العقار المهمل وأثره على النظام القانوني للرسم العقاري
الأستاذ مبارك اسباغي محافظ ممتاز سابقا وموثق حاليًا.
مقدمة:
تعد ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير من الظواهر التي أسالت الكثير من مداد الباحثين ونالت حصة كبيرة من النقاش، لأنها تفشت بشكل خطير وضربت الأمن العقاري في الصميم، لذلك كان لابد من التصدي لها استعجالا بعد معرفة الأسباب ومنابع الخلل والثغرات التي أصبحت القوانين غير قادرة على ردعها وسد الباب في وجهها.
ولما وصل صداها إلى أعلى مستوى، تدخل جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، فراسل وزير العدل سنة 2016 برسالة يحثه من خلالها على اتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل الوقوف على مواطن الخلل وإيجاد حلول ناجعة، والضرب على أيدي الذين تورطوا في مثل هذه العمليات المربحة والمدرة لأموال طائلة نتيجة الزور والتزوير في وثائق وسندات مكنتهم من الإستفادة بطرق غير شرعية من تمليك عقارات أو المساهمة في تفويتها للغير، والتي نتج عنها جني الثروات دون رقيب أو حسيب.
واستجابة للتعليمات الملكية السامية تكونت لجنة ضمت ممثلي عدة وزارات حيث انكبت على التشخيص والإحصاء والدراسة والتحليل واتخاذ القرارات المناسبة، وخلصت اللجنة إلى حرصها وإلحاحها على سن قوانين جديدة تسد الباب في وجه كل من خولت له نفسه الغوص في هذا الميدان والإستفادة من ثغرات القوانين المعنية والمتجاوزة جزئيًا على مستوى بعض التصرفات.
وبالفعل تم تعديل مجموعة من النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع، بهدف معالجة الوكالات العرفية الخاصة منها والعامة التي أصبحت خاضعة للشكلية المحددة في المادة الرابعة من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، وتمت أيضا معالجة الشركات المدنية العقارية بجعلها خاضعة لقانون جديد أشد صرامة وحرصا على سلامة الأمن التعاقدي والأمن العقاري، وهي كلها قوانين استهدفت التصدي لحالات التزوير والتدليس وتضييق الخناق على ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير.
وبالموازاة مع هذه التدابير المهمة تم إحصاء العقارات المملوكة للأجانب من جهة والأملاك المهملة من جهة أخرى، وتبعا لذلك جاء في تصريح السيد وزير العدل بتاريخ 17 – 09 – 2018 بأن العقارات المهملة في المغرب يبلغ عددها 8299 عقارا حسب تقرير اللجنة المكلفة بتتبع موضوع الاستيلاء على عقارات الغير، وأنه تم القيام بعملية جرد للعقارات المهملة بتنسيق بين وزارة الداخلية والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، حصرت من خلالها اللجان المحلية بمختلف العمالات والأقاليم بالمملكة عدد العقارات المهملة في 8299.
وبعد إحالة ملف جرد هذه العقارات على مصالح المحافظة العقارية لتدقيقها، تبين أن لائحة العقارات المحفظة المهملة تضم 4037 رسما عقاريا، وأنه تم اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لحمايتها من خلال وضع تنبيه خاص يتضمن عبارة “عقار مهمل” بملف الرسم العقاري المعني، وكذا بقاعدة المعطيات العقارية المعلوماتية لدى المحافظة العقارية مع حث المحافظين على الأملاك العقارية بالاحتراز الشديد في دراسة المعاملات والبت في الطلبات التي ترد عليهم والمتعلقة بالعقارات المهملة. هذا هو مربط الفرس يعني تنبيه السادة المحافظين بأن هذه العقارات يجب التعامل معها بيقظة عالية وحيطة وحذر بمناسبة أي طلب يهدف إلى تفويت أو تعديل أو تغيير أو إسقاط لحق الملكية العقارية أو لحقوق عينية أو حقوق شخصية تهم العقار المهمل دون الخروج عن المعتاد من تحري ومراقبة وتدقيق قبل اتخاذ القرار المناسب.
