حسن مزوزي: الحماية القانونية للمرأة المهاجرة
المحامي بهيئة القنيطرة
لا يختلف عاقلان في كون مدونة الأسرة شكلت نقلة نوعية في تشريعنا الوطني ليست فقط من حيث كونها أرست دعائم مرحلة واعدة في العلاقات الأسرية ببلادنا أو ما تضمنته من قواعد طورت من الوضعية القانونية للمرأة, بل لكونها أتت بمستجدات همت مقتضيات عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تلك التي تناولت وضعية جاليتنا بالمهجر. فبعد تزايد حجم الجالية المغربية المهاجرة وارتفاع عدد عقود الزواج المبرمة ببلد الإقامة، عمد مشرع مدونة الأسرة إلى تعميم الحكم المقرر في بعض الاتفاقيات التي كانت موجودة على جميع المغاربة المتواجدين في بلد أجنبي (فرنسا ومصر مثلا) وسمحت لهم بإبرام عقود زواجهم طبقا للإجراءات الشكلية المقررة في قانون بلد الإقامة فيها بالشروط المنصوص عليها في الفصلين 14 و15 من مدونة الأسرة؛ وهي توافر الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الاقتضاء وانتقاء الموانع وعدم النص على إسقاط الصداق وحضور شاهدين مسلمين. فيما نبهت مقتضيات الفصل 15 من المدونة على المغاربة الذين أبرموا عقود زواجهم طبق القانون المحلي الشكلي إلى وجوب إيداع نسخة من عقود زواجهم بمصالح القنصلية التابع لها محل العقد في أجل ثلاثة أشهر، وفي حالة عدم وجود هذه المصالح القنصلية فعليهم إرسال نسخة داخل أجل ثلاثة أشهر إلى الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية بالمغرب التي تتولى إرسال هذه النسخة إلى ضابط الحالة المدنية وإلى قسم قضاء الأسرة بالرباط وإلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط.
والجدير بالذكر أن مقتضيات الفصلين 14 و15 من المدونة وإن ساهما بشكل كبير في حل العديد من المشاكل الإدارية التي كانت تعترض جاليتنا إلا أن تطبيقهما اعترضته بعض العراقيل تمثلت بالخصوص في:
– طبيعة التعامل مع حضور شاهدين مسلمين المنصوص عليها في الفصل 14 كأحد شروط قبول الزواج المبرم في الخارج بين المغاربة المقيمين في الخارج أمام سلطات بلد الإقامة، وعدم استساغة هذا المقتضى لدى بعض ضباط الحالة المدنية في بلد الاستقبال؛ بل رفض بعض ضباط الحالة المدنية في بلد الإقامة حضور شاهدين ذكرين وأحرى الاعتماد على ديانتهم. فالإشكال المذكور كان بالإمكان تفاديه لعدم ضرورته ما دامت الفصول من 56 إلى 61 من مدونة الأسرة قد حددت حالات بطلان العقد أو فساده على الإخلال ببعض مقتضيات المادة 14 فقط، وهي الإيجاب والقبول وانتفاء الموانع والتصريح بإسقاط الصداق. وبالتالي لا يمكن الحكم ببطلان عقد الزواج أو فسخه إلا على الحالات المنصوص عليها حصرا في الباب الثاني من القسم الخامس من المدونة، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض واستقرت عليه. وما دام الاجتهاد القضائي يعتبر مصدر من مصادر القانون فالمفروض أن لا يشكل عدم حضور شاهدين مسلمين ذكرين مجلس العقد مشكلا بالمرة منذ بدء العمل بهذه المقتضيات ويتعين بالتالي رفع الكلفة عن جاليتنا بالمهجر.
– وجود صعوبات تتعلق بالتصديق على الوثائق ومنع آجال طويلة الأمد، وفي بعض الحالات إصدار قرارات بالرفض مشوبة بالشطط والتعسف في تطبيق القانون.
– بعض التعقيدات التي تعترض الجالية فيما يخص إبرام عقود زواجهم على مستوى القنصليات، خاصة غير الموجودة في مقر السفارات, فقد يضطر الراغب في الزواج إلى الحضور ثلاث مرات (لإيداع الوثائق, التوقيع على عقد الزواج ثم لتسليم العقد)؛ وذلك لضرورة احترام الإشراف الإداري. وهذا المشكل يمكن تفاديه دون تعقيدات تذكر ما دام الأمر من متعلقات التدبير الإداري التي يمكن رفعها عن طريق تنقل القاضي إلى مقر القنصليات بصفة دورية مثلا، لرفع الحرج عن الجالية المغربية هناك.
