أحكام الوكالة التجارية في التشريع المغربي

مقدمة(*):

نظم المشرع عقد الوكالة بمقتضى ظهير 9 رمضان 1331 الموافق 12 أغسطس 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود[1]، فأفرد له القسم السادس[2]  من الكتاب الثاني[3].

وقد أورد الفصل 879 من قانون الالتزامات والعقود تعريفا لعقد الوكالة يجري على الوجه الآتي: “الوَكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه، ويسوغ إعطاء الوَكالة أيضا لمصلحة الموكل والوكيل، أو لمصلحة الموكل والغير، بل ولمصلحة الغير وحده”.

ولما كان قانون الالتزامات والعقود شريعة عامة بالنسبة لسائر العقود، بما في ذلك عقد الوكالة، سواء كانت مدنية أو تجارية ويطبق على سائر الأفراد سواء كان هؤلاء تجارا أو غير تجار، ما لم يوجد نص خاص في القانون التجاري، فإن الحاجة الشديدة إلى السرعة في المعاملات والتبسيط في المبادلات فضلا عن تطور الصناعة والتجارة وظهور الشركات التجارية الضخمة، اقتضى تزويد المستهلكين بالسلع والخدمات وجود وسيط يسعى إلى هؤلاء المستهلكين ليبرم معهم عقودا لحساب موكله. ومن ثم ظهرت في الوجود ما يسمى بعقود الوساطة التجارية، كما هو الشأن بالنسبة لعقد السمسرة وعقد الوكالة بالعمولة وعقد الوكالة التجارية.

ويعد عقد الوكالة التجارية من أكثر العقود التجارية انتشارا في ميدان الوساطة التجارية. وقد عنى المشرع بتنظيمه فاختصه بالقسم الثاني من الكتاب الرابع[4]  مدونة التجارة[5].

ويثير عقد الوكالة التجارية بعض المشاكل العملية، لاسيما تلك المتعلقة بطبيعته وإثباته واختصاص المحاكم في شأنه، كما يثير مشاكل أخرى بالنسبة للآثار التي تترتب عليه، وانقضائه.

وبناء على ذلك سنحاول في هذا الموضوع المتعلق بالوكالة التجارية، التصدي لتلك المشاكل ومحاولة إعطائها بعض الحلول، وعلى ذلك سنفرد للوكالة التجارية مبحثين، نتناول في المبحث الأول التحديد القانوني لعقد الوكالة التجارية، على أن يعقب ذلك المبحث الثاني الذي يتضمن آثار الوكالة التجارية وكيفية انقضائها.

المبحث الأول:التحديد القانوني لعقد الوكالة التجارية.

نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول تعريف الوكالة التجارية وبيان أطرافها، ثم نتناول في المطلب الثاني كيفية تكوين عقد الوكالة التجارية.

 المطلب الأول: تعريف الوكالة التجاري وبيان أطرافها

نعرف الوكالة التجارية (الفقرة الأولى ) ثم نبين طبيعتها (الفقرة الثانية ).

 الفقرة الأولى : تعريف الوكالة التجارية

تضمنت المادة 393 من مدونة التجارة تعريفا للوكالة التجارية يجري على الوجه الآتي: “الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل، بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة، بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات، وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري آخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك.

يمكن للوكيل التجاري أن يمثل عدة موكلين دون أن يلزم بموافقة أي منهم. غير أنه لا يجوز له أن يمثل عدة مقاولات متنافسة.

لا يمكن للموكل أن يلتزم للوكيل التجاري بضمان حماية مطلقة للزبائن المعهود بهم إليه ضد المنافسة السلبية لباقي وكلائه التجاريين”.

ويتبين من التعريف المتقدم أن للوكالة التجارية أمورا خصائص نجملها في يلي:

(أولا) أن الوكالة التجارية هي عقد ملزم لكل من الوكيل والموكل. ذلك أن الوكيل يلتزم بأن يتفاوض أو يتعاقد بشأن العمليات التجارية باسم ولحساب الموكل، كما يلتزم الموكل بأن يؤدي أجرة عن الأعمال التي يقوم بها الوكيل. بل إن الوكالة التجارية ملزمة للجانبين حتى ولو لم يشترط أجر عن ذلك، إذ أن الموكل ملزم برد ما صرفه في تنفيذ الوكالة التجارية وبتعويضه عما أصابه من ضرر. ولكننا سنرى أن الذي يميز الوكالة التجارية عن الوكالة المدنية هو الأجر.

(ثانيا) أن الوكالة بوجه عام، بما فيها الوكالة التجارية، يكون محلها القيام بتصرف قانوني، أي أن يتفاوض أو يتعاقد باسم ولحساب الموكل، أما إذا كان محل العقد عملا ماديا، فإننا لا نكون بصدد وكالة بل نكون أمام عقد عمل أو عقد مقاولة، وهذا هو المميز الرئيسي ما بين عقد الوكالة وعقد العمل. وهذا هو الذي عنته أيضا الفقرة الأولى من المادة 393 السالفة الذكر عندما نصت على أن “الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل…”. ذلك أن محل العقد إذا كان يتمثل في القيام بعمل مادي، فإن مقتضيات قانون الشغل هي التي تطبق لا مقتضيات عقد الوكالة، سواء تلك المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود أو تلك المنصوص عليها في مدونة التجارة. كما أن الوكالة التجارية تتميز عن عقد العمل في أن الوكيل يعمل مستقلا عن الموكل ولا يكون الموكل مسؤولا مسؤولية التابع عن المتبوع، أما العقد العمل فإن الأجير لا يعمل مستقلا عن المشغل، بل هو يعمل تحت إدارته وإشرافه، أي توجد علاقة تبعية بينهما، كما يكون المشغل مسؤولا مسؤولية التابع عن المتبوع إزاء الغير.

