مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيالتصوير في المكان العام، وسؤال المشروعية؟

التصوير في المكان العام، وسؤال المشروعية؟

 طارق الدوخ أستاذ وباحث في الشؤون القانونية

بقدر ما أفادت ثورة الاعلام والاتصال الإنسانية وساهمت في رفاهيتها وارتقائها، بقدر ما أضرت بها وشكلت خطرا عليها، حيث أصبح الانسان اليوم أكثر تهديدا في أدق أمور حياته اليومية وأنشطته المعتادة نتيجة الانتشار الواسع للوسائل التكنولوجية ذات الجودة والدقة العاليتين، والتي بفضلها أضحى التقاط صور الغير من مسافة بعيدة وفي أمكنة مختلفة أمرا متاحا لمستعمليها.

أمام هذا التزايد الكبير لتداول صور الغير داخل العالم الأزرق والتشهير بهم، بادر المشرع المغربي، على غرار باقي التشريعات المقارنة الأخرى، إلى سن مجموعة من المقتضيات القانونية لبسط حماية كافية على هذا الحق، وذلك من خلال قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي دخل حيز التنفيذ 13 شتنبر 2018.

إٍذا كان المكان الخاص يشكل مناط حماية الحق في الصورة ضمن التشريع الوطني طبقا لمقتضيات الفصول 1-447، 2-447، 3-447 من القانون الجنائي، فهل يعني ذلك أن تواجد الشخص في مكان عام يفيد بالضرورة أنه تنازل عن حقه في صورته؟ بتعبير آخر هل يعد التقاط صورة الغير في مكان عام أمرا مباحا ومشروعا أم أن ذلك يشكل مساسا وانتهاكا لحق هذا الشخص في صورته؟

يعتبر المكان العام كل مكان متاح للجميع دون الحصول على إذن أحد، حيث يكون الولوج إليه بشكل دائم دون أي شروط معينة. إنه المكان الذي يسهل ارتياده من قبل الجمهور سواء أكان ذلك بمقابل أو بغير مقابل، فهناك الأماكن العامة بطبيعتها والتي تكون معدة منذ إنشائها لدخول الجمهور وتردده عليها بكل حرية كالطرق والشوارع والأزقة والمنتزهات المفتوحة…، وهناك أماكن عامة بالتخصيص والتي يمكن للجمهور ارتيادها في أوقات معينة، ويكون الدخول إليها ممنوعا في غير هذه الأوقات المحددة كالمرافق العامة ودور العبادة ودور السينما، حيث تصبح عامة خلال هذه الفترة، وتصبح خاصة فيما عدا هذا الوقت، وهناك أماكن عامة بالمصادفةالتي هي في الأصل أماكن خاصة، ويكون أمر ارتيادها مقصورا على أفراد وطوائف معينة، إلا أنه يباح للجمهور بصفة عارضة ارتيادها والدخول إليها مثل المدارس والسجون والنوادي والمحلات التجارية إذا اجتمع فيها الناس.

مقال قد يهمك :   توفيق ناجم: دور الإدارة الجهوية والإقليمية والجماعية في التخطيط الإستراتيجي

لم تنص معظم التشريعات الجنائية المقارنة على تجريم فعل التصوير في المكان العام، واعتبرته فعلا مباحا ومشروعا لا يترتب عليه أية مسؤولية جنائية، وهو المنحى الذي سلكه المشرع الفرنسي في الفصل 1-226 من القانون الجنائي لما اقتصر على المكان الخاص كمحدد لحماية الحق في الصورة، شأنه في ذلك شأن كل من المشرع الجنائي المصري في المادة 309 مكرر (أ)، والمشرع الجنائي الجزائري في المادة 303 مكرر، وكذا المشرع الجنائي الاماراتي في المادة 378.

أما بخصوص موقف المشرع المغربي، فإنه لم يخرج على هذه القاعدة، ونص في الفصل 1-447 من القانون الجنائي على أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته”.

