مجلة مغرب القانونالقانون الخاصإحسان مجاجي: الـجريمة الـبيئية فــي التشريع المغربي

إحسان مجاجي: الـجريمة الـبيئية فــي التشريع المغربي

إحسان مجاجي طالبة باحثة في سلك الدكتوراه -السنة الثالثة- بمختبر البحث في الدراسات القانونية والفقهية والاقتصادية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

 

مقـــدمة:

أصبح للبيئة في عصرنا الحاضر وضع خاص ضمن القيم الأساسية للمجتمع، لارتباطها الوثيق بوجود الإنسان وبسلامته الجسدية والنفسية. وبذلك فإن المساس بالبيئة يشكل اعتداء على الوجود السليم والطبيعي للإنسان، دون إغفال ما يشكله ذلك أيضا من مساس خطير بالقيمة البيئية ذاته.

وهذا ما أدى إلى ظهور فرع جديد من القانون الجنائي، وهو القانون الجنائي للبيئة الذي بات يهتم بدراسة ظاهرة الإجرام البيئي الذي أثبتت الدراسات العلمية مدى التهديد الذي يشكله على مصالح المجتمع باعتبار الجريمة البيئية تتأتى من عدم مشروعية الفعل المرتكب بالإضافة إلى التركيز على دراسة خصوصياتها والطبيعة المميزة لها وهكذا أصبحت إشكالية البيئة وما يتعلق بها، تعد من أولى الرهانات، التي تفرض نفسها على المغرب خاصة والدول الأخرى ، وأصبح التشريع المتعلق بالبيئة ضرورة ملحة على كل الدول النامية.

وغير خاف عن بال كل مهتم أن الشريعة  الإسلامية اهتمت غاية الاهتمام بالشأن البيئي،  حيث أرست الضوابط والقواعد التي تنظم علاقة الإنسان بالبيئة، و وضعت نظاما عاما لحماية البيئة في شموليتها. وتتجلى هذه الحماية الشرعية للبيئة من خلال تدبر العديد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، التي دعت إلى الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها من كل أشكال التعدي والعدوان، في إطار مقاربة شمولية، ومنظور متعدد الأبعاد من حيث الزمان والمكان.

هذا وقد اختلف في عناصر البيئة المقصودة في القانون، هل يقصد بها العناصر الطبيعية مثل الماء والهواء والغابات …الخ ، فقط أم يضاف إليها العناصر المنشأة بواسطة الإنسان، مثل تخطيط المدن، الآثار التاريخية… أي ( البيئة المشيدة).

حيث نجد أن أغلب التشريعات تهتم بتحديد المعنى اللغوي للبيئة، وما تشمله، ولكن عالجت عناصرها المختلفة بقوانين خاصة أو بنصوص واردة في القانون الجنائي دون أن تتجه إلى تعريف خاص بالبيئة.

وللوقوف عند مفهوم البيئة نورد بعض التعريفات:

فالبيئة في الوضع اللغوي  مشتقة من فعل “بوأ” بمعنى نزل و أقام، “تبوأ” أي نزل و أقام  اتخذ منزلا، فهي بالاشتقاق منزل الإنسان الذي يعيش فيه و الذي فيه مستقره و مقامه.

أما في الاصطلاح قد عرفها “توماس ميل” تعريفا شاملا باعتبارها مجموعة الظروف الطبيعية (فيزيائية، كيميائية، حيوية)، و الثقافية و الاجتماعية و القابلة للتأثير على مظاهر الحياة عامة، و على أنشطة الإنسان خاصة.

و قد عرفها قاموس “لاروس” الفرنسي بأنها “مجموع العناصر الطبيعية و الصناعية التي تمارس في الحياة الإنسانية”.

وفي الاصطلاح القانوني فبالرجوع إلى القوانين المغربية: (03- 11) المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، و (03 – 12) المتعلق بدراسة التأثير على البيئة ،(03-13) المتعلق بمكافحة تلوث الهواء – نجد أن البيئة هي:” مجموعة العناصر الطبيعية والمنشآت البشرية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تساعد على وجود وتغيير وتنمية الوسط الطبيعي والكائنات الحية والأنشطة البشرية”.

فمن خلال هذا الموضوع يمكن طرح مجموعة من الإشكالات التي تهم المجال البيئي، ويتعلق الأمر بمدى اهتمام الاتفاقيات الدولية بحماية البيئة؟ وكيف نظم المشرع المغربي موضوع الجريمة البيئية؟

وللإجابة عن هاته الإشكالات اعتمادنا التصميم التالي :

  • المبحث الأول: الإطار القانوني المنظم للجريمة البيئية
  • المبحث الثاني: الجريمة البيئية الإرهابية

المبحث الأول: الإطار القانوني المنظم للجرائم البيئية

المطلب الأول: الاتفاقيات الدولية و النصوص القانونية المنظمة للجريمة البيئية

الفقرة الأولى: أهم الاتفاقيات الدولية ذات الارتباط بالمجال البيئي.

ظهرت مجموعة من الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بالبيئة بهدف إيجاد حلول للمشاكل البيئية من خلال القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية التي تبين كيفية حماية البيئة والنهوض بها.

