إدريس الفاخوري: تعدد الزوجات بين النص القانوني وواقع العمل القضائي: تعليق على قرار لمحكمة النقض
أثار قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 23/6/2015 في الملف الشرعي عدد 276/2/1/2015 حيث استجابت المحكمة لطلب الزوج الراغب في التعدد لأن زوجته الأولى لم تلد الا البنات وهو راغب في انجاب ولد ذكر واعتبرت محكمة النقض بأن ذلك يشكل سببا موضوعيا واستثنائية يبرر التعدد …أقول أثار هذا القرار ردود فعل متباينة عبر وسائل الاتصال الحديثة خاصة بعض المنابر الالكترونية وعبر صفحات التواصل الاجتماعي …وأود المشاركة في هذا النقاش لعدة اعتبارات منها :
1 – تتبعي للعمل القضائي في المجال الأسري ومواكبتي لإجتهادات محاكم الموضوع ومحكمة النقض بشأن المنازعات الأسرية حيث أصدرت في السنوات الأخيرة مجموعة من المؤلفات التي ترصد بعض الاجتهادات القضائية الصادرة عن بعض أقسام قضاء الأسرة وكذا بعض القرارات الصادرة عن محاكم الإستيناف وكذا بعض مواقف محكمة النقض لما للقضاء من دور محوري في البحث عن الحلول المناسبة سواء بالصلح أو الانهاء أو الرقابة أو منح بعض الأذون …الخ حيث اصبح القضاء يضطلع بأدوار مختلفة وأساسية سواء عند قيام الرابطة الزوجية او عند انحلالها تحقيقا للأهداف التي رسمها المشرع في نصوص مدونة الأسرة والمتمثلة أساسا في انصاف المرأة وحماية حقوق الطفل وصيانة كرامة الرجل .
2 – ان النصوص القانونية مهما كانت محكمة في صياغتها فإنها تظل مع ذلك جامدة بدون روح ويبقى للقاضي صلاحية اسقاط النص على الوقائع والنوازل بما يتلائم وواقع الحال وهو أمر ينطبق في المقام الأول على القضايا الأسرية باعتبار الدعوى المقامة تتميز بخصوصية لا نجدها في الدعاوي المدنية الأخرى لأنها تمس الخلية الأولى في المجتمع في صلاحها صلاحه وفي فسادها فساده – لا قدر الله – وبالتالي فمصلحة الأسرة من مصلحة المجتمع . 3 – العمل القضائي عمل بشري يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ والغاية من نشر الأحكام القضائية هو اطلاع المتقاضين وعموم الناس على النصوص والحيثيات والأسانيد التي تم اعتمادها في إصدار الحكم …وعملية تقييم العمل القضائي يخضع للضوابط المنهجية المتعارف عليها في تحليل وتأصيل ومناقشة الاجتهادات القضائية .
ان موضوع تعدد الزوجات من أكثر المواضيع اثارة للجدل على صعيد الفقه ، وتباين مواقف التشريعات العربية والاسلامية ، وتعميما للفائدة سأتعرض بداية لمختلف الأحكام التي تؤطر موضوع التعدد في ظل مدونة الأسرة المغربية مستعرضا مجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم بمنح الترخيص بالتعدد أو برفضه ( الفقرة الأولى ) ، ثم أتعرض للموقف الذي اتخذته محكمة النقض والمتمثل في اعتباررغبة الزوج في انجاب ولد ذكر لأن زوجته الأولى لا تلد الا البنات ظرفا موضوعيا واستثنائيا يبرر التعدد ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : الأحكام العامة لتعدد الزوجات في مدونة الأسرة على ضوء العمل القضائي
لا يجوز للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، فليس له أن يتزوج بخامسة حتى يفترق عن إحداهن بالطلاق أو الوفاة، فإذا تم ذلك حلت له المرأة المراد الزواج بها لزوال مانع الزواج الذي هو مانع مؤقت، وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 39 من مدونة الأسرة: ” يمنع الزيادة في الزوجات على القدر المسموح به شرعا.”
وقد تشعبت الآراء حول مسألة تعدد الزوجات بين مؤيد ومعارض، وانعكس ذلك على موقف التشريعات العربية والإسلامية إذ وجدناها متباينة ومختلفة حول الموضوع، ويمكن إجمالا حصرها في ثلاثة مواقف أساسية: موقف يأخذ بنظام تعدد الزوجات مطلقا دون قيد أو شرط، وموقف يأخذ بنظام التعدد ولكن مع تقييده ببعض القيود والشروط، وموقف آخر يحرم نهائيا ممارسة تعدد الزوجات ويعتبر ذلك جريمة معاقبا عليها .
ونتناول مسألة تعدد الزوجات وفق العناصر التالية:
أولا : موقف الشريعة الإسلامية من نظام تعدد الزوجات.
ثانيا : التعدد في قانون الأسرة المغربي من خلال التطور التشريعي للتعدد وبيان موقف مدونة الأسرة منه.
ثالثا – واقع التعدد.
أولا : موقف الشريعة الإسلامية من نظام تعدد الزوجات بصفة عامة:
نظام تعدد الزوجات ليس مسألة جديدة جاءت بها الشريعة الإسلامية، بل من الثابت تاريخيا أن كثيرا من الأديان السابقة للإسلام قد أقرته، فقد جمع نبي الله سليمان في عصمته أكثر من تسعمائة امرأة، وكانت المجتمعات القبلية في الجزيرة العربية قبل الإسلام تعرف نظام تعدد الزوجات كغيرها من المجتمعات الأخرى .
فالإسلام لم ينشئ نظام تعدد الزوجات، ولم يدع إليه، وإنما وجده فأبقاه وزاد فنظمه[1]، وحدد عدد الزوجات المسموح بهن شرعا، وجعل للتعدد حدا أعلى لا يمكن تجاوزه وهو أربع زوجات .
والدليل على حل الجمع بين الأربع زوجات في الشريعة الإسلامية، وتحريم ما زاد على ذلك قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾[2] ، فقد أفادت الآية الكريمة إباحة التزوج بأربع زوجات، وتحريم ما زاد على ذلك كما يشير إلى ذلك سبب نزول هذه الآية، حيث نزلت في شأن الأولياء الذين وقعوا في حرج شديد في الولاية على اليتامى مخافة الوقوع في ظلمهم وأكل أموالهم بالباطل مع أنهم كانوا لا يتحرجون من ترك العدل بين الزوجات، اذ كان الواحد منهم يجمع في عصمته ما شاء من النساء ولا يعدل بينهن لذلك خاطبهم الله سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ أي إذا خفتم من ظلم اليتامى فخافوا أيضا من الوقوع في ظلم النساء وقللوا عدد الزوجات إلى حد أربع منهن فقط وإذا خفتم الظلم والجور في الزيادة فاقتصروا على واحـــدة.
وهناك أحاديث نبوية كثيرة تشهد كلها بأن عدد النساء اللاتي يمكن للزوج أن يجمعهن في عصمته أربع نساء، منها ما روي عن قيس بن الحارث الأسدي قال : ” أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” اختر منهن أربعا“[3].
وروى الترمذي عن بن عمر أن غيلان ابن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا ويفارق الباقي[4].
وهكذا فإن موقف الشريعة الإسلامية من تعدد الزوجات موقف وسط بالنظر إلى بعض الشرائع الأخرى، إذ منها من أباح التعدد على مصراعيه من غير قيد أو شرط، ومنها من منع التعدد مطلقا، وكانت الشريعة الإسلامية بين ذلك قواما[5].
وقد قيد الله سبحانه وتعالى إباحة تعدد الزوجات بقيدين أساسيين وهما : العدل بين الزوجات، والقدرة على الإنفاق .
أ – العدل بين الزوجات : أفاد ذلك قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ فالله سبحانه وتعالى أمر بالاقتصار على زوجة واحدة إذا علم الإنسان من نفسه عدم العدل أو خاف الوقوع في الظلم .
والمقصود بالعدل الذي جعله الشارع الحكيم شرطا في إباحة التعدد هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر عليه، كالعدل في الإنفاق والمبيت وحسن المعاشرة…الخ، فهذه أمور تدخل في قدرة الإنسان.
أما العدل الذي لا يستطيعه الإنسان ولا يقدر عليه وهو الميل القلبي فإنه لا يدخل في نطاق العدل المطلوب شرعا[6]، لأن مثل هذه الأمور وجدانية عاطفية تخرج عن نطاق الضبط والتحكم فيه لذلك فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾[7]، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾[8]، كما روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».
ب – القدرة على الإنفاق : أما القدرة على الإنفاق فهو شرط في الزواج بصفة عامة فمن كانت عنده زوجة واحدة ولا قدرة له بالإنفاق على زوجة أخرى حرم عليه التزوج بالثانية وهو شرط استنبطه الفقهاء من قوله تعالى : ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ .
وقد فهم هذا الشرط من قوله تعالى : ﴿ أَلَّا تَعُولُوا ﴾ فقد فسر الإمام الشافعي رحمه الله كلمة ﴿ أَلَّا تَعُولُوا ﴾ بألا تكثر عيالكم، وتطبيقا لذلك فان إباحة التعدد مقيدة بألا يكون في التعدد مظنة الإكثار من العيال[9] ، من غير أن يكون عنده من أسباب الرزق ما يستطيع معه الإنفاق عليهم وسد حاجاتهم والقيام بواجبهم[10].
وأيضا فإن القدرة على الإنفاق نصت عليه السنة صراحة وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع الباءة منكم فليتزوج»، والمقصود بالباءة القدرة على القيام بأعباء الزواج.
ثانيا : التعدد في قانون الأسرة المغربي من خلال التطور التشريعي للتعدد وبيان موقف مدونة الأسرة منه.
نشير بداية إلى موقف مدونة الأحوال الشخصية من مسألة تعدد الزوجات ، ومستعرضين التعديلات التي عرفها موضوع التعدد في سنة 1993 لنتوقف بعد ذلك على أهم المستجدات الواردة في مدونة الأسرة.
1 ـ تعدد الزوجات في مدونة الأحوال الشخصية:
كان الفصل 30 من مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 يقيد التعدد بشرط العدل بين الزوجات، إذ لا يجوز للراغب في التعدد التزوج بامرأة أخرى إذا كان هناك خوف من عدم تحقيق العدل، كما لا يجوز له العقد على الثانية إلا بعد إحاطتها علما بأنه متزوج بأخرى وأنها لازالت في عصمته، وللزوجة الحق في أن تشترط في عقد الزواج بأن لا يتزوج عليها زوجها وأنه إذا لم يف بهذا الالتزام يبقى لها الحق في طلب فسخ العقد[11].
ولم يرتب المشرع أي جزاء أو أي أثر نتيجة مخالفة هذه المقتضيات، وكان ذلك محل انتقاد شديد من قبل بعض الفقه المغربي والعديد من المهتمين بقضايا الأسرة بالمغرب.
وتدخل المشرع المغربي بموجب ظهير 10 شتنبر 1993 لوضع بعض القيود على التعدد حيث نص الفصل 30 المعدل على أنه: “يجب إشعار الزوجة الأولى برغبة الزوج في التزوج عليها والثانية بأنه متزوج بغيرها[12].
للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها وإذا تزوج فأمرها بيدها.
للمتزوج عليها إذا لم تكن اشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها.
في جميع الحالات إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لا يأذن القاضي بالتعدد”.
ونلاحظ بأن الفصل 30 المعدل هو في الحقيقة دمج لمقتضيات الفصل 30 و 31 من مدونة 1957 مع إحداث بعض التغيير في ترتيب الفقرات والصياغة، أما الجديد في الموضوع فيبدو من خلال الشروط المطلوبة للتعدد وهي :
1 – يجب على الزوج الذي يرغب في التعدد أن يخبر الزوجة الأولى برغبته في الزواج بثانية.
2 – يتعين عليه أيضا أن يخبر تلك التي يريد الارتباط بها بمقتضى عقد الزواج بأنه متزوج بامرأة أخرى.
ومن البديهي أن يكون هذا الإخبار سواء بالنسبة للزوجة الأولى أو الثانية قبل الإقدام على إبرام العقد.
