مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيالمساطر المرجعية بين الشرعية و الواقع العملي

المساطر المرجعية بين الشرعية و الواقع العملي

  • من إعداد : صابرين الغلوري طالبة باحثة بسلك الدكتوراه-القانون الخاص-.

تعتبر الجريمة كما عرفها المشرع المغربي في الفصل 110 من القانون الجنائي المغربي أنها :

“كل عمل أو امتناع عن عمل مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه”

هذا العمل أو الامتناع عنه قد يتعدد فيه الفاعلين إلى مشاركين ومساهمين في ارتكاب الفعل الإجرامي، وعند إيقاف أحد المتورطين و تقديمه إلى العدالة فإن باقي الجناة يضلون ملاحقين بموجب المسطرة التي تقدم على أساسها الموقوف الأول لتورطهم في نفس الفعل الجرمي.و هنا نكون أمام مسطرة استنادية، أو ما يصطلح عليها بالمسطرة المرجعية هاته الأخيرة التي أثارت نقاشا كبيرا بين جل الباحثين والفاعلين القانونيين تأرجح بين غياب شرعيتها وبروز فاعليتها العملية، و عليه فما مدى شرعية هذه المساطر وما مدى تأثيرها على ضمانات المحاكمة العادلة في ضل الاعتماد عليها في الواقع العملي للعمل القضائي؟.

إن المتتبع و الدارس لحقل القانون المغربي عند تفحصه لكل نصوص الترسانة القانونية المغربية أو الاجتهادات القضائية  فإنه لن يجد ما يدل على المسطرة المرجعية، إذ لا وجود لأية إشارة لهذه التسمية.

غيرأنه في الواقع العملي للضابطة القضائية والعمل القضائي نجد أن هذه المسطرة لها أهمية بالغة ومكانة خاصة لنجاعتها في ملاحقة المجرمين و إيقافهم و تقديمهم إلى العدالة وبالتالي إنزال العقاب على كل من سولت له نفسه مخالفة القانون وارتكاب أي فعل إجرامي من شأنه المس بسلامة الأفراد واستقرار المجتمع  سواء كان هذا المرتكب للفعل فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا وحتى وإن كان فاعلا معنويا.

أمام هذه الازدواجية لموقع هذه المساطر في القانون المغربي والواقعي العملي،انبثقت مجموعة من التوجهات الفقهية الجديدة منها من هو رافض رفضا باتا لها مبررا ذلك بغياب سندها القانوني وغياب شرعيتها, ومن التوجهات من أحاطها بتأييد خاص للاعتماد عليها, لما لها من مزايا وفعالية في الحد من الجريمة وتوقيف الجناة على تعددهم وتنوعهم.

مقال قد يهمك :   عادل منصوري: أدوار وزارة المالية بالمغرب في تنزيل السياسات العمومية بين تجسيد الحكامة المالية وواقع التدبير

وبالنظر إلى التوجه الرافض للمساطر المرجعية فإننا نجده يعتمد  في تبريراته على  مبدأ أن : 

ما لم يذكر في القانون فهو  ليس قانوني  ويتنافى مع الحقوق والحريات.

وبالتالي فهي ’’مجرد بدعة قضائية أنجبتها الممارسة العملية للضابطة القضائية’’ أتاحت فرصة المساس بحرية الأفراد والاتجار بها و الابتزاز والانتقام، على اعتبار أن أي شخص يتورط في قضية ما يمكن أن يذكر في محضر التصريحات أشخاص تجمعهم به عداوة، وبالتالي توريطهم و الزج بهم في السجون و هو ضرب صارخ لمبدأ قرينة البراءة وضمانات المحاكمة العادلة.

فحسب هذا الاتجاه فإن شهادة متهم على متهم قد تكون مرتبطة بدوافع شخصية معينة لا علاقة لها بالواقعة الإجرامية المرتكبة ،والتي قد تترتب عنها إجراءات قانونية خطيرة كنشر مذكرة بحث على الصعيد الوطني وإيقاف أشخاص قد لا تكون لهم صلة بالجريمة و وضعهم تحت تدابير الحراسة النظرية وأحيانا رهن الاعتقال الاحتياطي إلىأنتثبت براءتهم .

لكن اذا أخدنا بهذا الطرح وتم الإستغناء عن  المساطر المرجعية، فكيف ستتم متابعة المشاركين والمساهمين في الأفعال الاجرامية و معاقبتهم اذا ما تم إغلاق ملف القضية بالاكتفاء بالفاعل الذي تم ايقافه ؟ وأين هو حق الضحية في القصاص ممن ارتكب في حقه الجريمة ؟ وكيف سنحافظ على استقرار المجتمع وطمأنينة وسكينة الفرد بعدم متابعة باقي المتورطين؟

 لا يمكن أن ننكر الدور الفعال الذي تلعبه هذه المساطر في تتبع وإيقاف المجرمين وتقديمهم إلى العدالة ،فالتوجه المؤيد لها يعتبرها وسيلة فعالة وناجعة للحد من الظاهرة الإجراميةوالحفاظ على استقرار المجتمع وسلامة افراده، وأنها من صميم المحاكمة العادلة، إذ تمكن من إيقاف المشاركين والمساهمين في الفعل الإجرامي بغض النظر عن العيوب التي قد تشوبها،وعليه فإن الواقع العملي ’’يستدعي وبشكل إلزامي استعمالها لإيقاف بعض المجرمين المحترفين في ارتكاب أنواع خاصة من الجرائم الخطيرة التي تؤدي إلى المساس بالنظام العام’’.

