المقاربة الطبية و دورها في مناهضة العنف ضد النساء-الطب الشرعي نموذجا-
- أنس برزجو طالب باحث بسلك الماستر العلوم الجنائية و الدراسات الأمنية بكلية الحقوق بطنجة.
مقدمة :
يعتبر العنف ضد النساء نتيجة للتراكمات التاريخية الباعثة على التفرقة وعدم المساواة بين الجنسين مما أدى إلى الهيمنة والتمييز ضد النساء من قبل الرجال والى منع التقدم الكامل للمرأة، ومن هنا مر العنف ضد المرأة والتمييز القائم ضدها بتطورات تاريخية مهمة سواء أكان ذلك على المستوى الدولي أو على المستوى الوطني.
فقد لقي العنف ضد المرأة اهتماما متناميا من الأمم المتحدة كونه شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة وانتهاكا لحقوقها الإنسانية, وألزم المجتمع الدولي نفسه بحماية حقوق الفرد امرأة كان أو رجلا، وكرامته بمعاهدات وإعلانات متعددة.
هذا ويعد ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في سان فرانسيسكو سنة 1945 أول معاهدة دولية تشير في عبارات محددة إلى تساوي الرجال والنساء في الحقوق . لا سيما ما ورد في المادة الأولى من الميثاق وفي الفقرة (3) منها أن من ضمن مقاصد الأمم المتحدة تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.[1]
ثم في سنة 1948 جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد ذات المبدأ وهو مبدأ المساواة في الحقوق الإنسانية للرجال والنساء وذلك في ديباجة الإعلان وكذلك في المادة (2) منه.ثم جاءت أكثر الاتفاقيات أهمية بالنسبة للمرأة وحقوقها الإنسانية ألا وهي اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 ودخلت حيز التنفيذ عام 1981.[2]
وقد أكدت ديباجة الاتفاقية أيضا على مبدأ التساوي في الحقوق بين الرجال والنساء وضرورة تحقيق هذا المبدأ من اجل نمو ورخاء المجتمع والأسرة, وأكدت في المادة (6) من الاتفاقية على الدول الأطراف فيها بأن تتخذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لمكافحة شكل من أشكال العنف ضد المرأة إلا وهو الاتجار بالمرأة واستغلال دعارة المرأة.
أما على المستوى الوطني فبالرجوع إلى أسمى القوانين إلا وهي الوثيقة الدستورية لعام 2011 في الفصل نراه قد نص على : “الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور “.[3]
وبالنظر إلى أن المغرب عضو فعال ونشيط في المجتمع الدولي كان لا بد عليه من إقرار قانون خاص بمحاربة العنف ضد النساء وهو ما قام به في إطار قانون 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء والذي جاء فيه بأحكام زجرية وأخرى وقائية كما يحسب إليه قيامه بتعريف العنف ضد المرأة، كما أنه أشرك مجموعة من المتدخلين في إطار محاربة هذه الظاهرة كخلايا التكفل بالنساء المعنّفات في المحاكم والمستشفيات، وكذلك اللجان الوطنية والمحلية التي تقوم على دور وقائي في سبيل محاربة هذه الظاهرة من جذورها.
وبما أن ظاهرة العنف ضد النساء لها أبعاد مختلفة فلا تكفي المقاربة القانونية لوحدها، بل لا بد من وجود مقاربات أخرى تأخد البعد الشمولي لهذه الظاهرة، وإلى جانب هذه المقاربة توجد مقاربات أخرى تبناها التشريع المغربي، وهي مقاربة تهدف بالأساس إلي العناية الطبية للنساء المعنفات في إطار الإستراتجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء لسنة 2002 ومخططها التنفيذي لسنة 2004 الذي أفرز عن خلق خلايا مؤسساتية للتكفل بقضايا العنف ضد النساء سواء على مستوى المحاكم أو المستشفيات العمومية[4].
وتعد هذه الأخيرة من بين القطاعات البالغة الأهمية التي تلعب دورا محوريا في معالجة ضحايا العنف ضد النساء من خلال مجموعة من الآليات التي توجد داخلها، وخاصة تلك التخصصات التي توجد بها، ولعل من أبرزها الطب الشرعي الذي له دور كبير في مناهضة كل أشكال العنف وذلك بتوثيق جميع أنواع الإصابات والاعتداءات في حالات العنف الموجه ضد النساء والأطفال سواء بالوصف الدقيق أو استخدام التصوير الفوتوغرافي وكذلك الأشعة التشخيصية بأنواعها المختلفة، وانجاز التقارير الطبية والفحوصات السريرة وتقديم الشهادات الطبية بشأنها.
