أحمد لنصار: أهمية الأجل المعقول في عقلنة الزمن القضائي
أحمد لنصار باحث في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق أكدال
مقـدمة
يقتضي ضمان الحق في محاكمة عادلة، إلتزام القاضي بحماية هذا الحق من تاريخ تقديم الدعوى، وإلى غاية صدور الحكم وتنفيذه، ذلك أن من ضمانات المحاكمة العادلة، ما هو مرتبط بالحق في الولوج للقضاء وبعضها مصاحب للمحاكمة، وبعضها الآخر متوقف على أجل صدور الحكم، للطعن عليه أو تنفيذه، وتجد هذه المبادئ أساسها في المواثيق والمعاهدات الدولية، ذات الصلة بحقوق الإنسان، التي تبنتها أغلب الدول من خلال ملاءمة دساتيرها وتشريعاتها مع هذه الضمانات.
والمغرب من بين الدول، التي نص دستوره على إلتزام المملكة بحماية حقوق الإنسان، والنهوض بها والإسهام في تطويرها، كما هي متعارف عليها دوليا، وتعهدها بضمان الحق في المحاكمة العادلة، كما جاء في الباب السابع من الدستور المخصص للسلطة القضائية، الذي تضمن بيان حقوق المتقاضين[1] والقواعد الناظمة لسير العدالة.
ويرتبط حماية الحق في المحاكمة العادلة، بالآليات القانونية المتاحة للمتقاضي، التي تجنبه الحرمان أو المساس بهذه الضمانات الكثيرة[2] ومنها الحق في المساواة أمام القضاء، وحق المتقاضي في أن ينظر دعواه قاض محايد ومستقل يمكنه تجريحه عند إخلاله بمبدأ الحياد، أو حتى مخاصمته عند إرتكابه لغش أو تدليس، أثناء قيامه بوظيفته أو بسببها، يخول للمتضرر[3] مطالبة القاضي بالتعويض.
والمؤكد أن ضمانات المحاكمة العادلة، تسري على الدعوى العمومية، كما الدعوى المدنية، إلا أن مقاربتنا لهذا الموضوع الشاسع، ذي الحمولة الحقوقية، سيقتصر فقط على واحدة من هذه الضمانات، نظرا لأهميتها في حماية الزمن القضائي، خاصة في الدعاوى المدنية، وهي الضمانة المتعلقة بوجوب مراعاة القاضي للأجل المعقول سواء في الإجراءات التي يتخذها لتجهيز الدعوى، أو عند إصدار حكمه في القضية، لنقف على أساسها القانوني من جهة، والموانع التي لازالت تعيق تنزيله، والضوابط التي تساهم في تجاوزهذه المعيقات من جهة ثانية.
المطلب الاول: أساس إلتزام المحكمة بالأجل المعقول
يصعب الحديث عن حق الإنسان في التقاضي، إذا لم يكن ولوجه للقضاء، أمرا ميسرا وغير مكلف، لأن تعقيد المساطر وبطئها، إضافة لإرتفاع تكلفة التقاضي، مما يزهد صاحب الحق، في طلب حمايته من القضاء، إلا أن شروط الولوج الى القضاء، قد تكون أحيانا سهلة وبسيطة، ومع ذلك نجد الكثير من النزاعات، لا تجد طريقها إلى القضاء، لإعتقاد أصحابها أن حماية الحقوق بالقضاء، مسلك شائك ومكلف مما يدفعهم لحلها بالوسائل البديلة كالتحكيم والوساطة، وإما أنهم يفضلون التنازل عنها، أو إجراء صلح إضطراري بشأنها.[4]
ويرجع سبب هذا التوجس، إلى بطء سير إجراءات الخصومة، الذي يترتب عنه، طول مدة التقاضي، دون مراعاة لخصوصية القضية، ولا طبيعة الحق المتنازع عليه، ولا ما قد يلحق المتقاضي من ضرر بسبب ذلك، وهذا مرده لإختلال التوازن بين إلتزام المحكمة بتطبيق القانون الموضوعي والإجرائي على النازلة، وبين إلتزامها بالبث فيها داخل أجل معقول.[5]
ذلك لأن إنصاف المتقاضي، لا يتوقف فقط على فصل المحكمة في النزاع، بل يتعين أيضا أن يتم في الوقت المناسب، حتى تتحقق الغاية من اللجوء للقضاء، المتمثلة في حماية حقوق، وتسكين المراكز القانونية لأطراف الخصومة القضائية، وإلا فإن أضرار عديدة ومختلفة[6] قد تلحق بالمتقاضي، إذا لم يتمكن من إستصدار الحكم، إلا بعد مدة طويلة من التقاضي، مما يتعين معه، رصد الأساس القانوني للإلتزام القاضي بالفصل في النزاع خلال أجل معقول، سواء في المواثيق والإتفاقيات الدولية، أو في القانون والتشريع الوطني.
