التبليغ في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد …ومخاطر البقاء في المنطقة الرمادية

 ذ.الحسن الملكي دكتور في الحقوق

ثمة إشكاليتين جوهرتين عدتا بمثابة الكرة الحارقة التي تقاذفها مشرع لمشرع اخر أثناء نظره في قانون المسطرة المدنية: التبليغ والتنفيذ، وهما في الواقع إشكاليتين تختصران إلى حد بعيد مشكلة ” الأمن القضائي والقانوني ” ببلادنا  ذلك أن  جزء كبير من العوامل التي ساهمت في تآكل وتصدأ ” ماكنة العدالة بالمغرب ” تعود لهذين العاملين . في هذه المقالة سنقتصر على مقاربة جد مختصرة وعامة لمشروع قانون المسطرة المدنية لموضوع التبليغ على أساس أن نرجأ فصل الحديث فيما يخص إشكالية التنفيذ لمقالة مستقلة .

عمليا هناك سؤالين، لنسميهما بأنهما فلسفين، يجب الإجابة عليهما قبل التشريع في مجال التبليغ:

السؤال الأول : ما هي المصلحة الأولى بالرعاية والحماية  في مجال التبليغ ؟

السؤال الثاني: في ظل الثورة الهائلة التي يعرفها العالم في مجال الاتصال والمعلوميات هل ما زال يحق لنا مقاربة ” مفهوم الغياب” الذي يسعى التبليغ إلى تحيده أو إزالته بنفس المقاربة التي كانت سائدة مند عشرات العقود التي لم تكن فيه هذه الثورة قائمة؟

تفصيل الإجابة عن هذين السؤالين يكشف بان واضع احكام التبليغ في قانون المسطرة المدنية الحالي كانت مهوسا بضمان حق أساسي واعتبره الحق الأولى بالحماية وهو: حق الدفاع، فهو سواء في التأسيس الأول لأحكام التبليغ أو التعديل الذي هم هذه الأحكام تاليا ، في  كلى الوضعين كان المشرع يبحث عن  ضمان حقوق المتقاضين بإقرار أكثر ما يمكن من الإجراءات الكفيلة بتحقق ” حضور” الخصم أو إحاطته علما بالإجراء الدي هو طرف فيه .

الان السؤال المطروح: هل هده الفلسفة التي حكمت المشرع في مثل هذه البدايات منتقدة ؟ طبعا لا أحد يمكن أن يقول بذلك، لأن الأمر يتعلق بمسألة تندرج ضمن حقوق الانسان وضمن حق من الحقوق الجوهرية لأطراف الخصومة  وهو حقهم في الدفاع ، وعليه يتعين الحرص على إحاطتها بأقصى الضمانات والأحكام التشريعية الكفيلة بضمانها ، فالمشرع أفرط في صياغة  الأحكام المنظمة لإجراءات التبليغ ضمانا لحق الشخص في أن يحاط علما بها  كطرف في الدعوى او الإجراء القضائي حتى يدافع عن نفسه ، لهذا وجدناه يضع الإجراء التبليغي ويضع معه إجراء احتياطي في حال عدم إمكانية استيفاء الإجراء الأول .( التبليغ عن طريق المفوض القضائي ، التبليغ عن طريق البريد المضمون ، التبليغ عن طريق القيم )

المشكل  أين يكمن إذن : ببساطة يكمن في  أن تضخيم الأحكام والضمانات في مجال التبليغ أدت إلى المساس بحق اخر لا يقل أهمية وهو  ” الحق في ضمان محاكمة في امد معقول ” ، إذ ان جزء كبير من زمن الدعوى يتم قضمه من طرف إجراءات التبليغ ، وهو ما يؤدي إلى ضياع وقت ليس باليسير قبل صدور مقرر قضائي نهائي ينهي الخصومة بل ، وهذا هو الأخطر في الأمر ، يؤدي ثقل هذه الإجراءات إلى خلق ” تراكم في الملفات” لدى مختلف المحاكم بالشكل الذي يخلق ارهاقا وعنتا للقضاة ويحول بينهم وبين إعطاء كل ملف حقه من الدراسة والتمحيص ، وهذا بطبيعة الحال يخدش صورة العدالة وينهك أطراف الخصومة بل وينهك  جهاز العدالة برمته  لأن العدالة المغرقة في الشكليات وفي إجراءات التقاضي الحمائية ومنها التبليغ تضحي بحق راجح في الحماية أيضا وهو حق الأطراف في ” الحصول على حكم قوي في تعليله في أمد زمني معقول ” وهو الحق المنصوص عليه دستوريا في الفصل 120 من الدستور.