وفي نفس السياق أصدر السيد المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية مذكرة إدارية عدد 02056 بتاريخ 15 فبراير 2017؛ يؤكد فيها على أن كل رسم عقاري يتضمن عبارة عقار مهمل في الملف الفرعي للرسم العقاري يقتضي من السادة المحافظين على الأملاك العقارية الاحتراز الشديد عند البت في الطلبات المقدمة إليهم بشأنه مع الحرص على مراقبة السندات المؤيدة لها، واتخاذ كافة الإجراءات التي تمكنهم من التأكد من صحة وسلامة تلك السندات في إطار المقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
ولا شك أن هذا الإجراء المتخذ من الجهات المعنية يتميز بالعديد من الإيجابيات الرامية إلى حماية الملكية العقارية وتحقيق الأمن التعاقدي والأمن العقاري بالخصوص، ذلك أن تضمين الرسم العقاري إشارة خاصة تحت عبارة ” عقار مهمل ” إجراء يترك أثرا سلبيا في نفس المتربص بالعقار ويجعله يتخذ خطوة للوراء، بل قد ينصرف تركيزه عنه، خاصة وأنه في الغالب ما يكون ذي تجربة أو على معرفة تامة بالقانون. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى نجد في هذا الإجراء حماية للمالك الحقيقي للعقار من خلال إخباره بالشك الذي يحوم حول عقاره وبضرورة الانتباه واليقظة بشأنه.
وبمقابل هذه الإيجابيات التي يتمتع بها هذا الحل النسبي في حماية الملكية العقارية؛ فقد أفرز موضوع العقارات المهملة العديد من الجوانب السلبية، من أهما أن هناك من اعتبره مسا بالملكية العقارية لأن المالك حر في عقاره ولا وجود لقانون يجبره على التواجد به ولا إقحام أي إشارة غير واردة في القانون على رسمه العقاري. بل هناك من ذهب بعيدا واعتبره خرقا لنظام التحفيظ العقاري وضربا لأسسه ومبادئه.
تأسيسا على ذلك، فقد أفرز هذا الموضوع جملة من الإشكاليات على الصعيد العملي، والتي يمكن اختزالها فيما يلي:
ما هي الطبيعة القانونية لمفهوم العقار المهمل في ظل قانون التحفيظ العقاري؟ وما هي الآثار المترتبة على الإشارة لعبارة عقار مهمل في الرسم العقاري؟
وتتفرع عن هذا الإشكال الرئيسي مجموعة من الأسئلة الفرعية أهمها:
متى يتخذ العقار صفة عقار مهمل؟ وكيف يتعامل المحافظ على الأملاك العقارية مع هذا المفهوم الغامض ذي الآثار المعقدة والخطيرة أحيانا؟ وكيف يتوصل عون السلطة على أن العقار مهمل؟ وهل يمنع التصرف فيه ؟ وهل يبقى العقار مهملا حتى ولو ظهر مالكه؟ وهل الإشارة إلى عقار مهمل في الرسم العقاري لا يمكن للمحافظ محوها؟
إلى غير ذلك من الأسئلة العديدة التي يطرحها الموضوع.
تتطلب معالجة الإشكالية التي يطرحها الموضوع التطرق بداية للطبيعة القانونية للعقار المهمل ( الفقرة الأولى)، تمهيدا لتحديد مختلف الآثار المترتبة على الإشارة لعبارة العقار المهمل في الرسم العقاري ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تحديد الطبيعة القانونية لمفهوم العقار المهمل
من المعلوم أن العقار في المغرب باعتباره عنصرا من عناصر الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي يتميز بالتعدد والتنوع الذي لا يشكل إشكالا في حد ذاته، وإنما طريقة تدبيره هي الإشكال ذاته، فهناك الأملاك الخاصة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين؛ والأملاك العامة للدولة وأملاكها الخاصة، ثم العقارات الوقفية، وأراضي الجماعات السلالية، وأراضي الجيش، والأملاك الغابوية؛ وغيرها من الأنظمة العقارية الخاصة. بيد أنه مهما تعددت الأنظمة العقارية وتنوعت فإنها تكون إما عقارات محفظة أو في طور التحفيظ يسري عليها قانون التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية، أو عقارات غير محفظة خاضعة هي أيضا لمدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد بشأنه نص في المدونة، فإذا لم يوجد نص فيهما معا يتم الرجوع للراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي.