فعلى المستوى الدولي اهتمت المؤتمرات الدولية بالمشاكل البيئية التي شدت انتباه الرأي العالمي لأول مرة في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الإنسانية المنعقد في استكهولم بالسويد، من الخامس إلى السادس عشر من يونيو1972، والذي أثار الانتباه أن التقدم الصناعي والتكنولوجي الذي يعرفه العالم أصبح   يمثل سببا حقيقيا لمشاكل بيئية حادة. ومما أكدته مقررات المؤتمر أن من بين أهم مشاكل البيئة في الدول الصناعية مايرجع عموما إلى النمو الاقتصادي وتعدد أنماط التصنيع، مما ولد أثارا سلبية على الإنسان، وعلى الوسط البيئي الذي يعيش فيه

و هناك مجموعة من  المؤتمرات الدولية والعالمية والإقليمية الهادفة إلى حماية البيئة من أخطار التلوث بل والى تربية الناس تربية من شأنها الحفاظ على البيئة التي يعيشون فيها مثال ذلك المؤتمر الدولي للتربية البيئية الذي عقد عام 1977م بمدينة يبلس بالإتحاد السوفيتي المنهار .

وفي شهر يونيو عام 1992م بمدينة ريو دي جانيرو البرازلية انعقد مؤتمر “البيئة والتنمية” الذي اشتهر بمؤتمر قمة الأرض وهو أكبر اجتماع عالمي في التاريخ حيت ضم ممثلي 178 دولة وحضره أكثر من مائة من الرؤساء الدول والحكومات ،واستهدف حماية كوكب الأرض وموارده ومناخه ووضع سياسة للنمو العالمي والقضاء على الفقر مع المحافظة على البيئة.

وقد أسفر هذا المؤتمر عن مجموعة من المبادئ من ذلك مثلا بيان المبادئ المتعلقة بالغابات ،حيث كان توافق العالمي الأول الذي تم التوصل إليه في المجال الغابوي من أحكامه :

– أن جميع البلدان،ولا سيما البلدان المتقدمة،ينبغي أن تبدل جهدا للعالم الأخضر من خلال إعادة التشجير والحفاظ على الغابات.

– أن الدول لها الحق في تطوير الغابات وفقا للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، تماشيا مع السياسة الوطنية المستدامة .

– ينبغي أن يخصص الموارد المالية المحددة لتطوير البرامج التي تشجع السياسات الاقتصادية الاجتماعية البديلة.[1]

هذا وقد اتفق في ريو على الأحكام الخاصة بثلاث اتفاقيات دولية: الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر  وجميعها ذات صلة بالغابات، وإن كانت لا تقتصر عليها، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية مزيدا من التقدم في تنفيذها وفي تعزيز الروابط فيما بينها، ثم مع الفريق والمحفل، ومع اتفاقيات قائمة منذ وقت أطول، مثل اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع الحيوانية والنباتية البرية المعرضة للخطر، واتفاقية رام سار للأراضي الرطبة .[2]

فكل هذه الاتفاقيات التي قمنا بجردها وأخرى ، ساهمت بشكل كبير في تكريس الحماية القانونية للبيئة عموما،والحماية القانونية  للغابات على وجه الخصوص.

 الملاحظ وهو أن معظم الاتفاقيات لم تتطرق إلى موضوع الحماية الجنائية للمجال الغابوي مثلا، وإنما يستفاد ذلك ضمنيا، عندما تقر بعض الاتفاقيات أن من الواجب على الدول الأعضاء أن تتخذ التدابير التشريعية الملائمة للحاجيات الاقتصادية والاجتماعية.

و كباقي المجتمع الدولي، التزم المغرب بالعمل على تحقيق التنمية المستدامة والعمل على المحافظة على البيئة. وفي هذا الإطار صادق المغرب على أزيد من 60 اتفاقية دولية معنية بالمحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، كما أنه عمل على تبني إعلان قمة ريو 1992، المشار اليه واتفاقيات الإطار للأمم المتحدة المعنية بالمحافظة على البيئة والتنوع البيولوجي إضافة إلى مكافحة التصحر ومشاكل الجفاف.

 ولعل أهم الاتفاقيات الدولية الأخرى التي صادق عليها المغرب نجد ما يلي:

– معاهدة برشلونة سنة 1978 المتعلقة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث البحري.

– اتفاقية جنيف سنة 1979 المتعلقة بتخفيض مقذوفات أكسيد الكربون والكبريت والآزوت.

– اتفاقية فيينا سنة 1985 المتعلقة بحماية طبقة الأوزون.

– بروتوكول مونتريال سنة 1987 المتعلق بالمواد التي تفقر طبقة الأوزون.

– اتفاقية بال سنة 1989 حول النفايات الخطيرة والقضاء عليها.

– اتفاقية ريو سنة 1992 حول التغيرات المناخية.

الفقرة الثانية: الجريمة البيئية في القانون المغربي

أولا: على مستوى النصوص القانونية

لقد بلغ مستوى الوعي في المغرب بضرورة المحافظة على البيئة ، إلى تكريس الحق في البيئة السليمة كحق من حقوق المواطن المغربي ، حيث نص الفصل  31 من الدستور على    ما يلي ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ، على تعبئة كل الوسائل المتاحة ، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين ، على قدم المساواة من الحق في …

الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة .”

و لضمان حماية أكبر نص الفصل 151 من الدستور على إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي .

وقبل دستور 2011 كان المغرب قد أصدر مجموعة من القوانين المتعلقة بالبيئة ، كان أهمها قانون 95-10 المتعلق بالماء ([3]) وجاء هذا القانون كآلية لتفادي المشاكل المائية التي تعاني منها الدول العربية ، كالكويت وقطاع غزة والإمارات العربية المتحدة ([4]) حيث حاول المشرع المغربي من خلال سن القانون المذكور إقرار سياسة وطنية مائية مبنية على نظرة مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار تطور الموارد المائية من جهة والحاجيات الوطنية من جهة أخرى بهدف تحقيق الأمن المائي ([5]) ونظرا لأهمية الماء الذي أصبح من ضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كان من اللازم توفير الآليات القانونية الناجعة قصد المحافظة على هذه الثروة ، وهو ما يجعل المشرع في هذا القانون يخصص الباب الثالث عشر بأكمله للمخالفات و العقوبات التي تلحق المخالفين لأحكام قانون الماء كما أحال على تشريعات أخرى  والتي تضمنت عقوبات خاصة ، كالإحالة على قانون 13-83 المتعلق بالزجر في البضائع ([6]) إذا تعلق الأمر بمخالفات أحكام البابين السابع والثامن من قانون الماء ، كما أحالت المادة 111 من نفس القانون على مقتضيات الفصل 609 من القانون الجنائي إذا تعلق الأمر بعرقلة عمل الأعوان اللذين حددتهم المادة 104 وهم ضباط الشرطة القضائية، والأعوان المعينون بهذا الغرض ( أي لمعاينة المخالفات المتعلقة بقانون الماء ) من لذن الإدارة المختصة ، وإلى جانب هذا النص القانوني المتعلق بالماء فقد تم إصدار مرسومين  أحدها يتعلق بتحديد معاير جودة الماء وكذا جرد درجات تلوث المياه ([7]) والآخر يتعلق بالصب والسيلان والرمي والإيداع المباشر و غير المباشر في المياه السطحية أو الجوفية ([8]) وبعد ذلك وفي سنة 2003 صدر ثلاث قوانين غاية في الأهمية :

مقال قد يهمك :   المحكمة الدستورية ترسم حدود الصلاحيات بين السلطة القضائية و وزارة العدل في قانون التنظيم القضائي

القانون الأول يتعلق بحماية واستصلاح البيئة قانون رقم 03-11 ([9]) هذا القانون تضمن أحكاما مختلفة سواء منها المتعلقة بحماية البيئة والمستوطنات البشرية أو تلك المتعلقة بحماية الطبيعة ، حيث عمل المشرع من خلال هذا التشريع إلى وضع القواعد العامة للسياسة الوطنية في مجال حماية البيئة وكما حدد نظاما خاصا للمسؤولية يتضمن إصلاح الأضرار اللاحقة بالبيئة وكذا تعويض المتضرر كما حدد كيفية تدخل الإدارة المعنية لرفض تسليم رخص البناء التي تكون لها عواقب مضرة بالبيئة .

أما القانون الثاني فيتمثل في قانون 03-12 ([10]) المتعلق بدراسة التأثير على البيئة .

أما القانون الثالث فيتعلق بالإطار القانوني لحماية الهواء 03-13 المتعلق بمحاربة تلوث الهواء  تضمن هذا القانون مجموعة من المخالفات و العقوبات المقررة بشأنها ،وهو ما يعد حماية جنائية للهواء باعتباره حقا مشتركا بين الأفراد وأي اعتداء عليه فهو يشكل اعتداء على الحياة العامة .

إن القوانين التي عمل المشرع  المغربي على إخراجها فيما يتعلق بموضوع حماية البيئة لا تنحصر في القوانين التي أسلفنا ذكرها بل هناك عدة نصوص التي تضمنت عقوبات تلحق المخالفين .

ومن بين هذه القوانين قانون رقم 07 -22 المتعلق بمناطق المحمية وظهير 10اكتوبر 1917 المتعلق بحفظ الغابات واستغلالها والذي خصصنا له مطلبا كاملا ضمن محتويات هذا العرض إضافة إلى قوانين أخرى تهدف إلى حماية البيئة .

فإذا كانت فرنسا سنة 2005 قد أخرجت إلى الوجود الميثاق المتعلق بالبيئة ([11]) فإن المغرب بعد التراكمات التي حصدها في هذا المجال سواء التراكمات المتعلقة بالنصوص القانونية التي تعمل على حماية البيئة أو خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس خاصة خطاب 30 يوليوز الذي يعد الانطلاقة حيث حث الحكومة على إعداد ميثاق وطني لحماية البيئة،انتهت كل هذه التراكمات بإقراره سنة 2010 .

المطلب الثاني: أركان الجريمة البيئية والأجهزة المكلفة بضبطها

الفقرة الأولى: أركان الجريمة البيئية

أ- الركن القانوني

إن الشرعية الجنائية تقتضي وجوب وجود نصوص قانونية سابقة لفعل الاعتداء بحيث يكون هذا الأخير معرفا فيها بشكل واضح، وهذا إقرار لأهم مبادئ القانون الجنائي ألا وهو مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، الذي يقتضي أن يكون النص الجنائي المجرم للاعتداء على البيئة مبينا بصورة واضحة ودقيقة، بحيث تسهل مهمة القاضي الجزائي في استيعابه بسرعة نوع الجريمة والعقوبة المقررة لها، الأمر الذي سيضمن تحقيق فعالية أكبر أثناء تطبيقه، وقد تطرقنا للنصوص التشريعية المجرمة للأفعال التي تستهدف الاعتداء على مكونات البيئة في ما سبق.

ب- الركن المادي

يعد الركن المادي لأي جريمة بمثابة عمودها الفقري الذي لا تتحقق إلا به بحيث يشكل مظهرها الخارجي فالقانون الجنائي لا يعاقب على مجرد التفكير في الجريمة أو مجرد الدوافع وإنما يلزم أن تظهر تلك النزعات والعوامل في صورة واقعة مادية هي الواقعة الإجرامية. فالركن المادي يعد أهم أركان الجريمة البيئية التي تتميز بضعف ركنها المعنوي.