ولهذا وقع ما يمكن اعتباره نوع من ” الاعتياد” مع كيفية ممارسة بعض المساطر إلى حد حجبت عنا طابعها العبثي إن لم نقل التراجيدي بكل ما تحمله الكلمة من معنى: إذ ما معنى أن يتم تجيش جيش من الأشخاص: قضاة ، كتاب ضبط ، ،تنقل القضاة والمحامون لقاعة المحكمة ، وتجيش جيش عرمرم من الموظفين بعد انتهاء الجلسة وانتظار الساعات الطوال  . وحشد تجهيزات لوجستكية كبيرة: الإضاءة ، الأوراق ، … لتنطق المحكمة في الأخير بكلمة : يعاد( أي يعاد تبليغ  الاجراء لأحد أطراف الخصومة الذي لم يتوصل به )   ، وفي الجلسة المقبلة  أيضا: يعاد …والتي تليها أيضا : يعاد ..هل هناك عبث اكبر من هذا ؟ والأدهى والأمر أنه بين يعاد الأولى ويعاد العاشرة أو أكثر تكون قد ضاعت حقوق، وأموال، وتم هذر مجهود وزمن قضائي فادح وجهد مالي ، وأشياء أخرى لا يعلمها سوى أطراف الخصومة انفسهم  ….وهلمجر

ولتوضيح الأمر أكثر لنعطي مثال من بين أمثلة تتكرر يوميا في ردهات المحاكم  : لنتصور شركة قيدت  عنوان مقرها الاجتماعي في السجل التجاري ، المفروض أنه وفقا للمادة 61 من مدونة التجارة أن هذا العنوان هو عنوانها الحقيقي الدي من المفروض أن يتم تبليغها فيه ، الذي يقع هو أن هذه الشركة تقوم تاليا بتغير عنوانها دون أن تعمد إلى  تحيين ذلك في سجلها التجاري ، فيتم مقاضاتها بعنوانها القديم غير المحين ، فيتم إرجاع شهادة التسليم بعبارة  ” المحل المغلق” فيبدأ المدعي المسكين في البحث عن عنوان هذه الشركة  ويتم الدخول في دوامة : يعاد ، والبحث عن العنوان ، والادلاء بالعنوان الجديد ،  والسهر على التبليغ ، ويعاد ، وتعين قيم ، ويعاد للقيم ، وفي انتظار جواب القيم ، ويعاد ويعاد …وهكذا يستمر الوضع لأسابيع  وأشهر  بل تضيع سنوات من أجل تحقيق تبليغ واحد  ، في مسلسل عبثي يتكرر منه الالاف في محاكم المملكة ، وهو وضع  لا يمت لا بالعدالة ولا بالقانون ولا بروحه بأية صلة بل يصادم مصداقية الخطاب الرسمي حول اصلاح العدالة  ويضربه في الصميم .

مقال قد يهمك :   سليمة فراجي : هل يستوي الوزير و المياوم في أداء مستحقات الطلاق ؟

وتزداد هذه العبثية إذا استحضرنا ما يلف عملية التبليغ العادية من  ضياع  الالاف المؤلفة من المطبوعات ، وضرب العشرات من الاميال من أجل البحث عن المعنيين بالأمر، وما يعنيه كل ذلك من تحريك لأسطول من الدرجات والسيارات و تلويث البيئة ، ومخاطر التبليغ الأمنية والتزوير الذي قد يطال محاضر التبليغ  دون الحديث  عن  مشكل التبليغ عن الطريق الدبلومسي أي أمام السفارات ، وما يكتنفها  من تعقيدات بدء  من تبليغ وزارة العدل مرورا بتبليغ وزارة الخارجية ثم القنصليات  وتحريك مساطر الإنابة القضائية في البلد المراد التبليغ به وغيرها من المساطر المعقدة من اجل تبليغ استدعاء واحد …فهذا كله لم يعد له معنى في القرن الحالي قرن التواصل والذكاء الاصطناعي ، بل إنه والعبث قرينان .