فمن خلال استقراء مختلف النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع لا نجد أي إشارة لمفهوم العقار المهمل ولا نصا قانونيا يؤطر هذه المسألة. لذلك لابد من تحديد مفهومه وبحث طبيعته القانونية.
فالعقار المهمل لغة هو العقار المتروك، غير المستعمل، لا قيمة له، غير معتنى به.
أما في الاصطلاح الواقعي – وليس الاصطلاح القانوني- لأنه لا وجود لمفهوم العقارات المهملة في قانون التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية؛ فيمكن تعريفه بكونه ذلك العقار الذي لم يتم استغلاله مدة طويلة من الزمن لسبب من الأسباب، كبقاء مالكه مجهولا أو توفى ولا يعرف له وارث، أو غائبا لم يترك وكالة، سواء كان المالك مغربيا أو أجنبيا.
يتضح من خلال هذا التعريف بأن إضفاء الصفة المهملة على عقار معين مسألة واقع من الصعب جدا التأكد منها قانونا، لأنها تتطلب توفر مجموعة من الشروط الموضوعية الواقعية، والتي تتمثل فيما يلي:
أولا: عدم استغلال العقار أو استعماله أو التصرف فيه:
فلكي يعتبر العقار مهملا من الناحية الواقعية لا القانونية لأن نظام التحفيظ العقاري لا يقبل هذا الوصف، يجب أن يتخذ العقار موقفا سلبيا وأن لا تنهض أحد العناصر المحددة في المادة 14 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، والتي تقضي بأن حق الملكية العقارية يخول مالك العقار سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق. بمعنى أن عدم استعمال العقار واستغلاله والتصرف فيه سواء بنفسه أو بواسطة الغير كالوكيل أو المكري أو الحارس، قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس على أنه مهمل. ولكن الصعوبة هنا تتجلى في الأراضي العارية، كيف يمكن اعتبارها عقارات مهملة؟ وهل يمكن اعتبار العقار في طور التحفيظ مهملا؟ وماذا إذا توصل المحافظ على الأملاك العقارية بلائحة صادرة عن وزارة الداخلية تعتبر عقارا ما قدم بشأنه مطلب التحفيظ مهملا؟ وهل يؤسس المحافظ رسما عقاريا يحمل عبارة عقار مهمل أم يراسل وزارة الداخلية لإصدار الإذن بإزالة الإشارة؟ وما العمل إذا كان المحافظ بصدد تقييد عملية من العمليات التي تنصب على الرسم العقاري وتبين له بأن آخر تقييد حديث من حيث الزمن مع توصله بورقة من وزارة الداخلية تثبت بأن العقار مهمل؟ فهل يقوم بإعمال سلطته التي يستمدها من القانون ويستبعد تلك الإشارة؟ أم ينتظر مراسلة من وزارة الداخلية تفيد بأن العقار غير مهمل؟ وإذا توصل برسالة تفيد بأن العقار غير مهمل، ألا يكون هناك تناقض في القرارات؟ أي وجود عقار مهمل من الناحية الواقعية، بينما العقار غير مهمل من الناحية القانونية.
ومهما يكن، إن هذا الشرط غير كاف لوحده، أي عدم استعمال العقار واستغلاله والتصرف فيه، وإنما لابد من تحقق شرط ثاني يتمثل في بقاء العقار على الوضع السابق، أي بقاء عناصر الحيازة الفعلية في وضعية سكون مدة معينة من الزمن.
