مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيالبناء القانوني للتجنيس في ضوء القانون المغربي  

البناء القانوني للتجنيس في ضوء القانون المغربي  

  •  ذ. محمد القاسمي باحث في العلوم القانونية و الشؤون الأسرية، مدير مسؤول عن مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية و مدير مسؤول عن سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة.

 مقدمة :

        لكل دولة عناصر ومقومات ثلاث وهي: السلطة السياسية، والإقليم ، والشعب، بحيث يرتبط بهذا الأخير معيار على ضوئه يتم معرفة انتمائه لهذه الدولة دون غيرها، وهذا المعيار متمثل أساسا في الجنسية، بحيث تعتبر هذه الأخيرة أفراد رقعة جغرافية معينة المحدد الأساسي لربط الأفراد بالدولة التي يحملون جنسيتها دون باقي الدول.

وتنقسم الجنسية إلى نوعين، جنسية أصلية والأخرى مكتسبة، وهو الأمر الذي نلمسه في العديد من التقنينات الوضعية، التي يوجد ضمنها قانون الجنسية المغربي، فهذا الأخير حدد طرق اكتساب الجنسية المغربية في سبعة أساسية، لعل أهمها التجنيس والاسترجاع.

فالتجنيس يعتبر أحد أهم الطرق القانونية لاكتساب جنسية في دولة معينة كالمغرب[1]، ويتم ذلك بعد استيفاء مجموعة من الشروط تختلف من دولة لأخرى لاعتبارات عدة منها ما هو سياسية، اقتصادية واجتماعية.

         فالتجنيس منحة تخوله الدولة[2]، بمقتضى سلطتها التقديرية المطلقة للجهة الحكومية المختصة، لفائدة الأجنبي الذي يطلبها، بعد استفاء الشروط المقررة في القانون.[3]

فالدخول في الجنسية المغربية اعتمادا على التجنيس يتطلب توفر العديد من الشروط، بالإضافة إلى تقديم الطلب إلى السلطة المختصة التي يبقى لها سلطة البث في هذا الطلب، تم بعده تصدر قرار بالقبول أو الرفض، لينتج عن هذا القرار إذا كان الرد ايجابيا مجموعة من الآثار لعل أهمها إكساب صاحبها الجنسية المغربية.

وتتمحور إشكالية هذا الموضوع أساسا في البحث والتقصي لأجل معرفة فلسفة المشرع من الأخذ بالتجنيس كسبب من الأسباب الواردة في قانون الجنسية لأجل تمتيع الشخص الأجنبي بالجنسية المغربية المكتسبة.

ويتفرع عن هذا الإشكال سؤالين فرعيين من قبيل: ما هي الشروط المتطلبة قانونا  لأجل اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس؟ وما هي الآثار المترتبة في حالة اكتسابها؟

ولأجل الإجابة على ما سبق طرحه من إشكالات سنعمد إلى اعتماد التصميم التالي

  • المطلب الأول : ماهية التجنيس وأهميته
  • المطلب الثاني :اكتساب الجنسية بالتجنيس وأثاره

المطلب الأول : ماهية التجنيس وأهميته

سبقت الإشارة في تقديم هذه الدراسة أن التجنيس وسيلة من الوسائل التي تكسب الشخص الأجنبي الجنسية المغربية في قد سلف، فهو سبب من أسباب تمتع الشخص بهذه الجنسية من تقديم لهذه وعليه

سنتعرض في إطار هذا المطلب إلى ماهية التجنيس في الفقرة الأولى، ثم إلى أهميته في الفقرة ثانية.

الفقرة الأولى : ماهية التجنيس

يعرف التجنيس بأنه دخول الفرد في جنسية الدولة بناء على طلبه، وموافقة هذه الدولة، كما يعرف كذلك  “كسب جنسية الدولة كسبا لاحقا للميلاد بناء على الطلب المقترن بتوفر شروط معينة والذي تتمتع الدولة إزاءه بالسلطة التقديرية ” أو هو ” نظام قانوني تضعه الدولة لتنظم بمقتضاه كيفية ثبوت الجنسية الوطنية لمن يطلبها من الأفراد الذين ينتمون بحسب الأصل إلى دولة أجنبية. [4]

انطلاقا من هذه التعاريف يمكن القول بأن التجنيس لا يتم إلا باجتماع إرادتين، تتمثل الأولى في وجود تعبير صريح من الفرد عن رغبته في الدخول في جنسية الدولة، أما الثانية فتتمثل في موافقة هذه الدولة في دخول الفرد في جنسيتها من عدمه.

