الـــبيع الجــبري للــعقار وإجــــراءاته المسطرية
خالد الكوفي محامي متمرن بهيئة القنيطرة حاصل على الماستر في الدراسات العقارية
باحث في العلوم القانونية
إن العقار باعتباره البنية الرئيسية لإنجاز المشاريع المنتجة للثروة، لابد أن ترد عليه مجموعة العمليات مثل البيع والرهن والكراء…، وذلك لكون تعايش الأفراد في أي مجتمع يقتضي تبادل المنافع والمصالح، وغالبا ما تشوب هذه المعاملات نزاعات تحول دون تحقيق الهدف المنشود، غير أن النزعة الفردية للأفراد تتجه دائما إلى حل هذه المشاكل بطرق ترضي كل طرف إما وديا أو عن طريق اللجوء إلى القضاء، الذي يبقى الحل الذي يلجأ إليه الأفراد في معظم الحالات.
ولعل ذلك راجع إلى المكانة الأسمى التي يحتلها العقار باعتباره يشكل النواة الأساسية للمشاريع بمختلف أنواعها وما يقدمه من دور لخدمة الاقتصاد، باعتباره البنية الرئيسية لإنجاز المشاريع المنتجة للثروة.
وبالنظر إلى أهمية العقار من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، إذا ما قورنت بالمنقول، فإننا نجد المشرع قد خصه بإجراءات طويلة ومعقدة لكي يتأتى الحجز عليه تنفيذيا، لذلك سيكون مقالنا مرتكزا بالأساس على البيع الجبري للعقار.
وتظهر أهمية دراسة البيع الجبري أو البيع بالمزاد العلني، أو البيع القضائي للعقار من الناحية القانونية في الإشكالات العملية التي تشوبه، بالإضافة إلى تعقد الإجراءات المسطرية التي غالبا ما تكون مشوبة بعيوب تفرغه من جدواه، كما تتجلى صورة البيع الجبري للعقار واستخلاص الدائن لحقوقه بكونه يبين أهمية وهبة الدولة أو السلطة القضائية بالأخص، إذ يظهر للعموم أو طالب التنفيذ باعتبار البيع الجبري جزء من التنفيذ أن الدولة عاجزة عن حماية حقوق أفرادها ، مما قد يؤدي إلى عدم الانضباط داخل المجتمع وولوج عالم الفوضى، وهو الشيء الذي تخشاه الدولة.
فبديهي أن يحاول المشرع المغربي، إلى إحاطة المساطر القضائية للتنفيذ الجبري على العقار بحماية تروم إلى اللجوء للبيع الجبري إلا في حالات محددة ووفقا لإجراءات صارمة على اعتبار أنه يؤدي إلى نزع الملكية من طرف لصالح طرف أخر.
ونجد أن القاعدة التي يستند عليها عموم القانونين أن البيع الجبري ما هو إلا قاعدة قانونية تقضي بأن أموال المدين تشكل ضمانا عاما لدائنيه،[1] تترجم في ذاتها الضمان العيني إلى حصيلة مالية توزع على الدائنين، وهو بذلك يستبعد المساطر الأخرى التي يتم فيها بيع العقار بالمزاد العلني.
ويعتبر البيع الجبري للعقار بالمزاد العلني هو إحدى صور بيع الأراضي أو العقارات أو أي عقار كيفما كانت نوعيته ، بنمط يضمن للبائع تحقيق أعلى نسبة ربح ممكنة؛ وذلك عن طريق اجتماع كل من يرغب في شراء العقار المراد بيعه عبر المزاد ثم يتم وضع حد أدنى لسعر البيع لا يقل عن السعر المدفوع وتبدأ حينها فترة المزايدة حيث يقوم كل مشتري بعرض سعر أعلى من السعر السابق له حتى يصل أحد الحاضرين لسعر لا يعرض أحد من الباقين قيمة أكبر منه وعندها ينتهي المزاد بحصول صاحب السعر الأعلى للعقار[2].
والبيع القضائي أو الجبري فهو البيع الذي يتم على يد السلطة القضائية إما بناء على نص القانون، أو بمقتضى قرار قضائي لحماية فئات اجتماعية معينة أو بغرض معين أو ضمان أداء مؤسسات قانونية لوظائفها وفق مساطر قانونية دقيقة قوامها الأساسي الإشهار والمزايدة العلنية.
وعلى ضوء هذه المعطيات سنقتصر في حديثنا عن دراسة الإطار القانوني المنظم لهذه المساطر، مبرزين أهم الأدوار التي تقوم بها الأجهزة المكلفة بهذه الإجراءات، والمشاكل التي تعترضها على مستوى التطبيق، مع الإشارة إلى بعض الأحكام والقرارات الصادرة في إطار هذه العمليات، معتمدين على التصميم التالي:
المبحث الاول: إجراءات ما قبل البيع والاشكالات التي تعقبها.
المبحث الثاني: مسطرة البيع الجبري والاشكالات الناتجة عنها.
المبحث الاول: إجراءات ما قبل البيع والاشكالات التي تعقبها.
سبقت الإشارة إلى أن البيع الجبري للعقار ما هو إلا وسيلة من أجل استيفاء الدائن الحائز على سند تنفيذي، عن طريق اللجوء إلى القضاء من أجل بيع العقار بالمزاد العلني، وبالتالي استيفاء دينه، وذلك استنادا على القاعدة العامة “لا يجوز لأي شخص أن يقتضي حقه بيده”.
لذلك هناك عدة إجراءات من أجل بيع العقار بالمزاد العلني منها ما هو سابق للبيع بالمزاد العلني ومنها ما هو لاحق للبيع بالمزاد العلني لذلك سنحاول في هذا المبحث إلى تبيان معظم الإجراءات السابقة لبيع العقار بالمزاد العلني أو بالأحرى المراحل التمهيدية لبيع العقار بالمزاد العلني، على أساس أن نتطرق للإجراءات اللاحقة لبيع العقار بالمزاد العلني، وذلك في مطلبين اثنين.
المطلب الأول: الثمن الافتتاحي ودفتر التحملات
قبل مباشرة البيع الجبري للعقار يجب إتباع مجموعة من الإجراءات التي تهدف بالأساس إلى ضمان مرور عملية البيع تحت كافة الضمانات التي أوكلها المشرع المغربي إلى السلطة القضائية لمباشرتها.
لذا نقسم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في الفقرة الأولى، تحديد الثمن الافتتاحي وتحديد قائمة شروط البيع، على أن نتطرق في الفقرة الثانية إعداد قائمة البيع الجبري عن طريق تحرير دفتر التحملات.
الفقرة الاولى: الثمن الافتتاحي لانطلاق المزاد العلني
يعتبر الثمن الافتتاحي أولى المراحل التي يبدأ بها المزاد، لذلك نرى أنه يكتسي أهمية كبيرة، وذلك لكون الثمن الافتتاحي باب لانطلاق البيع بالمزاد العلني إذ يعطي تقدير لقيمة العقار المالية، رغم أن المشرع المغربي لم يبين لنا الكيفية التي يمكن بها تحديد الثمن الافتتاحي للبيع.
ولعل السكوت التشريعي عن تحديد الإمكانية التي يتم بها تحديد الثمن الافتتاحي للبيع بالمزاد العلني، أو الجهة المختصة بذلك، هو ما جعل العمل القضائي يتدخل في العديد من الاحكام والقرارات، لسد هذا الفراغ التشريعي، غير أن المشرع في المادة 209 من ق م م نص على أنه يحدد عن الاقتضاء للعقار المراد بيعه الثمن الأساسي الذي يقدره خبير يعينه القاضي المكلف بشؤون القاصرين”.
غير أن الممارسة العملية أبانت على أن عون التنفيذ (مأمور إجراءات التنفيذ) يتقدم بطلب إلى رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ، والذي يتولى تعيين خبير يقوم بتحديد الثمن الافتتاحي الذي سيبدأ به بالمزاد، والخبرة باعتبارها إجراء من إجراءات التحقيق هي الوسيلة الكفيلة بتحديده وذلك للتكوين الذي يتمتع به الخبير باعتباره مختص في هذا المجال.
والشيء الذي أكدته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أحد قراراتها والذي جاء فيه “الهدف من الخبرة هو تحديد الثمن الافتتاحي المناسب لقيمة العقار على ضوء أثمنة السوق المعمول بها وقت البيع، حتى لا يترك تحديده بيد المتزايدين الذين يسعون حفاظا على مصالحهم اقتناء العقار بأقل ثمن ممكن، الأمر الذي قد يتضرر معه المنفذ ضده وبالتالي لا يسوغ للمستأنف الطعن فيها”[3]
والثمن الافتتاحي هو الذي تبنى عليه أو تبدأ به المزايدة في جلسة البيع، ويعتبر شرط من شروط البيع، ولكن القانون ذكره على وجه الخصوص لما له من أهمية خاصة، فقد تم توضيح كيفية تحديد الثمن الأساسي للعقار المحجوز، ويكون ذلك بتعيين خبير عقاري بأمر على عريضة من أجل معاينة العقار ووضع تقييم تقريبي وتحديد الثمن الأساسي الذي يعتمد في قائمة شروط البيع لانطلاق المزايدة اعتمادا على السعر التقريبي في السوق.
سبقت الإشارة إلى أن الثمن الافتتاحي الذي يبدأ به المزاد العلني يحدد من قبيل خبير عقاري، لكن السؤال المطروح هو من يقوم بتعيين الخبير؟ وما هي المهام المنوطة بالخبير؟ وما هي الآجال التي يتم فيها وضع تقرير الخبرة؟ وكيف يتم تحديد أتعاب الخبير؟
لقد أبانت الممارسة العملية من خلال مجموع من الأحكام والقرارات على أن الثمن الافتتاحي الذي يبدأ به المزاد العلني يحدد من قبيل خبير مختص بذلك تقوم المحكمة بتعيين ذلك الخبير الذي يكون غالبا مقيدا في جدول الخبراء، وذلك لكون تحديد الثمن الافتتاحي الذي يبدأ به المزاد العلني يعد من قبيل المسائل التقنية والفنية التي يصعب على أي كان تحديدها.
وغالبا ما يتم تعيين الخبرة عن طريق تقديم طلب في إطار الفصل 148 من ق م م إلى رئيس المحكمة التي يجري التنفيذ داخل دائرة نفوذها، وذلك من أجل تعيين خبير مختص يكلف بتحديد الثمن الأساسي للعقار المراد بيعه بالمزاد العلني، غير أن الخبرة المأمور بها لا تكون خبرة تواجهية لكونها في هذه الحالة إجراء من إجراءات التحقيق، مما يستدعي معه عدم استدعاء الأطراف لحضورها، فقط يقوم الخبير بالخروج إلى عين المكان ومعاينة العقار وملحقاته، من أجل تحديد الثمن الاولي للعقار المراد بيعه.