3 – ضرورة الحصول على إذن القاضي بالتعدد، ولم يكن النص السابق قبل التعديل يشترط الحصول على إذن القاضي إذ كانت الفقرة الأولى من ذات الفصل تنص على أنه إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لم يجز التعدد…، واعتبر بعض الفقه المغربي هذه الفقرة مجردة من عنصر الإلزام القانوني مادام الشخص الراغب في اتخاذ زوجة أخرى هو الذي سوف يقرر لنفسه ما إذا كان قادرا على تحقيق العدل بين زوجاته أم لا، ومن ثم طالب بإخضاع التعدد لمراقبة القضاء[13]، بل هناك من طالب بمنع تعدد الزوجات مطلقا[14]، لانتفاء شرط العدل واستحالة تحققه مصداقا للآية الكريمة ﴿… وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾، خاصة وأن في تطبيق تعدد الزوجات إهدارا لكرامة المرأة وعبثا بحقوق الأسرة، وما يترتب عن ذلك من مشاكل اجتماعية تكون المرأة والأطفال أول ضحاياها، مما يتوجب معه منع التعدد سدا للذريعة ودرءا للمفسدة المقدم على جلب المصلحة.
وهكذا أصبح التعدد في ظل النصوص المعدلة في سنة 1993 مرتبطا بنسخة من إذن القاضي، وهو ما تشير إليه أيضا الفقرة الخامسة من الفصل 41 المعدل الذي يتحدث عن المستندات اللازمة والتي يتعين الإدلاء بها أمام الشاهدين العدلين[15].
ويبدو بأن إضافة إذن القاضي بالتعدد ومنحه للزوج على أساس قدرته على إقامة العدل وحرمان آخر منه على أساس عدم قدرته على ذلك مسألة في غاية الصعوبة، فأي معيار سيعتمد عليه القاضي لهذا المنح أو الرفض، وكيف يستطيع القاضي الجزم بأن هذا قادر وذاك غير قادر ؟؟.
هذا وتنص الفقرة الثانية من الفصل 30 المعدل على أن: ” للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها وإذا تزوج فأمرها بيدها “، فمن أجل تفادي التعدد في المستقبل منح المشرع المغربي في النص القديم والجديد بمقتضى تعديل 1993 الحق للزوجة في أن تشترط في عقد الزواج بأن لا يتزوج عليها زوجها وإذا لم يف هذا الأخير بما التزم به أعطى المشرع للزوجة حق الخيار بين البقاء معه رغم مخالفة الشرط أو التحلل من الرابطة الزوجية فالأمر يصبح بيدها علما بأن النص القديم كان يمنح لها حق طلب فسخ النكاح[16]، أما إذا لم تكن قد اشترطت الخيار فيمكنها أن ترفع أمرها إلى القاضي لينظر في الضرر الحاصل لها بسبب الزواج بثانية، وهذا ما تشير إليه الفقرة الثالثة من الفصل 30 من المدونة القديمة، والواقع أن طلب التطليق للضرر حق تتمتع به الزوجة في جميع الأحوال طبقا للفصل 56 من المدونة الملغاة.
2 ـ موقف مدونة الأسرة من التعدد
أولت مدونة الأسرة لموضوع تعدد الزوجات أهمية خاصة من خلال تخصيص خمس مواد منظمة لأحكامه، ويرجع السبب في نظرنا لأهمية الموضوع وما أثاره من خلافات ومناقشات مختلفة.
ونعرض لموقف مدونة الأسرة من تعدد الزوجات بالإشارة أولا لحالات منع التعدد وحالات الإذن به، مع الإشارة إلى حقوق الزوجة المراد التزوج عليها والمسطرة الواجب إتباعها لمناقشة طلب الإذن بالتعدد.
أ ـ حالات عدم إذن المحكمة بالتعدد:
بمقتضى المادتين 40 و41 من مدونة الأسرة فإن المحكمة لا تعطي الإذن بالتعدد في الحالات التالية:
1ـ إذا اشترطت الزوجة على زوجها في عقد الزواج أو في اتفاق لاحق عدم التزوج عليها، وذلك عملا بالقاعدة الفقهية التي تنص على أن العقد شريعة المتعاقدين، وأخذا بالمذهب الحنبلي الذي يعتبر أن هذا الشرط صحيح وملزم ويجب على الزوج أن يلتزم به، وبذلك يتبين أن المدونة قد استبعدت المذهب المالكي الذي يقول بأن هذا الشرط غير ملزم ومكروه ولا يجب الوفاء به.
فالمادة 40 من مدونة الأسرة تنص على أنه: “يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها”.
وهذا يعني أن التعدد يمنع بكيفية مطلقة متى اشترطت الزوجة ذلك على زوجها، خلافا للفصل 30 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة الذي كان يقتصر على إعطائها حق الخيار[17].
غير أن الجديد الذي جاء به المشرع المغربي في مدونة الأسرة هو الاعتراف بالقوة الإلزامية للشروط، حيث جاء في المادة 47 منها ما يلي:”الشروط كلها ملزمة، إلا ما خالف منها أحكام العقد ومقاصده وما خالف القواعد الآمرة للقانون فيعتبر باطلا والعقد صحيحا”.
ويمكن تلخيص هذه الشروط في ثلاث أنواع، فهي إما شروط يجب الوفاء بها لأنها من مقتضيات العقد، وإما شروط لا يجب الوفاء بها وهي التي تكون منافية للعقد، وإما شروط فيها نفع للمرأة ولكن لا يقتضيها العقد ولا تنافيه، كاشتراط الزوجة عدم التزوج عليها
وعليه فبمجرد اشتراط الزوجة على زوجها عدم التزوج عليها، فإن إمكانية التعدد تكون محسومة سلفا، و هذا الشرط هو حق خالص للزوجة ليس للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، وإنما يرجع أمر التمسك به أو التنازل عنه للإرادة الحرة للزوجة.
وقد نص قانون الأحوال الشخصية الأردني في الفقرة الثانية من المادة 19 على إمكانية اشتراط الزوجة على زوجها عدم التزوج عليها واعتبره شرطا صحيحا وملزما، فإن لم يفي به الزوج فسخ العقد بطلب من الزوجة وكان لها الحق في مطالبته بسائر حقوقها الزوجية.
إلى جانب اشتراط الزوجة على زوجها عدم الزواج عليها، قد يشترط الزوج هو الآخر على زوجته أن يعدد وقد جاء في أحد عقود الزواج ما يلي:” وأشهد الزوج المذكور أنه اشترط على زوجته المذكورة أن يعدد عليها بامرأة أخرى فقبلت الزوجة هذا الشرط قبولا تاما”[18].
إن اشتراط التعدد من طرف الزوج ليس فيه ما ينافي أحكام عقد الزواج ومقاصده، إلا أن تنفيذه والوفاء به يثير بعض الصعوبات، فمن الناحية الإجرائية هل يغني اقتران مثل هذا الشرط عن استدعاء الزوجة، و الإكتفاء بما جاء في العقد من التزام بالشرط للحكم بالتعدد مع افتراض توافر باقي الشروط المطلوبة للإذن بالتعدد.
بالرجوع إلى المادة 43 من مدونة الأسرة يتبين أنه يتعين على المحكمة من أجل البت في طلب الإذن بالتعدد استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها، وعليه يعد استدعاء الزوجة من القواعد الإجرائية المنظمة لمسطرة الإذن بالتعدد وبالتالي يكون اشتراط الزوج مصادما لهذه القواعد الإجرائية ومن ناحية أخرى تتجلى صعوبة تنفيذ هذا الشرط في احتمال عدم موافقة الزوجة المراد التزوج عليها.
أما المشرع الجزائري فلم يصرح بإلزامية الشروط واكتفى بالنص في المادة 19 على ما يلي:”للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لا حق كل الشروط التي يريانها ضرورية، لا سيما شرط عدم تعدد الزوجات….”، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الكويتي الذي ينص في الفقرة ج من المادة 40 على أنه:”إذا اقترن عقد الزواج بشرط لا ينافي أصله ولا مقتضاه وليس محرما شرعا صح الشرط ووجب الوفاء به فإن لم يوف به كان للمشروط له حق طلب الفسخ”.
2ـ إذا توفرت قرائن يخاف معها عدم العدل بين الزوجات، وهذا الخوف تستخلصه المحكمة من القرائن الموجودة أمامها، و بالرجوع إلى العمل القضائي الأسري نجد القضاء يستعمل سلطته التقديرية بخصوص توافر شرط العدل بين الزوجات، فلقد جاء في أحد الأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة بمكناس[19] ما يلي:”وحيث تبين للمحكمة وبعد دراستها للقضية وإطلاعها على وثائق ومستندات الملف وما راج أمامها في جلسات البحث والصلح أن الزوج لم يثبت الأسباب والمبررات الموضوعية التي دفعته إلى طلب الإذن بالتعدد مما خيف معه عدم العدل بين الزوجتين في حالة التعدد”، وأيضا الحكم الصادر عن قسم قضاء الأسرة بالناظور[20] والذي جاء فيه: “وحيث إنه واستنادا إلى مقتضيات المادة 40 من المدونة، فإن المحكمة لا تأذن بالتعدد إذا توافرت قرائن يخاف معها عدم العدل بين الزوجات، وحيث ثبت للمحكمة من خلال مستندات الملف ووثائقه، وكذا من إقرار المدعي في مقاله أن للزوجين موضوع ملف النازلة نزاعات وخصومات معروضة على القضاء الألماني، كما أنهما ومنذ ثلاث سنوات وهما يعيشان منفصلان، وأن عيشهما على هذه الحالة يشكل قرائن يخاف معها عدم العدل بين الزوجات في حالة الاستجابة لطلب الإذن بالتعدد مما يستوجب التصريح برفض الطلب…”[21]
فالملاحظ إذن أن المحكمة قرنت عدم العدل بين الزوجات بوجود مشاكل بين طالب الإذن بالتعدد وزوجته، مما جعلها تطبيقا لسلطتها التقديرية تعتبر ذلك بمثابة قرينة على عدم مقدرة هذا الزوج على تحقيق العدل، غير أن ما يلاحظ من الناحية العملية، أن قدرة الزوج على تحقيق العدل يتم ربطها غالبا بقدرته على الإنفاق على أساس أنه سيعدل بين الزوجتين في جميع الأمور المادية، ما دام أن العدل في الأمور المعنوية أمر يعود لضمير الزوج ولا يمكن للقاضي أن يتحقق منه.
وفي السياق ذاته صار قانون الأسرة الجزائري في المادة 8 والتي تقول بضرورة توفر طالب التعدد على شروط ونية العدل، ونص قانون الأحوال الشخصية الموريتاني على نفس العبارة وهي (نية العدل) في المادة 45 منه، أما قانون الأحوال الشخصية السوري فقد قيد التعدد بتوفر الطالب على المسوغ الشرعي والقدرة على الإنفاق، ولم يصرح بوجوب العدل بين الزوجات مما يعني أن المشرع السوري قد اعتبره موجودا ضمنيا في شرط القدرة على الإنفاق خاصة وأنه في المادة 68 ينص على ما يلي:”عند تعدد الزوجات يجب على الزوج التسوية بينهن في السكن”.
3ـ إذا لم يثبت الزوج الأسباب والمبررات الموضوعية والاستثنائية التي اضطرته إلى طلب الإذن بالتعدد، وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع المغربي لم يحدد بكيفية واضحة المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي، لذلك تخضع هذه الأسباب إلى السلطة التقديرية للقاضي بحيث إذا لم يقتنع بها لن يمنح الإذن بالتعدد.
وقد ذهب أحد الفقه إلى أن المقصود بالمبرر الموضوعي ما لا تستقر بغيره جوانب مادية أو معنوية من حياة الإنسان، ومن ذلك أن تكون المرأة عاقر أو تنفر كثيرا من الاتصال الجنسي، أو أن لا تكون لها الرغبة فيه مطلقا، أو أن تكون مصابة بمرض عضال يقعدها عن الفراش، ويرى أن التكييف الراجع أمره بهذا الشأن للمحكمة يتعين التضييق فيه لأن الأمر يتعلق برخصة تحمل طابع الاستثناء.[22]
كما يرى أحد الباحثين أن المقصود بتحقق المبرر الموضوعي الاستثنائي أن يكون الطلب الرامي للتعدد مستندا على سبب مشروع، ويكون كذلك إذا توفرت فيه صفتي الموضوعية والاستثنائية المتلازمتان بحيث لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى لورودهما في النص متتاليتين غير معطوفتين، مما يفيد أن تحقق صفة الموضوعية دون صفة الاستثنائية يجعل الطلب غير مبرر والعكس صحيح كذلك،[23] في حين ذهب أخر إلى القول أنه يكفي أن يكون مبررا مشروعا يساير مقاصد الشريعة[24].