الفقرة الأولى: إلتزام المحكمة بالأجل المعقول في المواثيق الدولية
تكمن الغاية من بت المحكمة في النزاع خلال أجل معقول، في حفظ الزمن القضائي من الهدر ورعايةمصالح الخصوم، وترسيخ ثقة المتقاضي في قدرة القضاء على رد المظالم والحقوق، في وقت وجيز، لذلك حظي مبدأ فصل المحكمة في الدعوى خلال أجل معقول، بإهتمام أغلب المواثيق الدولية، التي إعتبرته إحدى الدعامات المهمة للمحاكمة العادلة.
وهكذا فقد نصت عليه المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي ألزمت تقديم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين، المخولين قانونا بمباشرة الوظائف القضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.
كما تناولته كذلك الإتفاقية الأوربية لحقوق الانسان، في مادتها السادسة التي تعتبر أن لكل شخص الحق في سماع محكمة نزيهة ومستقلة قضيته، بشكل علني وضمن مهلة معقولة، ونصت عليه أيضا المادة الثامنة من الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، التي جاء فيها أن لكل شخص الحق في محاكمة، تتوافر فيها الضمانات الكافية خلال مدة زمنية معقولة، أمام محكمة مستقلة وغير منحازة، ومشكلة طبقا للقانون ونظرا لمكانة هذا المبدأ وأهميته، في حماية الزمن القضائي ومصالح الأطراف، وحتى يتمكن القضاء من أداء وظيفته الدستورية بشكل ناجع وفعال، فقد نص عليه المشرع المغربي، ضمن أحكام الدستور ومقتضيات تشريعه العادي والتنظيمي.
الفقرة الثانية: مظاهرالأجل المعقول في التشريع الوطني
يأتي تنصيص التشريع الوطني، على مبدأ إلتزام المحكمة بالبث في الدعوى، خلال أجل معقول، في سياق إستكمال ضمانات المحاكمة العادلة، كما جاءت في الصكوك الدولية التي صادق عليها المغرب، وإختار ملاءمة قوانينه مع أغلب هذه المواثيق والإتفاقيات الدولية، حتى تصبح جزء من تشريعه الوطني، بدء من أحكام الدستور، بإعتباره القانون الأسمى الذي نصت مادته 120 أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر خلال أجل معقول، ومرورا بما جاء في المادة 45 من النظام الأساسي للقضاة[7]التي إعتبرته إلتزاما يتقيد به القاضي، عند ممارسة مهامه، ومرتبا لمسؤوليته[8] بحيث يكتسي كل إخلال في تطبيقه، وصف الخطأ الجسيم، يسوغ للمجلس توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، وأحيانا أخرى، نجد المشرع التنظيمي، يضفي عليه صبغة الإجراء التحفيزي، الذي يراعى عند البث في ترقية القاضي، وفقا للمقتضيات الواردة في المادة 75 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
كما نص على هذا الإلتزام كذلك المشرع الإجرائ ، ضمن المبادئ العامة لإجراءات التقاضي، في المادة الخامسة من مشروع قانون المسطرة المدنية، التي تستوجب إصدار القاضي لحكمه خلال أجل معقول، كضمانة للتخفيف من بطء العدالة، وتجسيدا لنجاعة العملية القضائية.