و العمل القضائي قد كرس مبدأ عدم إلزامية حضور الأطراف للخبرة المأمور بها في إطار الفصل 148 من ق م م، من خلال حكم المحكمة الابتدائية بمراكش إذ جاء فيه ” إنه بصرف النظر عن مقتضيات الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية فإن السيد رئيس المحكمة حيث أقر بإجراء الخبرة لتحديد الثمن الافتتاحي فهو لم يأمر الخبير باستدعاء المدعي بالطرق القانونية المعروفة لان الأمر لا يتعلق بخبرة قضائية تواجهية، ولأنه لم يكن أصلا بحاجة إلى ضرورة التنصيص على ضرورة الاستدعاء لان المفروض أن الخبير سيدخل العقار بحضور مالكه آنذاك وهو ما يفرض بالضرورة حضور المدعي.”[4]
من هنا يتبين أن استدعاء الأطراف لعملية إجراء الخبرة التي تقوم بالأساس على تحديد الثمن الافتتاحي للعقار المراد بيعه بالمزاد العلني لا تتم، ذلك على أساس أن الخبرة المأمور بها ليست خبرة تواجهيه، وإنما يتعلق الأمر بخبرة منجزة في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية.
كما يقتضي تعيين خبير عقاري إصدار حكم تمهيدي يتضمن مجموعة من البيانات والعناصر، وذلك طبقاً للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، والمتمثلة أساساً في تعيين الخبير العقاري وتحديد أتعابه وكذا إبراز المهام المنوطة به وأجل القيام بها.
اولا: تعيين الخبير
إن تعيين الخبير أمر موكول لسلطة المحكمة التقديرية، فهو وحده الذي يملك حق الاستجابة لطلب إجراء الخبرة أ و عدم إجرائها، ولا رقابة لمحكمة النقض متى كان الطلب قائماً على أسباب مبررة [5]. فلا يمكن للخصوم إجباره على تعيين خبير بذاته، وقد نص الفصل 55 من ق.م.م على أنه: “يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائياً أن يأمر قبل البحث في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق أو خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق…”.
ويمكن للقاضي أن يختار خبيراً مقيداً في جدول الخبراء، كما يمكن له أن يختار خبيراً خارج الجدول وذلك بصفة استثنائية في حالة ما لم يوجد خبراء مقيدون فيه.
وهذا ما نص عليه الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية، حيث جاء فيه: (… وعند عدم وجود خبير مدرج بالجدول، يمكن بصفة استثنائية للقاضي أن يعين خبيراً لهذا النزاع، وفي هذه الحالة يجب على الخبير أن يؤدي اليمين أمام السلطة القضائية التي عينها القاضي لذلك، على أن يقوم بأمانة وإخلاص بالمهمة المسندة إليه وأن يعطي رأيه بكل تجرد واستقلال ما لم يعفى من ذلك اليمين باتفاق الأطراف”.
لكن لابد من الإشارة إلى أن الخبرة تتعلق هنا بإجراء من إجراءات تحقيق الدعوى، وهي لا تختلف تماما عن تلك المأمور بها في إطار الفصل 148 من ق م م، إذ يقدم طلب إلى السيد رئيس المحكمة وذلك من أجل تعيين خبير مختص لتحديد الثمن الافتتاحي للعقار المراد بيعه بالمزاد العلني.
وفي هذا الصدد نورد قراراً لمحكمة النقض جاء فيه: “الدفع بعدم أداء الخبير غير المحلف اليمين نقطة قانونية يمكن التمسك بها للطعن في الخبرة ولو بعد إجرائها عملاً بالفصل 59 المشار إليه”[6].
وغالبا ما يعمد القاضي إلى تعيين خبير واحد أو أكثر لإنجاز الخبرة وذلك حسب ظروف كل قضية على حدى، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 66 من ق.م.م والتي جاء فيها: “إذا اعتبر (القاضي) أن الخبرة يجب أن لا تقع من خبير واحد، فإنه يعني ثلاثة أو عدداً أكثر حسب ظروف القضية”.
والظاهر أن المشرع المغربي لم يسمح بتعين خبيرين اثنين لإنجاز الخبرة اعتباراً منه ولا شك لتعذر الترجيح بين رأي الخبيرين عند تعارضهما، كما لم يحدد عدداً أقصى للخبراء كما هو ظاهر من الفصل 66 من ق.م.م، ويرى بعض الفقه أنه يستحسن ألا يتم تعيين أكثر من ثلاثة خبراء لإنجاز الخبرة، لما في ذلك من زيادة في العمل والمصروفات.
إن الموقف الذي اتخذه المشرع المغربي جدير بالتأييد، حيث أخذ بنظام الخبير الفرد كقاعدة وهو ما استقر عليه الفقه حديثاً وغالب التشريعات نظراً للميزات التي يتسم بها هذا النظام من سرعة في الإنجاز وعدم تعقيد الإجراءات واقتصاد النفقات والشعور بالمسؤولية، مما يحذو بالخبير للحرص على الدقة والإخلاص في العمل ليكون عملاً سليماً.
على أن هناك حالات يكون فيها تعدد الخبراء ضرورياً، خصوصاً إذا فرضتها طبيعة النزاع، وبذلك فإن قاضي الموضوع لا يتقيد بعدد معين من الخبراء كما هو الحال في القانون المصري[7]، الذي يؤخَذ عليه أنه حدد عدداً أقصى للخبراء وحصره في ثلاثة، على خلاف القانون الفرنسي والمغربي اللذان لم يضعا حداً أقصى لعدد الخبراء.
وجدير بالذكر أن الفقه يذهب إلى تأييد هذا الرأي، حيث أعطى الصلاحية لقاضي الموضوع في تعيين العدد الذي يراه مناسباً وملائماً طبقاً لظروف النزاع.
كما يجب أن يتضمن الأمر القاضي بانتداب الخبراء عدة بيانات تجرى على أساسها الخبرة وهي:
1- اسم الخبير أو أسماء الخبراء الذين انتدبتهم المحكمة لإنجاز الخبرة.
2- تعيين السلطة القضائية التي سيؤدي الخبير أمامها اليمين، وذلك في الحالة التي يكون فيها الخبير غير مقيد بجدول الخبراء (الفصل 59 من ق.م.م).
3- تحديد النقط التقنية التي تجرى الخبرة فيها (الفصل 59 من ق.م.م).
4- تكليف أحد الأطراف أو كلاهما بإيداع مبلغ مسبق تحدده المحكمة لتحديد صوائر الخبرة، عدا إذا كان الأطراف أو أحدهم استفاد من المساعدة القضائية (الفصل 59 من ق.م.م).
5- تحديد الأجل الذي يجب أن يتم فيه إيداع هذا المبلغ.
6- تحديد الأجل الذي يجب على الخبير أن يضع فيه التقرير الكتابي، وإذا كان التقرير شفوياً حددت المحكمة تاريخ الجلسة التي سيعرض فيها الخبير تقريره (الفصل 60 من ق.م.م).
7- تحديد مكان إجراء الخبرة ويوم وساعة إجرائها.
8- تحديد تاريخ توصل الأطراف ووكلائهم باستدعاء الخبرة.
9- حضور الأطراف أو عدم حضورهم رغم التوصل.
10- التاريخ والتوقيع وذلك قصد إضفاء صفة الرسمية على التقرير.
ثانيا: تحديد مأمورية الخبير وأجل إنجازها
إن تحديد مأمورية الخبير لمن أهم العناصر والبيانات التي يجب على الأمر بالخبرة أن يتضمنها، وسندنا القانوني في ذلك هو ما ينص عليه الفصل 59 من ق.م.م حيث جاء فيه: “يحدد القاضي النقط التي تجرى الخبرة فيها في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقاً بالقانون”.
وعليه، فالقاضي من يحدد المأمورية المنوطة بالخبير إذ يعين له وبدقة ما يمكن فحصه وتقديره من الناحية الفنية وتقديم رأيه بشأنه للقاضي، هذا الأخير الذي له السلطة في توسيع أو تضييق المأمورية وفقاً للمسائل الفنية التي يرغب في استيضاحها والتي يصعب عليه استقصاء كنهها.
وبناء على ما سبق ذكره، فلا يجوز للقاضي أن يحيل أو يضمن مهمة الخبير المعين مسألة قانونية، فالحكم الذي يبنى على رأي خبير ها هنا يكون باطلاً، وفي المقابل إذا أضاف الخبير في المسألة القانونية كان عمله غير مطابق للقانون، فإذا استند الحكم إليه، فإنه يعتبر هو الآخر مخالفاً للقانون.
وتحديد المأمورية أساسي وضروري ليعرف الخبير ما يريده القاضي بدقة حتى يستطيع الفصل في الدعوى، وأيضاً لتفادي المناقشات غير المجدية التي غالباً ما يثيرها الأطراف بهدف تأخير وتعطيل الإجراءات.
وقد تصادفنا في هذا المضمار إشكالية تتجسد في حالة إغفال الخبير بعض النقط المسطرة في الحكم التمهيدي، فهل للقاضي بما له من سلطة تقديرية أن يصادق على هذا التقرير على علته؟
بالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة للخبرة القضائية وخاصة الفقرة الأولى من الفصل 64 من ق.م.م نجد أن القاضي متاح له هذه الإمكانية، لكن الاجتهاد القضائي كان له رأي آخر، حيث اعتبر أن مصادقة المحكمة على تقرير الخبير الذي لم يلتزم بما هو محدد له يعرض قرارها للنقض[8].
وتعد حضورية الخبرة من المبادئ القانونية المسلم بها في مجال الإجراءات المدنية والتجارية على حد سواء، حيث يجب أن تنجز الخبرة بحضور الأطراف المتنازعة، ولم يفت المشرع المغربي أن يؤكد على هذه القاعدة، عندما نص ضمن مقتضيات الفصل 63 من ق.م.م على أنه: “يجب على الخبير إشعار الأطراف باليوم والساعة التي ستجرى فيها الخبرة ويدعوهم للحضور فيها قبل الميعاد بخمسة أيام على الأقل برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.
يقوم الخبير بمهمته تحت مراقبة القاضي الذي يمكن له حضور عمليات الخبرة إذا اعتبر ذلك مفيداً. يثبت الخبير في تقريره أقوال الأطراف وملاحظاتهم…”.
ومسألة حضورية الخبرة قاعدة إجرائية سائدة في أغلبية التشريعات المقارنة[9]، وهي عندنا في المغرب من صميم حقوق الدفاع، يترتب على خرقها بطلان إجراءات الخبرة كلها، وفي هذا الصدد بالذات، جاء في قرار لمحكمة النقض: “يكون مساساً بحق الدفاع موجباً لنقض الحكم قيام الخبير بإجراءات الخبرة دون استدعاء الأطراف للحضور عند القيام بالخبرة ولو كانت الخبرة تقنية…”[10].
ومسألة حضورية الخبرة لا تعنى بها الخبرة المامور بها في إطار البيع الجبري لكونها تكون خبرة غير حضورية وغير تواجهية كما سبق الإشارة الى ذلك في فقرات سابقة.
وتحديد المأمورية يقتضي بالضرورة تحديد الأجل الذي يجب على الخبير التقيد به في وضع تقريره، ولتحديد هذا الأجل تأخذ المحكمة بعين الاعتبار المدة اللازمة لإنجاز المأمورية استناداً إلى اجتهادها مع مراعاة ظروف النازلة، وهذا الأجل هو مسألة تنظيمية تحدده المحكمة كميعاد لوضع التقرير ويخضع لتقديرها ويجوز للخبير طلب تمديده إلا أن ذلك يبقى مشروطاً ببيان أسباب المطالبة بالتمديد.