غير أن المشرع أعطى إمكانية “… للأطراف أن يقرروا عدم تطبيق مقتضيات هذا القسم بالنسبة للجزء من العقد المتعلق بالوكالة التجارية وذلك حينما يزاول الوكيل التجاري نشاطه التجاري بصفة تبعية لعقد آخر ذي موضوع رئيسي مختلف …”[6]. ولكن المشرع اعتبر “مثل هذا الشرط باطلا إذا تبين من تنفيذ العقد ما يفيد أن موضوعه الرئيسي هو في الواقع الوكالة التجارية”.

(ثالثا) أن الوكيل التجاري يعمل باسم ولحساب الموكل. وإذا كانت القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود لم تحدد طرفا يعمل الوكيل باسمه، فيسوغ أن يعمل باسم الموكل، وهذا هو الغالب، أو باسمه الشخصي كما في حالة الاسم المستعار أو الوكالة بالعمولة، فإن نص المادة 393 من مدونة التجارة كانت واضحة في أن الوكيل التجاري يجب أن يعمل باسم الموكل ولحسابه إلا كنا بصدد التعاقد بطريق التسخير أو الوكالة بالعمولة، وهذا مميز ما بين الوكالة التجارية عن هذين الأخيرين.

 الفقرة الثانية: طبيعة الوكالة التجارية

تعتبر مسألة الطبيعة القانونية للوكالة التجارية، مدنية أو تجارية، من الأمور التي لم يتوحد بشأنها القضاء والفقه، فمادام الوكيل التجاري يمارس التصرفات المنوطة به بمقتضى الوكالة باسم ولحساب موكل، أن آثار تلك التصرفات تنصرف إلى ذمة موكله، فإنه يتواجد في وضعية تشبه، وضعية الوكيل بالمفهوم الوارد في مقتضيات القانون المدني[7].

ومن ثم يبقى السؤال المطروح هو الآتي: متى تكون الوكالة تجارية ومتى تكون مدنية؟

يجب أن نلاحظ في بادئ الأمر أن المشرع لم يحسم بشكل صريح أن الوكالة التجارية تعتبر عملا تجاريا، بل نص فقط في البند 9 من المادة 6 من مدونة التجارة على أن “السمسرة والوكالة بالعمولة وغيرهما من أعمال الوساطة” تعتبر أعمالا تجاريا. وقد دفع هذا الفراغ بعض الباحثين إلى اعتبار الوكالة التجارية عملا تجاريا مادام أن المشرع استعمل في البند 9 عبارة “وغيرهما من أعمال الوساطة”[8]. ولكننا سنرى أن المشرع تعمد عدم النص على تجارية الوكالة التجارية لمبرر سنراه فيما يأتي.

ويكفينا الآن القول أن هناك تضارب في القوانين المقارنة على تجارية الوكالة التجارية، فحيث تذهب بعض القوانين التجارية العربية إلى اعتبار الوكالة التجارية تدخل ضمن الأعمال التجارية[9]، كيفما كان العمل القانون محل الوكالة سواء كان عملا مدنيا أو عملا تجاريا، فإن مدونة التجارة المغربية حددت العمل الذي يكون محل الوكالة التجارية، فأوجبت أن يكون هذا العمل تجاريا، أو بعبارة نص المادة 393 “جميع العمليات التجارية”، فضلا عن أن يزاول الوكيل وكالته التجارية بصفة معتادة، أي أن يعتاد القيام بمزاولة الوكالة التجارية.

وينبني على ذلك أنه متى كان محل الوكالة عملا تجاريا يقوم به الوكيل باسم ولحساب موكله، ثم اتخذ هذا الوكيل هذه الوكالة مهنة معتادة، فإننا نكون بصدد وكالة تجارية لا وكالة مدنية.

ويخلص من ذلك أن المبرر الذي حذا بالمشرع على عدم النص صراحة على تجارية الوكالة التجارية هو اختلاف طبيعتها القانونية نظرا لاختلاف العمل محل الوكالة، والذي قد يكون تجاريا أو مدنيا، لأن المشرع لو أنه نص صريحا على الوكالة التجارية ضمن المادة 6 من مدونة التجارية، لما اشترط أن في المادة 393 من المدونة أن يكون محل الوكالة معاملات تجارية.

 ويرى بعض الفقه عن حق أن الوكالة تكون مدنية أو تجارية بالنسبة إلى الموكل بحسب ما إذا كان التصرف القانوني محل الوكالة مدنيًا أو تجاريًا بالنسبة إليه. فإذا صدر توكيل من الموكل في تصرف تجاري، كما إذا كان الموكل تاجرًا وكان التصرف متعلقًا يعمل من أعمال تجارته، أو كان الموكل غير تاجر ولكن التصرف القانوني كان عملا من أعمال المضاربة فيدخل في الأعمال التجارية، كانت الوكالة تجارية بالنسبة إلى الموكل، وإذا صدر التوكيل في تصرف مدني، كما إذا كان الموكل تاجرًا ولكن التصرف لا يتعلق بعمل من أعمال تجارته، أو كان الموكل غير تاجر ولم يكن التصرف مما يدخل في الأعمال التجارية، كانت الوكالة مدنية بالنسبة إلى الموكل. ويترتب على ذلك أن توكيل سمسار في شراء أسهم للاستغلال يعتبر عملا مدنيًا بالنسبة غلى الموكل، وفي شراء أسهم للمضاربة يعتبر عملا تجاريًا بالنسبة إليه. وتوكيل التاجر لشخص في شراء منزل لسكناه يعتبر عملا مدنيا بالنسبة غلى الموكل، وتوكيله في شراء بضائع لتجارته يعتبر عملا تجاريًا بالنسبة إليه.

