إشكالية إيقاع الرهن الرسمي على العقار في طور التحفيظ
محمد القسطيط ماستر الدراسات العقارية بطنجة
مقدمة:
تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية وحقوق عينية تبعية، بحيث نص المشرع المغربي في المادة 8 من قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية على أن:
“الحق العيني العقاري هو سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين، ويكون الحق العيني أصليا أو تبعيا”.[1]
وما يهمنا في هذا المقال هي الحقوق العينية التبعية التي يقف وجودها على حق آخر تقوم لضمانه وتأمين الوفاء به.
فهي إذن الحقوق القائمة بغيرها والتي لا يتصور وجودها بدون حق أصلي ترتكز عليه وتكون تابعة له كالرهن الحيازي والرهن الرسمي والامتياز، فالرهن مثلا المخصص لتأدية مبلغ من النقود يحتاج وجوده إلى وجود التزام بتأدية المبلغ المذكور بحيث لولا وجود هذا الالتزام لما قام الرهن.[2]
وستقتصر دراساتنا على الرهن الرسمي باعتباره الأداة القانونية الأكثر فعالية وضمانا للدين، كما لا يفوتنا أن نشير إلى كونه أهميته الاقتصادية، إذ يشجع على الاقتراض مما يؤدي إلى تنمية الأموال واستثمارها، ومن ثم تطوير الحياة الاجتماعية.
وبناء على ما سبق نطرح الإشكال التالي:
ما هي الإشكالات التي يطرحها الرهن الرسمي المنصب على العقار في طور التحفيظ؟
للإجابة على هذه الإشكالية وغيرها سنقسم موضوعنا إلى محورين أساسيين:
- المحور الأول: تعريف الرهن الرسمي
- المحور الثاني: مدى إمكانية إيقاع الرهن الرسمي على العقار في طور التحفيظ
المحور الأول: تعريف الرهن الرسمي
لقد عرف بعض الفقه الرهن الرسمي بكونه حق عيني يترتب على عقار يبقى في حوزة صاحبه ويخصص لضمان الوفاء بالتزام، وبمقتضاه يمنح الدائن، في حالة عدم أداء المدين التزامه، حق نزع ملكية العقار محل الرهن، أيا كان حائزه واستيفاء دينه من الثمن بالأفضلية على سائر الدائنين.[3]
وبالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية قانون رقم 39.08 نجد أن المشرع المغرب قام بتعريف الرهن الرسمي في المادة 165 بقوله:
“الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء دين”.[4]
ويتضح مما سبق أن الرهن الرسمي:
ـ حق عيني
ـ حق عيني عقاري
ـ حق عيني تبعي
ـ حق عيني لا يقبل التجزئة
ـ هو حق لا يتطلب خروج العقار من حيازة المدين.[5]
ولما كانت وضعية العقار في طور التحفيظ وضعية غير مستقرة، وما يميزه هو التطور السريع الذي يلحقه باستمرار إذ لا يعتريه الجمود، وبذلك يمكن أن يكون محلا لمجموعة من التصرفات، ولما كان منح القروض يعتمد على وضعية العقار الصلبة هل يمكن القول بوجود ضمانات على مستوى العقار في طور التحفيظ؟ وما طبيعة الرهن المنصب عليه؟ وهل أي حد استطاع المشرع تنظيمه؟
المحور الثاني: مدى إمكانية إيقاع الرهن الرسمي على العقار في طور التحفيظ
يعتبر الائتمان عصب الحياة وقوامها في وقتنا الراهن، فهو أحد الركائز الأساسية في تشجيع الاستثمارات وازدهارها،[6] ويقوم الرهن العقاري على أساس العينية التي تقتضي تخصيص أموال معينة للوفاء بالدين، وهو ينقسم إلى قسمين، رهن رسمي يخول المدين حق الاحتفاظ بالشيء المرهون، ورهن حيازي يقع أساسا على عقار غير محفظ أو المنقول، يضع بموجبه المدين شيئا محددا في حيازة الدائن أو أحد من الغير يتفق عليه الدائن المرتهن والمدين الراهن.[7]
ويرتبط الرهن الرسمي أساسا بالتمويل، إذ لا يتصور قيامه بدون وجود تمويل، وقد عرفه المشرع المغربي في المادة 165 من قانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية بكونه:
“حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء دين”.[8]
فالملاحظ من خلال المادة أعلاه أن الرهن الرسمي يرد على العقارات المحفظة الخاضعة لظهير التحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ويرد على العقار في طور التحفيظ الذي لا تزال مسطرة التحفيظ جارية بشأنه.