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي قد أغفل في معرض تنظيمه للخبرة مسألة إمكانية طلب المهلة الإضافية من طرف الخبير ليتدارك ما عجز عن إتمامه خلال المهلة الأصلية، فإن الفقه ذهب إلى استحسان ذلك مادامت تبررها أمور واقعية ومعقولة، وهو نفس النهج الذي سار عليه المشرع الفرنسي الذي سمح لقاضي الموضوع بتمديد المهلة الممنوحة للخبير من خلال المادة 266 و279 من قانون أصول المحاكمات المدنية.
ثالثا: تحديد أتعاب الخبير
علاوة على أن تحديد الأتعاب يعد من البيانات الأساسية للحكم الآمر بإجراء الخبرة القضائية، فإنه يعتبر من أهم الحقوق التي يتمتع بها الخبير.
فعندما يأمر القاضي بانتداب الخبير، عليه وفقاً لمقتضيات الفصل 56 من ق.م.م تكليف أحد الطرفين أو كلاهما بإيداع تسبيق لأجرة الخبير بصندوق المحكمة، وذلك داخل أجل يحدده القاضي، فإذا لم يتم إيداع التسبيق داخل الأجل السالف الذكر، صرف القاضي النظر عن الإجراء وبت في الدعوى ، اللهم إذا كان من طلب منه إيداع هذا المبلغ يستفيد من المساعدة القضائية[11]، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 55 من ق.م.م.
وفي حالة ما إذا تبين أن هذا الإجراء ضروريا، كما هو الأمر بالنسبة لدعوى القسمة، مثلا، فإن القاضي يوقف الإجراءات إلى أن يتم إيداع المبلغ.
وفي معرض حديثنا عن أجرة أو أتعاب الخبير، لابد من أن نشير إلى نقطة مهمة كثيراً ما تثار في الحياة العملية، وتتمثل في إمكانية الطعن في المبلغ الذي قدرته المحكمة من طرف من يرى أنه قد تضرر من هذا التقرير.
لقد أعطى المشرع الفرنسي صراحة للخبير دون غيره، إمكانية الطعن في المبلغ الذي قدرته المحكمة، وهو نفس الموقف الذي تبناه القضاء المغربي مدة طويلة[12]، إلا أنه سرعان ما غير اجتهاده حين أعطى إمكانية الطعن كذلك لأطراف الدعوى، وهذا الموقف هو ما تبناه المشرع في قانون المسطرة المدنية الجديد وخاصة الفصل 127 منه[13].
وجدير بالذكر أن جل الخبرات المأمور بها في المجال العقاري وخاصة تلك المتعلقة بتحديد الثمن الافتتاحي، على اعتبار أن تقارير الخبراء غالبا ما تشكل عرقلة في إتمام إجراءات البيع وبالتالي فالخبرة في البيوع القضائية الجبرية لا يستقيم مسارها الإجرائي الطبيعي، بل غالبا ما يكتنفه عوارض تتعلق به في الكثير من الأحيان شوائب تفرغ مكنة الخبرة من فعاليتها ذلك من قبيل:
-أن غالبية الخبرات تأتي بأثمان لا تمثل القيمة الحقيقية للعقار، على اعتبار أن الأمر يتعلق بثمن افتتاحي وبالتالي سيرتفع الثمن بانطلاق المزايدة، مما جعل بعض الفقه[14]، بالقول إلى اقتراح تضمين الأوامر القاضية بإنجاز الخبرة توضيح القيمة الحقيقية للعقار في السوق مضيفا أن تعبير المشرع بالثمن الافتتاحي لا يعني انه ليس القيمة الفعلية للعقار، أو كما يقوم محمد سلام أدنى ثمن يمكن أن يباع به العقار أو الثمن البخس لهذا العقار، وبالتالي إمكانية القول أن الخبرة تهدف إلى تحديد الثمن المقابل للعقار في السوق، أما السمسرة فتستهدف الوصول إلى القيمة الفعلية للعقار بالنظر لرغبات المتزايدين وهو ما يعتبر عنه “الثمن يتبع الأسواق، أما القيمة فتتبع الرغبات”
ومن المعلوم أن أتعاب الخبراء توضع عادة بصندوق المحكمة، ومن ثم يمنع على القاضي أن يسلمها مباشرة إلى الخبير، وهو أمر أخذت به أغلب التشريعات المقارنة، أما عن المشرع المغربي فقد قرر عقوبة صارمة تطبق على الخبير الذي يتسلم أتعابه من المتخاصمين، وتتمثل هذه العقوبة في التشطيب عليه من الجدول[15].
الفقرة الثانية: تحرير دفتر التحملات
بعد أن تطرقنا إلى الثمن الافتتاحي للعقار المراد بيعه بالمزاد العلني، يكون عون التنفيذ قد استجمع جميع العناصر التي ستسمح له بإعداد دفتر التحملات، غير أن المشرع المغربي لم يولي العناية الكاملة لدفتر التحملات واكتفى بالإشارة إليه بشكل موجز في الفصل 474 و477 من ق م م، والمادة 219 من مدونة الحقوق العينية.
غير أن الفراغ التشريعي الحاصل في هذا الشق، جعل وزارة العدل تتدخل وتحدد لنا نموذج لدفتر التحملات يتضمن 14 فصلا، وذلك قصد توحيد شروط البيع بالنسبة لسائر العقارات التي تباع بالمزاد العلني بمختلف المحاكم.[16]
وبذلك يعتبر دفتر التحملات مرجعا قانونيا لشروط البيع بحيث يتضمن مجموعة من البيانات التي يطلع عليها، كل من يريد دخول المزاد لشراء العقار، وبالتالي يبقى دفتر التحملات عبارة عن مستند يتضمن مجموعة من الشروط والبيانات اللازم احترامها لإتمام البيع القضائي.
غير أن السؤال المطروح هو من هي الجهة المختصة بتحرير دفتر التحملات؟ وما هي الآجال التي يتم فيها إعداد دفتر التحملات؟ وما هي البيانات الضرورية التي يتضمنها دفتر التحملات؟ وكيفية تبليغ دفتر التحملات للأطراف؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال النقط التالية:
اولا: تحرير دفتر التحملات الجهة المختصة بذلك وأجل إعداده.
بالرجوع إلى الفصل 474 من ق م م نجده ينص على ” بمجرد ما يقع الحجز العقاري أو ينصرم أجل الشهر المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من الفصل 471 فإن عون التنفيذ يقوم بعد تهيئ دفتر التحملات بإجراء الإشهار القانوني على نفقة الدائن ويبين الإعلان عن المزاد تاريخ افتتاحه، وإيداع محضر الحجز ووثائق الملكية بكتابة الضبط وكذلك شروط البيع”
من خلال الفصل أعلاه يظهر لنا جليا أن الجهة المكلفة بتحرير دفتر التحملات هي عون التنفيذ، دون أي جهة أخرى تذكر، وبالتالي يكون المشرع قد استثنى المفوضين القضائيين من هذه المهمة، وذلك استنادا إلى أن المادة 15 من القانون المنظم للمهنة استثنت من مهامهم بيع العقارات والسفن والأصول التجارية والطائرات[17].
لكن يبقى السؤال المطروح هل تحرير دفتر التحملات محدد بأجل محدد أم لا؟ بالرجوع إلى الفصول 474 من ق م م، نجده اوجب ضرورة الإسراع بإعداد دفتر التحملات إذ يتم ذلك بمجرد ما يقع الحجز حسب تعبير الفصل المذكور، إلا أن هذا التحديد غير مرتبط بجزاء لكون مهمة إعداد دفتر التحملات منوطة بعون التنفيذ وليس الدائن، كما هو الحال في القانون المصري الذي رتب على عدم إنجاز دفتر التحملات داخل اجل 90 يوما، ابتداء من تاريخ تسجيل أو إيداع تنبيه نزع الملكية واعتبار التنبيه كأن لم يكن، لذلك يكون من غير المجد معاقبة الدائن على إخلال لم يقم به.[18]
غير أنه بالرجوع إلى المادة 218 من القانون 39.03 المنظم لمدونة الحقوق العينية نجده نص على إمكانية مطالبة المحجوز عليه بالحصول على الأعذار وجميع الوثائق المسجلة تبعا له، في حالة التراخي عن مواصلة الإجراءات التي تتلو الحجز وذلك بناء على أمر يصدره قاضي المستعجلات بعد استدعاء طالب البيع غير أنه كان الأولى على المشرع تحديد أجل معين لتحقق واقعة التراخي من عدمها، وكذا تمديد مقتضيات هذا الفصل لتشمل حتى العقارات الأخرى.[19]
أما في إطار مرسوم 17 دجنبر 1968 المنظم للقرض العقاري والقرض الفندقي والقرض الخاص بالبناء، فإن إعداد دفتر التحملات أو كناش التحملات بتعبير المرسوم، يتم على الأقل في ظرف ثمانية أيام الموالية للستة أسابيع التي تلي تقييد الإنذار في الرسم العقاري، والتي يتم خلالها نشر الإنذار في جرائد الإعلانات القانونية الصادرة بالدائرة الواقعة فيها الأملاك، حيث يبلغ الإعلان عن البيع خلال أجل الثمانية الأيام المذكورة إلى المدين والدائنين المقيدين مع إنذارهم بالاطلاع على كناش التحملات، حسب ما تنص عليه الفقرة الثانية والثالثة من الفصل 61 من مرسوم 17 دجنبر 1968.[20]
ثانيا: البيانات المتضمنة لدفتر التحملات وإشعار الأطراف بالاطلاع عليه
بالاطلاع إلى الفصول السابقة وخاصة المادة 474 و476 و477 ومرسوم 17/12/1968، نجده لم يتضمن أية إشارة لشكل دفتر التحملات ولا البيانات التي يجب أن يتضمنها، ولا حتى شروط البيع والتي ينبغي الإشارة إليها، وذلك خلافا للعديد من القوانين المقارنة وخاصة القانون الفرنسي والمصري الذين حددا البيانات الأساسية التي يجب أن يتضمنها دفتر التحملات تحت طائلة البطلان بخصوص بعض البيانات، والمتمثلة أساسا في بيان السند التنفيذي وكذا تاريخ التنبيه وتاريخ إنذار الحائز إن وجد ورقمي تسجيلهما وتاريخه، وتعيين العقارات المبينة في التنبيه تعيينا دقيقا وتحديد شروط البيع والثمن الأساسي، وتجزئة المبيع إلى صفقات إن كان لذلك محل مع ذكر الثمن الأساسي لكل صفقة، وتحديد تاريخ جلسة النظر في الاعتراضات وتاريخ جلسة البيع، وذلك في محضر إيداع القائمة في كتاب محكمة التنفيذ[21]، وهي نفس البيانات التي يشير إليها القانون الفرنسي،[22] مع اختلاف في كيفية تحديد الثمن الافتتاحي كما استلزم القانون الفرنسي ضرورة توقيع دفتر التحملات من طرف محامي الدائن الذي قام بتحريره، كما ألزم القانون المصري الدائن بضرورة إرفاق قائمة شروط البيع بالسند التنفيذي والتنبيه بنزع الملكية وإنذار الحائز إن وجد، بشهادة عقارية بالقيود الواردة عليه لغاية تسجيل التنبيه وذلك عن مدة عشر سنوات سابقة.[23]
بالإضافة إلى المشرع الجزائري الذي نص على مجموعة من البيانات التي يجب أن يتضمنها دفتر التحملات، وذلك من قبيل :
– اسم ولقب كل من الدائن الحاجز و المدين المحجوز عليه و الدائنين المقيدين و موطنهم .