وإذا كانت مدونة الأسرة قد نجحت في تنظيم إبرام عقود الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين في الخارج فإنها لم تستشرف حلولا لمشاكل الجالية المغربية بعد إبرام عقد الزواج والتي برزت بالخصوص بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا وبعدها جائحة كورونا التي مازلنا نعيش أطوارها ولا نعرف مدى تأثيرها مادامت لم تضع أوزارها بعد, وهي مبررات تستدعي تدخلا تشريعيا من شأنه تطوير قانون الأسرة وإعادة قراءة الاتفاقيات الدولية بتحيين بعضها أو إبرام الجديد منها، لا سيما بعد التغيير الطارئ على هيكلة نظام العدالة بالمغرب بعد استقلال النيابة العامة عن سلطة وزير العدل.
إن المتتبع للشأن القضائي سيلاحظ لا محالة أن الاجتهاد القضائي لم يعمل على بلورة النصوص التي أتت بها المدونة كما كان متوقعا منه وقت تنزيل المدونة، وذلك بإبداع أحكام قضائية تسد الفراغ الموجود في بعض النصوص؛ بل إن بعض الاجتهادات شكلت نكسة بالنسبة للمطلقة, نذكر على سبيل المثال لا الحصر الزوجة التي ترفض التعدد عليها وتصبح طالبة للطلاق رغما عنها وتحرم من زوجها المصر على التعدد وتحرم من واجب المتعة (الفصل 45 من مدونة الأسرة). وإذا كان من الإنصاف الإشادة ببعض الأحكام القضائية فإن هناك ما بقي منها وفيا لروح مدونة الأحوال الشخصية القديمة (1957/1958) وحاد بالتالي عن الأهداف التي توخاها مشرع مدونة الأسرة، ناهيك عن الحيرة التي يعيشها المهاجر بين دوامة القانون الوطني وقانون بلد الاستقبال في ظل غياب قانون دولي خاص قائم بذاته, والحال أن اللجوء إلى قواعده تستعصي على المختصين أحرى أن نفترض معرفتها من قبل المهاجرة أو المهاجر المغربي هناك.
ومن بين الأمثلة التي ارتأيت بسطها في هذا الصدد والمتعلق بتطبيق مدونة الأسرة على المرأة المهاجرة أمام المحاكم المغربية:
1) حكم المحكمة الابتدائية بطنجة رقم 297 في الملف الشرعي 1359/1610/2017 بتاريخ 12-2-2018 .
تتلخص وقائع القضية في دعوى أقامها زوج مغربي يقيم في إسبانيا أمام المحكمة الابتدائية بطنجة يلتمس فيها الحكم على زوجته بالرجوع إلى بيت الزوجية وأجابت الزوجة بأنها فعلا من والدين مغربيين مهاجرين ازدادت بمدريد تعمل ممرضة ولم يسبق لها قط أن أقامت بالمغرب وأن لديها دعوى طلاق رائجة أمام القضاء الإسباني وأن دعوى المدعي هي تهرب من الدعوى المقامة هناك. أجرت المحكمة بحثا حضر الطرفان رفقة دفاعهما (كنت أنوب عن المدعى عليها)، المدعى عليها لا تتكلم جيدا اللغة العربية. تم الإدلاء بكل الوثائق التي تفيد وجود دعوى قائمة أمام محكمة مدريد. قضت المحكمة الابتدائية وفق طلب الزوج أي الرجوع إلى بيت الزوجية طبقا للفصل 51 من مدونة الأسرة التي تنص على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين من مساكنه شرعية ومعاشرة بالمعروف وو… فالحكم المذكور قضى في الحقيقة بالفصل 36 من مدونة الأحوال الشخصية 1957 – 1958 القديم الذي أعطى رعاية الأسرة للزوج، وتناسى أن الفقرة الثالثة من الفصل 51 من مدونة الأسرة تنص على الرعاية المشتركة للزوج والزوجة في تسيير الأسرة. فكيف يمكن إلزام زوجة لم يسبق أن أقامت بالمغرب على الرجوع إلى بيت الزوجية بالمغرب علما بأن الزوج ليس لديه بالمرة محل إقامة وإنما لجأ إلى هذه الدعوى نكاية بالزوجة؛ بل إن المحكمة لم تكلف نفسها عناء الإبداع واستحضار الهدف الذي من أجله تم تنزيل المدونة أو على الأقل إجراء بحث لمعرفة جدية طلب المدعي. وأعتقد أن النيابة العامة، التي تعتبر طرفا أصليا، معنية بعدم الاقتصار على ملتمس رامٍ إلى تطبيق القانون بل عليها أن تقوم بدورها الكامل في هدا الصدد؛ لأن مثل هذه الأحكام من شأنها خلق قطيعة مع الأجيال المقبلة مع الوطن. إلا أنه للإشارة فإن محكمة الاستئناف أعادت الأمور إلى طبيعتها، وقضت برفض طلب الزوج لوجود مسطرة رائجة أمام محكمة مدريد.