ومن الناحية العملية نجد أن هذه المبررات تختلف باختلاف الحالات والظروف والتي تتماشى مع فلسفة المشرع الهادفة إلى تقييد التعدد والتقليص من حالاته.
والجدير بالذكر أن الراغب في التعدد هو الملزم بإثبات المبرر، حيث يكون عليه إقامة الدليل أمام المحكمة ليبين الأسباب المبررة لطلبه، وإلا كان طلبه معرضا للرفض، و قد جاء في أحد الأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة بوجدة[25] ما يلي: “وحيث إن الطلب مجرد إدعاء يعوزه الدليل والإثبات وجاء مخالفا لمقتضيات المادة 41 مما يكون معه حريا التصريح برفضه، وأيضا الحكم الصادر عن نفس المحكمة والذي جاء فيه: “وحيث :إن طالب التعدد لم يثبت المرض الذي تعاني منه زوجته وبذلك فإن المحكمة لم يثبت لها المبرر الموضوعي والاستثنائي لطالب التعدد، وبالتالي فإن طلبه يبقى غير مستوف لشروطه ويتعين التصريح بعدم قبوله”[26]، وفي نفس الاتجاه ذهب الحكم الصادر عن القاضي المقيم بأحفير[27] إلى اعتبار إدعاء الزوج بأن زوجته تقضي معظم وقتها في مشاهدة التلفاز لا يشكل سببا موضوعيا استثنائيا الشيء الذي يكون معه طلب المدعي غير ذي أساس و يتعين رفضه.
كما ذهبت أحد الأحكام أن اختلاف الطباع بين الزوجين وتقصير أحدهما اتجاه الآخر لا يعتبر مبررا للتعدد حيث جاء في هذا الحكم: “وحيث إن المشاكل التي قد تعتري الحياة الزوجية بصفة دائمة أو مؤقتة بسبب اختلاف طباع الزوجين أو تقصير أحدهما في واجباته والتزاماته اتجاه الآخر لا يمكن أن تشكل في أي حال من الأحوال مبررا موضوعيا استثنائيا يبرر طلب التعدد وإن كان يمكن الاستناد عليها لرفع دعوى الطلاق أو التطليق، وبناء عليه يكون الطلب الأصلي غير مؤسس قانونا ويتيعن رفضه”.[28]
وفي حكم آخر رفض الإذن بالتعدد لعدم إثبات المبرر الموضوعي حيث اعتبر أن قول الزوج على أن الزوجة لا تقوى على المعاشرة هو مجرد إدعاء لا يرقى إلى درجة الإثبات حيث جاء في هذه الحكم: ” وحيث يتضح أول الأمر أن هناك تناقض بين الدفاع و الطالب في الأسباب المتعمدة في طلب التعدد وحتى على فرض صحة ما ادعاه الزوج من كون زوجنه لا تقوى على معاشرته فان هذا الادعاء يبقى من الأمور التي يستطيع الحديث معالجتها وهو ما لن يسعى إليه الزوج أصلا، أضف إلى ذالك أن هذا المبرر يبقى مجرد ادعاء لم يرق إلى درجة الإثبات رغم إمهال الزوج للإدلاء بما يفيد الحالة الصحية للزوجة.
وحيث إن كان طالب التعدد صرح بأن له الموارد الكافية لإعالة أسرتين فان ذالك يبقى أيضا بدون إثبات وأن ما أدلى به من تصريح بالشرف غير كافي لإثبات الدخل والقدرة على إعالة أسرتين لأنه حجة من صنع نفسه لا تقوم في جميع الأحوال مقام الحجة المعتبرة قانونا لإثبات الكفاءة”.[29]
كما أن عدم إثبات المرض الجنسي الذي تعاني منه الزوجة يحول دون الحصول على الإذن بالتعدد وهذا ما تضمنه أحد الأحكام جاء فيه: “وحيث إن طالب التعدد أسس دعواه على كون زوجته لا تستطيع معاشرته جنسيا لكونها تعاني من المرض حسب ما صرح به في جلسة البحث، وهو الأمر الذي نفته المدعى عليها مؤكدة أنها لا تعاني أي مرض وأدلت بشواهد طبية تفيد خلوها من أي مرض جنسي.
وحيث إنه طالما أن طالب التعدد لم يثبت المرض الذي تعاني منه زوجته وبذلك فإن المحكمة لم يثبت لها المبرر الموضوعي والاستثنائي لطالب التعدد، وبالتالي فإن طلبه يبقى غير مستوف لشروطه ويتعين التصريح بعدم قبوله.”[30]
وفي حكم آخر رفض الإذن بالتعدد جاء فيه: “…وأنه بالرجوع إلى نازلة الحال فإن المستأنف لم يثبت المبرر الموضوعي الاستثنائي الذي يوجب التعدد إذ نعى تمكينه بالتعدد لعلة كثرة الأشغال بالبادية وعدم قدرة الزوجة الأولى على القيام بها دون الإدلاء بالحجة المؤيدة …..وأن الحكم المستأنف لما قضى برفض الطلب كان مصادفا للصواب وتوجب تأييده”.[31]
ونجد أن المشرع الجزائري بدوره قيد التعدد بهذا الشرط، والذي عبر عنه في المادة 8 بالمسوغ الشرعي دون أن يحدد نوع هذا المبرر أو شكله تاركا الأمر لسلطة القضاء، ونفس المصطلح استعمله المشرع السوري في المادة 17 التي ورد فيها:”للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان الزوج قادرا على نفقتهم”.
4ـ إذا لم يثبت الراغب في التعدد توفره على الموارد المالية الكافية للوفاء بالتكاليف المالية العادية لإعالة أسرتين في النفقة والسكن والقدرة على المساواة بينهما في جميع أوجه الحياة.
فمقتضى هذا الشرط، أن من كان عنده زوجة واحدة، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجة أخرى معها، حرم عليه التزوج بثانية[32]، ويعبر هذا المقتضى عن شرط العدل المادي، وإثبات هذا الشرط يتم عن طريق شهادة تثبت دخل الفرد، أو رقم معاملاته العقارية، وقد قررت المادة 42 من مدونة الأسرة، أن يكون طلب الإذن بالتعدد مرفقا بإقرار عن الوضعية المادية لمن يريد التعدد[33].
وفي هذا الإطار فقد ذهب القضاء في أحكام صادرة عنه إلى رفض منح الإذن بزواج التعدد بناء على عدم إثبات طالب التعدد توفره على الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، وهو ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بوجدة[34] في أحد أحكامها جاء فيه:”…وأوضح الطالب أنه يعمل في البناء وأن دخله اليومي يتراوح بين 100 و130 درهم، وأن زوجته تسكن رفقة عائلته وأن مراد المتزوج بها تملك منزلا خاصا… وحيث ثبت للمحكمة أن المدعي لا يتوفر على الموارد المالية الكافية لإعالة أسرتين، وبذلك فإن طلبه يكون غير مستوف لشروطه ويتعين رفضه”، وأيضا الحكم الصادر عن قسم قضاء الأسرة بالعيون[35] والذي جاء فيه ما يلي:”وحيث إن الطرف المدعي لم يعزز طلبه بالوثائق المبررة خاصة المتعلقة بوضعيته المادية، وحيث إن موارده المالية لا تكفي لإعالة أسرتين مما يتعين رفض طلب التعدد”.
وفي هذا الإطار رفض قسم قضاء الأسرة بسلا في أحد أحكامه منح الإذن بالتعدد معللا حكمه بكون طالب التعدد أب لأسرة مكونة من 4 أبناء كلهم يتابعون دراستهم، وأن أجرته لا تتعدى 4200 درهم شهريا لا تمكن من إعالة أسرتين بل إنها تبقى كافية لإعالة أسرة واحدة مثل أسرة طالب التعدد وفي حدود التوسط[36]، كما ذهب قسم قضاء الأسرة بالرباط إلى رفض طلب الإذن بالتعدد، حيث جاء فيه “وحيث إن الطرف المدعي لم يعزز طلبه بالوثائق المبررة لطلبه خاصة المتعلقة بوضعيته المادية، وحيث إن التصريح بالدخل المستدل به من صنعه ومن ثم فلا يشفع له بقبول طلب التعدد”.[37]
وفي هذا المنحى أيضا، فإن المحكمة الابتدائية بالخميسات رفضت طلب الإذن بالتعدد، لعدم كفاية ما يصرف لطالبه من معاش لإعالة أسرتين، وقالت في ذلك:” إنه بالاطلاع على وثائق الملف ثبت أن طالب الإذن له مورد مالي وحيد، هو معاشه الذي لا يتجاوز مبلغ 1544 درهم شهريا، وهو غير كاف لإعالة أسرتين”[38].
كما جاء في قرار آخر على أنه: “وحيث إن المحكمة برجوعها إلى أوراق الملف ومستنداته تبين لها أن المستأنف لم يثبت المبرر الموضوعي الاستثنائي وحيث إنه علاوة على ذلك فإن المستأنف لا يتوفر على الموارد الكافية لإعالة أسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة.
وحيث يتعين تبعا لذلك واستنادا على العلل المذكورة أعلاه وعلى مقتضيات المادة 41 من مدونة الأسرة، لا يسع المحكمة إلا التصريح برفض الدعوى مما ارتأت معه تأييد ما ذهب إليه الحكم الابتدائي”[39].
وبالإضافة إلى إثبات دخل طالب التعدد يجب كذلك أن يتم إثبات التوفر على سكن لائق لكل أسرة ،كشرط من شروط قبول طلب التعدد، إلا أن هناك اختلاف على مستوى العمل القضائي فيما يخص ذلك، إذ تذهب بعض المحاكم إلى ضرورة توفر الراغب في التعدد على سكنين، وفي هذا الصدد رفضت ابتدائية الناظور[40] قسم قضاء الأسرة منح الإذن بالتعدد لطالبه بحجة عدم توفره على سكنين وجاء فيه:”وحيث أن المدعي لم يثبت توفره على سكنين يكون الطلب غير مستوف لكافة الشروط المبررة للتعدد مما يستوجب على المحكمة رفض هذا الطلب”، في حين لا تشترط بعض هذه المحاكم ضرورة توفر سكنين وتكتفي بمراقبة المداخيل المادية لطالب التعدد.
ونستنتج مما سبق بأن المشرع منع التعدد في عدة حالات انتصارا للرأي الذي يرى بأن الأصل هو الاقتصار على زوجة واحدة، تحقيقا لقول الله تعالى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة…”، وقوله عز وجل “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم… “، وأن التعدد لا يسمح به القاضي إلا إذا كانت هناك دواعي حقيقية موضوعية واستثنائية كما إذا أصيبت الزوجة بالعقم والزوج راغب في النسل، أو لا يتأتى أداء الوظيفة الجنسية على الوجه الأكمل لمرض أو غيره، فإذا عجز الراغب في التعدد عن إثبات مثل هذه المبررات لا تمنح المحكمة الإذن بالتعدد بالإضافة إلى عدم منح الإذن في حالة عدم توفر الكفاية المالية للإنفاق على أكثر من أسرة واحدة، وإذا كانت هناك قرائن دالة على أن الراغب لن يقيم العدل بين زوجاته تطبيقا لقول الله تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾، كما أن الشرط الصريح المضمن في عقد الزواج أو في أي اتفاق آخر يجعل القاضي أمام عقد يتعين احترامه وعدم مخالفة بنوده وفقا للقواعد العامة، والشروط في مدونة الأسرة كلها ملزمة طبقا للمادة 47.
ب – حالات إذن المحكمة بالتعدد
نصت المادة 42 من مدونة الأسرة على أنه: “في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد، يقدم الراغب طلب الإذن بذلك إلى المحكمة.
