إشكالية تذييل الأحكام الأجنبية بالمغرب في موضوع قضايا ثبوت النسب
- من إعداد : الحسين بوخرطة.
مع التزايد المستمر لعدد المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة بالدول الغربية، يتزايد عدد القضايا العالقة والمعقدة التي تخص حياتهم المدنية وأّحوالهم الشخصية نتيجة التباين الواضح في بعض مضامين القوانين التشريعية ما بين بلدان الإقامة وبلدهم الأصل.
فنتيجة للسياسات الإدماجية التي تنتهجها الدول المتقدمة، وما تحدثه من تكيف ثقافي يتحول مع مرور الوقت إلى اعتقاد راسخ لدى الجالية المغربية كونه أصبح مكتسبا حقوقيا على المستويين الفردي والجماعي، بحيث ينتج عن ذلك أنماط حياة عادية تختلف في بعض جوانبها عن ما هو مسطر بقوانين بلدهم الأصل. وتزداد حدة هذا الاعتقاد مع تعاقب الأجيال، لتشتد قوتها هند الأجيال المزدادة والمترعرعة وسط الحضارة الغربية.
وإذا كانت الجالية المغربية، بأجيالها الأربعة، تعيش هذا التطور الثقافي بدرجات تأثير قوية نتيجة الممارسات الاعتيادية اليومية في مجتمعات بلدان الإقامة، فإن مغاربة الداخل بدورهم، نتيجة تطور وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، يتعرضون لنفس التأثيرات؛ لكن بدرجات أقل، لتكون حياة جيل معين من المغاربة مختلفة نوعا ما في الشكل والمضمون عن حياة الأجيال السابقة وثقافتهم (في الفضاء الأزرق نلاحظ أن عددا كبيرا من الأصدقاء والصديقات يقرون بأنهم يعيشون في وضعية En couple، والتي قد يترتب عنها نتائج شبيهة لما يقع غربيا، كإنجاب أبناء خارج نطاق الزواج الموثق والذي بإمكانه أن يكون شرعيا من الناحية الدينية مع افتراض تنصل الآباء من المسؤولية في حالة الوقوع في وضعية عدم القدرة على التحمل المادي).
قد يتساءل القارئ عن سبب إدراج هذا التقديم في هذا المقال. الجواب بسيط للغاية. بعدما عايشت عددا كبيرا من المعاناة التي يتحملها عدد من النساء والشباب المغاربة المقيمين بالخارج في موضوع إثبات النسب، قررت الإدلاء بدلوي في هذا الموضوع الشائك والبسيط في الوقت نفسه، من أجل إيصال هذه المعاناة إلى مصادر القرار ببلادنا.
هناك عدد كبير من الشباب المغاربة المقيمين بالخارج معية أمهاتهم، عند بلوغهم سن الرشد، لجؤوا إلى المحاكم الغربية من أجل إثبات نسبهم لآبائهم. وهنا، لا بد من الإشارة إلى كون أغلب المهاجرين الذكور المغاربة التحقوا في البداية بالدول الغربية لوحدهم، وتركوا أسرهم بالمغرب، وعاشوا ببلاد المهجر كعمال لعدة سنين قبل اللجوء إلى مسطرة التجمع العائلي. بالطبع، في أغلب الحالات، أصدرت المحاكم الأجنبية، بعدما تم اعتماد الخبرة الطبية، أحكاما بالصيغة التنفيذية تأمر كل مؤسسات دول الإقامة بإثبات نسب رافعي الدعاوى مائة في المائة (99.99%)، بتمكينهم من حقهم في الاسمين العائلي والشخصي لآبائهم.
هذا مع العلم أن الأمهات، من أجل سلوك مسطرة التجمع العائلي لأبنائهن عند ولاتهم خارج إطار الزواج الموثق، لم يكن في مستطاعهن سوى اللجوء إلى مسطرة تسجيلهن بسجلات الحالة المدنية المغربية على أساس كونهم مجهولي الآباء، بحيث منهم من مكنته أمه من اسمها العائلي، ومنهم من اختير له اسم كشاف الأسماء العائلية المغربية مع تعبئة خانة اسم الأب باسم شخصي من أسماء العبودية.
وعليه، فبتنفيذ حكم دولة الإقامة، يسقط الشاب في وضعية محيرة حيث يصبح صاحب هويتين مختلفتين: الأولى تزكي نسبه لأبيه (دولة الإقامة)، والثانية يحمل من خلالها الصفة الذميمة “مجهول الأب”، ليطرح، أمام هذه النازلة، سؤال تذييل الأحكام الأجنبية في هذا الموضوع الحساس وطنيا والعادي دوليا؟. إنها نازلة تحتاج في الوقت نفسه، وباستعجال، إلى مبادرات مؤسساتية لتخفيف المعاناة على هذه الفئة من الشباب المغربي، المعتز بوطنيته، والمتشبث بنسبه. إنهم يعيشون في وضعية متناقضة كليا مع منطق الهوية كما هو متعارف عليها دوليا. إن هذه الفئة من الشباب تعيش بهويتين متباينتين، الشيء الذي يجعلها في مأزق وأمام صعوبات جمة كلما فكرت في العودة في العطل إلى بلادها الأصل، أو الزواج بالمغرب، أو اقتناء ممتلكات متحركة أو ثابتة بوطنها،…إلخ.
فإذا افترضنا وجود صعوبات مؤقتة في شأن الاحتكام إلى الخبرة الطبية لإثبات النسب بالنسبة لمغاربة الداخل، يبقى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في هذا المجال مطروحا مؤسساتيا.
إن المعنيين بهذا الموضوع لا يجدون أي تبرير لموانع إعطاء الحجية اللازمة للتطبيق للأحكام التي استصدروها في دول الإقامة على تراب المملكة المغربية طبقا للمادة 30/2 من قانون المسطرة المدنية التي تقول:
“لا تنفذ في المغرب الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودهما”.
خاتمة :
لقد لمسنا في هذه الفئة من الشباب، والذين يحملون في أغلب الحالات جنسيتين: الأولى بحكم مسقط الرأس (بلد الإقامة)، والثانية بحكم الأصل (المغرب)، التصاقا وجدانيا كبيرا بالوطن. إنهم لا يستوعبون هذا التباين الذي يحرمهم من تقديم طلباتهم إلى المحاكم المغربية لتتأكد من صحتها ومن اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرتها، خصوصا أنهم يعتبرون هذا الحق لا يمس لا من قريب ولا من بعيد بالنظام العام المغربي. إنهم لا يستسيغون التوفر على جوازين مختلفين: الأول مغربي أخضر باسم عائلي لأب مجهول، والثاني غربي بنسب أبيهم الحقيقي. أما وضعية الأمهات في علاقاتهم مع أبنائهم في هذا الموضوع تكاد تتحول إلى أزمة نفسية محزنة ويأملون أن لا تصبح مزمنة
تعليقات 0