مقال قد يهمك :   نظام داخلي جديد يحدد تفاصيل اتخاذ القرار داخل مجلس المنافسة

 إن المساطر المرجعية وإن اصطلح عليها هذا الاسم الذي ليس له سند شرعي أو قانوني لغياب ما يدل عليه في الترسانة القانونية المغربية،فإننا نرى أنها تبقى إجراءا سليما وقانونيا على اعتبار أن المشارك والمساهم في الفعل الجرمي لا يتابع قضائيا تحت إسم المسطرة المرجعية و إنما تتم متابعته بسبب  فعل ارتكبه أو قضية إجرامية تورط فيها و ظل البحث جاريا ومسترسلا إلى أن تم إيقافه.

ومن هنا فإننا لا نرى فائدة من الدخول في نقاش حول سندها القانوني وعدم التطرق لها في القانون المغربي. ذلك أن المتابع قضائيا يتابع بقضية وملف مفتوح أمام القضاء تم إيقاف أحد المتورطين فيه ولا زال باقي المتورطين فارين من العدالة،

وبالتالي لا يمكن التخلي عن  متابعة هؤلاء نظرا لعدم وجود مصطلح المساطر المرجعية في القانون المغربي.ذلك أن الاقتصار على معاقبة الموقوف الأول دون المشاركين أو المساهمين في الفعل الجرمي هو ضرب صارخ لضمانات المحاكمة العادلة.الامر الذي يستوجب إجراء بحث معمق وجمع الأدلة الكافية لإدانة كل من ذكر إسمه في القضية وعدم الاكتفاء بشهادة الموقوف نظرا لكون هذه الشهادة يمكن أن تحمل في طياتها سوء نيته.

     وسيرا على هذا التوجه نجد أن رئاسة النيابة العامة في شخص ممثلها الأستاد محمد عبد النبوي قد أصدرت دورية بتاريخ 16 أكتوبر 2018 حول موضوع تدبير المساطر المرجعية وذلك بغية توحيد الاجتهاد في التعامل معها والتي أكدت على ايلائها العناية الخاصة والدقة اللازمة للقيام بالتحريات الضرورية للتثبت من حقيقة ارتكاب الفعل الإجرامي مع الحرص على التطبيق السليم لهذه المساطر و تفادي إعمال الإجراءات الماسة بالحرية إلا بعد توفر وسائل الإثبات الكافية، مع إمكانية الإحالة بصفة استثنائية على قضاة التحقيق على اعتبار أن التحقيق من صميم اختصاص هذا النوع من القضاء.

مقال قد يهمك :   حق الأفضلية في نظام الملكية المشتركة: دراسة تحليلية و نقدية  لمقتضيات المادة 39 من قانون 106.12

وصدور هذه المذكرة عن رئاسة النيابة العامة لأكبر دليل على نجاعة هذه المسطرة و أهميتها في استتباب الأمن والسكينة داخل المجتمع، من خلال متابعة كل من تبث تورطه في ارتكاب أي فعل إجرامي سواء كان فاعلا أصليا، مشاركا ، مساهما او فاعلا معنويا. فالواقع العملي جسد  نجاحها في الحد من ارتكاب الجريمة و إيقاف المجرمين خصوصا فيما يتعلق بتجارة المخدرات والسرقات والعصابات المنظمة وكل الجرائم الماسة بحرية الأشخاص .

واخيرا,  يمكن القول أن المسطرة المرجعية كما يصطلح عليها، لا يمكن الاستغناء عنها لما أثبتته التجربة العملية من دور فعال ونجاعة في التصدي للظاهرة الإجرامية و إيقاف وتتبع المتعددين في ارتكاب أي فعل إجرامي كيفما كان نوعه.

غير أنه  هنا يجب على الضابطة القضائية جمع الأدلة والقرائن الكافية لإثبات تورط أي شخص ورد اسمه في أي إجراء مسطري وعدم الاكتفاء بالتصريحات الصادرة عن الموقوفين والاعتماد عليها بشكل قطعي لما قد تحمله هذه التصريحات من خلفيات شخصية للموقوف ليس لها ارتباط بالقضية موضوع بحث ضباط الشرطة القضائية، كما أنه على النيابة العامة باعتبارهاذات الرئاسة القضائية لضباط الشرطة القضائية بمختلف رتبهم ،|أن تعطي تعليمات وتوجهات واضحة وصارمة في إطار تتبع عمل هذه الفئة من الموظفين الذين يشتغلون تحث إمرتهم لما لطبيعة هذا العمل من حساسية بالغة تهم الحرية وحقوق الإنسانوأي خطأ أو تهاون قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة تمس بهذه الحقوق و الحريات التي نص عليها الدستور المغربي في باب محكم.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]