المال ويضمن رد مثله مع زيادة نسبة الفائدة، باعتباره دينا عليه يستحق الأداء في ميعاده، ولذلك إن كسب كثيرا فلنفسه، وإن خسر تحمل ذلك وحده([12])، على عكس المضاربة، التي تعتبر شركة يكون فيها الغنم والغرم للاثنين معا، فالمضارب لا يملك المال الذي بيده، إنما يتصرف فيه وكيلا عن صاحب رأس المال، ويقسم الكسب بينهما قليلا كان أم كثيرا، بحسب ما اتفقا عليه، وفي حالة الخسارة فإن المضارب يتحمل الخسارة المالية، والعامل يتحمل خسارة ما ضيعه من جهد وعمل([13])، ولا يضمن رأس مال المضاربة إلا في حالة التعدي والتقصير ومخالفة الشروط باعتباره وكيلا.

 ثانيا: تمييز عقد المضاربة عن عقد الإجارة.

من المعاملات التي تستدعي التمييز بينها وبين المضاربة نجد عقد الإجارة([14])، هذه الأخيرة تعرف بأنها عقد بيع لمنافع الأعيان والخدمات، فهي ترد على منافع الأعيان كما ترد على منافع الإنسان، فالمنفعة قد تكون منفعة عين كاستئجار الأرض للزراعة…، وقد تكون منفعة عمل مثل عمل المهندس والخياط…، ومنفعة الشخص الذي يبذل جهده كالخدم([15]).

وما يهمنا في هذا المقال هو استعراض أهم أوجه التشابه والاختلاف الحاصلة بين عقدي المضاربة والإجارة، من حيث العائد ومن حيث العوض.

1- يشترك عقد المضاربة مع عقد الإجارة في أن كلا منهما عقد يتضمن تقديم أحد الأشخاص لعمله وخبرته مقابل عائد مادي. غير أن العامل في الإجارة يكون له أجر ثابت معروف متفق عليه مسبقا، في حين يكون الربح لرب المال والخسارة عليه ولا شيء يكون للعامل إلا أجرته نظير العمل الذي قام به([16]).

يتجلى الفارق الأول بين عقد المضاربة وعقد الإجارة في مسألة العائد، ذلك أن هذا الأخير يكون في عقد الإجارة معلوما مسبقا وثابتا على عكس الحال في المضاربة، بحيث في حال تحقق الربح يتم اقتسامه بين الطرفين، وفي حالة الخسارة يتحملها رب المال في ما ضاع من ماله والمضارب من خلال العمل الذي قدمه، إلا إذا تعدى أو قصر في عمله.

2- يكون العوض في عقد المضاربة على العامل تقديمه متمثلا في العمل فقط، مع ضرورة التحري والحزم في هذا العمل، وذلك وفق الشروط التي يضعها له رب المال، لكن بخلاف ذلك، ففي عقد الإجارة قد يكون هذا العوض عبارة عن منفعة أعيان كاستئجار الأرض للزراعة والمنزل للسكن والسيارة للركوب…، بجانب عمل الإنسان.

كما أن العمل في عقد الإجارة يكون أكثر تحديدا وتوصيفا منه في حالة عقد المضاربة، بحيث في هذا الأخير يكون عمل العامل بهدف تنمية المال، الأمر الذي يفسر وجود دائرة واسعة للحركة لا يحد منها إلا بعض القيود أو الشروط التي قد يضعها رب المال للعامل، الذي تكون الغاية منه هي الحفاظ على ماله طالما أن الضمان يكون عليه في الأخير، ما لم يحصل تقصير أو إهمال من جانب المضارب.

المطلب الثاني: محدودية استخدام عقد المضاربة في البنوك التشاركية

تعترض البنوك التشاركية في تنزيلها العملي لعقد المضاربة، مجموعة من المعيقات، منها ما يعود إلى الطبيعة الخاصة لعقد المضاربة، وما يرتبط بها من مبادئ وأحكام مستقلة، لهذا سوف نتطرق في هذا المطلب إلى الصعوبات والعوائق من الجانب القانوني (الفقرة الأولى) والجانب الإداري (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الصعوبات القانونية

إن من الصعوبات والإكراهات التي تعترض التعامل بصيغة المضاربة في البنوك التشاركية، عدم ملاءمة بعض القوانين الوضعية التي تعتمدها بعض الدول التي تتعامل بأساليب التمويل التشاركي عموما وأسلوب التمويل بالمضاربة على وجه الخصوص، مع طبيعة العمل البنكي التشاركي. ونلخص الأسباب التي كانت وراء ذلك في سببين اثنين، يتمثل أولهما في انحياز البنوك التي تتعامل بصيغة المضاربة نحو تطبيق أحكام وقواعد القوانين الوضعية الخاصة بدلا من الأحكام والقواعد التي أوجدتها الشريعة الإسلامية وأما السبب الثاني ونعتبره نتيجة للسب الأول فيتمثل في غياب قوانين خاصة تعنى بتنظيم أحكام وقواعد المضاربة.