أما فيما يخص الطبيعة القانونية للتجنيس، فيرى الأستاذ محمد الأطرش أنه لا يجب أن نرى في هذا النظام ما يوحي على أنه ذو طبيعة عقدية رضائية، لأن التجنيس هو نظام قانوني تنشئه الدولة وحدها وتحدد أحكامه وتظل متمسكة بآثاره، ومن تم فإنه إن كان هناك من دور لإرادة الفرد فإنه مجرد شرط للدخول في هذا النظام الذي يظل متوقفا في النهاية على موافقة السلطات المعنية[5].

فالتجنيس هو نظام قانوني تتجلى فيه أقوى صور الطابع السيادي الذي يميز الجنسية عموما سواء كانت أصلية أو مكتسبة، لأن الدولة تتمتع في نطاقه بالحرية المطلقة في الموافقة على منح الجنسية من عدمه تبعا لما تقتضيه المصلحة الوطنية[6] أولا وأخيرا.

الفقرة الثانية أهمية التجنيس

من الواضح أن التجنيس، باعتباره مصدرا لاكتساب الجنسية المغربية، يشكل احد الابتكارات الهامة التي جاء بها قانون الجنسية المغربي لسنة 2007 ، إذ لم يكن من الممكن، قبل صدور ظهير الجنسية المغربية لنفس السنة، أن يكتسب الأجنبي الجنسية المذكورة عن طريق التجنيس لعدم وجود نص تشريعي بهذا الصدد[7].

حيت تكمن أهمية التجنيس بالنسبة للشخص الذي يكتسبها بهذا السبيل في أن يؤسس عليه جنسية من جهة، ومن جهة ثانية فهو مجرد وسيلة لتغيير انتمائه في الدولة التي يقيم فيها من الواقع إلى القانون.

ومن جهة ثالثة قد تكمن أهمية التجنيس بالنسبة للشخص في النتائج التي يتوخاها من هذه المؤسسة القانونية، ذلك أنه قد يرغب في أن تكون له جنسية إذا كان عديمها أو أنه يسعى إلى تغيير جنسيته السابقة عن طريق اكتساب جنسية جديدة، وأحيانا قد تكمن أهمية اكتساب الجنسية بطريق التجنيس في توحيد الجنسية بين أفراد الأسرة الواحدة سواء تعلق الأمر بالزوج أو الزوجة وذلك حفاظا على عدم تعدد هذه الجنسية بين أفراد هذه الأسرة وبصفة خاصة لدى الأطفال الذين يكتسبون جنسية أبائهم.

المطلب الثاني : اكتساب الجنسية بالتجنيس وآثاره

يتوقف اكتساب الأجنبي للجنسية المغربية عن طريق التجنيس على تحقق شروط حددها المشرع في الفصل 11 المعدل والمتمم بموجب الفصل الأول من القانون رقم 62.06 مع مراعاة الحالات الاستثنائية الوارد عليها النص في الفصل 12 المعدل والمتمم بموجب الفصل الأول من نفس القانون.

والملاحظ أن المشرع المغربي قد ساوى في منحه جنسيته بين جميع الأجانب، فلم يميز بين العربي وغير العربي والمسلم وغير المسلم كما فعلت بعض التشريعات العربية فالكل عنده سواء.

سنتناول في هذا المطلب اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس العادي والاستثنائي بشروطهما في الفقرة الأولى، تم الآثار المترتبة على اكتساب الجنسية بالتجنيس سواء العادي أو الاستثنائي في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى : شروط اكتساب الجنسية بالتجنيس العادي والاستثنائي

بخلاف حالات اكتساب الجنسية بقوة القانون التي يرتكز فيها الاكتساب على رابط الدم والتراب، فإن التجنيس العادي يرتكز فيه الاكتساب على الاندماج في المجتمع أو تقديم خدمة استثنائية للمغرب .

حيت  المشرع المغربي نظم  التجنيس العادي وحدد الشروط الواجب توافرها لكي يحظى الأجنبي على إثرها بالجنسية المغربية (أولا) في حين بين الشروط المتطلبة في التجنيس الاستثنائي(ثانيا).

أولا : شروط التجنيس العادي

ينص الفصل 11 من قانون الجنسية المغربي على أنه ” يجب على الأجنبي الذي يطالب باكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس أن يثبت توفره على الشروط المحددة فيما بعد، مع مراعاة الأحوال الاستثنائية المنصوص عليها في الفصل 12…”

يستفاد من هذا الفصل أن الأجنبي الراغب في الحصول على الجنسية المغربية أن تتوفر فيه الشروط المحددة قانونا، وتنقسم هذه الشروط إلى شروط موضوعية وأخرى شكلية.

