العدالة الرقمية من خلال مشروع استعمال الوسائط الالكترونية
الدّكتورة أمينة رضوان باحثة في العلوم القانونية
تعتبر التّكنولوجيا عملية شاملة تقوم بتطبيق العلوم والمعارف بشكل منظّم في ميادين عدّة لتحقيق أغراضٍ ذات قيمة عمليّة للمجتمع. و هي لا تختزل في استعمال الحاسوب و شبكات التواصل الاجتماعي وأجهزة التواصل الحديثة وإنما هي أسلوب تفكير يوصل الفرد إلى النتائج المرجوّة، أي إنّها وسيلة وليست نتيجة، وهي بذلك تشكل طريقة تفكير في استخدام المعارف، والمعلومات، والمهارات، بهدف الوصول إلى نتائج لإشباع حاجة الإنسان وزيادة قدراته (1) .
وقد تولّد عن ثورة تكنولوجيا المعلومات العديد من التطبيقات التي أثرت تأثيرا كبيرا في أوجه النشاط الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، كان من أهمها ظهور التجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والعدالة الإلكترونية.
وقد أسهمت التكنولوجية في رفاهية الانسان على مختلف المستويات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الطبية، و ظهرت الحاجة إليها بإلحاح في المجال القانوني مع تفشي جائحة كورونا كوفيد 19 في نهاية العام 2019 ، الذي فرض على جلّ دول العالم الاعلان عن حالة الطوارئ الصحية مع ما يترتب عنها من تدابير احترازية لمنع تفشي عدوى الفيروس القاتل. و في خضم ذلك أعاد المغرب طرح مشروع يتعلق باستعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية.
ويقصد ب”العدالة الإلكترونية” أو “العدالة الرقمية” استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تحقيق الولوج المستنير لمرفق العدالة وتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين في الميدان القانون والقضائي من قضاة ومحامون وكتاب ضبط (2) .
و المحكمة الالكترونية من حيث مفهومها هي البيئة التي تتحقق فيها خدمات المواطنين واستعلاماتهم وتتحقق فيها الأنشطة التابعة للدائرة المعنية من دوائر المحكمة بذاتها أو فيما بين الدوائر المختلفة باستخدام شبكات المعلومات والاتصال عن بعد (3) .
والمغرب مسايرة منه للترسانة القانونية العالمية جاء بمشروع استعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية، الذي له راهنيته وأهميته ضمن الترسانة التشريعية للمغرب خاصة أن الظرفية الحالية تطلّبت التقاضي عن بعد ، و هو مشروع قانون ذو حمولة قانونية قضائية ومهنية، فضمان العدالة كان ومازال وسيظل الهدف المنشود من قبل كل التشريعات عبر العالم، أما عن نجاعة التقاضي عن بعد فهي الهدف المنشود والغاية المعقودة التي طرحت بإلحاح في ظل أزمة جائحة كورونا.
ولتتبع وفهم أي مشروع للقانون علينا أن نستحضر مرجعياته وأسباب نزوله لفهم محتواه، ولعل ذلك يجد ضالته في إطار المجهودات المبذولة لاستكمال ورش تنزيل مشروع المحكمة الرقمية بكل وسائلها اللوجيستيكية ، وقد ابتدأ التفكير في ذلك منذ ظهور المعاملات الالكترونية التي أصبحت واقعا يفرض نفسه في الحياة العملية.
إن التعديل الذي تم بمقتضى مشروع القانون الصادر المتعلق باستعمال الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية، همّ بالخصوص الفصل 31 مكرر، والباب الأول مكرر من القسم الثالث، وبالفصل 339-1 و بالفصل 432-1
و بقراءة مضامين هذا المشروع نجده:
– جاء بعدة مؤسسات ومصطلحات تحتاج إلى تحديد المقصود منها، مثل: “النظام المعلوماتي”( الفصل 31_1 من الباب الأول من المشروع)، “قاعدة البيانات الالكترونية”، “المنصة الالكترونية ” ( الفصل 41-3 من الباب الأول مكرر من المشروع)، “قاعدة المعطيات الرسمية”، “الحساب الالكتروني” ‘الفصل 41_4 من الباب الأول مكرر من المشروع)، “العنوان الالكتروني” ( الفصل 41_7 من الباب الأول مكرر من المشروع)، “عملية التبادل اللامادي “( الفصل 41-1 من الباب الأول مكرر من المشروع)، “العنوان الالكتروني الرسمي”، “الحساب الالكتروني المهني” ( الفصل 41_7 من الباب الأول مكرر من المشروع)، “قاعدة المعطيات المركزية”، “الإيداع الالكتروني”، “الأداء الالكتروني” التي وردت في باقي الفصول، دون تحديد المقصود منها و لا إعطاء تعريف لها. وهنا يجب على المشروع رفع اللبس عنها من خلال إفراد مواد تحدد ماهيتها ، باعتبار أن مهمة المشرّع في العصر الحديث لم تعد تتحدد في وضع التشريع فقط و إنما أصبح يتدخل لإفراد تعاريف لمصطلحات دقيقة ، تفاديا لأي لبس أو تشابه بينها و بين غيرها من المصطلحات المشابهة لها أو التي قد تختلط بها.