ويمكن أن نقسم دور الطبيب الشرعي في مناهضة العنف ضد النساء على مستويين: الأول يتجلى في الدور الذي يقوم به على مستوى خلية التكفل بالنساء المعنفات (المطلب الأول)، والثاني في قضايا العنف ضد النساء التي تحال على الطبيب الشرعي من طرف الأجهزة القضائية قصد إجراء الخبرة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: دور الطب الشرعي داخل خلايا العنف ضد النساء
سعيا لتوفير الحماية الوقائية لكافة مظاهر العنف ضد النساء والأطفال تم إحداث خلايا مؤسساتية لدى كل من وزارة الصحة ووزارة العدل وغيرها من القطاعات المعنية، وتهدف هذه الخلية إلى تقديم المساعدة والخدمات المتكاملة والفعالة للنساء ضحايا العنف من استقبال واستماع وتوجيه وارشاد…[5].
ومما لا شك فيه أن الطبيب الشرعي يلعب دورا جوهريا داخل هذه الخلايا المتواجدة بالمستشفيات العمومية ، من خلال مجموعة من الخدمات التي يقدمها ويمكن أن نجملها في إنجاز الخبرات الطبية الشرعية والفحوصات السريرية (الفقرة الأولى)، ثم توجيه وإرشاد وإحالة قضايا العنف ضد النساء على النيابة العامة قصد المتابعة بعد موافقة الضحية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الخبرات الطبية الشرعية التي يتم إنجازها في خلايا التكفل بنساء.
تلبيــة للاحتياجــات الصحيــة للمــرأة والطفــل والعنايــة الصحيــة الملائمــة لهــا بمــا في ذلــك المعلومــات والنصائــح والخدمــات المتعلقــة بالعــلاج التي يقدمها الطبيب الشرعي، وتتكلــف بها الوحــدات المندمجــة للتكفــل بالنســاء والأطفــال ضحايــا العنــف ويمكن حصرها فيما يــي:[6]
- حســن اســتقبال النســاء والأطفــال ضحايــا العنــف وتشــخيصحالتهــم وتحديــد الأضرار الجســدية والنفســية التــي لحقــتبهـم، وتأمين التكفل الطبي اللائق.
- تقديم المساعدة النفسية والمعاينة والرعاية الطبية.
- إنجـاز وتسـليم الشـواهد الطبيـة مجانـا التـي يكـون لهـا دورأســاسي في تحديــد نســبة العجــز الصحــي التي تستعمل كوسيلة إثبــاتمعتمــد عليهــا لجــبر ضرر المشــتكية المعنفــة.
- تسـهيل المسـاطر الإداريـة داخـل المؤسسـات الصحيـة وتوجيـهالنسـاء والأطفـال ضحايـا العنـف إلى الجهـات المختصـة حسـباختصاصاتها.
- جمـع المعطيـات والمعلومـات حـول الظـروف العامـة لحـالاتالعنـف والتـي تعـد الحلقـة المتينـة في سلسـلة التكفـل بالنسـاء والأطفـال ضحايـا العنـف، سـواء مـن خـلال الخدمـات الصحيـة أو مــن خــلال إعـمـال التعــاون والشــراكات مــع القطاعــات الحكوميـة الأخـرى.
إضافة إلى ذلك فالطبيب الشرعي في حالات العنف ضد النساء والأطفال، يقوم بتوثيق جميع أنواع الإصابات والاعتداءات في حالات وجود عنف، سواء بالوصف الدقيق واستخدام التصوير الفوتوغرافي وكذلك الأشعة التشخيصية بأنواعها المختلفة (بسيطة – التصوير الطبقي – الرنين المغناطيسي) ثم يقدم تقريراً طبياً شرعياً يتضمن رأيا طبيا شرعيا يقدم التفسيرات والتوضيحات بخصوص الإصابات ومسبباتها والإجابة على استفسارات جهات التحقيق بهذا الخصوص[7].
كما تعتمد العناية الطبية للعنف الأسري على مقاربتين، تتجه المقاربة الأولى إلى التحري الطبي في جميع الاستشارات الطبية للطب العام أو طب النساء أو طب الأطفال أو الطب النفسي على العنف الأسري، وذلك بالاستجواب الطبي أو باستفتاء ذاتي يتم ملؤه أمام أعراض صحية تشكو منها المرأة، كالألم المزمن، الاضطرابات النومية، الكآبة، القلق المزمن، الاضطرابات، الجهاز الهضمي، الألم العضلي العصبي، الألم العنقي، الصداع، الألم الظهري القطني، ارتفاع الضغط الدموي، فقدان الشهية، الاضطرابات النفسية، والألم الحوضي مع التعفنات[8].