– بيان السند التنفيذي الذي تم بموجبه الحجز و مبلغ الدين.
– أمر الحجز و تاريخ تبليغه الرسمي و قيده و تاريخ إنذار الحائز أو الكفيل العيني إن وجد .
– تعيين العقار أو الحق العيني العقاري المحجوز تعيينا دقيقا.
– تحديد شاغل العقار و صفته و سبب الشغل .
– شروط البيع و الثمن الأساسي .
– تجزئة العقار إلى أجزاء إن كان ذلك أفضل عند البيع مع تحديد ترتيب البيع .
– بيان المحكمة التي يتم أمامها البيع.
أما بخصوص تحديد الثمن الأساسي الواجب ذكره ضمن قائمة شروط البيع فان ذلك يتم بموجب أمر على عريضة محررة من طرف المحضر القضائي أو الدائن على أساسها يتعين خبير عقاري لتحديد الثمن الأساسي على أن يودع تقرير الخبرة خلال 10 أيام من تاريخ تعيين الخبير العقاري وفي حالة ما إذا تعذر عليه انجاز المهمة المسندة إليه يستبدل بخبير عقاري أخر .
هذا الإجراء وضع حد للدعاوى القضائية التي كانت ترفع أمام القاضي العقاري لتحديد الثمن الأساسي للعقار المراد بيعه ( المادة 737 من قانون الإجراءات المدنية و الادارية)[24].
هذا ولابد من الإشارة إلى الإمكانية التي يتم بها إشعار المنفذ عليه والدائنين بالاطلاع على دفتر التحملات المعد مسبقا، وبالرجوع الى المادة 219 من مدونة الحقوق العينية نجدها تنص على أنه” بالإضافة إلى الإخطار المنصوص عليه في الفصل 473 من قانون المسطرة المدنية فإن المكلف بالتنفيذ يوجه إلى المحجوز عليه وشركائه وإلى جميع أصحاب الحقوق العينية الواردة على الملك إنذارا للاطلاع على دفتر التحملات والشروط وذلك داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ إيداع هذا الدفتر”.
والملاحظ في هذا الشأن أن المشرع المغربي لم يرتب أي جزاء على تخلف القيام بهذا الإجراء، بالإضافة إلى عدم تنصيصه على البيانات التي يجب أن يشملها هذا الإنذار على عكس المشرع المصري والفرنسي، الذين نصوا على بعض البيانات الأساسية كتاريخ إيداع دفتر التحملات والعقارات المحجوزة والثمن الأساسي لكل صفقة، وإنذار المعلن إليهم بالاطلاع على دفتر التحملات وإبداء ما قد يكون لديهم من أوجه البطلان أو الملاحظات عن طريق الاعتراض عليه بثلاث أيام قبل الجلسة المحددة في نفس الإعلان، وكذا بيان جلسة البيع في حالة عدم تقديم الاعتراضات والإشارة إلى أن عدم تقديم الاعتراضات داخل الأجل يرتب سقوط الحق.[25]
بعد إعداد وتحرير دفتر التحملات وجب إشهار البيع بالمزاد العلني وتبليغ الأطراف بتاريخ ومكان إجراء البيع وهو ما سنحاول التطرق له في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: تبليغ الأطراف وإشهار البيع
تعد مرحلة إشهار البيع الجبري من أهم المراحل التي تتخللها إجراءات بيع العقار بالمزاد العلني، إذ يتم الخروج من مرحلة الجمود إلى مرحلة الحركة، فباعتبار البيع الجبري إجراء تنفيذي فإنه يستلزم وجود تسلسل في الإجراءات التي تعد إجراءات دقيقة لا بد من التطرق لكل منها بالغاية المنشودة من طرف المشرع.
فعملية الإشهار تعد أحد هذه المراحل إذ تكرس مجموعة من المبادئ من قبيل العلانية والشفافية بالإضافة إلى التنافسية بين المتزايدين مما يؤدي حتما إلى إعطاء العقار قيمة أكثر، ولا ننسى لما يكرسه كذلك من الغاية التي وجد من أجلها وذلك من خلال إجراء تواجه بين الأطراف لغاية بلوغ ثمن اكثر.
لذلك سنبحث أولا إشهار عملية البيع، على أن نتطرق لتبليغ الأطراف ثانيا.
الفقرة الاولى: إشهار البيع
برجوعنا إلى الفصل 474 من ق م م نجد أنه ينص على ” ……يبلغ إلى العموم المزاد والبيع:
1 – بتعليق:
أ) على باب مسكن المحجوز عليه وعلى كل واحد من العقارات المحجوزة وكذا في الأسواق المجاورة لكل عقار من هذه العقارات؛
ب) باللوحة المخصصة للإعلانات في المحكمة الابتدائية التي يوجد مقرها بمحل التنفيذ؛
ج) بمكاتب السلطة الإدارية المحلية.
2 – بكل وسائل الإشهار (في الصحافة والإذاعة…) المأمور بها عند الاقتضاء من طرف الرئيس حسب أهمية الحجز.”
إنطلاقا من الفصل أعلاه يتبين أن المشرع المغربي قد نص على وسائل التبليغ التي يجب أن يبلغ بها البيع، هذا بالإضافة إلى أن هناك حالات خاصة للتبليغ وذلك من قبيل التبليغ بواسطة الإنذار الموجه إلى المدين، وهو ما نصت عليه المادة 61 من المرسوم الملكي 27/12/1968.[26]
أولا: التعليق على باب مسكن المحجوز عليه
لعل هذا النوع من الإشهار الهدف منه هو حث المدين على الوفاء وتذكيره بالإسراع إلى أداء الدين وتجنب نزع ملكيته وبيع عقاره بالمزاد العلني، لكن يبقى هذا النوع من الإشهار يطرح عدة إشكالات من قبيل أن المدين قد يكون مجهولا أو لا يتوفر على عنوان مضبوط.
لكن يبقى السؤال المطروح هل يمكن الاستغناء عن هذا الإجراء، لعدم معرفة عنوان سكن المحجوز عليه، هل يعلق الإعلان بباب مقر عمله او بموطنه المختار، ولعل الجواب على السؤال جاء واضحا في الفصل أعلاه إذ نص على باب مسكن المحجوز عليه ويظهر أن النص جاء صريحا وحصرا مما يتعين معه استبعاد كل العناوين الأخرى.
ثانيا: على كل واحد من العقارات المحجوزة
سبقت الإشارة إلى الإشهار التي يتم عن طريق التعليق بباب مسكن المحجوز عليه، غير أنه إذ تعلق الأمر بعدة عقارات محجوزة فإن المشرع المغربي ألزم بتعليق الإعلان على كل واحد من العقارات المحجوزة.
ثالثا: التعليق في الأسواق المجاورة للعقار المحجوز
تعتبر الأسواق ملجأ للعديد من الناس، تختلف قبائلهم ومناطقهم، إذ تعتبر الأسواق تجمع لعدد كبير من الأشخاص مما يؤدي إلى إجراء عملية الإشهار بشكل أوسع، وذلك بالأسواق المجاورة للعقار المحجوز وذلك لحث و لتعريف الأشخاص أو رواد السوق بالعقار المحجوز.
غير أن هذا النوع من وسائل الإشهار تعاني هي الأخرى من عدة إشكالات، منها عدم وجود أماكن في الأسواق مخصصة لذلك بالإضافة إلى جهل مجموعة من الأشخاص للقراءة.
رابعا: التعليق في اللوحة المخصصة لتعليق الإعلانات بالمحكمة المختصة
من المعلوم تواجد لوحة مخصصة لتعليق الإعلانات في المحاكم، لذلك نجد أن المشرع عندما نص على هذه الوسيلة قد أحسن الاختيار وذلك لكون الإشهار بهذه الطريقة هدفه نشر الإعلان على نطاق واسع، غير إن هذا النوع من الإشهار بدوره يطرح العديد من الإشكالات من قبيل كثرة الإعلانات وتزاحمها، وكان بالأحرى على المشرع المغربي أن يخصص إحدى اللوحات لذلك الإعلان فقط.
خامسا: التعليق بمكاتب السلطة الإدارية المحلية
لعل المشرع المغربي بنص على هذا النوع من الوسائل، إنما هدفا منه لنشر الإعلان على أوسع نطاق وذلك لكون هذه المكاتب يرتادها العديد من الأشخاص وذلك لكونها إدارات عمومية، بالإضافة إلى كون السبورة المخصصة لتعليق هذه الإعلانات توجد بمكان بارز وواضح .
الفقرة الثانية: تبليغ تاريخ المزايدة
بعد أن ناقشنا وسائل وطرق إشهار البيع الجبري العقاري، لابد من الإشارة إلى الكيفية التي يتم بها تبليغ الأطراف بتاريخ المزايدة أو تاريخ السمسرة، ولكون ما تحتله مكانة هذا التبليغ من أهمية فقد نص عليها المشرع المغربي في الفصل 476 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه ” يبلغ في الأيام العشرة الأولى من هذا الأجل عون التنفيذ للمنفذ عليه أو من يقوم مقامه ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 469 إتمام إجراءات الإشهار ويخطره بوجوب الحضور في اليوم المحدد للسمسرة.
يستدعى في الأيام العشرة الأخيرة من نفس المدة لنفس التاريخ المحجوز عليه والمتزايدين الذين قدموا عروضهم طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 474.”
من خلال النص أعلاه يتبين أن المشرع المغربي أجبر عون التنفيذ على تبليغ الاستدعاء للمنفذ عليه وذلك من أجل الحضور للسمسرة، ويبقى التساؤل عن الأشخاص الواجب على عون التنفيذ استدعاءهم هل المنفذ عليه والمتزايدون الذين قدموا عروضهم بكتابة الضبط قبل تاريخ المزاد، أم حتى الدائنين، وشركاء المنفذ عليه؟
بالرجوع إلى الفصل 473 من ق م م، نجده قد سمح في حدود الإمكان بتبليغ شركاء المنفذ عليه، غير أنه لم يوجب إخطارهم بتاريخ المزايدة، غير أنه لم يتطرق إلى إمكانية استدعاءهم لتاريخ المزايدة، لذلك سنقتصر على دراسة الكيفية التي يتم بها تبليغ الشركاء والدائنين.
أولا: تبليغ المدين المحجوز عليه
سبقت الإشارة إلى أن عون التنفيذ هو من يقوم بتبليغ المدين المحجوز عليه بتاريخ إجراء السمسرة أو بتاريخ المزايدة، وذلك عن طريق تبليغه إما بصفة شخصية سواء تم التبليغ للمنفذ عليه في موطنه أو محل عمله أو أي مكان أخر.