ثانيا: استقرار الوضع السلبي للعقار مدة طويلة من الزمن
وهذا الشرط بديهي يتطلبه المنطق والواقع، لأن عدم استغلال العقار بواسطة مالكه أو من يقوم مقامه واستعماله والتصرف فيه بحد ذاته لا يشكل إهمالا للعقار، لأن المالك حر في ذلك من جهة، كما قد تفرض عليه بعض الظروف عدم القيام بذلك من جهة أخرى، كالسفر أو المرض وغيرها من العوائق والأسباب.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي المدة التي يترتب عن انصرامها اعتبار العقار مهملا؟ الأمر هنا موكول للسلطة التقديرية للجهة الإدارية المشرفة على البحث الميداني.
وحتى يتم التحقق من الشرطين السالفين لابد من القيام ببحث معمق من قبل الجهات المختصة قانونا.
ثالثا: وجوب إجراء بحث معمق
إذا افترضنا افتراضا؛ أنه تم التأكد من العناصر الواقعية التي تضفي على العقار الوصف المهمل، وكذا المدة المحددة لها والتأكد منها ومعاينتها بكافة الطرق التي من شأنها إزالة كل شك أو لبس. وهي مهمة سهلة تقتضي معاينة العقار واستفسار الجيران والتأكد من مسألة وجود حارس من عدمه، ومعاودة القيام بهذه الإجراءات على فترات متباعدة زمنيا وفي أوقات مختلفة. كل ذلك بالتنسيق أو بعدم التنسيق مع وزارة الداخلية والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. فهل جميع العقارات التي أشير بشأنها في الرسوم العقارية على أنها مهملة تم التأكد منها وفق الشروط والضوابط الكفيلة باعتبارها مهملة؟ أم أن الأمر يتعلق بمجرد معاينات سطحية سريعة؟ الجواب على هذا السؤال تملكه الجهة المكلفة بالبحث الميداني.
وبعد أن يتم التأكد والتثبت من أن العقار مهمل من الناحية الواقعية، تحرر بشأن هذه العملية لائحة تتضمن الإشارة إلى أن العقار مهمل، ثم تحال على المحافظة العقارية المختصة مكانيا للعمل على وضع إشارة في الرسم العقاري موضوع العقار المهمل.
بالوصول لهذه المرحلة يكون دور وزارة الداخلية قد انتهى بشكل لا رجعة فيه قطعا، ويتعين حسب اعتقادي وما يبدو هو الصواب على السادة المحافظين على الأملاك العقارية أن يتعاملوا مع هذا المعطى بما يتمتعون به من صلاحيات وسلط تجد مصدرها في قانون التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية، دون الرجوع لوزارة الداخلية بوجه عام، لأن دورها هنا ينحصر في مجرد تقديم مساهمة في شكل بيانات وأخبار يمكن تكييفها على أنها إنذارات تخدم مصلحة المالكيين الحقيقيين ومصلحة المحافظة العقارية في أفق الحد من ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، ويشكل الرجوع لها في هذه الحالة مسا وخرقا واضحا بنظام التحفيظ العقاري. هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية، نجد بأن هذا ما وقع حقيقة لما رفضت السلطة المحلية الاستجابة لطلب يفيد بأن العقار غير مهمل مبررة موقفها بأن مهمتها انتهت بوضع لوائح لعقارات مهملة حسب تحرياتها، وأنها لا يمكنها اتخاذ قرارات مخالفة، لأن هذه العقارات لازالت على حالتها كليا أو جزئيا.
وإذا أردنا تعميق النقاش أكثر، فإنه يجب التساؤل بخصوص الآثار القانونية الناجمة عن الإشارة لعبارة عقار مهمل بالرسم العقاري؟ بمعنى الدخول في صلب قانون التحفيظ العقاري.