هذا يقودنا، في إطار تسلسلي ، للسؤال الموالي : ما الحل إذن ؟كيف يمكن التوفيق بين حق الشخص في الدفاع أي حقه في أن يحاط علما بأي إجراء قضائي هو معني به أو طرف فيه ، وبين ضمان حق أطراف الخصومة في كليتهم في نيل حكم قضائي في أمد معقول لا يتعطل بإجراءات التبليغ الرامية لضمان الحق الأول ؟

تبدو المعادلة صعبة نوعا ما ، لأن ” لعبة الترجيح” لا تعمل عملها  حينما يتعلق الأمر بالحقوق ، فالحقوق غير قابلة للتجزئة او المفاضلة  لكن في اعتقادي الأمر قد يهون إذا حاولنا ان نرى الأمور بمنظار مغاير ، وهذا المنظار يرتكز على إعادة التفكير في منهجية التعاطي مع ” فكرة التبليغ” ذلك أن هاجس ضمان الحق في الدفاع ، حشرت المشرع في شرنقة لم يعد يرى فيها سوى السعي لضمان هذا الحق بأي وجه كان من خلال الحرص عن ان تكون الالة القضائية وأجهزتها كلها في خدمة المتقاضي المراد تبليغه بحيث الكل يسعى إليه من أجل ضمان تبليغه ( التبليغ ، إعادة التبليغ ، سلوك مسطرة البريد المضمون ، سلوك مسطرة التعليق في مكان التبليغ ، سلوك مسطرة القيم ، انتظار جواب القيم …)

شخص واحد لا يلقي بالا لكل هذا الجهد ويبقى في موقف المتفرج، وهذا الشخص هو الشخص المراد تبليغه نفسه ، فهذا الأخير يتعب الجميع وهو لا يتعب ويبقى متمترسا خلف ذريعة ” حقوق الدفاع”. فهل هذا معقول وعادل ؟  الحل المقترح: هو أن نؤسس لما يمكن تسميته ” بالخصم او المتقاضي المسؤول” بمعنى أنه لا يجب ان نلقى كل الثقل في عملية التبليغ على طالب الإجراء وحده أيا كان مركزه القانوني، والطرف الاخر يبقى متفرجا، بل يجب أن يتحمل أيضا جزء من المسؤولية في عملية تبليغه، وذلك حتى لا يتحول ” الحق في الدفاع” الذي بناء عليه ثم التأسيس لحق التبليغ الذي هو في فلسفته يرتبط بالحق في الإعلام إلى تعسف في ” استعمال حق الدفاع” ، وحتى لا يتحول الحق في الدفاع  الذي هو حق دستوري  لحق كاتم لأنفاس حق دستوري اخر وهو “الحق في نيل حكم في امد زمني معقول ” مع العلم ان الحق في الحصول على حكم في أمد معقول وضعه المشرع الدستوري في الفصل 120 منه في رتبة سابقة وراجحة على ” حق الدفاع” نفسه .

وبعبارة مرادفة  فإن المقترح هو ان يكون” التبليغ” كإجراء قضائي، إجراء ” ليس مطلوبا بل محمولا أيضا ” من خلال تحميل المبلغ له المفترض مسؤولية تعذر تبليغه إذا تحققت بعض الفروض وترتيب الأثر القانوني عن ذلك كما لو أنه فعلا ثم تبليغه وليس تحميل هذه المهمة للمعني بالقيام بعملية التبليغ وحده أي المبادر بعملية التبليغ.

وهذا التوجه الجديد من شأنه أن يؤسس لمفهوم ” المتقاضي المسؤول” و سد باب التحايل وسوء النية التي سادت لسنوات في التبليغ والأهم من ذلك اختصار إجراءات التقاضي ، لكن القيام بهذه الخطورة تستدعي الجرأة  في التعاطي اكثر مع ” التبليغ الالكتروني ” وجعله هو الأصل في بعض الفروض والحالات ،  مهما كانت التكلفة  لأن الإصلاحات الجزئية أو التي تقف في منتصف الطريق والحلول المصبوغة  باللون الرمادي  لا تصلح شيئا، بل تزيد الأمور تعقيدا وهو الأمر موضوع التخوف بالنسبة لمشروع قانون المسطرة المدنية ، فهذا القانون لم يخرج عن سابقيه ، فهو أورد قواعد جديدة في التبليغ ، لكن التخوف ان هذه الإجراءات من شأنها أن تخلق ارتباكا على مستوى التطبيق ، فالمطلوب ليس تغير ” القواعد التفصيلية أو الجزئية لعملية التبليغ ” وإنما تغير ” البراديغم أو الفلسفة التي تحكم  عملية التبليغ ” برمتها  من خلال تبويئ التبليغ الالكتروني المكانة التي يستحقها ، وتوسع دائرة ” التبليغ المفترض”