1-الشروط الموضوعية للتجنيس العادي

يمكن تقسيم الشروط الموضوعية التي حددها المشرع في هذا الإطار بموجب الفصل 11 من قانون الجنسية فيما يلي :

  • الشروط المتعلقة بسلامة الإرادة 
مقال قد يهمك :   ضمانات استنطاق المتهم أمام قاضي التحقيق

تطلب المشرع المغربي أن يكون الشخص الأجنبي الراغب في الحصول على الجنسية بالتجنيس بالغا لسن الرشد المحدد في المادة 209 من مدونة الأسرة، والمحدد في 18 سنة شمسية كاملة، أي أن يكون طالب التجنيس أهلا لمباشرة الأعمال والتصرفات القانونية كافة .[8]

  • الشروط المتعلقة بالاندماج في الجماعة الوطنية

تطلب المشرع المغربي مجموعة من الشروط التي من خلالها يتبين له اندماج طالب التجنيس داخل الجماعة الوطنية من عدمه ومنها:

  • الإقامة في المغرب :

اشترط المشرع المغربي على طالب التجنيس أن تكون إقامته في المغرب إقامة اعتيادية تصل مدتها إلى 5 سنوات، وأن تستمر هذه الإقامة إلى حين البث في طلب التجنيس.

 فالملاحظ أن مختلف التشريعات تستلزم إقامة الأجنبي طالب التجنيس في إقليم الدولة خلال فترة معينة كشرط لدخوله في جنسيتها، وهذا أمر تقتضيه المبادئ الأساسية في مدة الجنسية، فالدولة لا تستطيع أن تفرض جنسيتها على أجنبي غير المقيم بإقليمها.[9]

وفي نظرنا. أن المشرع تطلب من طالب التجنيس أن تكون إقامته على سبيل الاعتياد لكي يتأكد له أن هذا الأخير ينوي بالفعل الاستقرار داخل الدولة، بمعنى أن إقامته فعلية وليست صورية.

والجدير بالذكر أن الإقامة المعتبرة في نظر القانون هي الإقامة المشروعة، إذ أن العمل غير المشروع لا يمكن أن ينتج عنه حق لمرتكبه[10] ، بحيث الجنسية المغربية تمنح للأشخاص المقيمين شرعيا على التراب الوطني.

أما بخصوص هذه الإقامة المذكورة التي اشترطها المشرع المغربي، فيبدو أنها قصيرة مقارنة مع ما صرحت به  بعض الدول العربية، فالإمارات العربية مثلا حددتها في ثلاثين سنة، ومصر حددتها في عشر سنوات والبحرين حددتها في خمسة وعشرين سنة إذا كان الأجنبي غير عربي و خمسة عشر سنة إذا كان عربيا[11].

  • إثبات الدراية الكافية باللغة العربية :

اشترط المشرع في طالب التجنيس أن يكون له إلمام باللغة العربية، رغبة منه في معرفة مدى اندماجه داخل الجماعة الوطنية وسهولة تواصله معها.

والجدير بالذكر أن أغلب تقنينات الجنسية الوضعية، وإن كانت تتفق في هذا الشرط بحكم أن معرفة لغة الدولة أداة لازمة للاندماج في جماعتها، إلا أنها تختلف في بيان الدرجة اللازمة في معرفة اللغة وفي التعبير عن هذه الدرجة بنص التشريع فمنها ما ينص على ” الإلمام باللغة “، ومنها ما ينص على  ” الإلمام الكافي باللغة “، ومنها ما ينص على ” القدرة على القراءة وكتابة اللغة ” ومنها ما ينص على فهم اللغة فهما يشمل القدرة على القراءة والكتابة” ومنها ما ينص على اشتراط ” معرفة كافية باللغة العربية ” كما هو الشأن بالنسبة للتشريع المغربي.[12]

لكن التساؤل يطرح حول المقصود باللغة العربية؟ هل هو اللغة العربية الفصحى أم الدارجة؟

في اعتقادنا أن المطلوب في المجنس الإلمام باللغة العربية الفصحى باعتبارها لغة رسمية للبلاد، وليس اللهجة المغربية حتى ولو كانت وسيلة التواصل الشائعة في البلاد.

وهنا نطرح سؤال حول اعتبار الإلمام بالأمازيغية شرطا من شروط قبول التجنيس، كونها هي كذلك لغة رسمية للبلاد، بعد أن ارتقا بها الدستور المعدل لسنة 2011 إلى مصاف اللغات الرسمية للبلاد في فصله الخامس.

