التأصيل القانوني للاحتفاظ بعينات البضائع في التفتيش الجمركي
خالد شهيم. إطار باحث
يقوم التفتيش الجمركي على معاينة البضاعة المستوردة أو المصدرة، بقصد التأكد من صحة بيان التصريح و مدى مطابقة البضاعة للمعلومات المضمنة فيه، و تعتبر الاستعانة بالعينات ضرورة لا غنى عنها في سبيل الحفاظ على سلامة المواطنين و على خزينة الدولة، الأمر الذي سنبينه تباعا بعد التعرف على المرجعية القانونية لعينات البضائع و على دواعي الاحتفاظ بهذه العينات.
أولا: المرجعية القانونية لعينات البضائع
إن مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة لم تتطرق إلى موضوع عينات البضائع إلا في سبع مناسبات، حيث وردت في إطار الفصل 1-76 الذي خول للمصرح إمكانية أخذ عينات من البضائع لدواعي التصريح المؤقت، كما وردت ضمن الفصل81 في مناسبتين و ضمن الفصول 140 و 163 و 163 المكرر ثمان مرات، و 192 بحيث تمحورت جميعها حول إمكانية الإدارة توجيه عينات من البضائع إلى المختبرات المختصة.
و من جهته فقد سار المرسوم رقم 2.77.862 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر1977) بتطبيق مدونة الجمارك في نفس المنحى، بحيث تطرق فقط إلى إمكانية أخذالعينات بقصد التحليل أو بقصد التأكد من الصنف من خلال الفصول 85 و 95 في إطار نظام المستودع و من خلال الفصل 103المتعلق بنظام القبول المؤقت لتحسين الصنع الفعال و من خلال الفصول 125 و 130 المتعلقين بنظام القبول المؤقت و كذلك من خلال الفصول 143 و 147 المكرر ست مرات و المكرر ثلاث عشرة مرة و 153 المتعلق بنظام التصدير المؤقت و من خلال الفصل 169 المتعلق بنظام العبور و كذا الفصل 172 المكرر أربع مرات فيما يخص التحويل تحت مراقبة الجمرك، ثم من خلال الفصل 190 الذي نص بالقول: «تعفى من الرسوم الجمركية و غيرها من الضرائب المستحقة عن الاستيراد، مع مراعاة الشروط التي يحددها مدير الإدارة إن اقتضى الحال ذلك: ب) العينات التي ليست لها قيمة تجارية.»
و نتيجة لما أوصى به بيان أروشا (المعدل) في تنزانيا من الدعوة إلى تبني مدونة السلوك المهني لموظفي إدارة الجماركو الضرائب غير المباشرة إلى جانب عدد آخر من التوصيات بقصد مكافحة الفساد، فقد أصدرت الإدارة جذاذة من بضعة فصول أطلقت عليها إسم مدونة السلوكالمهني لموظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، تم إلزام موظفي الجمارك بتوقيع طرف منها يقوم مقام إشعار بالتسلم، رغم أنها لا تحمل توقيع من قام بإصدارها، و هذا بالطبع مما لا يجوز الاعتداد به في أدبيات القرارات الإدارية، مما ينزل بها إلى مرتبة دون المذكرة المصلحية، بحيث تعد مجرد رأي ليس إلا، و في ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا في مصر بالطعن رقم 514 لسنة 11 القضائية بجلسة 1967/12/23 : « الملاحظات التي يوجهها الرؤساء من الموظفين إلى مرؤوسيهم فيما يتعلق بأعمالهم و التي تودع ملف خدمتهم لا تعدو في حقيقتها أن تكون مجرد رأي ينطوي على نذير مصلحي لتحذير الموظف و توجيهه في عمله دون أن يكون القصد منه تقدير كفايته أو صلاحيته، و لا يقبل من تم الطعن فيها لانتفاء أركان القرار الإداري فيما تضمنته».
