إشكالية المحددات الضابطة للمساهمة المجانية في إطار المادة 37 من القانون المتعلق بالتعمير
الزكراوي محمد باحث في الشؤون القانونية والإدارية
تعد إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، من بين أهم المساطر و الإجراءات الدقيقة التي تلجأ إليها الإدارة لاستيفاء مطالبها واحتياجاتها، و لاشك أن المرجعية في الأهمية والتدقيق الإجرائي هتا، تكمن في مدى التزام الإدارة نازعة الملكية بالقواعد القانونية المنظمة لهذا الإمتياز، وفي هذا السياق وارتباطا بموضوع بحثنا حول منازعات المساهمة المجانية المتعلقة بإحداث الطرق الجماعية العامة، تثار مجموعة من الإشكاليات التي تطرحها مساطر نزع الملكية العامة و المتعلقة بمسألة التنزيل السليم لقاعدة الربع المجاني، أو ما يطلق عليها تطبيقات المساهمة المجانية في إحداث الطرق العامة.
فمن المعلوم أن حق الإدارة بالاستفادة من تطبيقات قاعدة الربع المجاني ينشأ عندما تكون مسطرة نزع الملكية جارية من أجل إنشاء الطرق والساحات العامة فقط ، ولا تتوجب المساهمة المجانية في غيرها من الحالات الأخرى، فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 37 من قانون التعميرـ 90/12 كما تم تتمينه وتعديله ، يكون مالك كل بقعة أرضية تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة مدعو للمساهمة مجانا في إنجازها إلى غاية مبلغ يساوي قيمة جزء من أرضه يعادل مستطيلا يكون عرضه عشرة أمتار وطوله مساويا لطول واجهة الأرض على أن لا تتعدى هذه المساهمة ربع البقعة الأرضية،, و بناء عليه، فإذا كان المشرع قد فرض على ملاك العقارات التي تصير أو تبقى مجاورة للطرق العامة الجماعية ارتفاق المساهمة المجانية في حدود الربع العقاري، فإنه في مقابل ذلك أوجب على الإدارة الحصول على رضا المالك أو سلوك مسطرة نزع الملكية من آجل المنفعة العامة،
و نظرا لأهمية الموضوع و ما يصاحبه من إشكالات عملية و قانونية من حيث التنزيل السليم لمسطرة المساهمة المجانية المتعلقة بإحداث الطرق الجماعية العامة، نتساءل إلى أي مدى يمكن تنحصر قاعدة و تطبيقات قاعدة الربع المجاني على إحداث الطرق داخل المدار الحضري من قبل المجالس الجماعية؟ و هل يمتد أثرها إلى الأراضي الواقعة خارج الدوائر الحضرية ؟، و من جهة أخرى هل المساهمة المجانية قاصرة على إحداث الطريق الجماعية أم أنها تشمل أيضا عمليات التوسعة ؟، خصوصا و أن العمل القضائي عرف تباينا في المواقف بخصوص هذه النقطة؟ ما مدى المساهمة المجانية في حالة إستغراق الطريق لكل الأرض حيث في هذه الحالة تنتفي المجاورة التي تعد مناط إرساء المساهمة المجانية؟.