  • الشروط المتطلبة لحماية المجتمع الوطني

استلزم  المشرع المغربي في هذا الصدد تحقق مجموعة من الشروط في المرشح لاكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس، هادفا من ورائها ضمان الحماية للمجتمع المغربي، ومن هذه الشروط:

أ. أن يكون حسن السيرة والسلوك وأن لا يكون له سوابق

يتضح من خلال هذا الشرط أن المشرع يهدف إلى حماية المجتمع وصيانته من جميع المناحي، حيت سعى إلى عدم دخول أشخاص من ذوي السوابق والسلوك غير السوية تدعيما للمقومات التي يقوم عليها المجتمع.

وهنا قد يطرح سؤالين مفادهما، هل يجب أن يكون الحكم الصادر بالإدانة من أجل جنحة أو جناية ابتدائيا فقط أم يجب أن يكون هذا الحكم نهائيا؟ وكذلك فيما إذا كان يدخل في ذلك الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية فقط أم حتى الأحكام الأجنبية الصادرة ضد المرشح للتجنيس ؟

في هذا الخصوص نرى أنه إذا كانت الجنسية منحة تمنحها الدولة لطالبها وفق شروط محددة قانونا، فإنه ليس هناك ما يمنع على  الجهة المختصة في إطار سلطتها التقديرية الأخذ بعين الاعتبار هذه المسائل، خاصة وأن الحكم الصادر ضد طالب التجنيس عما اقترفه من جنايات أو جنح  يؤكد عن عدم صلاحيته في الانتماء إلى هذه الجماعة كقاعدة عامة.

لكن استثناءا فإننا نرى أنه يجب على المشرع أن ينص صراحة عن نوع الحكم الصادر ضد طالب التجنيس، وأن يقر بأن هذا الحكم يجب أن يكون نهائيا، لأنه إن لم يكن كذلك سيؤدي إذا أخدنا بالحكم الابتدائي إلى المس بعدد من المبادئ المكرسة دستوريا من أهمها قرينة البراءة وكذا مبدأ التقاضي على درجتين، حيث يمكن لطالب التجنيس بعد صدور حكم بالإدانة أن يقدم طلب التجنيس وبعد الاستئناف يتم تبريئه من المنسوب إليه فمن الحيف هنا رفض طلب التجنيس على أساس الحكم الابتدائي الذي قضى بإدانته.

ب.أن يكون سليم العقل والجسم.

الغرض من التجنيس هو تغذية الشعب المغربي بالعناصر المفيدة التي قد يكون في حاجة إليها، ومن البديهي أن السماح بتجنيس المصابين بإعاقة ذهنية أو مريضا بمرض خطير لا شفاء منه أو معاقا لا فائدة من إدماجه في المجتمع المغربي يتنافى مع هذا الغرض، لأن طالب التجنيس الموجود في هذه الوضعية كقاعدة عامة، من الصعب عليه إيجاد وسيلة للكسب المشروع، وسيكون عالة على غيره وعلى المجتمع المغربي وهذا الأخير ليس في حاجة إلى أشخاص قد يشكل مرضهم أو إعاقتهم عبئا على ميزانية الدولة وتهديدا للنظام العام[13].

ج أن يكون لطالب التجنيس وسائل مشروعة  كافية للعيش

إن المقصد من هذا الشرط كما هو واضح تفادي صيرورة الأجنبي الوافد على المجتمع المغربي عالة على الدولة، فمن غير المعقول أن يكون التجنيس وسيلة لإثقال كاهلها الدولة، وإنما المفترض أن يكون الراغب في الجنسية سببا في دعم اقتصادها لا في إرهاقه فلا أقل من أن تكون  لطالب التجنيس وسيلة مشروعة للعيش تعينه ومن يعول[14] .

2-الشروط الشكلية للتجنيس العادي

اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس يعتبر من الأعمال الإرادية، فلا بد للمجنس من تقديم طلب الحصول على الجنسية المغربية إلى الجهات المختصة لأن المشرع المغربي لا يفرض جنسيته على أحد.

وتتمثل الشروط الشكلية بالدرجة الأولى في ضرورة تقديم المعني بالأمر بتصريح يعبر فيه عن رغبته في الدخول في الجنسية المغربية معززا طلبه بما يثبت تحقق جميع الشروط الموضوعية المتطلبة قانونا للتأكيد على الاندماج في المجتمع المغربي.

لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو ما الوقت الذي يجب على طالب التجنيس أن يتقدم فيه بطلبه ؟

إن الفصل 11 من قانون الجنسية[15] حسم في  هذه المسألة، حين نص على ضرورة الإقامة الاعتيادية والمنتظمة في المغرب خلال السنوات الخمس السابقة على تقديم طلب التجنيس وهذا يعني أنه من لم يقدم طلبه خلال المدة المحددة قانونا يعتبر قرينة على رفضه الانخراط داخل الجماعة الوطنية.