ولابد من الإشارة إلى الكيفية التي يتم فيها التبليغ هل عن طريق طرق التبليغ المنصوص عليها في ق م م، أم أن المشرع اختار وسائل تبليغ خاصة لهذا النوع من الإجراءات باعتباره إجراء مهم ويهدف إلى سلب ملكية عقار لفائدة شخص آخر، وذلك لتفادي إجراء بيع في غفلة من أصحاب الحقوق، لذلك كرس المشرع هذه الإمكانية التي تجعل المنفذ عليه على علم بتاريخ بيع عقاره بالمزاد العلني.
غير أن ما يسترعي الاهتمام في هذا الصدد هو الصياغة التشريعية المعيبة للفصل 476 من ق م م الذي أحال أحكام الفصل 469 من ق م م الذي ينص بدوره على أن تبليغ المنفذ عليه يتم بالطريقة العادية وإذا لم يتأت ذلك يتم التبليغ طبقا لمقتضيات الفصل 39 من ق م م، مما يعني إمكانية اللجوء إلى مسطرة القيم، وذلك عندما يكون المنفذ عليه مجهول العنوان.
والملاحظ في هذا الصدد أن توجه المشرع هنا منتقد حسب بعض الفقه،[27] لكون الإحالة والربط بين هذه الفصول، يرتبان وضعا من شأنه عرقلة البيع، بل واستحالة احترام الآجال المحددة سواء في بداية أو نهاية الإشهار، فإذ أعلن عن السمسرة خلال الأجل الأدنى وهو ثلاثون يوما فيجب تبليغ المدين خلال العشرة أيام الأولى منه، وتبليغه مرة أخرى خلال العشرة الأخيرة لو عن طريق تنصيب قيم عنه، وبالتأكيد فإن إجراءات القيم لا يمكن القيام بها داخل الاجل المحدد حتى ولو أجريت السمسرة خلال الأجل الأقصى، كما أنه لا يمكن ضمان حتى تبليغ المنفذ عليه المعلوم العنوان خلال الأجلين.
لكن يبقى السؤال المطروح هل يمكن الاكتفاء بمجرد علم المحجوز عليه أم أنه لابد من تبليغ هذا الأخير وتوصله بالاستدعاء؟ هل يتحقق علمه بصفة أكيدة أم بصفة مفترضة؟
بخصوص الإشكال المطروح ، نجد أن مواقف القضاء قد تضاربت بهذا الشأن، بحيث ذهبت محكمة النقض في أحد قراراتها إلى الاكتفاء بمجرد علم المحجوز عليه بالإجراءات السابقة للبيع[28]، ولا أثر لعدم استدعائه على صحة إجراءات السمسرة، وعلى خلاف هذا التوجه ذهبت محكمة الاستئناف بالحسيمة في احد قرارتها[29] مؤيدة بقرار لمحكمة النقض[30]، إلى أن تبليغ المحجوز عليه واستدعاءه هو مسألة ضرورية لصحة البيع بالمزاد العلني ولا يكفي بمجرد العلم.
ثانيا: تبليغ المتزايدين
بالإضافة إلى المنفذ عليه، حدد المشرع المغربي الأشخاص المتزايدين الذين قدموا عروضهم بكتابة الضبط وذلك من أجل تبليغهم بالمزاد العلني، وذلك بهدف خلق أكبر عدد من المنافسين ومراعاة لحقوق ومصالح المتزايدين، وذلك بتبليغهم بصفة فردية للحضور في اليوم المحدد للسمسرة، وذلك من خلال الفصل 476 من ق م م، والتي جاء فيها “يستدعي في الأيام العشرة الأخيرة من نفس المدة لنفس التاريخ المحجوز عليه والمتزايدين الذي قدموا عرضوهم طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 474”
وبالتالي ينبغي استدعاء المتزايدين الذين قدموا عروضهم بكتابة الضبط للحضور في اليوم المحدد لبيع العقار المحجوز، وتوجه لهم الاستدعاء في العناوين التي أدلوا بها عند تقديم عروضهم، الشيء الذي يحتم على كل متزايد الإدلاء بالعنوان الصحيح، حتى يتمكن عون التنفيذ من استدعائه، فإذا امتنع أحد المتزايدين عن الإدلاء بالعنوان، فلا يقبل منه أي عرض، أما كان العنوان غير صحيح فإن الاستدعاء يوجه إليه، ولا يمكنه التمسك بعد ذلك بعدم توصله وطلب إجراء بطلان البيع إذا تم لفائدة الغير[31].
المبحث الثاني: مسطرة البيع والعوارض التي تطرأ عليها
بعد التطرق لمجموع الإجراءات التمهيدية لبيع العقار بالمزاد العلني، لابد من الإشارة إلى المراحل والإجراءات التي تتبعها، بالإضافة الى الإشكالات والعوارض التي تطرأ على هذه المسطرة، وذلك من خلال التطرق لمسطرة البيع بالمزاد العلني في المطلب الأول، على أن نتطرق في المطلب الثاني للعوارض والإشكالات التي تعتري مرحلة البيع بالمزاد العلني.
المطلب الاول: مسطرة البيع بالمزاد العلني
من خلال هذه المرحلة سنحاول الحديث عن السمسرة باعتبارها المحور الذي يدور عليه الموضوع، كما سنحاول رصد الحالات التي يتم فيها إعادة السمسرة وتحرير محضر المزايدة وذلك في فقرتين اثنين.
الفقرة الاولى: ضوابط السمسرة
لعل المشرع وباعتباره لأهمية هذه المرحلة في تاريخ العقار المراد بيعه بالمزاد العلني أو بصيغة أخرى العقار الذي ستجرى عليه السمسرة، وذلك بتحديده لاجالات محددة لإجراء السمسرة، وذلك بمقتضى أمر معلل من رئيس المحكمة نتيجة ظروف معينة.
وبالرجوع إلى المادة 476 من ق م م نجدها تنص على أن السمسرة تقع في محل كتابة الضبط التي نفذت الإجراءات التي أودع فيها المحضر بعد ثلاثين يوما من تبليغ الحجز، من هنا يظهر لنا أن المشرع المغربي حدد لنا أجالا لإجراء السمسرة بالإضافة إلى المكان الذي ستجرى فيه السمسرة.
غير أنه يعاب عليه عدم تحديده لجزاءات الإخلال بهذه الإجراءات وعدم احترامها مما يعكسها الواقع من كثرة الثغرات التي تركها الفصل أعلاه، فما هي الشروط اللازمة لقبول العروض المقدمة من طرف المتزايدين.
أولا: شروط قبول العروض
بالرجوع إلى الفصل 474 من ق م م والذي يستفاد منه أن أول شرط لقبول العروض المقدمة من طرف المتزايدين هي استيفاء الإجراءات التمهيدية من تحرير دفتر التحملات وتحديد شروط البيع والإعلان عن شروط البيع.
إذ أن تقديم المتزايدين لعروضهم قبل هذا الإجراء من شأنه أن لا يستوفي الشروط التي تحدد في البيع وبالتالي كان بالأجدر من المشرع حينما نص على أن بداية تلقي العروض تكون بعد انتهاء من الإعلان عن شروط البيع.
غير أن ما يعاب على هذه الإجراءات هو غموضها بحيث لم يحدد لنا المشرع الكيفية التي يتم بها تلقي العروض هل شفاهة أم كتابة؟ ولم يحدد كذلك طريقة تقديمها هل بصفة شخصية من المتزايد أم بواسطة الغير؟ أو عن طريق البريد أو أية وسيلة أخرى؟
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي قد استلزم ضرورة تقديم العروض أثناء السمسرة بواسطة محام إذ لا يمكن تقديمها شخصيا، كما يمكن أن يكون الوكيل شخصا عاديا يصرح لدى عون التنفيذ بكونه يقدم عرضا لفائدة شخص آخر، وذلك طبقا لمفهوم المادة 477 من ق م م[32].
واعتبارا لقبول العروض فقد استلزم المشرع توفر مقدم العروض على أهلية التعاقد[33]، طبقا لقواعد ق ل ع، كما يشترط كذلك أن لا يكون ممنوعا من تقديم العروض، وذلك لكون المشرع قد نص على عدة استثناءات ومنها:
-المحامون فهذه الفئة قد استثناها المشرع من الأشخاص الذين لا يحق لهم تقديم العروض وذلك طبقا للقانون المنظم للمهنة، بالإضافة إلى السماسرة والخبراء، الذين يناط بهم تقويم العقار وتحديد الثمن الافتتاحي[34].
ولعل المشرع الفرنسي كان جد صريح بخصوص هذه المسألة[35]، بالإضافة إلى المشرع المصري إذ نص في المادة 311 من القانون المدني على أنه ” لا يجوز للمدين ولا القضاء بأي وجه من الوجوه إجراءات التنفيذ أو المسائل المتفرعة عنها ولا المحامين الوكلاء عن مباشرة الإجراءات أو المدين أن يتقدموا للمزايدة بأنفسهم أو بطريق تسخير غيرهم وإلا كان البيع باطلا[36]“.
هذا ولا ننسى الأجانب الذين استلزم لمشاركتهم بعروض السمسرة ضرورة إدلائهم برخصة إدارية.
ثانيا: شكليات إجراء السمسرة
نظرا لما للبيع الجبري من أهمية، فقد راعى المشرع المغربي دقة هذه الإجراءات واستلزم شكليات إجراء السمسرة، وذلك من خلال الفصل 477 من ق م م، إذ جاء فيه ” إذا حل اليوم والساعة المعينان لإجراء السمسرة ولم يؤد المنفذ عليه ما بذمته قام عون التنفيذ بعد التذكير بالعقار الذي هو موضوع السمسرة وبالتكاليف التي يتحملها والثمن الأساسي المحدد للسمسرة في دفتر التحملات أو عند الاقتضاء العروض الموجودة وآخر أجل لقبول العروض الجديدة بإرسائه على المزايد الأخير الذي قدم أعلى عرض موسرا أو قدم كفيلا موسرا بعد إطفاء ثلاث شمعات مدة كل منها دقيقة واحدة تقريبا يتم إشعالها على التوالي ويحرر محضرا بإرساء السمسرة.
يؤدي من رست عليه السمسرة ثمنها بكتابة الضبط خلال عشرة أيام من المزاد ويجب عليه علاوة على ذلك أن يؤدي مصاريف التنفيذ المحددة من طرف القاضي والمعلن عنها قبل السمسرة.
يحق لهذا الشخص أن يصرح بأنه مزايد عن الغير خلال ثمانية وأربعين ساعة من إجراء السمسرة”.
الفقرة الثانية: حالات إعادة السمسرة وتحرير محضر المزايدة
لعل تحصيل أكبر حصيلة مالية في البيع الجبري يستلزم إعادة السمسرة في بعض الحالات وهو ما سنحاول التطرق إليه في هذه الفقرة.
أولا: حالات إعادة السمسرة
نظرا للدقة التي تتسم بها إجراءات السمسرة، ونظرا لما تحتله هذه الإجراءات من مكانة فقد أعطى المشرع المغربي حالات استلزم فيها إعادة السمسرة وذلك من قبيل تقديم عرض بزيادة السدس، وفي الحالة التي يتم فيها تخلف الراسي عن أداء الثمن.