أولا: ماهية الاقتطاع المجاني نطاقه وشروط صحته
لتحديد ماهية الربع المجاني، نتطرق أولا إلى تحيد مفهوم نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، حيث يقصد به إجراء قانوني مسطري تقوم به الإدارة والذي بموجبه يتم نزع ملكية عقار من مالكه أو حق التصرف أو الانتفاع به أو الارتفاق عليه بمقتضى أحكام القانون المنظم لعملية نزع الملكية، ويستفاد من هذا التعريف أن نزع الملكية يشمل حق الملكية، وحق التصرف، وحق الانتفاع، وحق الارتفاق، في حين المقصود بتطبيقات الربع المجاني أو ما يطلق عليه المساهمة المجانية هو لجوء الإدارة إلى نزع جزء من ملكية عقار خاص من أجل فتح، أو توسيع طريق عام، شريطة أن لا تتجاوز مساحة العقار المنزوع ملكيته ربع مساحته الإجمالية، فيقتطع مجانا ما لا يزيد على ربع مساحة الأرض، هذا من جهة، و من جهة أخرى اقتطاع الربع المجاني يتوقف على توافر شرطين، هما حصول نزع الملكية للنفع العام وإلحاق العقارات المنزوعة ملكيتها بالأملاك العامة، فإذا الحقت العقارات المنزوعة بالأموال الخاصة، تخلف الشرط الثاني والتزمت الإدارة نازعة الملكية بدفع كامل قيمة العقار، كما لا يحق للإدارة أن تقتطع مجانا أكثر من ربع مساحة العقار الواحد، ولو جرى نزع الملكية من أجل المنفعة العامة على دفعات متعددة، حيث تكون الجهة نازعة الملكية ملزمة بتعويض صاحب العقار عن نزع ملكية كل قسم زائد عن ذلك، ونظرا لكون ارتباط تحقق وقيام المساهمة المجانية بمتلازمة المنفعة العامة، فإن اقتطاع الربع المجاني لا يمكن تصوره إلا في حالة ثبوت قاعدة المنفعة العامة، فإذا كان نزع الملكية لمنفعة مؤسسات ومشاريع خاصة ذات استثمار تجاري وصناعي وزراعي، فإن ذلك يخرجها من مفهوم الملك العام على أساس أن فكرة قاعدة المساهمة المجانية تنتفي في هذه الحالة لمساسها بالمقاصد التشريعية لنزع الملكية لأجل الانتفاع العام، كما إن جواز اقتطاع الربع المجاني رهبن ببقاء قسم من العقار المنزوع ملكيته قابلاً للانتفاع به، فإذا تخلف هذا الشرط و تم نزع ملكية العقار كاملاً لزم دفع بدل نزع الملكية لأجل المنفعة العامة كاملاً، فوضع اليد الذي من شأنه حرمان المالك من الانتفاع بملكه يستتبع التزام واضع اليد بالتعويض، ولا يؤثر في ذلك خضوع العقار بمقتضى قرار نزع الملكية لاقتطاع الربع المجاني ما دام العقار ما زال مسجلاً باسم مالكه طالب التعويض.
فالحق المقرر لاقتطاع الربع المجاني يتحدد بربع كامل مساحة العقار، ولا عبرة لتعدد مراسيم نزع الملكية، فإذا لم تبلغ المساحة المقتطعة بموجب مرسوم نزع الملكية من أجل المنفعة العامة الأول الربع المجاني، فإن للجماعات الترابية وسائر مؤسسات الدولة، أن تقتطع استنادا لمراسيم النفع العام الأخرى التي تصدر لإلحاق الأقسام المنزوع ملكيتها بالأملاك العامة المساحة اللازمة، شريطة أن لا يتجاوز الاقتطاع المجاني ربع كامل المساحة في كافة المراسيم المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
و في ختام هذا النقطة، نشير إلى أن الإدارة لا تستفيد من مقتضيات المساهمة المجانية ، إذا استولت على العقار بالاعتداء أمام عدم استظهار الإدارة لما يفيد مشروعية مدخلها للعقار، ذلك أنها تكون في وضعية إعتداء مادي تسأل عنه خارج قواعد نزع الملكية لأجل المنفعة العامة.
تانيا المساهمة المجانية في إحداث الطرق الجماعية بين مقتضيات المنفعة العامة وتجاوز السلطة
الملكية الخاصة ذات وظيفة اجتماعية غايتها تنمية الثروة القومية، وهي في الأصل ثمرة النشاط الفردي وحافزة على الانطلاق والتقدم، فقد كفل الدستور المغربي حمايتها وصونها وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود وبالقيود التي أوردها فقد حظر الدستور نزع الملكية الخاصة جبرا عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا لأحكام القانون.
وفي هذا الإطار فان أي تصرف يقع على عقارات الخواص من طرف الدولة و هيئاتها لا يكون مبررا إلا إذا تم في إطار مراعاة القوانين الجاري بها العمل، إلا انه ومع ذلك فقد أتبت الواقع العملي وفي كثير من الأحيان، تورط الإدارة في أعمال منافية للنظم و القوانين المؤطرة لعمليات النزع المباشر و المقاصد المراد منها، مما يجعل من الإدارة عرضة لقيام مسؤوليتها الإدارية ، هذه الأخيرة التي تتخذ صورا متعددة تتنوع بتنوع نشاطات المرافق العمومية.