أولا: بعد القوانين الوضعية والضريبية عن القواعد الشرعية

من التحديات التي تواجه العمل بصيغة المضاربة في البنوك التشاركية أن هذه الأخيرة تكون ملزمة بالتعامل في ظل القوانين الوضعية، وقوانينها التجارية، شأنها شأن سائر القوانين المتخصصة الأخرى، مستقاة من تشريعات ونظم بعيدة عن واقع تلك التمويلات([17]).

مقال قد يهمك :   الشكلية في نفاذ الرهن الرسمي

مثلا لو أن البنك أراد مثلا إحداث شركة مضاربة فاختار صورة شركة التوصية باعتبارها أقرب الصور القانونية إلى شركة المضاربة، فإنه آنذاك سيكون خاضعا لقواعد وأحكام القانون المتعلق بشركة التوصية، وليس للأحكام والقواعد الفقهية الخاصة بشركة المضاربة([18]).

كما أن هذه البنوك والمؤسسات المالية التشاركية تعمل في مجال التمويل على أساس العقود والاتفاقات الخاصة دون أن تكون لها في الواقع مؤيدات قانونية، وقواعد مكملة ومزايا ضريبية مماثلة لتلك التي عليها الحال في البنوك التقليدية، فنجد أن البنوك التشاركية تعاني من الضرائب التي تؤخذ على الأرباح التي توزع على الودائع الاستثمارية حيث لا تعامل على أساس أنها جزء من تكاليف البنك الإجمالية على عكس ما عليه العمل مع البنوك التجارية التقليدية، حيث تعد الفوائد المدفوعة من قبلها جزءا من تكاليفها الإجمالية. إضافة إلى ذلك البنك التشاركي كرب مال ملزم بإخراج زكاة الأموال الخاصة بالأساليب التمويلية التي يعتمدها، بما فيها المضاربة، وحيث إن نظام الضرائب هو نظام وضعي لا يأخذ بالاعتبار الزكاة المستحقة عن هذه الأموال، وبالتالي لا يقوم باحتسابها كجزء من هذه الضرائب المفروضة([19]).

وخلاصة لما سبق ذكره، يكون البنك التشاركي مجبرا على دفع الضرائب المفروضة على عملية المضاربة التي يتعامل بها مع العملاء، وإخراج الزكاة المستحقة على أموالها، الشيء الذي يؤدي إلى رفع تكلفة هذه العمليات نتيجة هذا الازدواج، على عكس البنك التقليدي الذي يكتفي بأداء الضرائب عند قيامه بعماليات الإقراض.

ونتيجة لذلك، فإن إخضاع عقد المضاربة لقواعد القانون الوضعي المطبقة على الشركات الخاصة، وليس لأحكامها المأثورة في كتب الفقه، سيقف من دون شك عائقا أمام تطبيق هذا الأسلوب نظرا للمخالفات التي ستسود التنزيل العملي لتلك القواعد المخالفة للأحكام الشرعية.

– ثانيا: غياب قوانين خاصة تنظم أحكام وقواعد المضاربة

تعرف معظم الدول المطبقة للتمويلات التشاركية، بما فيها أسلوب التمويل بالمضاربة، خصاصا ملحوظا في المجال القانوني، نظرا لعدم وجود قواعد قانونية منظمة لعمليات المضاربة تراعي حقوق وواجبات أطرافها.

فالبنوك التشاركية في حاجة ماسة إلى إطار قانوني منظم، تعتمده سندا لحفظ ورعاية حقوقها عند مخالفة الطرف الآخر (العميل المضارب في عملية المضاربة) كما هو الحال بالنسبة للبنك التقليدي، عندما يتأخر العميل في سداد قيمة القرض الممنوح وفوائده في الميعاد المحدد([20]).

مثلا أدى عدم تمتع البنوك التشاركية بحماية جزائية لتحصيل حقوقها لدى العملاء عند حلول أجلها، إلى التشدد في الحصول على الضمانات المختلفة حتى تكون رادعة عن تلك المماطلة نظرا لأن البنوك التشاركية-لا تتقاضى عوائد على الأموال المستحقة عن فترة التأخير في الدفع، فتلجأ بعض هذه البنوك كما في عقد التمويل بالمرابحة مثلا- إلى فرض غرامات عن التأخير لأنها تتعامل بإلزامية الوعد إسوة بالبنوك التقليدية([21]).