مقال قد يهمك :   الإجراءات الوقتية والتحفظية في التحكيم البحري

 لهذا نقترح  من الناحية الإجرائية ما يلي :

أولا :  من الأساسي القول بإجبارية أن تكون لكل شخص معنوي حساب الكتروني للمنازعات القضائية ويجب وجوبا أن يقع تقييد هذا العنوان في  النظام الأساسي للشركة  والسجل التجاري لهذا الشخص أو في أي سجل يتم فيه إشهار هذا الشخص ، و الإشارة إليه  بهذا السجل  بخط كبير  وبارز ، مع الإشارة في نفس السجل لرقم الهاتف الخاص لممثله القانوني أو عند الاقتضاء المكلف بالمنازعات القضائية .

ثانيا : من الأساسي  على جميع الأشخاص الطبيعيين أن يعينوا في بطاقة تعريفهم الوطنية بالإضافة إلى عنوان سكناهم ، رقم هاتفهم الشخصي و عنوان حسابهم الالكتروني .

 وهذا يستلزم بطبيعة الحال تعديل القانون المنظم للبطاقة الوطنية الالكترونية، مع التأكيد أن يجب أن تتضمن أيضا رقم هاتف الشخص بشكل الزامي وليس اختياري وان يتاح للشخص الإبلاغ عن تغيير بياناته الشخصية للمصالح المعنية ليقع تغيرها في بياناته بشكل سلسل ومنتظم تحت طائلة مواجهته قانونا بكل الاثار القانونية عن بياناته القديمة التي لم يقع تغيرها ، ويمكن تجاوز الاشكال المتعلق بالأشخاص الأميين بأن يعين  هؤلاء عنوان الكتروني  أو رقم  هاتف  أحد من أقاربهم أو أحد من الأغيار باعتباره عنوانا مختارا لهم ، بعد  تلقي رضى هؤلاء الأغيار أو الأقارب  من طرف المصالح الإدارية المعنية والتزامهم بما يرتبه اختيار عنوانهم الالكترونية أو هواتفهم كمحل للمخابرة مع الأشخاص الموجودين في حالة “أمية ” أو إعاقة تحول بينهم وبين معرفة مضمون  الشئ المبلغ إليهم .

وفي هذا الإطار يمكن التفكير في وضع بنك للعناوين الإلكترونية للأشخاص الطبيعية وهواتفها الشخصية يوضع رهن جميع محاكم المملكة وأن يكون متاحا أمام هيئة الدفاع، مع تحصين هده العناوين والأرقام بقواعد حماية المعطيات الخاصة ، وقواعد السر المهني .

بناء على ما سلف يمكن التقعيد للقواعد التالية:

أولا : انه يعتبر التبليغ قائما في حال تبليغ الأشخاص الطبيعيين في عنوانهم الواردة في بطاقة تعريفهم  الوطنية ، ويعد التبليغ قائما ولو رجعت شهادة التسليم بان المحل مغلق أو أية إفادة تفيد عدم التوصل  ، بعد تعليق إفادة بالتبليغ  بموطن المبلغ له و  إشعار المبلغ له برسالة نصية على هاتفه الشخصي  و بريده الالكتروني   من طرف كتابة ضبط المحكمة المختصة بالإجراء موضوع التبليغ ، مع تضمين ذلك بالسجل الممسوك لدى هذه الأخيرة  .

ثانيا  : يعتبر التبليغ قائما في حال تبليغ الأشخاص المعنوية في عنوانها المقيد  في السجل التجاري إذا تعلق الأمر  بالشركات التجارية أو عنوانها المقيد في السجلات المعدة لذلك قانونا بالنسبة لباقي الأشخاص المعنوية ، ويعد التبليغ قائما ولو رجعت شهادة التسليم بأن المحل مغلق أو أية إفادة تفيد عدم التوصل ، بمجرد تعليق إفادة بالتبليغ بموطن الشخص المعنوي المبلغ له و إشعار ممثله القانوني  برسالة نصية على هاتفه الخاص  الذي يجب الإشارة إليه لزوما في السجل التجاري ،   و توجيه رسالة على بريده الالكتروني من طرف كتابة ضبط المحكمة المختصة كما تم تدوينه في السجل المعني.