مقال قد يهمك :   عاجل : الملك يوافق على ممارسة المرأة لمهنة "عدل"

أما بالنسبة إلى الوكيل، فإن الوكالة تعتبر تجارية إذا كان تاجرًا وكانت الوكالة تدخل في أعمال تجارته، وتعتبر مدنية إذا لم يكن تاجرًا ولو دخلت الوكالة في أعمال مهنته. فوكالة السمسار في شراء منزل للكسنى تعتبر وكالة تجارية بالنسبة إلى السمسار، وإن كانت مدنية بالنسبة إلى الموكل. ووكالة المحامي عن تاجر في قضية تجارية تعتبر وكالة مدنية بالنسبة إلى المحامي، وإن كانت تجارية بالنسبة إلى الموكل[10].

ويترتب على ذلك أن الوكالة متى كانت تجارية بالنسبة لأحد المتعاقدين سواء كان هو الموكل أو الوكيل، فإننا نكون أمام وكالة تجارية، ومن ثم فإن المحكمة المختصة هي المحكمة التجارية عملا بالمادة الخامسة من القانون رقم 53.95 المحدث للمحاكم التجارية، كما تخضع الوكالة التجارية لحرية الإثبات عملا بالمادة 334 من مدونة التجارة. وسيأتي في ذلك ببيان أوفى.

المطلب الثاني: تكوين عقد الوكالة التجارية

يستلزم عقد الوكالة التجارية كغيره من العقود توافر أركانه وبالرجوع إلى مدونة التجارة نجد أنها لم تتطرق لهذه الأركان، لكن استنادا إلى المادة الثانية منها والتي أحالتنا على مجموعة من المصادر الاحتياطية الممكن الرجوع إليها في حالة عدم وجدود أحكام خاصة ببعض المسائل التجارية ومن ضمنها ق.ل.ع ما لم تتعارض أحكامه مع مبادئ مدونة التجارة، ومن خلال الفصل الثاني من ق.ل.ع فإنه لتكوين عقد الوكالة التجارية يجب توافر كل من الأهلية، الرضا، المحل والسبب (الفقرة الأولى) هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن عقد الوكالة التجارية يجب أن يفرغ في قالب معين وأن يسجل لدى المصالح المختصة صيانة لمصالح الأطراف والأغيار (الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى: أركان عقد الوكالة التجارية

كما أشرنا سلفا فإن عقد الوكالة التجارية عند تكوينه يجب أن تتوافر فيه الأركان التالية:

التراضي:

يعتبر عقد الوكالة التجارية كغيره من العقود الأخرى لا يقوم إلا بتوافر ركن الرضا عن طريق تبادل الإيجاب والقبول بين الموكل والوكيل، ويكون قابلا للإبطال الرضا الصادر عن الغلط أو الناتج عن التدليس أو المنتزع بإكراه (الفصل 39 من ق.ل.ع)، في هذا الصدد يطرح تساؤل مفاده متى يمكن المطالبة بإبطال عقد الوكالة التجارية هل بمجرد وجود غلط في شخص الوكيل أو الموكل أم يجب اشتراك كلا المتعاقدين في الغلط؟

هناك من يرى أن وجود أي غلط في شخص الوكيل أو الموكل يجعل العقد قابلا لإبطال، وذلك لأن عقد الوكالة التجارية تلعب فيه شخصية المتعاقدين دورا مهما قبل التعاقد وبعده، في حين يرى اتجاه آخر أنه لكي يتم إبطال عقد الوكالة التجارية فإنه يجب اشتراك المتعاقدين في الغلط، بهدف الحفاظ على استقرار المعاملات وتعزيز الثقة بالعقود.

الأهلية:

ينص الفصل 880 من ق.ل.ع على أنه: “يلزم لصحة الوكالة أن يكون الموكل أهلا لأن يجري بنفسه التصرف الذي يكون محلا لها ولا تلزم نفس الأهلية في الوكيل حيث يكفي أن يكون متمتعا بالتمييز وبقواه العقلية…”.

من خلال ما سبق يتبين لنا أن هذا الفصل صريح بخصوص وجوب توفر شخص الموكل على أهلية التصرف، أي بلوغه 18 سنة شمسية كاملة كما هو منصوص عليه في المادة 209 من مدونة الأسرة، أما بخصوص أهلية الوكيل فإن المشرع لم يشترط أهلية التصرف فيه، إذ يكفي أن يكون مميزا متمتعا بقواه العقلية وإلا اعتبرت جميع تصرفاته باطلة.

المحل:

المحل في عقد الوكالة التجارية هو ذلك التصرف القانوني الذي يقوم به الوكيل لحساب الموكل والمتمثل في تمثيله أمام الزبناء.

إن عقد الوكالة التجارية قد يكون محلها قيام الوكيل التجاري بعملية التفاوض أو إبرام العقود سواء تعلق الأمر بالشراء أو البيع أو التأجير أو تقديم الخدمات بشكل مستمر مقابل الحصول على أجر.

ويشترط في صحة محل الوكالة التجارية ما يشترط في محل العقود بصفة عامة، أي أن يكون محلها ممكنا لا مستحيلا، ومعينا أو على الأقل قابلا للتعيين وأن يكون مشروعا لا مخالفا للنظام العام أو الأخلاق الحميدة أو القانون (ف 881 ق.ل.ع).

السبب:

يتجلى سبب الوكالة التجارية في الغرض الذي قصده كل من الوكيل والموكل، حيث إن سبب التزام الوكيل هو التزام الموكل بدفع العمولة أو الأجر، أما سبب التزام الموكل فيرجع إلى التزام الوكيل بتنفيذ مقتضيات ما نصت عليه الوكالة.