يجب أن يتضمن الطلب بيان الأسباب الموضوعية الاستثنائية المبررة له، وأن يكون مرفقا بإقرار عن وضعيته المادية”.
ويمكن القول بناء على النص السابق بأن الراغب في التعدد يشترط سماع طلبه ودراسته ، وبعد ذلك تقرير المحكمة منح الإذن أو عدم منحه بالتعدد بعد التأكد من عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد ما يأتي:
1 ـ يجب على الراغب في التعدد أن يقدم طلبا إلى المحكمة يعرب فيه عن رغبته في التزوج بثانية، في شكل مقال مكتوب و موقع عليه من طرف طالبه، ويجب أن يتضمن كل البيانات المتعلقة بهوية الأطراف وموطن أو محل إقامتهم و الوقائع، كالإشارة إلى مراجع عقد الزواج المراد التزوج عليها، بالإضافة إلى كل المستندات التي تعزز طلب الإذن بزواج التعدد.
2 ـ يجب أن يوضح في الطلب جميع الأسباب الموضوعية وليست الشخصية وكذا جميع المبررات الأخرى التي يرى فائدة في إيرادها لتدعيم طلبه لإقناع المحكمة.
كأن يستند في طلبه على مرض الزوجة للحصول على إذن بالتعدد كما هو الحال في العديد من الأحكام القضائية التي اعتبرت أن مرض الزوجة مبررا موضوعيا استثنائيا من أجل التعدد، غير أن نوع هذا المرض يختلف من حكم لآخر، فقد ذهب اتجاه قضائي إلى اعتبار عدم قدرة الزوجة على الحركة وفقدان بصرها يشكل سببا موضوعيا لمنح الإذن بالتعدد[41]، كما جاء في حكم آخر صادر عن ابتدائية وجدة[42] على أن مرض الزوجة بمرض الصرع والذي يجعلها غير قادرة على رعاية شؤون المنزل مبررا موضوعيا يوجب الاستجابة لطلب منح الإذن بالتعدد.
كما جاء في حكم آخر: “وحيث استند المدعي في طلبه على كون زوجته مصابة بمرض السكري ويتعذر عليها القيام بواجباتها الزوجية وهو ما أكدته المدعى عليها بجلسة البحث.
وحيث إن إصابة الزوجة بالمرض المذكور تجده المحكمة مبررا موضوعيا استثنائيا يعطي للزوج الحق في التعدد”[43].
وقد يؤسس الطالب دعواه على أساس إخلال الزوجة بواجب المساكنة الشرعية، كما هو الحال بالنسبة للحكم الصادر عن ابتدائية بالعيون[44] والذي جاء فيه ما يلي:”وحيث ثبت للمحكمة بعد المناقشة موافقة الزوجة للطالب على التعدد، ولم تعارض في طلبه ولم تقيده بشروط، خاصة و أنها تعاني مرضا يمنعها من معاشرة زوجها و تقوم بتصفية الكلي، و حيث أنه تبعا لذلك ثبت لهيئة المحكمة توفر المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد …”.
كما اعتبر حكم آخر عدم قدرة الزوجة على القيام بوظيفتها الجنسية مبررا يمنح للزوج الحق في التعدد ومما جاء فيه “وحيث أفاد طالب التعدد أنه أضحى محروما من المعاشرة الزوجية نفسيا وعضويا منذ سنة 2004، وأنه أضحى يخشى على نفسه الفتنة، وحيث أكدت الزوجة هذا التصريح وأفادت أن المعاشرة الزوجية بينها وبين زوجها قد انعدمت منذ 2004، وبأنها تقبل بالتعدد حماية لحقوقه الشرعية، وحيث إن تأكيد الزوجة لأقوال زوجها يرقى إلى درجة المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، باعتبار أن أهم أثر يترتب على عقد الزواج الصحيح هو المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية وإحصان كل واحد من الزوجين للآخر بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل”.[45]
كما جاء في حكم آخر:”وحيث صرح الطالب بجلسة البحث المنعقدة بتاريخ 26/07/2011 بأن سبب طلب التعدد يرجع إلى كون زوجته مصابة بأمراض مزمنة تمنعها من القيام بواجباتها الزوجية وهو ما أقرت به هذه الأخيرة، وبذلك يكون قد ثبت للمحكمة المبرر الموضوعي الاستثنائي لطلب التعدد”[46].
وهذا ما أكده حكم آخر جاء فيه: “وحيث إنه طالما أن الزوجة وافقت للطالب على التعدد ولم تعارض في طلبه ولم تقيده بشروط لفائدتها، خاصة وانها أكدت فعلا أنها تعاني مرضا يمنعها من معاشرة زوجها وهو الأمر الثابت أيضا من خلال الشهادة الطبية المرفقة بالملف، كما أن توفر مريد التعدد على الموارد الكافية لإعالة الأسرتين يجعل الطلب قد استجمع الشروط القانونية التي تستلزمها المادة 41 من مدونة الأسرة، وبالتالي يبقى وجيها وجديرا بالاستجابة له”[47].
كما قد يشكل عقم الزوجة سببا في منح الإذن بالتعدد حيث جاء في أحد الأحكام على أنه: “وحيث تبين للمحكمة أن سبب طلب التعدد هو كون الزوجة عاقر حسب الثابت من تصريحات الطرفين كما تبين أن الزوجة توافق لزوجها على التعدد بمحض إرادتها واختيارها ….وحيث تبعا لما ذكر يكون الطلب مؤسس واقعا واقعا وقانونا ويتعين الاستجابة له”[48].
وفي نفس التوجه صار حكم صادر عن قضاء الأسرة بوجدة جاء فيه: “وحيث ثبت للمحكمة خلال جلسة البحث ما أسس عليه المدعي طلبه من كون زوجته لم تنجب خلال فترة زوجهما التي دامت قرابة خمس سنوات، وذلك بعد أن أكدت المدعى عليها أن لا أولاد لهما وأنها تخضع للعلاج….وبذلك يكون الطلب قد استجمع الشروط القانونية التي تستلزمها المادة 41 من مدونة الأسرة ويبقى وجيها وجديرا بالاستجابة له”[49].
كما جاء في حكم آخر على أنه: “وحيث أدلى الطالب بترجمة للغة العربية لإحدى الشواهد الطبية المدلى بها والتي مفادها أن زوجته الأولى سيتم استئصال رحمها، مما يتأكد معه أن يتعذر عليها الإنجاب…
وحيث تبعا لذلك فإنه يتبين للمحكمة أن الطالب قد استوفى شروط التعدد المنصوص عليها قانونا مما ارتأت معه الاستجابة لطلبه سيما وأن زوجته الأولى لا تمانع في زواجه”[50].
كما قد يشكل كبر سن الزوجة مبررا موضوعيا واستثنائيا لمنح الإذن بالتعدد حيث جاء في أحد الأحكام على أنه: “وحيث برر مريد التعدد الأسباب التي ألجأته لتقديم طلبه بكون زوجته المراد التزوج عليها كبيرة في السن ولم تعد قادرة على القيام بشؤون الحياة الزوجية.
وحيث إن المرأة المراد التزوج عليها عند الاستماع إليها من طرف المحكمة بجلسة 13/05/2005 أبدت موافقتها لزوجها بالتعدد بسبب ظروفها الصحية وكبر سنها.
وحيث إنه بناء على ما ذكر فإن المبرر الموضوعي الاستثنائي الذي يبيح للطالب التعدد يكون متوفرا في نازلة الحال”[51].
كما قد يشكل سفر الزوجة مبررا موضوعيا تؤسس عليه المحكمة حكمها، أو رغبة الزوج في إرجاع مطلقته والتي أنجب منها أبناء[52]، أو عقم الزوجة[53] والذي كلما ثبت للمحكمة إلا واعتبرته مبررا موضوعيا استثنائيا يتوجب على المحكمة الأخذ به.
وفي هذا الصدد ذهب قسم قضاء الأسرة بالرباط إلى اعتبار كون المدعى عليها (الزوجة) تسافر باستمرار خارج أرض الوطن وتمكث مدة طويلة مع أبنائها القاطنين هناك، مبرر يشفع للزوج في الإذن له بالتعدد حيث جاء في تعليلات هذا الحكم: “وحيث إن المدعي أرفق طلبه بالوثائق التي تثبت وضعيته المادية لتحقيق العدل المطلوب وأن السبب الذي استند عليه لتبرير طلبه وجيه، مما قررت معه المحكمة الاستجابة لطلبه”[54].
كما أن إرجاع الزوجة من زواج سابق يعتبر مبررا موضوعيا للإذن بالتعدد حيث جاء في أحد الأحكام على أنه: “وحيث إن هذه المحكمة بعد إطلاعها على وثائق الملف والحكم المطعون فيه ودراستها لأسباب الطعن ثبت لها صحة ما نعاه المستأنف عن الحكم المستأنف ذلك أن طالب التعدد أسس طلبه الرامي إلى التعدد على كونه يرغب في إرجاع مطلقته من زواج سابق لجمع شمل أسرته لكونه له معها ولد واحد”[55].
كما قد يؤسس طالب التعدد طلبه على الخوف من الوقوع في الرذيلة والزنا وهذا ما ذهب إليه أحد القرارات جاء فيه: “وحيث إن خوف الطاعن من الوقوع في الزنا يشكل مبررا موضوعيا وسببا مشروعا للتعدد طالما أن الزوجة الأولى قد أبدت قضاء موافقتها وليس بالملف ما يفيد إخلال الطاعن بحقوقها وواجباتها.
وحيث بذلك يكون ما ذهب إليه الحكم الابتدائي قد شابه التعسف وجانب الصواب مما يتعين معه إلغاءه والتصدي له بالحكم وفق الطلب”[56].
والملاحظ على هذا القرار أنه ألغى الحكم الابتدائي الذي اعتبر تأسيس طلب الإذن بالتعدد بدعوى الخوف من الزنا ليس مبررا موضوعيا واستثنائيا، قد جانب الصواب، حيث يجب عدم اعتبار الخوف من الزنا سببا مبررا للتعدد، لأن ذلك قد يؤدي إلى فتح المجال لكل راغب في التعدد لا يسعفه إثبات المبرر الموضوعي والاستثنائي بتأسيس طلبه على هذا الأمر.
3 ـ يجب أن يقدم كل ما يثبت وضعيته المالية لترى المحكمة بعد ذلك ما إذا كانت هذه الوضعية تسمح للراغب في التعدد بفتح بيت أخرى وقدرته على المصاريف والنفقات الناجمة عن ذلك.
وهذا المؤشر لوحده لا يكفي ليبرر التعدد بل لابد من وجود المؤشر الثاني والأساسي لمنح الإذن بالتعدد وهو الأسباب الموضوعية الاستثنائية.
وهكذا جاء في أحد الأحكام القضائية على أنه: ” وحيث إنه وبعد الاطلاع على دخل الزوج المقدر في (72000) درهما سنويا كل ذلك دفع المحكمة إلى أن تستجيب للطلب”[57].
كما جاء في حكم قضائي:”… وحيث ثبت للمحكمة … توفره على دخل كاف لإعالة الأسرتين بناء على إدلاءه بمقتطف من حسابه البنكي يفيد ذلك، وطبقا للعلل أعلاه يكون الطلب قد استوفى شروطه المبررة للتعدد مما يتعين الاستجابة له…”[58]، وجاء في حكم آخر: “… وحيث أنه… أدلى المدعي بمجموعة وثائق لإثبات عمله لاسيما لصورة شمسية المصادق عليها من قرار استغلال رخصة مقهى وشهادة التزام بالدخل، وشهادة إدارية أخرى… تفيد كونه يملك 12 هكتار من بلاد بور و4 هكتارات من بلاد سقوية و8000 شجرة زيتون و6 رؤوس من البقر و50 رأس من الغنم … فقررت الاستجابة له..”[59]
وفي حالة الإذن بالتعدد فإنه لا يتم العقد على المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك، ويضمن هذا الإشعار والتعبير عن الرضى في محضر رسمي (المادة 46).