مقال قد يهمك :   طــرق إقـامة الـدعوى الـعمومية مـن طـرف الـنيابة العامة علـى ضـوء قـانون الـمسطرة الـجنائية

إذا استوفى طالب التجنيس جميع الشروط المنصوص عليها وفقا للمادة 11 من قانون الجنسية، فإن المعني بالأمر يقدم طلبا للجهات المعنية.

ويقدم الطلب إلى مصلحة الجنسية التابعة لوزارة العدل مصحوبا بجميع الوثائق والشهادات المثبتة للشروط السالفة الذكر، ويقدم الطلب شخصيا وإما بواسطة البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.

إذا كان الطلب غير مستوفي للشروط المنصوص عليها قانونا أو كانت تنقصه إحدى الوثائق المطلوبة في التجنيس، فإن وزير العدل يصدر مقررا معللا بعدم القبول ويتم تبليغه للشخص المعني.

أما إذا كان الطلب مستوفيا لشروطه فإن وزير العدل يعرضه على لجنة مكلفة بدراسة طلبات التجنيس وهي تتكون من عدة تمثيليات منها مدير الشؤون المدنية ممثلا لوزير العدل ورئيسا اللجنة، و ممثلا عن الديوان الملكي، وممثلا عن الأمين العام للحكومة، وممثلا عن وزير الداخلية، و ممثلا عن وزير الشؤون الخارجية والتعاون.

وإذا اقترحت هذه اللجنة تجنيس الشخص المعني، فإن هذه المقترحات يتم رفعها إلى الأمانة العامة للحكومة لعرضها على المجلسين الحكومي والوزاري، وإذا تمت المصادقة على هذه المقترحات يتم منح الجنسية بموجب مرسوم ينشر في الجريدة الرسمية ويكتسب الأجنبي الجنسية المغربية من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية[16].

ويتضح مما سبق أن المسطرة المتبعة للبث في طلبات التجنيس تتميز بطول الإجراءات، ولعل هذا هو الدافع من وراء عدم تحديد أجل معين للنظر في الطلبات، على خلاف التصريحات التي حدد لها أجل معين وهذا راجع لتداخل الجهات التي تبت فيها مقارنة مع  التي يبت فيها وزير العدل فقط دون سواه في ما يخص اكتساب الجنسية المغربية بالطرق الأخرى.

ثانيا : شروط التجنيس الاستثنائي

يعتبر هذا النوع من التجنيس وسيلة وأداة تستعملها الدول لتطعيم مجتمعاتها ببعض الأفراد ذوي الصفات الخاصة، لتحقيق نموها الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو هو وسيلة لمكافأة بعض الأجانب الذين أدو خدمات ذات فائدة جليلة للمغرب أو سيعود تجنيسهم على المغرب بفوائد جمة، ولم يشترط فيهم المشرع كل شروط التجنيس العادي[17]

وبخصوص التجنيس الاستثنائي فمثله مثل التجنيس العادي تطلب فيه المشرع شروطا موضوعية وأخرى شكلية.

1-الشروط الموضوعية  للتجنيس الاستثنائي

جاء في الفصل 12 من قانون الجنسية المغربي أنه: ” يجوز بالرغم من الشرط المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل الحادي عشر، تجنيس الأجنبي الذي أصيب بعاهة أو مرض من جراء عمل قام به لفائدة المغرب، كما يجوز بالرغم من الشروط المنصوص عليها في الفقرات 1 و3 و 5 و 6 من الفصل الحادي عشر تجنيس الأجنبي الذي أدى أو يؤدي للمغرب خدمات استثنائية أو تنجم عن تجنيسه فائدة استثنائية للمغرب “.

من خلال استقراء مضمون الفصل أعلاه يتبين أن الشروط المطلوبة لسلوك طريق التجنيس الاستثنائي تختلف باختلاف الحالات :

حالة الأجنبي الذي أصيب بعاهة أو بمرض من جراء عمل قام به لفائدة المغرب، ففي هذه الحالة كل الشروط المتطلبة في التجنيس العادي يجب استيفاؤها باستثناء سلامة الجسم والعقل.

حالة الأجنبي الذي أدى أو يؤدي للمغرب خدمات استثنائية أو تنجم عن تجنيسه فائدة استثنائية للمغرب، وفي هذه الحالة يعفى من أربعة شروط  وهي الإقامة في المغرب بصفة اعتيادية – التوفر على وسائل كافية للعيش – المعرفة الكافية باللغة وأخيرا سلامة العقل والجسم.