وتعتبر المسؤولية عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة الذي تثبت عدم مشروعيته، من بين الصور الحديثة لقيام هذه المسؤولية، فقد تردد القضاء الإداري في إقرار المسؤولية عن مسطرة نزع الملكية من أجل النفع العام الغير مشروع، إذ كان يصرح في البداية بعدم الأحقية في التعويض وباستحقاق المنزوع ملكيته فقط باسترجاع عقاراته التي فرضت عليه بدون وجه حق، ثم الانتقال فيما بعد إلى إقرار المسؤولية في حالات نادرة على أساس أخطاء جسيمة، وذلك في إطار مسؤولية السلطات العمومية المنصوص عليها في الفصول 79 و 80 و 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود.
ولقد سار التوجه القضائي المغربي في نفس السياق، ومن ضمن الدعاوى التي أقيمت في هذا الصدد والتي تعتبر بحق مرجعا يمكن اعتماده في تحديد موقف القضاء في التأسيس لنظرية المسؤولية عن الاعتداء المادي غير المشروع في القضاء المغربي، فالأصل انه يتم اقتطاع الربع المجاني عندما تلجأ الإدارة إلى نزع الملكية بطريقة قانونية وفقا للتنظيم و التشريع الجري به العمل ويستفيد المالك من التحسين الطارئ على القسم الباقي من العقار، أما إذا عمدت الإدارة إلى وضع اليد على العقار بشكل غير مشروع خلافا للقانون، الذي حمى حق الملكية، فتكون قد إعتدت على حق الأفراد وليس لها بالتالي حق اقتطاع الربع المجاني، حيث جاء في قرار للمحكمة الإدارية بمكناس رقم 12/27(99، تقوم المساهمة المجانية لمد طريق عمومية على تلات شروط مجتمعة من حيث الطول والعرض والمساحة فتكون الأرض المنزوعة عبارة عن مستطيل عرضه لا يتجاوز 10 أمتار وطوله يساوي طول الطريق ومساحته لا تتجاوز ربع المساحة الإجمالية القطعة الأرضية المملوكة لطالب التعويض..
“وحيث إنه يمكن الجزم بوجود حالة اعتداء مادي لما ترتكب الإدارة أو أحد أعوانها أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي غير مشروع جسيم وظاهر من شأنه أن يتضمن إعتداء على حق الملكية أو مساسا بحرية من الحريات العامة، ومن تم فإن الاعتداء المادي هو كل عمل منعدم الصلة بتطبيق أي نص قانوني أن تنظيمي أو حتى بإحدى السلطات المخولة للإدارة يستعصى إدخاله ضمن ممارسات السلطة العامة…دون أن تسلك الجماعة المدعى عليها الإجراءات الواجبة إتخذاها لتحديد آثار تصميم التهيئة داخل أجل سريان تصميم التهيئة المحدد في عشر سنوات يجعلها في موضع المعتدي ماديا على عقارات المدعين ويشكل مساسا بحق دستوري كفله المشرع الدستوري لكل مواطن، وهو حق الملكية ومنعا له من التصرف فيه تصرف المالك في ملكه بكل حرية.