ويتمثل الركن المادي لأي جريمة في الضرر الذي يصيب الأشخاص في حقوقهم أو مصالحهم المشروعة، والضرر في الجريمة البيئية  هو ذلك الأذى الحال أو المستقبلي الذي ينال من أي عنصر من عناصر البيئة والمترتب عن نشاط الشخص أو بفعل الطبيعة، والمتمثل في الإخلال بالتوازن البيئي سواء كان صادرا من داخل البيئة الملوثة أو واردا عليها.

وينقسم  الضرر البيئي حسب نوعه إلى ضرر بيئي مادي يصيب الشخص كالجرح أو الضرب أو العاهة…، وإلى ضرر بيئي معنوي أو أدبي يمس الشخص في معنوياته كالشعور والكرامة والسمعة والشرف.

ويشترط في الضرر الإيكولوجي أن يكون محققا وأن يكون قد أصاب حقا مكتسبا أو مصلحة مشروعة للمضرور أو عنصر من عناصر البيئة.

ج-  الركن المعنوي:

يعد الركن المعنوي من أهم أركان أي جريمة والذي يتمثل في نية وإرادة الجاني في ارتكاب الفعل مع علمه بأركان الجريمة، إلا أن أغلب النصوص البيئية لا نجدها تشير إليه مما يجعل أغلب الجرائم البيئية جرائم مادية تستخلص المحاكم الركن المعنوي فيها من السلوك المادي نفسه، وتكتفي النيابة العامة بإثبات الركن الشرعي والمادي للجريمة لينجم عن ذلك قيام مسؤولية المتهم، فلقد تم تمديد قاعدة عدم ضرورة إثبات وجود الخطأ الجنائي من مادة المخالفات، والتي تعد كثيرة في المجال البيئي إلى بعض الجنح البيئي.

الفقرة الثانية: الأجهزة المكلفة بضبط الجريمة البيئية

لقد أسند المشرع المغربي مهمة معاينة وضبط الجرائم البيئية لضباط ا لشرطة القضائية ذوي الاختصاص ا لعام الذين يتمتعون بصلاحيات التثبت من وقوع ا لجرائم، مهما كانت طبيعتها، بما فيها تلك ا لتي تمس البيئة، وجمع  الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها، كما  أسندت هذه المهمة لهيئات ا لضبط ا لقضائي ذات ا لاختصاص ا لخاص، والتي ينحصر دورها في معاينة وضبط مخالفات  أحكام القانون الذي ينظم المجالات المكلفة بتدبيرها.

أ – أجهزة معاينة وضبط الجرائم البيئية،  ذات الاختصاص العام.

بالرجوع  إلى القوانين المغربية لحماية البيئة، وتلك ا لتي تنظم مجالات لها صلة بالشأن البيئي، وتؤثر فيه سلبا أو إيجابا، نلفيها تتضمن مقتضيات تخول لضباط الشرطة القضائية صفة القيام بمعاينة وضبط  المخالفات لأحكام ا لقوانين البيئية.

وضباط الشرطة القضائية  المقصود بهم في هذا المقام، أولائك الوارد ذكرهم في المادتين 19 و 20 من قانون رقم 22.01  المتعلق بالمسطرة  الجنائية:

–  الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق، بوصفهم ضباطا سامين للشرطة القضائية،

–  المدير العام للأمن الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها،

–  ضباط الدرك الملكي ذووا  الرتب فيه  وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة  أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة،

–  الباشوات والقواد،

–  مفتشوا  الشرطة التابعين للأمن الوطني، ممن قضوا على الأقل ثلاث سنوات بهذه ا لصفة، وتم تخويلهم صفة ضباط الشرطة القضائية بقرار من وزير العدل والحريات ووزير الداخلية.

–  الدركيون الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة بالدرك الملكي، وتم تخويلهم صفة ضباط   الشرطة القضائية بقرار مشترك من وزير العدل والحريات والسلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني.

ب-  أجهزة معاينة وضبط  الجرائم البيئية، ذات الاختصاص الخاص.

حسب مقتضيات  المادتين 19 و 27 من ق.م.ج السالفة  الذكر، فإن تشكيلة الشرطة القضائية تضم أيضا الموظفين وأعوان الإدارات والمرافق العمومية، الذين  أسندت إليهم بعض مهام الشرطة  القضائية بمقتضى نصوص خاصة، ويدخل في زمرة هؤلاء الموظفون والأعوان المنتمين للمؤسسات والمرافق العامة المكلفة بحماية البيئة، وبالمحافظة على المجالات ذات الصلة بالبيئة، والتصدي لكل ما من شأنه التأثير على النسق البيئي.

المبحث الثاني: الجريمة البيئية الإرهابية و الجرائم الغابوية كنموذج للجريمة البيئية

المطلب الأول: الجريمة البيئية الإرهابية.

الفقرة الأولى:  الإطار القانوني المنظم للجريمة البيئية الإرهابية

لا جدال أن الباعث إلى ارتكاب الجرائم التي تستهدف البيئة، يؤثر على الوصف الذي يمكن أن تتخذه هذه الجرائم، فمتى كان الباعث محدودا نطاقه ومرتبطا بغاية مادية لدى الجاني، صنفت الجرائم البيئية ضمن الجرائم العادية ( كما هو الشأن بالنسبة للاستغلال غير المرخص أو المعقلن للثروة الطبيعية الغابوية … أو الصيد البحري العشوائي في  أماكن غير مرخص بها في أوقات ممنوعة).