كما يجب على الطبيب المعالج خلق علاقة ثقة وطمأنينة لتشجيع المرأة المعنفة على البوح بالانتهاكات التي تعرضت لها لتمكين الطبيب المعالج من تخطيط برنامج علاجي تأهيلي نفسي للرفع من المعنويات، والتقدير الذاتي والمقاومة النفسية لتفادي التأثيرات السلبية على الصحة النفسية والجسدية للمرأة المعنفة.
أما المقاربة الطبية الثانية فهي التي تتعلق بالنساء المعنفات اللواتي يراجعن طبيب المستعجلات أو أقسام طبية أخرى بعد تعرضهن للعنف، وفي هذه الحالة يجب على الطبيب المعالج الأخذ بعين الاعتبار، العوامل الثقافية والنفسية للتدبير العلاجي، مع تحرير شهادة طبية شرعية تثبت نوع الإصابات الجسدية والنفسية الناجمة عن العنف، ومدة العجز المؤقت بعد الفحص السريري والفحوصات المخبرية والإشعاعية.
كما تشكل الجروح في الرأس والعنق والوجه مع عوامل أخرى، مؤشرا على احتمال حدوث عنف زوجي.
الفقرة الثانية: إمكانية إحالة الطبيب الشرعي قضايا العنف ضد النساء على النيابة العامة.
مما لا شك فيه أن دور الطبيب الشرعي في تعامله مع قضايا العنف ضد النساء داخل هذه الخلايا، لا يقتصر فقط في العناية الطبية والفحوصات والخبرات التي ينجزها، بل أنه يلعب دورا مهما في توجيه وإرشاد ضحايا العنف،حيث يقدم لهم الأستشارة القانونية والمساطر التي يمكن سلكها حتي تطالب بحقوقها، بل أكثر من ذلك فله الحق في أن يقوم بإحالة ملفات ضحايا العنف إلى النيابة العامة قصد المتابعة شريطة أن توافق الضحية، ويقوم بإرفاق الملف القضية بالشواهد الطبية التي تثبت مدة العجز، والصور الفتوغرافية التي توضح حجم الإعتداءات التي تعرضت لها الضحية، وكذلك بعض التحليلات المخبرية التي يقد يمكن لجوء إليها في تحديد الفاعل خاصة في الإعتداءات الجنسية.
حيث تقع مسؤولیة على الطبیب المعالج بالتعامل مع ھذه الحالات للمساعدة بالجانب النفسي والجانب الاجتماعي للمشكلة، بالإضافة لالتزامهم بأخلاقيات مھنة الطب والقانون، فقد تتطلب طبیعة الحالة ان یقوم الطبیب المعالج بإبلاغ الجھات المعنية بذلك ، لأنه ملزم بالتبلیغ عن الجنایات والجنح التي تقوم فيها الدعوى العمومية[9].
إلا أنه في كثير من الحالات التي تصل إلى الطبيب الشرعي و الذي يجري المعاينات بشأها فإنه لا يمكن له أن يقوم بإحالة الملف إلى النيابة العامة قصد المتابعة إلا بموافقة الضحية التي تعرضت إلى العنف وفي كثير من الحالات ترفض الضحية التبليغ عن الاعتداءات التي تعرضت لها وخاصة في حالة العنف الزوجي، حيت تقتصر الزوجة فقط بالحصول على الشهادات الطبية التي تستعملها في مسطرة التطليق، أو في مساطر أخرى، إلا أنه في بعض الحالات التي يقوم الطبيب الشرعي بعد استشارة الضحية بإحالة القضية إلى النيابة العامة قصد المتابعة بعد أن يقوم بوضع التكيف القانوني لها، إلا أنه في غياب نص قانوني واضح يؤطر عمل الطبيب الشرعي في هذا المجال يجعل الأمر أكثر تعقيدا، خصوصا أن المشرع المغربي ترك الخيار لضحية في تقديم شكاية بهدف المتابعة وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم تبليغ عن هذه الجرائم[10].
وعلى خلاف ذلك نجد بعض التشريعات المقارنة مثل قانون الأردني قد اوجب في الفقرة الثالثة من المادة 207 من قانون العقوبات الأردني على كل من قام بمزاولة إحدى المھن الصحیة، باسعاف شخص یبدو انه وقعت علیه جنایة او جنحة، إخبار السلطة المعنية، وتستثنى من ذلك الجرائم التي تتوقف ملاحقتھا على الشكاية. ففي حالات الإيذاء، ومنھا بالطبع حالات العنف الواقعة ضد المرأة، یجب على الطبیب الإبلاغ عنها، إلا إذا كانت الدعوى لا تقوم بدون تقديم شكاية من المتضرر، ومنھا ان تكون مدة العجز ناتجة عن الإصابة أقل من عشرة أیام (مادة 334 عقوبات)[11].