– لم يحدد المشروع الجهة المسؤولة عن الحماية التقنية للمعطيات ذات الطابع الشخصي للمتقاضين، مع العلم أن المقال الافتتاحي للدعوى يتضمن بيانات شخصية خاضعة للحماية بموجب القانون 08.09 المتعلق بمعالجة المعطيات ذات الطابع ذات الطابع الشخصي.
– لم يحسم المشروع في مسألة “التقاضي الالكتروني” و إنما زاوج بينه و بين “التقاضي التقليدي”، عندما سمح بقبول صور المستندات في الاجراءات التي تتم عبر الوسائط الالكترونية و في الوقت ذاته لم يمنع من تقديم أصل المستند متى كانت هناك ضرورة (أنظر الفصل41-2 من الباب الأول مكرر من المشروع) ، و كأننا به يسهر على حماية حقوق المتقاضين تحسبا لعدم مواكبة الأجهزة القضائية لنظام الوسائط الالكترونية في التقاضي. و نفس الشيء عندما سمح للأطراف بالحصول ورقيا على النسخ العادية و التبليغية و التنفيذية للأوامر و الأحكام و القرارات القضائية (الفصل 41-9 من الباب الأول مكرر من المشروع) و نفس الأمر نسجله عندما ترك الحرية للأطراف في الاختيار بين التبليغ العادي أو التبليغ عبر العنوان الالكتروني، وذلك عندما سمح للمحكمة أن تأمر عند الاقتضاء بتبليغ الاستدعاء بواسطة أحد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الادارية أو بأيّة وسيلة أخرى للتبليغ (أنظر الفصل37 من الباب الأول مكرر المشروع). بالإضافة إلى سنّه لمؤسسة الحفظ الالكتروني للأحكام في النظام المعلوماتي مع الاحتفاظ بمؤسسة الحفظ الورقي وتجليدها دوريا قصد تكوين سجل منها ( أنظر الفصل 346 من الباب الأول مكرر من المشروع)، و إجازته اعتماد رئيس الهيئة و القاضي المقرر عن تصدير الأحكام الخيار بين التوقيع اليدوي أو الالكتروني( أنظر الفصل 50 من الباب الأول مكرر من المشروع).
_ لم يحسم المشروع في مجموعة من المسائل و أرجأها إلى حين صدور نص تنظيمي ، و الحال أنها من المسائل الأساسية التي يجب أن ينص عليها في صلب التشريع الأساسي لا النص التنظيمي، و مثاله ما جاء في الفصل 41-4 من الباب الأول مكرر من المشروع ،عندما ترك تحديد الكيفيات التقنية لتدبير و استعمال الحساب الشخصي المهني لنص تنظيمي.
– ألزم المشروع بمقتضى الفصل 41_3 من الباب الأول مكرر من المشروع كلاّ من المحامين والمفوضين القضائيين والخبراء والادارات العمومية بضرورة الإدلاء بحساباتهم الالكترونية لاعتمادها في التبليغ، وذلك لضبط هذه المهن القضائية والاستفادة من دورها في الرفع من جودة الإجراءات الالكترونية. إلا أنه لم يشر إلى مسألة من الأهمية بمكان، و هي تحديد المسؤول في حال عدم توصل هذه المؤسسات بالتبليغ عبر بريدها الالكتروني، بسبب ضعف أو انقطاع شبكة الاتصال. مما قد يفوّت الحقوق على أصحابها. كما تطرح مسألة واقعية تثار بالنسبة للمحامين، باعتبار أن هناك العديد من النقابات يوجد بها محامون لا يتوفرون على مقرات ومكاتب لممارسة مهنة المحاماة، ليثار التساؤل هل من شأن إلزامية البريد الالكتروني للمحامي حل مشكل تبليغ هذه الفئة، من جهة، أو التشجيع على هذه النوعية من الممارسات.
– متّع المشروع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية ومستخرجات النظام المعلوماتي المحفوظة بقاعدة المعطيات المركزية للتبليغ الالكتروني، بنفس حجية الاثبات التي تتمتع بها الوثيقة الورقية ( انظر الفصل 41/2 من الباب الاول مكرر من المشروع) تأسيسا على القانون رقم 35.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية ، شرط تضمينها وجوبا تاريخ وساعة التبليغ والعنوان الالكتروني للمبلغ اليه، وذلك بهدف السير إلى محكمة بلا ورق.