فالفصل 479 من ق م م، سمح بإعادة السمسرة وذلك للرفع من القيمة الحقيقة للعقار، وذلك عندما يتقدم أحد المتزايدين ولو بانقضاء اجل السمسرة ويقوم بزيادة السدس عن الثمن الذي رسا عليه المزاد.
ولعل هذه الخطوة الفعالة من المشرع المغربي تحقق مصلحة للدائن والمدين من خلال الحفاظ على الثروة العقارية وإعطاء العقار القيمة التي يستلزمها، وتجنب بيعه بأثمنة لا تناسب قيمة العقار الحقيقية.
لكن هذا الباب الاستثنائي لم يفتح على مصرعية إذ قيده المشرع بأجل كامل يعتمد تقديمه على موافقة الرئيس، وبالتالي لم يمكن الاعتداد بالعرض الذي قدم خارج هذا الأجل، والواضح من نص الفصل أن المشرع فتح المجال سواء كان المتقدم بالعرض شارك في المزايدة الأولى ام لم يشارك.
وبالتالي يترتب عن زيادة السدس ورسا المزاد عليه، انفساخ البيع الجبري الأول، وذلك على اعتبار أن البيع لا يكون نهائيا إلا إذا لم يتقدم أحد الأشخاص مطالبا بإعادته داخل الآجال المحددة من طرف المشرع، وبالتالي يبقى البيع معلقا على شرط ألا وهو عدم زيادة السدس، ويبقى من حق المتزايد الأول حق تنفيذه عندما يصبح البيع نهائيا.
هذا بالإضافة كذلك إلى أن المشرع نص على استثناء لهذا الاستثناء، وذلك عندما استغنى عن مسطرة زيادة السدس في عدة حالات، منها البيع القضائي لعقار القاصر، والبيع الجبري للمنقولات المحجوزة، والبيع الجبري للأصل التجاري[37].
بالإضافة إلى الحالة الأولى التي تعاد فيها السمسرة، قد أوجز المشرع المغربي كذلك الحالة التي يتخلف فيها المشتري عن الوفاء بالثمن، وبديهي أن تعاد السمسرة في هذه الحالة، وذلك لكون المتزايد الذي رسا عليه المزاد لم يفي بالثمن، وبالتالي يبقى الهدف الذي على أساسه بيع العقار بالمزاد العلني غير ذي جدوى.
وإيمانا بالمشرع بهذه النقطة فقد أجاز إمكانية إعادة السمسرة في هذه الحالة، غير أنه لابد من إنذار المتزايد الذي رسا عليه بالمزاد بأداء الثمن الذي رسا عليه المزاد، وذلك تفاديا لإعادة السمسرة، وذلك عن طريق توجيه إنذار للمتزايد وإشعاره بالوفاء بالتزاماته ومنها أداء الثمن داخل اجل عشرة أيام، فإذ لم يفي أعيد البيع على نفقته[38].
وتنحصر المسطرة المتبعة لإجراء إعادة البيع، في كونها تقتصر على إجراء عون التنفيذ إشهارا جديدا فقط إذ يستغني عن إجراءات التعليق حيث يقوم بتوجيه إعلان جديد قصد إشهاره بإحدى الصحف الوطنية، ويتعين أن يتضمن الإعلان الجديد كافة البيانات والمعلومات المتعلقة بالعقار فضلا عن الثمن الذي رسا به المزاد السابق، وتحديد التاريخ الذي ستجرى به السمسرة الجديدة[39].
ثانيا: تحرير محضر المزايدة
يعتبر تحرير محضر المزايدة بمثابة السند التنفيذي الذي يحوزه المتزايد الذي رسا عليه المزاد العلني، فبعد انتهاء إجراءات المزايدة ومعرفة المتزايد الذي رسا عليه المزاد، يقوم عون التنفيذ بعرض النتيجة على رئيس المحكمة، وذلك استنادا الى الفصل 478 من ق م م، ليقرر ما إذا كانت العروض المقدمة كافية ففي هذه الحالة يأمر بإعادتها، وفي حالة ما إذا كانت غير كافية فيؤذن له بتحرير محضر الإرساء.
فمحضر المزايدة وحسب الفصل 480 من ق م م، يعتبر سندا للمطالبة بالثمن لصالح المحجوز عليه ولذوي حقوقه، سند ملكية لصالح الراسي عليه المزاد، لكن المشرع المغربي لم يحدد لنا البيانات الواجب تضمينها بمحضر المزايدة، مما أدى بالوزارة الوصية على القطاع إلى تحديد نموذج معد لهذا الغرض، ولتسهيل العملية على هيئة كتابة الضبط من أجل تحرير محضر يستجمع كافة البيانات.
وبالاطلاع على هذا النموذج نجده يتضمن مجموعة من البيانات ومنها: اسم عون التنفيذ الذي قام بإجراء السمسرة وتوقيعه، السند التنفيذي الذي بوشرت به عملية الحجز، هوية وموطن المدين المنفذ عليه، دفتر التحملات وتاريخ تحريره وتاريخ البيع، نسخ تبليغ المعنيين بالأمر للحضور للسمسرة، مصاريف السمسرة ومصاريف دفتر التحملات ومصاريف الإعلانات ومصاريف النشر في الصحف ومصاريف الطبع والرسوم، أسماء المتزايدين والثمن الذي رسا عليه المزاد والإشارة إلى زيادة السدس إن وجد، والإشارة إلى إشعال ثلاث شمعات، وهوية المشتري الذي رسا عليه المزاد.
وبالتالي يبقى المحضر الذي أعدته وزارة العدل النموذج الذي تعمل به مختلف محاكم المملكة، إذ يعتبر هذا المحضر مستجمعا لكافة شروط صحته، باعتباره سندا ناقلا للملكية لمن رسا عليه المزاد.
وفي هذا الصدد صدر قرار لمحكمة النقض مفاده أنه” بمقتضى الفصل 480 من قانون المسطرة المدنیة یعتبر محضر المزایدة سند ملكیة لصالح الراسي علیه المزاد بمجرد عدم الإشارة في القرار إلى السند القانوني لا یؤدى إلى نقضه ما دام قد صدر في الواقع موافقا للقانون، لا مجال للاستدلال فيه بالإثراء بلا سبب ما دام انتقال المبیع محل النزاع إلى المطلوب قد تم بسبب البیع عن طریق السمسرة بالمزاد العلني[40].”
المطلب الثاني : العوارض التي تطرأ على عملية البيع
لعل ترسيخ الفكر القانوني يحتم حكامة حقوقية من خلال إحاطة المشرع البيع القضائي بجملة من المقومات و العمليات و الإجراءات الشكلية التي تؤصل في ذاتها لمفهوم الائتمان العقاري و بالمقابل قد خلق نوعا من الحماية الموازية للعناصر المخاطبة بهذه الحماية و في مقدمتها أطراف السمسرة، و بالتالي فكل إخلال يعتري تطبيق هذه القواعد يبرر لجوء كل ذي مصلحة إلى القضاء للطعن في صحة عملية السمسرة التي تمت على وجه مخالف للقانون[41].
و بالتالي تحقيق التوازن الإجرائي في المراكز القانونية للأطراف ذات المصالح المتضاربة و الحقوق المتعارضة من خلال كفالة مكنة الطعن أو المنازعة في صحة البيع بالمزاد.
و لملامسة هذه التقنيات القانونية المكفولة لأطراف التنفيذ كما انفنا الذكر فانه يقضي منا وجوب التمييز بين المنازعة في صحة إجراءات الحجز العقاري و بين المنازعة في صحة إجراءات السمسرة، ذلك أن الأولى فيلزم إثارتها قبل انتهاء السمسرة و رسو المزاد وفق ما يقضي الفصل 484 من ق م م، في حين أن الثانية يمكن إثارتها بعد السمسرة، و عليه فالمحكمة المطعون أمامها بالبطلان بعد تمام السمسرة ملزمة بان تحدد بدقة محل الطعن و ما إذا كان منصبا على إجراءات الحجز أم إجراءات السمسرة[42].
الفقرة الاولى : العوارض الإجرائية
ما يستدعي الاهتمام في هذا الصدد هو أن المشرع لم ينظم إجراءات خاصة للطعن في محضر إرساء المزاد أو عملية السمسرة على خلاف القانونين الفرنسي و المصري اللذان نصا على إجراءات خاصة للطعن في حكم إرساء المزاد خاصة و أن إجراءات التنفيذ الجبري في إطار القانون المغربي تنتهي بمحضر و ليس بحكم مما أفسح المجال أمام اللجوء إلى الدعوى الأصلية المبتدئة ببطلان إجراءات التنفيذ.
ولعل عدم إفراد هذه الدعوى بمقتضيات خاصة و ما يطبعها من طول و تكلفة قد لا تسعف في نظرنا في استقرار المركز القانوني للراسي عليه المزاد المفضي إلى مرونة في التداول الاقتصادي و كذا في ضمان الحماية السريعة لحقوق مقدم الطعن بالبطلان مما يقتضي تحديد مسطرة خاصة للطعن المذكور، و هو التوجه الذي سار عليه المشرع المصري الذي نص في المادة 451 من قانون المرافعات على انه “لا يجوز استئناف حكم إيقاع البيع إلا لعيب في إجراءات المزايدة أو في شكل الحكم أو لصدوره بعد رفض الطلب وفق الإجراءات في حالة يكون وقفها واجبا قانونا”[43].
فهذه الأهمية ترمي إلى بسط رقابة قضائية على شرعية الأعمال المتخذة أثناء عملية التنفيذ فان تصورها من حالة السكون إلى حالة الحركة، رهين بمباشرتها ممن تثبت لهم الصفة في تقديم طلب بطلان السمسرة أي كل من تأثرت مراكزهم القانونية و مست حقوقهم، و بالتالي لا يثبت لعون التنفيذ مباشرة هذا الحق و ينعقد الاختصاص في هذه الدعوى للمحكمة المباشرة لإجراءات البيع فيما يتفرع عن عملية السمسرة من منازعات و تباشر الإجراءات المتعلقة بهذه النقطة.
وانطلاقا مما سبق بسطه أعلاه فإن من أهم الأسباب المبررة للدفع بعدم صحة مسطرة البيع خرق القواعد الإجرائية المتعلقة بإشهار البيع و عدم تبليغ الأطراف المخاطبة بعملية البيع من قبيل المدين المنفذ عليه و ذلك راجع إلى أن خرق قواعد الإشهار من شانه أن يفوت عليه بيع عقاره بثمن اكبر كما أن عدم تبليغه يحرمه من إمكانية تفادي البيع بالوفاء بالدين قبل حلول تاريخ السمسرة[44]، أما المتزايدين الذي قدموا عروضهم بكتابة الضبط فيمكن لهم في حالة تضررهم من عدم استدعائهم الدفع ببطلان عملية البيع استنادا لمقتضيات الفصل 476 من ق م م الذي يستوجب استدعائهم في العشرة أيام الأخيرة لوقوع السمسرة.