إلا أن دلالة الأجل المعقول كمبدأ، لا تخص فقط الأحكام القضائية، بل تسري أيضا على كل الأعمال الإجرائية المأمور بها في الخصومة، والتي يتعين على المحكمة تنفيذها خلال أجل معقول، وهو المقتضى الذي تناولته مدونة الأخلاقيات القضائية[9] بإعتباره عنصرا مكملا للمقتضيات الدستورية والتشريعية، التي تستلزم إصدار الأحكام خلال أجل معقول، ذلك أن إجراءات الخصومة هي جزء من الحكم القضائي، وبالتالي فإن عدم تنفيذها خلال أمد معقول، يؤدي حتما إلى تأخير البت في الدعوى.
ورغم أهمية الفصل في الدعوى خلال أجل معقول، إلا أنه لم يصبح بعد ممارسة أصيلة، في العمل القضائي، الأمر الذي يؤثر سلبا على عقلنة الزمن القضائي، بإعتباره أحد مقومات تحقيق النجاعة القضائية، وذلك لعدة أسباب قانونية وتقنية، يمكن التغلب عليها، حال إلتزام المحكمة بضوابط إعماله.
المطلب الثاني: متطلبات إلتزام المحكمة بالأجل المعقول
يستدعي تقليص مدة التقاضي أمام المحكمة، إلتزامها بإعمال معايير تقنية وقانونية، تساعدها على البت في الدعاوى خلال أجل معقول، لأن واقع العمل القضائي اليوم، يكشف عن أسباب عدة، لازالت تحول دون إعمال المحاكم بشكل كلي لهذا الإلتزام الدستوري، مما يتعين معه النظر في هذه المعيقات، وتحديد طبيعتها وطرح الحلول المناسبة لتجاوزها.
الفقرة الأولى: عوائق البت في الدعوى خلال أجل معقول
يكشف واقع الممارسة القضائية، عن وجود الكثير من المعيقات، التي لازالت تحول دون فصل المحاكم في القضايا المعروضة عليها خلال أجل معقول، منها ما يرتبط ببنية الإدارة القضائية، التي لم تعد مواردها البشرية والتقنية، تساير تدبير النشاط القضائي وتصريفه بالشكل المطلوب، مما يعد عاملارئيسيا في تأخير اصدار الحكم في عديد القضايا، لكن المؤكد أنه ليس السبب الوحيد، لأن للقاضي له دور أيضا في عدم تنزيل هذا المبدأ، مادام أنه ملزم بعدم النطق بالحكم قبل تحريره كاملا[10] إضافة لعدم دراسة القاضي في بعض الحالات للملفات قبل إدراجها بجلسة المناقشة، مما يؤدي إلى تأخيرها دون سبب وجيه.
كما أن العديد من إجراءات التحقيق، التي يتخذها بعض القضاة، لا يتوقف عليها أحيانا كثيرة، البت في الدعوى، إلى غير ذلك من الأسباب التي تصب كلها، في طول مدة التقاضي، رغم الإكراهات المتمثلة في قلة عدد القضاة داخل المحاكم، وهو وضع يفرض على القاضي، الفصل في قضايا كثيرة[11] الشئ الذي يؤثر على جودة الأحكام من جهة، ويؤدي لتراكم وارتفاع عدد الأحكام غير المحررة من جهة ثانية.
هذا دون نسيان دور باقي مساعدي القضاء، من محامين، وكتاب ضبط، و خبراء، ومفوضين قضائيين في بطء العملية القضائية، بحكم الخدمات القانونية والفنية، التي يؤدونها أثناء الدعوى وبعدها، الأمر الذي يجعل مسؤولية مساعدي القضاء عن طول مدة التقاضي قائمة كذلك، وهذا راجع للنقص الحاصل على مستوى القوانين المنظمة لهذه المهن، لا سيما دورهم في تجهيز الدعوى، وتسريع إجراءاتها، وبعد صدور الحكم، زيادة على عدم فاعلية الجزاءات المترتبة عن عدم التقيد، بآجال إنجاز الإجراءات القضائية.