على النقيض من ذلك فإذا ارتبطت هذه العينة من الجرائم بمشاريع أو مخططات تستهدف تدمير الثروة البيئية، أو تلويث المجال البيئي، قصد خلق فوضى عارمة يتم على إثرها المس بالنظام العام والأمن العمومي مما يترتب عنه إشاعة الذعر والترهيب بين عموم المواطنين أصبحت جرائم إرهابية…

والمشرع المغربي اقتناعا منه بخطورة هذه الجرائم، صنفها ضمن الجرائم الإرهابية، فنص قائلا في الفصل 3- 218 من قانون (03.03) .

“يعتبر أيضا فعلا إرهابيا بالمفهوم الوارد في الفقرة الأولى من الفصل 1-218 أعلاه ، إدخال أو وضع مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر في الهواء أو في الأرض أو في الماء بما في ذلك المياه الإقليمية .

مقال قد يهمك :   مفهوم العقد و تطوره : دراسة في الأسس التاريخية و الفلسفية

يعاقب عن الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى  أعلاه بالسجن من 10 إلى 20 سنة.

تكون العقوبة هي السجن المؤبد إذا ترتب عن الفعل فقد عضو أو بثره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى لشخص أو أكثر، تكون العقوبة هي الإعدام إذا ترتب عن الفعل موت شخص أو أكثر”.

الفقرة الثانية : أركان الجريمة البيئية الإرهابية

من خلال هذا الفصل يتضح أن الجريمة البيئية ذات البعد الإرهابي، تقوم في تكوينها حسب مفهوم الفصل 3 – 218 من قانون 03.03 على الأركان التالية [12]:

الركن المادي :

فعل مادي يتمثل في إدخال أو وضع مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر سواء تعلق الأمر بالهواء أو الأرض أو الأنهار أو المياه الإقليمية .

الركن المعنوي :

توجيه إرادة الجاني نحو تحقيق الباعث الدافع لارتكاب الجرم الإرهابي ، والمبين بالفقرة الأولى من الفصل 1-218 من قانون مكافحة الإرهاب (03.03 ) وهو المساس بالأمن العام والنظام العمومي باعتماد الترهيب أو التخويف أو العنف… [13]

من ذلك مثلا، إقدام الإرهابيين على تلويث مياه الأنهار بسوائل أو نفايات سامة أو رش مناطق زراعية بمبيدات سامة تقضي على المحاصيل الزراعية … أو تسريب مواد كيماوية قاتلة أو مدمرة بأحواض السدود ومناطق المعالجة الآلية لمياه الشرب … إلى غير ذلك من الأمثلة التي تتجه فيه نية الجناة الإرهابيين إلى المساس بالنظام العام والأمن العمومي وإشاعة الفوضى والاضطراب وانعدام الأمن بين أفراد المجتمع .

والمشرع المغربي اعتبر أن جريمة الإرهاب البيئي هي مستقلة عن الجنايات والجنح المدرجة في الشريعة العامة، فأعطاها المشرع تكييف العمل الإرهابي شريطة أن تكون ذات علاقة بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى تعكير صفو النظام العام بصورة خطيرة بالتخويف أو الرعب.

والإرهاب البيئي ليس مجرد حالة نظرية بعيدة عن الواقع، بل تشهد الوقائع حدوثه، سواء إلى إطار النزاعات المسلحة ( حرب الخليج حيث تدمير البيئة بكل مستوياتها الطبيعية، الحضارية، الثقافية)، أو حالة الثورات، فتجريم هذا النوع من الإرهاب منصب على واقع ملموس وليس مجرد وهم.

يبد أنه يجب أن تتضمن نصوص القانون الجنائي مواد تجرم الأفعال التي تضر بالبيئة ، حتى وإن لم ترتبط بأفعال إرهابية كما هو منصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب، لأن المس بالبيئة في حد ذاته إرهاب في حق الإنسانية، خاصة وأن الجريمة البيئية تنطلق خصوصيتها من أهمية الضحية حيث لا تنال فردا أو مصلحة بذاتها بل تنال مجموع أفراد أو مصالح المجتمع البشري، خاصة وأن الجريمة البيئية تنطلق خصوصيتها من أهمية الضحية حيث لا تنال فردا أو مصلحة بذاتها بل تنال مجموع أفراد أو مصالح المجتمع البشري.

المطلب الثاني: الجرائم الغابوية 

الفقرة الأولى:قيام المسؤولية الجنائية في الجريمة الغابوية

  الجريمة الغابوية نجدها لا تختلف عن الجريمة العادية كثيرا، فهي من الجرائم القانونية لا الجرائم الاجتماعية، لكونها من صنع القانون الذي يتولى تحديد الأفعال والجزاءات المقررة لها، والتشريع الغابوي تشريع خاص، يتوجب الرجوع إليه في حالة الخلاف مع مقتضيات القانون الجنائي العام، عملا بمبدأ أولوية التشريع الخاص على العام عند التعارض هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن علاقته بكل من القواعد الشكلية التي تهتم بتنظيم البحث عن مرتكبي الجرائم والحكم عليهم وتنفيذ الجزاءات الجنائية وتحديد مبادئ التجريم والمسؤولية الجنائية، كلها أمور تبرز لنا بأن التشريع الغابوي لا يختلف عن التشريع الجزائي ، وإن كان القانون الغابوي في بعض الحالات يكتفي بالمبدأ العام ويترك للإدارة الغابوية إدارة المياه والغابات حق تنظيم أسسه وتحديد تطبيقه ، وهو ما لا نجده في القواعد الموضوعية ولا الشكلية فيما يرجع للجرائم العادية.