2) أمر السيد رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة عدد 576 بتاريخ 23-9-2020 في الملف ألاستعجالي عدد 537/1101/2020 .
وتتلخص وقائع القضية في مقال المدعية المطلقة التي تعيش بإيطاليا مع جميع أسرتها وتلتمس الحكم على زوجها بالإذن لها بإنجاز الوثائق اللازمة للحصول على تأشيره لابنها المحضون المتواجد بالمغرب المزداد في 26-1-2017، علما بأن الأب هو الآخر يتواجد في فرنسا ولا يود أساسا التواصل مع الأم المطلقة تخلف الزوج عن الحضور وقضت المحكمة وعن صواب بالإذن للمدعية بالسفر بابنها.
وفيما يخص المحاكم الأجنبية فإن أكبر معضلة تعترض الجالية المغربية في المهجر هي إشكال النظام العام الذي يصل حد عدم الاعتراف بالأحكام المغربية لدى بعض الدول كألمانيا مثلا إلا أن هناك من الأحكام الأجنبية التي تعتبر مجانبة للقوانين الدولية نفسها، على الرغم كونها لا تمس بالنظام العام من بينها قضية استشرت بشأنها من المحكمة العليا البريطانية والتي انتهت بطرد زوجة مغربية مكتسبة للجنسية البريطانية من بريطانيا رفقة أبنائها المزدادين بالديار البريطانية، على الرغم من وجود حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به بالمغرب يعتبر محل إقامتها ببريطانيا.. هذه القضية ومثيلاتها لا تترجم في الواقع الإشادة التي لقيتها المدونة من العالمين الأوربي والأمريكي.
3) الفراغ التشريعي الذي لوحظ أثناء الأزمة الذي ضربت أوصال أوروبا وهو فراغ ضرب الأسرة المغربية في المهجر في العمق وما زال يهددها في هذه العاصفة التي ضربت العالم بمآسي “كورونا” التي لم تفرز ضحاياها بعد. ولا يفوتني في هذا الصدد إلى الإشارة إلى أن هناك من الأسر المغربية من عاشت أوضاعا صعبة بأوروبا، خاصة في إيطاليا وإسبانيا بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية حيث كانت تتم مسطرة قضائية سريعة ينزع فيها الأطفال القاصرون من حجور أمهاتهم ويودعون بمراكز خيرية، وتبوء كافة المساعي المبذولة من قبل القنصليات والمحامين بالفشل في استرداد الأطفال لأسرهم، على الرغم من أن القرارات الصادرة في هذا الصدد ليست نهائية وقابلة للطعن؛ بل هناك حالة أسرة انتزع منها أبناؤها الأربعة وسلموا إلى عائلة إيطالية وتم رفض طلب الجد والجدة في استرجاع الأبناء رغم كونهم ميسورين ولديهم وضعية مستقرة. لقد كان الوضع آنذاك يجابه بإقرار المسؤولين بوجود فراغ لم يملأه التعاون القضائي المبرم بين المغرب والدولة الأجنبية لكونه لا يعالج قضايا نزع أطفال مغاربة فوق التراب الإيطالي مثلا وتسليمهم إلى مراكز إيواء أسر إيطالية. كما أنه لا توجد لجنة قضائية مشتركة بين المغرب وإيطاليا لإيجاد حلول لها، ناهيك على أن الاتفاقيتين الدولتين المتعلقتين الأولى بالمظاهر المدنية للاختطاف الدولي للأطفال المؤرخة في 25 أكتوبر 1980 التي دخلت حيز التنفيذ بالمغرب في فاتح يونيو 2010 والثانية المتعلقة بالاختصاص والقانون المطبق، والاعتراف والتنفيذ والتعاون في مادة المسؤولية الأبوية والإجراءات الحمائية للأطفال الموقعة في 19 أكتوبر 1996 والتي أصبحت نافذة في المغرب ابتداء من 1 دجنبر 2002 .