لكن على ما يبدوا أن اعتماد المدين المحجوز عليه عدم احترام المقتضيات القانونية بشان التبليغ كأساس للطعن ببطلان عملية السمسرة، وضع جعل محاكم الموضوع تفرض رقابة مشددة على إجراءات البيع القضائي، حيث تستلزم وجوب احترام القواعد القانونية المتعلقة بهذا الإجراء ساعية بذلك إلى ترسيخ الحماية الزائدة للمدين المحجوز عليه.
و بالتالي فإذا كان المنفذ عليه أكثر الأشخاص الذي يتمسكون بوجود اخلالات شكلية في إجراءات البيع فان ذلك لا يعني إن الدائن المتضرر محروم من التماس الطعن ببطلان السمسرة بعلة عدم كفاية وسائل الإشهار مما نتج عنه عدم تقديم أية عروض تناسب القيمة الحقيقية للعقار و بالتالي عدم خلق تنافسية اكبر أثناء المزايدة، و من بين الدفوعات المثارة و الرامية إلى إبطال عملية البيع الدفع المتعلق بعدم مطابقة ما ورد بدفتر التحملات مع الوضعية الحقيقية للعقار.
الفقرة الثانية: العوارض الموضوعية
على غرار خرق القواعد الإجرائية لبيع بالمزاد العلني للعقار يترتب عن خرق و إخلال بقواعدها الموضوعية إمكانية المطالبة بإبطال عملية السمسرة و إعادتها من جديد، و يشترط لصحة البيع بالمزاد العلني توفر الشروط اللازمة لصحة التعاقد، و بالتالي فان كل بيع لم تحترم بشأنه هذه الشروط يكون باطلا و من أهم هذه الشروط الأهلية حيث إن ثبوت رسوا المزاد على شخص عديم أو ناقص الأهلية يكون مبررا حتما ممن تضررت مصالحه للمطالبة ببطلان السمسرة، و بالإضافة إلى ذلك و تأسيسا على المصداقية المفترضة في البيع القضائي، فان المشرع ارتأى منع بعض الأشخاص في حالات معينة من المشاركة في السمسرة و شراء العقار محل التنفيذ[45].
فالسماسرة و الخبراء لا يسوغ لهم أن يشتروا لا بأنفسهم و لا وسطاء عنهم العقارات التي يناط بهم بيعها أو تفويتها، و نفس الأمر يسري على المحامي الذي لا يسوغ له أن يقتني بطريق التفويت حقوقا متنازعا فيها آو القضايا التي يتولى الدفاع عنها، و هو ما أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها[46] التي جاء فيها: “حيث صح ما عابه الطالبون على القرارات ذلك انه بموجب الفصل 44 من القانون المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتاريخ 10/03/1993 فانه لا يجوز للمحامي في جميع الأحوال أن يقتني بطريق التفويت حقوقا متنازعا فيها ا وان يستفيد بأي وجه كان من القضايا التي يتولى الدفاع بشأنها”.
و تأسيسا عليه ففي حالة رسا المزاد على احد الأطراف المحظور عليهم شراء العقار محل البيع بالمزاد العلني فحالة الخرق هذه تخول لكل ذي مصلحة إمكانية المطالبة بإبطال السمسرة ما من شانه مراعاة المقتضيات القانونية فضلا عن تحقيق الشفافية في هذه العملية.
و الجدير بالذكر هل مشاركة احد الأطراف الممنوع من الشراء كناقص الأهلية مثلا يبرر بطلان السمسرة و لو لم يرسو عليه المزاد؟ في هذا الإطار فمادام البيع بالمزاد العلني يرتكز على مبدأ هام هو استقلال العروض عن بعضها فان بعض الفقه يذهب إلى أن بطلان احد العروض المقدمة بالمزاد لا يترتب عنه بطلان السمسرة طالما أن العرض الأعلى الذي رسا به المزاد صحيح و سليم، إلى جانب ذلك فان ثبوت وقوع الخطأ في المزايدة بسبب التدليس أو الغش يعتبر مبررا للمطالبة بإعادة السمسرة[47].
وانطلاقا من أن موضوع هذه الدعوى قد يكون طعنا منصبا على الجوانب الشكلية لمسطرة المزايدة او تمسكا بمبررات موضوعية تنازع في قيام البيع ووجوده، فان أهم الآثار القانونية المترتبة عن بطلان السمسرة هو إرجاع الأطراف إلى المركز القانوني الذي كانوا عليه قبل مباشرة الإجراءات الباطلة، لذلك فالتصحيح او الإرجاع ينصرف إلى إعادة الإجراءات بطريقة نظامية وفقا لمقتضيات قانونية سليمة طبقا للفصل 486 من ق م م، ففي هذه الحالة يحق للمشتري استرداد الثمن و المصاريف التي أداها غير أن ما من شان هذا الإبطال تجريد الحماية القانونية التي تكفل له استرجاع الأموال التي سبق له أن دفعها لذلك فان جبر الضرر اللاحق بالمشتري بالمزاد يقتضي في نظرنا قبل البث في الدعوى التأكد من إن ثمن البيع مازال مودعا بصندوق المحكمة، و عند الاقتضاء إلزام المدين المدعي بإيداع قيمته لدى صندوق المحكمة حتى إذا قضت ببطلان البيع فان المشتري بالمزاد يعوض عن فقدان ملكية العقار بإمكانية استرداد الثمن الذي دفعه فضلا عن المصاريف التي سبق له أداها.
أما في حالة السحب من طرف الدائن أو تم توزيعها يعين الدائنين فان له الرجوع عليهم في إطار مسطرة الإثراء بلا سبب و التي تتوافر شروطها في هذه الحالة[48]، لذلك فان مراعاة المشروعية و تحقيق العدالة بين المصالح المتعارضة لأطراف التنفيذ ينبغي إلا يقوض أركان مبدأ استقرار المعاملات عن طريق المساس بالحقوق المكتسبة للمشتري بالمزاد.
و ما دام الحديث ينصرف الى إبطال عملية البيع بالمزاد العلني فانه لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن إلغاء السند التنفيذي الذي على أساسه بوشرت إجراءات التنفيذ، يفرغ هذا الأخير من قوته التنفيذية و يؤدي لزوما إلى إبطال عملية البيع لان التنفيذ في هذه الحالة يفتقر لأساس مشروعيته استنادا للقاعدة القانونية إلغاء “الحكم بعد تنفيذه أثره إعادة الحال الى ما كانت عليه قبل التنفيذ و هو ما يسمى في لغة التنفيذ بالتنفيذ العكسي” و يبرر بالتالي إعادة الخصوم إلى ذات المراكز القانونية التي كانوا عليها قبل السمسرة[49]، و يستلزم في هذه الوضعية إعادة مطابقة المركز القانوني للأطراف و خاصة المحجوز عليه مع الحالة الواقعية و هو الجانب الأكثر صعوبة خاصة إذا خضع العقار لتصرفات مادية و قانونية أثرت في وضعيته القانونية، الأمر الذي يستتبع بالضرورة الوقوف عند موانع إرجاع الحالة إلى ما كنت عليه خاصة إذا اقترن الإرجاع بالمساس بحقوق الاغيار حسني النية،
وبالتالي فالعقار قد يعرف خلال الفترة الفاصلة بين إرساء المزاد و صدور الحكم حكم بالبطلان أو قرار بإلغاء أو نقض السند التنفيذي عدة تغييرات سواء في وضعيته القانونية عبر التصرف فيه ببعض التصرفات المادية من بناء أو هدم و غيره أو قانونية كالبيع أو المقايضة.
و اعتبارا لكون هذه التصرفات قد تشكل مانعا من إرجاع الحالة إلى ما كنت عليه مما يحيلنا إلى التساؤل عن ماهية هذه الموانع التي تحول دون إرجاع الحالة إلى ما كنت عليه؟ هناك حالات متعددة يتعذر معه وجودها إعمال أحكام إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه فمنها ما هو قانوني كصدور قرار بتحفيظ العقار بعد إرساء المزاد متى كان الحكم بإلغاء السند التنفيذي منصبا على عقار غير محفظ أو بنزع ملكية العقار من اجل المنفعة العامة كما ترد هذه الموانع أيضا على تلك الواقعية و التي تجد أساسها في الواقع المادي الذي يكون عليه العقار عند المبادرة الى المطالبة بإرجاع الحالة إلى ما كنت عليه و الذي يتعذر او يستحيل معه إرجاع الوضع إلى سابق حالته و من ذلك مثلا دخول العقار ضمن صبيب النهر أو بحره.
خلاصة:
من خلال ما سبق معالجته على مستوى جميع مراحل هذا المقال المتواضع، نجد أن هناك اهتمام من قبل المشرع المغربي لمثل هذه الإجراءات والمساطر المتبعة، حيث نجد سند ذلك من خلال الترسانة القانونية والمتمثلة في قانون المسطرة المدنية، قانون التحفيظ العقاري، ثم قانون الحقوق العينية،…الخ.
وفي معرض حديثنا عن تلك الإجراءات نلاحظ أن كثرتها أدت إلى مزيد من التعقيد والبطء، – تجب الإشارة إلى أنه من الصعب الحديث عن كل المراحل بتفصيل الشيء الذي سعيت من ورائه تحديد أهم المحاور فتجاوزي للبعض منها ليس نقصانا من قيمتها بقدر تأكيدي على غاية المشرع من سن كل هذه الإجراءات -، مادام أن العقار له أهمية قصوى في المجال الاقتصادي لأي بلد لذلك المشرع عمد إلى إحاطة مسطرة الحجز التنفيذي للعقار بجملة من الضمانات الإجرائية لم ينص على مثلها في أي وسيلة من من وسائل التنفيذ الأخرى.
ويظهر لنا أن مسطرة البيع الجبري للعقار تعاني الكثير من الغموض والنقص أدى إلى تضارب كبير في العمل القضائي بين مختلف محاكم المملكة، بل الأمر لم يسلم منه حتى محكمة النقض الذي لا يكاد يستقر على تجاه مدة من الزمن حتى يغير اتجاهه هذا ويسير في اتجاه مناقض للأول. وكل ذلك ساهم في تأخير تصفية الملفات التنفيذية مما يؤثر على مصداقية الأحكام وهبة القضاء من جهة، وعلى فاعلية الرهن الرسمي كضمان بنكي من جهة أخرى.
ويمكن القول أن كل ذلك راجع الى قصور بعض النصوص القانونية المنظمة للبيع بالمزاد العلني، إذ ترك مجموعة من الثغرات الذي أبانت عليها الممارسة القضائية التي بقيت هي الاخرى عاجزة تجاه ترسيخ اجتهادات ترفع اللبس عن النصوص القانونية، وتعيد لها بريقها وكفالة للراسي عليه المزاد حقوقه، كما ان غموض بعض النصوص القانونية وعدم دقتها وسكوتها في احيان اخرى من شأنه الاحجام عن المشاركة في البيع بالمزاد العلني من خلال الاثار المترتبة عنه، لذلك كان بالاولى من المشرع الى فتح مجال تدخل الدائن في مباشرة البيع بالمزاد العلني على النحو الذي يتقلص معه مجال التدخل القضائي في الاجراءات وينحصر فقط في المراقبة والبث في العوارض المثارة، من خلال إعداد دفتر التحملات وتبليغه الى المدين والدائنين، وجعله من اختصاص الدائن طالب التنفيذ مع تقييد تلك الاجراءات باجال سقوط.