فعند اشتباه الطبیب بوجود إيذاء مقصود احدث للمرأة إصابة شدیدة او خطرا على حیاتھا فھو ملزم بالإبلاغ متجاوزا بذلك الأسباب التي تدفع المرأة لإخفاء حقیقة ایذائھا. ومنه فإن مسؤولیة الطبیب بالإبلاغ عن ھذه الحالات لا تتعارض مع حق المرأة بتقديم شكاية ضد زوجھا مھما كانت مدة العجز الناتجة عن الایذاء، فلھا الحق بإقامة الدعوى على زوجھا حفاظا على حقوقھا وبنفس الإجراءات القانونیة المطبقة على أي شخص غیر زوجھا، أي أن القانون لم یسمح بأي شكل من الأشكال للزوج بإيذاء زوجته وبذلك يتم تعزيز الحماية القانونية للمرأة ويساهم ذلك بشكل مباشر في مناهضة العنف ضد النساء[12].
وبناء عليه يتعين على النيابة العامة التدخل على وجه السرعة منذ الوصول إلى علمها من الطرف الطبيب الشرعي بوقوع فعل إجرامي يكتسي طبيعة عنف ضد المرأة، وكل الإجراءات يجب أن تتم تحت إشرافها بدءا من الفحص الطبي والنفسي، الذي قد تأمر به النيابة العامة، وكذلك توفير العناية الكافية لها والضروف المساعدة على تقديم شكايتها دون أي ضغط، إلى غاية اجراء المتابعة[13].
يتم الاستقبال الأولي لدى النيابة العامة بحضور المساعدة الإجتماعية التي يتعين عليها أن تمنح الدعم النفسي للضحية، وتستمع إليها بكل أريحية بفضاء خاص معد لذلك وتطلعها على كل حقوقها المنصوص عليها قانونا، وتزودها بمطوية خاصة بضحايا العنف ضد النساء.
بعد ذلك تستقبل الضحية من طرف نائب وكيل الملك أو نائب الوكيل العام للملك، بحضور المساعدة الإجتماعية أو أي شخص ترغب الضحية بتواجده معها أثناء الاستماع إليها، ويطلع على كافة الوثائق التي تتوفر عليها الضحية من شکایات وخبرات الطبيب الشرعي التي قام بإنجازها وغيرها…[14].
إن الاستماع للضحية مباشرة ووفقا للشروط المسطرة أعلاه يتيح لعضو النيابة العامة التعرف عن قرب على طبيعة الاعتداء وخصوصياته ومدى خطورته، ومعاينة ما قد يكون قد ترتب عنه من آثار ظاهرة، كما يسمح له ذلك باطلاع الضحية على طبيعة المسطرة والإجراءات القانونية اللازم إتباعها، وإعطاؤها صورة عن حقوقها المترتبة قانونا والمتعلقة بالقضية موضوع الشكاية، كما يمكن هذا الاستماع عضو النيابة العامة من أخذ انطباع واضح عما ينبغي اتخاذه من إجراءات فورية، وتقدير مدى نجاعتها.
ويعطي ممثل النيابة العامة الذي استمع للضحية مباشرة تعليماته لضابط الشرطة القضائية المكلف بإجراء الأبحاث في قضايا العنف ضد المرأة، الذي يتعين عليه أن يصاحب الضحية بداية إلى المصالح الطبية، لإجراء فحوصات وإنجاز شهادة طبية تثبت الحالة الصحية للضحية، وتحدد حجم الأضرار التي لحقتها من جراء الاعتداء الذي تعرضت له[15].
وإذا كانت هذه القواعد والإجراءات كأصل ينبغي اتخاذها بخصوص كل حالات العنف ضد النساء، فإن خصوصيات معينة قد يتم رصدها بخصوص أشكال معينة من العنف يتعين معها اتخاذ تدابير أخرى أكثر دقة وخصوصية، كما لو تعلق الأمر باعتداءات جنسية تقتضي الفورية قبل اندثار الأدلة، وكذلك عندما يتعلق الأمر بالعنف الزوجي باعتباره أكثر انتشارا وورودا على النيابة العامة في الواقع العملي.