الفقرة الثانية: المعيقات الإدارية

من الصعوبات والتحديات التي تعترض عقد المضاربة في البنوك التشاركية، الجانب الإداري نذكر منها ما يلي:

أولا: اقتطاع المصاريف الإدارية من الربح المحقق قبل قسمته

تعمد البنوك التشاركية إلى اقتطاع المصاريف الإدارية وعزلها من صافي الربح المتحقق ومن ثم تقوم باقتسام ما تبقى من الربح مع أصحاب الأموال، باعتبارها شريكا لهم في العمليات الاستثمارية ومضاربة فيها([22]).

والواضح في هذه المسألة أن ما يجريه البنك التشاركي من أعمال وخدمات يعد من الأنشطة الأساسية التي يجب على المضارب القيام بها، ومن المعلوم أن هذا الأخير لا يحق له تقاضي أي أجور على مثل هذه الأنشطة. وبالإمكان إضافة المصاريف الإدارية إلى أصل حصته من الربح، فإن كانت مثلا حصة البنك %40 ونسبة المصاريف %5 فإنه يمكنه إجراء الاتفاق مقدما على أساس أن تكون حصة البنك من الربح %47، وبذلك يستطيع التغلب على هذه المشكلة، وتغطية مصاريفه الإدارية.

ثانيا: تخصيص جزء من الربح ليكون مالا احتياطيا للبنك قبل توزيعه

تلجأ بعض البنوك التشاركية قبل توزيعها للأرباح المحققة، إلى تخصيص نسبة من تلك الأرباح للاحتياطي اللازم، مع العلم أن الاحتياطي هو من حقوق المساهمين فقط باعتبارهم أصحاب الحق في جميع أصول البنك، وهم المالكون لها. وحيث إن ما يحققه البنك من أرباح استثمارية يعد من حقوق المودعين لتلك الأموال المستثمرة، ولذلك فإن هذا الآمر لا يمكن اعتباره مسوغا حقيقا لأخذ تلك الأموال من المودعين ومنحها للمساهمين([23]). في حين أن الذي يجب أن يكون هو أن تعمل البنوك العاملة في هذا المجال على اقتطاع الأرباح للاحتياطي بعد توزيعها للأرباح المتحققة ومعرفة نصيب كل من المساهمين والمودعين([24]).

خاتمة

انطلاقا مما سبق يمكن أن نستنتج مجموعة من نتائج المتوصل إليها دون إعادة سرد ملخص حول تفاصيل المقال وحيثياته، خصوصا أن هذا الموضوع تتدخل فيه مجموعة من العلوم المزاوجة بين ما هو فقهي شرعي وقانون وضعي، وما هو اقتصادي واجتماعي…

ومن جملة النتائج:

– إن البنك التشاركي مؤسسة تجارية تتعامل بالأعمال المصرفية المختلفة، بما فيها عقد المضاربة تعتمد على مبدأ المشاركة في الأرباح والخسائر وفقا لقاعدة الغنم بالغرم.

– عدم كفاية التنظيم القانوني لعمل البنوك التشاركية بعقد المضاربة وأنه على الرغم من وجود التنظيمات القانونية لدى عدة دول تهتم بمثل هذا الأسلوب من التمويل، إلا أنها لا تزال قاصرة عن إيجاد الحلول لمعظم المشكلات الحديثة التي تواجه عملها في هذا الجانب بالخصوص.

المقترحات:

  •  البحث في الإجراءات الممكن اتخاذها لتجاوز مختلف الإكراهات التي يطرحها تطبيق عقد المضاربة في البنوك التشاركية، بما في ذلك جعل البنك ضامنا لأموال المودعين، وتقييد عمل المضارب في مجالات محددة.
  • تحديد مساطر خاصة لمعالجة الصعوبات الناتجة عن توظيف الأموال في إطار عقد المضاربة.
مقال قد يهمك :   حال المجتمع الدولي في ظل العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين

لائحة المراجع:

الكتب الخاصة:

  • عائشة الشرقاوي المالقي، البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق، مطبعة المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2000.
  • محمد الدرقاوي، عقد المضاربة في البنوك التشاركية بين التطبيقات الفقهية والشبهات الربوية، مطبعة بن سي حي مولاي رشيد الداخلة، الطبعة الأولى، 2017.
  • محمد عبد المنعم أبو زيد، المضاربة وتطبيقها العملية في المصارف الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، طبعة الأولى، 1996.
  • جمال الدين عطية، البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم، للطبعة الثانية، بيروت، 1993.

المقالات:

  • جلال الأدوزي، الإطار التنظيمي والقضائي للفوائد البنكية والعمولات، مجلة المحاكم التجارية، العدد 7، يناير 2011.

الأعمال الجامعية:

  • يوسف حمومي، عقود المالية التشاركية دراسة مقارنة في الأسس النظرية والجوانب العملية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق سويسي، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2017-2018.

القوانين:

  • الظهير الشريف رقم 1.14.193، قانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الصادر بتاريخ 1 ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014)، الجريدة الرسمية، عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015.