- بالإضافة إلى وضع إطار قانوني دقيق خاص بممارسة هذا النوع من البيع او ما يسمى بمؤسسة التنفيذ يحدد اختصاصاتها بشكل يتلاءم وتلك الجسامة التي تقع على عاتق مؤسسة التنفيذ.
- وضع اطار قانوني خاص بانجاز الخبرة في اطار البيع بالمزاد العلني بمنأنى عن الاطار المنظم لها باعتبارها اجراء من اجراءات التحقيق.
- اعتماد بعض الضمانات لجدية المتزايدين تتمثل في وضع كفالة مالية او بنكية يتم الرجوع اليها.
- تقوية دور المحامي في البيع الجبري والذي من شانه العمل على سلامة الاجراءات كإلزامية تقديم المزايدة بواسطته
- التنصيص على مقتضيات تشريعية تقضي باستيفاء مصاريف التنفيذ من حصيلة البيع عوض تركها على عاتق الراسي عليه المزاد.
الهوامش:
[1] الفصل 1241 من قانون الالتزامات والعقود.
[2] : المزاد العلني : كيف يتم إقامة المزاد العلني وكيف يتم البيع عن طريقه مقال منشور بموقع https://www.ts3a.com/?p=28814
[3]– قرار عدد 2929 الصادر بتاريخ 03/04/1998، في الملف المدني عدد 5782/97 –أوردته كلثوم الناصري، الحجز التنفيذي العقاري، قواعده وإجراءاته، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة التكوين والبحث في القانون المدني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء، السنة الجامعية 1998/1999، ص 95
[4] حكم المحكمة الابتدائية بمراكش صادر بتاريخ 30/5/2006 في الملفين المضمومين 461/09/2005 أورده يونس الزهري، الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي، ج 2 المطبعة والوراقة الوطنية ، طبعة 1، سنة 2007 ص 188
محمد اوغريس: “الخبرة القضائية في ميدان حوادث الشغل”. مقال منشور بجريدة العلم، عدد 16997 بتاريخ 19/11/1996.[5]
[6] قرار صادر عن محكمة النقض رقم 230، صادر بتاريخ 13 شتنبر 2000، ملف عدد 190/2/2/95، منشور بمجلة المناهج، العدد المزدوج ¾، 2003، ص: 213
[7] المادة 135: “للمحكمة عند الإقتضاء أن تحكم بندب خبير واحد أو ثلاثة”
قرار صادر عن محكمة النقض رقم 230، صادر بتاريخ 13 شتنبر 2000، ملف عدد 190/2/2/95، منشور بمجلة المناهج، العدد المزدوج ¾، 2003، ص: 213.[8]
[9] المادة 146 من قانون الإثبات المصري.
[10] قرار رقم 26 صادر بتاريخ 29 مارس 1978، منشور بمجلة القضاء والقانون
[11] محمد الكشبور: “القسمة القضائية في القانون المغربي”. الطبعة الثانية، 2011، ص: 171.
[12] قرار محكمة الإستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 4 دجنبر 1954.
[13] ينص الفصل 127 من ق.م.م على أنه: “يمكن للخبير وللترجمان وللأطراف التعرض على الأمر الصادر بتقدير الأتعاب خلال عشرة أيام من التبليغ أمام رئيس المحكمة الإبتدائية، لا يقبل الأمر الصادر في هذا التعرض الإستئناف”.
[14] عبد العالي حفيظ العمل القضائي في الحجز التنفيذي، الطبعة الاولى 2010، ص 193
[15] جاء ذلك بكيفية واضحة وصريحة ضمن مقتضيات الفصل 57 من قانون المسطرة المدنية ونصه كالآتي: “يتم استعمال المبالغ المودعة بواسطة كتابة الضبط تحت مراقبة القاضي، ولا تسلم المبالغ المودعة من أجل أداء الأجور ومصاريف الخبراء والشهود في أية حالة مباشرة من الأطراف إليهم. يشطب على الخبير المسجل في الجدول الذي تسلم المبالغ مباشرة من الأطراف”
[16] نموذج 60033م/90.
المادة 15 من القانون 81.03 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين.[17]
عبد العلي حفيظ، الحجز التنفيذي العقاري، اطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، السنة الجامعية 2008/2009 ص 82.[18]
عبد العلي حفيظ، الحجز التنفيذي العقاري، م س، ص 82[19]
[20] تنص الفقرة 2 و3 من الفصل 61 من مرسوم 17/12/1968 على أنه “في حالة عدم الأداء بعد مرور خمسة عشر يوما، فإن الإنذار المذكور ينشر ست مرات طيلة الستة أسابيع الموالية لتقييده في إحدى جرائد الإعلانات القانونية الصادرة بالدائرة الواقعة فيها الأملاك، ويعلق الإعلان عنه مرتين تفصل بينهما مدة خمسة عشر يوما.
ويباشر هذا الإعلان في قاعة المحكمة التابع لها المكان الذي يجب أن يقع فيه البيع وفي الملك إذا كان الأمر يتعلق بعقار مبنى.
ويبلغ الإعلان الأول في ظرف ثمانية أيام إلى المدين والدائنين المقيدين بالمكان المعين للمخابرة معهم في الدائرة الموجودة فيها العقارات مع إنذارهم بالاطلاع على كناش التحملات. وبعد مرور خمسة عشر يوما على استكمال هذه الإجراءات، يباشر البيع بالمزاد بمحضر المدين أو بعد استدعائه قانونيا أمام المحكمة الواقعة بدائرتها الأملاك كلها أو جلها.
المادة 414 من قانون المرافعات المصري [21]
[22] تنص المادة 44 من المرسوم عدد 936-2006 على أنه:
“Au plus tard le cinquième jour ouvrable suivant l’assignation délivrée au débiteur saisi, le créancier poursuivant dépose au greffe du juge de l’exécution un cahier des conditions de vente comportant l’état descriptif de l’immeuble et les modalités de la vente. Il y est joint la copie de l’assignation délivrée au débiteur et un état hypothécaire certifié à la date de la publication du commandement de payer valant saisie.
Le cahier des conditions de vente contient, notamment, à peine de nullité :
1° L’énonciation du titre exécutoire en vertu duquel les poursuites sont exercées ;
2° Le décompte des sommes dues au créancier poursuivant en principal, frais et intérêts échus ainsi que l’indication du taux des intérêts moratoires ;
3° L’énonciation du commandement de payer valant saisie avec la mention de sa publication et des autres actes et jugements intervenus postérieurement ;
4° La désignation de l’immeuble saisi, l’origine de propriété, les servitudes grevant l’immeuble, les baux consentis sur celui-ci et le procès verbal de description ;
5° Les conditions de la vente judiciaire et la mise à prix fixée par le créancier poursuivant ;
6° La désignation d’un séquestre des fonds provenant de la vente ou de la Caisse des dépôts et consignations, consignataire des fonds.
[23] وهي المدة التي يحتفظ من خلالها التقييد في نظام الشهر المصري بصلاحيته، خلاف القانون المغربي، حيث لايؤثر الزمن على صحة التقييدات.
[24] منقول من الموقع الالكتروني : http://huissier.ahlamontada.net/t9-topic اطلع عليه يوم 09/06/2018 على الساعة 15.25
[25] المادة 417 من قانون المرافعات المصري، والمادة 689 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي
[26] تقوم مؤسسة القرض المقبولة للتمكن من بيع العقار المرهون بتوجيه إنذار إلى المدين بواسطة مكتب التبليغات بالمحكمة المختصة.وتبلغ كتابة الضبط هذا الإنذار الموضوع طبقا للفصل 205 من الظهير الشريف الصادر في 19 رجب 1333 ( 2 يونيو 1915) بتحديد التشريع المطبق على العقارات المحفظة وذلك قصد تقييده في السجل العقاري بمكتب المحافظة على الأملاك العقارية الواقعة الأملاك في دائرتها، ويعتبر الإنذار المذكور وحده بمثابة حجز عقاري خلافا للقواعد المتعلقة بالتفويض في الاختصاص بميدان الحجز العقاري.وفي حالة عدم الأداء بعد مرور خمسة عشر يوما، فإن الإنذار المذكور ينشر ست مرات طيلة الستة أسابيع الموالية لتقييده في إحدى جرائد الإعلانات القانونية الصادرة بالدائرة الواقعة فيها الأملاك، ويعلق الإعلان عنه مرتين تفصل بينهما مدة خمسة عشر يوما.
يونس الزهري، الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي، مجلة محاكم مراكش، العدد المزدوج الرابع والخامس، 2006، ص 211.[27]
قرار عدد 1021 بتاريخ 22/09/2004 في الملف التجاري عدد 833/3/2/2003 مجلة القضاء والقانون، عدد 152، ص 169، ومايليها.[28]
قرار عدد 842 بتاريخ 25/10/2005 ملف عدد 185/05 [29]
قرار محكمة النقض عدد 1004 بتاريخ 21/03/2007 في الملف عدد 1175/1/1/2006 [30]
محمد سلام، تحقيق الر هن الرسمي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 1، 2002.[31]
عبد الحق صافي، القانون المدني، العقد، الكتاب الاول، تكوين العقد، الجزء الاول، مط النجاح، الدار البيضاء، ط 1 ص 134 وما يليها.[33]
الفصل 45 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، والفصل 481 من ق ل ع[34]
[35] Article 72 Décret n°2012-783 du 30 mai 2012 Ne peuvent se porter enchérisseurs, ni par eux-mêmes, ni par personnes interposées :
1° Le débiteur saisi ;
2° Les auxiliaires de justice qui sont intervenus à un titre quelconque dans la procédure ;
3° Les magistrats de la juridiction devant laquelle la vente est poursuivie.
المادة 311 من القانون المدني المصري[36]
المادة 95 من مدونة التجارة[37]
الفقرة الثانية من الفصل 485 من ق م م [39]
[40] قرار محكمة النقض عدد 836 بتاريخ 22/02/2011 ملف رقم 1881/1/1/2009، منشور بالموقع الالكتروني www.mahkamaty.com اطلع عليه بتاريخ 25/06/2018 على الساعة 16.00
أحمد النويضي: القضاء المغربي واشكلاات التنفيذ الجبري للاحكام، مطبعة الكتاب، فاس 1995، ص 170[41]
المادة 451 من قانون المرافعات المصري[43]
قرار محكمة النقض عدد 1240 بتاريخ 24/02/1998 منشور بالمجلة الاخبارية لمحكمة النقض، سنة 2000، ص 8[44]
عبد العزيز توفيق، شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، ج2، مط النجاح الجديدة، ط 2، سنة 1998، ص 331[45]
قرار محكمة النقض عدد 1998 بتاريخ 06/7/2005 اودره يونس الزهري، م س، ص 274[46]
اسماعيل ابراهيم الزيادي، التنفيذ العقاري، مطبعة روز اليوسف الجديدة، م غ م، ط 1997 ص 305[49]