ج ـ حقوق الزوجة المراد التزوج عليها (الزوجة الأولى):
صونا لكرامة الزوجة المراد التزوج عليها ضمنت مواد مدونة الأسرة حقوق هذه الزوجة من خلال المقتضيات التالية:
1 ـ استدعاء المحكمة للزوجة المراد التزوج عليها للحضور من أجل معرفة رغبة زوجها في التزوج عليها طبقا للمادة 43، وفي حالة عدم الحضور أو امتناعها عن الحضور رغم الدعوة الموجهة إليها من طرف محكمة الأسرة أو امتنعت من تسلم الاستدعاء فإن المحكمة توجه إليها عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار فسيبت في طلب الزوج في غيابها، وطبقا لذلك فقد ذهبت المحكمة الابتدائية بالرباط[60] إلى أنه “بناء على تخلف المدعى عليها رغم سابق توصلها وحيث تخلفت المدعى عليها عن الحضور ورغم استدعائها… حيث أثبت المدعي المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد يبقى طلبه للتعدد مؤسسا ويتعين الاستجابة له”.
كما يمكن البت في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه.
أما في حالة حضور الزوجة فإن المحكمة تقوم بالاستماع إلى تصريحاتها وملاحظاتها بخصوص طلب زوجها، ولا يخفى أن الاستماع إلى تصريحات الطرفين يعد مسألة جد هامة تساعد في تكوين قناعة المحكمة، فبناء على ما تم التصريح به خلال جلسة البحث تستنتج المحكمة موقف الزوجة من حيث موافقتها أو ممانعتها في الإذن لزوجها بالتعدد، كما يمكن لها أن تناقش المبرر الموضوعي الاستثنائي مع هذه الزوجة لتعطي وجهة نظرها.
فالحضور الشخصي للزوجة ولطالب التعدد يساعد المحكمة على إجراء محاولة الصلح للتوفيق بين الزوجين والإصلاح بينهما، والذي تعتمد فيه على جميع الوسائل التي تراها ملائمة، فيمكن أن تنتدب حكمين من أجل الإصلاح بين الطرفين، كما قد تكتفي بمحاولة الصلح التي تقوم بها بجلسة البحث، فإما أن يعدل الزوج عن طلبه بالتعدد أو أن تسمح له الزوجة بذلك، أو يبقى الخلاف بينهما قائما.
2 ـ مدونة الأسرة توفر الحماية للزوجة المراد التزوج عليها في حالة إقدام الزوج على تضليل العدالة عند تقديمه بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة، حيث تطبق على الزوج عقوبة جنائية ويخضع لمقتضيات الفصل 361[61] من القانون الجنائي بناء على طلب من الزوجة المتضررة (المادة 43 الفقرة الثالثة).
3 ـ إذا أصرت الزوجة المراد التزوج عليها على المطالبة بالتطليق وثبت للمحكمة من خلال المناقشات تعذر استمرار العلاقة الزوجية فإن المحكمة تضمن للزوجة ولأولادها جميع حقوقها المالية، بحيث تلزم المحكمة الزوج بإيداع المبلغ المحدد داخل أجل سبعة أيام، وعدم إيداع هذا المبلغ داخل هذا الأجل يعتبر تراجعا عن طلب الإذن بالتعدد.
4 ـ تستجيب المحكمة لطلب الزوجة المراد التزوج عليها بمجرد إيداع المبلغ المالي بالتطليق، ويعتبر هذا الحكم نهائيا غير قابل لأي طعن في جزئه المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية.
5 ـ إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 بعده (الفقرة الأخيرة من المادة 45)..
هذا المقتضى دفع محكمة النقض إلى اقتراح تعديل له يعطي الحق للزوجة حرية الاختيار في اللجوء للشقاق وألا تجبرها المحكمة على اللجوء إليه وبذلك يصبح حق للزوجة المراد التزوج عليها بأن تلتجئ إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة، إذا اختلفت مع زوجها في التعدد بحيث لم تقبل به بينما أصر هو على طلبه.[62]
ثالثا: الطبيعة القانونية لطلب الإذن بالتعدد و الجهة المختصة للنظر فيه.
لقد أشارت مدونة الأسرة من خلال المادة 42 منها على أن طلب الإذن بالتعدد يقدم إلى المحكمة في هيئتها الجماعية، لكن ما ينبغي الإشارة له في هذا الصدد وهو أن المشرع المغربي لم يوضح الإجراءات المسطرية التي تحكم تقديم طلب الحصول على الإذن بالتعدد، بالإضافة إلى عدم تحديده للمحكمة المختصة للنظر فيه.
كل ذلك يحتم علينا الرجوع إلى القواعد العامة في قانون المسطرة المدنية، وما تضمنته مدونة الأسرة من أجل تحديد الطبيعة القانونية لطلب الإذن بالتعدد (1) والجهة المختصة بالنظر في منح الإذن بالتعدد(2).
1– الطبيعة القانونية لطلب الإذن بالتعدد
من خلال استقراء المواد المؤطرة لمنح الإذن بالتعدد في مدونة الأسرة، نستشف على أنه لم تتم فيها الإشارة إلى الطبيعة القانونية لطلب الإذن بزواج التعدد، بالإضافة إلى أنها لم توضح بالدقة المطلوبة الإجراءات المنظمة لرفع هذا الطلب، إلا ما تم التنصيص عليه في المادة 42 من مدونة الأسرة، إلا أنه مع ذلك فهذه المادة لا تسعف في معرفة الطبيعة القانونية لهذا الطلب.
وقد ذهب أحد الفقه القانوني[63] إلا أنه يجب اعتبار طلب الإذن بزواج التعدد بمثابة دعوى قضائية حقيقية ترفع من طرف الراغب في الحصول على الإذن بالتعدد في مواجهة زوجته الحالية، كما أنه قد ينشأ عنها دعاوى أخرى سواء بطلب من الزوجة والمتمثل في طلب التطليق، أو تطبيق مسطرة الشقاق تلقائيا من طرف المحكمة، وهذه الحالة الأخيرة تتحقق في الحالة التي يتم فيها إصرار الزوج على منحه الإذن بالتعدد، وعدم الاستجابة له من طرف زوجته المراد التزوج عليها.
وأعتقد أن هذا التوجه صائب، خصوصا إذا علمنا بأن المادة 41 من مدونة الأسرة أوجبت على الزوج بأن يثبت المبرر الموضوعي والاستثنائي، بالإضافة إلى الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، زيادة على إرفاق طلبه بمستندات من أجل إثبات ادعائه.
وبما أن الإذن بزواج التعدد عنصر أساسي من عناصر ملف عقد الزواج حسب المادة 65 من مدونة الأسرة، تمليه ضرورة التأكد من وضعية الزوج بخصوص ذلك، فإن محكمة الموضوع تبت في هذا الطلب في غرفة المشورة التي يجري فيها التداول بكيفية غير علنية وبهيئة جماعية[64]، بحيث تكون للمحكمة السلطة التقديرية الواسعة في قبول الطلب أو رفضه حسب مدى توفر شروط التعدد من عدمها، واقتناع محكمة الموضوع بها، إلا إذا كان هناك شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها حسب المادة 40 من مدونة الأسرة، لأنه في هذه الحالة يتم تقييد المحكمة نهائيا في منحها للإذن بالتعدد.
وهذا الشرط يصبح ملزما لمن التزم به حسب الفقرة الأولى من المادة 48 من مدونة الأسرة بالرغم من الاستثناء الذي وضعه المشرع المغربي بإسقاط الشرط إذا كان مرهقا إذ في هذه الحالة يمكن للراغب في الزواج بالتعدد أن يتقدم بطلب للإذن بذلك من طرف المحكمة المختصة[65].
لكن يبقى أهم إجراء جاءت به مدونة الأسرة وهو أنه بمجرد إيداع طلب الإذن بالتعدد لدى المحكمة، فإن أول إجراء تقوم به هذه الأخيرة هو استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، ليتم مناقشة الطلب المقدم من طرف الزوج المريد التعدد للحضور في غرفة المشورة من أجل أن يتم مناقشة ذلك الطلب[66] .
وتعتبر هذه الإجراءات من بين الإجراءات التي تحكم الدعاوى في المسطرة المدنية، طبقا للقواعد العامة، مما يمكننا القول على أن تقديم طلب الإذن بالتعدد تحكمه الإجراءات العادية التي تحكم الطلبات القضائية كما ينظمها هذا القانون والمتمثل في المسطرة المدنية.[67]
وبناء على ذلك تجدر الإشارة إلى أن الإذن بالتعدد يصدر عن المحكمة في إطار سلطتها القضائية وليست في إطار سلطتها الولائية، كما هو الحال بالنسبة للإذن الصادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج[68].
وطبقا لما سبق ذكره فإن طلب الإذن بزواج التعدد يخضع للضوابط التي تحكم رفع الدعوى في قانون المسطرة المدنية سواء من خلال ضرورة التوفر على شروط رفع الدعوى والمتمثلة في الصفة والمصلحة والأهلية[69] أو من خلال احترام الشكل و البيانات التي يجب أن تتوفر في الطلب الذي يقدم إلى المحكمة.
وزيادة على ذلك يجب احترام المقتضيات المنصوص عليها في مدونة الأسرة والمتمثلة في الأسباب الموضوعية الإسثنائية المبررة لرفع هذا الطلب بالإضافة إلى الوضعية المادية، والتي أشار لها المشرع المغربي في المادة 42 من مدونة الأسرة.
- الجهة القضائية المختصة بالنظر في طلب الإذن بالتعدد
بما أن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تقيد زواج التعدد بأي شرط من الشروط، بحيث كان يكفي اللجوء إلى العدول مباشرة من أجل إبرام زواج التعدد، إلى أن جاءت تعديلات 10شتبر 1993[70] بخصوص زواج التعدد، بحيث أصبح آنذاك من يريد الإذن له بالتعدد أن يقدم طلبا بذلك إلى قاضي التوثيق بالمحكمة الابتدائية التي يوجد فيها بيت الزوجية الخاص بالزوجة الأولى أو بالدائرة القضائية التي تقطن بها المراد التزوج بها. [71]
لكن في إطار مدونة الأسرة يستشف من خلال المادة 42 منها على أن طلب الإذن بالتعدد يقدم من الراغب فيه إلى المحكمة [72] ، وهي المحكمة الابتدائية، باعتبارها صاحبة الولاية العامة، ويقدم هذا الطلب بالضبط إلى أقسام قضاء الأسرة، وذلك طبقا للفصل الثاني من قانون التنظيم القضائي،[73] وطبقا لذلك تنظر أقسام الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية، وشؤون القاصرين وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة، وفي إطار ذلك يمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة .
ومن خلال ما سبق يمكن أن نقول أن اختصاص أقسام قضاء الأسرة محصور بالنظر في قضايا الأسرة، بحيث لا يمكن لباقي غرف المحكمة الابتدائية أن تنظر في هذه القضايا، وبالتالي فلا ترفع الدعاوى المتعلقة بقضايا الأسرة إلا أمام أقسام قضاء الأسرة لكون أن اعتبار الاختصاص النوعي لأقسام قضاء الأسرة من النظام العام الذي لا يجب الاتفاق على مخالفته.
وطبقا لذلك يجب أن يقدم طلب الإذن بزواج التعدد إلى قسم قضاء الأسرة التابع له بيت الزوجية أو موطن إقامة الزوجة، وذلك امتثالا لقواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها في المادة 27 من قانون المسطرة المدنية والتي تنص على أن من يدعي حقا قبل الغير أن يسعى إلى أقرب محكمة لموطن المدعى عليه[74]، خصوصا إذا علمنا بأن مدونة الأسرة لم تقم بتنظيم الاختصاص المحلي لأقسام قضاء الأسرة .
وبالرغم ممن ينتقد [75] التحول المتعلق باختصاص النظر في دعوى التعدد، من قاضي التوثيق إلى المحكمة، حيث ذهب إلى اعتبار أن هذا الاختصاص قد سلب من قاضي التوثيق لا لشيء إلا حبا في الاستغناء عن هذه المؤسسة العريقة النابعة من الحضارة الإسلامية، واعتبر أن قاضي التوثيق هو المؤهل للنظر في منح الإذن بالتعدد نظرا لخبرته في ذلك، ألا أن الواقع والتجربة قد أثبتت عكس ذلك لكون أن خبرة قاضي التوثيق تتميز في توثيق المعاملات و الحقوق، وليست له دراية كافية في مجال النظر في طلبات زواج التعدد أو للنزعات التي قد تنشأ عن ذلك، خصوصا إذا علمنا كثرة المهام التي كانت منوطة له فيما قبل .