وهو نفس الاتجاه الذي كرسه القرار عدد 184 الصادر بتاريخ 11/4/2007 في الملفين المضمومين عدد 992/2006 و1098/2006، حيث جاء فيه ، و حيث يعيب المستأنفون الحكم بخرق مقتضيات المادة 37 من قانون 90/12 ، ذلك أن المحكمة قضت عليهم بالمساهمة في شق الطريق في حين أن الأمر يتعلق بإعتداء مادي صرف حرمهم من إستغلال أرضهم وأن المحكمة بالرغم من أهمية العقار كما حددتها خبرة الخبير ، فهي عمدت إلى خفض التعويض ملتمسين إلغاء الحكم جزئيا في شقه المتعلق بالمساهمة والحكم وفق طلباتهم، لكن حيث إن صدور المرسوم المصادق على تصميم القضية لا يعطي الحق للمستأنفة في و ضع يدها على العقار المدعى فيه وتفعيل تصميم التهيئة بشق طريق قبل أن تسلك مسطرة نزع الملكية وتقديم دعوى الفصل 18 من قانون نزع الملكية ، مما لا مجال معه لتطبيق مقتضيات المساحة المجانية، كما جاء بحيثيات الحكم عدد 649/2010 الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير حين أكدت على ما يلي:
و حيث أثار الطرف المدعى عليه ضرورة إخضاع التعويض لمقتضيات المادتين 37و38 المذكورتين أعلاه تكون واجبة التطبيق في حالة ما إذا احترمت الإدارة القانون وقامت بنزع ملكية العقارات المعنية تطبيقا للقانون رقم 7/81 المنظم لنزع الملكية من اجل المنفعة العامة.
وفي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمكناس مؤكدة، أنه لا مجال للحديث عن المساهمة المجانية أمام اعتداء الإدارة على ملكية المدعي وأن هذه المساهمة لا تكون إلا في إطار القانون المنظم لنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وهذه الأحكام تأتي إنسجاما مع ما تواترت عليه الغرفة الإدارية لدى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا ) والتي أجمعت على أن المعتدى على عقاره إعتداء ماديا غير معني بالمساهمة المجانية في إحداث الطريق العمومية.
و نرى أن سند قيام مسؤولية الدولة ومرافقها في خرق مساطر نزع الملكية تقوم بناء على مسؤوليتها التقصيرية التي ينظمها الفصل 79 من قانون الإلتزامات والعقود والذي يعتبر أن الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها.
ثالثا : الرقابة القضائية على القرارات المتعلقة بالمساهمة المجانية في إحداث الطرق الجماعية العام
إذا كان ضبط المجال الحضري وتنظيمه ضرورة من الضرورات الاقتصادية والاجتماعية، فإن الجميع يتحمل الأعباء المترتبة عن ذلك وفقا لما ينص عليه الفصل 40 من الدستور الذي جاء فيه مايلي: على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، .
ونظرا لما تقتضيه المصلحة العامة في إحداث الطرق وتوسيعها ، فإن المجاورين لها مكلفين بالمساهمة المجانية في حدود ربع مساحات عقاراتهم ىذلك في إطار تحمل الأعباء المترتبة عن ذلك وفقا لما ينص عليه الفصل 40 من الدستور، وذلك كله وفقا للقوانين المنظمة، وفي إحترام للمساطر المعمول بها ،وهكذا فإذا كانت لمقتضيات المادة 37 من قانون التعمير رقم 90/12 ، تقضي بأن يكون مالك كل بقعة أرضية تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة بالمساهمة مجانا في إنجازها إلى غاية مبلغ يساوي قيمة جزء من أرضه يعادل مستطيلا يكون عرضه عشرة أمتار وطوله مساويا لطول واجهة الأرض على أن لا تتعدى هذه المساهمة ربع البقعة الأرضية، فإن مساهمته تلك مشروطة، بأن تقوم الإدارة من الاستاذة من الربع المجاني في إحترام للقوانين و المساطر الظابطة لعمليات النزع من أجل المنفعة العامة ، فالمعتدى على عقاره إعتداء ماديا غير معني بالمساهمة المجانية في الطريق العمومية ، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في القرار السالف الذكر عدد 184 الصادر بتاريخ 11/4/2007في الملفين المضمومين عدد 992/2006 و1098/2006، والذي جاء فيه بأن المعتدى على عقاره إعتداء ماديا غير معني بالمساهمة المجانية في إحداث الطريق العمومية.