2-الشروط الشكلية للتجنيس الاستثنائي

تتمثل الشروط الشكلية في تقديم الأجنبي طلبا إلى الجهات المختصة ممثلة في شخص وزير العدل، مشفوعا بكل الوثائق والشواهد التي تثبت توفره على الشروط الموضوعية المشار إليها سلفا، وتلك التي تثبت أن ما تعرض له من عاهة أو مرض من جراء عمل قام به خدمة للمغرب، أو لفائدته أو أن يثبت أن في منحه الجنسية المغربية سيعود على المغرب بفائدة استثنائية.

غير أنه عوض عرض ملفات التجنيس الاستثنائي على المجلسين الحكومي والوزاري فإنه يتم عرضها على أنظار جلالة الملك باعتباره الجهة المختصة بالبث فيها.

وهكذا فإذا لم ترى الجهة المختصة مانعا من الاستجابة لطلبه فإنه حسب الفقرة الأولى من الفصل 13 تمنح له الجنسية المغربية بمقتضى ظهير ينتج أثاره بعد نشره في الجريدة الرسمية[18].

الفقرة الثانية : آثار اكتساب الجنسية بالتجنيس العادي والاستثنائي

عندما يستوفي طالب التجنيس للشروط الموضوعية والشكلية، وأصدرت الجهة المختصة موافقتها على منح الجنسية، وصدور مرسوم بهذا الأمر ونشره في الجريدة الرسمية، فإنه يترتب عن ذلك نشوء مركز قانوني للمجنس تتعلق به مجموعة من الآثار فردية (أولا) وجماعية (ثانيا)

أولا : الآثار الشخصية أو الفردية للتجنيس

إن المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة، لم يضع المجنس بالجنسية المغربية في مصاف الوطنيين الأصليين بمجرد تجنسه، وإنما علق تحقيق مساواته بهم على مرور مدة معينة للاستيثاق من ولائه من جهة، وللحيطة وعدم المغامرة في معاملة المجنس كالوطني دون أي قيد أو شرط من جهة ثانية.

وكنتيجة على ذلك لم يمنح المشرع المغربي المجنس كل الحقوق خصوصا منها السياسية، التي يتمتع بها الوطني الأصيل وإنما قيد تمتعه بالحقوق التالية خلال مدة معينة يطلق عليها البعض  ” فترة الريبة ” ويطلق عليها آخرون ” فترة الحرمان ” وآخرون يسمونها ” فترة الانتظار ” وهي فترة تجربة تتأكد من خلالها الدولة من حسن ولاء المجنس لها، ومدى ارتباطه بجماعتها الوطنية.

وقد قدر التشريع المغربي هذه الفترة في الفصل 17 من قانون الجنسية بخمس سنوات، تحتسب من تاريخ نشر وثيقة التجنيس بالجريدة الرسمية، وخلال هذه المدة يحرم المجنس التمتع بمجموعة من الحقوق نظرا لخطورة هذه الأخيرة وارتباطها بكيان الدولة.

ويتعلق الأمر بما يلي :

الحق في ممارسة وظيفة من الوظائف العمومية

حيت جاء في الفقرة الأولى من الفصل 17 أنه “يخضع الأجنبي المجنس طيلة خمس سنوات للقيود في الأهلية الآتية : أولا: لا يجوز أن تسند إليه وظيفة عمومية ….”

مما يعني حرمان المجنس من الوظيفة العمومية خلال مدة خمس سنوات تبتدئ من تاريخ نشر المرسوم أو الظهير في الجريدة الرسمية.

الحق في أن يكون ناخبا كلما كانت صفة مغربي شرطا للتسجيل في اللوائح الانتخابية.

فقد جاء في المادة 5 من مدونة الانتخابات[19] أنه : ” لا يمكن أن يقيد في اللوائح الانتخابية : المجنسون بالجنسية المغربية خلال السنوات الخمس التالية لحصولهم عليها ما لم يرفع عنهم هذا القيد….”.

الحق في ممارسة نيابة انتخابية

وذلك طبقا للمادة 42 من مدونة الانتخابات التي جاء فيها : ” لا ينتخب المجنسون بالجنسية المغربية خلال السنوات الخمس التالية لحصولهم عليها ما لم يرفع عنهم هذا القيد”…

ثانيا: الآثار الجماعية للتجنيس  

المقصود من هذه الآثار هو اكتساب أبناء المجنس للجنسية المغربية بالتبعية بمجرد اكتساب آباءهم إياها وعادة ما تضع التشريعات المقتضيات القانونية في هذا الإطار على نحو يهدف إلى تحقيق وحدة الجنسية في العائلة، وذلك بالسماح للأبناء مثلا في الدخول في جنسية أبيهم.