ويجب إقرار نفس الاجراء بخصوص تبليغ الأشخاص المعنوية العامة التي يجب إلزامها هي الأخرى بتحديد مخاطب محدد بخصوص إجراءات التبليغ التي ستتوصل بها والتي تفرض هي الأخرى أن يكون لها عناوين الكترونية يقع تبليغ الإجراءات المذكورة بها .

وفي حال اتخاد اجراء التبليغ عن طريق البريد الالكتروني و التبليغ عن طريق الرسالة النصية واللذين يجب أن يتما بكيفية تلازميه بعد تعدر التبليغ العادي ، يجب تضمين هذا التبليغ في سجل خاص بذلك يمكن إعطاء شهادة عنه تفيد هذا التبليغ للمعني بالأمر أو من له حق في ذلك ،  وهذه الشهادة يجب تحصينها بإعطائها وصف  الوثيقة  رسمية التي لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.

وعلى نفس النحو ترسل كتابة ضبط المحكمة للبريد الالكتروني لطالب التبليغ او على رقم هاتفه ما يفيد التبليغ مع تضمين ذلك في السجلات الخاصة بذلك والتي يمكن هي الأخرى  إعطاء شهادة على مضمونها للإدلاء بها عند الاقتضاء ، وهذين البيانين ( أي العنوان الالكتروني ورقم الهاتف) يجب تضمينهما لزوما في المقال الافتتاحي أو أي مقال اخر ( التدخل الإرادي في الدعوى ، المقال الاستئنافي ، مقال النقض ) للمدعي او الطاعن تحت طائلة عدم القبول .

ثالثا: أن يتم التخفيف ما أمكن من الحالات الموجبة  للتبليغ ، واللجوء إلى ما يمكن تسميته بالتبليغ المفترض بمعنى أنه في كثير من الحالات يقع حضور المحامي للأول جلسة ، فإنه في هذه الحالة لا محل لإعادة تبليغ المذكرات ، والجلسات ، وتبليغ إجراءات التحقيق المحكوم بها  إذ بمجرد التعين الأول للجلسة يفترض أن المحامي  و اطراف الخصومة محاطون بما يتلو  هذه الإجراءات وما يعقبها إلى نهاية صدور الحكم ، إذ يجب على المحامي في هذه الحالة تتبع إجراءات الدعوى  أول بأول ، ولا يمكن إعمال قواعد التبليغ كما هي مفصلة في القاعدتين السالفتي الذكر إلا بعد ثبوت تنازل المحامي عن نيابته والتي يتعين إخبار المحكمة بها تحت طائلة إثارة مسؤوليته المدنية ، عدا ما يتعلق بإجراءات الاستدعاء التي يباشرها الخبير ، والكل إعمالا لنظرية ” الحرص المسطري” التي اخد بها بعض القضاء المغربي والتي  أكد بشأنها ” أن الالتزام بالحرص المسطري يفرض على الأطراف تتبع الإجراءات بشكل متسلسل و منضبط دون إضرار بحقوق الغير حفاظا على مبدأ استقرار المعاملات ” (الأمر الاستعجالي الصادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 19/06/2012 في الملف عدد 527/8/2012 )

مقال قد يهمك :   بلجيكا تحتجز نائب رئيس جامعة وجدة في معتقل للمهاجرين السريين بعد محاولته دخول أراضيها بشكل غير قانوني

وحيث في إطار توسيع دائرة ” التبليغ المفترض”  يمكن التفكير في هذا الإطار أن يكون التبليغ متحققا من تاريخ تسليم كتابة الضبط  للمحامي نسخة عادية من الحكم إد تكون هذه النسخة هي نفسها النسخة التبليغية، وذلك في كل الأحوال التي يكون فيها تنصيب المحامي إلزاميا ، وتفاديا لأي إضرار بحقوق أطراف الخصومة يمكن اشتراط ألا يقع تسليم هذه النسخة إلا بعد ادلاء المحامي بوكالة خاصة تسمح له بتسلمها ، لأنه بمجرد تسلم  هذه النسخة من طرف المحامي الموكل بوكالة خاصة أو الطرف الوارد اسمه في  الحكم نفسه  يكون التبليغ قد حصل ويتم تدوين ذلك بسجل خاص بالتبليغات الممسوك لدى المحكمة المعنية سواء ثم ذلك لمحامي المدعي او أحد اطراف الخصومة الذي يواجه فور تسليمه نسخة الحكم   بالأثر القانوني المترتب عن هذا التسليم على حقوقه في التقاضي بموجب وثيقة يوقعها تفيد إحاطته علما بهذا الأثر القانوني .