كلاهما لا تتناولان مسألة نزع أطفال من ذويهم وتسليمهم إلى جهة ثانية بنفس البلد وإنما تعالجان قضايا نقل الأطفال من دولة الإقامة الاعتيادية للطفل إلى دولة أخرى متعاقدة أو عدم السماح برجوعهم إلى محل إقامتهم. كما أن المادة 4 من اتفاقية 19 أكتوبر 1996 تستثني من مجال تطبيقها مقرر التبني والإجراءات التمهيدية له وإلغائه وإعادة النظر فيه. وبالتالي, ففي غياب آلية قانونية (اتفاقية، لجنة استشارية مختلطة، لجنة قضائية مشتركة) واعتبارا لكون مثل هذه الحالة لا تشملها مقتضيات اتفاقيتي لاهاي المشار إليهما أعلاه… سيبقى الوضع كما هو عليه وتبقى الأسرة المغربية تواجه قدرها.
4) مقتضيات المادة 20 من المدونة التي نصت على أن الزوجين يكتسبان طبقا للمادة 20 من المدونة الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات؛ فالمقتضيات المذكورة حملت القاصرة، سواء المهاجرة أو غير المهاجرة، عبئا غير مستساغ بحيث جعلتها كاملة الأهلية حكما بالرغم منها, حتى أمام المحاكم في حالة نشوب نزاع مع الزوج، بل إن مشرع المدونة لم يمعن التفكير في الجانب السلبي لهذا النص. كيف لفتاه في سن أقل من 18 سنة أن تدافع عن نفسها أمام محكمة عندما تبوء العلاقة الزوجية بالفشل أمام المحاكم الوطنية فأحرى في المهجر؟ وأعتقد أن فيتو النظام العام أمام الزيجات المغربية في المهجر جد مبرر في هذه الحالة؛ بل إن القانون ظلمها بتزويجها دون سن الرشد وظلمها بافتراض أهليتها.
5) فيما يخص تنفيذ الأحكام الأجنبية وتذييلها بالصيغة التنفيذية في الخارج فهي أمور تحتاج إلى حلول جذرية تستحضر المعاناة التي تعترض المهاجرة والمهاجر لإبداع حلول لها وتساير المستجدات التشريعية على مستوى بلد الاستقبال (فرنسا نموذجا بالنسبة للتعديلات الواقعة في الطلاق) . أما بالنسبة لمجال تطبيق اتفاقية نيويورك المؤرخة في 20-6-1956 والتي انخرط فيها المغرب وصادق عليها سنة 1957 لوضع التدابير من أجل تسهيل عملية استيفاء النفقة اتجاه الملزم بدفعها الموجود بالخارج وكذا تذليل العراقيل القانونية والتطبيقية التي قد تحول دون تحقيق أهم مرحلة في الحكم وهي مسطرة التنفيذ, فهي الأخرى تعترضها نذكر منها على سبيل المثال:
– عدم العثور على المعنى بالأمر بدولة المدين.
– ازدواجية الأحكام بالنفقة بمقتضى حكم سابق صدر في الموضوع رغم أن الحكم السابق يقدم اللاحق.
– الحالة التي تكون فيها العملة المحكوم بها غير معروفة كم تساوي بالعملة المراد استخلاصها بدولة المدين، وأعتقد أن هذه الحالة يمكن مكاتبة مكتب الصرف.
– واجب السكن المحدد استقلالا وفق مدونة الأسرة وما إذا كان يدخل في النفقة حتى تشمله الاتفاقية والحقيقة أنه من مشمولات النفقة وتشمله الاتفاقية.
– وجود المدين بدولة أخرى غير متعاقدة أو منضمة للاتفاقية. وفي هذه الحالة يلجأ إلى الطرق الدبلوماسية أو اللجوء إلى المحكمة قصد الاستفادة من صندوق التكافل العائلي إن توفرت الشروط المتطلبة.