فقد بين المشرع في الفصل 18 من قانون الجنسية أنه يشمل أبناءه القاصرين غير المتزوجين فقط، غير أنه لا يمتد التجنيس إليهم إلا إذا طلب هو ذلك، مما يفيد أن تجنيسهم لا يكون تبعيا بقوة القانون، وهذا يعني حق السلطة في رفض الطلب، وفي حالة قبوله فإن منحهم الجنسية المغربية يكون نهائيا، بحيث لا يجوز لهم التخلي عنها إذا كانوا لم يبلغوا 16  سنة كاملة في تاريخ نشر وثيقة التجنيس في الجريدة الرسمية، أما إذا كانوا قد بلغوها فإن المشرع ترك لهم حرية التخلي عنها خلال الفترة الممتدة ما بين السنة ” الثامنة عشر والعشرون من عمرهم ” حسب الفقرة 3 من الفصل 18 من قانون الجنسية.

مقال قد يهمك :   إقفال الحساب البنكي بين النص القانوني والاجتهاد القضائي والممارسة

ولعل الهدف من هذا المقتضى إعطاء الحرية للمعني بالأمر في التخلي عن الجنسية المغربية إذا رأى نفسه غير مندمج في المجتمع المغربي.

أما بالنسبة للزوجة فإن قانون الجنسية لا يوجد فيه أي نص يعالج أثر تجنيس زوجها على جنسيتها مما يعني أنه لا محل لهذا الأثر عليها، وهذا هو السائد لدى مختلف النظم القانونية[20].

وآخر ما يمكن أن ندلي به في هذه الدراسة هو ما نص عليه الفصل 14 من قانون الجنسية الذي ينص على ما يلي: ” سحب وثيقة التجنيس

إذا تبين بعد إمضاء التجنيس أن المعني بالأمر لم يكن قد توفرت لديه الشروط التي يتطلبها القانون ليمكن تجنيسه ، فإنه يجوز إلغاء وثيقة التجنيس في غضون سنة تبتدئ من تاريخ نشرها ، وذلك بمقرر مدعم بأسباب وبنفس الصيغة التي صدرت بها.

إذا أدلى الأجنبي عن قصد بتصريح مزيف أو استظهر بورقة تتضمن ادعاء كاذبا أو مخطئا أو استعمل وسائل تدليسة للحصول على التجنيس ، فيجوز إلغاء الوثيقة بنفس الصيغة التي صدرت بها ، على أنه يجوز للمعني بالأمر الواجب إعلامه قانونيا أن يدلي بحجج ومذكرات في أجل ثلاثة أشهر ابتداء من اليوم الذي يطلب منه فيه الإدلاء بذلك”

خاتمة :

يتضح من خلال دراستنا لموضوع الجنسية المكتسبة عن طريق التجنيس أن المشرع في تعديله الأخير لقانون الجنسية المغربي الصادر سنة 1958، والذي تم تتميمه بموجب القانون رقم 62.06، قد وسع من دائرة الطرق التي يمكن بموجبها اكتساب الجنسية المغربية.

ويعتبر التجنيس من التقنيات التي ابتكرها التقنين المغربي لم يكن لها نظير في ظل قانون 1958.

فمن خلال دراستنا هذه لموضوع التجنيس ونظامه القانوني خرجنا بالعديد من الخلاصات أهمها :

  • التجنيس لا يتم إلا باجتماع إرادتين، تتمثل الأولى في وجود تعبير صريح من الفرد عن رغبته في الدخول في جنسية الدولة، أما الثانية فتتمثل في موافقة هذه الدولة في دخول الفرد في جنسيتها من عدمها.
  • يتوقف اكتساب الأجنبي للجنسية المغربية عن طريق التجنيس على تحقق شروط حددها المشرع في الفصل 11 المعدل والمتمم بموجب المادة الأولى من القانون رقم06 مع مراعاة الحالات الاستثنائية الوارد عليها النص في الفصل 12 المعدل والمتمم بموجب المادة الأولى من القانون رقم 62.06.
  • بمجرد ما يستوفي طالب التجنيس للشروط الموضوعية والشكلية، وأصدرت الجهة المختصة موافقتها على منح الجنسية، وصدور مرسوم أو ظهير بهذا الأمر ونشره في الجريدة الرسمية، فإنه يترتب عن ذلك نشوء مركز قانوني للمجنس تتعلق به مجموعة من الآثار فردية وجماعية.
  • يخضع المجنس للتجريد من الجنسية المغربية، حيت تسحب منه وثيقة التجنيس بعد منحها له إذا تحققت إحدى الحالات الواردة في الفصل 14 من قانون الجنسية المغربي.