رابعا  : توسيع دائرة التعاقد في مجال التبليغ : صحيح أن عملية التبليغ هي مسألة مرتبطة بحقوق الدفاع ، ولا أحد ينكر صفتها وصبغتها النظامية ، لكن هذه الصبغة النظامية يجب التخفيف من غلوائها ما امكن ، من خلال فتح نافدة لأطراف العقد / أطراف الخصومة المستقبلين ، لكي ينظموا كيفية تبليغ الإجراءات القانونية بينهم، إدا كانت أيسر مما نص عليه النص القانوني  ، ولا مجال هنا لفرض تدخل للمشرع عدا في بعض الحالات التي يمكن فيها منع ذلك كما هو الحال بالنسبة للعقود الاستهلاكية والتي يمكن فيها تصور أن لا تكون قواعد التبليغ متفاوض عليها على قدم المساواة بين أطراف العقد .

خامسا: إيجاد قواعد خاصة بتبليغ الأجانب والمغاربة غير المقيمين بالمغرب، تراعي من جهة حقوقهم في الدفاع وفي نفس الوقت ألا يكون عدم إقامتهم بالمغرب عائقا في إتمام إجراءات التقاضي بكيفية سلسلة ومنتظمة وسهلة، من قبيل ان يفرض عليهم محل للمخابرة يقع فيه تبليغهم بكل إجراءات التقاضي.

سادسا : احتياطا من المخاطر التي يمكن ان يفرزها التطور التقني والتكنولوجي والتي من شانها أن تعرقل بين كل وقت وحين التبليغ الالكتروني ، يمكن للمشرع أن يضع قواعد احتياطية عادية للتبليغ لا يلجأ إليها إلا في حالة تعذر التبليغ الالكتروني لأي سبب من الأسباب بالشكل الذي أصبح معه مستحيلا من الناحية التقنية ( انقطاع كلي للأنترنيت ، او تعطل كلي لقطاع الاتصالات أو نحوه …)

على الجملة ،  إذا   لم تكن لنا الجرأة على  القطع مع بعض أساليب التبليغ التي عفا عنها الزمن واختارنا إغراق مشروع قانون المسطرة المدنية بمقتضيات جديدة في التبليغ لا تحدث قطيعة جديرة مع أساليب التبليغ الحالية  ، فإننا سنكون قد حكمنا على بلادنا بالتأخر ، وعلى منظومتنا القضائية بالاندحار والعتاقة وهو ما من شانه أن يغرق مرفق العدالة في بلادنا في ظلمات بعضها فوق بعض ، و أزمة كورونا إن كانت أعطت درسا لنا ، فهو درس أن الإصلاحات التي تهم المحكمة الرقمية أصبحت ضرورة ملحة  في اتجاه تقليص الورقي ، والقطع مع البطء في المحاكم ، وتقليل الاتصال المباشر بين المتقاضي ومرفق العدالة .. وهذه الثورة الرقمية لا تقبل التسويف والمماطلة، وبطبيعة الحال فكل مبادرة لا بد لها من ثغرات وتعثرات وأخطاء، وهذا أمر طبيعي فتلك ضريبة الإصلاح  ، وصناعة التشريع لا يمكن أن تتم إلا في إطار عملية تراكمية ومستمرة في الزمان بحيث كلما أفرز النص صعوبات أو إكراهات وقع  تصحيحها لتجاوزها  في أفق صناعة نص قانوني أجود وأمتن ، فالقانون في المحصلة النهائية ليس سوى تجريدا للواقع ، وكيفما كانت جودة ورقي النص القانوني فهو محكوم عليه أمام التغيير المستمر للواقع أن يسايره في اتجاه الأفضل والأحسن.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)