و حتى بصدورها مستوفية لمقومات القرار الإداري بتضمنها توقيع و صفة من أصدرها، فإن الالتزام بما تضمنته يبقى في حدود القوانين التي تعلوها مرتبة، حيث تقول في ذلك المحكمة الإدارية العليا في مصر بالطعن رقم 267 لسنة 34 القضائية بجلسة 1994/03/03 : « تصدر السلطة التنفيذية اللوائح التنظيمية و اللوائح التنفيذية_ درج الأمر على الاعتراف لجهة الإدارة بسلطة إصدار تعليمات و منشورات و أوامر مصلحية إلى العاملين لديها _ تصدر هذه التعليمات من رئيس المصلحة إلى مرؤوسيه متضمنة تفسير القوانين و التشريعات القائمة و كيفية تنفيذها _ توجه التعليمات إلى العاملين الذين يلزمون باحترامها و إطاعة ما فيها طالما أنها متفقة و أحكام القانون _ هذه التعليمات لا تضيف جديدا إلى التشريع القائم و لا قيمة لها إلا بحسب تطابقها مع التشريعات التي تصدر بناء عليها».
و لقد تم ذكر مسألة العينات في هذه المدونة المفتقرة إلى مقومات القرار الإداري في المادة 39 التي قالت: “يمنع منعا باتا الاحتفاظ بعينات البضائع التي يتم أخذها أثناء عمليات الاستخلاص الجمركي، و يجب أن ترد هذه العينات لأصحابها عند نهاية هذه العمليات، و إذا لم يتم سحبها من قبل أصحابها تعتبر في حكم البضاعة المتخلى عنها لدى الجمرك. و في هذا الإطار فإن هذه العينات تعتبر ملكية للإدارة و أي تصرف فيها من طرف الأعوان الجمركيين المعنيين يعتبر مخالفة إدارية تستوجب المتابعة التأديبية.”
و بالرجوع إلى مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرةنجدأن مفهوم البضائع المتخلى عنها، يعني إما بضائع لم يقدم بشأنها تصريح مفصل بعد انتهاء أجل 45 يوما، أو بضائع ليست محل نزاع مع الإدارة، قدم بشأنها التصريح المفصل و لم تتم حيازتها في غضون شهر كامل يسري أجله من تاريخ تسجيل التصريح المذكور،من غير أن تؤدى الرسوم و المكوس أو الضمانة التي تقوم مقامها.
و بالتالي فإن ما جاء في “مدونة السلوك المهني”لا يتماشى مع ما جاءت به مدونة الجمارك، من حيث كون العينات المحتفظ بها لا يرجع مصدرها إلى بضائع لم يقدم بشأنها تصريحبعد انتهاء 45 يوما، و لا إلى بضائع لم تتم حيازتها في غضون شهر. بل إن الأمر يتعلق بعينات موضوعبيانات تصاريح لبضائع تعرف سيرا عاديا و يتم أداء الرسوم الجمركية عنها، بمعنى أنها عينات من بضائع ليست في ملك الإدارة و إنما هي في ملكية أصحابها.و في هذا التعارض أيضا ضرب لمصداقية مدونة السلوك ما دامت مقتضياتها تأتي بالمخالفة للتشريعات التي تعلوها درجة.
هذا و إن المساءلة التأديبية تبعا لما سبق تبقى على غير أساس مادامت مقررة بنص لا يرقى إلى مرتبة القانون و لا إلى درجة القرار الإداري لتخلف مقوماته على النحو الذي تم بيانه.