ولتأكيد ذلك فقد ذهب أحد الفقهاء[76] إلى أن نقل الاختصاص من قاضي التوثيق إلى محكمة الموضوع يعتبر من أهم التجديدات المسطرية التي جاء بها المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة، خصوصا إذا علمنا بأن التجربة القديمة أوضحت بجلاء ضعف أداء قاضي التوثيق، حيث أنه كان يتولى اختصاصا قضائيا صرفا غير خاضع لأية مسطرة قانونية محددة، ولا تدخل أصلا في اختصاصه كقاضي التوثيق،بالإضافة إلى أن كثرة مهامه التوثيقية و التي كانت تشكل عائقا من دون أن ينتبه المشرع لذلك فيما قبل.
وانطلاقا من هذا التغيير في الاختصاص الذي قام به المشرع المغربي، نجد فيه إشارة على اختصاص نوعي استثنائي خاص بأقسام قضاء الأسرة، و الذي يعتبر من صميم النظام العام، وطبقا لذلك فأنه يمكن التمسك به في أية مرحلة من مراحل التقاضي، كما يمكن للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، وهو ما يجعلنا أمام وضع يهدف إلى خلق قضاء متخصص في القضايا الأسرية يساعد بالتأكيد على تفعيل كل من قواعدها الإجرائية و الموضوعية على حد سواء.
فبمقتضى هذه القواعد ومن أجل الحصول على الإذن بالتعدد، يجب تقديم الطلب بذلك إلى قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية المختصة مكانيا للتأكد من الشروط المفروضة قانونيا، ومن أجل تقرير منح الإذن بزواج التعدد من عدمه وذلك وفقا للمسطرة التالية:
ـ يتعين إجراء المناقشة في غرفة المشورة بحضور الزوج والزوجة المراد التزوج عليها (الفقرة الأولى من المادة 44)، فعقد الجلسة بغرفة المشورة عند إجراء المناقشة بين الطرفين والاستماع إلى الشهود ومحاولة التوفيق والإصلاح ، هي أمور تتسم بالسرية التي تتطلبها مسألة الصلح وذلك حفاظا على أسرار الأسرة، وحتى إذا فشل الصلح يتم اللجوء إلى العلنية[77].
ـ إن الإذن بالتعدد يكون بمقرر معلل يشار فيه إلى الأسباب الداعية إليه ومراعيا جميع الإجراءات والشروط المطلوبة قانونا، وهذا المقرر المقدم من طرف المحكمة غير قابل لأي طعن (الفقرة الثانية من المادة 44).
ـ يتعين على المحكمة استدعاء الزوجة والاستماع إليها، ويتعين احترام المسطرة المنصوص عليها في المادة 43 من المدونة.
ـ ضمان المحكمة لحقوق الزوجة وحقوق الأطفال ذات الطابع المال.
رابعا : التحايل من أجل التعدد
يعتبر التعدد استثناء من الأصل، كما انتقل من حق الزوج إلى حق المحكمة ومن الإباحة إلى التقييد،[78] وهو الأمر الذي جعل بعض المتقاضين يفكرون في حيل قانونية تعفيهم من المساطر الصعبة التي قد تحول دون حصولهم على الإذن بالتعدد.
فقد يكون الرجل متزوجا بامرأة ما ويريد الزواج من ثانية، ولكي يتهرب من مختلف الإجراءات القضائية التي وضعها المشرع المغربي بشأن الحصول على الإذن بالتعدد، يخفي زواجه الأول ويطلب إثبات زواجه الثاني[79] عن طريق إعمال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 16 من مدونة الأسرة.
هذه الإمكانية التي تعطيها الفقرة الثانية من المادة 16 من المدونة بنصها على أنه: ” إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة”.
وهذه الصورة كانت في إطار المدونة الملغاة، وكان القضاء يعتمد جل المبررات لإثبات الزوجية ولإنقاذ بعض الوضعيات العائلية، حتى أفرغ مبدأ شرط الإشهاد من محتواه[80]، وكانت المبررات غير جدية من قبيل الخوف من الزوجة الأولى حيث إن علمها بزواجه من الثانية قد يثير مشاكل عائلية.[81]
وعلى اعتبار أن التعديل الذي جاءت به الفقرة الثانية من المادة 16 تتعلق بتهذيب في الصياغة لا بتغيير في الجوهر[82]، فإن القضاء سيستمر في اعتماد المفهوم الواسع للأسباب القاهرة- حالة الاستثناء سابقا- بكيفية تستغرق جميع حالات عدم توثيق الزواج[83]. وبذلك يحقق أصحاب الحيل مبتغاهم، وخاصة عند وجود أبناء،لأن هذه الحالة تبرر التحايل وتجعله شرعيا كما هو مفهوم من منطوق الحكم الذي جاء فيه: ” وحيث إنه في النازلة فإن الطرفين لم ينجبا أبناء وليست طالبة صحة الزوجية حاملا حتى يشفع لها ذلك في تبرير تحايلها على النص القانوني”.[84]
لكن في مدونة الأسرة لا بد من استحضار أن المشرع قد سن مجموعة من الأذون في الزواج وألح على وجوب مراعاتها واحترامها، ومساءلة من يتملص أو يدلس من أجل الحصول عليها لذا فلا يمكن التغاضي عنها عند ثبوت الزوجية إلا بالنسبة للتي فات أوانها[85].
ويجب أن تفهم الأسباب القاهرة بأنها الأسباب المادية دون غيرها من الأسباب التي تعتبر منعا قانونيا كحالة اشتراط المشرع للإذن بالتعدد،إذ لا يعقل أن يفتح المشرع باب للتحايل على القواعد التي فرضها[86].
وقد نتج عن هذا التحايل مجموعة من الإشكالات على الصعيد العملي، ولذلك نجد العديد من الأحكام القضائية تتشدد في وضع حد لهذا التحايل وتعاقب الشخص الذي يخرق القواعد القانونية الخاصة بالتعدد من خلال استغلال مسطرة إثبات الزوجية بنقيض قصده، وهذا ما يؤكده أحد الأحكام التي جاء فيه: ” أن طالب صحة الزوجية متزوج بامرأة أخرى، وكل ما منعه من توثيق عقد الزواج هو رغبته في عدم اللجوء لمسطرة التعدد، ومن تم يعامل بنقيض القصد، ويكون كل ذلك مبررا للتصريح برفض الطلب”[87].
كما جاء في حكم أخرعلى أنه: “حيث يهدف الطالبان من طلبهما إثبات العلاقة الزوجية بينهما منذ سنة 2002.
وحيث أرجع الطالبان سبب عدم توثيق العقد في تاريخه إلى رفض المحكمة طلب التعدد المقدم من طرف الطالب باعتبار أن له زوجة أخرى في عصمته.
وحيث أن رفض المحكمة لطلب التعدد لا يبرر إبرام عقد زواج آخر للطالب ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشكل ظرف قاهر يمنع الطالب من إبرام عقد الزواج باعتبار أنه كان ملزما باحترام قرار المحكمة المذكور.
وبالتالي لا تعتبر مخالفة قاعدة قانونية آمرة إذن المحكمة بالتعدد قبل إبرام عقد زواج جديد مبررا للاستفادة من قاعدة استثنائية وضعها القانون لمعالجة حالات لا تنطبق بأي حال من الأحوال على حالة الطالبين.
وحيث إنه وتبعا لذلك يتعين رفض الطلب وإبقاء الصائر على مقدمه”[88].
وفي حكم آخر جاء فيه: “حيث يهدف المدعيان في طلبهما إلى الحكم لهما بثبوت الزوجية موضحان أنهما لو يوثقا عقد زواجهما في إبانه لظروف حالت بينهما وبين ذلك وتتمثل في كون وضعية الزوج القانونية بإسبانيا كانت غير شرعية.
وحيث عند استماع المحكمة لشاهدي المدعي…أكد أن الزوجين متزوجان منذ 2005 وبالضبط في بدايتها، وأكد الشاهد الثاني بأن الزوج كان متزوجا قبل زواجه بالمدعية بزوجة أخرى، فصرح المدعى بأنه طلقها ولم يرزق منها بأبناء فكلف بالإدلاء برسم طلاقه.
وحيث إن المحكمة بتصفحها لرسم الطلاق المذكور المضمن…تبين لها أن المدعي لم يطلق زوجته إلا بتاريخ 07/09/2006 بينما تزوج بالمدعية في غضون سنة 2005، وبالتالي فإن زواجه بالمدعية يكون تعدد على زوجة أولى، إلا أنه لم يحترم المسطرة الخاصة بالتعدد المنصوص عليها في المادتين 41 و 42 من مدونة الأسرة، يضاف إلى ما سبق أن المدعي برر عدم توثيقه لعقد زواجه بكونه كان وقتها لا يتوفر على الوثائق الشرعية للإقامة بإسبانيا، إلا أنه تناقض بتصريحه بكونه أقام حفل زفاف بالمغرب، وبالتالي وأمام عدم ثبوت الظرف القاهر وعدم سلوك مسطرة التعدد فإن المحكمة لا يسعها إلا التصريح برفض الطلب”[89].
فالملاحظ من خلال هذين الحكمين أن المحكمة رفضت قبول ثبوت الزوجية على اعتبار ذلك يشكل تحايلا من أجل التعدد فقط، وخرقا لقاعدة قانونية آمرة يجب احترامها.
وفي مقابل هذا التوجه القضائي الرافض لقبول ثبوت الزوجية كمدخل تحايلي للتعدد، فإن هناك اتجاه قضائي أخر متساهل ومؤيد لإثبات الزوجية، وهذا ما يتضح من بعض الأحكام القضائية.
ففي حكم جاء فيه: “حيث إن دعوة الطالب أساسا وحسب طلبه إنما تهدف إلى أن الإذن له بالتعدد بالمسماة…في إطار الفصل 42 وما يليه من مدونة الأسرة.
لكن حيث إن وقائع القضية تكيف على أساس أن المعني بالأمر إنما أراد إثبات الزوجية بينه وبين المسماة…التي أثمرت علاقته بها بازدياد البنت…بتاريخ 18/07/2006، مما يعني أن معاشرته لهذه الزوجة كانت سابقة وبالتالي تكييف النازلة على أنها دعوى سماع الزوجية أخذا بعين الاعتبار وجود الطفلة بنت الطالب والزوجة الثانية ومصلحتها وكون الطلب قدم في حياة الزوجين معا، الشيء الذي قررت معه المحكمة استنادا إلى العلل أعلاه إلغاء الحكم المستأنف لعدم قيامه على أساس وتصديا الحكم بسماع دعوى الزوجية وثبوتها بين الطرفين”[90].
فمن خلال هذا القرار يتبين أن محكمة الاستئناف عملت على إلغاء الحكم الابتدائي والقاضي برفض طلب الإذن بالتعدد وعللت قرارها بكون الدعوى التي رفعها الطالب يجب أن تكيف على أنها دعوى ثبوت الزوجية وليست بطلب إذن بالتعدد، لأن وقائع الدعوى تبين أن طالب التعدد كان قد دخل بالمرأة التي يريد التعدد معها، وأنجب معها بنتا، مما كان يتعين على المحكمة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار وإعمال مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة.
وفي قرار أخر جاء فيه: “وحيث إنه وفق الإشهاد (عدد 237 ص 185) فإن الزوجة الأم هي المذكورة أعلاه، توافق على زواج المستأنف بالزوجة الثانية المذكورة أيضا، والمحكمة لذلك واعتبار لعدم الإنجاب من الأولى فإنها توافق على الزواج بالثانية، وتعتبر هذا الحكم بمثابة ثبوت الزوجية بين الطرفين لوجود طفل بينهما، ولكون هذه المسألة مثارة تلقائيا تتناسب ومصلحة الطفل ولكون كل مقتضيات مدونة الأسرة تعد من النظام العام يصح إثارتها تلقائيا من طرف المحكمة”[91].