وعليه فإن المسؤولية الجنائية في التشريع الغابوي تستنبط من المقتضيات والقواعد العامة الواردة في القانون الجنائي، على اعتبار أن القانون الغابوي يحيل في بعض الأحيان على قواعد وأحكام مجموعة نصوص القانون الجنائي. غير أن المسؤولية الجنائية في الميدان الغابوي تنفرد ببعض الخصوصيات المميزة لها عن تلك الواردة حسب التشريع الجنائي، وذلك حماية للمجال الغابوي ضد كل أشكال التصرفات والتهجمات الشرسة الرامية إلى الاستئثار بالثروات الغابوية واستنزاف خيراتها واستغلالها استغلالا مفرطا من جهة، ومن جهة أخرى، لضمان حقوق السكان المجاورين للغابة من أجل استعمال الغابة ومحصولاتها بالقدر الكافي لمعيشتهم ونشاطهم ولممارسة حقوقهم في الانتفاع والرعي والتنقل، وبالتالي ضمان تنفيذ السياسة الغابوية ككل.

وللجريمة الغابوية عدة  خصوصيات تميزها عن باقي الجرائم المحددة في مجموعة نصوص القانون الجنائي؛ كونها أي(الجريمة الغابوية) تتحقق غالبا بمجرد ارتكابها بصفة مادية، حيث أن الركن المادي يبقى هو العنصر الرئيسي في تحديد الأشخاص المسؤولين جنائيا من غير تمييز بين الفاعل الأصلي، الشريك والمتواطئ، كما أنه لا يعتد بعنصر الجهل وحسن النية. ذلك أنه بمجرد وقوع الفعل المادي المخالف للقانون يكفي لوقوع الجريمة دونما حاجة للبحث عن توافر النية وإثباتها.

وفي رأينا المتواضع، يتوجب إدخال تعديلات وإصلاحات على فصول ظهير 10/10/1917 حتى تصير الجرائم الغابوية جرائم عمدية كأصل عام تستلزم توافر القصد الجنائي، أي أنه يتعين أن يتعمد مرتكبوها القيام بالعمل أو الامتناع في الشكل المحدد له قانونا مع علمهم أن الواقعة التي أقدموا عليها تعد بمثابة جريمة في القانون ومعاقب عليها بمقتضاه.

وتبعا لذلك فإن المسؤولون جنائيا حسب ظهير 10/10/1917 إما أن يكونوا فاعلين أصليين تترتب مسؤوليتهم جنائيا إما بحكم قيامهم ببعض الأنشطة أو الأعمال التي تخل بالقوانين أو التنظيمات الجاري بها العمل بمقتضى الظهير الغابوي، وكمثال على ذلك، ما نص عليه الفصل 16 المعدل بظهير 18 يناير 1935 بقوله :” إذا كان المشتري بالسمسرة أو بالمراضاة لم يقم بالأعمال المنصوص عليها في كراس الشروط في الأجل المحدد وعلى الكيفية المبينة، فإن رئيس إدارة المياه والغابات يأمر بمباشرتها على نفقة المشتري…” ومن الأعمال المشار إليها، تدارك الحريق وجمع الحطب وحزمه وتنظيف المحل من الشوك والعليق والأشجار الصغيرة المضرة وإصلاح السياجات وذلك لإفراج الحطب والفحم وغيرها .

 كما قد تثار مسؤوليتهم الجنائية أيضا وذلك كلما ثبت لأعوان إدارة المياه والغابات أو للنيابة العامة أن المواد الغابوية المودعة لديهم كانت محل مخالفة أو جنحة غابوية مهما كانت ظروفهم، بحيث تقوم المسؤولية الجنائية بمجرد اكتشاف مواد أو محصولات غابوية في وضعية غير قانونية.

وقد نصت المادة الثامنة من الظهير الغابوي على عنصر المشاركة عندما نصت على  أن :” كل من اشترك مع غيره من المتاجرين في الخشب والفرشي والدباغ… وذلك  بقصد الإضرار بالمزايدة أو بقصد أخذ المبيع بأدنى ثمن يعاقب…” فالمشاركة في الجريمة الغابوية وكما يبدو حسب التشريع الغابوي تخضع لنظامين:

*نظام  عام يخضع  لمقتضيات مجموعة القانون الجنائي الذي من خلاله يعتبر المشارك من ساهم بصفة غير مباشرة عن طريق القيام بأحد الأفعال المذكورة في الفصل 129 من القانون الجنائي[14].

*نظام خاص بظهير 10/10/1917 استهدف منه المشرع تجريم أكبر عدد ممكن من الأشخاص والذين يقومون بأعمال ساعدت على ارتكاب الجريمة الغابوية المكونة من مجموعة من أفعال مادية يقتضي الأمر فيها وجود عصابات أو مافيا إجرامية تسهل لارتكاب الجريمة.

وبرجوعنا إلى مجموعة القانون الجنائي، نلاحظ أن المشرع بعد أن قرر شخصية المسؤولية الجنائية في المادة 132، جاء التنصيص في الفقرة الأخيرة منها على أنه :” ولا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف  ذلك ” وبهذا الاستثناء ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لإثارة المسؤولية عن فعل الغير، وهو استثناء لا يطبق في الواقع إلا على الغرامات التي تقرر نصوص قليلة التضامن بشأنها بين مقترف الجريمة وبين بعض الأفراد الآخرين كوالديه وزوجه أو مشغله.

 ومن بين تلك الحالات نجد المادة 78 من ظهير 10/10/1917 والمادة 49 منه والتي خرج على إثرها المشرع الغابوي عن مبدأ شخصية العقوبة، حينما نص على إمكانية توقيع العقوبة على أهل القبيلة أو الدواوير وأصل الفرقة في شكل غرامات جماعية.