كما يشترط في السبب الذي من أجله تحمل الطرفان الالتزامات المتبادلة أن يكون صحيحا ومشروعا.

الفقرة الثانية: شروط عقد الوكالة التجارية

عند إبرام عقد الوكالة التجارية، يجب الانضباط إلى الشروط التالية:

شكل العقد:

المشرع المغربي وحرصا منه على استقرار وسلامة المعاملات نص في المادة 397 من مدونة التجارة على ما يلي:

“يثبت عقد الوكالة التجارية، وعند الاقتضاء، تعديلات بالكتابة”.

من خلال هذا النص يتبين لنا أن المشرع المغربي قد ساير التوجه الحديث للمشرع الفرنسي والذي كان يستلزم الكتابة كشرط للانعقاد وذلك قبل صدور قانون 25 يونيو 1991 والذي تراجع عن إمكانية اشتراط الكتابة وجعلها اختيارية فقط، مع ترك الحرية لكل طرف في المطالبة بأن يكون العقد كتابيا وموقعا ومشار فيه إلى مضمون العقد.

وما يمكن قوله هو أن شرط الكتابة تمكن الوكيل وكذا الموكل من إزالة الغموض حول طبيعة ومحتوى العقد الذي يربط بينهما، وكذا سهولة التعرف على الأطراف المتعاقدة.

شرط التسجيل:

لم يعمد المشرع المغربي إلى التنصيص على إلزامية التسجيل بالسجل التجاري بالنسبة إلى الوكلاء التجاريين وفقا لمقتضيات خاصة، إلا أنه وبالرجوع إلى الأحكام العامة المتعلقة بالتسجيل في السجل التجاري نجدها تقضي بضرورة التسجيل بالنسبة للوكلاء التجاريين على اعتبار أن التسجيل من الالتزامات الأساسية لاكتساب صفة تاجر حسب المادة 37 من مدونة التجارة ووفق نفس المادة نجدها تنص على إلزامية تسجيل كل ممثل تجاري أو وكالة تجارية لدولة أو لجماعات أو لمؤسسات عامة أجنبية كما نصت المادة 41 من مدونة التجارة على المكان الذي يلزم الوكيل بالتسجيل فيه وهو كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرة نفوذها الوكيل التجاري أعماله التجارية.

المبحث الثاني: آثار عقد الوكالة والقواعد المتعلقة بإنهائه

تنشأ عن عقد الوكالة التجارية مجموعة من الآثار القانونية والمتمثلة في مجموعة من الالتزامات سواء منها تلك التي يستعملها كل طرف من طرفي عقد الوكالة تجاه الطرف الآخر أن تلك الالتزامات التي يتحملها كلا طرفي الوكالة التجارية تجاه الأغيار (المطلب الأول).

وإذا كان عقد الوكالة التجارية شبيه إلى حد ما يعقد الوكالة المدنية من حيث أسباب الانتهاء فإن المشرع مع ذلك قد خص عقد الوكالة التجارية بقواعد خاصة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: آثار عقد الوكالة التجارية بين الأطراف وبينهم وبين الغير

تنقسم آثار عقد الوكالة التجارية إلى آثار تتمثل في إلتزامات تقع علىى اطراف عقد الوكالة فيما بينهم(الفقرة1)إلى جانب  التزامات كلا الطرفين تجاه بعضهما فقد رتب المشرع إلتزامات هؤلاء الأطراف تجاه الأغيار(الفقرة 2)

الفقرة الأولى: التزامات الأطراف فيما بينهم

ينص المشرع على هذه الالتزامات في المادة 395 م.ت فالعلاقات بين الطرفين يحكمها الالتزام بالصدق والإعلام

أولا: الالتزام بالصدق

يقصد بالصدق إلتزام الطرفين بالنزاهة والإخلاص، ويتجلى بالنسبة للوكيل التجاري في الالتزام بعدم المنافسة أما بالنسبة للموكل فيتجلى هذا الالتزام في احترام شرط الحصر الممنوح للوكيل.

1- التزام الوكيل التجاري بعدم المنافسة:

يعد هذا الشرط أثر طبيعي للمصلحة المشتركة وقد تم التنصيص عليه في المادة 393 وبذلك فالوكيل يعد مرتكبا لخطأ إذا ما قام بتمثيل موكل منافس لموكله.

ولقضاء الموضوع السلطة التقديرية في تحديد ما إذا كان العمل التمثيلي الذي أقدم عليه الوكيل التجاري بشكل منافسة لموكله أم لا.

2- التزام الموكل باحترام شرط الحصر:

غالبا ما يتفق الموكل والوكيل بمقتضى شرط عدم المنافسة على حصر نشاط الوكيل في منطقة جغرافية معينة أو ربطه بمجموعة من الزبناء المحددين أو هما معا فيجب على الموكل إحترام شرط الحصر وإذا خالف الموكل هذا الشرط كان مسؤولا عن تعويض الوكيل عما أصابه من ضرر ناتج عن هذا الإخلال.

ويعني شرط الحصر أن العمولات الواجبة عن كل العمليات التي أنجزت في هذه المنطقة تكون من نصيب الوكيل التجاري ولو تمت بدون تدخل منه.

ثانيا: الالتزام بالإعلام

يلتزم الوكيل التجاري بمقتضى الوكالة التجارية بإعلام الموكل في مقابل إلتزام هذا الأخير بتزويد الوكيل بمختلف التعليمات والوثائق الضرورية.