ولأجل تجاوز بعض الإشكالات التي ما يزال يطرحها موضوع التجنيس نقترح:

  • تنصيص المشرع صراحة بوجوبية الأخذ بالأحكام النهائية الصادرة عن القضاء المختص سواء كان مغربيا أو أجنبيا احتراما للمبادئ المكرسة دستوريا.
  • إبداء المشرع لرأيه في حق اللغة الأمازيغية وهل يمكن اعتماد الإلمام بها كقرينة على أن طالب التجنيس قد تحقق لديه الشرط الرامي إلى المعرفة الكافية باللغة الرسمية للبلاد، وخصوصا أن دستور 2011 ارتقى بها إلى مصاف اللغات الرسمية للبلاد.

الهوامش : 

[1]  “تبين الإحصاءات المتوفرة لدى وزارة العدل أن عدد الأجانب الذين اكتسبوا الجنسية المغربية عن طريق التجنيس وصل إلى حدود سنتي 2012 و2013 ما يناهز 1141 غالبيتهم من التونسيين والجزائريين والفرنسيين”  إحصاءات  أوردها الأستاذ يعيش الفارسي، محاضرات في قانون الجنسية، ملقاة على طلبة الفصل الثالث، كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض، السنة الجامعية 2012.2013، ص 46.

[2]  محمد الأطرش، القانون الدولي الخاص،  الطبعة الثانية 2004.2005. المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش. ص 232.

[3]   يعيش الفارسي، محاضرات في قانون الجنسية المغربية، مرجع سابق. ص، 45.

[4]  د: محمد المهدي، الجنسية المغربية في ضوء مستجدات القانون رقم 62.02، الطبعة الثالثة 2014، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، ص103.

[5]  د: محمد الأطرش، أحكام قانون الجنسية المغربي دراسة في الجوانب النظرية والعلمية وفق لآخر التعديلات، الطبعة الأولى 2009، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، ص128.

[6]  ومصلحة البلاد تتمثل بالأساس في جلب النفع لها عن طريق تشييد مجموعة من  الأوراش والمشاريع ترفع بالاقتصاد وتخفف من حدة البطالة، وكذا عدم المساس بالنظام العام والأمن والسكينة العامة، وتوابة المملكة.

[7]  يعيش الفارسي، محاضرات في قانون الجنسية، مرجع سابق، ص46.

[8]  محمد الأطرش، أحكام قانون الجنسية المغربي دراسة في الجوانب النظرية والعلمية وفق لآخر التعديلات، مرجع سابق، ص 129.

[9]  د: محمد المهدي،الجنسية المغربية في ضوء قانون 62.06، مرجع سابق، ص103.

[10]  د: أيوب عبد الرزاق، الوجيز في القانون الدولي الخاص، الجزء الأول، مطبعة قرطبة، حي السلام. أكادير 2015، ص121.

[11]  د: محمد المهدي،الجنسية المغربية في ضوء قانون 62.06، مرجع سابق، ص 107.

[12]  : محمد المهدي،الجنسية المغربية في ضوء قانون 62.06، مرجع سابق، ص 111.

[13]  د: أيوب عبد الرزاق، الوجيز في القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص130.

[14]  محمد المهدي،الجنسية المغربية في ضوء قانون 62.06، مرجع سابق، ص 109.

[15]  جاء الفصل 11 من قانون الجنسية المغربي للتنصيص على ما يلي:” يجب على الأجنبي الذي يطلب اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس أن يثبت توفره على الشروط المحددة فيما بعد مع مراعاة الأحوال الاستثنائية المنصوص عليها في الفصل الثاني عشر : أولا- الإقامة الاعتيادية والمنتظمة في المغرب خلال السنوات الخمس السابقة على تقديم طلب التجنيس ، مع الإقامة في المغرب إلى حين البت في الطلب ؛…”

[16] د: أيوب عبد الرزاق، الوجيز في القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص136.

[17] د: أيوب عبد الرزاق، الوجيز في القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص137.

[18]  يتضح من خلال الدراسة التي قمنا بها في هذا المطلب أن التجنيس العادي يمنح بموجب مرسوم حكومي، أما التجنيس الاستثنائي يتم بموجب ظهير شريف صادر عن المؤسسة الملكية بعد نشرهما في الجريدة الرسمية.

[19]  الظهير الشريف رقم 1.97.83 الصادر في 2 أبريل 1997، بتنفيذ القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات،

[20]  د: محمد المهدي، الجنسية المغربية في ضوء مستجدات القانون 62.06، الطبعة الأولى 2010، مطبعة دار القلم الرباط، ص127.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]