ثانيا: دواعي الاحتفاظ بالعينات
يعد مفتش الجمارك مسؤولا عن معالجة بيانات التصريح الجمركي التي يعهد بها إليه آليا بطريق النظام المعلوماتي، حيث دأبت الإدارة في سبيل تفادي عرقلة تدفق البضائع التي قد تسببها المراقبة الميدانية الكلية لكل بضاعة على حدة إلى اعتماد مراقبة انتقائية يمثل فيها الفحص المادي نسبة عشرة بالمائة من مجموع البيانات المسجلة، على اعتبار أن برمجة التصاريح إلكترونيا عبر إدخال كافة المعطيات و المعلومات داخل النظام المعلوماتي المعروف بنظام بدر من منشأ السلعة و بيان الشحن إلى تاريخ وصول السلعة و بيان تصريحها، تحدد في النهاية نوعية المراقبة التي ستجرى على السلعةو هي على شكلين:
* إما مراقبة مبدئية يجريها المفتش من داخل مكتبه على محتوى بيان التصريح الجمركي المحمل بالنظام المعلوماتي مرفقا بالوثائق التجارية اللازمةقصد التأكد من صحة المعطيات مثل أرقام بنود التصنيف الجمركي أو كمية الطرود و خلوها من أي تباين أو تعارض، حتى إذا اكتشف تعارضا في ذلك أمكنه إحالة بيان التصريح و السلعة إلى المراقبة الميدانية؛
*و إما مراقبة ميدانية يتولى القيام بها مفتش آخر بعد برمجة البضاعة و تهيئتها من طرف شركة استغلال الموانئ للفحص، حيث يباشر المفتش مراقبته الميدانية في سبيل البحث عن الاختلالات التي أثارت الشكوك أثناء المراقبة المبدئية أو أثناء الإحالة المباشرة من طرف النظام المعلوماتيعلى الفحص الميداني.
و الأصل ألا يتم أخذ عينات البضائعحتى لا يضار مالكها، بل يكتفيالمفتش و كذا العون الجمركي الذي يساعده في تعداد الطرود بتحرير محضر بما عاينوه من مطابقة أو اختلال في مجال التصنيفأوفي مجال المنشأ الذي يثبت مكان الصنع المعتمد عليه في منح نظام الأفضلية بموجب اتفاقيات الشراكة، لكن صعوبة الإلمام بكل التفاصيل المتعلقة بالبضاعة على تعدد أنواعها يجعل من الصعب على المفتش اتخاذ القرار الفوري بشأنها، مما يجعله يحتفظ بعينات منها قصد عرضها على الآمرية المكلفة بمراقبة القيمة أو لدواعي التأكد من التصنيف الذي يستعصي عليه كما في الحالة التي يتطلب فيها هذا التصنيف كشفا عن مكوناتالبضاعة، على أن يكون الاحتفاظ بالعينات في حدود المعقول أخذا في الاعتبار عدد العينات التي يتمتوجيهها في حالة النزاع إلى المختبرات. و لما كانت المراقبة على البضاعة داخل الحرم الجمركياختصاصا جمركيا خالصا، فقد كان لزاما على الإدارة الجمركية أن تبسط رقابتها على كل المراحل المتصلة بالبضاعة، من قبيل التكلف بإرسال العينات إلى المصالح الطبية أو البيطرية أو مصالح مكتب السلامة الصحية من أجل استصدار ترخيصيكشف عنصلاحية البضاعة من عدمه، إلا أن تخلي إدارة الجمارك عن مهامها قد سمح لمزيد من المتدخلين بأخذ عينات بشكل مبالغ فيه يعجز معه أعوان الحراسة الجمركية عن معرفة مدى شرعية العملية من عدمها، فتكون عاقبة ذلك كله تكبد مالك البضاعة لخسائر إضافية، خاصة إذا كانت العينات من قيمة مرتفعة.
و بالخلاصة لما سبق، يكون للمفتش حق الاحتفاظ بعينات من البضائع لدواعي استخلاص الرسوم الجمركية، و لدواعي الدفاع عن نفسه ضد أي نزاع لاحق و ضد أي مراقبة رئاسية قد تباشرها الإدارة طيلة مدة التقادم القانونية المحددة في أربع سنوات، كما أن الإدارة الجمركية يلزمها إعادة النظر في مجالاتها المقررة بموجب مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة عبر تجسيد مراقبة شاملة على البضائع دون أي تدخل من أي جهة،أمنية كانت أو مخبرية في إطار تكريس سلطة المخاطب الوحيد، خاصة و أن مهمة الجمارك هي تمثيل القطاعات الحكومية كاملة في دائرة نفوذها القانونية.