الفقرة الثانية: الآثـار المترتبة عن الإشارة لعبارة عقار مهمل في الرسم العــقاري
منذ البداية نؤكد على أن كلمة ”عقار مهمل” تعتبر مجرد تنبيه للسادة المحافظين لاتخاذ الحيطة والحذر كلما توصلوا بعملية تنصب على عقار مهمل؛ أي عقار يبدو وكأن لا مالك له، علما أن العقار المحفظ لا يهمه الوجود الجسدي لمالكه بحيازته الفعلية والسكن فيه أو التجارة فوقه أو داخله أو حراسته، أي العبرة في العقار المحفظ بالحيازة القانونية لا المادية كما أكدت على ذلك محكمة النقض في العديد من القرارات.
إن نظام التحفيظ العقاري يحمي الحق ويحصنه وكل شخص مقيد كمالك له حر في حيازته واستغلاله والإستفادة منه، سواء كان دارا أو متجرا أو ضيعة أو أرضا عارية، ويمكنه كذلك التخلي عنه والإبتعاد عنه وسده وهجره وعدم زيارته دون تخوف من فقدان عقاره بفضل الحماية التي توفرها له المحافظة العقارية.
ولا يكون لكلمة عقار مهمل أدنى أثر ووجودها كعدمها، إلا إذا تبين من خلال بحث مكثف وتحري على مستوى المحافظة العقارية بأنه بالفعل لا وجود لمالك العقار المهمل على المستوى الداخلي أو خارج أرض الوطن. ويقتضي المنطق في حالة التأكد من طرف المحافظ العقاري أن العملية المراد تقييدها سليمة شكلا ومضمونا، أن يقوم بتقييدها واستبعاد كلمة عقار مهمل من ملف الرسم العقاري دون المطالبة برسالة أو إذن أو ترخيص من القائد مصدر لائحة العقارات المهملة، فإذا طلب المحافظ هذا الإجراء معناه أن العقار المهمل ممنوع من التصرف فيه إلى حين رفع اليد عنه، كأنه تحت العقل القضائي. لذلك علينا الرجوع إلى الصواب واعتبار كلمة عقار مهمل مجرد تنبيه لا يغير شيئا من التصرفات المعروفة ولا يشل حركة العقار إطلاقًا.
وفي حالة ما إذا اتخذ المحافظ قرارا إيجابيا بالتقييد أو التشطيب، فإنه تلقائيا وفي نفس الوقت تصبح كلمة عقار مهمل لاغية، ولا تستوجب أي إجراء يهدف إلى إزالة هذه الكلمة.
ومما يزيد الأمر تعقيدا؛ عندما يطلب المالك من السلطة الترابية المحلية منحه رسالة تبطل الرسالة الأولى وتمكن المحافظ من التخلص من هذا البلوكاج والعرقلة، فإنه في غالب الأحيان لا تستجيب السلطة المحلية للطلب؛ وتصرح بأن مهمتها انتهت ولا يمكن لها تغيير هذا الوصف على العقار المهمل، لأن تغييره في هذه الحالة يبقى من اختصاص المحافظ العقاري دون مراسلتنا أو طلب إذننا بهذا الخصوص.
من الناحية القانونية؛ مثل هذا الإجراء قد يعقد مهمة المحافظ ويجعله في حيرة من أمره، هل عليه تقييد هذه المراسلة طبقًا للفصول 65 و 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله بالقانون 14 – 07، وهذا إجراء يتناقض كل التناقض مع قانون التحفيظ العقاري، وهل بالإمكان إدماجه ضمن الفصول المذكورة أعلاه ؟ بالفعل لا يمكن ذلك، مما يدل على أن الإجراء الذي قامت به وزارة الداخلية مجرد إخبار المحافظ العقاري الذي يبقى مسؤولا عن تصرفاته ومنها قبول أو عدم قبول أي إجراء أو تصرف في العقار المهمل. وحتى وإن كان مهملا، أين هو المشكل طالما أن مالكه موجود لأنه مقيد كمالك له ولو كان غائبا أو ميتا.