1- التزام الوكيل بإعلام الموكل:

يتمثل إعلام الوكيل للموكل في تقديم الحساب وإعلام الموكل بكل المعلومات التي يقتضيها العقد كالإدلاء بملاحظات الزبناء على البضاعة والأنشطة المنافسة وحالة السوق.

2- التزام الموكل بأعلام الوكيل

يتعلق الأمر بتقديم المعلومات والبيانات التي تسهل على الوكيل إبرام العمليات موضوع الوكالة التجارية كتزويده بالبيانات المتعلقة بالبضاعة أو الخدمة أو إعلامه في أجل معقول بقبوله أو رفضه تنفيذ عملية من العمليات وإلى جانب هذه الالتزامات العامة فهناك التزامات تخص كل طرف.

مقال قد يهمك :   توصيات الندوة الوطنية حول "الخطأ القضائي بين الإقرار الدستوري والاجتهاد القضائي"

أ- الالتزامات الخاصة بالوكيل:

  •  التنفيذ الاحترافي للوكالة التجارية: لقد تم التنصيص على هذا الالتزام صراحة في المادة 395 م.ت حيث يسأل الوكيل عن كل تدليس وعن الأخطاء التي يرتكبها في تنفيذ الوكالة وذلك ليس باعتباره نائبا فقط وإنما باعتباره محترفا أيضا.
  •  الالتزام بالمحافظة على السر: يعتبر هذا الالتزام مفروضا حتى في حالة غياب نص قانوني صريح باعتبار عقد الوكالة من عقود حسن النية، فعالم الأعمال له أسراره التي إذا ما تم إفشاؤها يمكن أن تستغل من طرف الغير، وقد ذهب توجه فقهي إلى وجوب المحافظة على سرية المعلومات خصوصا منها ذات الطابع التقني أو المالي وذلك حتى ولو لم يتفق الأطراف على ذلك.

ب- الالتزامات الخاصة بالموكل:

*) التزام الموكل بتمكين الوكيل من تنفيذ مهمته:

هذه الالتزامات تمكن الوكيل فعلا من تنفيذ الوكالة كما تسهل عليه إبرام العمليات موضوع الوكالة التجارية.

كما ينبغي على الموكل أن يرد للوكيل المبالغ التي أنفقها في تنفيذ الوكالة أو التسبيقات التي أداها من ماله الخاص.

كما يلتزم الموكل بتعويض وكيله عنا لحقه من أضرار بسبب تنفيذه لمهتمه أو بمناسبتها ما لم تكن لأسباب أخرى خارجة عن الوكالة.

*) التزام الموكل بدفع أجرة الوكيل: يتعلق الأمر بمبلغ العمولة الذي يتم تحديده من طرف الوكيل وموكليه غير أنه في غياب هذا الاتفاق فإنه يتم اللجوء إلى أعراف المهنة وإلا قامت المحكمة بتحديد الأجر.

الفقرة الثانية: علاقة الطرفين بالأغيار

في عقد الوكالة التجارية يتعاقد الوكيل التجاري مع الغير استنادا إلى سلطة النيابة المفوضة له من قبل الموكل، بمعنى أن الوكيل يعد صلة وصل بين الموكل والأغيار ما يقتضي الحديث عن آثار عقد الوكالة بين الموكل والغير (أولا) بعد الحديث عن مدى وجود هذه الآثار بين الوكيل والأغيار (ثانيا).

أولا: آثار عقد الوكالة في علاقة الوكيل بالغير

تنص المادة 921 من ق.ل.ع على أن: “الوكيل الذي يتعاقد بصفته وكيلا وفي حدود وكالته لا يتحمل أي التزام تجاه من يتعاقد معهم ولا يسوغ لهؤلاء الرجوع إلا على الموكل”. يتبين إذن من خلال هذا الفصل أن جميع آثار التصرفات القانونية التي يجريها الوكيل باسم موكله ولحسابه تنصرف مباشرة إلى هذا الأخيركما أن الوكيل لا يتحمل أي التزام في مواجهة الغير بشرط أن يتصرف في حدود وكالته وهذا ما يستفاد من الفصل 926 من ق.ل.ع إلا أنه يمكن رغم ذلك للموكل أن يلتزم بما يجريه الوكيل خارج حدود وكالته أي متجاوزا إياها وذلك في ثلاث حالات نص عليها الفصل 927 ق.ل.ع وتتمثل أولاها في إقرار الموكل لهذه التصرفات ولو دلالة وثانيها استفادة الموكل من هذه التصرفات وثالثها كون الفرق الحاصل عند تجاوز الوكيل حدود الوكالة يكون مما يمكن أن يتسامح به في التجارة أو في مكان إبرام العقد.

ثانيا: آثار عقد الوكالة في علاقة الموكل بالغير

اعتبارا لكون الوكيل التجاري يتفاوض ويتعاقد باسم ولحساب موكله فإن جميع التصرفات التي يجريها الوكيل تنتقل إلى الموكل والذي يصير إما دائنا أو مدينا بعد تنفيذ عقد الوكالة وهكذا ففي حالة حدوث نزاع بين الوكيل والزبون فإنه يتعين على هذا الأخير أن يرفع دعواه مباشرة على الموكل وهو ما أكده الفصل 925 من ق.ل.ع.

كما أن الموكل بدوره يقوم بمقاضاة هذا الزبون متى أخل بالتزاماته.

غير أنه بالنظر إلى نطاق الوعاء الذي تتحرك فيه الوكالة فإن الموكل لا يكون دائما هو المسؤول عن الإخلال بتنفيذ بنود العقد حيث قد تتقرر مسؤولية الوكيل في مواجهة الغير في حالة ما إذا تجاوز حدود وكالته أو أخل بمبدأ حسن النية… إذ يثبت للغير الحق في مطالبته بالتعويض عن الضرر

المطلب الثاني: انقضاء عقد الوكالة التجارية

إن عقد الوكالة التجارية كباقي العقود الأخرى، كما يتم إبرامه وتنفيذه، فإنه ينقضي، وهذه المرحلة الأخيرة تكتسي أهمية كبرى نظرا لما ترتبه من آثار.