المطلب الثاني : دور الطبيب الشرعي في قضايا العنف ضد النساء التي تحال عليه من طرف أجهزة العدالة
على غرار الدور الذي يقوم به الطبيب الشرعي داخل خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف التي توجد دخل المستشفيات العمومية، يمكن للطبيب الشرعي كذلك أن يلعب دورا جوهريا في قضايا العنف ضد النساء و ذلك من زاوية الخدمات التي يقدمها للعدالة الجنائية في إطار الخبرات التي تحال عليه من طرف أجهزة العدالة الجنائية[16] قصد إجراء الخبرة الطبية الشرعية، وقبل الحديث عن نوع الخبرة التي يقوم بها الطبيب الشرعي في قضايا العنف ضد النساء(الفقرة الثانية)، لا بد أولا من معرفة الجهات التي يحق لها أن تأمرا الطبيب الشرعي بإجراء الخبرة (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: الجهات التي تأمر بإجراء الخبرة الطبية
خول قانون المسطرة الجنائية لبعض الأجهزة العدالة الجنائية بإجراء الخبرة في بعض الحالات، كقاضي التحقيق أو النيابة العامة استناد إلى المادة 194 من ق.م.ج وكذلك المحكمة استناد إلى الفقرة الثانية من نفس المادة إلى أن المشرع المغربي لم يتحدث بنص صريح عن خبرة الطبيب الشرعي إلا أن مشروع قانون المنظم لأنشطة الطبيب الشرعي[17] قد نص بشكل واضح عن الكيفية التي يتم بها إنتداب الطبيب الشرعي قصد إجراء الخبرة الطبية الشرعية وكذلك الجهات التي تقوم بانتدابه ومراقبته وسوف نحاول توضيح ذلك في ما يلي:
بمقتضى المادة [18]194 ق.م.ج يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بإجراء الخبرة بصفة تلقائية أو بأمر من النيابة العامة حيث ترى أنها ضرورية في إظهار الحقيقة أو معرفة حجم الأضرار التي تكون ناجمة عن الاعتداءات أو العنف، وفي هذا صدد يمكن للنيابة العامة في قضايا العنف ضد النساء أن تأمر بإجراء الخبرة على الضحية وتحديد مدة العجز من خلال الشهادات الطبية وكذلك كمعرفة أنوع العنف الذي تعرضت له الضحية سواء كان العنف المرتكب جسديا أو نفسيا أو جنسيا[19].
إلا أن الإشكال الذي يقف عائقا أمام هذه الخبرة هي أن الطبيب الشرعي المختص ليس مسجلا في جدول الخبراء لدى محاكم الاستئناف، وإنما يتم إسنادها إلى الأطباء الذين لديهم فقط تكوين في أحد تخصصات الطب الشرعي، وهذا يؤثر بشكل مباشر على جودة وحجية هذه الخبرة كدليل أمام القضاء الزجري، وبالتالي قد يقوم دفاع المتهم بالمطالبة ببطلان هذه الخبرة، كما أن مزاولة الطبيب الشرعي للخبرات التي تحال عليه من طرف أجهزة العدالة لا تستند على أساس قانوني لأنه لا يوجد نص صريح ينظم كيفية انتداب الطبيب الشرعي، إلا أنه من خلال مشروع قانون المنظم لأنشطة الطب الشرعي قد تعرض لهذه النقطة من خلال المادة 19 حيث نصت “يتم انتداب الطبيب الشرعي للقيام بمهام الطب الشرعي من طرف الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو قاضي التحقيق أو المحكمة، كل في حدود اختصاصاته المحددة بمقتضى القانون“.
وإضافة إلى قاضي التحقيق والنيابة العامة يمكن لهيئة الحكم أن تأمر بإجراء الخبرة، إلا أن مجال الأمر بإجراء خبرة من طرف هيئة الحكم واسع جدا، إذ يمكن أن تأمر بها في مختلف الجرائم سواء تعلق الأمر بمخالفات أو جنح أو جنایات[20].
والمقصود بهيئة الحكم، الواردة في الفقرة الأولى من المادة 194 من ق.م.ج، والتي خولها المشرع حق إصدار أوامر بإجراء خبرات طبية، كل محكمة موضوع تنشر أمامها الدعوى العمومية من أجل الفصل فيها بقرارات قضائية، سواء أمام المحاكم الابتدائية التي تبت في المخالفات والجنح، أو أمام محاكم الاستئناف التي تبت في الجنح المستأنفة والجنايات، وكذا هيئات الحكم لدى المحاكم الإستئنافية كالمحكمة العسكرية، وذلك انسجاما مع المقتضيات القانونية المنظمة للخبرة في إطار نصوص المسطرة الجنائية، إن المادة السالفة الذكر بدورها لا تتحدث عن خبرة الطبيب الشرعية وإنما أوردة عبارة الخبرة فقط.
أما بالنسبة لضباط الشرطة القضائية فقد خولت لهم المادة 57[21] من ق.م.ج الحق في القيام بإجراء الخبرة في حالة التلبس، ونفس الأمر ينطبق على ضباط الشرطة القضائية، حيث لم يتم تحديد الكيفية التي يتم بها إجراء الخبرة أو الطريقة التي يقوم بها ضابط الشرطة الشرطة القضائية في حالة التلبس بانتداب الطبيب الشرعي، كما لم يتضمن النص صراحة على الاستعانة بالطبيب الشرعي المتخصص لإجراء الخبرة، بينما جاءت المادة 24 من مشروع قانون المنظم لأنشطة الطب الشرعي بنوع من التفصيل في هذه المسألة حيث نصت :
“يمكن للسلطات القضائية انتداب طبيب شرعي من أجل الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات الضرورية على أجسام الضحايا والجثث.
