مجلة مغرب القانونفي الواجهةإدريس فجر: إصلاح القضاء وتكنولوجيا القضاء .. أية علاقة؟

إدريس فجر: إصلاح القضاء وتكنولوجيا القضاء .. أية علاقة؟

إدريس فجر دكتور في الحقوق

حسب بعض التعريفات، فإن مصطلح “التكنولوجيا” يعني دراسة التقنيات والوسائل، والتقنيات تعني الطريقة المنهجية المؤسسة على معلومات علمية تستعمل في الإنتاج، ولعل أسهل وأبسط تعريف هو المتاح في ويكيبيديا بمعنى “علم الأداء أو علم التّطبيق”. ففي عالم الصناعة وبفضل تطور التكنولوجيا، يمكن للمعمل الذي يصنع سيارة أو دبابة أن يصنع ثلاجة أو تلفزة أو هواتف نقالة.

كنت أتمنى على وزارة العدل وهي تقود مسيرة الإصلاح القضائي بين سنتي 2012 و2013 أن يكون أحد أوراش الإصلاح مخصصا لتمكين القضاة من “تكنولوجيا القضاء”، ولا أقصد بذلك المهارات التي يكتسبها القاضي بفضل استعمال التكنولوجيات الحديثة من حاسوب وأنترنيت وسوشيال ميديا، وبصفة عامة كل ما يدخل في العالم الرقمي.

بل أقصد من تكنولوجيا القضاء ما كان يسميه الجيل السابق من القضاة “صنعة القضاء”، التي تجمع بين التكوين العام والأساسي في أبجديات القضاء ومنهجية تحرير الأحكام، مدنية كانت أو جنائية، وبين تخصص القاضي في مادة معينة كالقضاء العقاري أو الاجتماعي أو التجاري أو الإداري…الخ.

يجب أن نصارح أنفسنا بأن تخصص القاضي بقدر ما هو نعمة فهو يحمل في طياته نقمة، بمعنى أن القاضي المتخصص يعطيك رأيه القضائي في الحكم بنسبة عالية من الصحة والدقة في مجال معين كالقضاء الإداري أو التجاري، ولكن إذا طلبت منه تعليقا على حكم جنائي أو قضاء الأسرة أجابك بكل عفوية: “اسمح لي.. هذا ليس تخصصي”، وهو على حق في ذلك، ونحييه على صراحته لأن انتقال القاضي من تخصص إلى آخر تلزمه فترة انتقالية لا تقل عن 3 أشهر للتأقلم مع النصوص الجديدة والاجتهادات المتداولة والقواعد المسطرية المطبقة، ولكن هذا لا يمنع من أن تكون للقاضي ملكة قانونية تجد أساسها في تكوين قانوني أساسي عام تجعله قادرا على الاطلاع على كل الأحكام ولا ينفر منها، وهذه الميزة يمكن للقضاة أن يتوفروا عليها بفضل تقنية “التعليق على الأحكام”، وهي مادة تدرس أكاديميا في الدول المتقدمة في مجال القانون والقضاء والدراسات الفقهية، وتكاد تكون مهملة عندنا.

مقال قد يهمك :   إكراهات التعمير بالعاصمة، بين انعدام الكفاءات وإشكالية وثائق التعمير؟

في سنة 1996 كنا في دورة تدريبية حول قضاء الأعمال، وكنا في زيارة لمحكمة الاستئناف بفيرساي VERSAILLES، وكان مخاطبنا فيها أحد رؤساء الغرف تقلد مهام رئاسة الغرف المدنية والغرف الجنائية، ويفهم في الجنائي كما يفهم في المدني بشتى أنواعه، والسر في ذلك أنه يملك “تكنولوجيا القضاء” أو الصنعة القضائية كما نعرفها نحن، ولن تخالفني الرأي، أيها القارئ الكريم، أن هذه الصنعة ذات صلة وثيقة بإصلاح القضاء الذي تعددت مصطلحاته وأبوابه ومحطاته.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]