ولتحديد ماهية إحداث الطرق المشمولة بتطبيقات المساهمة المجانية للمجاورين لها، فإننا نرى أنها تشمل نطاق تطبيق قرارات تخطيط حدود الطرق العامة وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية، ذلك أن المرسوم رقم 2.83.620 الصادر في 4 رجب 1410 (فاتح فبراير 1990) المتعلق بطرق المواصلات، قد حدد طرق المواصلات في أربعة أصناف : وهي الطرق الوطنية والطرق السيارة ، الطرق الجهوية، الطرق الإقليمية ، الطرق الجماعية (طرق المواصلات غير الوطنية والجهوية والإقليمية) حيث يمكن إحداث الطرق الجماعية عن طريق مرسوم بإعلان المنفعة العامة يتخذ لنزع ملكية العقارات الواقعة في عرض الطريق ، والذي يعتبر النص القاضي بالمصادقة عليها بمثابة إعلان بأن الأشغال والعمليات التي ينص عليها تعتبر ذات منفعة عامة، وشأن ذلك تصميم التهيئة وتصميم نمو التكتلات العمرانية القروية، و تحدث كذلك عن طريق قرار تخطيط حدود الطرق العامة الذي يتخذه رئيس المجلس الجماعي والذي يعلن بأن الأشغال التي ينص عليها تكتسي طابع المنفعة العامة.
ألا أنه رغم وضوح النصوص المنظمة في تحديد ماهية طرق المواصلات ،فإن تطبيقات المادة 37 من قانون التعمير ، بخصوص تطبيقات قاعدة الربع المجاني على إحداث الطرق داخل المدار الحضري من قبل المجالس الجماعية، و هل يمتد أثرها إلى الأراضي الواقعة خارج الدوائر الحضرية ؟، و من جهة أخرى هل المساهمة المجانية قاصرة على إحداث الطريق الجماعية أم أنها تشمل أيضا عمليات التوسعة ؟، خصوصا و أن العمل القضائي عرف تباينا في المواقف بخصوص هذه النقطة، وفي هذا السياق جاء قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 3390 ، بتاريخ 11-9-2012 بالقول ، وحيث تعيب المستأنفة الحكم المستأنف بخرق المادة 37 من قانون التعمير، ذلك أن المحكمة رفضت طلبها في الشق المتعلق بمساهمة المالك المجانية طبقا للمادة المذكورة بعلة أن تطبيقها يقتصر داخل الدوائر التابعة للجماعات المحلية سواء كانت حضرية أو قروية دون الطرق الوطنية، وحيث صح ما عابت به المستأنفة على الحكم المستأنف ذلك أن المادة 82 من القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير تقضي بسريان المادة 37 المتعلقة بالمساهمة المجانية كذلك على إنجاز طرق المواصلات البرية، مما كان معه الحكم المستأنف صدر خارقا للمادة المذكورة لما قضى بعدم إمكانية تطبيق المساهمة المجانية حول بناء طريق وطني ويتعين إلغاؤه في هذا الجانب، وحيث إنه وفق المادة 37 يكون مالك كل بقعة أرضية تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة بالمساهمة مجانا في إنجازها إلى غاية مبلغ يساوي قيمة جزء من أرضه يعادل مستطيلا يكون عرضه عشرة أمتار وطوله مساويا لطول واجهة الأرض، على أن لا تتعدى هذه المساهمة ربع البقعة الأرضية، وحيث إن مساحة القطعة المنزوعة 150 متر مربع فإن مقدار المساهمة المجانية يجب ألا يتعدى 37,5 متر مربع ويبقى لفائدة المالكين 112,5 × 15 = 1687,5 درهم..
أما بخصوص توسعة الطرق وعلاقتها بالمساهمة المجانية، فإننا نعتبر مشروع تطوير وتوسعة الطريق العام الدائري من نقطة إلى أخرى، من أعمال المنفعة العامة، حيث يضل المجاورين لهذه الطرق موضوع التوسعة ملزمون بالمساهمة المجانية نظرا لما تقتضيه المصلحة الفضلى للمشاريع العام.