يمكن لضابط الشرطة القضائية انتداب طبيب شرعي من اجل الانتقال إلى مكان الجريمة في حالة التلبس، أو إذا كانت حالة الاستعجال تقتضي ذلك على أن يقوم بإشعار النيابة العامة فورا.“
الفقرة الثانية : نوع الخبرة التي يتم إنجازها.
تتمثل نوع الخبرة التي يقوم بها الطبيب الشرعي في قضايا العنف ضد النساء والتي يتم إحالاتها من طرف النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة المحكمة في مجموعة من الفحوصات والتحاليل التي يقوم بها ومن بينها التحري عن وجود حالات الحمل في الاعتداءات الجنسية.
حيث يتم البحث عن وجود علامات تساعد على معرفة شخصية الجاني خاصة تلك الآثار التي قد يتركها الجاني على الضحية عند ممارسة للعنف الجسدي أو الجنسي، وفي حالات ملاحظة الطبيب الشرعي لأي جروح أو كسور أو كدمات سواء على مستوى الرأس أو الوجه وغيرها من أعضاء جسم المرأة، فيقوم الطبيب بمعاينتها وبإجراء الفحوصات اللازمة قصد تحديد حجم الأضرار الناجمة عن هذا العنف الجسدي كما يقوم بتحرير الشاهدات الطبية وتقدير مدة العجز فيها، وانجاز الصور الفوتوغرافية إذا تطلب الأمر ذلك[22].
وفي بعض الأحيان قد تتعرض المرأة لعنف جنسي قد يؤدي لوفاتها، مما يترتب على الطبيب الشرعي في هذه الحالة القيام بتشريح طبي للجثة قصد معرفة الأسباب الحقيقة للوفاة و إصدار التقارير الطبية بشأنها، في بعض الحالات قد تتعرض الضحية للعنف الجنسي تحت التهديد والضرب بواسطة السلاح الأبيض وقد يؤدي هذا الاعتداء إلى إصابة بجروح بليغة.
كما تحال إلى الطبيب الشرعي كذلك قضايا الاغتصاب وهتك العرض، حيث يقوم الطبيب في هذه الحالات أولا بتقديم الإسعافات الأولية للضحية وذلك بتقديم الأدوية المناسبة وخاصة الأدوية المتعلقة بمنع الحمل خاصة في بعض الحالات المستعجلة أو لعلاج التعفنات المنقولة جنسيا والوقاية منها، ثم يقوم بتقييم الحالة النفسية والجسدية للضحية.[23]
ومما لا شك فيه أن دور الطبيب الشرعي لا يقتصر فقط في قضايا الاغتصاب على إعطاء الأدوية و تقديم التقارير الطبية كما هو الحال في باقي قضايا العنف ضد النساء، بل أيضا يقوم بعملية البحث عن الدليل الذي من خلاله يتم تحديد هوية الجاني إذا كان هذا الأخير غير معروف وخاصة في قضايا الاعتداءات الجنسية، حيث يقوم الطبيب بأخذ بعض أثار السائل المنوي من الضحية التي تعرضت الاعتداء الجنسي كدليل من أجل متابعته قضائيا.
يقوم الطبيب الشرعي بإعداد التقرير الطبي الشرعي بعد الانتهاء مباشرة من الفحوصات، وعلى الرغم من عدم وجود إطار قانوني يوضح كيفية كتابة القرير والعناصر والشروط التي يجب أن يتضمنها، إلا أن من خلال الملاحظة الدقيقة لبعض النماذج والتقارير الطبية الرائجة أمام المحاكم[24]، يمكن القول على أن التقارير الطبية التي يعدها الطبيب الشرعي يجب أن تتضمن توثيق لطلب الجهة الفاحصة، وملخص القصة والظروف والموافقة على إجراء الفحص، إضافة إلى ضرورة توثيق الإصابات ووصفها الدقيق مع بيان النتائج المترتبة على الفحص بكل دقة وتفصيل[25].
ويختم التقرير بفقرة مخصصة للرأي الذي يبديه الطبيب الشرعي وكذلك تفسير للإجابات ومسبباتها ووجود اعتداءات جنسية من عدمها وهل هناك اعتداءات أخرى، وكذا تحديد نسبة العجز، والتسميات الشرعية للإصابات الأخرى.