ويتضح أن هذا التوجه التشريعي فيه دلالة واضحة على إدماج العقار في طور التحفيظ، والذي لم يتوفر بعد على الرسم العقاري في دائرة التنمية والاستثمار، من خلال السماح بإيراد رهن رسمي عليه، وجعله خاضعا للتداول والحركية باعتبار أن الوضعية القانونية للعقار في طور التحفيظ لا تجمد بفعل مسطرة التحفيظ.[9]
لكن هل يمكن تصور هذا الموقف التشريعي على أرض الواقع؟ وبصيغة أخرى هل يمكن إنشاء رهن رسمي على عقار في طور التحفيظ؟
ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن العقار في طور التحفيظ الذي لم يؤسس بشأنه رسم عقاري، لا يمكن تصور إنشاء رهن رسمي عليه بالمفهوم القانوني، إلا إذا تم تأسيس رسم عقاري له، إلا أنه في حالة ما إذا كان العقار في طور التحفيظ وانقضت آجال التعرضات، يمكن للدائن المرتهن أن يودع عقد الرهن بالمحافظة العقارية طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، ليتم تقييده عند تأسيس الرسم العقاري، كما أنه إذا تراخى طالب التحفيظ عن إتمام إجراءات التحفيظ، يمكن له أن يباشر بنفسه إجراءات التحفيظ، علما أن الفصل 11 من ظهير التحفيظ العقاري يعطي للدائن المرتهن هذه المكنة.[10]
فيطرح إشكال آخر حول الشهادة الخاصة بتقييد الرهن الوارد على العقار في طور التحفيظ، من قبيل كيفية تحقيق هذا الرهن في حالة عدم الأداء؟ وبما أن تحقيق الرهن على عقار محفظ لا يبتدئ إلا بعد الحصول على الشهادة الخاصة بالتقييد، فهل يمكن للمحافظ أن يمنح هذه الشهادة حتى في حالة ارتباط الرهن بعقار في طور التحفيظ؟
الواضح أن المادة 165 من مدونة الحقوق العينية نصت جليا على أن الرهن الرسمي يقع على العقار المحفظ أو الذي في طور التحفيظ ضمانا لأداء دين،[11] غير أن الإشكال المطروح هو أنه لم تواكب هذا المقتضى باقي النصوص الأخرى المنظمة لأحكام العامة للرهن، فعديدة هي فصول مدونة الحقوق العينية التي لا تزال تربط بعض أثار هذا الرهن بالرسم العقاري دون غيره، ومن ذلك المواد 168 و169 و174 و197 و200، كما أن المادة 214 من (م.ح.ع) التي تجعل من الشهادة الخاصة سند للتنفيذ تحيل على الفصل 58 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أن تسليم هذه الشهادة يكون في الرسوم العقارية فقط.[12]
ومادام أن المؤسسة البنكية قد تمنح قرضا على عقار في طور التحفيظ، وحتى قبل انتهاء الأجل القانوني للتعرضات، فإنه من المتوقع أن يقع التعرض على مطلب التحفيظ بعد تقييد الرهن عملا بمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن هذا التعرض الذي يكون في الغالب كيديا أو تعسفيا يضر بمصلحة كل من الدائن والمدين، ويحد من الدور الذي يلعبه العقار في طور التحفيظ خاصة في تنمية السلفات الرهنية.[13]
ويبقى المقتضى أعلاه جد محدود، لأن أهمية الرهن الرسمي تتجلى أساسا في سهولة التنفيذ على عقار المدين حال عدم وفائه بالتزاماته، لذلك إذا لم يكن بإمكان الدائن الاستفادة من مسطرة تحقيق الرهن السريعة والبسيطة على عقار في طور التحفيظ، فلا فائدة في توصيف الرهن الوارد عليه بأنه رهن رسمي، دون أن ننسى أنها ليست المرة الأولى التي يتبنى فيها المشرع هذا الوصف على غير العقار المحفظ، إنما كان ذلك منذ عقود خلت، ويظهر ذلك من خلال الصيغة الأولى للفصل 10 من ظهير التحفيظ العقاري، حيث عدد المشرع الأشخاص الذين كان يحق لهم إيداع مطلب تحفيظ، وذكر من بينهم المتمتع برهون رسمية رغم أن الأمر يتعلق بمباشرة مسطرة التحفيظ بشأن عقار غير محفظ.[14]
والدائن المرتهن ليس له الاستفادة من مزايا الرهن الرسمي في حالة عدم تنفيذ المدين للالتزامات التي تقع على عاتقه بموجب عقد القرض، وإنما يجب استصدار حكم في الموضوع قبل مباشرة التنفيذ، ومن جانبه رجح القضاء هذا الرأي، ورفض سلوك الدائن لمسطرة تحقيق الرهن الرسمي، إذا تبين أن العقار المرهون لا يزال خاضعا لمسطرة التحفيظ.[15]
فالملاحظ غياب أي نص قانوني يخول إمكانية حصول الدائن المرتهن للعقار في طور التحفيظ على شهادة التقييد الخاصة، بحيث يجد هذا الغياب سببه في أن العقار لا زال في مسطرة التحفيظ.