و من بين الإشكاليات التي يطرحها موضوع المساهمة المجانية كذلك الاجابة عن السؤال التالي : هل مجرد التخصيص في إحداث طريق عام يعطي الحق للمالك في المطالبة بالتعويض ما لم يتم تفعيل تصميم التهيئة عن طريق سلوك مسطرة نزع الملكية؟
مما لا شك فيه، أن تخصيص قطعة حسب تصميم التهيئة، لإنجاز إحدى التجهيزات العامة يعتبر طبقا للمادة 28 من قانون التعمير، بمثابة إعلان بأن المنفعة العامة تستوجب نزع ملكيتها ومعنى ذلك أن مجرد التخصيص لا يعطي الحق للمالك في المطالبة بالتعويض،، ما لم يتم تفعيل تصميم التهيئة عن طريق سلوك مسطرة نزع الملكية، فالتخصيص يعتبر مجرد حلقة من حلقات مسطرة نزع الملكية، وبالتالي فإن إمكانية الحكم بالتعويض عن قيمة البقع الأرضية المخصصة لإحداث التجهيزات العامة لا تتحقق إلا بتفعيل هذه المسطرة، وفي حالة عدم تفعيلها طيلة العشر سنوات التي تسري خلالها آثار تصميم التهيئة ، فإن المالك يستعيدون طبقا للمادة 28 من قانون التعمير التصرف في أراضيهم فور إنتهاء هذا الآثار. وهكذا جاء في حكم إدارية فاس عدد 984 الصادر بتاريخ 10/07/2001 الملف الإداري رقم 121/199، معلنة أن الإدارة لم تعمل على تفعيل تصميم التهيئة بفاس، ومادام أن العقار لازال بيده، وهو موضوع إعلان عن المنفعة العامة حسب مدلول المادة 28 من القانون رقم 12.90 المشار إليه أعلاه، فإن المدعي لم يحرم من هذا العقار بصفة دائمة، ذلك أنه بوسعه وحسب نفس المادة المذكورة استعادة التصرف فيه في حالة عدم تنفيذ تصميم التهيئة بعد انتهاء أجل 10 سنوات من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ،وبالتالي، فإن طلبه الرامي إلى الحكم لفائدته بالقيمة العقارية لهذا العقار بسبب النقل الجبري لملكيته وحرمانه الدائم منه الذي لم يتحقق، يبقى طلبا سابقا لأوانه ومآله عدم القبول.
أما بخصوص نطاق التعويض عن النزع المباشر من أجل المنفعة العامة، فبالرجوع إلى المادة 30 من قانون التعمير نلاحظ أنها قد وضعت تأطيرا قانونيا للأحقية في الحصول على التعويضات المستحقة عن العقارات المشمولة بتخصيص عمومي، حيث نصت على أن أصحاب الأراضي اللازمة لإنجاز التجهيزات الواردة في البنود 3 و4 و5 و6 من المادة 19 يستحقون تعويضات عن أراضيهم، تحدد فيما يخص الطرق باعتبار العناصر المحددة في المادتين 37 و38 ، أما التجهيزات الأخرى عدا الطرق، فتطبق عليها الأحكام المنصوص عليها في القانون رقم 81.7 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة والاحتلال المؤقت، لذلك فالتجهيزات المنصوص عليها في البنود 3 و 4 و5 و 6 من المادة 19 من قانون التعمير ، المتعلقة بحدود الطرق والمسالك والمساحات ومواقف السيارات، الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها أو إحداثها وحدود المساحات الخضراء العامة وميادين الألعاب والمساحات المباحة المختلفة كالساحات المخصصة للتظاهرات الثقافية والفلكلورية الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها أو إحداثها وكذا حدود المساحات المخصصة للنشاطات الرياضية والمواقع المخصصة للتجهيزات العامة كتجهيزات السكك الحديدية وتوابعها والتجهيزات الصحية والثقافية والتعليمية والمباني الإدارية والمساجد والمقابر وكذا دوائر القطاعات الواجب إعادة هيكلتها أو تجديدها، فهذه الأخيرة لا تطبق عليها مقتضيات المادة 37 من قانون التعمير على أساس أن المشرع حدد نطاق تطبيقات المادة المذكورة في إحداث الطرق ،ولو أراد غير ذلك لنص على باقي المسالك وأخضعها لمبدأ الربع المجاني ومقتضياته، الشيئ الذي جعل من المشرع الإحالة بشأنها الى قانون نزع الملكية ،حيث تطبق عليها الأحكام المنصوص عليها في القانون رقم 81.7 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة والاحتلال المؤقت.