وما يجب التنبيه إليه في هذا الصدد ، أنه من الناذر جدا أن تصل المسؤولية عن فعل الغير إلى عقوبة الحبس؛ ذلك أن المادة 15 من ظهير 25 يوليوز 1968 الخاص بإحداث دوائر لتحسين المراعي قد نصت على ما يلي :” يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها ما بين 120 و 500 درهم بصرف النظر عن تطبيق العقوبات المبينة في الفقرتين الأولى والثانية بالمقطع  الأول من هذا الفصل :

مقال قد يهمك :   سلطة القاضي المدني في تقدير أدلة الإثبات وفق التشريع المغربي

1-أرباب وحراس الحيوانات التي يعثر عليها في المناطق الممنوعة …[15]

2-أرباب وحراس الحيوانات الموجودة في حالة مخالفة لمقتضيات الفصل 6 (الفقرة الثانية من المقطع  الأول ).

فهذا النص يعاقب رب الماشية عن تصرف تابعه (الحارس) دون أن يشترط وجود تواطؤ أو على الأقل إهمال من طرف رب الحيوانات، بل الأكثر من هذا فالمادة 49 من الظهير الغابوي  السالفة الذكر والتي ورد فيها بقطع النظر عن العقوبات التي يتعرض لها المتهم  أو المشاركون في جناية أو جنحة أو مخالفة إحراق الغابة، يمكن أن تفرض على القبيلة أو القرية غرامة جماعية والتي يعلن عنها بقرار يصدر عن الصدر  الأعظم ( الوزير الأول) بناءا على تقرير السلطة الإدارية ومصلحة المياه والغابات،  وهي الغرامة التي يخصص دخلها الكلي أو الجزئي كله أو جزء منه لإصلاح الضرر اللاحق بالغابة من جراء الحريق .

وفي ختام هذه الفقرة نشير إلى مسألة الإثبات في الميدان الغابوي الذي له أهمية لا تقل عن تلك التي يحظى بها في المادة الجنائية بصفة عامة، حيث اعتنى به المشرع الغابوي عناية خاصة بشكل يوفر لإدارة المياه والغابات تحقيق هدفها المنشود والمتمثل في الوقوف على الجنح والمخالفات الغابوية.

حيث يلاحظ أن المشرع لم يقيد الإثبات في المادة الغابوية، وإنما صرح  في الفصل 58 من ظهير 10/10/1917بأنه تثبت المخالفة المتعلقة بالغابات إما بتقرير وإما بشهادة الشهود إن لم يكن هناك تقرير أو وجد التقرير ولكن كان ناقصا، وإن كانت  تبقى محاضر الحجز والبحث من أهم وسائل الإثبات في المادة الغابوية.

الفقرة الثانية: العقوبات المقررة في التشريع الغابوي المغربي

تتوزع العقوبات الغابوية وكما هي منصوص عليها ضمن مجموعة الظهير الغابوي إلى عقوبات تمس المخالف في حريته وأخرى في ذمته المالية، وتتمثل العقوبات التي ترتبط بالشخص مرتكب الجريمة الغابوية في عقوبة الحبس المنصوص عليها في العديد من فصول الظهير المذكور، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

*الفصل 43 الذي ينص على أنه :” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل من قلد المطارق المعدة لعلامات إدارة الغابات أو استعمل مطارق مقلدة أو استعمل المطارق الحقيقية زورا “.

*الفصل 55 الذي ينص بدوره على أنه ” كل من خالف مقتضيات الفصول 42-47-51و 54 من هذا الظهير الشريف أو القرارات التي تصدر لإجراء العمل به يعاقب بذعيرة تتراوح … ويمكن حبسه من ستة (6) أيام إلى ثلاثة أشهر …”

كما أن هناك عقوبة الأشغال الشاقة المنصوص عليها في الفصل 56 :” من أوقد عمدا نارا في الغابات او حاول إيقاد النار سواء كان ذلك مباشرة او غير مباشرة يعاقب بالأشغال الشاقة لمدة محدودة “.

ويلاحظ على هذا الفصل أنه يخالف مقتضيات الفصل 581 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه ” يعاقب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات من أوقد النار عمدا في شيء غير مملوك له من الأشياء التالية :

-غابات او أخشاب مقطوعة … ” ذلك ان الفصل 56 من الظهير الغابوي ينص على عقوبة الأشغال الشاقة دونما تحديد للمدة، في حين أن النص الجنائي 581 عمل على تحديد مدة العقوبة ولم يذكر عقوبة الأشغال الشاقة، بالرغم من أن النصين معا يتناولان نفس الجريمة .

وعموما، يمكننا القول بان المقتضيات الزجرية والعقوبات التي تهدف إلى مواجهة مختلف الجرائم الغابوية، والتي تتسم في غالب الأحيان بالليونة والمرونة قد تتخذ شكل الغرامة أو الحبس أو هما معا، بالإضافة إلى عقوبات أخرى من قبيل إلزام المخالف بغرس أشجار من النوع الذي تم قطعة في ظرف ثلاث (3) سنوات. لكن يظل التساؤل المطروح في هذا الصدد هو مدى انسجام وملاءمة العقوبة المقررة للجريمة الغابوية والتي يطغى عليها طابع التغريم الهزيل؟ وإلى أي حد يمكن لهاته العقوبات أن تساهم في حماية المجال الغابوي من أشكال الهجمات الشرسة والاعتداءات اليومية التي يكون عرضة لها؟

خاتمة:

تجدر الإشارة في الختام إلى أنه بالرغم من تنامي خطورة الاعتداءات الماسة بالبيئة،التي يقابلها تنامي الأصوات والوعي بضرورة الحفاظ على المجال البيئي الذي يعيش حالة من التردي والتدهور المستمرين،سواء على المستوى الوطني أو الدولي،يبقى نظام العقوبات بشقه الزجري أو غير الزجري_ يتضمن تدابير ومقتضيات لها جانب من الأهمية والفعالية،على الأقل من خلال التنصيص عليها في القوانين البيئية الخاصة،وتحديدا القوانين الجديدة أو في مقتضيات القانونية الجنائي.