و في الختام، يمكن القول على أن الخبرة التي يقوم بها الطبيب الشرعي في قضايا العنف ضد النساء تلعب دورا حاسم في متابعة ومعاقبة الجاني، وهذا ما يؤكد على معطى أساسي هو أن الطبيب الشرعي يعتبر من بين الآليات التي تساعد القضاء في تحقيق وتطوير العدالة الجنائية لأنه من العلوم المساعدة للقضاء، ولقد أصبح هذا الدور بارزا بشكل كبير في قضايا العنف ضد النساء، حيث يناط لهذا التخصص تقديم العناية الطبية اللازمة للمرأة وكذلك القيام بمجوعة من الفحوصات التي توضح نوع الاعتداءات التي تعرضت له، كما يشكل حجر الزاوية في قضايا الاعتداءات الجنسية التي تنتج عنها الوفاة و بالتالي يكون من الصعوبة بمكان تحديد هوية الجاني حيث لا يمكن أن يتأتى معرفة هذا الأخير إلا من خلال خدمات الطب الشرعي وعلى رأسها التشريح الطبي.
ونظرا للاهتمام المتزايد والإقبال الكبير على هذا التخصص ونظرا للدور الذي يقوم به الطبيب الشرعي في قضايا العنف ضد النساء من جهة، وفي باقي القضايا من جهة ثانية فإنه لا بد من النهوض بهذا التخصص وتطويره ووضع الإطار القانوني الذي ينظمه[26]، وكذلك توفير البنية التحتية الضرورية من أجل الحصول على جودة خدمات الطب الشرعي، ولا ننسى كذلك تأهيل الموارد البشرية والأطر الطبية لهذا القطاع وإعادة النظر في التعويضات الهزيلة للطبيب الشرعي، وكذا تشجيع الطلبة في الولوج الى هذا النوع من التخصص والأخذ ببعض التجارب الدولية المقارنة[27] في هذا المجال من أجل النهوض بأنشطة الطب الشرعي في المغرب وتحسين جودة خدماته.
الهوامش :
[1]انظر المادة 1 الفقرة 3 من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945.
[2] وفي سنة 1966 الحق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وقد ورد مبدأ الحقوق المتساوية للرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في المادة (3) المشتركة في العهدين.
[3]انظر الفصل 19 من الدستور المغربي لعام 2011.
[4] وزارة التضامن و المراة و الأسرة و التنمية الإجتماعية،” دليل الخلايا المؤساستية للإستقبال الأطفال ضحايا العنف دجنبر 2015″، دليل منشور بمقع الرسمي للوزارة http://www.social.gov.ma/ تلريخ الاطلاع عليه 15/10/2018 .
[5] وزارة التضامن و المراة و الأسرة و التنمية الإجتماعية،” دليل الخلايا المؤساستية للإستقبال الأطفال ضحايا العنف دجنبر 2015″، مرجع سابق ص 7.
[6] وزارة التضامن و المراة و الأسرة و التنمية الإجتماعية،” دليل الخلايا المؤساستية للإستقبال الأطفال ضحايا العنف دجنبر 2015″،مرجع سابق، ص 9.
[7] عبد الطيف عبد الرحمان قباني، “دور الطبيب الشرعي في حالات العنف ضد النساء و الأطفال”، الإدارة العامة لمراكز الطب الشرعي ، مصر-قاهرة ص 25.
[8] مصدق المرابط،” المقاربات الطبية في التعامل مع النساء ضحايا العنف ” مقالة منشررة بالموقع https://www.maghress.com/alittihad/138740 .
[9] أحمد عبد العالي” الخبرة الطب- الشرعية ودورها في إثبات حالات الوفاة الجنائية- دراسة مقارنة” أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص، تخصص القانون الجنائي و العلوم الجنائية،جامعة محمد الأول ،كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية- وجدة ، السنة الجامعية 2011-2012 ، ص 2.
[10] وذلك ما يتم ملاحظته من خلال قانون 103.13 المتعلق بمحابة العنف ضد النساء حيث من خلال القراءة السطحية لمقتضيات القانون المذكور يتضح أن المشرع جعل أغلب الجرائم التي نص عليه القانون تتم المتابعة فيها بناء على تقديم شكاية بل أكثر من ذلك جعل تنازل المشتكية يضع حدا للمتابعة، مما يدفعنا لتساؤل عن حدود سلطة النيابة العامة في تفعيل مقتضيات هذا القانون؟ خصوصا و أن العديد من قضايا العنف ضد النساء لا يقمون بتبليغ عن حالات العنف خصوصا منه العنف الزوجي و العنف الجنسي، خاصة عندما يكون من طرف الأب أو الأخ أو الأحد الأقترب.
[11] مؤمن الحديدي،” دور الطب الشرعي في إثاب العنف ضد النساء”، مقالة منشورة بالموقع الأكتروني http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=38660&r=0 .
[12] عبد الطيف عبد الرحمان قباني، مرجع سابق، ص 29.