ومن الطرق أيضا التي يلجأ إليها طالب التعدد للتحايل هو أنه قد يعمد إلى إثبات أنه مطلق باستخراج نسخة من وثيقة الطلاق عند النساخ قد يكون ذلك الطلاق فيه رجعة أو مراجعة، فهذه الوثيقة المستخرجة تثبت الطلاق فقط ولا مانع قانوني يمنعه من الزواج.
ومعلوم أن هذا النوع من الطلاق يخول للزوج إمكانية إرجاع زوجته إلى عصمته بدون اللجوء إلى إبرام عقد جديد ما دامت فترة العدة لم تنقضي بعد، مما قد يعمد الزوج إلى إرجاع زوجته الأولى المطلقة رجعيا بعدما قام بزواج من ثانية فيكون بذلك متحايلا على مسطرة التعدد.
وتعتبر هذه الطريقة من التحايل في إطار التعدد من أكثر الطرق التي يتم استعمالها من طرف الزوج الراغب في التعدد، لذلك يتعين على القضاء اتخاذ حذره ويتأكد من انتهاء العلاقة الزوجية بين الزوج الطالب إثبات زواجه وبين زوجته الأولى، وبالتالي يفرض عليه وجوب الحصول على إذن التعدد قبل دعوى ثبوت الزوجية.
وهكذا قضت محكمة الاستئناف بالجديدة أن: “المراجعة بعد زواج آخر لا تصح إلا بمقتضى زواج جديد تحترم فيه شكليات الزواج المنصوص عليها في المادة 65 من نفس القانون (مدونة الأسرة) والإذن بالتعدد عملا بالمادة 40 وما يليها من المدونة وفي غياب ذلك يكون رسم الرجعة –المراجعة- عدد322 باطل…”[92] لأن الأمر يتعلق بزواج ثان بمثابة تعدد من غير احترام مسطرته.
كما أقرت نفس المحكمة في حكم آخر أنه:” يحق للزوجة الأولى المطالبة بإبطال رسم مراجعة أضر بمصالحها لم تحضره ولم توافق عليه”[93]، والزوجة الأولى هنا هي التي تزوجها بعد طلاق الزوجة التي أراد مراجعتها، وإذا كان هذا الأمر واضح وقانوني، يسهل على القضاء التثبت منه في حالة الطلاق البائن، فإن الأمر يدق في حالة الطلاق الرجعي.
ذلك أن الزوج يكون في الطلاق الرجعي في حكم المتزوج، لأنه يملك إرجاعها، وقد يتزوج بأخرى[94]، وذلك بهدف التحايل على مسطرة التعدد، وهو الأمر الذي لم تعر له محكمة الرباط أي اهتمام لما قضت للزوج بإرجاع طليقته لتكون زوجة ثانية[95].
وارتباطا مع ما سبق كان حريا بالمشرع أن يراعي مجموعة من القيود بالنسبة للطلاق كي لا يسهل أمر الرجعة أو المراجعة في وقت تزوج فيه خلال فترة الطلاق بامرأة أخرى.[96]
كما يتعين دائما احترام فترة العدة، حتى من طرف المطلق في الطلاق الرجعي بحيث إن الزوجة في حكم المتزوجة خلال العدة، وكذلك الزوج، وبالتالي يتعين عدم الإذن بتوثيق زواج المطلق خلال فترة العدة إلا بعد انقضاء العدة، أو بعد إدلائه بإذن المحكمة بالتعدد لأنه قد يتزوج بامرأة أخرى ويقوم بإرجاع المطلقة خلال العدة، ويكون بالتالي متزوج بامرأتين دون الحصول على إذن بالتعدد، وذلك رغم عدم وجود نص صريح.[97]
خامسا : واقــــع التعــــدد
من خلال استعراضنا لمختلف الاتجاهات الفقهية والتشريعية، اتضح لنا اختلاف المواقف بين من يبيح التعدد مطلقا، وبين من يقيده بقيود معينة وشروط محددة، وبين من يحرمه صراحة ويعتبر تعدد الزوجات جريمة معاقبا عليها.
والذي نميل إليه بعد هذه الآراء هو أن إباحة التعدد مطلقا يتنافى مع روح الشريعة الإسلامية، كما أن واقع مجتمعنا المعاصر يرفضه استنادا إلى اعتبارات عديدة أذكر منها :
– الظروف الاقتصادية والاجتماعية تحتم على الزوج الاكتفاء بزوجة واحدة.
– ظهور أفكار وتيارات اجتماعية في موضوع تنظيم الأسر وذلك نتيجة ارتفاع مستوى التعليم وزيادة الوعي الثقافي بين الرجل والمرأة معا وترتب على ذلك فهم جديد لقيمة الحياة الزوجية وإدراك أكثر عمقا بمسؤوليات الحياة الزوجية، الأمر الذي يحتم الاقتصار على النمط المثالي في الزواج وهو عدم التعدد إلا عند الضرورة القصوى وفي أحوال جد نادرة[98].
أما الاتجاه الذي يرى منع التعدد مطلقا وتحريم الفعل، فإننا نعتقد بأن هذا الاتجاه مبالغ فيه، ولا يتفق مع مقتضيات النصوص الشرعية، ولم يراع أيضا خصوصيات المجتمع الإسلامي، ذلك أن الشريعة الإسلامية بمذاهبها الفقهية المختلفة فيها من المرونة ما يضمن إيجاد الحلول الشافية لكل المشاكل وفي كل زمان ومكان، فالمباح يمكن تقييده، لذلك فتعدد الزوجات يمكن تقييده، أما منعه مطلقا دون مراعاة لأي مبرر أو ظرف فلا نعتقد بأنه اتجاه سليم.
ونميل إلى اعتبار الأصل هو عدم التعدد، لأن الواقع يؤكد بأن حالات التعدد مبنية على الجور وإلحاق الظلم والضرر بالزوجة وذلك تحقيقا لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾، والله سبحانه وتعالى يأمر الرجال بمعاشرة الزوجات بالمعروف أو التسريح بالإحسان، وما ينص عليه الحديث الشريف من أنه ﴿ لا ضرر ولا ضرار﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وليس من العدل والمروءة أن يتزوج الرجل على أهله (زوجته) دون مبرر شرعي، ومن ثم يسمح بالتعدد استثناء من القاعدة السابقة إذا دعت الضرورة إلى ذلك ووجد المبرر الشرعي بعد الحصول على إذن القضاء بذلك، فقد يسمح بالتزوج بثانية كما إذا كانت الزوجة عقيم أو فيها مرض يمنعها من أداء وظيفتها الزوجية… الخ.
وأخيرا نرى بأن مشكل تعدد الزوجات في مجتمعنا المغربي في تقلص مستمر إذ لا يشكل سوى نسبة ضئيلة جدا بحيث تقل عن 1%[99]، وهو لا يمثل في الجزائر سوى 3[100]% وفي ليبيا 2% [101]، وربما لا يزيد عن هذا القدر في أكثر البلاد العربية .
ولتوضيح واقع التعدد في المغرب ندرج الجدول الآتي[102]:
أشير بداية الى قرار المحكمة (أولا ) وأتعرض لوجهة نظري إزاء هذا القرار (ثانيا )
أولا : قرار محكمة النقض :
قرار صادر بتاريخ 23/6/2015
في الملف الشرعي عدد 276/2/1/2015
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
حيث يستفاد من وثائق الملف، والقرار المطعون فيه المشار إلى مراجعه أعلاه أن الطاعن … تقدم بتاريخ 30/09/2014 بمقال إلى المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء عرض فيه أنه متزوج بالسيدة … وانه رزق منها بثلاث بنات وأنه له رغبة في الزواج لإنجاب مولود ذكر وأن زوجته الأولى وافقت له على ذلك وإلتمس الإذن بالتعدد.
وبعد إجراء بحث في جلسة 20/12/2014 أكد فيه الطاعن رغبته في التعدد وصرحت زوجته الأولى بأنها توافق عليه، قضت المحكمة الإبتدائية المذكورة بتاريخ 27/10/2014 برفض الطلب، فاستأنفه الطاعن وبعد إجراء المسطرة قضت محكمة الإستئناف بتأييد الحكم المستأنف وهو القرار المطعون فيه بالنقض بمقال تضمن وسيلتين لم تجب عنه المطلوبة رغم الإستدعاء.
وحيث يعيب الطاعن القرار في الوسيلة الأولى والثانية للإرتباط بإنعدام الأساس القانوني وإنعدام التعليل، ذلك أن المحكمة لم تستجب لطلب الإذن بالتعدد والحال أن رغبته في إنجاب ولد ذكر لم تعد زوجته الأولى التي ولدت له البنات قادرة على الإنجاب وأنه يتوفر على جميع الشروط، وأن مسألة المبرر الموضوعي والإستثنائي مسألة شخصية تتعلق به، وأن التعدد أصلا يعتبر حقا قانونا وشرعا ولا يمكن معه طبقا للمادة 40 من مدونة الأسرة إلا في حالة الخوف من عدم العدل بين الزوجات وحالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها، خاصة وأن زوجته الأولى وافقت له على هذا الزواج، وأنه يتوفر على الموارد الكافية لإعالة أسرتين مما يستوجب نقض القرار،
حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك ان المحكمة مصدرته اكتفت بالقول لتعليل ما انتهت إليه في منطوق قرارها بأن رغبة الطاعن في إنجاب مولود ذكر لتوفره على البنات فقط غير مبرر للإستجابة لطلبه، والحال ان هذه الرغبة لديه لا يوجد ما يمنعها لا قانونا ولا فقها، وتجسد بجلاء المبرر الإستثنائي والموضوعي، خاصة وأنه يتوفر على ما يعيل به أسرتين، إذ دخله حسب الشهادة المؤرخة في 9/7/2014 هو 22.368.22 درهما، ولاسيما أن الزوجة الاولى وافقت على زواجه ثانية حسب جلسة 20/10/2014 مما يعتبر معه طلبه طبقا للمادتين 40 و 41 من مدونة الأسرة لهما يبرره، ولذلك فإنها لم تجعل لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض.
لهذه الأسباب
قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون.
الرئيس: السيد ………. – المقرر: السيد ………… – المحامي العام: السيد ……
ثانيا التعليق وابداء وجهة نظر :
أعتقد بأن توجه محكمة النقض غير مؤسس ويتنافى مع قواعد الشرع ومع روح النص وفلسفة مدونة الأسرة ومع توجه محاكم الموضوع كما يتناقض مع الحقائق العلمية
- التعارض مع قواعد الشرع : محكمة النقض في استجابتها لرغبة الزوج في التعدد من أجل انجاب ولد ذكر لأن زوجته الأولى لاتلد الا البنات وأن ذلك يعد مبررا موضوعيا استثنائيا ، هذا التوجه يتنافى مع قواعد الشريعة الاسلامية ذلك ان الله تعالى يهب لمن يشاء اناثا ويعطي لمن يشاء الذكور ويرزق من يشاء الذكور والإناث معا ويجعل من يشاء من الناس عقيما ، جنس الطفل هو من علمه تعالى انه المعطي والرزاق للبنين والبنات ، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في الآيتين 49-50 من سورة الشورى : ” لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء ، ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ، او يزوجهم ذكرانا وإناثا ، ويجعل من يشاء عقيما ، انه عليم قدير ” صدق الله العظيم .
- التعارض مع روح النص وفلسفة مدونة الأسرة وما استقر عليه العمل القضائي :نصت المادة 41 من مدونة الأسرة على أنه : ” لاتأذن المحكمة بالتعدد :
- إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي
- إذا لم تكن لطالبه الموارد المالية الكافية لعالة الأسرتين وضمان ….”
