الذكاء الاصطناعي يلج دهاليز المحاكم للبحث عن الحقيقة
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بنظام عصرى للإثبات فى المعاملات المدنية والتجارية، يتلخص فى الحديث النبوى الشريف المروى عن ابن عباس، رضى الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر”.
وفى القوانين الحديثة، نظم المشرع وسائل الإثبات فى المعاملات المدنية والتجارية، مبيناً القاعدة العامة فى هذا الشأن، وهى: «على المدعى أن يثبت حقه وللمدعى عليه نفيه». وتبين التشريعات المعاصرة الأدلة المعتبرة فى الإثبات، مميزة بينها فى الحجية والقوة، بحيث تنص أولاً على «الأدلة الكتابية»، وهى المحررات الرسمية والمحررات العرفية ودفاتر التجار. وتتناول التشريعات العربية بالتنظيم حالة إنكار الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الأصبع، وبحيث تقرر اتباع سبيل «تحقيق الخطوط» للوصول إلى الحقيقة. وبعد الأدلة الكتابية، تأتى شهادة الشهود فى حدود ونطاق معين. وتنص تشريعات الإثبات أيضاً على القرائن والأحكام القضائية التى حازت قوة الأمر المقضى. كذلك، يعتبر الإقرار القضائى حجة على المقر، ولا يقبل منه الرجوع فيه. وتجيز التشريعات المعاصرة أيضاً استجواب الخصوم وتوجيه اليمين، حيث يتم التمييز عادة بين اليمين الحاسمة واليمين المتممة. وتجدر الإشارة هنا إلى أحد الأحكام القانونية المقررة فى معظم التشريعات العربية، وهو أن «كل من وجهت إليه اليمين، فنكل عنها دون أن يردها على خصمه، وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها، خسر دعواه».
ومع ظهور الحاسب الآلى وشبكة الإنترنت، خرجت إلى الوجود «الكتابة الإلكترونية» و«المحررات الإلكترونية» و«السجلات والمستندات الإلكترونية»، بحيث قرر لها المشرع ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية، متى استوفت الشروط والأحكام المقررة فى قوانين المعاملات والتجارة الإلكترونية. ونعتقد بأن المستقبل سوف يحمل تغييراً فى طرق الإثبات، بحيث يتوارى دور الوسائل التقليدية، ومن بينها اليمين ومضاهاة الخطوط، ويتم الاستفادة من معطيات التكنولوجيا الحديثة فى الإثبات بدلاً من اللجوء إلى هذه الطرق التى تعتمد على العنصر البشرى والقناعات الشخصية ومدى صدق الشخص مع نفسه والتزامه أمام ربه. وفى هذا الصدد.
يبدو من الملائم الإشارة إلى أن علماء من جامعة كارديف البريطانية ابتكروا برنامجاً للذكاء الاصطناعى، يطلق عليه اسم (VeriPol)، للتعرف إلى الكاذب من تحليل خط يده.
ويستطيع أى مركز للتحقيق أو أى جهة خاصة أو رسمية تحميل هذا البرنامج الذى يحلل خط اليد على الورق، ويقارنه بالبيانات الأساسية فيه، المستقاة من آلاف «شهادات الزور» فى ملفات الشرطة عبر فترة لا بأس بها من الزمن، ليكتشف الشهادات الكاذبة والشهود الزور. ويؤكد الخبراء أن هذا البرنامج للذكاء الاصطناعى يعمل فى الكثير من الحالات أفضل من أجهزة كشف الكذب المستخدمة فى دوائر الشرطة والتحقيق. حقاً، إن الأيام القادمة حبلى بالكثير من التطورات والابتكارات، وينبغى على كل المهن والوظائف أن تكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع تحديات المستقبل. والله من وراء القصد…
مقالات متنوعة وثرية جزاكم الله عنا كل الخير
هل يمكن الاستفادة من هذا المقال بارساله على الايميل وجزاكم الله عنا كل الخير