وقد ينتهي عقد الوكالة التجارية لأسباب إرادية ترجع إلى الوكيل أو الموكل أو غير إرادية ترجع إلى طبيعة العقد الذي يربط الطرفين، كما قد ينتهي أيضا بالفسخ بمبادرة من أحد أطراف العقد، ولما كان انتهاء عقد الوكالة قد يترتب عليه حصول ضرر للوكيل فإننا نتساءل عن مدى إمكانيته في الحصول على التعويض؟

وهكذا سنعمد من خلال هذا المطلب إلى أن نتناول في فقرة أولى أسباب انقضاء عقد الوكالة التجارية، على أن نخصص الفقرة الثانية التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة إنهاء العقد.

الفقرة الأولى: أسباب انقضاء عقد الوكالة التجارية

ينقضي عقد الوكالة لأسباب قد تتعلق بشخص أحد المتعاقدين (أولا) كما قم يتم بالإرادة المنفردة لأحد الطرفين إذا اقتضت الضرورة ذلك (ثانيا).

أولا: انقضاء عقد الوكالة التجارية لسبب يتعلق بشخص أحد المتعاقدين

أ- الأسباب المتعلقة بالوكيل   

إن وفاة الوكيل سبب كاف لإنهاء عقد الوكالة التجارية، إلا أن المسألة التي تطرح هنا، هي تعويض الوكيل إنهاء العقد، فطبقا للمادة 402 من مدونة التجارة، يستحق الوكيل تعويضا عن الضرر اللاحق به جراء إنهاء العقد، بل الأكثر من ذلك أنه حتى في حالة وفاته التي كانت سببا في إنهاء العقد، فإنه يستحق تعويضا يستفيد منه ذوو الحقوق، ولكن يمكن أن يستمر تنفيذ العقد مع الورثة إذا ما قبل الموكل انتقاله إلى الورثة، وبالتالي يستمر تنفيذ العقد ويتحلل الموكل من التعويض المقرر من الإنهاء[11].

وتتجلى أهمية منح التعويض لورثة الوكيل المتوفى في كون المشرع جعل عقد الوكالة التجارية عقدا متعلقا بالذمة المالية للمورث[12].

ب- الأسباب المتعلقة بالموكل:

قد تنتهي الوكالة التجارية بوفاة الموكل إذا ما تعلق الأمر بشخص طبيعي أما إذا كان شخصا معنويا كشركة مثلا فإنها تنتهي كإطار قانوني ولا يبقى لها وجود[13]، وكذلك تنقضي الوكالة التجارية سبب توقف الموكل عن مزاولة نشاطه، كما في حالة فتح مسطرة المعالجة في حقه[14].

ويستحق الوكيل في مثل هذه الحالة تعويضا عن الضرر اللاحق به إلا إذا كان هذا التوقف ناتجا عن قوة قاهرة لأن العقد في هذه الحالة يفسخ بقوة القانون بمقتضى المادة 396 من مدونة التجارة في الفقرة الأخيرة منها.

وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أن مسطرة المعالجة التي تشكل مقاولة الموكل محلا لها، لا تعتبر قوة قاهرة تحول دون حق الوكيل التجاري في التعويض القانوني[15].

ب- إنهاء العقد بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين:

نعلم أن الوكالة وفقا للقواعد العامة عقد غير لازم، ومن العقود القائمة على الاعتبار الشخصي، وهو ما يعني من ناحية جواز عزل الموكل للوكيل في أي وقت يراه، كما يعني من ناحية أخرى جواز تنحي الوكيل عن الوكالة في أي وقت يختاره، دون أن تترتب في ذمة الطرف المنهي للعقد أية مسؤولية ما لم يكن متعسفا في ذلك، ووفقا للقواعد العامة لا يكون الموكل أو الوكيل متعسفا في استخدامه لحقه في إنهاء العقد إلا إذا تم في وقت غير مناسب، وبغير عذر مقبول (الفصل 942 من ق.ل.ع).

غير أن تطبيق هذه القواعد العامة الوكالة، على إنهاء الوكالة التجارية من قبل أحد طرفيها بإرادته المنفردة، قد يؤدي إلى أضرار بالغة بالطرف الثاني[16]، فالوكيل في الوكالة التجارية محترف لأعمال الوكالة، وصاحب مشروع، وهذا يعني أن إنهاء الموكل للعقد، قد تنجم عنه كارثة اقتصادية بالوكيل تخرجه من دائرة النشاط التجاري برمته، وبالمقابل، فإنه إنهاء الوكيل للعقد من جانبه قد يؤدي إلى تضرر وإرباك الموكل، وما تقدم يجعلنا نتساءل عن الحماية التي وضعها المشرع في القانون التجاري لطرفي العقد لحمايتهما من الآثار السلبية التي قد تنتج عن استخدام أي طرف لحقه في إنهاء عقد الوكالة التجارية؟

يجيب الدكتور بوعبيد عباسي قائلا : “ومراعاة من المشرع لهذه الوضعية غير بل قلب القاعدة المنصوص عليها في المادة 931 من ق.ل.ع، فمتع الوكيل بنوع من الاستقرار في نشاطه وفي علاقته التعاقدية مع موكليه، إذ منحه حقا في الزبناء، وحماه من عدم الاستقرار الذي يترتب على التطبيق المجرد للقواعد العامة”.