كما تعد مسطرة التبليغ، من الأسباب التي تحول أيضا، دون التعجيل بالبت في الدعاوى المعروضة على المحاكم، لأن بعض طرق التبليغ، باتت تعرقل سير القضايا، نظرا لما تثيره من صعوبات، والمقصود هنا التبليغ عن طريق البريد المضمون، الذي يطرح إشكالات عدة، لأن هذا الإجراء في الغالب يتم بمساعدة الأطراف، وكثيرا ما يستند الطعن على الحكم، على بطلان التبليغ بهذه الوسيلة، إستنادا أحيانا لتوصل المبلغ إليه، بالظرف البريدي فارغا من الإستدعاء، الشئ الذي يحرمه من الحضور جلسة المناقشة لإبداء أوجه دفاعه أمام المحكمة.
وإذا كانت الأسباب التي تحول دون صدور الأحكام خلال أجل معقول، متعددة ومتنوعة، إلا أن جانب منها راجع للتفسير الضيق للنصوص التشريعية الإجرائية، التي تحدد آجالا للبث في بعض القضايا، بسبب عدم إقرانها بجزاءات معينة، عندما تتجاوزها المحكمة، لعدم توافرها على الإمكانيات المادية والبشرية التي تساعدها على التقيد بالآجالات التشريعية، للبت في بعض القضايا، علاوة على تنامي ظاهرة التقاضي بسوء نية، التي تؤدي بدورها لبطء العملية القضائية، فضلا عن تعقيد المساطر القضائية إلى غير ذلكمن الأسباب، التي تحول دون الفصل في الدعاوى خلال أجل معقول.
الفقرة الثانية: ضوابط البت في الدعوى خلال أجل معقول
إذا كان الإجماع قائم على أن العدالة في بلادنا، تعاني أعطاب متنوعة، تغدي إنحدار الثقة في القضاء لاسيما على مستوى صعوبة الولوج المستنير للمحاكم، وتعقيد وبطء المساطر القضائية، فإن تجاوز هذه المعيقات، يرتبط بإيجاد حلول جدرية، نابعة من تشخيص صحيح لعمق هذه الأزمة، حتى يتمكن القضاء من أداء وظيفته ويسترجع المتقاضي ثقته في عدالته، وما يهمنا من هذه الحلول، تلك المتعلقة بتدبير وعقلنة الزمن القضائي وحمايته من الهدر، والمتمثل في إلتزام القاضي بالأجل المعقول، عند البث في الدعوى تبعا لطبيعتها، ما لم يحدد لها المشرع أمدا معينا لإصدار الحكم فيها[12] لأن تطبيق القاضي للمساطر، وتنفيذه للإجراءات، يتعين أيضا ان يتم داخل أجل معقول.[13]
وجدير بالاشارة، أن عقلنة الزمن القضائي، لاتسري فقط على صدور الأحكام، بل تشمل أيضا عقلنة إستعمال طرق الطعن، سدا لذريعة إستعمالها وسيلة، لإطالة أمد التقاضي بسوء نية، إضرارا بالخصم حتى لا يتمكن من تنفيذ الحكم الصادر لفائدته، ويخطأ الوصول للهدف، الذي لجأ من أجله أساسا للقضاء أي حمايته من التعدي، الذي طال مصالحه وحقوقه، الشئ الذي يقتضي ترشيد اللجوء لطرق الطعن وذلك بتوسيع دائرة الأحكام غير المشمولة بنظام الطعن[14] والتي لا يكون لها تأثير على مصالح الخصوم.
ولتجاوز مشكل بطء سير إجراءات الدعوى، ذات التأثير السلبي، على عدم إصدار الأحكام داخل أجل معقول، يمكن توظيف العديد من الضوابط القانونية[15] التي تساعد في بلوغ هذه الغاية، والتي يتعين في كل الاحوال ألا تمس بحق الأطراف في الدفاع[16]، زيادة على وجوب ملاءمتها، وطبيعة القضية المعروضة على المحكمة، فقضايا التحفيظ العقارية مثلا، تختلف من حيث درجة تعقيدها، لأنها تتطلب إستدعاء كل الأطراف المتعرضة، وأحيانا تكون متعددة، والجهة طالبة التحفيظ، وما تستوجبه دعوى التحفيظ، من إجراءات التحقيق، قبل بت المحكمة في الموضوع، عن بعض القضايا التجارية أو المدنية، المرتبطة مثلا بأداء دين ثابث، والتي لا تستوجب من المحكمة القيام بإجراءات طويلة ومعقدة.