وحتى باستقراء مقتضيات المادة 214 من م.ح.ع، التي حددت بيانات الإنذار العقاري، فقد تضمنت عبارة “رقم رسمه العقاري” بمعنى لم تذكر مطلب التحفيظ.[16]
خاتمة:
ولما كان العقار يحظى أهمية بالغة، نظرا للطلب المستمر عليه من قبل الجميع، بغية تلبية حاجياتهم، خصوصا والحركية المتميزة التي شهدها في الآونة الأخيرة، باعتباره آلية أساسية من آليات الادخار والاستثمار بين الأفراد والمؤسسات، فهو نواة أساسية للاستثمار في المشاريع ذات الأبعاد التنموية.
فإن مشتري العقار أو الدائن المرتهن مثلا الذي يقدم له المدين عقاره على سبيل الضمان، يجب أن يطمئن إلى أن بائعه أو مدينه يمتلك العقار المبيع أو المزمع رهنه، وأن هذا العقار خال من أي عبء أو تكليف ينقص من قيمته، فلا ارتفاق مثلا يقيد وجه من أوجه استعماله، ولا انتفاع يجعل ثماره من حق الغير، ولا رهنا سابقا منح لشخص آخر يمكنه من بيعه لاستيفاء دينه من ثمنه، ولا سبيل إلى بعث هذا الإطمئنان لدى المشتري أو الدائن المرتهن إلا عن طريق نظام الشهر العقاري.
ولما كانت وضعية العقار في طور التحفيظ متذبذبة، فإنه يمكننا القول أنه لا تتوفر فيه الضمانات الكافية لتداوله بكل يسر وسهولة، مما ينعكس على الائتمان والاستثمار.
وعليه فإن مسألة وورد رهن رسمي على عقار في طور التحفيظ تعد إشكالا في حد ذاته، إذ عرف اختلاف فقهي وقصور النصوص المؤطرة لهذه الإمكانية.
الهوامش:
[1] ـ مدونة الحقوق العينية قانون رقم 39.08.
[2] ـ إدريس الفاخوري: الحقوق العينية وفق قانون رقم 39.08، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، دار نشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة ـ الرباط ـ الطبعة: 2013م، ص: 35.
[3] ـ راجع نفس م.س، ص: 321.
[4] ـ المادة 165 من مدونة الحقوق العينية قانون رقم 39.08.
[5] ـ راجع، إدريس الفاخوري: م.س، ص: 321 ـ 322.
[6] ـ يوسف افريل: الرهن الرسمي العقاري (ضمانة بنكية للدائن المرتهن)، الطبعة الأولى: 1432 ـ 2011، ص: 13.
[7] ـ يوسف مختري: حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ، سلسلة أعمال جامعية، التصفيف والإخراج مجلة القضاء المدني، الطبعة مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، التوزيع مكتبة الرشاد ـ سطات، ص: 290.
[8] ـ المادة 165 من قانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
[9] ـ إدريس الفاخوري: الحقوق العينية وفق قانون رقم 39.08، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، دار نشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة ـ الرباط ـ الطبعة: 2013م، ص: 189.
[10] ـ يوسف افريل: م.س، ص: 38.
[11] ـ نفى العديد من الباحثين أن ينصب الرهن الرسمي على العقار في طور التحفيظ، فهناك من اعتبره مجرد وعد بالرهن إلى غاية تأسيس الرسم العقاري، وهناك من اعتبره رهنا رسميا معلقا على شرط التحفيظ، ويرى آخرون على أن الأمر يتعلق بحق شخصي فقط، لكنه يتحول إلى حق عيني بعد تأسيس الرسم العقاري.
ـ راجع في ذلك: يوسف مختري: م.س، ص: 291.
[12] ـ أنظر: نفس المرجع السابق، ص: 192.
[13] ـ راجع في ذلك: سراتة عز الدين: التعرضات الكيدية وتأثيرها على المشاريع التنموية، مجلة القانون والأعمال، العدد 52 يناير 2020، ص: 14.
[14] ـ يوسف مختري: م.س، ص: 293.
[15] ـ وفي هذا المعنى اعتبرت المحكمة التجارية بوجدة: “أن الرهن المعلن عنه طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع، هو مجرد إيداع، وأن مصيره معلق على مآل مطلب التحفيظ، فإذا تحول إلى رسم عقاري أصبح الرهن رسميا، أما قبل ذلك فلا ينتج أية آثار”.
حكم المحكمة التجارية بوجدة عدد 616\02 بتاريخ 24\12\2002.
أورده: يوسف مختري: نفس المرجع السابق، ص: 291.
[16] ـ عبد الغني سلامة: الإنذار العقاري ـ في ضوء التشريع العقاري المغربي ـ بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني المعمق، تحت إشراف د. إدريس الحياني، الموسم الجامعي: 2018\2017م، ص: 32.
تعليقات 0