[13] أمنة أفروخي” قضايا النساء ضحايا العنف”، دراسة منشور بالموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة http://www.presidenceministerepublic.ma/ ، ص 2-3.
[14] – أمنة أفروخي، مرجع سابق ص 3-4.
[15] رئاسة النيابة العامة” خلايا من أجل تكفل قضائي ناجع بالنساء و الأطفال”دراسة منشورة بموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة http://www.presidenceministerepublic.ma/ تاريخ الاطلاع عليه 11/10/2018.
[16] يقصد بأجهزة العدالة الجنائية بوجه العام مختلف المؤسسات التي تتدخل في الخصومة الجنائية و نعني بها في هذا الجزئية كل من ظباط الشرطة القضائية و النيابة العامة و قاضي التحقيق و هيئة الحكم.
[17] إن الطب الشرعي بالمغرب وإن كان يشكل نشاطاً مهنياً قائماً بذاته، فإن ممارسته لم تخضع لأي إطار تشريعي أو تنظيمي خاص أو واضح ومضبوط”، كما أن الواقع العلمي في مجال الطب الشرعي بالمغرب، أفرز معطى أساسي يتمثل في كون الجزء الأكبر من التشريحات الطبية المأمور بها من طرف القضاء يمارسها أطباء ليس لهم تخصص طبي معترف به في هذا المجال”. كان هذا مقتطف من تقديم الأمانة العامة للحكومة لمشروع قانون رقم 77.17 الذي يتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي، والذي يكشف أن مهنة جد حساسة كهذه، كانت تمارس دون أي سند قانوني وفي غياب شبه تام للموارد البشرية، و يروم هذا المشروع إلى وضع الإطار القانوني، في سياق مواكبة الترسانة القانونية لتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتطوير آليات العدالة الجنائية
[18] جاء في مقتضيات المادة 194 من قانون المسطرة الجنائية ” يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية،أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا.
وإما بطلب من النيابة العامةأو من الأطراف.يقوم الخبير أو الخبراء بمهمتهم تحت مراقبة قاضي التحقيق أو المحكمة المعروضة عليها القضية ….”
[19] عبد الكافي ورياشي” الطب النفسي الشرعي-الخبرة الطب- نفسية و المسؤولية الجنائية في ضوء القانون الجنائي و العمل القضائي بالمغرب ، مطبعة دار النشر المغربية، 2008،ص 85.
[20] عبد الكافي ورياشي ، مرجع سابق 89.
[21] نصت المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية حق لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بإنتداب خبير في حالة تعلق الأمر بجنحة أو جناية متلبس بها الحضور إلى مسرح الجريمة من أجل القيام بالمعيانات المفيدة.
[22] عبد الطيف عبد الرحمان قباني، مرجع سابق، ص 33.
[23] رئاسة النيابة العامة” خلايا من أجل تكفل قضائي ناجع بالنساء و الأطفال”، مرجع سابق، ص 6.
[24] إقتصرت فقط على بعض النماذج التقرير الطيب الشرعي الرائجة أمام محكمة الإستناف و المحكمة الإبتدائية بطنجة.
[25] وتجدر الاشارة الى غياب نصوص قانونية تحدد العناصر اللازم توافرها في التقارير الطبية، وعدم التنصيص على الآثار المترتبة على تخلف بعض العناصر في هذه التقارير، وكذا اللغة المستعملة في تحرير هذه الأخيرة. حيث إن أغلب التقارير التي يتم إنجازها تكون محررة باللغة الفرنسية وبخط رديء يصعب فهمه من طرف الجهات المكلفة بالبت في القضية.
[26] وفي هذا الإطار لا يمكننا إلا أن نثمن مجهودات وزارة العدل حول الالتفات الطيبة التي قامت بها في إطار إعداد مشروع الذي كان يحمل رقم 006.14 والذي تم تغيره إلى 77.17 والذي يتعلق بتنظيم ووضع الإطار القانوني المنظم لمزاولة الطب الشرعي في المغرب.
[27] إن من شأن الاطلاع الجيد على تنظيم الطب الشرعي في تجارب بعض البلدان الأجنبية سواء كانت أوربية أو عربية يتيح لنا القيام بتقييم موضوعي لمنظومتنا الوطنية واستخلاص الدروس اللازمة في أفق إصلاحها.
وهكذا يمكنا الاسترشاد بالنموذج المؤسساتي الموجود في كل من سويسرا وألمانيا وإسبانيا وهولندا ومصر والسويد والبرتغال، بإعتبارهم من بين البلدان الرائدة في مجال الطب الشرعي سواء في تخصصه المتعلق بالوفيات أو الأحياء، حتى يتسنى لنا معرفة و تقيم وضعية الطب الشرعي في المغرب.