ولا يتوقف إلتزام المحكمة بالفصل في الدعوى خلال أجل معقول، على هذه الأمورالقانونية، بل يرتبط كذلك بجوانب فنية وإدارية محضة، منها مراجعة معايير إعداد الخريطة القضائية، بما يضمن التوزيع المعقلن للمحاكم، وإنتشارها في مختلف ربوع تراب المملكة، لأن الخريطة الحالية لازال يهيمن عليها – في الغالب – منطق تقريب القضاء من المتقاضين، الذي ترتب عنه إنشاء محاكم تسجل نشاطا أقل[17] مما تسجله مثيلاتها في مناطق أخرى.
كما يعد إستخدام التكنولوجيا الحديثة في العملية القضائية، عاملا مهما، لقدرته على تقليص مدة التقاضي أمام المحاكم، من خلال إعتماد المحكمة على التبليغ الإلكتروني، في إستدعاء دفاع الأطراف، و تبليغ جميع مساعدي القضاء، بإجراءات الخصومة التي تأمر بها المحكمة، وهذا مشروع كبير تراهن عليه وزارة العدل، يهدف لرقمنة عمل المحاكم[18] إلا أنه لازال يتطلب نشر الوعي بأهميته، ومواكبة التكوين المستمر لأطراف المنظومة القضائية.
ويعد نظام إدارة الدعوى، من الأساليب الرائدة في هذا الباب، للحد من بطء إجراءات التقاضي، لأنه يفصل بين مهمة القيام بتجهيز الدعوى إجرائيا، التي تسند إما للقضاة أو موظفين مؤهلين لذلك، ويدخل ضمن صلاحيتهم إستدعاء الخصوم، وإشعارهم بالإدلاء بالحجج والإثبات الذي تتطلبه الدعوى، وبين مهمة البث في موضوع النزاع، الذي تتولاه المحكمة بعد وصيرورة القضية جاهزة للحكم.
وهكذا نخلص، إلى أن البت في الدعوى خلال أجل معقول، مؤشر ذو أهمية كبيرة، في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة، لأنه يؤثر بشكل إيجابي على حماية الزمن القضائي من الهدر، من خلال تقليص مدة التقاضي، وتخفيض كلفته على الأطراف، الشئ الذي يؤدي إلى ضمان حماية سريعة للحقوق والمصالح محل الدعوى، وهذا من شأنه ترسيخ الثقة في نجاعة وفعالية إجراءات التقاضي، ولعل القرار الصادر عن المجلس الإعلى للسلطة القضائية[19] بتحديد الآجال الإسترشادية للبت في القضايا، ثم الدورية[20] المتعلقة بكيفية تطبيق هذه الآجال مدخل أساسي للإلتزام المحكمة بالفصل في الدعاوى خلال أجل معقول.
الهوامش:
[1] بدء من المادة 117 الى المادة الفصل 128 من الدستور.
[2] جواد أمهمول “المرجع العملي في قانون المسطرة المدنية” مطبعة الأمنية 2021 الرباط ص 23
[3] محسن الصويب “دعوى مخاصمة القاضي في القانون المغربي” مجلة الوقائع القانونية ع 10 أبريل 2021 ص 116
[4] معاد اهراوي “تصريف الملف القضائي في أجل معقول” بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء لسنة 2015- 2017 ص 3.
[5] يعتبر البعض أن عبارة الأجل المعقول هو تعبير غير دقيق ويتسم بالطابع الفضفاض مما يجعل تحقيقه صعبا ويرهن بلوغه على وجود مؤشرات تساعد على تقييم منهج عمل المحكمة في التقيد بهذا المبدأ… ذلك أن تأخير الفصل في القضايا المعروضة على المحاكم دون مسوغ مشروع يعد بمثابة إمتناع ضمني عن الفصل في النزاع لذلك تم إعمال مبدأ إستمرارية المرافق العامة حتى تتمكن المحاكم من تلقي الخصومات القضائية والبث فيها على مدار السنة و منع المشرع على القضاة ممارسة حق الاضراب كما أحدث مؤسسة القضاء المستعجل الذي يمكنه الفصل في الطلبات الوقتية خلال أيام العطل والأعياد أنظر في ذلك: ربيع شندب “شرح أصول المحاكمات المدنية: الدعوى- الإختصاص – الإثبات الخطي” الجزء الأول المؤسسة الحديثة للكتاب الطبعة الأولى لبنان 2011 ص 23 وص 24.
