الــتعويض عــن الــضرر الــجنسي
الطاوسي حسن باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة محمد الأول وجدة
يمكن تصنيف الأضرار المعنوية بوجه عام إلى أضرار ناجمة عن المساس بالسلامة الجسدية وأضرار مترتبة عن المساس بحقوق شخصية. وبما أن الدراسة لا تنصب على الضرر المعنوي، فإننا ستكتفي في هذا الصدد بالحديث عن الصنف الأول من الأضرار المعنوية لعلاقتها المباشرة بالمساس بالسلامة الجسدية.
والضرر المادي حسب التعريفات المعتمدة فقها وقضاء يمثل افتقارا ماديا يلحق الذمة المالية للشخص المضرور، في حين أن الضرر المعنوي هو ضرر يصيب الشخص في شعوره أو سمعته أو كرامته([1]).
وإذا كان ظهير حوادث السير الصادر في 2 أكتوبر 1984 أغفل مجموعة من الأضرار التي كان عليه الإشارة إليها، فإننا آثرنا الاقتصار على ضرر معنوي لم يشمله الظهير المذكور ويتعلق الأمر بالضرر الجنسي.
والضرر في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب أضرارا به وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل.
هذا هو نص الفقرة الأولى من الفصل 98 من ق.ل.ع، فإلـى أي حد تحقق هذه الفقرة كفاية تشريعية بالنسبة لقضاة الموضوع في تقديرهم للضرر المادي بوجه عام؟
باستقراء مقتضيات الفقرة السالفة الذكر يتضح أن الضرر الواجب التعويض هو الضرر الحال والضرر المستقبلي، وسبب تعويض الضرر المستقبلي حسب بعض الفقه([2]) هو وجود أدلة تؤكد على وقوعه في المستقبل لا محالة.
وعلى العموم، فإن فقه المسؤولية يؤكد أن الضرر القابل للتعويض هو الضرر المباشر والحال والمحقق، إلا أن المؤكد أيضا أن المباشرة خاصية تجسد علاقة السببية بين الخطأ والضرر والآنية خاصية مستقلة، بمعنى أن الضرر المستقبلي يمكن التعويض عنه إذا كان محققا، وهو ما عبر عليه المجلس الأعلى بقوله: “أن الضرر الذي يحق للشخص أن يطالب برفعه هو الضرر المحقق بأن يكون قد وقع فعلا أو وقعت أسبابه وتراخت آثاره إلى المستقبل ولا عبرة لدى القاضي بالضرر الاحتمالي المبني على الوقائع التي قد تقع أو قد لا تقع”([3]).
والواقع، أن الضرر الجنسي من أهم الأضرار المسكوت عنها فقها وقضاء، فكيف يتم التقدير القضائي لهذا الضرر؟
إن الضرر الجنسي لا يختلف كثيرا عن ضرر التمتع بمباهج الحياة ذلك أن الجنس متعة من متعها، وهذا الضرر يتمثل في العجز البدني أو الكلي للضحية عن إقامة علاقة حميمية عادية وعن الإنجاب([4]).
وإذا كان ظهير حوادث السير لم يتطرق للتعويض عن الضرر الجنسي، فإن شركات التأمين تتحرج من الدفع بإقصاء هذا التعويض عند ثبوته بمقتضى خبرة طبية وتكتفي بتوجيه دفوعاتها نحو حصر دائرة المستفيدين من التعويض عن الضرر – وفقا للقواعد العامة – في المتضرر مباشرة من الحادثة، وهي الدفوع التي توقفت عندها المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء (عين الشق الحي الحسني) بالرد عليها بالقول: “حيث دفعت شركة التأمين بأن دعوى المدعية غير مقبولة على الإطلاق وأن ظهير 2 أكتوبر 1984 حدد أسس التعويض على سبيل الحصر وبصفة دقيقة، وأن الضرر الجنسي لا يمكن أن يتمسك به سوى ضحية الحادثة مباشرة، إلا أن العجز الجنسي الحاصل لزوج العارضة ألحق لا محالة ضررا بها، وبذلك فهي محقة في المطالبة بالتعويض عن هذا الضرر خاصة وأن ظهير 1984 الخاص بحوادث السير ترك المجال مفتوحا في إطار القواعد العامة للمسؤولية المدنية لمن تضرر بصفة غير مباشرة، الشيء الذي يتعين معه رد دفوعات شركة التأمين،
وحيث التمست المدعية الحكم لها بمبلغ 100.000 درهم كتعويض عن الضرر الجنسي وحرمانها من ممارسة حقها الشرعي والطبيعي، نتيجة تعرض زوجها لحادثة سير تسبب فيها المدعى عليه أفقدته قدرته على ممارسة حياته الزوجية بعد أن كان قادرا قبل ذلك على ممارستها بصفة طبيعية،
وحيث إن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية وبعد مراعاة سن الزوج أثناء وقوع الحادثة ومدى قدرته على ممارسة حقه الطبيعي ترى تحديد التعويض المستحق للمدعية عن الضرر اللاحق بها في مبلغ 40.000 درهم وإحلال شركة التأمين محل مؤمنها في الأداء مع الفوائد القانونية من تاريخ هذا الحكم طبق عقدة التأمين التي تربطهما والحكم بأدائها الصائر…”([5]).