فإذا كانت كلمة عقار مهمل تعني بأن العقار لا مالك له، وهنا ينهض قانون التحفيظ العقاري في وجه من يدعي أن العقار المحفظ لا مالك له، لأنه ليس هناك قانون ولا منطق يجعلان من العقار المهمل عقارًا ناقصًا أو معتلًا أو بدون مالك له، ذلك أن نظام التحفيظ العقاري لا يقبل مثل هذه التحريات والتأويلات.
وحتى لو افترضنا بأن عقار ما تم وصفه بالمهمل، فالعبرة بالمحافظة العقارية لا بالمعاينة الميدانية، لأن هناك العديد من الفيلات والشقق والقطع الأرضية مهجورة. أين هو الضرر؟
مؤخرًا أخبر مالك قطعة أرضية مسيجة بأن عقاره يعتبر عقارا مهملا، وبمجرد سماعه الخبر استشاط غضبا وصرخ قائلا: ” وهل هناك قانون يرغمني أن أتواجد في أرضي العارية؟ ”.
يتضح من خلال هذا الجواب بأن هذا الشخص لا يتقبل ما سمعه رغم أن الهدف من الحملة التي تلت الرسالة الملكية السامية هو حماية المالكين الحقيقيين من حرمانهم من ممتلكاتهم إلى حين ظهورهم للدفاع عن عقاراتهم.
عموما؛ إذا اعتبرنا بأن ما قامت به السلطات الترابية؛ وهي مشكورة طبعا على مع قامت به، لا يرقى إلى قرار أو منع أو قانون، فإن السادة المحافظون العقاريون مدعوون إلى اتخاذ التدابير اللازمة والتصرف في حدود قانون التحفيظ العقاري كلما تبين لهم أن الأمر لا خطورة فيه على مسؤوليتهم، ولا نظن أن السادة المحافظون يعتبرونه أمرا ملزما لهم لأن نظام التحفيظ العقاري يعلو ولا يعلى عليه.
ومن باب التحصيل الحاصل؛ يجب أن لا نعتبر هذا الإجراء تقييدا له أثره المنشئ وقوته الثبوتية التي تغل أيادي مالكي هذه العقارات المهملة، وتشل كذلك أيادي السادة المحافظين، كما لا يمكن تصور رفع اليد عن كلمة عقار مهمل أو التشطيب عليها، لأن التشطيب يقتضي التقييد، أي محو آثار التقييد السابق.
وإذا كانت الإشارة لعبارة عقار مهمل في الرسم العقاري الأم وتم تأسيس رسوم عقارية فرعية، فهل كلمة عقار مهمل تنتقل إلى هذه الرسوم العقارية الفرعية في إطار التجزئة أو الملكية المشتركة، أم أنه يتم الاستغناء عن هذا الوصف ومحو كل آثاره من البيانات المعلوماتية؟ هذا من جهة أولى. ومن جهة ثانية؛ فإذا تم تفويت العقار المهمل أو جرى رهنه أو انصب عليه حجز تحفظي، فهل المحافظ مسؤول عن وضعية العقار المهمل بعد أن قبل المسؤول بتغير معطيات الرسم العقاري للملك المهمل؟
إن العقار المهمل يبقى رسمه العقاري متمتعا بكل مقوماته ومواصفاته كباقي الرسوم العقارية الأخرى، كما لا يطاله التقادم، وحتى في حالة وفاة مالكه تحتفظ المحافظة العقارية بمالكه إلى حين إيداع رسم إراثة الهالك المقيد. وهذا على خلاف الأمر بالنسبة للعقار غير المحفظ الذي يمكن أن ينتج عن إهماله ضياع حق مالكه الذي غاب عن عقاره واختفى لزمن طويل، لأن العقار غير المحفظ تسري عليه الحيازة الفعلية ومن الممكن أن يكتسب بالحيازة إذا توفرت شروطها القانونية.