[6] يتجه القضاء المقارن لإقرار مسؤولية الدولة، عن البطء في البث في النزاعات، المعروضة على المحاكم، ومن ذلك ما قررته المحكمة الأروبية لحقوق الإنسان، في حكمها الصار بتاريخ 26-10-2000 في قضية Kudla ضد دولة بولونيا، حيث خلصت =
= المحكمة الى أن من حق المتقاضي اللجوء للمحاكم الوطنية، للتشكي ضد التأخر في صدور الأحكام، والبين من أحكام هذه المحكمة، أنها لا تشترط ثبوت الخطا جسيم، شرطا لإقرار مسؤولية الدولة، عن البث في الدعاوى المعروضة على المحاكم، داخل أجل معقول، وإنما تكتفي بمجرد تأخرها عن إصدارها خلال مدة معقولة، وهو ما قررته في الحكم الصادر عنها في قضية Lutz ضد الدولة الفرنسية بتاريخ 26-03-2002 للتوسع أنظر سعيد صحصاح” مسؤولية الدولة عن التأخر في صدور الأحكام القضائية” مجلة موقع العلوم القانونية www.m. marocdroit.com// http:إطلع عليه بتاريخ 03-11-2023 على الساعة 10:30.
[7] وهذا ما نصت عليه المادة 45 من القانون رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 24 مارس 2016 بالجريدة الرسمية عدد 6456 بتاريخ 14 ابريل 2016 ص 3160 التي جاء فيها” يحرص القاضي على البث في القضايا المعروضة عليه داخل أجل معقول مع مراعاة الأجال المحددة بمقتضى نصوص خاصة.”
[8] وقد نصت المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة” يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، إذا توبع جنائيا أو إرتكب خطأ جسيما، ويعد خطا جسيما الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر في بدء وإنجاز مسطرة الحكم.”
[9] نصت الفقرة الثامنة من المادة 17 من مدونة الأخلاقيات القضائية الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 6967 بتاريخ 08 مارس 2021 الصفحة 1796:” يحرص القاضي على تتبع حسن تنفيذ الإجراءات التي يأمر بها داخل أجل معقول.”
[10] نصت الفقرة الثالثة من المادة 15 من القانون رقم 38-15 المتعلق بالتنظيم القضائي للملكة على أنه:”يجب أن تكون الأحكام معللة تطبيقا لأحكام الفصل 125 من الدستور، كما يجب تحريرها كاملة قبل النطق بها، مع مراعاة ما تقتضيه المساطر بشان تحرير أحكام بعض القضايا الزجرية..”
[11] جاء في الكلمة الإفتتاحية للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة إفتتاح السنة القضائية لسنة 2023 أن حصة كل قاض من قضاة الأحكام قد ناهزت 1700 قضية بمعدل سبعة أحكام في كل يوم عمل.
[12] لأن هناك قضايا حدد لها المشرع أجلا يتعين على المحكمة أن تصدر فيه حكمها، ومنها مثلا دعاوى النفقة التي حدد لها أجل شهر حسب نص المادة 196 من مدونة الأسرة وهو نفس الأجل الذي حدده أيضا للفصل في قضايا القرب عند فشل الصلح بين الأطراف وفقا للمادة 13 من القانون رقم 42 – 10 المتعلق قضاء القرب و ستة أشهر كأجل للحكم في دعاوى التطليق للشقاق كما جاء في المادة 97 من مدونة الأسرة.
[13] نصت الفقرة الثامنة من المادة 17 من مدونة الأخلاقيات القضائية:” يحرص القاضي على تتبع حسن تنفيذ الإجراءات التي يأمر بها داخل أجل معقول.”