يتضح من النص السابق بأن المشرع يشترط لمنح الإذن بالتعدد وجود المبرر الموضوعي الاستثنائي وهوغير متوفر في نازلة الحال في نظر المحكمة الابتدائية و محكمة الاستئناف أيضا ، غير أن محكمة النقض رأت عكس هذا التوجه واعتبرت المبرر الموضوعي الاستثنائي قائم ومتجسد في رغبة الزوج بالزواج بثانية لكي تنجب له الولد الذكر وهو توجه نراه غير سليم وغير منطقي ولا ينسجم مع التفسير السليم للنص القانوني فالمشرع يتحدث عن المبرر الموضوعي وليس الشخصي اي المبرر الذي ينبني على أسس جدية ومبررات معقولة تتماشى مع فلسفة مشرع المدونة الهادفة الى تقييد التعدد والتقليص منه في أضيق الحالات كما ان الأمر يتعلق برخصة واستثناء يتعين عدم التوسع فيه ، ويكاد يجمع الفقه المغربي المهتم ومع القضاء على اعتبار العقم والأمراض الجنسية التي لايتأتى معها أداء المساكنة الشرعية مبررا موضوعيا استثنائيا ، وفي هذا الصدد ذهب أستاذنا أحمد الخمليشي في مؤلفه الجديد من مدونة الأحوال الشخصية الى مدونة الأسرة ، الجزء الأول الزواج صفحة 166 الى القول : ” يبدو ان المبرر يكون موضوعيا اذا تعلق بأحد الهدفين الأساسيين من الزواج : المعاشرة الزوجية والانجاب ، فتعذر المعاشرة الزوجية بسبب راجع الى الزوجة يعتبر مبررا موضوعيا لأنه يخل بحق جوهري من الحقوق المتبادلة بين الزوجين ، ومثل ذلك العقم المانع من الانجاب لأن الرغبة في الولد عامة لدى جميع الأفراد رجالا ونساء والحرمان منها صعب الاحتمال لدى الأغلبية …”
وتبقى الحالات الأخرى من غير العقم والمساكنة الشرعية خاضعة لسلطة القضاء في منح الاذن من عدمه ، غير ان القاضي ملزم بتبرير الظرف الموضوعي الاستثنائي الذي اقتنع به في منح الاذن بالتعدد والعكس صحيح أي تبرير السبب غير الموضوعي في عدم منح الاذن بالتعدد وهو في هذا وذاك يكون قناعته انطلاقا من وقائع ومعطيات موضوعية …ولانعتقد بأن رغبة الزوج في انجاب ولد ذكر وكون الزوجة الأولى لاتلد الا البنات يشكل سببا موضوعيا استثنائيا يبرر التعدد .
وقد رفض القضاء المغربي في عدة مناسبات منح الاذن بالتعدد لعدم موضوعية وجدية واستثنائية السبب الداعي للتعدد (راجع ماسبق حول رفض القضاء ومنح الاذن بالتعدد ) .
- التعارض مع الحقائق العلمية : رغبة الزوج في انجاب الذكور دون الإناث يتعارض مع ماهو ثابت علميا منذ مدة طويلة حيث تؤكد الدراسات العلمية بأن الحيوان المنوي للرجل ( الزوج )هو المسؤول عن جنس المولود وأن المرأة ( الزوجة ) لادخل لها في الموضوع ، وقد دفعني الفضول الى عالم الإنترنت والمواقع العلمية التي تتحدث عن الموضوع حيث اطلعت على العديد من الدراسات والأبحاث العلمية المنجزة والتي تؤكد مسؤولية الرجل عن جنس المولود وليس المرأة وأشير باختصار الى مقالتين :
أ- ” كتب أمين صالح يسأل قارئ أبلغ من العمر 29 عاما ومتزوج ولكنى رزقت بفضل الله أنثتين إلا أننى أتمنى أن أنجب ذكرا فهل هذا ممكن؟ ومن المسئول عن تحديد الجنس الزوج أم الزوجة؟ يجيب عن هذا التساؤل الدكتور حامد عبد الله أستاذ الذكورة والعقم والأمراض التناسلية مشيرا إلى أن عملية الإنجاب ترجع فى المقام الأول إلى الخالق سبحانه وتعالى فهو الذى يهب لمن يشاء الإناث ويهب لمن يشاء الذكور، وكذلك يجعل من يشاء عقيما لا ينجب، أما علميا فقد أثبتت الأبحاث أن الزوج هو المسئول عن عملية تحديد الجنس حيث ينتقل إلى الجنين 46 كروموسوم منها 23 كروموسوم من الأب ومثلهم من الأم ومن ضمن هذه الكروموسومات كروموسوم واحد منوط بعملية الجنس يكون فى الذكر (xy) بينما فى الأنثى يكون (xx) فإذا انتقل (x) من الذكر أصبح الناتج (xx) وأصبح الناتج أنثى بينما وإذا انتقل (y) من الذكر أصبح الناتج (xy) وبذلك يصبح الجنين ذكرا. ويشير عبد الله إلى أن بعض الأبحاث العلمية ترجع أيضا عملية تحديد الجنس ما بين الذكر والأنثى مناصفة إلا أنه بات فى حكم المؤكد أن الذكر هو المسئول عن تحديد نوع المولود ويتم معرفة ذلك فى أواخر الشهر الثالث من الحمل حينما تنضج المناسل وتتضح معالمها فحينئذ تتم ماهية الجنين الذى لا دخل فيها لا من الزوج ولا الزوجة بل إنها عملية معقدة تسير بأمر الخالق ويؤثر فيها الذكر بشكل كبير فى قضية تحديد نوع المولود إلا أن مشيئة الخالق هى أساس القضية كلها.103
ب- تسال إحدى السيدات، زوجى يلومنى دائما على ولادة الأنثى، ودائما ما ينتظر الذكر، لأن كل ما أنجبته بنات، فهل السبب من المرأة أم من الرجل؟ يجيب الدكتور عبد الهادى مصباح، أستاذ المناعة زميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة، قائلا، سمعنا عن الأزواج الذين يطلقون زوجاتهم لأنهن لا ينجبن لهم الذكور، خاصة الملوك والأثرياء ورجال الأعمال الذين يريدون إنجاب الذكور لكى يرثونهم فى الجاه والمال والسلطان، ولكى يظل اسم العائلة متواصلا فى الذرية والسلالة القادمة. والحقيقة أن هؤلاء الأزواج مخطئون فى حق زوجاتهم، فالزوجة لا تحدد مطلقا نوع الجنين، فالذى يحدد نوع الجنين هو الزوج وبناء على ذلك فإن تكوين الحيوانات المنوية للرجل يكون على شكلين، إما أن يحمل 22 كروموسوما، بالإضافة إلى كروموسوم ” Y ” المسئول عن الذكورة أو أنة يحمل 22 كروموسوما، بالإضافة إلى كروموسوم X المسئول عن الأنوثة، أما البويضة الخاصة بالسيدات فإنها دوما تحمل 22 كروموسوما، بالإضافة إلى كروموسوم إكس وبناء على ذلك، فمن الظلم أن يهجر الرجل المرأة لأنها فى اعتقاده لا تنجب له إلا الإناث دون الذكور فهو أولا وأخيرا المسئول عن ذلك. ولعل البحث العلمى الذى نشر فى مجلة “هيومان ريبردكشن” أو التكاثر البشرى، والذى توصل فيه الباحثون إلى أنه يمكن تحديد الحيوان المنوى الذى يحمل الكروموسوم الذكرىY وتفريقه عن الحيوان المنوى الذى يحمل كروموسوم الأنوثة X، وذلك من خلال احتواء الكروموسوم الأنثوى X على نسبة أكبر من الحامض النووى بنسبة 2.8% عن الكروموسوم الذكرى Y وبناءً على ذلك ومن خلال صبغة الحيوانات المنوية بصبغة الفلورسين وقياس نسبة الطيف الضوئى المنعكس منها بعد تسليط ضوء أشعة الليزر عليها، يمكن تفريق كل من الحيوان المنوى الذى يحمل كروموسوم الذكورة عن الحيوان المنوى الذى يحمل كروموسوم الأنوثة بواسطة فحص يسمى “مايكروسورت104
وتحضرني بعض الأبيات الشعرية لشاعرة عربية عاتبت زوجها الذي تزوج عليها لأنها لاتلد الا البنات
ما لأبي حمزة لاياتينا *** يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا *** والله ما ذلك بأيدينا
وإنما نحن لزارعينا كالأرض *** نحصد ما قد زرعوه فينا
الخلاصة
من خلال كل ماسبق أرى بأن محكمة النقض لم تبني قرارها على أساس سليم وأن ماذهبت اليه المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف أجدر بالتأييد وأعتقد بأن هذا القرار لا يجسد الفلسفة العامة لقانون الأسرة المغربي الذي جاء بعد مخاض عسير هدفه تحقيق السلم العائلي وبناء الخلية الأولى في المجتمع على أسس من التفاهم والود والمسؤولية المشتركة وصيانة حقوق جميع مكونات الأسرة ..ان الاستجابة لرغبة الزوج في التعدد لكونه يرغب في ولادة ابن ذكر وان زوجته الأولى لاتلد الا البنات لايمكن ان يشكل سببا موضوعيا استثنائيا شرعا وقانونا ويتعارض مع توجه القضاء المغربي ومع الحقائق العلمية الثابتة .
وحرر بوجدة في يوم الثلاثاء 15 رمضان 1437
موافق 22 يونيو 2016
ذ. ادريس الفاخوري
الهوامش
– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية قسم قضاء الأسر بوجدة، رقم 2585 بتاريخ 2/6/2005 في ملف عدد 754/05 (غير منشور).
حكم قضاء الأسرة بوجدة في الملف عدد 4305/11 بتاريخ، 17/05/2012، أورده إدريس الفاخوري، قضايا الأسرة في ضوء العمل القضائي، مرجع، ص 30.
حكم قضاء الأسرة بوجدة رقم 3104 في الملف عدد 15357/06 بتاريخ 17/07/2006، أورده إدريس الفاخوري، نفس المرجع، ص 41.
– وهو نفس التعليل الذي جاء في أحكام أخرى:
– حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بسلا رقم:25 بتاريخ 07/05/2008 في ملف رقم:02/8/4 (غير منشور)
– حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بسلا، رقم 10 بتاريخ 12/03/2008 في ملف رقم 06/8/4 (غير منشور)
حكم المحكمة الابتدائية بالناظور مركز القاضي المقيم بمضار في الملف عدد 128/05 بتاريخ 21/12/2005، أورده إدريس الفاخوري، نفس المرجع، ص 44.
حكم المحكمة الابتدائية بوجدة قسم قضاء الأسرة رقم 142/07 في الملف عدد 1776/06 بتاريخ 18/01/2007، أورده إدريس الفاخوري، نفس المرجع، ص 35.
الحكم الصادر عن ابتدائية فاس قسم قضاء الأسرة ،رقم 3354في الملف عدد 154/3/07 الصادر بتاريخ 26/11/2007(غير منشور).
– حكم صادر عن ابتدائية وجدة، قسم قضاء الأسرة، رقم 4568 في الملف عدد 1643 الصادر بتاريخ 30/10/2006 (غير منشور).
– قرار صادر عن استئنافية وجدة، رقم 93 في الملف رقم 645/05 الصادر بتاريخ 01/02/2006 (غير منشور) .
تثير المحكمة تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وتنذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده .
إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة، وإلا صرحت المحكمة بعدم قبول الدعوى.”.
للزوجة أن تشترط على زوجها عدم التزوج عليها، وإذا تزوج فأمرها بيدها.
للمتزوج عليها إذا لم تكن اشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها وفي جميع الحالات إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لا يأذن القاضي بالتعدد”.
– عبد العزيز حضري، القانون القضائي الخاص، مرجع سابق، ص72 .
وتبقى الحكمة من منح الاختصاص لمحكمة موطن أو محل المدعى عليه ،لأن هذا الأخير هو المهاجم في الدعوى، وبالتالي فإن تحقيق العدالة يقتضي تخفيف العبء على المدعى عليه، وجلب التيسير على المتقاضين بصفة عامة باستثناء ما تم التنصيص عليه في الفصول 28 إلى 30 و الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية.
– نجيب شوقي الاختصاص المحلي لأقسام قضاء الأسرة، مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة و المعوقات، أشغال الندوة الدولية المنظمة من طرف مجموعة البحث في القانون و الأسرة يومي 15/16مارس 2007، كلية الحقوق وجدة سلسلة الندوات 2، ص: .128
[103] http://www.youm7.com/story/2010/11/27/من-المسئول-عن-إنجاب-الولد-أو-البنت/309929#
[104] http://www.youm7.com/story/2012/1/1/هل-تحديد-نوع-الجنين-مسئولية-الذكر-أم-الأنثى/567710#