خاتمة:
إذا كان هاجس مشرع مدونة الأحوال الشخصية لسنتي 1957 -1958 هو تماسك الأسرة واستقرارها بدعم نموذج العائلة الأبوية؛ وهو استقرار كان على حساب حقوق المرأة باسم الدين وتارة أخرى باسم الأعراف والعادات, فإن مدونة الأسرة أملتها التحولات التي عرفها العالم وانخراط المغرب في الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى النهوض بأوضاع المرأة ووفاءا لتعهده الدستوري الذي يلزمه بملاءمة تشريعاته الأسرية مع الاتفاقيات الدولية بدل المطالبة بالعكس بعلة مفاهيم الهوية والثوابت وفي غياب مبادرة إيجابية من لدن القضاء في هذا الاتجاه.
ولعل أهم مكسب يتعين التقاطه هو كون مدونة الأسرة تم تنزيلها عبر القنوات التشريعية، رغم كونها من صلاحيات أمير المؤمنين؛ ذلك أن مدونة الأحوال الشخصية لسنتي 1957 -1958 وضعت قبل أن يكون للمغرب برلمان وأن التعديلات التي طالتها سنة 1993 كانت في فترة انتقالية وصدرت بمقتضى ظهير بمثابة قانون. وأعتقد أن هذه الحقيقة تشجع على فتح نقاش شجاع, هادئ ومسؤول تطبعه الواقعية والتبصر يؤطره خبراء يستحضرون كافة المعطيات التي تساعد على المضي قدما إلى الأمام بوضعية المرأة بصفة عامة المهاجرة وغير المهاجرة لاقتراح نصوص تنصف المرأة ودون خشية.
يتعين إيلاء التعاون في القضايا المدنية الأهمية المعطاة للقضايا الأمنية وإلزام الدول الأجنبية على احترام تعهداتها إسوة باحترامها للمجهود المغربي في المجال الأمني؛ ذلك أن الإرهاب والجريمة المنظمة تقتاتان من فشل الأسرة الخلية الأولى في المجتمع والتي هي أولى بمدونة ينخرط فيها الجميع باعتبارها شأنا مجتمعيا, حكومة وبرلمان وقضاء ومحامين وباحثين في كافة المجالات؛ فهناك من النصوص التي تضمنتها مدونة الأسرة لا ترقى إلى مستوى تراثنا الفقهي المغربي في العديد من الفتاوى والنوازل. نذكر على سبيل المثال مسألة اقتسام الأموال المنصوص عليها في الفصل 49 من المدونة والتي لم ترق إلى مستوى فقهائنا القدامى في الكد والسعاية الذي جعل من استثمار وتوزيع الأموال المكتسبة خلال الزواج جوهر النظام المالي في المغرب، أي اعتبار نظام الاشتراك في الاموال المشتركة المكتسبة هو القاعدة القانونية السائدة, وإذا ما رغب الأطراف خلاف ذلك يمكنهما الاتفاق علي ذلك. كما أن منظومة الطلاق تقتضي إعادة النظر فيها أمام وجود أكثر من 90 في المائة كلها شقاق, مع التشطيب على بعض الفصول التي لا مبرر لها وما أكثرها من قبيل الفصل 90 الذي ينص على عدم قبول طلاق السكران الطافح والغضبان إذا كان مطبقا, فما جدوى هذا النص ما دام الطلاق بيد القضاء؟ دون أن ننسى النص على قابلية الطعن في بعض المقررات من قبيل مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر والتعدد المادتين 20 و44 الذين يصدرهما القاضي بقرار معلل, فما جدوى قرار معلل إذا كان غير قابل للطعن؟ ثم ما جدوى الفصل 70 الذي ينص على أنه “لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو التطليق إلا استثناء, وفي حدود الأخذ بأخف الضررين، لما في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال”, ما محل هذا الفصل من الإعراب؟ كثيرة هي الأمثلة..
إن تنزيل تعديلات على نصوص المدونة تراعى حماية حقوق المرأة في المهجر من شأنه جعل المرأة المهاجرة قاطرة الإصلاح العام للمدونة, فالعالم أصبح قرية صغيرة وأي خلل ما في تطوير قانون الأسرة كفيل بإبعاد أبنائنا في المهجر.
وحتى لا نتسبب في قطيعة مع أبنائنا في المهجر، فلنتوكل على الله.