غير أنه لا يمكن القول بأنه لا يقبل الرجوع في عقد الوكالة التجارية، فالطرفان يحتفظان دائما بإمكانية الرجوع في الوكالة، كل ما في الأمر أنه رجوع غير حر إذ يقابله حق الطرف الآخر في التعويض، وفي جميع الحالات يشترط القانون ضرورة احترام مهلة الإخطار، لأن هذه المهلة عمليا دائمة التطبيق بالرغم من غياب أي مقتضى قانوني ينص على ذلك[17]، وفي هذا الإطار فقد نصت المادة 396/2 من مدونة التجارة على ما يلي: “يمكن لكل طرف وضع حد لعقد غير محدد المدة بتوجيه إشعار للطرف الآخر”، هذا الإشعار الذي يجب أن لا يقل على ما هو منصوص عليه قانونا مع إمكانية الاتفاق على خلاف ذلك حسب نص المادة 396/5 التي تضمنت ما يلي: “يمكن للأطراف أن يخالفوا مقتضيات الفقرة السابقة، لكن فقط في نطاق منح آجال أطول شريطة ألا يكون الأجل المفروض للموكل أقل من الأجل المفروض للوكيل التجاري”.

مقال قد يهمك :   محكمة الاستئناف وجدة: ندوة علمية تحت عنوان "الشكلية في التصرفات العقارية"

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن مهلة الإخطار حسب نص المادة 396/3 هو كالتالي: “شهر واحد بالنسبة للسنة الأولى من العقد وشهران بالنسبة للسنة الثانية منه وثلاثة أشهر ابتداء من السنة الثالثة” والتساؤل المطروح عن الجزاء المترتب في حالة عدم احترام هذه الآجال من طرف الوكيل التجاري؟

في هذه الحالة يمكن للموكل أن يطالب الوكيل بالتعويض عن الضرر الذي لحق به من جراء هذه المخالفة، هذا التعويض الذي يتفق عليه في العقد وفي حالة عدم تضمين العقد لذلك فإن القاضي هو الذي يحدده بحسب مقدار الضرر اللاحق بالموكل[18].

 الفقرة الثانية: التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة إنهاء العقد

يستحق الوكيل التجاري تعويضا عما يلحقه من ضرر نتيجة إنهاء العقد من طرف الموكل، سواء كان العقد محدد أو غير محدد المدة، ويعتبر هذا المبدأ أساسيا نصت عليه مدونة التجارة ونظمته وفق قواعد تهدف إلى حماية الوكيل التجاري بالدرجة الأولى. فما هي إذن حالات عدم استحقاق الوكيل التجاري التعويض؟ وكيف يتم تحديده.

أ- حالات عدم استحقاق الوكيل التجاري للتعويض

تختلف أسباب انتهاء عقد الوكالة التجارية حسب ما إذا كانت إرادية أو غير إرادية لكن إذا ما تم إنهاء العقد لارتكاب خطأ جسيم أو لتوقف الوكيل التجاري عن مزاولة أعمال الوكالة فهل يستحق تعويضا عن إنهاء العقد؟

1- ارتكاب خطأ جسيم:

تنص مدونة التجارة في البند رقم 1 من المادة 402 على أن الوكيل التجاري لا يستحق أي تعويض إذا ارتكب خطأ جسيما يستوجب إنهاء العقد.

إلا أن الموكل هو من يتحمل عبء إثبات الخطأ الجسيم، حيث عليه أن يقدم دليلا قاطعا على ما ارتكبه الوكيل التجاري، فلا يكفي إثبات الخطأ الجسيم مثلا بإثبات انخفاض مداخيل الموكل، وتجدر الإشارة إلى أن تقدير مدى جسامة الخطأ تبقى خاضعة للسلطة التقديرية للمحكمة[19].

2- التوقف الناجم عن فعل الوكيل التجاري

هذا المقتضى عليه بوضوح في المادة 402 من م.ت التي تنص على ما يلي: “… إذا ما كان التوقف ناجما عن فعل الوكيل التجاري ما لم يكن مبررا بظروف تنسب إلى الموكلين أو عن الاستحالة التي وجد فيها الوكيل التجاري بكيفية معقولة وحالت دون متابعة نشاطه بسبب سنه أو عاهة أو مرض…”.  وبالتالي فإن الوكيل لا يستحق أي تعويض في هذه الحالة.

3- تفويت الوكيل التجاري حقوقه والتزاماته للغير:

إذا ما قام الوكيل التجاري بتفويت حقوقه والتزاماته للغير فإنه لا يستحق أي تعويض طبقا للفقرة الثانية من المادة 402 من م.ت، وتكمن هذه الإمكانية في الحالة  التي يتوفى فيها الوكيل التجاري وتنتقل تلك الحقوق والالتزامات لورثته وبالتالي يتخلص الموكل من التعويض.

وتجدر الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بتخلي الوكيل التجاري للغير، نفس الحقوق والالتزامات التي كان يتضمنها عقد الوكالة التجارية، ولا يعتد بأن تغيير من طرف الموكل لحق من الحقوق أو إضافة التزام من الالتزامات والتي كانت السبب في تخلي الوكيل عن الوكالة للغير، ففي هذه الحالة الأخيرة لا يفقد الوكيل التجاري الحق في التعويض ما دام أن التخلي قد يكون صعبا وبامتيازات أقل بالنسبة للغير[20].

ب- استحقاق التعويض وكيفية تحديده.

إذا كان الوكيل التجاري لا يستحق التعويض في الحالات السابقة، فإن هناك حالات أخرى يستحق فيها التعويض عن إنهاء العقد (1) إضافة إلى كيفية تحديد التعويض (2) .