[14] رغم أن الطعن على الأحكام يعد من بين ضمانات المحاكمة العادلة إلا أن ممارسته يتعين أن تكون وفق معيار مصلحة الضرر اللاحق بالطرف المحكوم عليه لاسيما في القضايا البسيطة، لأن السماح بالطعن فيها غالبا ما يكون بغاية إطالة مدة النزاع ليس إلا مما يفتح المجال لآستعمال طرق الطعن بسوء نية وهو الأمر الذي يحضرعلى المتقاضي إتيانه، ويبدو أن المشرع قد أخذ به في بعض القضايا كما هو الحال عند صدور الأمر الولائي بقبول الطلب طبقا للفصل 148 من ق.م.م، وعند صدور الأمر بالإذن بالتعدد طبقا للمادة 44 من مدونة الأسرة وما جاءت به المادة 13 من القانون رقم 42- 10 المتعلق بقضاء القرب من عدم قابلية الأحكام الصادرة عن قاضي القرب لأي طعن عادي أو إستثنائي، كما يمنع الطعن بالنقض في قضايا إستيفاء الواجبات الكرائية، أو مراجعتها والتحملات الناتجة عنها، ثم القضايا التي لا تتجاوز قيمة طلباتها عشرون ألف درهم كما ما نصت عليه المادة 353 من قانون المسطرة المدنية إلى غيرها من الحالات الأخرى التي قيد أو منع فيها المشرع إستعمال طرق الطعن
[15] على شاكلة التدابير التي أحدثها المجلس الأروبي لتصريف العدالة داخل أمد معقول، ومن بين هذه التدابير تشكيله للجنة الأروبية لفعالية العدالة (CEPEJ)التي من مهامها ضمان جودة وفعالية الأنظمة القضائية الأروبية من خلال توفير حلول تضمن عدم إخلال المحاكم بأحكام المادة السادسة من الإتفاقية الأروبية لحقوق الإنسان، وقد عملت على توفير مبادئ توجيهية خاصة بمهنيي العدالة =
[16]جاء في قرار لمحكمة النقض:” لئن كان الفصل في الدعوى داخل أجل معقول يعد مظهرا من مظاهر تحقيق العدالة فإن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى حرمان أطراف الدعوى من ممارسة حقوق الدفاع والبين أن الطاعنة تمسكت بأنه تعذر عليها حضور مناقشة جلسة البحث رغم أنها كانت حاضرة خارج القاعة رفقة الشهود إحتراما للإجراءات الإحترازية المفروضة بسبب جائحة كرونا والمحكمة بعدم إستجابتها لطلب إجراء بحث لتمكين الطالبة من محاولة إثبات واقعة المغادرة التلقائية للشغل تكون قد خرقت حقوق الدفاع وعرضت قرارها للنقض” قرار رقم 695 صادر بتاريخ 24-05-2022 في الملف الإجتماعي عدد 817-5-1-2021 منشور بالمنصة الإلكترونية لقرارات محكمة النقض بموقعها الإلكتروني إطلع عليه بتاريخ 20-02-2024 على الساعة الثالثة والنصف زوالا.http//juriscassation.cspj.ma
= تروم تحسين تدبير الزمن القضائي في محاكم دول الإتحاد الأروبي، ومن هذه المبادئ الخطوط التوجيهية لمركز SATURNE)) للمزيد من الإطلاع على خطة العمل الأروبي في هذا الجانب يمكن الرجوع إلى:
Le rapport de la CEPEJ sur l’évaluation du système judicaire européen p.156.
Guide pour la mise en œuvre des outils du centre saturne pour la gestion des délais judicaire.
[17] معاد أهراوي م.س ص 107
[18] يتعلق الأمر بمشروع القانون رقم 21-27 الخاص برقمنة الإجراءات القضائية.
[19] الأمر يتعلق بقرار السيد رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية رقم 1244-7 الصادر بتاريخ 21-12-2023
[20] الدورية رقم 37/23 بتاريخ 21-12-2023 الصادرة عن السيد رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى المسؤولين القضائيين بالمحاكم.