هكذا يتبين، بكل جلاء، أن نطاق الحماية الجنائية المكفولة للحق في الصورة لا يتعدى المكان الخاص دون أن يشمل المكان العام، ويبرر أصحاب هذا التوجه أن الانسان يشكل جزءا من المجتمع وينصهر فيه ويكمل منظره المادي المألوف من أزقة وعمارات ومارة، ومن حق الآخرين أن يروه كما يراهم ليس فقط بالرؤية البصرية وإنما بتثبيت صورته على أية دعامة، كما أن الصورة المأخوذة في مكان عام تكون متعلقة بالحياة العامة ولا تنطوي على اعتداء على خصوصيتة، فالشخص المتواجد على مرأى ومسمع من الناس يفترض ضمنيا أنه موافق على تصويره مثله مثل تصوير الأشياء الموجودة في الطريق العام الذي لا يحتاج إلى إذن أحد.

لكن في مقابل هذا التوجه، يرى آخرون أن التقاط الصورة في المكان العام يشكل مساسا بالحق في الحياة الخاصة سيما إذا كان الشخص هو الموضوع الرئيسي للصورة وأن المكان العام تم بشكل ثانوي كخلفية للصورة، كأن يقوم المصور بتكبير صورته من بين الجمهور المتجمع، وفي هذه الحالة لا يكون التقاط الصورة ونشرها مشروعا إلا بإذن صاحبها. أما إذا كان وجود الشخص في الصورة بطريقة عابرة وعرضية أو بدون علم المصور نفسه، فإن الأمر يكون عاديا باعتبار أن هذا الشخص جزءا من الموضوع العام المراد تصويره، غير أنه إذا نشرت الصورة وظهر فيها وجه أحد الأشخاص وأمكن التعرف عليه بسهولة، فمن حق هذا الشخص الاعتراض ومطالبة المصور للتدخل قصد طمس معالم الشخص المتواجد بالمكان العام الذي صوره، وأعتقد أن هذا الرأي هو الذي يشكل عين الصواب لأن حق الانسان في صورته يعد حقا ملازما لشخصيته ولصيقا بها، ولا يمكن تقييده إلا في حدود ما تسمح به الضرورة.

مقال قد يهمك :   سلمى مبتكر: العقوبات البديلة في جرائم الاستهلاك

ما أود الإشارة إليه أنه على الرغم من كون مشرعنا الجنائي لم يجرم التصوير في المكان العام، فإنه لا يجوز نشر هذه الصورة ومشاركتها مع الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا، وإلا اعتبر الفعل قذفا أو تشهيرا، غير أنه يمكن تقديمه كدليل إلى القضاء فقط، وهو الأمر الذي أكده منشور النيابة العامة حول حماية الحياة الخاصة رقم 48 س، الصادر بتاريخ 6 ديسمبر 2018، كما يمكن مساءلة ملتقطي الصورة متى أساء استعمالها أو ثبت سوء النية، أو كانت هي الموضوع الأساسي، أو استغلها الناشر من أجل الاثراء، أو ترتب عن هذا النشر ضررا لحق صاحب الصورة، وذلك من خلال سلك المسار المدني للمطالبة بالتعويض في إطار منطوق الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود.

ومن تمة يكون المشرع الوطني قد أخلف الموعد لما جعل حماية الحق في الصورة مقرونا بالمكان الخاص فحسب دون أن يحدد أي وضع للمجني عليه سواء أكان في وضع عادي أو في وضع محتشم، لذا كان من الأجدر توسيع دائرة الحماية المقررة للصورة متى كانت تكتسي طابع الخصوصية بغض النظر عن طبيعة المكان، حيث يمكن أن يتواجد الشخص في وضع يثير الحشمة ويندرج في نطاق الحياة الخاصة حتى في الأماكن العامة كأن يتجالس شخصان جلسة عاطفية في حديقة عمومية أو في شاطئ أو مقهى أو مطعم…، ومنه فإنه وجب حذف عبارة “أثناء تواجده في مكان خاص”منالفقرة الثانية من الفصل 1-447 من القانون الجنائي لتصبح وفق الصياغة التالية: ” يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص دون موافقته”.

صفوة القول،إنه بات لزاما إقرار حماية واسعة للحق في الصورة والتصدي لكل ما من شأنه أن يستهدف هذا الحق ويجهز عليه، لذا يتعين خلق آليات قانونية جادة وفعالة من خلال صناعة نصوص جنائية وأخرى مدنية قادرة على احتواء هذا الحق، كما وجب أيضا على القضاء أن يسهر على التطبيق السليم والأمثل للقوانين ويقدم اجتهادات في هذا المضمار تناسب حجم التطورات التي يشهدها عالم الصورة في مغرب اليوم.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]