لائحة المراجع

الكتب والمقالات

  • أحمد خمليشي: “شرح قانون المسطرة الجنائية” الجزء الأول، شركة بابل للطباعة والنشر ، الرباط 1992.
  • إدريس بلمحجوب: أبحاث في الفقه والقضاء على ضوء الاجتهادات الحديثة للمجلس الأعلى ، الجزء الثاني ، الميدان الجنائي .
  • بدرية عبد الله العوضي: دور المنظمات الدولية في تطوير القانون الدولي البيئي، بحث منشور في مجلة الحقوق الكويتية، كلية الحقوق،السنة التاسعة –العدد التاني-1985م.
  • بنباصر يوسف: الجريمة الإرهابية بالمغرب ، وآليات المكافحة القانونية ” الجزء الأول” قانون (03-03)  المتعلقة بمكافحة الإرهاب – سلسلة الدراسات القانونية و الأبحاث القضائية العدد السادس السنة الثانية ماي 2004 .

الظهائر والمراسيم:

  • ظهير رقم 154-95-1 صادر في 16 غشت 1995 بتنفيذ القانون رقة 95-10 المتعلق بالماء.
  • ظهير رقم 1-83-108 ، الصادر بتاريخ 5 أكتوبر 1984، بتنفيذ القانون رقم 13 -83 التعلق بالزجر عن الغش في البضائع.
  • مرسوم رقم 787-97-2 الصادر في 4 فبراير 1998، المتعلق بمعايير الجودة وجرد درجات تلوث المياه.
  • مرسوم رقم 553-4-2 الصادر في 24 يناير 2005، المتعلق بالصب والسيلان والرمي والإيداع المباشر والغير المباشر في المياه السطحية أو الجوفية .
  • ظهير رقم 59-03-1 الصادر بتاريخ 12 ماي 2003 بتنفيذ القانون رقم 03-11 المتعلق بحماية استصلاح البيئة.
  • ظهير رقم 60-03-1 الصادر بتاريخ 12ماي 2003 ، بتنفيذ قانون رقم 03-12 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة .
  • مرسوم رقم 139 -09-2 الصادر في 21 ماي 2009 المتعلق بتدبير النفايات الطبيعية والصيدلية.
  • مرسوم رقم 284-09-2 الصادر بتاريخ 8 دجنبر 2004 المتعلق بتحديد المسطرة الإدارية والمواصفات التقنية المطبقة على مطارح المراقبة.

الهوامش

[1] -http://ar.wikipedia.org/wiki/

[2] http://www.fao.org/docrep/008/y0900a/y0900a16.htm

[3] ) ظهير رقم 154-95-1 صادر في 16 غشت 1995 بتنفيد القانون رقة 95-10 المتعلق بالماء .

[4] ) تقرير الأمم المتحدة ، بعنوان ” الأمم المتحدة تحدر من مياه العرب ” ، منشور بجريدة الشرق الأوسط ، العدد 9611 ، بتاريخ 22 مارس 2005 .

[5] ) إدريس بلمحجوب ، مرجع سابق ص 35.

[6] ) ظهير رقم 1-83-108 ، الصادر بتاريخ 5 اكتوبر 1984، بتنفيد القانون رقم 13 -83 التعلق بالزجر عن الغش في البضائع .

[7] ) مرسوم رقم 787-97-2 الصادر في 4 فبراير 1998 ، المتعلق بمعايير الجودة وجرد درجات تلوث المياه .

[8] ) مرسوم رقم 553-4-2 الصادر في 24 يناير 2005 ، المتعلق بالصب والسيلان والرمي والإيداع المباشر والغير المباشر في المياه السطحية او الجوفية .

[9] ) ظهير رقم 59-03-1 الصادر بتارخ 12 ماي 2003 بتنفيد القانون رقم 03-11 المتعلق بحماية إستصلاح البيئة .

[10] ) ظهير رقم 60-03-1 الصادر بتاريخ 12ماي 2003 ، بتنفيد قانون رقم 03-12 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة .

[11] )Poul Chamont , rapport de la cour de cassation de France sur le droit pénal de l’environnement .

[12] -بنباصر يوسف ، الجريمة الإرهابية بالمغرب ، وآليات المكافحة القانونية ” الجزء الأول” قانون (03-03)  المتعلقة بمكافحة الإرهاب – سلسلة الدراسات القانونية و الأبحاث القضائية العدد السادس السنة الثانية ماي 2004 ص91

-نفس المرجع السابق:  ص 92 [13]

[14] – ينص الفصل 129 من القانون الجنائي على أنه ” يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها  ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية:

1-أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أوولاية  أو تحايل أو تدليس إجرامي.

 2- قدم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الجريمة مع علمه  أنها ستسعمل لذلك.

3- ساعد أو أعان  الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أوالأعمال الممهدة أوالمسهلة لارتكابها مع علمه بذلك.

4- تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر بن الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بذلك .

[15] -أحمد الخمليشي مرجع سابق، ص 256.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]