أضف إلى ما سبق، أنه قد ينتج عن حادثة سير إصابة الجهاز التناسلي للضحية إصابة خطيرة تؤدي حتما إلى تعطيل إحدى الوظائف الهامة لهذا الجهاز، سيما إذا كان المصاب في مقتبل العمر، فيصاب بالعقم منذ ربيع شبابه فيستحيل عليه إذن أن ينجب ذرية مستقبلا مما يشكل بالنسبة إليه ضررا فادحا، وعلى القضاء أن يأخذ هذا الضرر على محمل الجد لتعويض المصاب وزوجه إن اقتضى الحال([6]).
وصفوة القول، فإن الضرر الجنسي سواء تعلق الأمر بالعجز عن إقامة علاقة جنسية عادية أو العجز عن الإنجاب يشكل موجبا للتعويض الذي يراعى فيه سن الضحية وسبقية الإنجاب، وإن كان ذلك لا يعني أن من كان متقدما في السن أو سبق له الإنجاب لا يعوض، وإنما يعني أن الظروف الشخصية والاجتماعية للضحية وكذا شريكه تؤخذ بعين الاعتبار عند التقدير.
ومن جهة أخرى، فإن الضرر الجنسي ليس بالضرورة أن يشمل كلا من العجز عن الممارسة الجنسية العادية والعجز عن الإنجاب، لأن كل عجز قد يستقل عن الآخر، فالشخص الذي يعجز عن الوطء ليس بالضرورة أن يكون عقيما نتيجة للفعل الذي لحق به، وهذا لا يعني أنه يتعين حرمانه من أي تعويض عن ضرر العجز عن الممارسة الجنسية العادية، فالأصل أن الإنجاب لا يتم إلا بالممارسة الجنسية العادية وكل ما دون ذلك لاسيما استعمال الطرق المخبرية أو ما يسمى بالتدخل الطبي يشكل ضررا في حد ذاته، وهو ضرر مادي (المصاريف الطبية) وضرر معنوي (العجز عن الإنجاب بطريقة طبيعية)، ونفس الأمر يصدق على المرأة كفاعل أصلي في العلاقة الجنسية العادية التي بطبيعة الحال لا تتصور إلا بين رجل وامرأة([7]).
وتجدر الإشارة إلى أن المرأة بفعل طبيعتها الفيزيولوجية قد تستحق التعويض عن ضرر جنسي قد لا يتصور استحقاق الرجل له إلا باعتباره شريكا في الممارسة الجنسية العادية، ويتمثل هذا الضرر في البرود الجنسي([8])، الذي قد لا يمنع المرأة في الغالب من الاستجابة لطلب شريكها والدخول بالتالي في علاقة جنسية باردة ستمتد برودتها حتما إلى شريكها فيكون ضرره ضررا مرتدا وضرر شريكته ضررا أصليا. وغني عن البيان أن استعانة المحكمة بخبرة طبية، عضوية ومخبرية ونفسية ستساعدها لا محالة في التعرف على الأبعاد الحقيقية للضرر الجنسي، وبالتالي إمكانية تقويمه النقدي في أبعاده الكلية.
وخلاصة ما سبق، فإن الضرر الجنسي شأنه شأن باقي الأضرار المعنوية بل أكثرها فداحة، إذ يجعل المصاب مصابا بالعقم منذ ربيع شبابه فيستحيل عليه إذن أن ينجب ذرية مستقبلا مما يشكل بالنسبة إليه ضررا فادحا، وعلى القضاء المغربي أن يأخذ هذا الضرر على محمل الجد لتعويض المصاب وزوجه إن اقتضى الحال.
الهوامش:
([1]) – توفيق المالكي: محاولة في تقعيد سلطة القضاء في تقدير التعويض، بحث في الأصول المرعية في جبر الضرر، رسالة نهاية التدريب في المعهد العالي للقضاء، فترة التدريب 2002-2004، ص:71.
([2]) – عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1964.، ص: 765
([3]) – قرار المجلس الأعلى رقم 21 الصادر بتاريخ 21/01/1976، في الملف عدد 46634، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 127، يناير 1978، ص: 71.
([4]) – Cité par: Le tourneau (P) et Cadiet (L), Droit de la responsabilité, Dalloz action édition 1998. p: 245.
أشار إليه، توفيق المالكي: مرجع سابق، ص: 91.
([5])- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية (عين الشق، الحي الحسني) تحت رقم 1404/91، بتاريخ 29 ماي 1991 في الملف المدني عدد 2382/89، منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 66، سنة 1992، ص: 255.
([6]) – محمد جلال: الأضرار التي أغفلها ظهير 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير، جامعة القاضي عياض، منشورات كلية الحقوق، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، ضحايا حوادث السير أية حماية، العدد 10، سنة 1998، ص: 70.
([7]) – تنص المادة الرابعة من مدونة الأسرة الصادرة بمقتضى الظهير 1.04.22 الصادر في 3 فبراير 2004 بتنفيذ القانون رقم 70.03، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 5 فبراير 2004، ص:418 على ما يلي: ” الزواج ميثاق ترابط وتراض شرعي بين رجل وامرأة …”.
([8]) – Cité par le Tourneau (P) et Cadiet, op.cit, P:245
أشار إليه، توفيق المالكي: مرجع سابق، ص:92.