– اعتمد المشروع على مؤسسة التوقيع الالكتروني كآلية جديدة في توقيع الأحكام للرفع من جودتها وصيانتها من أي تزوير ( أنظر الفصل 50 من الباب الأول مكرر من المشروع). دون تحديد الوسائل اللوجيسيكية لتسهيلها و اعتمادها.
– جاء المشروع في أحكامه متعارضا مع بعض القوانين كقانون المسطرة المدنية، عندما اعتد بنسخ الوثائق في الاثبات و يظهر ذلك من خلال نص الفصل 41-2 من الباب الأول مكرر من المشروع، الذي أجاز قبول صور المستندات في الاجراءات التي تتم عبر الوسائط الالكترونية و لم يقبل اعتراض الخصم لهذه المستندات المقدمة على أساس أنها مجرد صور. و هو ما يتعارض مع نص الفصل 440 من قانون الالتزامات و العقود الذي لا يعتد الا بأصول الوثائق أو النسخ طبق الأصل منها جاء في الفصل : ” النسخ المأخوذة عن أصول الوثائق الرسمية و الوثائق العرفية لها نفس قوة الاثبات التي لأصولها، إذا شهد بمطابقتها لها الموظفون الرسميون المختصون بذلك في البلاد التي أخذت فيها النسخ. و يسري نفس الحكم على النسخ المأخوذة عن الأصول بالتصوير الفوتوغراقي”
– أورد المشروع تعديلات لقانون المسطرة المدنية و لقانون المسطرة الجنائية، و الحال أن هذه قوانين قائمة الذات و يجب أن يطرح تعديلها داخل قوانين الأصل التي نشأت فيها. ومثال ذلك بالنسبة للقانون الأول يبرز من خلال المادة الثانية من المشروع التي نصت على نسخ و تعويض أحكام الفصول 33 و 37 و 51 و 53 و 141 و 330 و 332 و 528 من الظهير الشريف رقم 1.74.744 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، كما يبرز أيضا من خلال المادة الثالثة من المشروع التي نصت على تغيير و تتميم أحكام الفصول 31 و 32 و 46 و 50 و56 و 83 و 142 و 159 و 209 و 329 و 345 و 346 و 355 و 356 و 362 و 441 و 455 و 474 و 493 من نفس الظهير. و مثاله بالنسبة للقانون الثاني يظهر من خلال المادة الثانية من الباب الثاني من المشروع القاضي بتغيير و تتميم أحكام المواد 24 و 66 و 80 و 139 و 308 و 325 و 351 و 365 و 421 و 654 و 670 من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255 بتاريخ 25 من رجب 1423 (03 أكتوبر 2002)
_أغفل المشروع تحديد الجزاءات الجنائية المترتبة عن خرق الأحكام المضمنة بالمشروع ، خاصة أنه ستطفو على السطح جرائم مرتبطة بالقانون نفسه من جرّاء اختراق المواقع الإلكترونية للمحاكم و انتهاك التوقيع الإلكتروني و انتهاك التحويل الإلكتروني للأموال فيما يتعلق بأداء الرسوم القضائية. مما يجعل هذا القانون فارغا بمحتواه أمام غياب نصوص زجرية تكفل احترام أحكامه.
– لا يمكن اعتبار مسودة مشروع استعمال الوسائط الالكترونية كاملة، على اعتبار أن المشروع شمل مسائل أفرزتها الظرفية الحالية و لم يتطرق لمجموعة مسائل في انتظار استكمالها للإجابة على مجموعة من التساؤلات و الاشكاليات.
وفي انتظار استكمال المشرّع للترسانة القانونية لمشروع استعمال الوسائط الالكترونية في التقاضي، فإن الظرفية الحالية أظهرت الحاجة الماسّة إلى المحكمة الرقمية انسجاما مع الثورة التكنولوجية التي جاءت بالتجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني و غيرها، و مسايرة أيضا للظروف التي حتّمها انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 الذي فرض التقاضي عن بعد، حيث عرفت بلادنا لأول مرة في تاريخ العدالة المغربية هذه التجربة التي لا يمكن وصفها إلا بالرائدة. وهي تجربة كانت لها ايجابياتها على مرفق العدالة بصفة عامة، من حيث زيادة قدرة المحاكم على توفير المعلومات والخدمات بسهولة، والتقليل من التزاحم البشري الذي تكتظ به المحاكم، وتحقيق مبادئ الشفافية الكاملة للحصول على الخدمات وصولا إلى تحقيق النزاهة الإلكترونية ورعاية المواطن وحوسبة الإدارات التابعة للمحاكم.
الهوامش
- http://www.mawhopon.net/?p=7619
- ذ. الخامس فاضيلي – العدالة الرقمية من النظرية الى التطبيق. الرابط
- ذ محمد الطراونة. الرابط
تعليقات 0