1- استحقاق التعويض:

إن قاعدة استحقاق الوكيل التجاري للتعويض، جاءت صريحة في المقتضيات المنظمة لعقد الوكالة التجارية، وجعلها المشرع جوهرية ويكتسيها طابع النظام العام، حيث لا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو إدراج أي شرط في العقد يرمي إلى ذلك، غير أن الوكيل التجاري يفقد حقه في التعويض إذا لم يوجه إشعارا إلى الموكل لإخباره عن نيته في المطالبة بحقه في التعويض داخل الآجال التي حددناها سلفا[21].

2- كيفية تحديد مبلغ التعويض:

لم يقم المشرع بتحديد مبلغ التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة إنهاء العقد وجعل ذلك خاضعا إما لاتفاق الأطراف أو سلطة المحكمة.

ويحسب التعويض على أساس العمولة المستحقة وليس على أساس العمولة المؤداة إلى الوكيل، فإذا كان الموكل قد احتفظ ببعض العمولة فإنه يجب أخذها بعين الاعتبار من جديد وقت تحديد التعويض[22].

خاتمة:

إن عقد الوكالة التجارية، وكما تبين لنا من خلال دراستنا المتواضعة هذه، أصبحت تشكل إحدى العقود الهامة في الميدان التجاري، وخاصة وأن المغرب يعتبر من البلدان التي تعتمد أسواقها – إلى حد ليس بالقليل – على تجارة الاسترداد.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع من خلال تنظيمه للوكالة التجارية قام بسد فراغ تشريعي عمر لسنوات طويلة، تضررت من ورائه مصالح شريحة حيوية تشكل عماد الاقتصاد الوطني، إلا أن الثغرة لازالت موجودة مادام هذا القانون يفتقد إلى الواقعية وهذا أمر طبيعي لأنه مستمد من القانون الفرنسي المنظم للوكلاء التجاريين، والذي استمد أغلب أحكامه بدوره من أعراف مهنة الوكالة التجارية السائدة في فرنسا لعقود طويلة من الزمن، وبالتالي يكون المغرب رهين قانون وضع في بيئة غير بيئته الطبيعية والتي تتلائم مع واقع التجارة والتجار.


(*) تم إنجاز هذا العرض من طرف طلبة ماستر العقود والعقار بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة.


الهوامش :

[1] المنشور بالجريدة الرسمية عدد 46 بتاريخ 9 سبتمبر 1913، صفحة 172.

[2] الفصول 879 إلى 958.

[3] المعنون كما يلي: “في مختلف العقود المسماة وفي أشباه العقود التي ترتبط بها”.

[4] المعنون بالعقود بالتجاري (المواد 393 إلى 404).

[5] ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيـع الأول 1417  فاتح أغسطس 1996(بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة الجريدة الرسمية عدد 4418 الصادرة بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 )3 أكتوبر 1996) ص 2187.

[6] وقد جاء في هذا الخصوص نص المادة 2 من مدونة الشغل يؤكد نص المادة 394 من مدونة التجارة المشار إليها أعلاه. وقد جاء في نص المادة 2 من مدونة الشغل ما يلي: “تسري أحكام هذا القانون أيضا على:

  • الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في مقاولة ما، رهن إشارة الزبناء لكي يقدموا إليهم مختلف الخدمات، سواء كان ذلك بتكليف من رئيس المقاولة أو برضاه؛
  • الأشخاص الذين عهدت إليهم مقاولة واحدة بمباشرة مختلف البيوعات وبتلقي مختلف الطلبات، إذا كان هؤلاء الأشخاص يمارسون مهنتهم في محل سلمته لهم المقاولة، ويتقيدون بالشروط والأثمنة التي تفرضها تلك المقاولة؛
  • …”

[7] بوعبيد العباسي، العقود التجارية، الطبعة الأولى 2008، مطبعة الأمنية الرباط، ص 174.

[8] أحمد الوشلي، الوكالة التجارية في القانون المغربي واليمني، دراسة مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في قانون الأعمال، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الموسم الجامعي 2001-2002، ص 23.

[9] تنص المادة 148 من القانون التجاري المصري على ما يأتي: “تطبق أحكام الوكالة التجارية إذا كان الوكيل محترفا إجراء المعاملات التجارية لحساب الغير”.

[10]  عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع (العقود الواردة على العمل)، الطبعة الأولى، 1964، دار إحياء التراث العربي، صفحة 378.

[11] – بوعبيد عباسي، الوكالة التجارية، مقال منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، العدد 38، 2002، ص: 162.

[12] – كوثار شوقي، النظام القانوني لانقضاء عقد الوكالة التجارية، مقال منشور بالموقع الالكتروني www.marocdroit.com ، تاريخ الولوج 02/05/2016 على الساعة  20h03.

[13] – الفصل 930 من ظهير ل.ع.

[14] – بوعبيد العباسي، مرجع سابق، ص: 161.

[15] – كوثار شوقي، مرجع سابق، ص: 4.

[16] – الدكتور بوعبيد عباسي، العقود التجارية دراسة تحليلية وفق القانون المغربي والمقارن، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2013، ص: 219.

[17] – محمد المقريني، عقد الوكالة التجارية (دراسة مقارنة)، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، وحدة البحث والتكوين: الضمانات التشريعية في قانون الأعمال المغربي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 1999-2000، ص: 94.

[18] – مرجع سابق، ص: 95.

[19] – كوثار شوقي، مرجع سابق، ص 7.

[20] – محمد المقريني، مرجع سابق، ص: 105.

[21] – بوعبيد عباسي، الوكالة التجارية، مقال منشور في المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، مرجع سابق، ص: 168.

[22] – كوثار شوقي، مرجع سابق، ص: 9.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)