أي دور للمساطر الخاصة في الرفع من نجاعة تحصيل الغرامات والإدانات النقدية؟

المريني سعيد طالب باحث في ماستر قانون الأعمال 

مما لاشك فيه، أن تنفيذ مضمون المقررات القضائية بصفة عامة، والزجرية بصفة خاصة، سيساهم في الحفاظ على الأمن القضائي وهيبة الدولة، وتحصيل المال العام لفائدة خزينة الدولة، وتأكيد الثقة في النظام القضائي، وتعزيزا لحماية القضاء للحقوق والحريات، لارتباطه بالرفع من النجاعة القضائية في مجال تنفيذ المقررات القضائية الزجرية وإعطاء المصداقية لها، حيث أن الهدف والغاية من تحريك الدعوى أساسا هو الحصول على الحق، وهذا لا يتم بمجرد الحكم بل يتوقف على تنفيذه[1].

ولذا قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في كتابه إلى أبي موسى الأشعري حول القضاء: “…فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”.

فضلا عن كون التنفيذ يمكن من الرفع من مداخيل الدولة في الشق المتعلق بالغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية، تفعيلا للسياسة الحكومية الهادفة إلى محاربة إهدار المال العام والرفع من الموارد المالية للخزينة العامة للمملكة[2].

وبذلك، فمهمة المشرع في وضع قواعد وإجراءات التنفيذ هي في غاية الصعوبة والدقة، ومهما بلغ التشريع من الدقة و الإتقان، فإن التنظيم التشريعي لقواعد التنفيذ لن يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة منها، لأن التنفيذ رغم كونه علما له أصوله وقواعده إلا أنه كما لاحظ البعض فن في التطبيق[3].

 ونظرا لتشعب الموضوع فإنني سأركز على تنفيذ المقررات القضائية الزجرية المتعلقة بالغرامات وكيفية استخلاصها، وعرف المشرع المغربي الغرامة من خلال الفصل 35 من القانون الجنائي، الذي ورد فيه: “الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود، بالعملة المتداولة قانونا في المملكة”[4].

وتمتاز الغرامة كعقوبة جنائية بالمزايا الآتية:

  • أولا: تعود بالربح على الخزينة العامة ولا تكلف الدولة مصاريف.
  • ثانيا: تلائم العقاب على الجرائم الخفيفة، ويكون من شأن فرضها إمكانية إصلاح الخطأ القضائي الناتج عن توقيعها.
  • ثالثا: تمتاز عن العقوبة السالبة للحرية، بكونها تقي المنحرفين المبتدئين من فساد الأخلاق[5].
  • رابعا: تتميز عقوبة الغرامة بمرونتها وقابليتها للتجزئة، وهذا ما يسمح بتلاؤمها دائما مع ظروف الجريمة ومدى جسامتها من ناحية، ومع ظروف الفاعل ومدى خطورته من ناحية أخرى، فيمكن النزول بالغرامة إلى أقل مقدار لها كما يمكن الارتفاع بها إلى أقصى حد لها، وذلك حسب مقدار ثراء المحكوم عليه.

وقد أفرد المشرع جملة من المساطر لاستخلاص الغرامات، تتمثل في مساطر عامة، عن طريق الأداء الاختياري أو الجبري بداية بالإنذار مرورا بالحجز فالبيع، غير أن هاجس تحصيل الغرامات، دفع المشرع إلى إقرار مساطر خاصة، تضمن بدرجة أكبر استخلاص الغرامات، إذ تمتد لتشمل أموال ذات طبيعة خاصة، كالتنفيذ على الأصل التجاري والسيارات، بل سن مساطر استثنائية قد تكون لعا تبعات وخيمة، كسلب حرية المحكوم عليه بسلوك إجراء الإكراه البدني، وتهديد عنصر الائتمان في حالة اتباع مسطرة الإشعار للغير الحائز، فما مدى نجاعة هذه المساطر في الرفع من نجاعة استخلاص الغرامات ؟

سنعالج هذا الموضوع  من خلال مطلبين أساسيين :

  • المطلب الأول: إجراءات التحصيل الجبري المرتبطة بطبيعة الأموال محل التنفيذ
  • المطلب الثاني: إجراءات التحصيل الجبري الاستثنائية

المطلب الأول: إجراءات التحصيل الجبري المرتبطة بطبيعة الأموال محل التنفيذ

ويتعلق الامر بكل ن التنفيذ على الأصل التجاري(الفقرة الأولى)، والحجز على السيارات التي تعتبر من أبرز مستجدات الورادة بمدونة تحصيل الديون العمومية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الحجز على الأصل التجاري

لن أتطرق في هذا المحور لنظرية الأصل التجاري[6]، وإنما سأقتصر فقط على الجوانب المسطرية المتعلقة بحجز الأصل التجاري من أجل تحصيل الغرامات.

وتنبغي الإشارة منذ البداية، إلى أن مدونة تحصيل الديون العمومية لم تتطرق إلى الإجراءات المتبعة في حجز وبيع الأصول التجارية، وإنما اكتفت فقط من خلال المادة 68 منها بالإحالة على مقتضيات قانون المسطرة المدنية، والقانون التجاري[7]، إذ تنص المادة على أنه: “يتم حجز الأصول التجارية طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 445 من قانون المسطرة المدنية من لدن مأمور التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة تنفيذا للترخيص المشار إليه في المادة 37 أعلاه، بناء على طلب من المحاسب المكلف بالتحصيل.

ينفذ بيع الأصول التجارية وفق الشروط والأشكال المنصوص عليها في القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83 الصادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996)”.

وللتعرف أكثر على الإطار القانوني الخاص بحجز الأصل التجاري، فإننا سنتعرض للإجراءات الخاصة بحجر الأصل التجاري قبل اللجوء إلى المحكمة المختصة (أولا)، كما سنتطرق للإجراءات الخاصة بحجز الأصل التجاري عند اللجوء إلى المحكمة المختصة (ثانيا).

أولا: الإجراءات الخاصة بحجز الأصل التجاري قبل اللجوء للمحكمة التجارية

إن خصوصية الأصل التجاري فرضت مسطرة خاصة لحجزه من طرف كتابة الضبط بمحاكم المملكة بالنسبة للغرامات والإدانات النقدية، فإذا كان حجر الأصل التجاري كليا وجزئيا يخضع لمقتضيات المادة 455 من ق.م.م، فإن ذلك يتم عبر مراحل محددة، نذكرها وفق الشكل التالي:

  • إرسال آخر إشعار للمحكوم عليه دون صائر.
  • التأكد من توجيه الإنذار إلى المدين، حيث جاء في المادة 40 من مدونة تحصيل الديون العمومية: “يباشر التحصيل بواسطة إنذار في شكل قائمة أصلية للإنذار”، وهكذا فإنه لا يتم الشروع في الحجز إلا بعد مضي 30 يوما على توجيه الإنذار، وإذا صادق في هذه الآجال يوم عطلة أو يوما معطلا فإن الشروع في الحجز لا يمكن أن يتم إلا في اليوم الموالي لهذه الآجال، بيد أنه يستثنى من هذه القاعدة عندما يقع إخبار المحاسب المكلف بالتحصيل أن المحكوم عليه يأخذ الثمار خفية.

غير أن الملاحظ أن المادة 114 من مدونة التجارة نصت على ضرورة توجيه الإنذار إلى المدين، وأشارت أنه لا يمكن طلب بيع الأصل التجاري إلا بعد مضي 8 أيام على توجيه إنذار بالدفع إلى المدين الحائز للأصل التجاري، فهل يعني ذلك أن كتابة الضبط ملزمة بإرسال الإنذار مرتين ؟

ذهب الجانب الغالب من الفقه، إلى أن تبليغ الإنذار القانوني الذي سبق للمحاسب أن بلغه للمحكوم عليه، وفقا لمقتضيات المواد 40 إلى 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية، قبل مباشرة إجراء حجز الأصل التجاري، يعتبر إجراء منتجا لآثاره، ويغني عن سلوك إجراء الإنذار المنصوص عليه في المادة 114 من مدونة التجارة.

فالمحكوم عليه يعتبر ممتنعا عن التنفيذ، باعتبار العلم اليقيني[8] حاصل، وبالتالي لا داعي لتكرار تبليغ الإنذار مرة ثانية حسب ما جاء بالمادة 114 من م.ت.

  • بالإضافة إلى ما سبق، ينبغي مراجعة المحكمة الموجودة بها السجل التجاري المقيد به الأصل التجاري المراد حجزه، وذلك بهدف التعرف على الحالة التي يوجد عليها الأصل التجاري[9]، ويتم ذلك عن طريق الاطلاع على النموذج “ج” الخاص بالتقييدات الواردة على الأصل التجاري الممسوك بالمحكمة، أي بمصلحة السجل التجاري.
  • إنجاز محضر الحجز، إذ تقوم مصالح كتابة الضبط، بحجز الأصل التجاري بجميع عناصره وفق مقتضيات المادة 455 من قانون المسطرة المدنية.

ويتضمن المحضر مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصول 455-456 من ق.م.م، تصف وتقدر قيمة العناصر المادية المكونة للأصل التجاري[10].

ويبقى التساؤل المطروح، هو أنه بالرجوع إلى الفقرة الثالثة من الفصل 455 من ق.م.م يتبين أن المشرع المغربي ذكر العناصر المادية دون المعنوية، فهل يعني هذا أن الحجز ينسحب على العناصر المادية فقط؟ وبصيغة أخرى هل يشمل الحجز العناصر المعنوية للأصل التجاري، أم يقتصر على العناصر المادية؟

الحقيقة أن الفقرة الرابعة من الفصل 455 من ق.م.م، تبين إمكانية شمول الحجز العناصر المعنوية للأصل التجاري.

لكن الإشكال يتمثل في كون المادة 68 من م.ت.د.ع، لا تحيل على الفقرة الرابعة من الفصل 455 من ق.م.م، وتكتفي بالإحالة على الفقرة الثالثة[11].

ونلتمس من المشرع، أن يتدخل ويقوم بتعديل المادة 68 من م.ت.د.ع، وجعلها تحيل على الفقرة الرابعة من المادة 455 من ق.م.م المتعلقة بالحجز على العناصر المعنوية للأصل التجاري، حتى لا يفهم من النص أن الحجز، يقتصر فقط على العناصر المادية للأصل التجاري، ويؤدي إلى إفلات المحكوم عليهم من أداء ما بذمتهم، ناهيكم عن إهدار المال العام، مما يشكل إضرار بخزينة الدولة[12].

ثانيا: الإجراءات الخاصة بحجز الأصل التجاري قبل اللجوء للمحكمة التجارية

إن طبيعة هذا المحور تقتضي معالجة المحكمة المختصة للنظر في البيع القضائي للأصل التجاري، وبالرجوع إلى مدونة التجارة،وخاصة الباب الخاص “ببيع الأصول التجارية” نجد المشرع ربط مقتضياته بالفقرة الخامسة من المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية[13]، التي تسند الاختصاص النوعي لهذه المحاكم للبث في النزاعات الناشئة عن بيع الأصول التجارية[14].

وهكذا، فالمحاكم التجارية تبقى هي المختصة في الطلبات الرامية إلى بيع الأصول التجارية، والتي يتقدم بها المحاسب قصد استيفاء العقوبة المالية، طالما أن بيع الأصل التجاري يعتبر إحدى إجراءات تحصيل الديون العمومية[15]، وقد أتت عبارات المادة الخامسة مجملة ومشيرة بصفة عامة إلى كل النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية دون اعتبار للقائم بدعوى بيع الأصل التجاري ودواعي البيع[16]، وهو ما أكده الاجتهاد القضائي المغربي في القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 05/01/2012 الذي جاء في حيثياته:

“لكن حيث إنه بالرجوع إلى المقال الافتتاحي للدعوى يتضح جليا أنه يرمي إلى الحكم ببيع الأصل التجاري عدد 65 المملوك من طرف شركة “أوبرج بوسيجور” من أجل استيفاء الدين والفوائد والصوائر خلافا لما ورد في الاستئناف.

وبناء على مقتضيات المادة 68 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي أحالت بشأن حجز الأصول التجارية وبيعها لسداد الديون العمومية على مدونة التجارة، فإن الاختصاص بالبث في الدعوى يرجع إلى المحكمة التجارية المصدرة للحكم المستأنف، والمحكمة لما نحت هذا المنحى صادفت الصواب وحكمها واجب التأييد”[17].

أما بخصوص المسطرة، فبناء على المادة 113 من مدونة التجارة، فإن المحاسب المكلف بالتحصيل يمكنه أن يتقدم بطلب إلى المحكمة المختصة يرمي إلى بيع الأصل التجاري الذي باشر عليه الحجز التنفيذي لأجل تنفيذ العقوبة المالية.

وبناء على هذا الطلب، إذا كان المحكوم عليه لم يدفع ما عليه داخل الأجل المحدد، تستجيب المحكمة لطلب هذا الأخير ببيع الأصل التجاري، ويكون لهذا الحكم أثر واقف بالنسبة لإجراءات الحجز.

مقال قد يهمك :   أثر الطلاق على نظام الاشتراك في الملكية بين الزوجين : قراءة في القانون التونسي نموذجا

وفي حالة تقدم المدين المحجور عليه بطلب البيع، فإنه يمكن للمحاسب المكلف بالتحصيل أن يطلب هو الآخر، وتبث المحكمة في طلب البيع داخل أجل 15 يوما الموالية لأول جلسة، ويكون حكمها مشمولا بالنفاذ المعجل.

الفقرة الثانية: الحجز على العربات السيارة

بالإضافة غلى الحجز والبيع المنصوص عليهما في المواد 44 إلى 64 من مدونة تحصيل الديون العمومية، يمكن للمحاسب أن يختار القيام بإجراءات التنفيذ على العربات السيارة، هذه الأخيرة التي تعتبر من المستجدات التي أدخلتها مدونة تحصيل الديون العمومية[18]، الأمر الذي يؤكد رغبة المشرع بإقرار مزيد من الضمانات الكفيلة بحماية مداخيل الدولة، بما في ذلك الشق المتعلق بالغرامات، حيث فتح الباب أمام رئيس كتابة الضبط بصفته محاسب عمومي، إمكانية الحجز على العربات السيارة[19].

وإذا كان المشرع قد أحال من خلال الفقرة الأولى من المادة 69[20] من مدونة التحصيل، فيما يتعلق بحجز وبيع العربات السيارة على المواد من 44 إلى 64 من نفس المدونة، فإنه جاء في الفقرة الموالية وما يليها من مواد بمساطر خاصة للتنفيذ على العربات السيارة، وبالتبع، الزيادة من ضمانات تحصيل مضمون المقررات القضائية، وتتمثل هذه المسطرة في إجرائي تثبيت العربات (أولا)، والتعرض لدى مراكز تسجيل السيارات (ثانيا).

أولا: إجراءات تثبيت العربات السيارة

نص المشرع في الفقرة الثانية من المادة 69 من م.ت.د.ع “يمكن للعربات البرية ذات محرك الموجودة في ملك المدينين بالضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى، أن تكون موضع إجراءات تنفيذ عن طريق التثبيت “وأكد في المادة70 من نفس القانون “يمكن العمل على تثبيت العربات المشار إليها في المادة السابقة أينما كانت موجودة”.

ويأتي إجراء تثبيت العربات، كردة فعل على قصور إجراءات التحصيل في إطار التشريع السابق على استخلاص الديون العمومية انطلاقا من عربات المحكوم عليه، خاصة أمام إمكانية إخفاء المدين لهذه العربات أو العمل على تفويتها للغير في أسرع وقت ممكن، الأمر الذي جعل المشرع في مدونة التحصيل يتبنى إجراءات جديدة، وسريعة وفعالة في مواجهة المحكوم عليه[21].

وتمارس عملية تثبيت السيارات[22] من طرف الموظفين المكلفين بالتحصيل خارج المحكمة، الذي يحرر محضرا بذلك[23]، ويبلغ في ظرف 8 أيام إنذارا للأداء بمثابة حجز.

ويمكن العمل على تثبيت العربات السيارة، أينما كانت موجودة، بمكان محروس، كالمرآب وموقف السيارات، أو بالطريق العام، وفي هذه الحالة الأخيرة من الأفضل تثبيتها بالمدار الحضري، لتجنب إلحاق الأضرار بها.

وفي حالة عدم الأداء في ظرف اليومين المواليين لتثبيت العربة، يقوم مأمور التنفيذ بالعمل على رفعها، ووضعها مستودع إيداع العربات أو أي مكان آخر آمن، وبعد تبليغ الإنذار بمثابة الحجز[24]، تتم إجراءات البيع طبقا لأحكام المواد 58 إلى 64 من المدونة.

ورغم ما يحمله هذا الإجراء من فعالية في الرفع من مردودية تحصيل مضمون المقررات القضائية، إلا أنه في المقابل، يحمل في طياته حملة من السلبيات في مواجهة المحكوم عليه، خاصة عندما يكون مبلغ الغرامة زهيدا مقارنة مع قيمة العربة، مما قد يؤدي بالإضرار بالمحكوم عليه، وتفويت مصالحه، كما أن المشرع لم يحدد الجهة التي تتحمل المسؤولية في حالة تعرض العربات السيارة لأضرار أثناء تثبيتها ؟

ثانيا: التعرض لدى مراكز التسجيل

من السلطات المتاحة كذلك أمام رئيس كتابة الضبط إمكانية التعرض لدى مركز تسجيل السيارات، حيث إنه طبقا لمقتضيات المادة 73 من م.ت.د.ع يمكن التعرض لدى مراكز تسجيل السيارات لمنع نقل ملكية السيارة، قبل الوفاء بجميع الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى في ذمة المدين.

فالمشرع المغربي، أتاح لرئيس كتابة الضبط بصفته محاسبا عموميا، وبموجب تصريح يتضمن هوية المدين ونوعية دينه ومبلغه، بالإضافة إلى مختلف البيانات المتعلقة بالسيارة، التي من شأنها تعيين العربة على وجه الدقة، التعرض على نقل ملكية السيارة لشخص آخر، وذلك طيلة مدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ما لم يسلم للملزم تصريح برفع اليد بعد ثبوت أداء الغرامة محل التعرض.

المطلب الثاني: إجراءات التحصيل الجبري الاستثنائية

في حالة إذا ما تمنع المحكوم عليه على ما أداء ما بذمته، فإن المشرع وضع أمام الجهات المكلفة بتحصيل مضمون القرارات القضائية بعض المساطر الخاصة والاستثنائية، تكمن في مسطرة الإشعار للغير الحائز (الفقرة الأولى)، وإجراء الإكراه البدني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تحصيل مضمون المقررات القضائية عن طريق الإشعار للغير الحائز

يعتبر الإشعار للغير الحائز من أهم المساطر الخاصة المقررة لرئيس كتابة الضبط، بصفته محاسبا عموميا، وذلك كلما توصل معلومات عن أموال المدين، يحوزها أو يمكن أن يحوزها محاسبون عموميون، أو مقتصدون، أو كل حائز أو مدين آخر، إذ تمكن هذه المسطرة التنفيذية من حق حجز أموال المدين بين يدي الغير، وإلزام هذه الأخيرة بتسليم المبالغ المحجوزة تسليما فوريا[25].

لتكوين فكرة شاملة عن مسطرة الإشعار للغير الحائز فإنه يتعين تحديد مفهوم مسطرة الإشعار للغير الحائز (أولا)، ثم نبين إجراءات مسطرة الإشعار للغير الحائز (ثانيا).

أولا: مفهوم مسطرة الإشعار للغير الحائز

يطرح الإشعار للغير الحائز المنظم في المواد 101 إلى 104 من مدونة تحصيل الديون العمومية[26]، عدة إشكالات مفاهيمية، وذلك راجع إلى غموض وتعقيد النصوص التشريعية المنظمة له، ورغم ذلك فإن الفقه لم يجد بدا من تقديم بعض التعاريف له، التي نختار من بينها ما يلي: الإشعار للغير الحائز هو مسطرة قانونية من بين مساطر تحصيل الديون العمومية، والذي تتم مباشرته عبر طلب موجه من طرف المحاسب العمومي إلى أحد الأغيار الحائزين أو المودع لديهم، من أجل دفع الأموال التي يحوزونها والتي تعود للملزمين الذين لم يؤدوا عند الآجال المقررة ما بذمتهم من ديون[27].

ويعرف أيضا، بكونه وسيلة إجرائية، تمكن المحاسب العمومي المكلف بتحصيل الديون الضريبية والرسوم وسائر الديون العومية الأخرى المتمتعة بامتياز الخزينة، من استخلاصها بكيفية غير مباشرة من يد الأغيار الحائزين، عن طريق توجيه إشعار لههم بالمبالغ التي في حوزتهم وتعود ملكيتها للملزمين من أجل الوفاء عنهم في حدود ما ترتب في ذمتهم المالية من ديون عمومية، ويترتب على الإشعار للغير الحائز التسليم الفوري للمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار[28].

ويحظى إجراء الإشعار للغير الحائز بأهمية كبيرة، إذ يعتبر أكثر الإجراءات الجبري لتحصيل الديون العمومية استعمالا من طرف المحاسبين المكلفين بتحصيل الديون العمومية بصفة عامة، وذلك لما يميزه عن باقي الإجراءات من سرعة، وبساطة، بالإضافة إلى أنه غير مكلف، ويحقق المردودية الجيدة[29].

في مقابل هذه المزايا، نجد الإشعار للغير الحائز يحمل في طياته مجموعة من الآثار السلبية، تكتوي بنارها الأبناك لأنها تؤثر سلبا على سيولتها المالية، الأمر الذي سيساهم في زعزعة الاستقرار الاقتصادي[30].

وقد خصه المشرع بهذا الاسم تمييزا له عن الحجز لدى الغير، فهو مطابق له على مستوى المضمون والآثار القانونية، ومخالف له من حيث الشكل والتسمية.

وقد تناول المشرع المغربي الحجز لدى الغير في الفصول 488 إلى 496 من قانون المسطرة المدنية، ويمكن تعريفه بأنه تلك المسطرة التي ترمي إلى عقل أموال المدين بين يدي مدين هذا الأخير إما بواسطة كتابة الضبط بناء على سند تنفيذي، أو بناء على طلب عند عدم وجود هذا السند، على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو بتسليمه نتاج بيع الأشياء المحجوزة[31].

وعلى الرغم من التشابه القائم بين الحجز لدى الغير والإشعار للغير الحائز، فإنهما يختلفان عن بعضهما في أمور متعددة، نذكر من بينها ما يلي:

* يكون الحجز لدى الغير طبقا للفصل 491 من ق.م.م، إما بناء على أمر قضائي يصدره رئيس المحكمة في إطار الأوامر المبنية على طلب، أو بناء على سند تنفيذي في إطار التنفيذ الجبري، أما الإشعار الغير الحائز فلا يلجأ إليه المحاسب المكلف بالتحصيل إلا إذا كان هناك سند تنفيذي، بمعنى، دون حاجة إلى استصدار المحاسب المذكور أمرا قضائيا.

* لا يمكن تنفيذ الحجز لدى الغير سواء كان بناء على أمر قضائي أو على سند تنفيذي، إلا بسلوك مسطرة المصادقة حسب الفصل 494 من ق.م.م، أما الإشعار للغير الحائز، يتسم بنوع من التيسير، فتنفيذه يتم مباشرة من قبل المحاسب المكلف بالتحصيل.

* إذا كان يصح أن يكون إجراء الحجز لدى الغير تحفظيا بالنسبة للديون المؤجلة والمشروطة، فإنه لا يمكن في هذه الحالة أن يكون إجراء تنفيذيا، أما الإشعار للغير الحائز، فيترتب عنه التسليم الفوري للمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار سواء كانت الديون المتعلقة بها ديونا حالة أو مؤجلة أو مشروطة[32].

ثانيا: أحكام مسطرة الإشعار للغير الحائز

إذا كان إجراء الإشعار للغير الحائز فعالا على مستوى تحصيل مضمون المقررات القضائية، فالمشرع المغربي من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية، لم ينظمه بالشكل الملائم، واقتصر على الإشارة إليه في المادتين 101 و102 من القانون المشار إليه دون تحديد ضوابطه. حيث عمل من خلال المادة 101 من م.ت.د.ع على تحديد الأغيار الحائزين، الذين يمكن أن يتقدم إليهم المحاسب المكلف بالتحصيل، وإشعارهم بأداء الدين العمومي، وهم:

  • المحاسبون العموميون والمقتصدون.
  • المكترون.
  • المؤسسات البنكية ومراكز الشيكات.
  • الوكلاء الذين يقومون بقبض ثمن بيع أو كراء لفائدة المدين.
  • المشغلون والمدينون للمدين براتب.
  • مسيرو الشركات أو متصرفوها أو مديروها بصفتهم أغيارا حائزين.
  • المصفون القضائيون والمحامون فيما يخص الأموال الناتجة عن عمليات التفويتات والحراسة القضائية المودعة لديهم.

كل الحائزين أو المدينين الآخرين بمبالغ يملكها أو ينبغي أن تعود لفائدة المدينين.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التعداد وارد على سبيل المثال، حيث أضاف المشرع عبارة “وغيرهم من المؤتمنين، غير أن الإشكال المطروح يتعلق بمسألة إثبات حيازة هؤلاء الأشخاص لأموال الملزم أو مديونيتهم تجاهه، ويبقى عبء إثباتها على عاتق رئيس كتابة الضبط باعتباره محاسب عمومي، وفقا للقواعد العامة للإثبات. ويطرح في نفس السياق إشكال متعلق بموقع الإشعار للغير الحائز من درجات المتابعة، لأن المشرع لم يفصل في هذه المسألة، الأمر الذي يبقى معه السؤال مطروحا حول ما إذا كان هذا الإجراء يخضع لمبدأ تدرج المتابعات، وبالتالي احترام الإجراءات القانونية الخاصة بمسطرة المتابعات، أم يعتبر إجراء مباغث لا يتقيد بالمبدأ المذكور؟

مقال قد يهمك :   عصرنة القانون المدني الفرنسي La Modernisation du Code Civil Français

ومادام أن المشرع قد احتذى بالقضاء الفرنسي، الذي يعتبر الإشعار للغير الحائز، بمثابة حكم بالتصديق على حجز ما للمدين لدى الغير المكتسب لقوة الشيء المقضي به، فإنه لا يمكن للمحاسب العمومي سلوك هذا الإجراء في أي مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل، بل لابد أن يخضعه للتسلسل الترتيبي للمتابعات الجبرية المنصوص عليها في المادة 39 من م.ت.د.ع ويتعين بالتالي التصريح ببطلان إجراءات التحصيل في حالة عدم احترام مبدأ تدرج المتابعات[33].

وهو ما عززه العمل القضائي المغربي في قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط: “وحيث من جهة أخرى، وبخصوص سبب الاستئناف المتعلق بالتحصيل فإن القابض لم يدل بما يثبت تعذر المستأنفة بالإنذار القانوني عدد 14499 حتى يتسنى الاعتداد بعملية التعليق التي قام بها بتاريخ 14/10/2008 مما يبقى معه الإنذار المذكور، وعملا بمقتضيات المادة 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية عديم الأثر، كما أن القابض لم يدل بما يثبت أنه وجه للمستأنفة آخر إشعار بدون صائر قبل سلوك مسطرة الإشعار للغير الحائز، مما يكون قد خرق مبدأ التدرج في التحصيل ويتعين بالتالي التصريح ببطلان إجراءات التحصيل”[34].

وأعتقد بصحة هذا المسلك، نظرا لخطورة إجراء الإشعار للغير الحائز، سواء من حيث مفاجأة الغير الحائز لأموال المدين، وإلزامه بتسليم المبالغ المحجوزة تسليما فوريا، وكذا فقدان العملاء الثقة في المؤسسات البنكية في الحالة التي تكون فيها هذه الأخيرة حائزة لأموال المحكوم عليهم، كما أنها تؤثر على استقرار المعاملات، لذلك حسن ما فعل القضاء عندما كرس مبدأ تدرج المتابعات.

الفقرة الثانية: الإكراه البدني كآلية من آليات الضغط لتحصيل العقوبات المالية

لا جرم، أن من أهداف تنفيذ المقررات القضائية الزجرية تحصيل الغرامات والإدانات النقدية، إلا أن عددا لا يستهان به من تلك المقررات لا تجد طريقها إلى التنفيذ لاعتبارات عدة، تفضي إلى سلوك مسطرة الإكراه البدني[35]، ويشكل الإكراه البدني كدرجة من درجات التحصيل الجبري، آلية قانونية وتقنية تشريعية للتنفيذ الجبري[36]، تُسلط على المحكوم عليه غير المعسر الذاتي، الممتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بأداء دين محدد مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون، فيتم عبر سلب حرية المدين الذي رفض الوفاء بدينه وذلك لمدة محددة من طرف المشرع[37]، فتنصرف إلى الشخص وتمسه في ذاته بغية إرغامه على تبرئة ذمته المالية تجاه الدائن المستفيد من الحكم بعد استنفاذ جميع طرق التنفيذ العادية في حقه والتي ظلت دون جدوى وعجزت عن تحقيق مرادها وكذا بعد سبقية إنذاره بصفة قانونية ونظامية”[38].

وقد أفرز نظام الإكراه البدني مجموعة من الإشكاليات التشريعية والعملية[39]، لذلك عمل المشرع المغربي على النص على سلوك إجراءات مسبقة وتحقيق شروط معينة، فلا يباغث المدين الموسر بتطبيق الإكراه البدني ضده، ولا يباشر على المدين المعسر إكراها بشكل استعجالي، لأن الغاية من هذه المسطرة هي إحقاق العدل وتهييء الطمأنينة دون عجل أو تعسف[40]، لذلك ينبغي أن نعالج الشروط الموضوعية اللازمة لتطبيق إجراء الإكراه البدني (أولا)، ثم الحديث عن الشروط الشكلية (ثانيا).

أولا: الشروط الموضوعية اللازمة لتطبيق إجراء الإكراه البدني

لقد اشترط المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية مجموعة من الشروط الموضوعية لتطبيق إجراء الإكراه البدني، والتي تهدف بالأساس إلى تقوية مركز المدين، وهذه الشروط تتمثل في التالي :

أ- عدم إثبات إعسار المدين[41]

لم يتناول المشرع المغربي مفهوم الإعسار سواء في ق.ل.ع، أو في غيره من النصوص الخاصة، بل اكتفى بالإشارة الموجزة لهذا المصطلح في نصوص متفرقة.

ويجمع الفقه القانون على كون الإعسار حالة قانونية تقوم بتزامن مع الوقت الذي تصبح فيه كتلة أموال المدين غير كافية لأداء الديون الحالة والمستحقة الأداء لفائدة الأغيار والمتعلقة بها ذمته المالية[42].

وقد عمد المشرع المغربي إلى جعل الإعسار مانعا من تطبيق مسطرة الإكراه البدني، بعد أن كان الإعسار مجرد عنصر للتخفيض من مدة الإكراه البدني، ويتأكد ذل من خلال المادة 635 من ق.م.ج، التي جاء فيها: “غير أنه لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني، على المحكوم عليه الذي يدلي لإثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو العامل أو من ينوب عنه[43]، وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن المحكوم عليه”.

ب- أن يكون الحكم بالأداء نهائيا

هذا الشرط وضع بالدرجة الأولى لحماية مركز المدين المزمع إكراهه بدنيا، إذ لا يعقل أن يتم إكراه المطلوب في التنفيذ، في المقابل، لازالت أمامه فرص لتعديل الحكم الصادر ضده أو إلغاؤه، مستفيدا من أحقيته من تمام نفاذ درجات التقاضي[44].

ويقصد بالحكم النهائي الحكم الحائر لقوة الشيء المقضي به، أي الحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بطرق الطعن العادية، كالتعرض والاستئناف، وإن كان بقبله بالطرق غير العادية، وذلك ما تؤكده المادة 598 من ق.م.ج، الذي تنص على: “لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا إذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضي به”.

ج- أن يكون المدين شخص طبيعي

بمعنى أن يكون المطلوب في مسطرة الإكراه البدني شخصا طبيعيا، فخصوصية هذه الوسيلة الإذعانية تستهدف مس المدين في شخصه وتقييد حريته، مما يمنع تطبيقها على غير الأفراد[45].

د- الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين

الشرط الذي أكدته المادة 635 من ق.م.ج التي جاء فيها: “يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف، إذا تبين أن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بدون جدوى أو أن نتائجها غير كافية”.

هـ- تحديد مدة الإكراه البدني:

لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني، إلا بعد سبقية تحديد مدتها[46]، ويتعين وجوبا على كل محكمة زجرية، وهي بصدد إصدارها لأحكامها في الموضوع أن تحكم بجانب الحكم بالغرامة أو التعويضات أو المصاريف أورد ما يلزم رده بتحديد مدة الإكراه البدني في الحدين الأدنى أو الأقصى[47]، وذلك ما تؤكده المادة 636 من ق.م.ج” يجب على كل محكمة زجرية عندما تصدر مقرر بالغرامة أو برد ما يلزم رده أو بالتعويضات أو المصاريف أن تحدد مدة الإكراه البدني.

ح- انتفاء موانع الإكراه البدني:

لا يمكن الحكم بالإكراه البدني في الجرائم التالية:

  • في الجرائم السياسية.
  • إذا صدر الحكم بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.
  • إذا كان عمر المحكوم عليه يقل عن 60 سنة يوم ارتكاب الجريمة.
  • بلوغ المحكوم عليه سن 60 سنة.
  • ضد مدين لفائدة زوجة أو أصوله أو فروعه أو أخواته أو عمه أو خاله أو عمته أو خالته أو ابن أخيه أو ابن أخته أو ابنة أخيه وابنة أخته أو ما تربط به مصاهرة من نفس الدرجة.

يلاحظ أن المشرع المغربي لم يوسع من نطاق المستثنيات من الخضوع لنظام الإكراه البدني، وكان أفضل يتم منع تطبيق الإكراه البدني في حق المعاقين وأيضا المصابين بالأمراض المزمنة.

ثانيا: الشروط الشكلية اللازمة لمباشرة مسطرة الإكراه البدني

لقد اشترط المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية “مجموعة من الشروط لتطبيق الإكراه البدني، حيث نصت المادة 640 من ق.م.ج على هذه الشروط، والتي تتمثل في ضرورة إنذار المدين بالوفاء (أ)، والمطالبة باعتقاله (ب)، ثم صدور بالموافقة بتطبيق الإكراه البدني من طرف قاضي تطبيق العقوبة (ج).

أ- سبقية إنذار المطلوب في الإكراه البدني:

يقصد بالإنذار، الإعلام التهديدي الذي يوجهه الدائن إلى المدين الممتنع عن سداد مبلغ الدين، ذلك أن مجرد صدور حكم نهائي وتنفيذه بالطرق القانونية لا يكفى لتطبيق الإكراه البدني ضد المحكوم عليه بل لابد من إنذاره، وعند ذلك يصبح المدين ملزما بتنفيذ التزامه فورا، ويهدف الإنذار الذي نص عليه الفصل 640 ق.م.ج إلى إشعار المدين بأن حريته مهددة في حالة عدم أداء ما بذمته لتجنب عنصر المفاجئة أثناء الاعتقال[48].

وما كان يؤاخذ على تنظيم شكلية الإنذار في القانون السابق، أنه لم يكن يحدد الجهة المؤهلة قانونا لتوجيه الإنذار المذكور للشخص المعنى به، الأمر الذي يفسر تدخل المشرع المغربي بنص صريح لحسم هذه الإشكالية، من خلال الفقرة الأولى من المادة 640 من ق.م.ج فجعل مسؤولية توجيه الإنذار على عاتق طالب الإكراه البدني المستفيد من مقتضيات الحكم القضائي الصادر بالأداء[49].

ب- صدور الموافقة بتطبيق الإكراه البدني من طرق قاضي تطبيق العقوبة

يلعب قاضي تطبيق العقوبة، دورا مهما في إطار مسطرة الإكراه البدني، فكتابة الضبط تتقدم بطلب تطبيق الإكراه البدني إلى وكيل الملك معززا بكل الوثائق، بوعد تأكده من سلامة الملف يوجهه إلى قاضي تطبيق العقوبة قصد إصدار قرار بالموافقة على تطبيق الإكراه البدني[50]، وهذا القرار يجدب أن يكون معللا[51]، رغم عدم التنصيص على ذلك في المادة 640 من ق.م.ج.

ويشكل قاضي العقوبات سلطة رقابية جديدة فيتحقق من توافر الشروط الموضوعية والإجراءات الشكلية المتبعة في سلوك مسطرة الإكراه البدني.. وتمتد رقابته لتشمل حتى الشكلية المستندية للوثائق المحتج بها من قبل طالب الإكراه البدني حيث يتحقق من صحة الوثائق المعززة للطلب ومدى حجيتها الإثباتية[52]

وذلك ما تؤكده المادة 640 من ق.م.ج التي نصت على “لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر الإدانة، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك…”.


الهوامش: 

[2] – كلمة للسيد وزير العدل محمد أوجار، بمناسبة افتتاح ندوة التحصيل تحت عنوان وحدات التبليغ والتحصيل: تعزيز المكتسبات واستشراف المستقبل، 12 أكتوبر 2017، ص: 3،منشورة في الموقع الرسمي لوزارة العدل www.justic.gov.ma ،  تم الاطلاع عليه بتاريخ 06/04/2018، على الساعة: 04 : 30.

[3] – أحمد مليجي، الموسوعة الشاملة في التنفيذ وفقا لنصوص القانون المرافعات معلقا عليها بآراء الفقه وأحكام النقض، الجزء الأول، مكتبة دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، 2002، ص: 8.

مقال قد يهمك :   عــــوارض الحجز لدى الـغير والــمسؤولية عــنه

[4] – ويقترب تعريف المشرع المغربي للغرامة من تعريف المشرع المصري، حيث جاء في المادة 22 من قانون العقوبات المصري طبقا لأحداث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003 القانون رقم 58 لسنة 1937، “العقوبة بالغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الحكومة المبلغ في الحكم”.

[5] – إدريس بلمحجوب، قواعد تنفيذ العقوبات، الجزء الأول، المعهد الوطني للدراسات القانونية، 1988، ص: 161.

[6] – لأول مرة نجد المشرع في إطار مدونة التجارة، قد عرف الأصل التجاري في المادة 79 بالقول: “الأصل التجاري مال معنوي منقول يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية”. فهذا التعريف التشريعي للأصل التجاري، يقارب التعريف الذي اتخذته اللجنة التشريعية الفرنسية، التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، والذي لم يتم العمل به لتقاعس المشرع الفرنسي على هذا التعديل.

[7] – عبد الحميد الحنودي، تحصيل الديون العمومية في التشريع والقضاء المغربي أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعيو أكدال، ص: 125.

[8] – أحمد بقالي، حجز ورهن وبيع الأصل التجاري بين مدونة التجارة وقانون المسطرة المدنية، ومدونة تحصيل الديون العمومية، مقال منشور بمجلة القانون المغربي، العدد 2، يوليوز 2002، ص: 36.

[9] – عبد الرزاق شعيبة، التحصيل الجبري للديون العمومية في ضوء القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بمراكش، السنة الجامعية، 2011-2012، ص: 125.

[10] – رجاء بهجي، الحجز التنفيذي على الأصل التجاري في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القوانين الإجرائية المدنية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2010-2011، ص: 55.

[11] – عبد الرزاق شعيبة، التحصيل الجبري للديون العمومية في ضوء القانون المغربي، مرجع سابق، ص: 123.

– سعيد المريني، نجاعة منظومة التحصيل في تنفيذ مضمون المقررات القضائية –الغرامات نموذجا- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجنماعية، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية : 2017/2018،ص48.[12]

[13] – القانون رقم 53.95 المحدث بموجبه محاكم تجارية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.65 المؤرخ في 4 شوال 1417 (12 فبراير 1997)، الجريدة الرسمية عدد 4482، الصادرة بتاريخ 8 محرم 1418/15 ماي 1997، ص: 1141.

[14] – تنص المادة الخامسة من القانون المحدث للمحاكم التجارية على:”تختص المحاكم التجارية بالنظر في :

* الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية

* الدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية

* الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية

* النزاعات الناشئة بين الشركاء في شركة تجارية

* النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية…..”

[15] – عبد الحميد الحنودي، تحصيل الديون العمومية، مرجع سابق، ص: 130.

[16] – أحمد بقالي، حجز وبيع الأصل التجاري بين مدونة التجارة وقانون المسطرة المدنية ومدونة تحصيل الديون العمومية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 2014، ص: 73 و74.

[17] – القرار رقم 9-2012، صادر عن محكمة النقض بتاريخ 05/01/2012، في الملف عدد 1562/4/1/2001، غير منشور.

[18] – كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 123.

[19] – يقصد بالعربات السيارة، العربات البرية ذات محرك الموجودة في ملك المدينين بالضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى.

[20] – جاء في المادة 69 من م.ت.د.ع، “علاوة على الحجز والبيع المنصوص عليهما في المواد 44 إلى 64 أعلاه، يمكن لللعربات البرية ذات محرك الموجودة في ملك المدينين بالضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى، أن تكون موضع إجراءات تنفيذ عن طريق التثبيت أو التعرض لدى مراكز تسجيل السيارات وفق الشروط المحددة في المواد بعده”.

[21] – عبد الرزاق شعيبة، مرجع سابق، ص: 136.

[22] – يتم تثبيت العربات بجهاز يستعمل لهذه الغاية، يطلق عليه اسم “صابو” الذي يمنع العربة المثبتة من التحرك.

[23] – ويتضمن المحضر مجموعة من البيانات، المتعلقة بتحديد المحاسب المكلف بالتحصيل، والاسم الشخصي والعائلي وعنوان المدين، المبالغ المالية المستحقة، نوع العربة التي تم تثيبتها، ورفع تسجيلها، ولونها، مع ذكر الأضرار اللاحقة بها، مع الإشارة إلى أن نسخة من محضر تثبيت العربة، قد سلمت للمدين أو من يقوم مقامه.

[24] – إبراهيم عقاش، إجراءات التحصيل الجبرية في مدونة تحصيل الديون العمومية، مجلة المناهج، العدد المزدوج 9-10،2006، ص: 65.

[25] – عمر أزوكار، الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية، مرجع سابق، ص: 57.

[26] – وجدير بالذكر أن الإشعار للغير الحائز، ليس من ابتكار المشرع المغربي، بل تم نقله من التشريع الفرنسي الذي يعتمده هو الآخر في مجال تحصيل الديون العمومية.

[27] – كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 164.

[28] – محمد بن مولاي هاشم العلوي، الحجز لدى الغير والإشعار للغير الحائز – دراسة مقارنة -، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، 2015، ص: 85.

[29] – ماء العينين الشيخ الكبير، الآجال في تحصيل الديون العمومية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية 2013-2014، ص: 72.

[30] – رضوان أعميمي، مدى خضوع مسطرة الإشعار للغير الحائز لمبدأ تدرج في إجراءات التحصيل، مقال منشور بمجلة الملف، العدد 20، 20 فبراير 2013، ص: 98.

[31] – عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، ص: 390.

[32] – محمد بن مولاي، مرجع سابق، ص: 143-144.

[33] – كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 159.

[34] – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، عدد 1587، المؤرخ في 16/04/2012، ملف عدد 464/11/9، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، ص: 63.

[35] – على غرار التشريعات القانونية، تجنب المشرع المغربي إعطاء تعريف قانوني قائم بذاته للإكراه البدني، وتدخل الفقه وعرفه بأنه: “إجبار المدين بدين عمومي أو خاص، والمحكوم عليه في أغلب الأحوال بمقتضى حكم نهائي غير قابل لأي طعن، بالوفاء بدينه للدائن كاملا، وإلا زج بالغريم في السجن لمدة يحددها القانون”، ويعرف أيضا بأنه: “التهديد الجسماني للمدين بحبسه لفائدة الدائن لمدة حددت بمقتضيات قانونية”.

[36] – ويذهب جانب من الفقه أن تطبق الإكراه البدنين ليس بالأمر الهين باعتباره يمس بحرية الإنسان، ويعتبر خطوة خطيرة على هذه الحرية الشخصية وحقه فيها، الأمر الذي يتنافى مع أسس ومبادئ حقوق الإنسان، بل إن الإكراه البدني بمثابة إهدار للمكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان.

لكن في اعتقادي أنه من الصعب إلغاء آلية الإكراه البدني، لأن المحكوم عليه رغم كل ذلك يكون قد ارتكب فعل يعاقب عليه القانون، خاصة في ظل فعالية هذا النظام في تحصيل الغرامات والإدانات النقدية.

[37] -Abdellah Boudahrain, Les voies d’exécutions, Les éditions Toubkal, 1ère édition, 1988, p : 17.

[38] – شرف طاهري، أي دور لمؤسسة الإكراه البدني في تحصيل الغرامات الجمركية، مجلة لعلوم القانونية، العدد الرابع 2017، ص: 241.

[39] – سنحاول معالجتها من خلال الفصل الثاني، تجنبا للتكرار.

[40] – إدريس بملحجوب، قواعد تنفيذ العقوبات، الجزء الأول، الناشر المعهد للدراسات القضائية، السنة 1988، ص: 205.

[41] – الأمر الذي يتماشى مع مقتضيات المادة 11 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أنه: “لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي”.

[42] – يوسف بنباصر، الدليل العملي والقضائي في مسطرة الإكراه البدني، على ضوء آخر المستجدات التشريعية – سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث القضائية، العدد 4، مطبعة بسني الداخلة، طبعة 2003-2004، ص: 116.

[43] – من الناحية العملية تسلم عادة من طرف رجال السلطة من مقدمين وشيوخ.

[44] – يوسف بنباصر، مرجع سابق، ص: 123.

[45] – سارة بزدي، الإكراه البدني لتحصيل الديون العمومية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، جامعة محمد الخامس، السنة الجامعية 2010-2011، ص: 81.

[46] – قانون المسطرة الجنائية، حدد مدد الإكراه البدني في المادة 638 منه.

[47] – وقد قامت معظم التشريعات المقارنة على تحديد مدد الإكراه البدني بما في ذلك التشريع الفرنسي:

Code de procédure pénale (France), Article 750, Le maximum de la durée de la contrainte judiciaire est fixé ainsi qu’il suit :

  • A vingt jours lorsque l’amende est au moins égale à 2000 euros sans excéder 4000 euros.
  • A un mois lorsque l’amende est supérieur à 4000 euros sans excéder 8000 euros.
  • A deux mois lorsque l’amende est supérieur à 8000 euros sans excéder 15000 euros…

[48] – بتزوتين عبد المولى، الإكراه البدني بين المقتضيات القانونية والواقع العملي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2013-2014.

[49] – يوسف بنباصر، مرجع سابق، ص: 137.

[50] – ويشتكي بعض موظفي كتابة الضبط أن تقييد لجوء كتابة الضبط لتطبيق الإكراه البدني بقرار موافقة قاضي تطبيق العقوبات من شأنه عرقلة وتأخير إجراءات التنفيذ، وأنه في عديد المرات ما يكون الملف معززا بكل الوثائق، ورغم ذلك يتعرض للرفض،وذلك ناتج عن الإكراهات التي يعمل فيها قاضي تطبيق العقوبات، بالإضافة إلى أن كتابة الضبط جهاز مستقل، ويتوفر على مؤهلات و كفاءات تؤهله من تتبع مسطرة الإكراه البدني دون أي حاجة  لموافقة قاضي تطبيق العقوبات،وأعتقد أن هذا الرأي جانب الصواب، باعتبار أن قاضي تطبيق العقوبات مؤسسة رقابية هامة على إجراء الإكراه البدني وضمانة أساسية، نظرا  لما يشكله الإكراه البدني  من مساس بحرية الإنسان.

[51] – عبد المولى بنزوتين، مرجع سابق، ص: 23.

[52] – يوسف بنباصر، مرجع سابق، ص: 144.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)