الهوامش:

 ([1])– تم التنصيص على المضاربة في المادة 58 من قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.14.193، بتاريخ 1 ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) الجريدة الرسمية، عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015.

وقد تكلفت المواد من 42 إلى 53 من منشور والي بنك المغرب بتحديد الموصفات التقنية لهذا العقد.

 ([2])– يرى المالكية أن المضاربة وكالة من نوع خاص، لأن صاحب المال يوكل المضارب في استخدام ماله ولكن في التجارة بالنقد فقط، وهذا التحديد يجعل التوكيل فيها خاصا. ويعتبرها الحنفية أمانة في بدايتها لأن المال تحت يد المضارب يأخذه بأمر من صاحبه. للإطلاع أكثر هناك كتاب للمؤلفة عائشة الشرقاوي المالقي، البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق، مطبعة المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2000، ص. 319.

 ([3])– وهم جمهور الفقهاء الحنفية، المالكية والشافعية، ويراجع في ذلك، يوسف حمومي، عقود المالية التشاركية دراسة مقارنة في الأسس النظرية والجوانب العملية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق سويسي، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2017-2018، ص. 56.

 ([4])– الإجارة شرعا عقد على منفعة مباحة معلومة، مدة معلومة، من عين معلومة، أو موصوفة في ذمة أو عمل بعوض معلوم.

 ([5])– فقهاء الحنابلة والإمامية، ينظر يوسف حمومي، م. س، ص. 57.

 ([6])– نصت تشريعات عدد من الدول التي تعتمد البنوك التشاركية، على هذه الصيغ في قوانينها، كالتشريع الأردني الذي نص في المادة 143 من مجلة الأحكام العدلية على أن المزارعة نوعة شركة على كون الأرض من طرف والعمل من طرف آخر بمعنى أن تزرع الأرض وتقسم الحاصلات بينهما” والمساقاة نوع شركة على أن تكون الأشجار من طرف والتربية من طرف والتربية من طرف آخر وأن يقسم الثمر الحاصل بينهما”.

 ([7])– وتعني الشركة الاجتماع في استحقاق أو تصرف، وتشمل شركة الأملاك والشركة التي تنشأ من العقد وحري بالتنويه أن المشرع نظم كلا من عقد الشركة وعقد المضاربة في قانون رقم 12/103 السالف الذكر.

 ([8])– محمد الدرقاوي، عقد المضاربة في البنوك التشاركية بين التطبيقات الفقهية والشبهات الربوية، مطبعة بن سي حي مولاي رشيد الداخلة، الطبعة الأولى، 2017، ص. 114.

 ([9])– القرض عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء المنقولة أخرى، لاستعمالها، بشرط أن يرد المستعير، عند انقضاء الأجل المتفق عليه، أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة.

 ([10])– تعرف الفائدة البنكية في الاصطلاح الاقتصادي بأنها ثمن خدمة مصرفية ينظر إلى مجلة المحاكم التجارية عدد خاص، احتساب الفوائد والعمولات بين العمل القضائي والعمل البنكي، منشورات جمعية النشر المعلومات القانونية والقضائية، العدد 7، يناير 2011، ص. 125.

 ([11])– محمد عبد المنعم أبو زيد، المضاربة وتطبيقها العملية في المصارف الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، طبعة الأولى، 1996، ص. 34.

 ([12])– محمد عبد المنعم أبو زيد، مرجع سابق، ص. 40.

 ([13])– نفس المرجع، نفس الصفحة أعلاه.

 ([14])– الإجارة في اللغة: مشتقة من الأجر وهو العوض وفي اصطلاح الفقهي “عقد لازم على منفعة مدة معلومة بثمن معلوم.

 ([15])– يوسف حمومي، م س، ص. 81.

 ([16])– محمد عبد المنعم أبو زيد، م س، ص. 35.

 ([17])– محمد درقاوي، م.س، ص. 118.

 ([18])– جمال الدين عطية، البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم، للطبعة الثانية، بيروت، 1993، ص.108.

 ([19])– عبد المنعم أبو زيد، م.س، ص. 81.

 ([20])– يوسف حمومي، م.س، ص. 198.

 ([21])– للإطلاع أكثر يوسف حمومي، ن. م. ن. ص.

 ([22])– يعتبر مصرف قطر الإسلامي من البنوك التشاركية التي تأخذ بهذا التوجه، ينظر للتقرير السنوي الصادر عن مصرف قطر الإسلامي، سنوات 2005-2009.

 ([23])– وهذا يحدث في بيت التمويل الكويتي بل وفي سائر البنوك الإسلامية في الدول العربية للمزيد ينظر يوسف حمومي، م.س، ص. 205.

 ([24])– محمد الدرقاوي، م.س، ص. 119.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)