وهكذا نستنتج بأن الهدف من جرد العقارات المهملة المحفظة بالخصوص، وكما جاء على لسان وزير العدل آنذاك، ومذكرة السيد المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية هو حرص السادة المحافظين ويقظتهم وتمعنهم ومراقبتهم المشددة كلما كان بين يديهم قضايا تتعلق بعقارات مهملة. بمعنى عليهم الزيادة في اللإحتراز، ومؤدى ذلك أن هذه الرقابة لا تخرج عن مقتضيات الفصول 72 و 74 و96 و97 من ظهير التحفيظ العقاري؛ لأن المسؤولية واحدة لا تختلف ولن تتغير أبدا سواء كان العقار مهملا أو غير مهمل، فلا فرق بينهما.
اليوم يتخوف المواطنون من شراء عقار مهمل كما لا يمكن رهنه لفائدة المؤسسات البنكية لاعتقادهم بأن العقار لا مالك له أو به مشاكل قانونية، وبالتالي لا يمكن المغامرة في شرائه أو رهنه، الأمر الذي يشكل عرقلة حقيقية للاستثمار العقاري.
إن عدم إخبار العموم بهذه الإشارة أفضل من معرفة أنهم بصدد التعامل مع عقار مهمل سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لأن هذه الطريقة لا تخدم مصلحة أطراف المعاملة العقارية، على اعتبار أن الهدف من هذا التنبيه كما سبق التأكيد على ذلك؛ هو إخبار السادة المحافظين دون إمكانية إيصاله إلى علم العموم مادام أن هذا الإجراء ينحصر نطاقه وتتحدد غايته في تنبيه السادة المحافظين بشكل داخلي وليس علنيا. ويترتب عن علم الناس به إثارة الهلع والاضطراب في النفس وينتج عنه ضرر لمالكي العقارات المعنية.
خاتمة:
من الإيجابي والمهم أن يقوم السيد المحافظ على الأملاك العقارية بمجرد توصله بلائحة جرد العقارات المهملة بوضع إشارة في الرسم العقاري تفيد بأن العقار مهمل، وهي عبارة عن ضوء أحمر لا أقل ولا أكثر، ينبه المحافظ بضرورة الاحتراز أكثر وتوخي الحذر وتكثيف وتدقيق كل عملية تتعلق به دون علم العموم بأن العقار مهمل، بمعنى أنه يجب التأكد من مالكه في حالة ما تم تقديم طلبات تقييد بشأنه.
وعلى هذا الأساس، لا تشكل الشارة الواردة في الرسم العقاري أي منع من التصرف أو قيد أو حجز ولا حتى بيان، ولا أثر لها على الرسم العقاري ووجودها كعدمها إلا من حيث دورها التنبيهي والاحترازي. وإذا تم تقديم طلب تقييد بشأن العقار موضوع الشارة المذكورة، فإن السيد المحافظ على الأملاك العقارية يقوم بممارسة صلاحياته التي يستمدها من القانون ولا داعي لانتظار مراسلة وزارة الداخلية لإزالة الإشارة، لأن هذه الأخيرة انتهت مهمتها بمجرد إحالة لائحة الجرد على المحافظة العقارية. ولا يمكن تصور الرجوع إلى الجهة المصدرة للائحة التي لا دخل لها فيما يتخذه المحافظ من قرارات إيجابية أو سلبية بخصوص العقار المهمل.
وفي الأخير يتمنى أطراف المعاملات والتصرفات العقارية توحيد منهجية العمل الإداري على مستوى المحافظات العقارية خدمة للصالح العام وسعيا في رقي وتعزيز المنظومة العقارية وحماية الملكية العقارية على مر العقود، واستتباب الطمئنينة في نفوس المغاربة والأجانب، وأن تضع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية حدا لهذا الجدل والغموض في مفهوم كلمة ”عقار مهمل”، والتي اتخذت نطاقا واسعا وتأويلا مجانبا للصواب ومخالفا لمضمون المذكرة الصادرة عن السيد المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية.