أهمية مؤسسة مجلس الدولة في النظام القانوني والقضائي المغربي
جــــمال العزوزي باحــــــث في القانون العــــام
مقدمة
عندما يتردد اسم مؤسسة مجلس الدولة في مختلف السياقات والمقامات المرتبطة بالعمل الأكاديمي القانوني المغربي فإنه يتبادر فورا إلى الذهن تلك الهيئة القضائية العليا التي تتربع على قمة القضاء الإداري الفرنسي خصوصا، بحيث تحضر دوما الصبغة القضائية للمؤسسة في الأذهان وذلك لارتباط ذكر هذه الأخيرة غالبا بالقرارات الصادرة عنها، وهي قرارات قضائية فاصلة في منازعة مثارة أمام المجلس إما مباشرة أو عن طريق الإحالة على المجلس بعد نقضها أمام محاكم الاستئناف الإدارية أو إحالتها على المجلس بعد استئنافها أمام المحاكم الإدارية[1]، وهي قرارات في الغالب تحمل توجهات قضائية كبرى يتم تكريسها بحيث تحمل هذه التوجهات قواعد عامة ومبادئ أساسية يتم استحضارها من طرف القضاء الإداري في معالجة نوازل مماثلة، وتشكل مادة خصبة في العمل الأكاديمي، بحيث يتم تناسي وربما عدم معرفة الدور الاستشاري الإداري للمجلس في ظل طغيان دوره القضائي.
والواقع أن الدور الاستشاري للمجلس لا يقل أهمية عن الدور القضائي، فمن خلال تقديم المجلس للاستشارة القانونية للإدارة وإبداء الرأي حول مشاريع النصوص القانونية وإعادة صياغتها بما يتناسب ومبدأ المشروعية وإعداد الدراسات المتعلقة بمختلف أوجه العمل الإداري والقانوني وإصدار الفتاوى القانونية يفتح هذا الدور الطريق أمام المجلس نحو المساهمة الفعالة في إعداد السياسات العمومية وصنع القرار، وهو الأمر الذي يمنح القضاء الإداري دورا متقدما ومميزا داخل النظام القضائي، فمن خلال هذا الدور يعمل مجلس الدولة على تجاوز قيود التخصص الموسوم بها القضاء الإداري والمرتبطة أساسا بعدم تجاوز نطاق القانون الإداري إلى أفق أرحب، ليساهم في تدعيم وترسيخ مبدأ المشروعية بمفهومه الواسع منفتحا بذلك على كل فروع القانون الأخرى، ومعتمدا في ذالك على وظيفيتين أساسيتين هما الوظيفة الاستشارية الإدارية والوظيفة القضائية، حيث أن مجال تقديم الاستشارة للحكومة وإصدار الفتاوى القانونية ومساعدتها في مجال التشريع غير مقيد بنطاق القانون الإداري خاصة.
ويتم استحضار مجلس الدولة الفرنسي على الخصوص باعتباره المؤسس الفعلي لقواعد القانون الإداري في ظل غياب تقنين خاص بهذا القانون، مع أن هذه المؤسسة لم يقتصر وجودها على النظام القانوني الفرنسي، فقد تم تأسيس مجلس الدولة المصري منذ سنة 1946 وتم تأسيس مجلس الدولة الجزائري منذ سنة 1998[2]، غير أن الفضل الأكبر في تكريس قواعد القضاء الإداري وإنشاء مجموعة من المبادئ والنظريات المعروفة في القانون الإداري يرجع بالأساس لمجلس الدولة الفرنسي.
ورغم غياب مؤسسة مجلس الدولة داخل النظام القانوني والقضائي المغربي فإن القضاء الإداري المغربي عموما يعتبر جزء أصيلا من المنظومة القضائية في البلاد، لكنه يبقى ذا طبيعة خاصة متميزة تجعله يختص بالفصل في المنازعات التي تجمع بين الإدارة والأفراد، ومع ذلك فإن مبدأ القضاء المتخصص كخيار كرسه المشرع المغربي بشكل فعلي منذ إنشاء المحاكم الإدارية بموجب الظهيـر الشريف رقم 1.91.225 الصادر في 10 سبتمبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية بموجب الظهير الشريف رقم 1.06.07 الصادر في 14 فبراير2006 بتنفيذ القانون رقم 80.03 المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية يبقى ناقصا في ظل غياب مؤسسة من حجم ومكانة مجلس الدولة داخل النظام القانوني والمؤسساتي المغربي[3]، وعلى رأس هرم الهيئات القضائية الإدارية المغربية على حد تعبير الفصل 118 من الدستور[4].
فتأسيس مجلس الدولة المغربي من شأنه أن يشكل تحولا جوهريا في الدور التقليدي المسند إلى القضاء الإداري وذلك بالرفع من قيمته داخل النسق المؤسساتي المغربي بإسناد وظيفة أخرى إليه لا تقل أهمية عن وظيفته القضائية وهي الوظيفة الاستشارية التي سيقدمها للإدارة، بالإضافة لوظيفة الإفتاء القانوني، بحيث من شأن هذه الوظائف الجديدة أن تعمل على تحقيق هدف أساسي هو تكريس ثقافة الاستشارة القانونية المسبقة وبالتالي تحقيق الوقاية من المنازعات المحالة على القضاء الإداري من خلال تجويد عمل الإدارة والحرص بشكل أكبر على احترام مبدأ المشروعية، حيث ستمكن الطبيعة القضائية الإدارية لمؤسسة مجلس الدولة من جعله جسرا بين السلطتين القضائية و التنفيذية يتم بموجبه تكريس التعاون بينهما[5].
فاطلاع المؤسسة بوظائف الإفتاء والمساهمة في العمل التشريعي والإداري من شأنه تطوير مجموعة من الخبرات والكفاءات داخل المجلس مما سينعكس بشكل جلي على أداء وظيفته القضائية من خلال توحيد الاجتهاد القضائي والمساهمة بشكل فعال في خلق قواعد القانون الإداري على المستوى الوطني، فكل من الوظيفة الإدارية الاستشارية لمجلس الدولة والوظيفة القضائية تتكاملان داخل هذه المؤسسة وتمارسان تأثيرات متبادلة على بعضهما بحيث تساهم كل واحدة منهما في الرفع من مستوى أداء الأخرى.
وتزداد الحاجة إلى الأدوار المنوطة بهذه المؤسسة داخل النسق المؤسساتي الوطني في ظل الإرادة التي أبداها المشرع المغربي في مجال التنظيم الترابي بتبني سياسة اللامركزية في التدبير وتكريس الجهوية المتقدمة[6]، مما سيطرح معه العديد من الإشكالات المتعلقة بتفعيل وتنزيل هذه السياسات والتي سيتعين على مجلس الدولة إيجاد الحلول المناسبة لها سواء عن طريق وظيفة الإفتاء القانوني والاستشارة أو عن طريق الفصل في المنازعات المحالة عليه كقضاء إداري، مطالب بالمساهمة في خلق قواعد القانون الإداري انطلاقا من الخصوصيات الوطنية، هذه القواعد التي يمكن تبنيها لاحقا من طرف المشرع في شكل نصوص مقننة على اعتبار الاجتهاد القضائي الإداري الوطني جزء لا يتجزأ من مصادر التشريع.
ولمحاولة الإحاطة بالموضوع ومناقشته سنعمل من خلال هذه الورقة على محاولة الوقوف على أهم أدوار واختصاصات مؤسسة مجلس الدولة في الأنظمة المقارنة وخاصة النظام القضائي والقانوني الفرنسي، باعتبار هذا الأخير له فضل السبق في ظهور هذه المؤسسة ونظرا لما مارسه مجلس الدولة الفرنسي من تأثير على الأنظمة القانونية الأخرى التي أخذت بحذو المشرع الفرنسي في تأسيس مجلس الدولة خصوصا والاجتهاد القضائي الإداري عموما، ثم محاولة قياس مدى أهمية هذه الأدوار والاختصاصات في العمل القضائي والإداري والتشريعي وانعكاساتها، على أن نحاول في نفس الوقت رصد تجليات الفراغ الذي يخلفه غياب هذه المؤسسة داخل النسق المؤسساتي والقانوني الوطني وهو ما سيمكننا من الوقوف كذلك على مدى الفائدة التي يمكن تحقيقها بالإعلان عن تأسيس مجلس الدولة داخل النظامين الإداري والقضائي المغربي.
المطلب الأول: دور مجلس الدولة في تجويد العمل الإداري،{الدور الإداري الاستشاري}
تعتبر الوظائف الإدارية ووظيفة الاستشارة والإفتاء من الوظائف الأصلية التي أنشئ من أجلها مجلس الدولة الفرنسي، وإن كانت الوظيفة القضائية قد احتلت مكانة الصدارة وحجبت الوظيفة الاستشارية[7].
و يبقى اختصاص مجلس الدولة في المجال الإداري اختصاصا جوهريا ومكرسا بموجب نصوص الدستور فقد نصت المادة 38 من الدستور الفرنسي ل 1958 على ضرورة استشارة المجلس قبل إصدار المراسيم[8] ولوائح الإدارة العامة وهي اللوائح التي تصدر بناء على دعوة من المشرع، أي التي ينص قانون على ضرورة إصدارها[9].
ويطلق في المغرب على هذه اللوائح المقررات التنظيمية التطبيقية، ويعتبر الفقهاء أن دور المقرر التنظيمي التطبيقي هو دور ثانوي[10]، فهذا الدور لا ينبثق من الدستور مباشرة بل يصدر بناء على وساطة القانون لإتمام هذا الأخير و تكميله، إذ يقتصر دورها على إضافة تفاصيل دقيقة لتسهيل عملية تنفيذ القانون، حيث أن هذه المقررات لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تضيف شيئا جديدا أي وضع قواعد عامة جديدة، بل يقتصر الأمر على وضع إجراءات وتدابير تفصيلية وتكميلية للقانون[11].
فدور المقرر التنظيمي التطبيقي هنا هو وضع الوسائل اللازمة لتنفيذ المقتضيات التشريعية، حيث أن النصوص القانونية التي يضعها البرلمان تقتصر عادة على وضع الأحكام العامة والخطوط العريضة دون الدخول في التفاصيل والجزئيات التي تكون عرضة للتغيير المستمر، حيث يستحيل على المشرع العادي الإلمام بكل التفاصيل والتدابير التنظيمية المعقدة.
ويمكن القول أن هذه المقررات التنظيمية من خلال دورها التطبيقي تساهم في تخفيف العبء عن السلطة التشريعية التي عليها أن تتفرغ لوضع المبادئ والوسائل الرئيسية تاركة ما عداها للسلطة التنفيذية التي تتولى تنظيمها وهذا الدور الأساسي وإن كانت تقوم به السلطة التنفيذية في شكل قرارات إدارية ملزمة فإن هذه القرارات لا تخلو من خاصيتي العمومية والتجريد للتمكن من تطبيق القواعد القانونية المرتبطة بهذه المقررات على نطاق واسع، حيث تعمل المقررات التنظيمية على استعارة هاتين الخاصيتين من القانون للتمكن من تنزيل الإجراءات والتدابير التفصيلية و تطبيقها على كل من تنطبق عليه القاعدة القانونية المستمدة من النص القانوني الأصلي ذاته فبدون خاصيتي العمومية والتجريد تفقد القرارات التنظيمية خصوصياتها وتتساوى بذلك مع القرارات الإدارية الفردية.
والتزاما بهذا الدور الذي تقوم به المقررات التنظيمية بالنسبة لتطبيق النصوص القانونية فإن المقرر التنظيمي التطبيقي لا يمكنه التدخل إلى تبعا وتنفيذا للقانون بحيث تبقى مهمة تنفيذ القوانين مهمة تبعية أي تابعة للقانون المراد تنفيذه، فإذا كانت الإدارة تستمد سلطتها في ممارسة السلطة التنظيمية التطبيقية من نص الدستور فإن حقها هذا يتوقف على القانون الذي يلعب دور الوسيط بين النص الدستوري والمقرر التنظيمي[12].
وقد ألزم المشرع الفرنسي ضرورة إعداد مشروع المقرر التنظيمي التطبيقي من طرف الوزير المختص ويرسله إلى مجلس الدولة بحيث يبدي هذا الأخير رأيه فيه إما بقبوله كما هو أو بإدخال بعض التعديلات على النص المقدم، وإعادته إلى الوزير المعني الذي قد يتبنى مشروع النص المعدل من طرف مجلس الدولة أو يتمسك بمشروع النص الذي قدمه كما هو دون تعديل، وذلك دون إمكانية اللجوء إلى حل ثالث بإعادة صياغة المشروع من جديد[13].
والإلزام هنا في القانون الفرنسي يكون بموجب نص دستوري فيما يتعلق بالسلطة اللائحية المستقلة ويكون بموجب نص تشريعي بالنسبة للسلطة اللائحية التابعة[14] وهي المعروفة في أدبيات الفقه الدستوري المغربي بالمقررات التنظيمية التطبيقية.
وتبقى المقررات التنظيمية التطبيقية أو المراسيم كشكل من أشكال العمل الإداري ذات أهمية خاصة فهي تعبير عن إرادة الإدارة بإحداث أثر قانوني غايته تحقيق المصلحة العامة لكن هذه الإرادة هنا تتوحد مع إرادة السلطة التشريعية المنبثق عنها النص القانوني، كما أن شكل هذا التعبير يتسم بخصائص العمومية والتجريد، فهي أعمال ذات طبيعة إدارية طبقا للمعيار الشكلي لكنها تقترب في خصائصها من النصوص القانونية نظرا لتميزها بالعمومية والتجريد التي تتوفر عادة في النصوص القانونية لذلك فإن الرقابة القبلية التي يمكن أن يمارسها مجلس الدولة نحو هذه النصوص تكتسي أهمية خاصة من خلال الحرص على ضمان تقيدها بمبدأ المشروعية، خصوصا إذا علمنا أن الدعاوى بطلب إلغاء اللوائح والقرارات الفردية الصادرة في شكل مراسيم بسبب تجاوز السلطة تبقى من اختصاص مجلس الدولة الفرنسي كمحكمة أول وآخر درجة بالنسبة لقسمه القضائي، وهو الاختصاص الذي منحه المشرع المغربي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض باعتبارها أعلى هيئة قضائية إدارية في انتظار تأسيس مجلس الدولة المغربي،[15] فبالرغم من استقلال كل من القسم الاستشاري الإداري للمجلس عن القسم القضائي فإن أثر أحدهما على الآخر لا يمكن تجاهله، بحيث يتم أحيانا تضمين فتاوى قانونية صادرة عن القسم الاستشاري في أحكام وقرارات القضاء الإداري، كما حرص القسم الاستشاري في مناسبات كثيرة بالنسبة للفتاوى الصادرة عنه على التقيد بمبادئ أقرها الاجتهاد القضائي الإداري[16].
غير أن هذا التأثر المتبادل لا يكتسي صبغة الإلزام بحيث يبقى مجلس الدولة كهيئة قضاء إداري غير ملزم بما يصدر عن الأقسام الاستشارية للمجلس من فتاوى وآراء نظرا لاستقلالية القضاء الإداري في أداء وظيفته القضائية في الفصل في المنازعات الإدارية، كما أن الفتاوى والآراء القانونية لا تتمتع بما تتمتع به الأحكام القضائية من حجية الشيء المقضي به، بحيث يمكن أن تصدر عن المجلس كمحكمة إدارية قرارات مناقضة للفتاوى والآراء الصادرة عن المجلس كهيئة استشارية[17].
لكن رغم كل ما تقدم فإن هناك عدة عوامل وأسباب تؤدي إلى وحدة الرؤية ومنها التنقل الدائم لأعضاء مجلس الدولة بين أقسامه {القضائية والاستشارية} وأن رئيس المجلس يمثل حلقة الوصل بين أقسام المجلس القضائية والاستشارية، ثم إن الجمعية العمومية لمجلس الدولة تضم الأعضاء جميعا سواء العاملين في القسم الاستشاري أو القضائي، وأخيرا فإن الوظيفيتين الاستشارية والقضائية بينهما تكامل ووحدة هدف، لذلك يلاحظ أن كثيرا ما تبنى القضاء الإداري في أحكامه ما ورد في الفتاوى القانونية الصادرة عن الأقسام الاستشارية للمجلس، لا بل وإنما هناك أحكام قضائية تشير صراحة إلى الفتاوى الصادرة عن المجلس[18].
وقد ألزم مجلس الدولة نفسه، في نشاطه الاستشاري بتبني سياسة محورها عدم التعرض لمساءل سبق للقضاء الإداري الفصل فيها، لكي لا تستخدم آراءه ذريعة للتشكيك في هذه الأحكام بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وقد أعرضت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمجلس الدولة في مصر عن إبداء الرأي في مسألة قانونية لم تكن محل نزاع مباشر أمام القضاء، وذلك لارتباطها ارتباطا وثيقا بموضوع سبق للقضاء الإداري أن فصل فيه بحكم حائز لحجية الأمر المقضي به[19].
وبالرجوع للخطورة التي تكتسيها المراسيم التطبيقية لما تحمله من خصائص العمومية والتجريد فإن أهمية تقديم الاستشارة القانونية بخصوص مشاريع المراسيم بالمغرب تكتسي أهمية خاصة وبالتالي تزداد الحاجة إلى وجود مؤسسة استشارية ذات طبيعة إدارية وقضائية من حجم مجلس الدولة داخل النظام القضائي المغربي، خاصة وأن هذه النصوص تفلت من رقابة المحكمة الدستورية اللاحقة باعتبارها قرارات إدارية طبقا للمعيار الشكلي كما رأينا سابقا رغم تميزها بخصائص العمومية والتجريد، لذلك فإن الضمانات التي تجعل تقيد السلطة التنفيذية بمضمون النصوص القانونية عند إصدار هذه المراسيم تبقى عامة في مضمونها من قبيل عدم إمكانية تعديل القانون من طرف السلطة التنفيذية سواء بطريق الإلغاء أو الإضافة وعدم إعاقة تنفيذه[20]، بحيث يمكن دائما التذرع بالاعتبارات العملية المحيطة بعملية التنفيذ للتملص من هذه الضمانات، كما أن خصائص العمومية والتجريد التي تتميز بها هذه النصوص وكذا المسطرة الخاصة بإصدارها والمرتبطة أساسا بعرض مشاريع المراسيم على المجلس الحكومي للتداول بشأنها[21] تجعلها تفلت حتى من رقابة مبدأ المشروعية[22] نظرا للانطباع السائد حول هذه النصوص وهو الذي يتصورها كنصوص تشريعية أكثر من كونها قرارات إدارية[23]، وهو انطباع ساهم في وجوده غياب مؤسسة عليا على رأس الهرم القضائي الإداري المغربي تمارس مهام إصدار الفتاوى القانونية وتفسير النصوص بالإضافة إلى مهامها كأعلى هيئة قضائية إدارية.
وبالنسبة للقرارات الإدارية الفردية فإن استشارة المجلس في التشريع الفرنسي إجبارية في بعض الحالات واختيارية في بعضها الآخر، وبشكل عام فإن الإدارة يبقى عليها أن تستطلع دور رأي المجلس من الناحية القانونية في المسائل التي تعرض عليها[24]، وقد نصت المادة 24 من قانون المجلس {الأمر الصادر سنة 1945} على أن للمجلس أن ينبه السلطات العامة، من تلقاء نفسه، إلى الإصلاحات التشريعية أو الإدارية التي يرى أنها محققة للصالح العام[25].
وبالنسبة لقيمة الرأي الذي يبديه مجلس الدولة في المجال الإداري فإن الأمر لا يخرج عن هذه الأوضاع:
أ-إما أن ينص المشرع صراحة أن الإدارة لا تستطيع أن تتصرف في أمر معين إلا طبقا لرأي مجلس الدولة.
وفي هذه الحالات وهي نادرة كقاعدة عامة تلتزم الإدارة أولا باستطلاع رأي مجلس الدولة قبل أن تتصرف وثانيا تلتزم بهذا الرأي بحيث لا تستطيع التصرف بما يخالفه ومثال هذه الحالات في التشريع الفرنسي ما يتعلق بإسقاط الجنسية ورفض منحها[26].
ب- وإما يلزم المشرع الإدارة بأخذ رأي مجلس الدولة قبل التصرف.
وحينها تتقيد الإدارة باستطلاع الرأي دون أن تلتزم باحترامه موضوعا، بمعنى أن الإدارة لا تستطيع التصرف قبل عرض الأمر على مجلس الدولة، لكن عند الإحاطة بهذا الرأي فإنها تستطيع التصرف بخلافه، على أن تتحمل مسؤولية هذه المخالفة لاسيما إذا ترتب عنها أضرار مادية أو أدبية وأثيرت المسؤولية المدنية أو الإدارية أو الجنائية أحيانا وهو الأمر الذي يجعل الإدارة تتردد كثيرا قبل مخالفة رأي مجلس الدولة.[27]
ومن المفيد الإشارة إلى أن مجلس الدولة نفسه قد حرص على احترام القواعد الإجرائية المتعلقة بالاستشارة المسبقة لبعض المؤسسات فهو يتحقق مما إذا كان موجب الاستشارة المسبقة المفروضة بنص القانون أو اللوائح أو الدستور قد روعي بدقة أم لا، فقد سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن أكد أن المجلس الأعلى للتربية الوطنية لم يأخذ رأيه حول أحد مشروعات القوانين المتعلق بالتعليم العالي[28] واعتبر المجلس أن هذا الإغفال مرفوض وغير مرغوب فيه وأن رأي المجلس الأعلى للتعليم المنصوص عليه قانونا يمثل أحد عناصر التقدير الهامة[29].
ج- وبالنسبة للحالات الأخرى التي لم يتعرض لها المشرع.
فالإدارة في جميع الأحوال تستطيع أن تستطلع رأي مجلس الدولة بصدد أي موضوع تشاء دون التزام منها باحترامه[30].
فالقاعدة إذن أن رأي المجلس لا يكون ملزما إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة، كما أن الإدارة تستطيع مراجعة المجلس بخصوص رأي أبداه إذا ما كان لديها اعتبارات لم تكن أمام المجلس حينما أبدا رأيه، فالرأي ليس بحكم ولا تثار بخصوصه اعتبارات من قبيل حجية الشيء المقضي به أو المدد[31].
وعلى العموم فإن طلبات أخذ الرأي تنصب بصفة عامة على المشاكل ذات الطبيعة الفنية وإمكانية طلب الرأي تبقى واسعة النطاق باستثناء بعض القيود القليلة كشرط عدم تداخل طلب الرأي مع دعوى لازالت منظورة أمام المحاكم[32]، ففي نونبر1989 أوضح مجلس الدولة مدى مبدأ العلمانية برده على السؤال الذي طرحه وزير التربية الوطنية في موضوع الحجاب الإسلامي،[33] وعما إذا كان هذا المبدأ يتفق مع ارتداء تلاميذ المؤسسات التعليمية العامة الثانوية لرموز انتماء لجماعة دينية معينة[34].
وفي مصر فإن أخذ رأي مجلس الدولة بصورة اختيارية له أساس تشريعي في المادة 58 من قانون مجلس الدولة رقم 47 1972 التي تنص على أن إدارات قسم الفتوى تبدي الرأي في المسائل التي يطلب الرأي فيها من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والوزارات والهيئات العامة[35].
وتزداد الحاجة إلى الدور الاستشاري للمجلس في النظام السياسي المغربي مع تزايد النقاشات والنزاعات القانونية بين الحكومة والبرلمان وهي المرتبطة أساسا بتأويل بعض النصوص القانونية سواء كانت مقتضيات دستورية أو القوانين الداخلية لكل من مجلس النواب و مجلس المستشارين، وهي النصوص التي غالبا ما تفتقد إلى الوضوح مما يجعل كل طرف متمسكا بالتأويل الذي يدعم موقفه، مما يدفع الأطراف إلى اللجوء للتحكيم القانوني، وهو ما قابلته المحكمة الدستورية غالبا بالتصريح بعدم الاختصاص متذرعة بالقيود التي يضعها الدستور والقانون المنظم لاختصاصها، بحيث تتمسك المحكمة باختصاصاتها الأصلية كمحكمة دستورية مختصة بالطعن في دستورية القوانين دون إمكانية لعب دور استشاري أو تحكيمي[36] بحيث تحاول المحكمة الدستورية وضع سقف معين للتأويل الدستوري بالمغرب، رغم أنه ليس هناك في الدستور ما يحد من دور القاضي الدستوري المغربي في هذا المجال، ورغم كون رئيس الدولة نفسه {الملك} لم يضع سقفا للممارسة التأويلية ولم يقيد أحدا بمساطر وشروط معينة باستثناء شرط واحد وهو الالتزام بالتأويل الديمقراطي للدستور[37]، وهو الأمر الذي يجعل الحاجة ملحة أكثر لمؤسسة من نوع خاص تقدم الاستشارات القانونية دون قيد أو شرط، مع حرص الحكومة على العمل برأيها من منطلق التزام اعتباري اختياري في الغالب لا إلزامي.
فبتاريخ 03 غشت 2006 تلقى المجلس الدستوري المغربي{المحكمة الدستورية} رسالة موقعة من رئيس فريق العدالة والتنمية في مجلس النواب، مرفقة بمذكرة موقعة من طرف 27 نائبا من نفس الفريق، يعرضون فيه الخلاف الواقع بينهم وبين الحكومة حول تطبيق الفصل 56 من الدستور ويطلبون من المجلس الدستوري قبول الإحالة والتصريح بأن ما أقدم عليه الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان، بإرجاع أسئلة النواب وطلب تحويلها إلى ملتمسات أو شكايات أو مطالب إجراء غير دستوري ينبغي العدول عنه.
فجاء الرد بأن المجلس الدستوري لا يمارس اختصاصا عاما يخوله الفصل في كل خلاف بين الحكومة ومجلس النواب يتعلق بأي من جوانب صلاحيات هذا المجلس الأخير، أو في كل نزاع بين الطرفين المذكورين، من شأنه أن يحول دون السير العادي للمؤسسة البرلمانية أو إحدى لجانها[38].
وبتاريخ 22 أكتوبر 2013 تقدم عدد من أعضاء مجلس المستشارين برسالة أمام المجلس الدستوري يلتمسون فيها التصريح بعدم دستورية الجلسات الرقابية لمجلس المستشارين على العمل الحكومي وبطلان جميع المبادرات والأعمال التشريعية التي أقدمت أو قد تقدم عليها الحكومة لعدم استكمالها للإجراءات المرتبطة بالتنصيب البرلماني طبقا لأحكام الفصل 88 من الدستور.
وقد صرح المجلس الدستوري “وحيث أن الدستور ينص في الفقرة الأولى من فصله 132 على أن المحكمة الدستورية تمارس الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية، وحيث أنه ليس في فصول الدستور ولا في القوانين التنظيمية ما يخول المجلس الدستوري الذي يستمر بموجب الفصل 177 من الدستور في ممارسة صلاحياتها إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية اختصاص البث في دستورية انعقاد الجلسات الرقابية لمجلس المستشارين على العمل الحكومي، وبناء عليه يكون الطلب خارج اختصاص المجلس الدستوري”[39].
بحيث يتذرع القضاء الدستوري دائما بالحدود التي تضعها النصوص المؤطرة لاختصاصه بحيث تحدد هذه الأخيرة النطاق الذي يمكن أن تمارس فيه مهام مراقبة دستورية القوانين دون تجاوز هذه الحدود، وبعكس ذلك فإن طلب الاستشارة والرأي وأحيانا التفسير التي يمكن تقديمها أمام مجلس الدولة تبقى واسعة النطاق بحيث يبقى للطالب أمام هذه المؤسسة حرية أكبر في توجيه مختلف مطالبه وإبداء ملاحظاته حتى عند صدور رأي المجلس.
وقد بدأ مجلس الدولة الفرنسي ابتداء من عام 1970 القيام بممارسة وظيفة جديدة وهي إنجاز الأبحاث والدراسات التي شملت مجالات واسعة متعددة، وقد درج مجلس الدولة على إشراك شخصيات خارجة عن المجلس من أجل إعداد دراساته، وقد شملت دراسات متعلقة بالعقبات التي تواجه تطبيق اللامركزية الإدارية وتسبيب القرارات الإدارية والمشاكل المثارة من قبل الإدارات المركزية المختلفة والمنشورات الوزارية وتسديد ديون الإدارة والثقافة القانونية للموظفين ويتم اختيار موضوعات الدراسة بالتشاور مع الحكومة[40].
فوضع مجلس الدولة و أسلوب عمله وتشكيلته تمكنه من دراسة العديد من المشاكل التي ليس للإدارة الوقت والإمكانيات لدراستها بحيث قد كان مجلس الدولة الفرنسي مصدرا للعديد من التعديلات والإصلاحات وهي تعديلات ذات طابع فني أكثر منها ذات طابع سياسي[41].
وأغلب هذه الدراسات قد تمت بناء على طلب الحكومة بهدف مساعدتها على إعداد قرارات لائحية أو تطبيق ممارسات إدارة جديدة، وهو الأمر الذي يمكن مجلس الدولة من المشاركة بشكل فعال في صنع السياسات العمومية من خلال إبداء الاقتراحات والتوصيات.
ويمكن القول أن وجود مثل هذه الدراسات في المغرب منبثقة عن مؤسسة مرموقة كمجلس الدولة مختلطة الطبيعة بين القسم القضائي والقسم الاستشاري الإداري يمكن أن يشكل مصدرا غنيا يتم استثماره من طرف الحكومة في مرحلة إعداد وتنفيذ السياسات العمومية المختلفة، بحيث تختلف مواضيع هذه الدراسات باختلاف السياسات العمومية، هذا دون أن ننسى أن أغلب هذه الدراسات يتم إنجازها بالتشاور مع الحكومة، فبالنظر إلى مختلف المشاريع والأوراش الوطنية يلاحظ أن الحكومة غالبا ما تعمل على الاستعانة بمكاتب الدراسات الأجنبية خصوصا بشكل متزايد وهو ما يشكل عبئا إضافيا على ميزانية الدولة[42].
المطلب الثاني: مساعدة الحكومة في مجال التشريع {الدور التشريعي}
تنبع أهمية هذا الدور المسند إلى مجلس الدولة في المجال التشريعي من كون التشريعات تشكل القواعد المعيارية الأكثر تعبيرا عن إرادة الأمة، بحيث تنظم القوانين مختلف مناحي الحياة في مختلف المجالات لذلك فلابد أن تصدر هذه النصوص سليمة وصحيحة سواء من ناحية الشكل أو من ناحية الموضوع حتى لا تتعرض بعد ذلك للطعن بعدم الدستورية من طرف المحكمة الدستورية[43].
ومن المعلوم أن المجلس يعمل على النظر في مشاريع القوانين التي تعرض عليه من طرف الحكومة قصد أخذ رأيه دون مقترحات القوانين التي تنبثق عن البرلمان وهو الأمر الذي قد يجعل البعض يشكك في هذا الدور المسند إلى مجلس الدولة باعتبار الحكومة بنفسها لا تمارس العملية التشريعية فكيف بمجلس الدولة بحيث تبقى السلطة التشريعية السلطة الأصلية المكلفة بعملية التشريع.
حيث يمكن نفي الصبغة التشريعية على عملية اقتراح القوانين {مشاريع القوانين} التي تقوم بها الحكومة وذالك لكون السلطة التشريعية هي التي تعمل على إضفاء الخصائص الآمرة للقانون على عمل ما أو إعطاء نص ما صفة القاعدة الإجبارية، فإذا جاز اعتبار جميع الإجراءات التي تساهم في إخراج القانون إلى حيز الوجود عملا تشريعيا بالمعنى الواسع فإنه بالمعنى الدقيق لا يمكن اعتبار عمل ما عملا تشريعيا إلا إذا كان يدخل في تكوين عنصر القرار الآمر الذي يتولد منه القانون حالا ومباشرة[44].
فلا يكفي لكي يعتبر العمل تشريعيا أن يقتصر دوره على تحريك السلطة التشريعية أو التمهيد لها لذالك فإن الاقتراح هو عمل من أعمال الإدارة يتلخص دوره في دور المحرك أو الدافع، لذالك فإن حق الاقتراح المخول للسلطة التنفيذية وإن كان يثير العملية التشريعية فهو ليس جزءا منها.
غير أن ما طرأ على وظيفة الدولة من تطور واتساع نشاطها في مختلف المجالات وتدخلها في العديد من أنشطة الأفراد المختلفة، دفع بعض الدول في دساتيرها إلى تخويل السلطة التنفيذية قدرا كبيرا من السلطات والامتيازات في مقابل السلطة التشريعية، مما ساهم في بروز دور السلطة التنفيذية وتقوية مركزها وهيمنتها على مقاليد الأمور في الدولة، كل هذه العوامل أدت إلى اهتزاز أسس نظرية الفصل بين السلطات[45]، واختلال توازن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح هذه الأخيرة إذ أثبتت الوقائع أن التشريعات تمر بمراحل معقدة حتى يتم التشريع بمراحله المختلفة ويظهر إلى الوجود ويدخل حيز التنفيذ، كما تحتاج العملية التشريعية أحيانا إلى معرفة تقنية عميقة قلما تتوفر في أعضاء البرلمان، مما يجعل النصوص القانونية ذات المصدر الحكومي {مشاريع القوانين} تفوق من ناحية الكم النصوص ذات المصدر البرلماني {مقترحات القوانين}.
بحيث تبقى ممارسة السلطة التنفيذية لمهام التشريع رغم اعتبارها حالة استثنائية فريدة ترد على مبدأ الفصل بين السلطات بكونها ليست حقا عارضا مقيدا بظروف استثنائية خاصة بل أصبحت حقا أصيلا وممارسة ثابتة سواء في المغرب أو غيره[46]، مما جعل البعض يذهب إلى أن سلطة التشريع الأصلية تمارسها السلطة التنفيذية بينما يبقى دور البرلمان مجرد مساعد في أداء هذه المهمة، ويعد حق اقتراح القوانين من أهم الحقوق التي بموجبها يحق للسلطة التنفيذية المشاركة في العملية التشريعية.
واقتراح القانون هو المرحلة الأولى التي يبدأ فيها سنه والتي تبدأ من تاريخ إعداد المشروع الأولي للقانون حتى تقديمه إلى السلطة المختصة بالتشريع لمناقشته والتصويت عليه، وتتجلى خطورة حق الاقتراح في كونه العامل الأساس في التشريع حيث قبل الاقتراح لا يكون للقانون أي وجود قانوني، أما بعد الاقتراح فإنه يصبح معروضا أمام البرلمان ويجب على هذا الأخير أن يفحصه ليقره أو يعدله أو يرفضه، وقد أخذ الدستور الفرنسي وكذالك معظم الدساتير العربية ومنها الدستور المغربي بالحق المشترك لاقتراح القوانين بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية[47].
فقد بلغ مجموع مشاريع القوانين التي تمت إحالتها من طرف الحكومة المغربية على مجلس النواب في الولاية التشريعية التاسعة {2011/2016} 383 نصا تشريعيا ضمنها 8 مشاريع مراسيم بقوانين وقد صادق المجلس على 361 نصا تشريعيا منها، وتم سحب مشروع قانون، وبقي 13 نصا تشريعيا قيد الدرس بمختلف اللجان النيابية الدائمة، أما مقترحات القوانين المنبثقة عن البرلمان والتي تم تقديمها خلال نفس الولاية التشريعية فقد بلغت 242 مقترح قانون، صادق مجلس النواب على 21 منها وتم سحب 17 مقترح قانون، وتم رفض 3 مقترحات قوانين بالأغلبية في الجلسة العامة، وتم الدفع بعدم الدستورية في وجه مقترحين وبقي 199 مقترح قيد الدرس باللجان النيابية[48].
ويتضح مدى استحواذ الحكومة في المغرب على المبادرة التشريعية بحيث یجعل هذا الأمر هذه الأخيرة تجمع بين وظيفتي التشریع والتنفیذ، ولذلك فان هذه السلطة تستطیع الانحراف عن غايات التشريع من خلال وضع مشاريع نصوص قانونية تصب في مصلحة وظيفتها الأصلية كسلطة تنفيذية تعتبر النصوص القانونية بالنسبة لها إحدى أهم الآليات المعتمدة لصنع السياسات العمومية أو تنزيلها، كما يمكنها أن تعمد إلى تعدیل القوانین النافذة عن طریق القرارات التفویضیة[49] متى ظهر لها أن الأمر يمكن أن يسهل وظيفتها التنفيذية، بحيث تشكل هذه الصلاحیات تهدیدا خطیرا لحقوق الأفراد وحریاتهم إذا ما تعسفت السلطة التنفیذیة في استخدام هذه السلطة وتقاطعت توجهاتها في التشريع مع هذه الحقوق والحريات، مما يشكل مسا خطيرا بمبدأ الفصل بين السلطات كصمام أمان لضمان حقوق وحريات الأفراد من خلال قيام كل سلطة بدور الكابح للسلطة الأخرى وهو الأمر الذي یحتم إیجاد ضمانات تلزم السلطة التنفیذیة باحترام قواعد المشروعیة عند ممارسة المبادة التشريعية، وهنا يمكن أن يشكل وجود مؤسسة ذات طبيعة خاصة تجمع بين الدور الإداري والدور القضائي دورا حاسما من خلال موازنة هذه الصلاحيات الكبيرة الممنوحة للحكومة في مجال التشريع من خلال ممارسة رقابة قبلية وملزمة في شق منها على المبادرة التشريعية الحكومية وضمان تقيدها بمبدأ المشروعية بمفهومه الواسع.
وقد عمل المشرع الفرنسي من خلال القانون رقم:724-2008 بتاريخ 23 يوليوز 2008 المعدل والمتمم للمادة 39 من دستور الجمهورية الخامسة ل1958على اتخاذ خطوة نوعية متعلقة باختصاصات مجلس الدولة في المجال التشريعي وذلك بفتح المجال للسلطة التشريعية لتقديم طلب الاستشارة من مجلس الدولة بخصوص مقترحات القوانين حيث جاء في النص القانوني رقم:724-2008 “يجوز لرئيس أحد المجلسين، وفقا للشروط المنصوص عليها في القانون، أن يقدم مشروع قانون خاص مقدم من عضو على مجلس الدولة يعرضه عضو من أحد مجلسي البرلمان وذلك لإبداء الرأي فيه قبل النظر فيه في اللجنة، ما لم يعترض هذا العضو على ذلك”[50].
وهي خطوة مهمة ستمكن البرلمانات بشكل عام من الاستفادة من الكفاءة والخبرة القانونية لمجلس الدولة في مجال التشريع، و ستعمل على الرفع من جودة العمل التشريعي المنبثق من البرلمان،خصوصا مع ما تعرفه المبادرة التشريعية من قلة التوازن في الإمكانيات والقدرات بين البرلمان والحكومة، وهو دور يمكن أن يساند كذالك دور المحاكم الدستورية في الرقابة على دستورية القوانين بممارسة مجلس الدولة لرقابة قبلية تكون أخف وطأة على الحكومة والبرلمان من رقابة المحاكم الدستورية، على اعتبار الرقابة التي يمارسها مجلس الدولة تكون في الغالب على شكل استشارات غير ملزمة بقوة القانون لكن يقاس مدى إلزاميتها بمدى احترام المؤسسات للقانون وحرصها على أن تكون أعمالها مستندة إلى المشروعية، وذلك بعكس الرقابة التي تمارسها المحاكم الدستورية التي تتخذ شكل منازعة دستورية تبدأ من خلال آلية الطعن في دستورية نص قانوني معين.
ومبدأ عدم الإلزام الغالب هنا الذي يمنح الحكومة حق مخالفة استشارة مجلس الدولة يهم العمل بالاستشارة أو مخالفتها دون مبدأ الاستشارة في حد ذاته، بحيث أن هذا المبدأ الأخير يمكن أن يكرس بموجب نص دستوري،فكأن المشرع الفرنسي كان يعلم سلفا أنه يكفي إلزام الحكومة بطلب رأي مجلس الدولة حتى تبادر هي بإلزام نفسها اختيارا بالعمل في الغالب بموجب هذا الرأي، فبموجب الفقرة الأولى من المادة 39 من الدستور الفرنسي “تكون مناقشة مشروعات القوانين الحكومية في مجلس الوزراء بعد التشاور مع مجلس الدولة”[51]، وذلك دون تمييز بين هذه النصوص فقد يتعلق المشروع بتعديل دستوري أو قانون مالي أو تنزيل وتطبيق لبنود اتفاقية دولية، وهو ما يجعلنا نتصور الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه مجلس الدولة في مجال التشريع.
كما نصت المادة 37 من الدستور الفرنسي على أنه “يجوز تعديل الأحكام ذات المنشأ القانوني والتي صدرت في مثل هذه الأمور بموجب مرسوم يصدر بعد التشاور مع مجلس الدولة، ويجوز تعديل أي أحكام من هذا القبيل صدرت بعد دخول الدستور حيز التنفيذ بمرسوم إلا إذا وجد المجلس الدستوري أنها مسائل للتنظيم”[52]، فالمشرع الفرنسي يحيط المنازعة بين مجال القانون ومجال التنظيم بنوعين من الرقابة، رقابة قبلية مطبقة من طرف مجلس الدولة عن طريق الاستشارة الإلزامية ورقابة بعدية عن طريق المجلس الدستوري الفرنسي، بينما المشرع المغربي اكتفى برقابة المحكمة الدستورية من خلال الفصل 73 بحيث “يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، بعد موافقة المحكمة الدستورية، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها”[53].
وفي غالب الأحوال عند تقديم مجلس الدولة لرأيه بخصوص النصوص القانونية المحالة عليه فإن الحكومة لن تخاطر بعدم أخذ هذا الرأي في الاعتبار إذا كان مجلس الدولة يرى أن هذا النص يناقض النصوص القانونية المعمول بها، وبالعكس من ذلك فإذا رفض المجلس النص لأسباب الملائمة فإن الحرية مكفولة للحكومة فيما يتعلق بأخذ هذا الرأي من عدمه[54]، كما يعمل مجلس الدولة ببحث مشروعية القوانين على ضوء اجتهادات المجلس الدستوري بحيث يعمل على توصية الحكومة بفصل المواد التي تبدو له غير دستورية عن مشروع النص، وفي غالب الأحوال تعمل الحكومة على الاستجابة لهذه التوصيات قصد توقي خطر عرض المشروع على المجلس الدستوري في المرحلة بين التصويت على المشروع وإصداره من جانب رئيس الجمهورية.[55]
وقد يتساءل البعض عن الفائدة من إحداث مؤسسة مجلس الدولة داخل النظام القانوني والمؤسساتي المغربي في ظل وجود الأمانة العامة للحكومة التي تمارس مجموعة من الاختصاصات التي يمارسها مجلس الدولة في الأنظمة المقارنة، فبالرجوع للمادة 4 من مرسوم 2.09.677 المتعلق بتنظيم الأمانة العامة للحكومة “تقوم المديرية العامة للتشريع والدراسات القانونية بمهمة تنسيق الأعمال المتعلقة بإعداد وصياغة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية وتسهر على تنفيذ السياسة الحكومية فيما يتعلق بتدوين النصوص التشريعية والتنظيمية وتحيينها،وتتولى لهذه الغاية: القيام، من الوجهة القانونية، بدراسة جميع مشاريع القوانين والأنظمة للتحقق من مطابقتها لأحكام الدستور وعدم منافاتها للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، القيام إن اقتضى الأمر ذلك بإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تدخل في اختصاص قطاع وزاري معين، القيام من الوجهة القانونية ببحث الفتاوى التي يطلبها الوزير الأول أو السلطات الحكومية وسائر الإدارات العمومية إلى الأمين العام للحكومة، إنجاز الترجمة الرسمية للنصوص التشريعية والتنظيمية، القيام باتصال مع القطاعات الوزارية المعنية بتدوين النصوص التشريعية والتنظيمية، والعمل على تحيينها وتبسيطها قصد جعلها في متناول العموم، القيام بالدراسات والأبحاث القانونية المتصلة بمختلف مجالات العمل التشريعي، إعداد المذكرات القانونية المتعلقة بالطعون الدستورية التي تقدمها الحكومة بخصوص عدم دستورية بعض مشاريع أو مقترحات القوانين التي يوافق عليها البرلمان، وكذا إعداد مذكرات جواب الحكومة المتعلقة بالطعون الدستورية التي يقدمها أعضاء البرلمان”[56].
كما تسهر الأمانة العامة للحكومة على إعداد وتتبع جداول أعمال المجالس الحكومية والمجالس الوزارية ومحاضر اجتماعاتها مما يجعلها جهازا مكلفا بتنظيم العمل الحكومي بامتياز.[57]
وبالنظر لبعض هذه المهام المخولة للأمانة العامة للحكومة في المغرب فهي جزء من الاختصاصات التي يخولها المشرع الفرنسي لمجلس الدولة، واكتفاء المشرع المغربي بإسناد هذه الاختصاصات لجهاز تابع للحكومة ومكلف بتنظيم العمل الحكومي من شأنه التقليل من فعالية وجودة الرقابة والاستشارة التي يمكن أن يقدمها، فعدم تمتع هذا الجهاز بالاستقلالية في مقابل الحكومة يفرغ عمله من القوة القانونية والمعنوية اللازمة لتعزيز موقفه في مراقبة النصوص القانونية أمام المشاريع المقترحة من القطاعات الحكومية[58]، وفي المقابل يبقى مجلس الدولة كمؤسسة مستقلة تتمتع بطبيعة خاصة يتكامل ويندمج دورها القضائي مع دورها الاستشاري أقدر على مزاولة هذه الاختصاصات خصوصا مع تطبيق مبدأ الاستشارة الإلزامية، مع التحول الذي بدأ يعرفه دورها الاستشاري التشريعي من خلال تقديم المساعدة للبرلمان في مجال التشريع كما رأينا سابقا.
ولا يقتصر دور مجلس الدولة في مجال التشريع على المراقبة القبلية لمشاريع النصوص القانونية وإبداء رأيه حولها فابتداء من سنة 1963 ألزم المشرع الفرنسي المجلس بأن يقدم إلى رئيس الجمهورية والحكومة تقريرا سنويا حول التعديلات ذات الطابع التشريعي أو اللائحي أو الإداري التي يريد المجلس أن يلفت نظر الحكومة إليها، ويمثل هذا التقرير عرضا لعمل الهيئات الإدارية والقضائية المختلفة، بالإضافة إلى أنه يشير إلى الصعوبات التي تعترض تنفيذ أحكام القضاء الإداري، وأخيرا يشير إلى التعديلات التي يرغب مجلس الدولة في لفت نظر الحكومة إليها، وهي وظيفة مكملة للوظيفة السابقة المتعلقة بإنجاز الدراسات تعطي بعدا آخر لدور مجلس الدولة في مجال التشريع[59].
وهذا الإلزام الذي فرضه المشرع الفرنسي على مجلس الدولة قد خالفه المشرع المصري من خلال إعطاء الخيار لرئيس مجلس الدولة في تقديم التقرير السنوي كلما دعت الضرورة لذلك، وهو توجه منتقد من المشرع المصري بالنظر لمحتوى وأهمية التقارير السنوية لمجلس الدولة[60].
المطلب الثالث: دور مؤسسة مجلس الدولة في توحيد الاجتهاد القضائي الإداري المغربي
ينص الفصل 362 من قانون المسطرة المدنية، على أن “ترفع إلى الغرفة الإدارية الطعون بالنقض ضد الأحكام القضائية الصادرة في القضايا التي يكون أحد الأطراف فيها شخصا عموميا، غير أنه يصح أن تبحث و تحكم كل غرفة في القضايا المعروضة على المجلس أيا كان نوعها”[61].
وبمقتضى هذا النص يمكن أن تبث كل غرفة من غرف محكمة النقض سواء كانت غرفة مدنية أو تجارية أو جنائية في المنازعات الإدارية وتحكم فيها، والحقيقة أن مضمون هذا النص القانوني يضرب في العمق مبدأ تخصص القضاء الإداري عند سماحه للقضاء العادي بالبث في المنازعات الإدارية على مستوى أعلى هيئة قضائية إدارية وطنية وهي محكمة النقض، ويجعل اختيار المشرع للقضاء الإداري كقضاء متخصص منذ إنشاء المحاكم الإدارية بتاريخ 1993 ومحاكم الاستئناف الإدارية سنة 2006 موضع سؤال، بحيث يظهر مبدأ التخصص على مستوى القاعدة ليعود للاختفاء على مستوى القمة، وهو بذلك يخالف المنهج الذي اعتمده المشرع الفرنسي حيث بدأ التأسيس لمبدأ التخصص من القمة إلى القاعدة، حيث سبق تأسيس مجلس الدولة المحاكم الإدارية.
ويبدو أن الحاجة إلى تكريس مبدأ التخصص على مستوى القمة تعد أكثر أهمية نظرا لما تمتلكه المحاكم العليا من رمزية بالنسبة لبقية المحاكم، بحيث في الغالب تتبع المحاكم الإدارية التوجهات الكبرى التي تتبناها الغرفة الإدارية لمحكمة النقض، وإذا كان مقبولا بالنسبة لبقية غرف محكمة النقض البحث والحكم في كل قضية معروضة على المحكمة بالنظر إلى أن القضاء في المادة التجارية والجنائية والمدنية وغيرها يستند إلى تقنين موجود يتضمن المبادئ الأساسية وكذلك القواعد التفصيلية التي يمكن تطبيقها على كل منازعة، فإن الأمر يختلف في المادة الإدارية نظرا لغياب تقنين مكتوب، مما يجعل مهمة القاضي الإداري مهمة دقيقة تتجاوز تطبيق النصوص القانونية كما سنرى، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه بالنسبة لمحكمة النقض كأعلى هيئة قضائية إدارية في ظل تدخل بقية الغرف المكونة للمحكمة في المنازعات الإدارية.
ووجود مجلس الدولة على رأس الهرم القضائي الإداري المغربي من شأنه إتمام مبدأ التخصص الذي اختاره المشرع المغربي، مما من شأنه أن يساهم في ابتكار اجتهادات خلاقة تغني حقل القضاء الإداري المغربي، فاحتكاك هذه المؤسسة المستمر بالإدارة كما رأينا سابقا من خلال وظيفتها الاستشارية الإدارية، يجعلها أكثر معرفة بمشاكل الإدارة وخبايا العمل الإداري وأكثر اضطلاعا على ظروف عملها ومحيط هذا العمل، وهو الأمر الذي لا يتاح للغرفة الإدارية بمحكمة النقض التي تحمل الصبغة القضائية المحضة، مما يجعلها محكمة يتركز جل اهتمامها بالفصل في النزاع المعروض عليها.
وتزداد الحاجة إلى توحيد الاجتهاد القضائي الإداري وابتكار وتكريس مجموعة من الحلول والمبادئ التي عجز المشرع عن وضعها بموجب نصوص قانونية عن طريق مجلس الدولة في القضاء الإداري عموما والقضاء الإداري المغربي خصوصا كمؤسسة على قمة الهرم القضائي الإداري تمتلك من الرمزية ما يؤهلها لذلك نظرا لعدة أسباب أهمها عدم تقنين القانون الإداري.
ويقصد بالتقنين عملية تجميع القواعد الخاصة بفرع من فروع القانون في كتاب واحد بعد أن تبوب وتنسق ويرفع ما يكون بينها من تضارب وتعارض، وتقوم السلطة التشريعية المختصة بإصداره في شكل تشريع، كما يقصد به قيام المشرع الرسمي بإصدار مجموعة تشريعية تضم المبادئ والأحكام الأساسية، وكذلك القواعد التفصيلية المتصلة بفرع من فروع القانون، وبناء على هذا التحديد فالقانون المدني يجمع موضوعاته تقنين واحد يشمل المبادئ الأساسية وأيضا القواعد المتصلة بالموضوعات المختلفة للقانون المدني، كذلك نفس الشيء بالنسبة للقانون التجاري والقانون الجنائي، غير أن القانون الإداري في كل البلاد ومنها فرنسا مهد هذا القانون ليس مقننا، ويبدو أنه يكاد يكون مستحيلا في أي بلد وضع مثل هذا التقنين الشامل[62].
وللتقنين عدة مزايا لكونه يرد مكتوبا حيث يصاغ مضمون القاعدة القانونية صياغة محكمة يقوم بها من هو متخصص في ذلك، مما يجعلها واضحة لا تثير معرفتها أو الوقوف عليها أية منازعات، الأمر الذي يجعل الأفراد يعرفون على هديها ما لهم وما عليهم، فيسود الأمن في الجماعة، وتستقر المعاملات[63].
إضافة إلى ذلك يسهل التقنين مهمة المشتغلين بتطبيق القانون ودراسته، فمن اليسير على القاضي أو على الباحث أن يقف على أي قاعدة من قواعد القانون المدني، وذلك بمجرد رجوعه إلى المجموعة المدنية وإلى تقسيماتها الواضحة والحلول التي أتت بها بالنسبة لكل ما يعرض من مشاكل[64]، وقد وضعت مختلف الدول ومن بينها المغرب تقنينات للقانون المدني والمسطرة المدنية والجنائية إلا أن القانون الإداري بقي في المغرب ومصر وفرنسا قانونا غير مقنن وذلك لعدة أسباب.
1-حداثة نشأة القانون الإداري
يرجع القانون المدني مثلا بجذوره إلى تاريخ بعيد، حيث أنه الوريث الطبيعي لأفكار ومبادئ القانون الروماني، كما تمتد بعض جذوره في التشريع الوطني إلى الفقه المالكي، في حين يبقى القانون الإداري حديث النشأة وذلك لعدة أسباب.
أ- حداثة ظاهرة تأسيس السلطة وانفصال الدولة عن شخصية الحاكم
بحيث كانت السلطة في العصور القديمة ذات طابع شخصي، وبالتالي كانت محصنة ضد كل أنواع الرقابة[65].
أما ظاهرة تأسيس السلطة وانفصالها عن شخصية الحاكم فهي ظاهرة حديثة بدأت مع الاعتراف للدولة والأشخاص الإدارية العامة الأخرى بالشخصية القانونية، حينذاك أمكن قيام مبدأ احترام الإدارة وخضوعها للقانون، وفي هذا الإطار الذي يلزم الإدارة باحترام القانون يمكن الحديث عن قانون إداري بحيث لا يمكن الحديث عنه قبل ذلك[66].
ت-حداثة ظهور الوحدات الإدارية المستقلة
ويسجل الباحثون أن نشأة الوحدات الإدارية المستقلة بنوعيها المحلي والمرفقي أمر حديث النشأة بعد أن تم الأخذ بنظام اللامركزية الإدارية في المجالين المحلي والمرفقي، وذلك نتيجة تدخل الدولة في مجالات النشاط الاجتماعي وتنوع أهدافها مما يعجزها منفردة عن القيام بكل ذلك.
حيث أن ظهور هذه الوحدات ذات الشخصية المعنوية المستقلة عن الدولة ساهم في ظهور القانون الإداري حتى يحكمها من حيث علاقاتها ببعضها، وعلاقاتها بالدولة، ويبين وسائل تنظيمها، وأوجه نشاطها، وأساليب ممارسته[67].
ث-حداثة نشأة مجلس الدولة
بحيث أن نشأة القانون الإداري في كل من فرنسا ومصر لم يكتب له أن يرى النور إلا بعد نشأة قضاء إداري متميز ومستقل، ففي فرنسا مهد القانون الإداري لم يبدأ هذا الأخير في الظهور بوصفه قانونا متميزا ومستقلا عن القانون المدني له مبادئه وأصوله المختلفة عن قواعد وأحكام القانون الخاص إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كما أن النظريات الأساسية في هذا القانون كنظرية المرفق العام والعقد الإداري والقرار الإداري لم تتضح معالمها وترسم حدودها إلا بعد أن طور مجلس الدولة الفرنسي أحكامه واستقرت هذه الأحكام وأمكن استخلاص النظريات الرئيسية في القانون الإداري منها، وفي مصر لم ينشأ القانون الإداري إلا بعد إنشاء مجلس الدولة عام 1946، وبذلك يمكن القول أن حداثة نشأة القانون الإداري ترجع بالدرجة الأولى إلى حداثة نشأة القضاء الإداري الذي هو المصدر الأساسي لقواعده وأحكامه[68].
2-مرونة القانون الإداري وتطوره السريع
يتميز القانون الإداري بكونه شديد الحساسية لما يجري في المجتمع من تطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ولما كانت هذه التطورات مستمرة، كان من اللازم أن تظل أحكام ومبادئ القانون الإداري قابلة للتطور السريع، لكي تكون متجاوبة مع الظروف المتغيرة، فتزايد تدخل الدولة في مختلف أنشطة الأفراد أدى إلى ظهور مرافق عامة جديدة ذات طبيعة تجارية وصناعية والتي تديرها السلطات الإدارية المركزية واللامركزية، بحيث اقتضى تسيير تلك المرافق تنظيمات إدارية جديدة تتلاءم مع أنشطتها الجديدة، مما سمح بظهور جانب اقتصادي في قواعد القانون الإداري يتميز بقبول تطبيق قواعد القانون الخاص المدني والتجاري على كثير من أوجه نشاط هذه المرافق، حتى تنجح في المنافسة مع القطاع الخاص[69].
وقد لاحظ الدكتور ثروت بدوي أن هذه المرونة وهذه القابلية للتطور السريع “قد تؤثران في القيمة المعنوية لقواعد القانون الإداري، وثقة الناس بها واحترامهم لها، ذلك أن القانون من خصائصه الثبات والاستقرار والعمومية، وأن تحقيق العدل والمساواة بين الناس لن يكون كاملا إلا إذا كان القانون واحدا وعاما من ناحية، وقواعده واضحة ومعروفة من ناحية أخرى، ولاشك في أن مرونة القانون الإداري وتطوره السريع قد تؤثران على هذه القيم، فالمرونة تتنافى مع الوضوح والثبات، والتطور السريع يحول دون إكمال الإلمام الدائم بقواعد القانون الإداري، ولا شك أن قدم القاعدة القانونية يكسبها مزيدا من الاحترام والهيبة لدى الجمهور، كما أنه لا سبيل إلى تحقيق العدل ما لم يكن القانون عاما وواضحا ومعروفا لدى الكافة، وقد قيل بحق إن قواعد القانون الإداري تكاد تكون سرية، نظرا لأن الجانب الأكبر من هذه القواعد مصدره أحكام القضاء، وهذه لا يمكن معرفتها وفهمها إلى للقلة من القانونيين المختصين في هذا الفرع من فروع القانون، ومن ثم تظل كثير من هذه القواعد مجهولة لغير قليل من الأفراد”[70].
ومع ذلك يجب القول بأن التطور ليس خاصية ذاتية للقانون الإداري، حيث أن القانون بصفة عامة متطور بطبيعته لأن تنظيم العلاقات الاجتماعية، وهي بطبيعتها متطورة ومتغيرة، يحتم أن تكون القواعد المنظمة لها متطورة، وإن كان القانون الإداري أكثر تطورا واستجابة إلى المتغيرات التي تحدث في شتى نواحي الحياة[71].
3-تناثر التشريعات الإدارية
بحيث قد نجم عن عدم تقنين القانون الإداري تبعثر وتناثر القواعد القانونية التي تشكل جزءا من القانون الإداري في تشريعات عديدة منها الدستور والقانون العادي واللائحة أو المرسوم.
أ-الدستور
وهو القانون الأساسي في الدولة وتحتل قواعده قمة النظام القانوني، مما يحتم على الجميع من حكام ومحكومين احترام قواعده وعدم الخروج عنها، وفي الغالب لا تقتصر الدساتير على تنظيم سلط الدولة وشكلها والفصل بينها بل تتضمن أحكاما وقواعد تكون جزءا من القانون الإداري.
فالدستور المغربي ل 2011 مثلا تضمن العديد من المبادئ المتعلقة بتنظيم الإدارة المحلية وتقسيماتها، فقد تضمن الباب التاسع المعنون ب الجهات والجماعات الترابية الأخرى من الفصل 135 إلى الفصل 144 تحديد الجماعات الترابية للمملكة وطريقة انتخابها وتسيير شؤونها، وطريقة إحداثها كما تضمن أهم المبادئ المرتكز عليها في التدبير كالتدبير الحر ومبدأ التعاون والتضامن وتأمين مشاركة السكان في تدبير شؤونهم، ومبدأ التفريع كما بين الاختصاصات الممارسة من طرف هذه الجماعات الترابية والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة[72]، كما بين الفصل الأول من الدستور شكل التنظيم الترابي للمملكة وهو تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.
كما حددت الفصول من 154 إلى 158 المبادئ التي تقوم عليها المرافق العامة في التسيير وطرق تعاملها مع المرتفقين بما يضمن تلقي مقترحاتهم وتظلماتهم وتتبعها[73].
كما تطرق دستور 2011 لمجال دعاوى القضاء الإداري {الإلغاء والتعويض} من خلال الفصل 122 المتعلق بالتعويض عن الخطأ القضائي الذي جاء فيه “يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة”[74]، والفصل 118 المتعلق بمجال القرارات الإدارية التي يمكن الطعن فيها الذي جاء فيه “كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة الإدارية القضائية المختصة”[75].
ب-التشريع العادي
وتأتي قواعد القانون في المرتبة الثانية بعد القواعد الدستورية من حيث القوة الإلزامية وتعرف القواعد القانونية المتعلقة بالإدارة تبعثرا بين النصوص القانونية المختلفة، فقواعد المسؤولية الإدارية في النظام القانوني المغربي توجد في القانون المدني فقد نصت المادة 79 من قانون الالتزامات والعقود على أن “الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها، وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها” [76]كما نصت المادة 80 على أن “مستخدمي الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم، ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها”[77].
كما نظم القانون 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية، واختصاصات هذه الأخيرة، وشروط الطعن في القرارات الإدارية أمام هذه المحاكم، واختصاصاتها فيما يتعلق بتحصيل الضرائب وتحصيل الديون المستحقة للخزينة ونزع الملكية لأغراض المنفعة العامة، والمعاشات[78].
وتناثر هذه التشريعات لا يخص القانون المغربي فقط فالمشرع المصري يعرف كذلك هذه الظاهرة بحيث تتفرق القوانين المعالجة للموضوعات الإدارية داخل قوانين خاصة مثل قانون نزع الملكية لأغراض المنفعة العامة، وقانون التزام المرافق العامة، وقانون الإدارة المحلية، وقانون تنظيم الجامعات، ونفس الشيء بالنسبة للقانون اللبناني، وهو الأمر الذي يجعل مهمة الباحث عن حكم القانون دقيقة وصعبة[79].
ج-اللوائح أو المراسيم
ويشمل موضوع المراسيم التنظيمية إنشاء وتنظيم وسير أو إلغاء المرافق العامة والمقصود بالمرافق العامة هنا مختلف الوزارات والمصالح والإدارات المركزية والوحدات اللاممركزة التابعة لها، وبالنظر لما تشمله هذه المراسيم واللوائح من مقتضيات منظمة لعمل المرافق العامة فهي من المصادر المهمة للقانون الإداري، فبالرغم من طبيعتها الخاصة التي تجعلها في مرتبة وسط بين القوانين والقرارات الإدارية كما رأينا سابقا في المطلب الأول، فالإدارة ملزمة باحترام المراسيم في تصرفاتها باعتبار هذه الأخيرة جزءا لا يتجزأ من مبدأ المشروعية.
وقد نتج عن تبعثر التشريعات الإدارية أن للقاضي الإداري دورا رئيسيا في خلق وابتداع أحكام ومبادئ القانون الإداري، صحيح أن دوره الأصلي مثله في ذلك مثل القاضي المدني هو فض المنازعات إلى أنه في غيبة التقنين الإداري وتبعثر التشريعات الإدارية وغموض النصوص القانونية، لا مناص من قيام القاضي الإداري بابتداع الحل المناسب لطبيعة المنازعة الإدارية، والذي يحقق التوازن بين المصلحة العامة وحقوق الأفراد[80]، وهو بذلك يقوم بدور إنشائي خلاق في وضع نظريات وقواعد القانون الإداري ومبادئه الجوهرية، وهي القواعد والموضوعات التي ينظمها المشرع عادة[81].
ويؤكد الدكتور مصطفى أبو زيد على الدور الجوهري للقضاء الإداري بين مصادر هذا القانون، بل إنه “من حيث الأهمية يأتي في مقدمة المصادر، ذلك لأن الأصول العامة والنظريات الكبرى في القانون الإداري كنظرية القرارات الإدارية ونظرية العقود الإدارية، والمسؤولية الإدارية والأموال العامة، والطعن بالإلغاء، كلها من خلق مجلس الدولة الفرنسي وابتداعاته على امتداد فترة طويلة من الزمان، ويبرز هذه المكانة للقضاء الإداري قائلا “إن القانون الإداري قانون غير مقنن، فنظرياته الكبرى لم يتضمنها تشريع ينظم كلا منها، فلم يكن هنالك مفر من أن يتولى مجلس الدولة هذه المهمة التي أصبحت، بحكم الضرورة مغايرة لمهمة القاضي المدني، ذلك أن هذا الأخير يجد أمامه المجموعة المدنية، تشريعا كاملا فتنحصر مهمته في التطبيق والتفسير دون أن يكون هناك مجال للخلق والإبداع، ومجلس الدولة من خلال عمله لا يصدر لائحة أو قانونا، ولا يدعي لنفسه ذلك، إنه يصدر حكما، يصوغ عباراته وكأنه موجه لطرفي الخصومة فحسب، ولكن الباحث المتخصص يدرك في هذه القضية أو تلك أن الحكم الصادر فيها هو من الأحكام ذات المبادئ التي وضعت مبدأ جديدا أو أكدت على مبدأ سابق”[82].
ولقيام القضاء الإداري بهذا الدور الهام لا مناص من تحقق استقلاله كقضاء متميز على المستوى المؤسساتي، فالقضاء الإداري المغربي حاليا دون وجود مجلس الدولة على رأس الهرم القضائي الإداري يبقى بعيدا عن الدور الذي يناط بهذا القضاء كواضع للحلول والمبادئ العامة التي عجز المشرع عن وضعها، بحيث تبقى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض رغم بعض الاجتهادات الخلاقة التي ساهمت في إرساء قواعد القضاء الإداري كقضاء متخصص دون مستوى الأدوار المقدمة من طرف مجلس الدولة في الأنظمة المقارنة التي عرضناها سابقا.
يذهب الأستاذ حسن صحيب في إحدى مقالاته إلى أن القاضي الإداري المغربي كالقاضي المدني في أحسن الأحوال يطبق النص القانوني من خلال تأويل مقتضياته دون الخروج عن روحه مما يجعل دوره في التشريع ثانويا، وذلك بعكس مجلس الدولة الفرنسي بحيث سمحت السلطات الواسعة التي تمتع بها هذا الأخير واستقلاله المتزايد للقاضي الإداري بخلق العديد من المبادئ القانونية والإسهام في تدوين عدة نصوص قانونية، وهو الأمر الذي جعل المشرع المغربي يختصر هذه المسافة بتدوين هذه الاجتهادات كنصوص قانونية ضمن تشريعاته في المادة الإدارية دون أن تكون هذه القواعد منبثقة من اجتهادات قضائية عايشها القضاء الإداري المغربي من خلال نوازل عمل على الفصل فيها[83].
ومن التطبيقات القضائية التي يمكن استخدامها لإثبات وجاهة هذا الطرح في الاجتهاد القضائي المغربي، والتي يقف فيها القاضي الإداري على حرفية النص القانوني دون حتى إمكانية التأويل، تطبيقه للمسؤولية الإدارية للدولة عن الاعتقال الاحتياطي التعسفي، فقد جاء في قرار محكمة النقض عدد عدد:89ِِ/3 المؤرخ في 04/10/2018، ملف إداري عدد:2727/4/3/2016، “لكن و كما ذهبت إلى ذلك عن صواب محكمة الاستئناف الإدارية فإن مسؤولية الدولة المغربية عن الخطأ القضائي يقتضي البحث عن أركان المسؤولية وهي ثبوت خطأ من طرف قاضي التحقيق وضرر لحق بالطالب وعلاقة سببية بين هذا الخطأ والضر”، يتضح أن القاضي الإداري المغربي يقر بإمكانية انعقاد مسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي باعتباره عملا قضائيا ينطبق عليه المبدأ العام لمسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية الذي أسس له الفصل 122 من الدستور[84]، لكن المحكمة من خلال هذا التعليل قد قيدت انعقاد هذا النوع من المسؤولية بوجود خطأ قضائي منسوب إلى قاضي التحقيق، وهو الأمر الذي نفته المحكمة بحجة أن هذا الأخير قد باشر عمله استنادا لملتمس مقدم من الوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة بناء على أمر كتابي من طرف وزير العدل، وأن كافة الإجراءات التي باشرها قاضي التحقيق في النازلة مستمدة من مقتضيات الفصول 9 و11و 12 من الظهير الشريف رقم: 1.72.157 بتاريخ 6 أكتوبر 1972 المنظم لمحكمة العدل الخاصة، وأن تدبير الاعتقال الاحتياطي هو سلطة خولها المشرع لقاضي التحقيق تبعا للمعطيات الواردة في وثائق الملف نافية بذلك وجود عنصر الخطأ في عمل قاضي التحقيق وبالتالي عدم إمكانية انعقاد مسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي رغم وجود ضرر لحق المدعي من جراء اعتقاله ووجود علاقة سببية بين فعل سلطة التحقيق والضرر الذي لحق به ببقائه مدة خمسة أشهر وثلاثة أيام رهن الاعتقال، وصدور حكم ببراءته من التهم المنسوبة إليه[85].
بحيث التزمت محكمة النقض في تعليل قرارها على التطبيق الحرفي لنص الفصل 122 من الدستور”يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة” والذي يشترط حسب رأي المحكمة لإمكانية الحصول على التعويض وقيام مسؤولية الدولة وجود خطأ قضائي.
وهو التوجه الذي ظلت محكمة النقض مصرة عليه من خلال قرارها مؤخرا رقم:503/4 بتاريخ 20/10/2020، ملف إداري رقم:3668/4/3/2019 حيث ذهبت إلى “أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ألغت الحكم الابتدائي فإنها استندت في ذلك إلى أن متابعة النيابة العامة للمتهم {الطالب} إنما تمت في إطار الإجراءات والمساطر المنصوص عليها قانونا، وأن الحكم فيما بعد ببراءته من التهم المنسوبة إليه لا يمكن أن تعتبر معه السلطة القضائية التي بثت في ملف المتابعة المتعلقة به قد تصرفت خرقا للقانون أو القول بكونها ارتكبت خطأ قضائيا موجبا للتعويض المطالب به”[86].
والواقع أنه يمكن تطبيق الاستنتاج بمفهوم المخالفة للرد على هذا التعليل الأخير لنقول إذا كان الحكم ببراءة الطالب لا يمكن أن تعتبر معه السلطة القضائية التي بثت في ملف المتابعة المتعلقة به قد تصرفت خرقا للقانون أو القول بكونها ارتكبت خطأ قضائيا لكون متابعة النيابة العامة للمتهم {الطالب} إنما تمت في إطار الإجراءات والمساطر المنصوص عليها قانونا فإن الحكم من جهة أخرى بإدانة الطالب لا يمكن اعتباره كشفا أكيدا عن مشروعية الإجراءات التي باشرتها السلطة القضائية التي بثت في ملف المتابعة المتعلقة به وعدم ثبوت خطأ من جانبها[87].
بمعنى في كلا الحالتين يبقى احتمال الخطأ وعدمه واردا ولا يمكن نفيه قطعا سواء بإدانة الطالب أو براءته لذلك فلا يمكن التعويل على هذا النوع من التعليل الذي ينطوي على الاحتمالات ويكون من المفيد إهمال التركيز على سبب الضرر هل هو وجود خطأ من عدمه بالتركيز على النتيجة وهي الضرر الحاصل، وذلك بترك ما هو محتمل وهو الخطأ والتركيز على ما هو ظاهر وأكيد وهو الضرر الذي وقع على المعتقل الذي ثبتت براءته بعد قضائه مدة 69 يوما رهن الاعتقال الاحتياطي، وهو جوهر نظرية مسؤولية الدولة على أساس المخاطر، بحيث يتم الاكتفاء بوجود عنصر الضرر وفعل الدولة وهو هنا إجراءات التحقيق والمتابعة وعلاقة سببية بين الفعل والضرر دون إرهاق المتضرر بإثبات وجود خطأ منسوب إلى السلطة القضائية[88].
فمن المعروف أن التوجهات الحديثة في قواعد المسؤولية الإدارية قد تجاوزت أسس المسؤولية المدنية المبنية على ثلاثية الخطأ الضرر العلاقة السببية وذلك بالاكتفاء بالعنصرين الأخيرين دون العنصر الأول وتعويضه بعنصر المخاطر المؤسس بدوره على مبدأ التضامن الاجتماعي والمساواة أمام الأعباء العامة، خاصة عندما يتجلى الضرر واضحا بينا، ويستند المتضرر على مبدأ قوي يكفل حقا تم الاعتداء عليه وهو الحق في الحرية المحصن بمبدأ قرينة البراءة، هذه البراءة التي نالها المتضرر بموجب مقرر قضائي يتمتع بحجية الشيء المقضي به[89].
فالقاضي الإداري المغربي لم يستطع تجاوز الشرط الذي وضعه المشرع وهو عنصر الخطأ هنا كقيد لا يمكن الإفلات منه عند تطبيق هذا النوع من المسؤولية، رغم كونه قد طبق المسؤولية الإدارية بالاستغناء عن عنصر الخطأ في اجتهادات سابقة متعلقة بمسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية[90]، وهو ما يمكن تفسيره بكون القاضي الإداري المغربي لا يشعر بكونه يمكن أن يكون مصدرا من مصادر القواعد القانونية، فهو في أحسن الأحوال يطبق النص القانوني من خلال تفسير مقتضياته دون الولوج إلى روح النص مما يجعل دوره في التشريع ثانويا حسب تعبير الأستاذ حسن صحيب الذي عرضناه أعلاه.
و ختاما فإن عدم إتمام مبدأ تخصص القضاء الإداري المغربي بإنشاء مؤسسة مجلس الدولة على رأس الهيئات القضائية الإدارية يساهم بشكل كبير في تقزيم دوره كمنشئ للقواعد القانونية وهو ما يمكن أن ينعكس بشكل سلبي على التشريعات الإدارية الوطنية بالنظر لخصوصيات القانون الإداري كقانون غير مقنن يحتل دور القضاء الإداري فيه مكانة الصدارة مقارنة بفروع القانون الأخرى، فحسب تعبير الفقيه الإداري فيديل،”لو أننا ألغينا بجرة قلم التقنين المدني، فإنه لن يوجد قانون مدني، لأن الحلول القضائية سوف تفقد الأساس الذي استندت عليه، ولكن إذا نحن ألغينا التشريعات الإدارية بجرة قلم باستثناء القاعدة التي تأسس وجود القضاء الإداري، فإن النظريات الجوهرية للقانون الإداري ستبقى برغم إلغاء التشريعات، وذلك لأن القضاء قد استخلص القواعد الأساسية للقانون الإداري دون الاستناد إلى النصوص”.[91]
لائحة المراجع
كتب
الحبيب الدقاق، العمل التشريعي للبرلمان أية حكامة، دراسة نقدية في القانون البرلماني والممارسة التشريعية بالمغرب مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2009
حسين عثمان محمد عثمان، أصول القانون الإداري، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، سنة 2010.
سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، سنة 1957.
عصمت عبد المجيد بكر، مجلس الدولة، دراسة قانونية مقارنة عن مجلس الدولة والهيئات التي تتولى القضاء الإداري وتقديم الاستشارات والفتاوى القانونية وإعداد التشريعات وصياغتها في الدول العربية وتركيا وفرنسا، طبعة 2011، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 2011.
منصور محمد أحمد، دور مجلس الدولة في المجال التشريعي، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع، 32 شارع عبد الخالق ثروت، سنة 2007.
محمد باهي أبو يونس، الضوابط الدستورية للوظيفة اللائحية التنفيذية، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة للنشر،الإسكندرية، سنة 2008.
محمد رفعت عبد الوهاب، النظرية العامة للقانون الإداري، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، سنة 2012.
دوريات
جمال العزوزي، مسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي بين حرفية النص الدستوري والاجتهاد القضائي المغربي، {تعليق على قرار محكمة النقض عدد:89ِِ/3 المؤرخ في 04/10/2018، ملف إداري عدد:2727/4/3/2016}، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد، 156، يناير/فبراير 2021.
حسن صحيب، الاجتهاد القضائي وإنشاء قواعد القانون الإداري المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد،155، نونبر-دجنبر 2020.
هشام إدريسي، القانون والتنظيم في الدستور المغربي، دراسة تحليلية في المفهوم والاختصاص، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد: 72-73 ، يناير- أبريل 2007.
يوسف بن هبة، تقييم أداء مجلس النواب المغربي في ضوء مستجدات دستور 2011، {الفترة التشريعية 2011-2019}، مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية، صادرة عن المركز الديمقراطي العربي، ألمانيا- برلين، العدد الثامن، أكتوبر 2020.
الرسائل والأطروحات
عبد الغني مريدة، التأويل الدستوري في النظام السياسي المغربي، حالة القاضي الدستوري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد ابن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ظهر المهراز، فاس، السنة الجامعية 2013/2014.
مواقع إلكترونية
- الدستور الفرنسي 1958 شاملا تعديلاته إلى غاية تعديل 2008، الموقع الإلكتروني org
- محمد محمود شوقي،حكم الشق العاجل في إحدى الدعاوى الخاصة بارتداء ملابس البحر الإسلامية على شواطئ فرنسا {البركيني} المستحدث في قضاء مجلس الدولة الفرنسي، العدد الأول، شتنبر 2017 https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2017/3/14
- – جريدة اليوم 24 الإلكترونية، https://alyaoum24.com/164328.html
- – بشار جاهم عجمي، ممارسة الوظيفة التشريعية من قبل السلطة التنفيذية {حالة التفويض التشريعي ولوائح الضرورة} https://www.iasj.net/iasj/article/120162
- – الموقع الإلكتروني للأمانة العامة للحكومة http://www.sgg.gov.ma/arabe/LeSGG/TextesregissantleSGG.aspx
الهوامش:
1- يمارس مجلس الدولة الفرنسي بالنسبة لقسمه القضائي بالإضافة إلى اختصاصاته كمحكمة نقض رقابته على أعمال الإدارة بصفته محكمة استئنافية، وذلك بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية والتي لا يجوز الطعن فيها عن طريق الاستئناف أمام محاكم الاستئناف الإدارية، كما يمارس المجلس اختصاصات بصفته محكمة أول وآخر درجة.
[2] – تم التنصيص على إحداث مجلس الدولة الجزائري بموجب المادة 152 من دستور الجزائر1996 التي جاء فيها”يؤسس مجلس دولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية، كما. تضمن المحكمة العليا ومجلس الدولة توحيد الاجتهاد القضائي فـي جميـع أنحـاء البلد ويسـهران علـى احـترام القانون”.
[3] – جاء في كلمة الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة افتتاح أشغال المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 15 دجنبر 1999 “كما قررنا إحداث محاكم استئناف إدارية في أفق إنشاء مجلس الدولة يتوج الهرم القضائي والإداري لبلادنا حتى تتسنى مواجهة كل أشكال الشطط وحتى يتاح ضمان سيادة الشرعية ودعم الإنصاف بين المتقاضين”، وقد كان دستور 2011 فرصة سامحة للإعلان عن تأسيس مجلس الدولة بالنظر لعدد ونوع المؤسسات الجديدة التي اشتملت عليها فصوله، ونظرا للسياق العام المرتبط بوضعه سواء على المستوى الوطني أو على مستوى العالم العربي.
[4] – استخدم المشرع المغربي تعبير الهيئات القضائية الإدارية في الفقرة الثانية من الفصل 118 من الدستور الذي جاء فيها “كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة”.
[5] – طبقا للفقرة الثانية من الفصل الأول من دستور المملكة المغربية ل 2011 فإن “النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها
وتعاونها…”.
[6] – طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل الأول من دستور المملكة المغربية 2011 فإن “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة”.
[7] – سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دراسة مقارنة، طبعة 1957، دار الفكر العربي، القاهرة،ص:84.
[8] – المادة 38 من الدستور الفرنسي 1958 شاملا تعديلاته إلى غاية تعديل 2008، الموقع الإلكتروني constituteproject.org.
[9] – سليمان محمد الطماوي، مرجع سابق، ص:84.
[10] – ويتم تأسيس هذا الطرح بمقارنتها مع المقررات التنظيمية المستقلة، إذ تستمد هذه الأخيرة مشروعيتها من نص الدستور مباشرة دون وساطة القانون ودون تبعية له كما هو الشأن بالنسبة للمقررات التنظيمية التطبيقية، وقد حدد الفصل 71 من دستور 2011 مجالات القانون وهي 30 مجالا وجاء في الفصل 72 من الدستور “يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون” ولم يعمل المشرع على وضع تعريف للمجال التنظيمي بل اكتفى بحصر مجال القانون المحددة في الفصل 71 في 30 مجالا ليبقى ما دون ذلك من المجالات التي لا تدخل في اختصاص القانون من اختصاصات مجال التنظيم ودون وضع تمييز بين مجال التنظيم التطبيقي ومجال التنظيم المستقل.
[11] – مولاي هشام إدريسي، القانون والتنظيم في الدستور المغربي، دراسة تحليلية في المفهوم والاختصاص، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد: 72-73 ، يناير- أبريل 2007، ص:33.
[12] – مولاي هشام إدريسي، مرجع سابق، ص: 34.
[13] – هذا التوجه أقره مجلس الدولة الفرنسي من خلال قراراته، قرار بتاريخ 03 ماي 1949 في قضية {Bourgoire} وقرار بتاريخ 22 فبراير 1951 في قضية {Rossignol}،أوردهما سليمان الطماوي، مرجع سابق،ص:55.
[14] – منصور محمد أحمد، دور مجلس الدولة في المجال التشريعي، دراسة مقارنة، طبعة 2007، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع، 32 شارع عبد الخالق ثروت، القاهرة ص:75.
[15] – وبالرجوع للمادة 9 من قانون 90-41 المنشأ بموجبه محاكم إدارية، نجدها تنص على “استثناء من أحكام المادة 8 من هذا القانون يظل المجلس الأعلى {محكمة النقض حاليا} مختصا بالبث ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول”، والمشرع المغربي هنا وعيا منه بأهمية هذه المقررات التنظيمية فقد منع على المحاكم الإدارية البث في الطعن الموجه ضدها وجعلها من اختصاص محكمة النقض حاليا {الغرفة الإدارية} باعتبارها تقوم حاليا بدور مجلس الدولة فيما يتعلق بوظيفته القضائية.
[16] – عصمت عبد المجيد بكر، مجلس الدولة، دراسة قانونية مقارنة عن مجلس الدولة والهيئات التي تتولى القضاء الإداري وتقديم الاستشارات والفتاوى القانونية وإعداد التشريعات وصياغتها في الدول العربية وتركيا وفرنسا، طبعة 2011، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، ص 548.
[17] – عصمت عبد المجيد بكر، مرجع سابق، ص: 549.
[18] – المرجع نفسه، ص: 549.
[19] – المرجع نفسه، ص: 550.
[20] – محمد باهي أبو يونس، الضوابط الدستورية للوظيفة اللائحية التنفيذية، دراسة مقارنة، طبعة 2008، دار الجامعة الجديدة للنشر،الإسكندرية، ص،64، 66،72 .
[21] – جاء في الفصل 92 من الدستور المغربي 2011 “يتداول مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة في مراسيم القوانين، مشاريع المراسيم التنظيمية، مشاريع المراسيم المشار إليها في الفصول 65 و 66 و 70 من هذا الدستور”.
[22] – من المفيد الإشارة هنا إلى المقتضى الدستوري المتمثل في الفصل 118 من الدستور المغربي 2011 الذي جاء فيه “كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة الإدارية القضائية المختصة”، بحيث يكرس المشرع رقابة المشروعية على القرارات التنظيمية بموجب مقتضى دستوري لأول مرة، وهنا يطرح السؤال عن سبب تكريس المشرع لهذا النوع من الرقابة القضائية بموجب نص دستوري، حيث قد عمل المشرع على توسيع نطاق دعوى المسؤولية الإدارية عن طريق الفصل 122 من الدستور لتشمل الأعمال أو الأخطاء القضائية حيث نص الفصل 122 على “حق كل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة”، فهل يتعلق الأمر برغبة المشرع لتوسيع نطاق دعوى الإلغاء عن طريق الفصل 118 من الدستور كما فعل مع دعوى المسؤولية الإدارية، على الأقل منعا لكل التباس وإدخال القرارات التنظيمية المتخذة في المجال الإداري المسماة مراسيم ضمن رقابة مبدأ المشروعية.
[23] – تجدر الإشارة أن الكتابات الأكاديمية على المستوى الوطني المتعلقة بموضوع مراقبة مشروعية المراسيم أو الطعن فيها أمام القضاء الإداري شبه منعدمة مقارنة بالدراسات المتعلقة بمراقبة مشروعية باقي القرارات الإدارية، كما أن الاجتهاد القضائي الإداري المتعلق بنفس الموضوع والمنشور عادة في مجلات ورقية أو إلكترونية يعرف ندرة أو انعدام هذا النوع من القرارات أو الأحكام.
[24] – سليمان محمد الطماوي، مرجع سابق،ص:84.
[25] – المرجع نفسه، ص:86.
[26]– المرجع نفسه، ص:86.
[27]– سليمان محمد الطماوي، مرجع سابق، ص:86.
[28] – جاء في المادة 344 من النظام الداخلي لمجلس النواب {بعد صدور قرار المحكمة الدستورية رقم17/65 بتاريخ 30 أكتوبر 2017}، على أنه يمكن لرئيس المجلس، بقرار من المكتب وبناء على طلب من اللجنة الدائمة المعنية، أن يطلب من إحدى المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور باسم هيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية إبداء الرأي بخصوص مضامين مشروع أو مقترح قانون وفق القوانين المنظمة للمؤسسات والهيئات المذكورة، ويمكن أن نستنتج من صياغة المادة 344 أن المجلس غير ملزم بطلب هذه الاستشارة، وهنا يطرح السؤال عن دور هذه المؤسسات الدستورية في صنع السياسات العمومية مع غياب الاستشارة الإلزامية، مع العلم أن جل هذه المؤسسات ذات طبيعة استشارية، وهو الأمر الذي يمكن أن يساهم وجود مؤسسة مجلس الدولة داخل النظام المؤسساتي المغربي في تجاوزه من خلال إصدار فتاوى بضرورة الاستشارة المسبقة لهذه المؤسسات عند إعداد مشاريع القوانين.
[29] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:130.
[30]– سليمان محمد الطماوي، مرجع سابق، ص:86.
[31]– المرجع نفسه، ص:87.
[32] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:100.
[33] – جاء في حيثيات قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 26/08/2016 في إحدى الدعاوى الخاصة بارتداء ملابس البحر الإسلامية على شواطئ فرنسا {البركيني} تم حظر ارتداء الحجاب في فرنسا عام 2004 في الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية، كما حظر ارتداء أي رموز تشير إلى أي ديانة لأنه من المقرر أن يتعلم الطلاب في المدارس قواعد العلمانية، وإنه لا يتناسب دراسة تلك القواعد مع إظهار انتماءات دينية، {محمد محمود شوقي،حكم الشق العاجل في إحدى الدعاوى الخاصة بارتداء ملابس البحر الإسلامية على شواطئ فرنسا {البركيني} المستحدث في قضاء مجلس الدولة الفرنسي، العدد الأول، شتنبر 2017،ص،31}، غير أن القضاء الأوربي عموما بقي متضاربا بخصوص هذه المسألة ففي 06 فبراير 2017 أمر القضاء الإسباني شركة طيران اتخذت إجراء عقابيا بحق موظفة بسبب ارتدائها الحجاب بالتعويض على هذه الموظفة والسماح لها بالعمل وهي محجبة، معتبرا أن ارتداء الحجاب يتعلق بحرية العبادة المصونة في الدستور، واعتبرت محكمة الشؤون الاجتماعية في بالما دي مايوركا أن البند 16 من الدستور الإسباني يضمن الحق في حرية العبادة وبالتالي فهو يسمح لهذه المرأة بأن تغطي شعرها حتى وإن كان غطاء الرأس لا يتفق والزي الرسمي المعتمد في عملها {https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2017/3/14}
[34] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:101.
[35] – المرجع نفسه، ص:101.
[36] – بالرجوع للقانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية ليس هناك مسطرة خاصة لتقديم طلب الاستشارة أو التحكيم من المحكمة الدستورية، باستثناء الاختصاصات الاستشارية الممنوحة لرئيسها بموجب نصوص الدستور، ويتعلق الأمر بالفصل 59 المتعلق باستشارة الملك لرئيس المحكمة الدستورية قبل إعلان حالة الاستثناء، والفصل 96 المتعلق باستشارة الملك لرئيس المحكمة الدستورية قبل حل مجلسي البرلمان، والفصل 104 المتعلق باستشارة رئيس الحكومة لرئيس المحكمة الدستورية قبل حل مجلس النواب، وكذلك ما يمكن أن يفهم من مضمون الفصل 73 من الدستور بحيث “يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، بعد موافقة المحكمة الدستورية إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنفيذية اختصاصاتها”، لذلك تبقى الإمكانية الوحيدة المتاحة ولو كان الغرض والنية من ذلك طلب التحكيم أو الاستشارة من المحكمة الدستورية هي الطعن في دستورية قانون معين.
[37] – عبد الغني مريدة، التأويل الدستوري في النظام السياسي المغربي، حالة القاضي الدستوري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد ابن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ظهر المهراز، فاس، السنة الجامعية 2013/2014، ص:359.
[38] – القرار رقم 628/2006 بتاريخ 20 غشت 2006،الجريدة الرسمية عدد:5438 بتاريخ 21 شتنبر 2006، أورده عبد الغني مريدة، مرجع سابق، ص:359.
[39] – القرار رقم 927/2013 بتاريخ 07 نونبر2013، الجريدة الرسمية عدد:6203 بتاريخ 11 نونبر 2013، أو رده عبد الغني مريدة، مرجع سابق،ص:361.
[40] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:55.
[41] – المرجع نفسه، ص:57.
[42] – حسب ما جاء في مقال لجريدة اليوم 24 الإلكترونية فإن الدولة المغربية تبقى الزبون الأول للمكاتب الاستشارية الوطنية والأجنبية، فهي تنفق سنويا أكثر من 5 مليار درهم في الدراسات الاستشارية والإستراتيجية وتشمل هذه الدراسات كل القطاعات،https://alyaoum24.com/164328.html.
[43] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:06.
[44] – في تحليل مماثل ذهب الأستاذ محمد عيد الغريب، في كتابه المركز القانوني للنيابة العامة، إلى “أن أعمال الإدعاء الصادرة عن النيابة العامة وإن كانت أحد المكونات الأساسية للسلطة القضائية فهو يعتبرها أحد فروع العمل الصادرة من جهة القضاء بمعناه العام، أي من صميم السلطة القضائية وتهدف إلى طرح النزاع على القضاء إلا أنها (أعمال الاتهام) لا تعد أعمالا قضائية بالمعنى الدقيق كتلك الصادرة من القاضي فصلا في نزاع معين، نظرا لكون المحاكم لا تختص تلقائيا أما النيابة العامة فتفصل بالواقعة من تلقاء نفسها، وتعمل على إعداد القضية لمرحلة المحاكمة ثم تحيلها على المحكمة للفصل فيها، فهي إذن وإن لم تكن عملا قضائيا بالمعنى الدقيق، إلا أنها أعمال قضائية بالمعنى العام، {محمد عيد الغريب، المركز القانوني للنيابة العامة، دراسة مقارنة، طبعة 1979، دار الفكر العربي، ص،252}.
- [45] – بشار جاهم عجمي، ممارسة الوظيفة التشريعية من قبل السلطة التنفيذية {حالة التفويض التشريعي و لوائح الضرورة}، https://www.iasj.net/iasj/article/120162،ص:256.
[46] – الحبيب الدقاق، العمل التشريعي للبرلمان أية حكامة، دراسة نقدية في القانون البرلماني و الممارسة التشريعية بالمغرب، طبعة 2009، مطبعة الأمنية، الرباط، ص،248.
[47] – طبقا للفصل 92 من دستور المملكة المغربية 2011 فإن مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، يتداول في مجموعة من القضايا والنصوص من بينها، مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب، دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من هذا الدستور.
[48] – يوسف بن هبة، تقييم أداء مجلس النواب المغربي في ضوء مستجدات دستور 2011، {الفترة التشريعية 2011-2019}، مجلة القانون الدستوري و العلوم الإدارية، صادرة عن المركز الديمقراطي العربي، ألمانيا- برلين، العدد الثامن، أكتوبر 2020، ص:56.
[49] – ينص الفصل 70 من الدستور الحالي في فقرته الثانية “للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، و يجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها، غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها، و يبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما”، و هو حق إضافي ممنوح للسلطة التنفيذية في مجال التشريع تحل بموجبه محل السلطة التشريعية.
[50] – Loi constitutionnelle n° 2008-724 du 23 juillet 2008 de modernisation des institutions de la Ve République. Article 15. L’article 39 de la Constitution est ainsi modifié : « Dans les conditions prévues par la loi, le président d’une assemblée peut soumettre pour avis au Conseil d’État, avant son examen en commission, une proposition de loi déposée par l’un des membres de cette assemblée, sauf si ce dernier s’y oppose. »
JORF n 171 du 24 juillet 2008.
[51] – المادة 39 من الدستور الفرنسي 1958 شاملا تعديلاته إلى غاية تعديل 2008، الموقع الإلكتروني constituteproject.org.
[52] – المادة 37 من الدستور الفرنسي 1958 شاملا تعديلاته إلى غاية تعديل 2008، الموقع الإلكتروني constituteproject.org.
[53] – الفصل 73 من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
[54] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:106.
[55] – المرجع نفسه، ص:108.
[56] – المادة 4 من مرسوم 2.09.677 بتاريخ 19 ماي 2010 يتعلق بتنظيم الأمانة العامة للحكومة، الموقع الإلكتروني للأمانة العامة للحكومة المغربية،http://www.sgg.gov.ma/arabe/LeSGG/TextesregissantleSGG.aspx.
[57] – المادة 2 من مرسوم 2.09.677 بتاريخ 19 ماي 2010 يتعلق بتنظيم الأمانة العامة للحكومة، الموقع الإلكتروني للأمانة العامة للحكومة المغربية،http://www.sgg.gov.ma/arabe/LeSGG/TextesregissantleSGG.aspx.
[58] – في كل من النظام القانوني الفرنسي والجزائري نجد جهاز الأمانة العامة للحكومة الذي يسهر على تنظيم العمل الحكومي، وكلا الدولتين تتوفران على مؤسسة مجلس الدولة في قمة الهرم القضائي الإداري يقوم بوظيفته القضائية بالإضافة لوظائفه الاستشارية والإدارية.
[59] – منصور محمد أحمد، مرجع سابق، ص:45.
[60] – المرجع نفسه، ص:47.
[61] – الفصل 362 من قانون المسطرة المدنية .
[62] – محمد رفعت عبد الوهاب، النظرية العامة للقانون الإداري، طبعة،2012، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، ص،59.
[63] – حسين عثمان محمد عثمان، أصول القانون الإداري، طبعة 2010، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، ص،175.
[64] – المرجع نفسه، ص، 175.
[65] – قد ينتقد البعض هذا الطرح من منطلق وجود قضاء المظالم الذي عرف منذ فجر الإسلام، بحيث يعتبره البعض بكونه اللبنة الأولى لتأسيس القضاء الإداري، وقد اعتبر قضاء المظالم قضاء خاصا منفصلا عن القضاء العادي، يفصل في الخصومات والتظلمات التي يكون أحد طرفيها أو كلاهما من ذوي القوة والجاه والنفوذ.
[66] – حسين عثمان محمد عثمان، مرجع سابق، ص،179.
[67] – المرجع نفسه، ص، 180.
[68] – حسين عثمان محمد عثمان، مرجع سابق، ص،181.
[69] – محمد رفعت عبد الوهاب، مرجع سابق، ص،57.
[70]– حسين عثمان محمد عثمان، مرجع سابق، ص،182.
[71] – المرجع نفسه، ص، 182.
[72] – الفصول الواردة بالباب الرابع المعنون ب”الجهات و الجماعات الترابية الأخرى”، من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
[73] – الفصول الواردة بالباب الثاني عشر المعنون ب” الحكامة الجيدة “، من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
[74] – الفصل 122 من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
[75] – الفصل 118 من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
[76] – المادة 79 من قانون الالتزامات و العقود المغربي.
[77]– المادة 80 من قانون الالتزامات و العقود المغربي.
[78] – أهم الأبواب التي اشتمل عليها القانون 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، الصادر بتنفيذه الظهيـر الشريف رقم 1.91.225 صادر في 22 من ربيع الأول 1414، 10 شتنبر 1993.
[79] – حسين عثمان محمد عثمان، مرجع سابق، ص،195.
[80] – حسين عثمان محمد عثمان، مرجع سابق، ص، 213.
[81] – محمد رفعت عبد الوهاب، مرجع سابق، ص،62.
[82] – حسين عثمان محمد عثمان، مرجع سابق، ص،218 .
[83] – حسن صحيب،الاجتهاد القضائي وإنشاء قواعد القانون الإداري المغربي،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد، 155 ، نونبر-دجنبر 2020، ص،15،17،18.
[84] – جاء في الفصل 122 من الدستور المغربي 2011، “يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة”
[85] – قرار محكمة النقض (الغرفة الإدارية) عدد: 897/3 المؤرخ في 04/10/2018، ملف إداري عدد: 2727/04/03/2016.
[86] – قرار محكمة النقض {الغرفة الإدارية} رقم:503/4 بتاريخ 20/10/2020، ملف إداري رقم:3668/4/3/2019.
[87] – جمال العزوزي،مسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي بين حرفية النص الدستوري والاجتهاد القضائي المغربي، {تعليق على قرار محكمة النقض عدد:89ِِ/3 المؤرخ في 04/10/2018، ملف إداري عدد:2727/4/3/2016}، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد،156، يناير/فبراير 2021، ص، 508.
[88] – المرجع نفسه، ص، 508.
[89] – للتعمق في الموضوع أكثر يرجى مراجعة مقال، جمال العزوزي، المرجع السابق.
[90] – حيث سبق للقاضي الإداري المغربي تبني مبدأ المسؤولية الإدارية بدون خطأ بشكل عام، وطبقها في إطار المسؤولية عن الأعمال القضائية بشكل خاص، بحيث ذهبت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء سابقا في الحكم عدد 865 بتاريخ 15/11/2006 إلى أن “الدولة تكون مسؤولة عن أعمال السلطة القضائية المترتبة عن مسطرة المراجعة، وأن ظهور واقعة أو مستندات جديدة بعد الحكم النهائي بالإدانة لم تكن معروفة من قبل وتثبت براءة المحكوم عليه ترتب الحق في الحصول على تعويض تتحمله الدولة، وأساس التعويض هنا ليس الخطأ بل المخاطر ولا يلزم طالب التعويض بإثبات كون صدور الحكم الملغى يرجع إلى خطأ القضاء”،
{حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، بتاريخ 15/11/2006، العمل القضائي في المنازعات الإدارية، الجزء الثاني، عدد 865، سنة 2009، منشورات مجلة الحقوق المغربية، ص. 65}.
[91] – محمد رفعت عبد الوهاب، مرجع سابق،ص،63.
تعليقات 0